موسوعة القائم ج3 من فكر السيد القحطاني
تمهيد
أن القضية المهدوية باعتبارها من أهم القضايا في الكون لأنها المتممة والمكملة لجميع الديانات السماوية فلا بد أن تحذو حذوها في طريقة الإعداد والتنظيم ومن ثم الانتقال إلى مرحلة الصدوع بدعوة الحق ومجابهة أهل الباطل وهذا لا يتم إلا عن طريق وجود أنصار يعملون على نصرة الداعي إلى الحق سواءً كان نبياً أو وصياً أو ولياً من الأولياء الصالحين الذين يدعون إلى الطريق المستقيم، فعليه يجب أن تظهر دعوة تدعوا إلى الإمام المهدي (ع) والتي تكون بقيادة وزيره السيد اليماني وهو من الأمور الحتمية الوقوع كما تصرح بذلك الروايات الواردة عن أهل البيت من حيث أن اليماني من المحتوم لابد أن تكون له دعوة ولدعوته أنصاراً ينصرونها ويعملون على نشرها جرياً على سنة الله في الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) .
ولما كانت دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) لها شبه بدعوة جده الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) على وجه الخصوص، فهي امتداد لها لكون الإمام المهدي (عليه السلام) سيظهر دين جده المصطفى (ص) على جميع الأديان فلابد أن تكون لدعوته أنصاراً كما كانت لدعوة جده (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) ونحن نعلم أن أنصار الدعوة المحمدية آنذاك ينقسمون إلى قسمين الأول هم المهاجرين الذين آمنوا به في مكة، والقسم الثاني هم الأنصار من أهل المدينة الذين عاهدوا على النصرة والموالاة والمتمثلين بالأوس والخزرج.
لذلك لابد من وجود الأوس والخزرج في آخر الزمان يقومون بنصرة دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ونصرة صاحبها وهؤلاء لابد أن يتواجدوا في إيران باعتبارها مدينة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) على حسب التأويل حيث سيقوم هؤلاء باستقبال الداعي وأنصاره الذين سيهاجرون إليهم من الكوفة التي تمثل مكة الإمام المهدي (ع) وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء (الأوس والخزرج) هم ممن ينتسبون إلى الأوس والخزرج في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) بل إنهم يمثلون ويلعبون نفس دورهم في نصرة القائم من آل محمد (عليه السلام) كما نصر الأوس والخزرج جده الرسول (ص) من قبل.
وبطبيعة الحال سيكون أهل إيران من العجم هم الأنصار من الأوس والخزرج في عصر ظهور وقيام الإمام المهدي (عليه السلام) وهذا ما سنثبته ونتناوله في سياق هذا البحث.
العجم الأوس والخزرج على حسب التأويل
بما أن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) لها شبه بدعوة جده الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) فحتماً ستمر بنفس الظروف والمراحل بغض النظر عن التفاصيل الجزئية وقد وردت جملة من الروايات تؤكد هذا الشبه بين الدعوتين منها ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (يا ابا محمد يستأنف الداعي منا دعاءً جديداً كما دعا إليه رسول الله ....)
كما ورد عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء)
وورد عن أبي خديجة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا قام القائم جاء بأمر جديد كما دعا رسول الله في بدء الإسلام إلى أمر جديد)
ولو نظرنا إلى دعوة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) نجد إن من جملة الأمور المهمة الملفتة للنظر هو ما يتعلق بمسألة الأنصار الذين ينقسمون إلى مهاجرين وأنصار. فبالنسبة للأنصار من أهل المدينة الذين نصروا الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) والذين يقف في مقدمتهم الأوس والخزرج وهم أول من آمن بالدين الإسلامي عندما التقوا بالرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) بمكة ثم عادوا إلى يثرب ونشروا الدعوة هناك.
أذن فمن باب الشبه بين الدعوتين المهدوية والمحمدية لابد من وجود الأوس والخزرج في آخر الزمان الذين يقطنون إيران المدينة حسب التأويل.
وابتداء سنقوم بإعطاء لمحة عن الأوس والخزرج في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) ومن ثم سنعطي الأدلة على أن العجم هم الأوس والخزرج في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام). وذلك في أوجه الشبه بين الطرفين الأوس والخزرج في صدر الإسلام مع الأوس والخزرج في آخر الزمان .
كانت الأوس والخزرج قبيلتان من القبائل التي تسكن يثرب وكان الأوس والخزرج اخوين أبنا حارثة بن ثعلبة قد وقع خلاف وعداء فيما بينهم وأستمر هذا العداء والتناحر من جيل إلى جيل فكانت بينهم عدة وقائع مشهورة كيوم الصفيفة، ويوم السراء، ويوم بعات وغيرها وبقي الحال حتى مجيء عصر ظهور دعوة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) فمنّ الله عز وجل عليهم بالإسلام وبالرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) الذي أستطاع أن يألف فيما بينهم تحت راية الإسلام وقد أشار كتاب الله إلى تناحرهم الذي زال بتأليف الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) لهم بقوله تعالى {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
وقد كانت معرفتهم بالدعوة الإسلامية أن صادف قدوم أحدهم من قبيلة الأوس وهو سويدن الصامت حاجاً أو معتمراً إلى مكة فبلغه أمر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) فكلمه ودعاه إلى الله فقبل ورجع إلى يثرب فقتله الخزرج ثم قدم بعده نفر آخر من الخزرج على رأسهم اسعد بن زرارة إلى مكة بقصد العمرة في الوقت الذي كان فيه الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) والمسلمين يقومون بنشر الدعوة متحملين أذى قريش لهم فصادف أن لقيهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) فدعاهم إلى الدين الجديد وقرأ عليهم القرآن فآمنوا به وعادوا إلى قومهم وأخبروهم الخبر وقد كانوا هم قد سألوا الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) أن يبعث إليهم برجل يعلمهم الإسلام فبعث إليهم مصعب بن عمير الذي نزل عند أحد رؤسائهم وهو أسعد بن زرارة وأخذ يدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم تعاليمه فخرج نفر منهم وأرادوا ملاقاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) بمكة وهم من أصحاب العقبة الأولى الذي ورد فيهم رواية طويلة جاء فيها:
(فبعث إليهم رسول الله مصعب بن عمير فنزل على أسعد بن زرارة وجعل يدعوهم إلى الله عز وجل ويعلمهم الإسلام وكان أول من قدم المدينة ثم خرج اثنا عشر رجلا منهم إليه فلقوه وهم أصحاب العقبة الأولى فآمنوا بالله وصدقوه وانصرفوا إلى المدينة وكثر خبره ونشأ الإسلام فيها ...)
وكان غالبية هؤلاء من الخزرج إلا رجل واحد على ما تذكر بعض الروايات كان من الأوس فلما كان العام الثاني ازداد عدد الأنصار المؤمنين بالدعوة من الأوس والخزرج معاً فقدموا مئة يريدون ملاقاة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) وبالفعل تم ذلك وكان ذلك في بيعة العقبة الثانية والتي طلبوا فيها منه (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) الخروج من مكة والقدوم إلى يثرب (المدينة المنورة ) بعدما شاهدوا من أذى قريش له وللمسلمين من أصحابه، وكان في أمر هذه البيعة في رواية مختصرة جاء فيها:
(فلما كان العام القابل خرج إليه جماعة من الأوس وجماعة من الخزرج فوافى منهم سبعون رجلاً وامرأتان فأسلموا وصدقوه ...فسألوه أن يخرج معهم إلى المدينة وقالوا: لم يصبح قوماً في مثل ما نحن فيه من الشر ولعل الله أن يجمعنا بك ويجمع ذات بيننا فلا يكون احد اعز منا، فقال لهم رسول الله قولاً جميلاً ثم انصرفوا إلى قومهم فدعوهم إلى الإسلام فكثر حتى لم تبقى دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر حسن من ذكر رسول الله وسألوه الخروج معهم وعاهدوا أن ينصرونه على القريب والبعيد والأسود والأحمر وأخذ عليهم العهود والمواثيق أن يمنعوه وأهله مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وأولادهم وعلى أن يحاربوا معه الأسود والأحمر وأن ينصر القريب والبعيد وشرط لهم الوفاء بذلك والجنة )
وهكذا نجد إن العدد في بيعة العقبة الثانية قد ازداد إلى سبعون شخصاً من الأوس والخزرج والذين أختار منهم اثنا عشر نقيباً يكونون الكفلاء على قومهم وهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وهذا مما يدل على أن عدد الخزرج أكثر من عدد الأوس في بيعة العقبة الثانية من حيث أن الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) قد أختار منهم تسعة أشخاص يكونون كفلاء قومهم مقابل ثلاثة من الأوس يقومون بنفس المهمة
وانطلاقاً من منظور المشابهة بين دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ودعوة جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) سيكون في عصر ظهوره جماعة يكونون أنصاراً لدعوته كما كان الأوس والخزرج أنصارا لجده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) وهؤلاء الأنصار من الأوس والخزرج سيكونون من العجم هذه المرة لأنه ليس من الضرورة أن يكون أوس وخزرج آخر الزمان هم من العرب الذين ينتسبون إلى أسلافهم من الأوس والخزرج، ولكن من المهم أن يكون دور هؤلاء الأنصار وكيفية نصرتهم للإمام المهدي (عليه السلام) يشبه الدور الذي اضطلع به الأوس والخزرج في صدر الإسلام لأننا نعلم إن أنصار دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) والذين سيقوم فيهم الداعي اليماني صاحب دعوة المهدي (عليه السلام) هم من العرب الذين يسكنون الكوفة التي تمثل مكة وهؤلاء بعد إعلان دعوتهم ستضايقهم الحكومات آنذاك و سيهاجرون من الكوفة هرباً من أذى قريش المتواجدون في ذلك الزمان فعندها يصدق عليهم لفظ المهاجرين والذين لابد أن يهاجروا إلى بلد فيه نصرة ومنعة وحتماً سيكون هذا البلد من البلدان الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) ونحن لا نعلم في بلدان العرب المجاورة للعراق بلداً يكون في أغلبيته الساحقة من الشيعة الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) غير إيران، والتي أثبتنا سابقاً أنها مدينة الإمام المهدي (عليه السلام) .
إذن فإيران البلد الوحيد الذي يستطيع أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) من المهاجرين العراقيين وغيرهم من الهجرة إليه ويقوم أهله بنصرة الإمام المهدي (عليه السلام) واستقبال دعوته والانضمام إليها.
ولو قمنا بعقد مقارنة بين الأوس والخزرج في صدر الإسلام وبين العجم الذين هم الأوس والخزرج في آخر الزمان سنجد هناك عدد من نقاط الشبه التي تدل على إنهم بالفعل أوس وخزرج عصر الظهور وكل نقطة من تلك النقاط تشير إلى ناحية أو وجه شبه معين بين الطرفين.
وقبل الكلام عن تلك النواحي لابد من الإشارة وبشكل عام إلى أن الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) تشير إلى أن العجم في آخر الزمان سيضربون العرب على الدين عوداً كما ضربهم المسلمون عليه بدءاً وهم بذلك يشتركون مع الأوس والخزرج من ناحية شدة الإيمان والذين كثيراً ما مدحهم الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) بأنهم أنصاره وعيبته كنانته التي يرمي بهم أعدائه.
أما بخصوص الروايات التي تناولت العجم منها ما ورد عن أبي هريرة عن النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) أنه قال: (كنا جلوساً عند النبي (ص) إذ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } قال: رجل من هؤلاء يا رسول الله فلم يراجعه (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) وسأم حتى سأله مرتين أو ثلاثاً وفينا سلمان الفارسي، قال فوضع النبي (ص) يده على سلمان وقال لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله ناس من أبناء فارس)
وورد في رواية عن الإمام علي (ع) جاء فيها: (جاء الاشعث فجعل يتخطى الرقاب حتى قرب منه، ثم قال له: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك يعني الأعاجم ...حتى قال صعصعة بن صوحان: مالنا واللاشعث ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر، فقال (عليه السلام) من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتمرغ احدهم على فراشه تمرغ الحمار ويهجر قوما للذكر أفتأمرونني أن اطردهم، ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين، أما والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ليضربنكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءًا )
يتبع
تمهيد
أن القضية المهدوية باعتبارها من أهم القضايا في الكون لأنها المتممة والمكملة لجميع الديانات السماوية فلا بد أن تحذو حذوها في طريقة الإعداد والتنظيم ومن ثم الانتقال إلى مرحلة الصدوع بدعوة الحق ومجابهة أهل الباطل وهذا لا يتم إلا عن طريق وجود أنصار يعملون على نصرة الداعي إلى الحق سواءً كان نبياً أو وصياً أو ولياً من الأولياء الصالحين الذين يدعون إلى الطريق المستقيم، فعليه يجب أن تظهر دعوة تدعوا إلى الإمام المهدي (ع) والتي تكون بقيادة وزيره السيد اليماني وهو من الأمور الحتمية الوقوع كما تصرح بذلك الروايات الواردة عن أهل البيت من حيث أن اليماني من المحتوم لابد أن تكون له دعوة ولدعوته أنصاراً ينصرونها ويعملون على نشرها جرياً على سنة الله في الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) .
ولما كانت دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) لها شبه بدعوة جده الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) على وجه الخصوص، فهي امتداد لها لكون الإمام المهدي (عليه السلام) سيظهر دين جده المصطفى (ص) على جميع الأديان فلابد أن تكون لدعوته أنصاراً كما كانت لدعوة جده (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) ونحن نعلم أن أنصار الدعوة المحمدية آنذاك ينقسمون إلى قسمين الأول هم المهاجرين الذين آمنوا به في مكة، والقسم الثاني هم الأنصار من أهل المدينة الذين عاهدوا على النصرة والموالاة والمتمثلين بالأوس والخزرج.
لذلك لابد من وجود الأوس والخزرج في آخر الزمان يقومون بنصرة دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ونصرة صاحبها وهؤلاء لابد أن يتواجدوا في إيران باعتبارها مدينة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) على حسب التأويل حيث سيقوم هؤلاء باستقبال الداعي وأنصاره الذين سيهاجرون إليهم من الكوفة التي تمثل مكة الإمام المهدي (ع) وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء (الأوس والخزرج) هم ممن ينتسبون إلى الأوس والخزرج في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) بل إنهم يمثلون ويلعبون نفس دورهم في نصرة القائم من آل محمد (عليه السلام) كما نصر الأوس والخزرج جده الرسول (ص) من قبل.
وبطبيعة الحال سيكون أهل إيران من العجم هم الأنصار من الأوس والخزرج في عصر ظهور وقيام الإمام المهدي (عليه السلام) وهذا ما سنثبته ونتناوله في سياق هذا البحث.
العجم الأوس والخزرج على حسب التأويل
بما أن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) لها شبه بدعوة جده الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) فحتماً ستمر بنفس الظروف والمراحل بغض النظر عن التفاصيل الجزئية وقد وردت جملة من الروايات تؤكد هذا الشبه بين الدعوتين منها ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (يا ابا محمد يستأنف الداعي منا دعاءً جديداً كما دعا إليه رسول الله ....)
كما ورد عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء)
وورد عن أبي خديجة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا قام القائم جاء بأمر جديد كما دعا رسول الله في بدء الإسلام إلى أمر جديد)
ولو نظرنا إلى دعوة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) نجد إن من جملة الأمور المهمة الملفتة للنظر هو ما يتعلق بمسألة الأنصار الذين ينقسمون إلى مهاجرين وأنصار. فبالنسبة للأنصار من أهل المدينة الذين نصروا الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) والذين يقف في مقدمتهم الأوس والخزرج وهم أول من آمن بالدين الإسلامي عندما التقوا بالرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) بمكة ثم عادوا إلى يثرب ونشروا الدعوة هناك.
أذن فمن باب الشبه بين الدعوتين المهدوية والمحمدية لابد من وجود الأوس والخزرج في آخر الزمان الذين يقطنون إيران المدينة حسب التأويل.
وابتداء سنقوم بإعطاء لمحة عن الأوس والخزرج في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) ومن ثم سنعطي الأدلة على أن العجم هم الأوس والخزرج في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام). وذلك في أوجه الشبه بين الطرفين الأوس والخزرج في صدر الإسلام مع الأوس والخزرج في آخر الزمان .
كانت الأوس والخزرج قبيلتان من القبائل التي تسكن يثرب وكان الأوس والخزرج اخوين أبنا حارثة بن ثعلبة قد وقع خلاف وعداء فيما بينهم وأستمر هذا العداء والتناحر من جيل إلى جيل فكانت بينهم عدة وقائع مشهورة كيوم الصفيفة، ويوم السراء، ويوم بعات وغيرها وبقي الحال حتى مجيء عصر ظهور دعوة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) فمنّ الله عز وجل عليهم بالإسلام وبالرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) الذي أستطاع أن يألف فيما بينهم تحت راية الإسلام وقد أشار كتاب الله إلى تناحرهم الذي زال بتأليف الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) لهم بقوله تعالى {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
وقد كانت معرفتهم بالدعوة الإسلامية أن صادف قدوم أحدهم من قبيلة الأوس وهو سويدن الصامت حاجاً أو معتمراً إلى مكة فبلغه أمر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) فكلمه ودعاه إلى الله فقبل ورجع إلى يثرب فقتله الخزرج ثم قدم بعده نفر آخر من الخزرج على رأسهم اسعد بن زرارة إلى مكة بقصد العمرة في الوقت الذي كان فيه الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) والمسلمين يقومون بنشر الدعوة متحملين أذى قريش لهم فصادف أن لقيهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) فدعاهم إلى الدين الجديد وقرأ عليهم القرآن فآمنوا به وعادوا إلى قومهم وأخبروهم الخبر وقد كانوا هم قد سألوا الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) أن يبعث إليهم برجل يعلمهم الإسلام فبعث إليهم مصعب بن عمير الذي نزل عند أحد رؤسائهم وهو أسعد بن زرارة وأخذ يدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم تعاليمه فخرج نفر منهم وأرادوا ملاقاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) بمكة وهم من أصحاب العقبة الأولى الذي ورد فيهم رواية طويلة جاء فيها:
(فبعث إليهم رسول الله مصعب بن عمير فنزل على أسعد بن زرارة وجعل يدعوهم إلى الله عز وجل ويعلمهم الإسلام وكان أول من قدم المدينة ثم خرج اثنا عشر رجلا منهم إليه فلقوه وهم أصحاب العقبة الأولى فآمنوا بالله وصدقوه وانصرفوا إلى المدينة وكثر خبره ونشأ الإسلام فيها ...)
وكان غالبية هؤلاء من الخزرج إلا رجل واحد على ما تذكر بعض الروايات كان من الأوس فلما كان العام الثاني ازداد عدد الأنصار المؤمنين بالدعوة من الأوس والخزرج معاً فقدموا مئة يريدون ملاقاة الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) وبالفعل تم ذلك وكان ذلك في بيعة العقبة الثانية والتي طلبوا فيها منه (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) الخروج من مكة والقدوم إلى يثرب (المدينة المنورة ) بعدما شاهدوا من أذى قريش له وللمسلمين من أصحابه، وكان في أمر هذه البيعة في رواية مختصرة جاء فيها:
(فلما كان العام القابل خرج إليه جماعة من الأوس وجماعة من الخزرج فوافى منهم سبعون رجلاً وامرأتان فأسلموا وصدقوه ...فسألوه أن يخرج معهم إلى المدينة وقالوا: لم يصبح قوماً في مثل ما نحن فيه من الشر ولعل الله أن يجمعنا بك ويجمع ذات بيننا فلا يكون احد اعز منا، فقال لهم رسول الله قولاً جميلاً ثم انصرفوا إلى قومهم فدعوهم إلى الإسلام فكثر حتى لم تبقى دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر حسن من ذكر رسول الله وسألوه الخروج معهم وعاهدوا أن ينصرونه على القريب والبعيد والأسود والأحمر وأخذ عليهم العهود والمواثيق أن يمنعوه وأهله مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وأولادهم وعلى أن يحاربوا معه الأسود والأحمر وأن ينصر القريب والبعيد وشرط لهم الوفاء بذلك والجنة )
وهكذا نجد إن العدد في بيعة العقبة الثانية قد ازداد إلى سبعون شخصاً من الأوس والخزرج والذين أختار منهم اثنا عشر نقيباً يكونون الكفلاء على قومهم وهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وهذا مما يدل على أن عدد الخزرج أكثر من عدد الأوس في بيعة العقبة الثانية من حيث أن الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) قد أختار منهم تسعة أشخاص يكونون كفلاء قومهم مقابل ثلاثة من الأوس يقومون بنفس المهمة
وانطلاقاً من منظور المشابهة بين دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ودعوة جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) سيكون في عصر ظهوره جماعة يكونون أنصاراً لدعوته كما كان الأوس والخزرج أنصارا لجده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) وهؤلاء الأنصار من الأوس والخزرج سيكونون من العجم هذه المرة لأنه ليس من الضرورة أن يكون أوس وخزرج آخر الزمان هم من العرب الذين ينتسبون إلى أسلافهم من الأوس والخزرج، ولكن من المهم أن يكون دور هؤلاء الأنصار وكيفية نصرتهم للإمام المهدي (عليه السلام) يشبه الدور الذي اضطلع به الأوس والخزرج في صدر الإسلام لأننا نعلم إن أنصار دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) والذين سيقوم فيهم الداعي اليماني صاحب دعوة المهدي (عليه السلام) هم من العرب الذين يسكنون الكوفة التي تمثل مكة وهؤلاء بعد إعلان دعوتهم ستضايقهم الحكومات آنذاك و سيهاجرون من الكوفة هرباً من أذى قريش المتواجدون في ذلك الزمان فعندها يصدق عليهم لفظ المهاجرين والذين لابد أن يهاجروا إلى بلد فيه نصرة ومنعة وحتماً سيكون هذا البلد من البلدان الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) ونحن لا نعلم في بلدان العرب المجاورة للعراق بلداً يكون في أغلبيته الساحقة من الشيعة الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) غير إيران، والتي أثبتنا سابقاً أنها مدينة الإمام المهدي (عليه السلام) .
إذن فإيران البلد الوحيد الذي يستطيع أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) من المهاجرين العراقيين وغيرهم من الهجرة إليه ويقوم أهله بنصرة الإمام المهدي (عليه السلام) واستقبال دعوته والانضمام إليها.
ولو قمنا بعقد مقارنة بين الأوس والخزرج في صدر الإسلام وبين العجم الذين هم الأوس والخزرج في آخر الزمان سنجد هناك عدد من نقاط الشبه التي تدل على إنهم بالفعل أوس وخزرج عصر الظهور وكل نقطة من تلك النقاط تشير إلى ناحية أو وجه شبه معين بين الطرفين.
وقبل الكلام عن تلك النواحي لابد من الإشارة وبشكل عام إلى أن الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) تشير إلى أن العجم في آخر الزمان سيضربون العرب على الدين عوداً كما ضربهم المسلمون عليه بدءاً وهم بذلك يشتركون مع الأوس والخزرج من ناحية شدة الإيمان والذين كثيراً ما مدحهم الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) بأنهم أنصاره وعيبته كنانته التي يرمي بهم أعدائه.
أما بخصوص الروايات التي تناولت العجم منها ما ورد عن أبي هريرة عن النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) أنه قال: (كنا جلوساً عند النبي (ص) إذ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } قال: رجل من هؤلاء يا رسول الله فلم يراجعه (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) وسأم حتى سأله مرتين أو ثلاثاً وفينا سلمان الفارسي، قال فوضع النبي (ص) يده على سلمان وقال لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله ناس من أبناء فارس)
وورد في رواية عن الإمام علي (ع) جاء فيها: (جاء الاشعث فجعل يتخطى الرقاب حتى قرب منه، ثم قال له: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك يعني الأعاجم ...حتى قال صعصعة بن صوحان: مالنا واللاشعث ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر، فقال (عليه السلام) من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتمرغ احدهم على فراشه تمرغ الحمار ويهجر قوما للذكر أفتأمرونني أن اطردهم، ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين، أما والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ليضربنكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءًا )
يتبع
تعليق