ناقة صالح والنفس الزكية
جاء في تفسير هذه السورة {والشمس وضحاها} الشمس أمير المؤمنين (عليه السلام) {وضحاها} قيام القائم (عليه السلام) و {الليل إذا يغشاها} غشي عليه الحق وأما قوله { والسماء وما بناها} قال هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هو السماء الذي يسمو إليه الخلق في العلم وقوله {والأرض وما طحاها } قال الأرض الشيعة { ونفسٍ وما سواها } قال هو المؤمن المستور وهو على الحق وقوله {فألهمها فجورها وتقواها } قال معرفة الحق من الباطل {قد أفلح من زكاها } قد أفلحت نفسٌ زكاها الله عز وجل { وقد خاب من دساها} وقوله {كذبت ثمود بطغواها} قال ثمود رهط من الشيعة فإن الله عز وجل يقول { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون } فهو السيف إذا قام القائم (عليه السلام) وقوله تعالى { إذ انبعث أشقاها} وأشقاها هو الشيصباني حاكم بني العباس { فقال لهم رسول الله } هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) { ناقة الله } قال الناقة الإمام الذي يفهمهم عن الله { وسقياها } أي عنده مستقى العلم { فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها } قال في الرجعة { ولا يخاف عقباها } قال لا يخاف من مثلها إذا رجع ( ) .
التأويل المعاصر:
إن لهذه السورة ارتباط وثيق بالإمام (عليه السلام) كما كان للتأويل السابق على لسان الإمام المعصوم (عليه السلام) .
فالناقة في التأويل هي النفس الزكية، لاسيما ان أبا عبد الله (عليه السلام) ذكر آنفاً أن ثمود هم رهط من الشيعة فيكون انطباق عقر الناقة بمقتل النفس الزكية في آخر الزمان في سبعين من الصالحين وهو المعقور من قِبل ثمود آخر الزمان.
فالمعروف أن الناقة في أمة صالح كان معها فصيلها، وان العذاب لم ينزل حتى ذبحوا الفصيل وكذلك الحال في عاد آخر الزمان حيث أن العذاب بقيام الإمام لن يقع حتى يقتلوا النفس الزكية الثانية التي هي أصغر سناً من الأولى.
فالناقة الكبرى هي النفس الزكية الأولى والفصيل هو النفس الزكية الثانية والتي بمقتلها يحل العذاب .
فعن سفيان بن إبراهيم الحريري أنه سمع أباه يقول: ( النفس الزكية غلام من آل محمد، اسمه محمد بن الحسن يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ولا في الأرض ناصر، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد )( ) .
وأما قوله تعالى: { ولا يخاف عقباها } أي ان القائم (عليه السلام) هو من لا يخاف عقب مقتل ذلك الغلام أحداً بل يأذن الله له بالقيام وارتفاع الغيبة وهو الخائف المذكور بهذا الوصف في الزيارة: { السلام عليك أيها المهذب الخائف } فيخرج الإمام (عليه السلام) كسنة موسى علىقومه غضبان أسفاً .. وهذا هو وجه التأويل المعاصر لسورة الشمس في عصر ا من هو الشيصباني؟
لقد ذكرنا سلفاً إن حكومة بني العباس تسيطر على مقاليد الحكم في العراق. ومن المعلوم إن أي حكومة يجب أن يكون لها رأس يقودها وهو ما يصطلح عليه (رئيس الدولة) .
وعليه مَنْ سيكون سيد هذه الدولة وحاكمها وابرز قادتها، وإذا ما رجعنا إلى الروايات نجد إنه لا اسم معروف يُذكر لأحد رجال بني العباس سوى اسم (الشيصباني) الذي ورد ذكره في روايات أهل البيت (عليهم السلام) .
وسوف نحاول في موضوعنا هذا الكشف عن هذه الشخصية ومحاولة معرفتها، وقبل الخوض في ذلك لابد لنا أن نعرف معنى كلمة (شيصبان) .
فقد ذكر صاحب كتاب شرح القاموس وصاحب كتاب لسان العرب إن (شيصبان) هو احد أسماء الشيطان، ويستعمل أو يطلق على كل مَنْ يفعل فعلة كأفعال الشيطان من حيث المكر والخبث والدهاء والشر وما على ذلك من تلك الصفات الذميمة.
محل خروجه
يظهر من الروايات ان الشيصباني يظهر في العراق وبالتحديد من الكوفة والنجف، ويكون خروجه سابقاً لخروج السفياني، كما إن الذي يُستشف من الروايات إن أمر الشيصباني يبدأ بالتدرج شيئاً فشيئاً إلى أن يأخذ بالانتشار والأتساع ليشمل مساحة أكثر واكبر.
فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن السفياني فقال:
(وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني، يخرج بأرض كوفان، ينبع كما ينبع الماء فيقتل وفدكم، فتوقعوا بعد ذلك السفياني وخروج القائم (عليه السلام) )( ).
يتبين لنا من هذه الرواية إضافة إلى ما ذكرناه إن الشيصباني رجل شيعي أو بالأحرى والأصح إنه مُتشيّع يدعي الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، لكن أفعاله في الواقع مخالفة لأفعالهم ومشابهة لأفعال إبليس (عليه اللعنة) لأن الكوفة كما هو معروف مدينة شيعية وليس فيها غير الشيعة الأمامية.
إن الشيصباني هذا هو الحاكم العباسي الذي يحكم العراق في آخر الزمان، حيث ستقوم الحكومة الثانية لبني العباس قبل قيام السفياني وخروجه بفترة من الزمن كما جاء في الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، فعن الحسن بن إبراهيم قال:
(قلتُ للرضا (عليه السلام) أصلحك الله إنهم يتحدثون عن السفياني يقوم وقد ذهب سلطان بني العباس؟ فقال: كذبوا إنه ليقوم وإن سلطانهم لَقائم)( ).
إن في هذه الرواية ما يدل وبوضوح على إن لبني العباس دولة ثانية تقوم في آخر الزمان تسبق خروج السفياني وقيامه، ومما يؤكد كون الشيصباني هذا هو الحاكم العباسي ومن الدولة الثانية لبني العباس ما جاء في خطبة اللؤلؤة لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال:
(ألا وأني ضاعنٌ عن قريب ومنطلقُ للمغيب فارتقبوا الفتنة الأموية والمملكة الكسروية، فكم من ملاحم وبلاء متراكم تقبل مملكة بني العباس بالروع والبأس، وُتبنى لهم مدينة يُقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل الفرات ثم قال:
فتوالت فيها ملوك بني شيصبان أربعة وعشرون مَلكاً...)( ).
ففي هذا الكلام إن العباسي هو الشيصباني كما يظهر.
وبعد أن تبين لنا كل ذلك أقول: إن الشيصباني لابد أن يحكم العراق وسيتخذ من بغداد مقراً لحكومته ويسكن فيها، إلا أن له أصلاً في النجف التي هي الكوفة حسب ما يُعبر عنها أهل البيت (عليهم السلام) في رواياتهم .
ومن ذلك نفهم معنى إنه ينبع كما ينبع الماء، حيث يبدأ تحركه بالاستيلاء على الحكم في النجف أو إن له أصلاً في النجف ثم شيئاً فشيئاً يستولي على بغداد ويحكم العراق كما ينبع الماء، حيث إن للماء أصلاً (منبع) وله مصباً.
إن الشيصباني هو سيد بني العباس في آخر الزمان وطاغيتهم وكبيرهم الذي إليه يرجعون والذي سيواجه دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) وأنصاره بشدة ويحاول بكل ما لديه من قوة إيقاف حركتهم وتعطيل دعوتهم وتكذيبها وردها بشتى الوسائل.
والظاهر إن هذا الشخص هو المسمى في الروايات بـ(عبد الله ذو العين) وقد ذكر بعض الباحثين إن السبب في هذه التسمية يعود لأحد ثلاثة احتمالات:
الأول : أن يكون الحاكم العباسي المسمى (عبد الله ذو العين) واسع العين .
الثاني : أن يكون في عينيه شيء من الحَوَل .
الثالث : إن هذا الحاكم يضع على عينيه العوينات، سواء كانت طبية أو شمسية والله العالم .
الزوراء عاصمة الشيصباني
عرفت مدينة بغداد باسم الزوراء وشاعت هذه التسمية لها وعرفت بغداد بها ولم يأت ذلك من فراغ، بل إن الكثير من الروايات الشريفة أكدت هذه التسمية.
فقد جاء في الرواية الواردة في سفينة البحار: (لما رجع أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقعة الخوارج اجتاز الزوراء فقال للناس: إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتر في النخالة)( ).
والمراد بالزوراء هنا بغداد لأن معركة الخوارج وقعت في العراق كما لا يخفى.
وعن علقمة بن قيس قال: (خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على منبر الكوفة خطبة الؤلؤة فقال فيما قال -إلى أن قال- وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل والفرات فلو رأيتموها مشيدة بالجص والآجر ومزخرفة بالذهب والفضة...)( ) .
وقد جاء في احد خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (الزوراء وما أدراك بالزوراء، أرض ذات أثل، يشيد فيها البنيان، ويكثر فيها السكان، ويكون فيها مهارم وخُزان، يتخذها ولد العباس موطناً ولزخرفهم مسكناً، تكون لهم دار لهو ولعب، ويكون بها الجور الجائر والحيف المحيف تخدمهم أبناء فارس والروم)( ).
وهناك روايات كثيرة تدل على إن بغداد هي الزوراء حتى إن تلك التسمية أصبحت شائعة ومتعارفة، وفي الوقت ذاته هناك روايات معصومية شريفة تذكر لنا إن الزوراء هي الري (أي طهران) وهذا الأمر معروفا عند المتتبعين لروايات ألائمة الأطهار (عليه السلام) .
فعن المفضل قال لي جعفر بن محمد (عليه السلام) :
(يا مفضل أتدري أين وقعت دار الزوراء ؟
قلت : الله وحجته أعلم .
قال : اعلم يا مفضل إن في حوالي الري جبلاً أسود تبنى في ذيله بلدة تسمى طهران وهي دار الزوراء التي تكون قصورها كقصور الجنة ونسوانها كالحور العين...)( ).
إن الذي يظهر من الروايات المذكورة أنفا إن مُلك بني العباس يبدأ من خراسان، وهذا يعني إن خراسان تكون خاضعة لبني العباس ثم تكون سيطرتهم بعد ذلك على العراق وبغداد، لذا فان دولة بني العباس في آخر الزمان تشمل خراسان وبغداد، وبهذا نفهم السبب في تسمية بغداد وطهران الزوراء وذلك لأن طهران وبغداد في آخر الزمان كل منهما عاصمة لبني العباس .
ويبقى التمييز بين الاثنين معتمداً على قرائن أخرى يعرف من خلالها القارىء من المقصود في روايات هل هي بغداد أو طهران .
خلاصة البحث:
نستخلص من هذا الطرح أمور وعلامات:
أولا: إن التاريخ يُعيد نفسه، فيكون فعل الدولة الأموية الثانية والعباسية الثانية كفعل الدولتين الأوليتين، وهذه تذكرة وتحذير واضح للناس بأن يعتبروا بما جرى، ويكونون على حذر لما سيجري من خلال التذكير بعودة الحكمين الأموي والعباسي.
ثانياً: كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): (المؤمن لا يُلدغ من جحر مرّتين)، فعلى المؤمن أن يكون على معرفة تامة بما جرى خلال حكم هاتين الدولتين سابقاً، وأن لا يكون ظهيراً لهما لاحقاً.
ثالثاً: إنها من العلامات الحتمية اللابدية من خلال تكرار حكم الدولة الأموية والعباسية والدالة على قرب الظهور المقدس للإمام (عليه السلام) وحتى يكون المؤمنين متهيئين لنصرته وهذا بمثابة جرس الإنذار.
رابعاً: يستخلص الناس وخصوصاً المعاصرين إن مصير هاتين الدولتين سيئول إلى ما آل إليه حال سابقاتهما.
خامساً: ليعرف ويستيقن المؤمنون إن العاقبة للحكومة الإلهية المتمثلة بالإمام الحجة (أرواحنا لمقدمه الفداء) وأنصاره وليس لهاتين الدولتين.منقول
جاء في تفسير هذه السورة {والشمس وضحاها} الشمس أمير المؤمنين (عليه السلام) {وضحاها} قيام القائم (عليه السلام) و {الليل إذا يغشاها} غشي عليه الحق وأما قوله { والسماء وما بناها} قال هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هو السماء الذي يسمو إليه الخلق في العلم وقوله {والأرض وما طحاها } قال الأرض الشيعة { ونفسٍ وما سواها } قال هو المؤمن المستور وهو على الحق وقوله {فألهمها فجورها وتقواها } قال معرفة الحق من الباطل {قد أفلح من زكاها } قد أفلحت نفسٌ زكاها الله عز وجل { وقد خاب من دساها} وقوله {كذبت ثمود بطغواها} قال ثمود رهط من الشيعة فإن الله عز وجل يقول { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون } فهو السيف إذا قام القائم (عليه السلام) وقوله تعالى { إذ انبعث أشقاها} وأشقاها هو الشيصباني حاكم بني العباس { فقال لهم رسول الله } هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) { ناقة الله } قال الناقة الإمام الذي يفهمهم عن الله { وسقياها } أي عنده مستقى العلم { فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها } قال في الرجعة { ولا يخاف عقباها } قال لا يخاف من مثلها إذا رجع ( ) .
التأويل المعاصر:
إن لهذه السورة ارتباط وثيق بالإمام (عليه السلام) كما كان للتأويل السابق على لسان الإمام المعصوم (عليه السلام) .
فالناقة في التأويل هي النفس الزكية، لاسيما ان أبا عبد الله (عليه السلام) ذكر آنفاً أن ثمود هم رهط من الشيعة فيكون انطباق عقر الناقة بمقتل النفس الزكية في آخر الزمان في سبعين من الصالحين وهو المعقور من قِبل ثمود آخر الزمان.
فالمعروف أن الناقة في أمة صالح كان معها فصيلها، وان العذاب لم ينزل حتى ذبحوا الفصيل وكذلك الحال في عاد آخر الزمان حيث أن العذاب بقيام الإمام لن يقع حتى يقتلوا النفس الزكية الثانية التي هي أصغر سناً من الأولى.
فالناقة الكبرى هي النفس الزكية الأولى والفصيل هو النفس الزكية الثانية والتي بمقتلها يحل العذاب .
فعن سفيان بن إبراهيم الحريري أنه سمع أباه يقول: ( النفس الزكية غلام من آل محمد، اسمه محمد بن الحسن يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ولا في الأرض ناصر، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد )( ) .
وأما قوله تعالى: { ولا يخاف عقباها } أي ان القائم (عليه السلام) هو من لا يخاف عقب مقتل ذلك الغلام أحداً بل يأذن الله له بالقيام وارتفاع الغيبة وهو الخائف المذكور بهذا الوصف في الزيارة: { السلام عليك أيها المهذب الخائف } فيخرج الإمام (عليه السلام) كسنة موسى علىقومه غضبان أسفاً .. وهذا هو وجه التأويل المعاصر لسورة الشمس في عصر ا من هو الشيصباني؟
لقد ذكرنا سلفاً إن حكومة بني العباس تسيطر على مقاليد الحكم في العراق. ومن المعلوم إن أي حكومة يجب أن يكون لها رأس يقودها وهو ما يصطلح عليه (رئيس الدولة) .
وعليه مَنْ سيكون سيد هذه الدولة وحاكمها وابرز قادتها، وإذا ما رجعنا إلى الروايات نجد إنه لا اسم معروف يُذكر لأحد رجال بني العباس سوى اسم (الشيصباني) الذي ورد ذكره في روايات أهل البيت (عليهم السلام) .
وسوف نحاول في موضوعنا هذا الكشف عن هذه الشخصية ومحاولة معرفتها، وقبل الخوض في ذلك لابد لنا أن نعرف معنى كلمة (شيصبان) .
فقد ذكر صاحب كتاب شرح القاموس وصاحب كتاب لسان العرب إن (شيصبان) هو احد أسماء الشيطان، ويستعمل أو يطلق على كل مَنْ يفعل فعلة كأفعال الشيطان من حيث المكر والخبث والدهاء والشر وما على ذلك من تلك الصفات الذميمة.
محل خروجه
يظهر من الروايات ان الشيصباني يظهر في العراق وبالتحديد من الكوفة والنجف، ويكون خروجه سابقاً لخروج السفياني، كما إن الذي يُستشف من الروايات إن أمر الشيصباني يبدأ بالتدرج شيئاً فشيئاً إلى أن يأخذ بالانتشار والأتساع ليشمل مساحة أكثر واكبر.
فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن السفياني فقال:
(وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني، يخرج بأرض كوفان، ينبع كما ينبع الماء فيقتل وفدكم، فتوقعوا بعد ذلك السفياني وخروج القائم (عليه السلام) )( ).
يتبين لنا من هذه الرواية إضافة إلى ما ذكرناه إن الشيصباني رجل شيعي أو بالأحرى والأصح إنه مُتشيّع يدعي الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، لكن أفعاله في الواقع مخالفة لأفعالهم ومشابهة لأفعال إبليس (عليه اللعنة) لأن الكوفة كما هو معروف مدينة شيعية وليس فيها غير الشيعة الأمامية.
إن الشيصباني هذا هو الحاكم العباسي الذي يحكم العراق في آخر الزمان، حيث ستقوم الحكومة الثانية لبني العباس قبل قيام السفياني وخروجه بفترة من الزمن كما جاء في الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، فعن الحسن بن إبراهيم قال:
(قلتُ للرضا (عليه السلام) أصلحك الله إنهم يتحدثون عن السفياني يقوم وقد ذهب سلطان بني العباس؟ فقال: كذبوا إنه ليقوم وإن سلطانهم لَقائم)( ).
إن في هذه الرواية ما يدل وبوضوح على إن لبني العباس دولة ثانية تقوم في آخر الزمان تسبق خروج السفياني وقيامه، ومما يؤكد كون الشيصباني هذا هو الحاكم العباسي ومن الدولة الثانية لبني العباس ما جاء في خطبة اللؤلؤة لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال:
(ألا وأني ضاعنٌ عن قريب ومنطلقُ للمغيب فارتقبوا الفتنة الأموية والمملكة الكسروية، فكم من ملاحم وبلاء متراكم تقبل مملكة بني العباس بالروع والبأس، وُتبنى لهم مدينة يُقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل الفرات ثم قال:
فتوالت فيها ملوك بني شيصبان أربعة وعشرون مَلكاً...)( ).
ففي هذا الكلام إن العباسي هو الشيصباني كما يظهر.
وبعد أن تبين لنا كل ذلك أقول: إن الشيصباني لابد أن يحكم العراق وسيتخذ من بغداد مقراً لحكومته ويسكن فيها، إلا أن له أصلاً في النجف التي هي الكوفة حسب ما يُعبر عنها أهل البيت (عليهم السلام) في رواياتهم .
ومن ذلك نفهم معنى إنه ينبع كما ينبع الماء، حيث يبدأ تحركه بالاستيلاء على الحكم في النجف أو إن له أصلاً في النجف ثم شيئاً فشيئاً يستولي على بغداد ويحكم العراق كما ينبع الماء، حيث إن للماء أصلاً (منبع) وله مصباً.
إن الشيصباني هو سيد بني العباس في آخر الزمان وطاغيتهم وكبيرهم الذي إليه يرجعون والذي سيواجه دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) وأنصاره بشدة ويحاول بكل ما لديه من قوة إيقاف حركتهم وتعطيل دعوتهم وتكذيبها وردها بشتى الوسائل.
والظاهر إن هذا الشخص هو المسمى في الروايات بـ(عبد الله ذو العين) وقد ذكر بعض الباحثين إن السبب في هذه التسمية يعود لأحد ثلاثة احتمالات:
الأول : أن يكون الحاكم العباسي المسمى (عبد الله ذو العين) واسع العين .
الثاني : أن يكون في عينيه شيء من الحَوَل .
الثالث : إن هذا الحاكم يضع على عينيه العوينات، سواء كانت طبية أو شمسية والله العالم .
الزوراء عاصمة الشيصباني
عرفت مدينة بغداد باسم الزوراء وشاعت هذه التسمية لها وعرفت بغداد بها ولم يأت ذلك من فراغ، بل إن الكثير من الروايات الشريفة أكدت هذه التسمية.
فقد جاء في الرواية الواردة في سفينة البحار: (لما رجع أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقعة الخوارج اجتاز الزوراء فقال للناس: إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتر في النخالة)( ).
والمراد بالزوراء هنا بغداد لأن معركة الخوارج وقعت في العراق كما لا يخفى.
وعن علقمة بن قيس قال: (خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على منبر الكوفة خطبة الؤلؤة فقال فيما قال -إلى أن قال- وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل والفرات فلو رأيتموها مشيدة بالجص والآجر ومزخرفة بالذهب والفضة...)( ) .
وقد جاء في احد خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (الزوراء وما أدراك بالزوراء، أرض ذات أثل، يشيد فيها البنيان، ويكثر فيها السكان، ويكون فيها مهارم وخُزان، يتخذها ولد العباس موطناً ولزخرفهم مسكناً، تكون لهم دار لهو ولعب، ويكون بها الجور الجائر والحيف المحيف تخدمهم أبناء فارس والروم)( ).
وهناك روايات كثيرة تدل على إن بغداد هي الزوراء حتى إن تلك التسمية أصبحت شائعة ومتعارفة، وفي الوقت ذاته هناك روايات معصومية شريفة تذكر لنا إن الزوراء هي الري (أي طهران) وهذا الأمر معروفا عند المتتبعين لروايات ألائمة الأطهار (عليه السلام) .
فعن المفضل قال لي جعفر بن محمد (عليه السلام) :
(يا مفضل أتدري أين وقعت دار الزوراء ؟
قلت : الله وحجته أعلم .
قال : اعلم يا مفضل إن في حوالي الري جبلاً أسود تبنى في ذيله بلدة تسمى طهران وهي دار الزوراء التي تكون قصورها كقصور الجنة ونسوانها كالحور العين...)( ).
إن الذي يظهر من الروايات المذكورة أنفا إن مُلك بني العباس يبدأ من خراسان، وهذا يعني إن خراسان تكون خاضعة لبني العباس ثم تكون سيطرتهم بعد ذلك على العراق وبغداد، لذا فان دولة بني العباس في آخر الزمان تشمل خراسان وبغداد، وبهذا نفهم السبب في تسمية بغداد وطهران الزوراء وذلك لأن طهران وبغداد في آخر الزمان كل منهما عاصمة لبني العباس .
ويبقى التمييز بين الاثنين معتمداً على قرائن أخرى يعرف من خلالها القارىء من المقصود في روايات هل هي بغداد أو طهران .
خلاصة البحث:
نستخلص من هذا الطرح أمور وعلامات:
أولا: إن التاريخ يُعيد نفسه، فيكون فعل الدولة الأموية الثانية والعباسية الثانية كفعل الدولتين الأوليتين، وهذه تذكرة وتحذير واضح للناس بأن يعتبروا بما جرى، ويكونون على حذر لما سيجري من خلال التذكير بعودة الحكمين الأموي والعباسي.
ثانياً: كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): (المؤمن لا يُلدغ من جحر مرّتين)، فعلى المؤمن أن يكون على معرفة تامة بما جرى خلال حكم هاتين الدولتين سابقاً، وأن لا يكون ظهيراً لهما لاحقاً.
ثالثاً: إنها من العلامات الحتمية اللابدية من خلال تكرار حكم الدولة الأموية والعباسية والدالة على قرب الظهور المقدس للإمام (عليه السلام) وحتى يكون المؤمنين متهيئين لنصرته وهذا بمثابة جرس الإنذار.
رابعاً: يستخلص الناس وخصوصاً المعاصرين إن مصير هاتين الدولتين سيئول إلى ما آل إليه حال سابقاتهما.
خامساً: ليعرف ويستيقن المؤمنون إن العاقبة للحكومة الإلهية المتمثلة بالإمام الحجة (أرواحنا لمقدمه الفداء) وأنصاره وليس لهاتين الدولتين.منقول