نقلا عن موسوعة القائم ( من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني)
المبحث الأول : الصفا هي النجف
لقد بين الله سبحانه وتعالى فضل هذين الجبلين الصفا والمروة بالنسبة للمسلمين من حيث تأدية مناسك الحج والعمرة، حتى أن الله سبحانه وتعالى عدهما من شعائره لقوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} .
وبما إن للقرآن ظاهر وباطن ومحكم ومتشابه، فهذا يعني إن الصفا والمروة هما الجبلان المحيطان بمكة حسب ما موجود في الظاهر. أما من حيث التأويل فإنهما يعنيان مرقد الإمام علي بن أبي طالب والإمام الحسين (عليهما السلام).
فإن مرقد الإمام علي (عليه السلام) يمثل الصفا حسب التأويل، ولكي نثبت هذه الحقيقة لا بد لنا أولاً من معرفة السبب الذي من أجله سمي جبل الصفا بالصفا، وما يعنيه الاسم من الناحية اللغوية، وما علاقة ذلك كله بمرقد الإمام علي (عليه السلام) .
لقد صرحت الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام): ( إن الصفا سمي بالصفا لأن الله أصطفى آدم وأنزله عليه. فاشتق اسم هذا الجبل من اسم آدم صفوة الله عز وجل {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ})( الكافي ج4 ص192 ، بحار الأنوار ج11 ص111 ، تفسير القمي ج1 ص243 ، علل الشرائع ج2 ص431 .
فالسلالة الطاهرة لأهل البيت تنحدر من آدم (عليه السلام) ثم إلى إسماعيل وهم يرثون هؤلاء جميعاً، إلى جانب وراثتهم آل عمران والأنبياء المنحدرين من صلب إسحاق بن إبراهيم (عليهما السلام) لأنه من المعلوم إن آخر نبي من ذرية إسحاق وآل عمران هو نبي الله عيسى (عليه السلام).
إن وراثة الأنبياء بأجمعهم تحولت إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ثم منه إلى علي (عليه السلام) ثم تسلسل ذلك في الذرية الطاهرة للإمام علي (عليه السلام) وفاطمة إلى أن وصلت إلى الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يحتج على الناس عند قيامه المقدس وهو مُسندٌ ظهره إلى الحجر بوراثة الأنبياء وبالآية أعلاه من سورة آل عمران .
حيث جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر. ثم يقول : يا أيها الناس ...... إنا أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ونحن أولى الناس بمحمد، فمن يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله، ومن يحاجني بآدم فأنا أولى الناس بآدم ومن يحاجني بنوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن يحاجني بإبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن يحاجني بمحمد فأنا أولى الناس بمحمد، ومن يحاجني بالأنبياء فأنا أولى الناس بالأنبياء، ومن يحاجني بكتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، أليس يقول الله في محكم كتابه: { إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم } فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليه واله وسلم .....)(غيبة النعماني ص150 ، بحار الأنوار ج52 ص223 ، يوم الخلاص ص253. ) .
إذن فإن هذه الذرية مصطفاة بعضها من بعض والإمام علي (عليه السلام) بعضها بل هو أفضلها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
فضلاً عن إن لفظ الاصطفاء أطلق على الإمام علي (عليه السلام) صراحة كما أطلق على آدم (عليه السلام) (صفوة الله) وهو الأب الأول لهذه الذرية المصطفاة وعلى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وهو أحد أسمائه ( المصطفى ).
حيث ورد في أحد الزيارات المطلقة للإمام علي (عليه السلام) (السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا ولي الله ... وسيد الصديقين والصفوة من سلالة النبيين ....)( مفاتيح الجنان ص407ـ 408 .) .
فعليه يكون الإمام علي (عليه السلام) هو صفوة الله باعتباره من الذرية المصطفاة من صفوة سلالة النبيين والتي أشارت إليهم سورة آل عمران وهذه أحد الجهات.
وبما إنه (عليه السلام) هو نفس المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فهو مصطفى أيضاً لأنه نفسه، إلا إن المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) اصطفى للنبوة والإمام علي (عليه السلام) أصطفى للإمامة وما تقدم يكون الوجه الأول بين الصفا والإمام علي (عليه السلام).
الوجه الثاني :
إن المعنى اللغوي للصفا هو من صفا صفواً وصفاءً نقيض الكدر(بحار الأنوار ج1 ص153 . ).
وهو بذلك له شبه كبير بأمير المؤمنين (عليه السلام)، لأنه من المفترض أن تكون هناك علاقة وترابط بين ظاهر الشيء وباطنه الذي يراد تأويله. حيث انه (عليه السلام) صافٍ وخال من الشرك والدنس فلا يوجد شيء يشوبه من ذلك، وهذا ما أثبته القرآن له ولأهل بيته (عليهم السلام) بأجمعهم بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } فهو سلام الله عليه ولد في أطهر بقعة وهي الكعبة بيت الله الحرام ولم يسجد لصنم قط ولهذا قالوا عنه ( كرم الله وجهه) ولم يكفر بالله طرفة عين.
الوجه الثالث:
فإن معنى الصفا أيضاً له علاقة بتسمية النجف الذي فيه مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) من حيث إنها كانت بحراً ثم جف من الماء أي أنه صفا. فعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( النجف كان جبلاً ... وصار بعد ذلك بحراً عظيماً وكان يسمى ذلك البحر بحر ني، ثم جف بعد ذلك فقيل ني جف فسميت نيجف ثم صار بعد ذلك يسمونه النجف لأنه كان أخف على ألسنتهم)( علل الشرائع ج1 ص31).
والواضح من ظاهر النص إن النجف بالأصل كانت جبلاً وبهذا فهي تطابق الصفا من حيث إنها جبل من جهة ومن حيث إعطاء معنى الصفا أي الخلو من الكدر، وذلك لأنها أصبحت نهر ثم جف وصفا من ماءه.
الوجه الرابع:
في الربط بين الصفا والنجف التي فيها مرقد الإمام علي (عليه السلام) من حيث إنها أرض تصفية الأموات، وذلك لأن فيها وادي السلام مدفن الشيعة ومقبرتهم، فقد وردت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) إن هناك ملائكة نقالة تقوم بنقل كل من يستحق عذاب القبر إلى مكان خارج وادي السلام .
وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى شيء قريب من هذا المعنى من حيث إن أرواح المؤمنين تجتمع في وادي السلام وأرواح الكفار تذهب إلى وادي آخر وذلك في حديث مع قنبر والأصبغ بن نباتة وهم في ظهر الكوفة قائلاً :
( لو كشف لكم لألفيتم أرواح المؤمنين في هذه حلقاً يتزاورون ويتحدثون إن في هذا الظهر روح كل مؤمن وبوادي برهوت روح كل كافر ...)(- بحار الأنوار ج 97 ص235 . ).
وبذلك يكون وادي السلام هو محل تصفية أرواح المؤمنين من أرواح الكافرين وبالتالي تصفيتهم ليوم الحساب والمحشر، الذي يروى إنه سيكون من هذا الوادي خاصة، ومن أرض الكوفة بصورة عامة .
وهذا له ترابط مع الإمام علي (عليه السلام) فهو من يقوم بتصفية العباد يوم القيامة فيدخل محبيه الجنة ومبغضيه النار. لذلك لقب بالفاروق وبقسيم النار والجنة .
وما دمنا بصدد الحديث عن أرض النجف ووادي السلام من حيث أنها أرض تصفية الأموات، نود الإشارة هنا إلى قصة مهمة وفيها أسرار تكشف النقاب عن إن الصفا هو مرقد الإمام علي(عليه السلام). وهي قصة الرجل اليمني الذي يدعى بصافي الصفا وله قبر ومقام مشهور قرب ضريح أمير المؤمنين (عليه السلام) يعرف بمقام صافي الصفا إلى وقتنا الحاضر .
والقصة مفادها إن هذا الرجل أوصى ولده أن يدفنه عند موته بهذه الأرض ( أي النجف ) .
وفي أحد الأيام وقف الإمام علي (عليه السلام) وهو مشرف على النجف، وإذا برجل راكب على ناقة ومعه جنازة، وبعد أن سلم على الإمام (عليه السلام) سأله عن عدم دفن هذه الجنازة في أرضهم فأجابه الرجل قائلاً: ( أوصى بذلك أبي وقال أن يدفن هناك رجل يدعى في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فقال (عليه السلام) أتعرف ذلك الرجل ؟ قال : لا . قال : أنا والله ذلك الرجل أنا والله ذلك الرجل أنا والله ذلك الرجل فأدفن فقام فدفنه ) ( بحار الأنوار ج 97 ص223 ).
وبما إن الرواية الآنفة الذكر لم تذكر اسم ذلك الرجل اليمني صراحة، إلا أه من المتعارف عليه بين الناس إنه يدعى صافي الصفا، ومن ذلك أخذ اسم مقامه منه.
أوأن يكون الاسم كله ( صافي الصفا ) هو كناية عن العلاقة التي ربطت ذلك الرجل مع أمير المؤمنين، من حيث أنه أراد أن يجاور ويجتمع مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكان واحد ليدخل في شفاعته.
فمن المحتمل أن تكون كلمة صافي مأخوذة من صفّ وصافّ القوم اجتمعوا صفاً أي إن ذلك الرجل أراد أن يصطف ويجتمع مع الصفا وهو الإمام علي (عليه السلام) صفوة الأنبياء والمرسلين وسيستجير به .
لأنه لا يمكن أن يحمل معنى اسم الصفا على المجاورة والاصطفاف أيضاً، لأن ذلك ليس له معنى أن يحمل المقطع الأول صافي نفس معنى المقطع الثاني الصفا .
الوجه الخامس:
إذا كان الجبل سمي بالصفا لأن صفوة الله نزل عليه، فمن الأولى أن يكون الإمام (عليه السلام) ومرقده هو الصفا بحسب التأويل لأنه هو صفوة الله بعينه.
فقد جاء في أحد الزيارات المطلقة المروية عن الشيخ المفيد (رضي الله عنه) والتي رواها عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام): ( السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا صفوة الله ... سيد الصديقين والصفوة من سلالة النبيين ....).
وجاء في زيارة أخرى له (عليه السلام) رواها السيد ابن طاووس (رضي الله عنه): ( السلام على المذهب الصفي السلام على أبي الحسن علي بن أبي طالب ورحمة الله وبركاته ).
الوجه السادس:
إن من أوجه علاقة الإمام علي (عليه السلام) بالصفا هو ما ذكره في حديث المفاخرة حين قال: ( أنا ابن الصفا )(الفضائل ص80 . ).
فبذلك ينسب نفسه إلى الصفا، ولعل المراد هنا هو ابن الصفوة المصطفاة من عباده فهو بذلك (عليه السلام) يقرر لنفسه إنه الصفا، حيث إنه سيكون والد الذرية المصطفاة من محمد وآل محمد من جهة، كما إنه هو نفسه (عليه السلام) والزهراء الذرية المصطفاة المقصودين في سورة آل عمران الآنفة الذكر.
الوجه السابع:
خروج الدابة التي أشار إليها القرآن في آخر الزمان في قوله تعالى: { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ }.
وهذا الخروج يكون من الصفا والمروة وذلك بعد قيام الإمام المهدي (عليه السلام) وفي خروجها عدة روايات منها ما جاء عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: ( خروج دابة الأرض من عند الصفا والمروة معها خاتم سليمان وعصا موسى...)( بحار الأنوار ج 53 ص127 ).
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): ( ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى، قلنا وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال خروج دابة من الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى .... )(بحار الأنوار ج 52 ص 194 . ).
وجاء في رواية إن خروج الدابة يكون من بين الصفا والمروة: ( تخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة ومعه عصا موسى وخاتم سليمان تسوق الناس إلى المحشر ..)( بحار الأنوار ج 6 ص37 .).
كما ورد في خروج الدابة أيضاً: ( تخرج بين الصفا والمروة فتخبر المؤمن بأنه مؤمن والكافر بأنه كافر ....)( بحار الأنوار ج 6 ص37 .) .
فيكون خروج الدابة من مكان الصفا والمروة وهما مرقدي الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السلام) حسب التأويل كما سيأتي، أو يكون خروجهما تحديداً من عند الصفا الذي هو مرقد الإمام علي(عليه السلام) أي النجف أو الكوفة.
وهذا يدل على إن الصفا هو مرقد الإمام علي (عليه السلام) وليس المقصود به جبل الصفا الذي بمكة فإن الرواية الأولى والثانية تشيران إلى إن الدابة تخرج ومعها عصى موسى وخاتم سليمان، والتي صرحت الروايات إنهما موجودتان في مسجد الكوفة .
فمن المعلوم إن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) تخرج من الكوفة التي تمثل بأجمعها إلى جانب النجف وكربلاء مكة الإمام المهدي (عليه السلام) . وبما إن دابة الأرض تخرج بعد قيامه المبارك فلا بد أن يكون خروجهما من مكان دعوته (عليه السلام).
يتبع
المبحث الأول : الصفا هي النجف
لقد بين الله سبحانه وتعالى فضل هذين الجبلين الصفا والمروة بالنسبة للمسلمين من حيث تأدية مناسك الحج والعمرة، حتى أن الله سبحانه وتعالى عدهما من شعائره لقوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} .
وبما إن للقرآن ظاهر وباطن ومحكم ومتشابه، فهذا يعني إن الصفا والمروة هما الجبلان المحيطان بمكة حسب ما موجود في الظاهر. أما من حيث التأويل فإنهما يعنيان مرقد الإمام علي بن أبي طالب والإمام الحسين (عليهما السلام).
فإن مرقد الإمام علي (عليه السلام) يمثل الصفا حسب التأويل، ولكي نثبت هذه الحقيقة لا بد لنا أولاً من معرفة السبب الذي من أجله سمي جبل الصفا بالصفا، وما يعنيه الاسم من الناحية اللغوية، وما علاقة ذلك كله بمرقد الإمام علي (عليه السلام) .
لقد صرحت الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام): ( إن الصفا سمي بالصفا لأن الله أصطفى آدم وأنزله عليه. فاشتق اسم هذا الجبل من اسم آدم صفوة الله عز وجل {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ})( الكافي ج4 ص192 ، بحار الأنوار ج11 ص111 ، تفسير القمي ج1 ص243 ، علل الشرائع ج2 ص431 .
فالسلالة الطاهرة لأهل البيت تنحدر من آدم (عليه السلام) ثم إلى إسماعيل وهم يرثون هؤلاء جميعاً، إلى جانب وراثتهم آل عمران والأنبياء المنحدرين من صلب إسحاق بن إبراهيم (عليهما السلام) لأنه من المعلوم إن آخر نبي من ذرية إسحاق وآل عمران هو نبي الله عيسى (عليه السلام).
إن وراثة الأنبياء بأجمعهم تحولت إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ثم منه إلى علي (عليه السلام) ثم تسلسل ذلك في الذرية الطاهرة للإمام علي (عليه السلام) وفاطمة إلى أن وصلت إلى الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يحتج على الناس عند قيامه المقدس وهو مُسندٌ ظهره إلى الحجر بوراثة الأنبياء وبالآية أعلاه من سورة آل عمران .
حيث جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر. ثم يقول : يا أيها الناس ...... إنا أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ونحن أولى الناس بمحمد، فمن يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله، ومن يحاجني بآدم فأنا أولى الناس بآدم ومن يحاجني بنوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن يحاجني بإبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن يحاجني بمحمد فأنا أولى الناس بمحمد، ومن يحاجني بالأنبياء فأنا أولى الناس بالأنبياء، ومن يحاجني بكتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، أليس يقول الله في محكم كتابه: { إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم } فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليه واله وسلم .....)(غيبة النعماني ص150 ، بحار الأنوار ج52 ص223 ، يوم الخلاص ص253. ) .
إذن فإن هذه الذرية مصطفاة بعضها من بعض والإمام علي (عليه السلام) بعضها بل هو أفضلها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
فضلاً عن إن لفظ الاصطفاء أطلق على الإمام علي (عليه السلام) صراحة كما أطلق على آدم (عليه السلام) (صفوة الله) وهو الأب الأول لهذه الذرية المصطفاة وعلى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وهو أحد أسمائه ( المصطفى ).
حيث ورد في أحد الزيارات المطلقة للإمام علي (عليه السلام) (السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا ولي الله ... وسيد الصديقين والصفوة من سلالة النبيين ....)( مفاتيح الجنان ص407ـ 408 .) .
فعليه يكون الإمام علي (عليه السلام) هو صفوة الله باعتباره من الذرية المصطفاة من صفوة سلالة النبيين والتي أشارت إليهم سورة آل عمران وهذه أحد الجهات.
وبما إنه (عليه السلام) هو نفس المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فهو مصطفى أيضاً لأنه نفسه، إلا إن المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) اصطفى للنبوة والإمام علي (عليه السلام) أصطفى للإمامة وما تقدم يكون الوجه الأول بين الصفا والإمام علي (عليه السلام).
الوجه الثاني :
إن المعنى اللغوي للصفا هو من صفا صفواً وصفاءً نقيض الكدر(بحار الأنوار ج1 ص153 . ).
وهو بذلك له شبه كبير بأمير المؤمنين (عليه السلام)، لأنه من المفترض أن تكون هناك علاقة وترابط بين ظاهر الشيء وباطنه الذي يراد تأويله. حيث انه (عليه السلام) صافٍ وخال من الشرك والدنس فلا يوجد شيء يشوبه من ذلك، وهذا ما أثبته القرآن له ولأهل بيته (عليهم السلام) بأجمعهم بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } فهو سلام الله عليه ولد في أطهر بقعة وهي الكعبة بيت الله الحرام ولم يسجد لصنم قط ولهذا قالوا عنه ( كرم الله وجهه) ولم يكفر بالله طرفة عين.
الوجه الثالث:
فإن معنى الصفا أيضاً له علاقة بتسمية النجف الذي فيه مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) من حيث إنها كانت بحراً ثم جف من الماء أي أنه صفا. فعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( النجف كان جبلاً ... وصار بعد ذلك بحراً عظيماً وكان يسمى ذلك البحر بحر ني، ثم جف بعد ذلك فقيل ني جف فسميت نيجف ثم صار بعد ذلك يسمونه النجف لأنه كان أخف على ألسنتهم)( علل الشرائع ج1 ص31).
والواضح من ظاهر النص إن النجف بالأصل كانت جبلاً وبهذا فهي تطابق الصفا من حيث إنها جبل من جهة ومن حيث إعطاء معنى الصفا أي الخلو من الكدر، وذلك لأنها أصبحت نهر ثم جف وصفا من ماءه.
الوجه الرابع:
في الربط بين الصفا والنجف التي فيها مرقد الإمام علي (عليه السلام) من حيث إنها أرض تصفية الأموات، وذلك لأن فيها وادي السلام مدفن الشيعة ومقبرتهم، فقد وردت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) إن هناك ملائكة نقالة تقوم بنقل كل من يستحق عذاب القبر إلى مكان خارج وادي السلام .
وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى شيء قريب من هذا المعنى من حيث إن أرواح المؤمنين تجتمع في وادي السلام وأرواح الكفار تذهب إلى وادي آخر وذلك في حديث مع قنبر والأصبغ بن نباتة وهم في ظهر الكوفة قائلاً :
( لو كشف لكم لألفيتم أرواح المؤمنين في هذه حلقاً يتزاورون ويتحدثون إن في هذا الظهر روح كل مؤمن وبوادي برهوت روح كل كافر ...)(- بحار الأنوار ج 97 ص235 . ).
وبذلك يكون وادي السلام هو محل تصفية أرواح المؤمنين من أرواح الكافرين وبالتالي تصفيتهم ليوم الحساب والمحشر، الذي يروى إنه سيكون من هذا الوادي خاصة، ومن أرض الكوفة بصورة عامة .
وهذا له ترابط مع الإمام علي (عليه السلام) فهو من يقوم بتصفية العباد يوم القيامة فيدخل محبيه الجنة ومبغضيه النار. لذلك لقب بالفاروق وبقسيم النار والجنة .
وما دمنا بصدد الحديث عن أرض النجف ووادي السلام من حيث أنها أرض تصفية الأموات، نود الإشارة هنا إلى قصة مهمة وفيها أسرار تكشف النقاب عن إن الصفا هو مرقد الإمام علي(عليه السلام). وهي قصة الرجل اليمني الذي يدعى بصافي الصفا وله قبر ومقام مشهور قرب ضريح أمير المؤمنين (عليه السلام) يعرف بمقام صافي الصفا إلى وقتنا الحاضر .
والقصة مفادها إن هذا الرجل أوصى ولده أن يدفنه عند موته بهذه الأرض ( أي النجف ) .
وفي أحد الأيام وقف الإمام علي (عليه السلام) وهو مشرف على النجف، وإذا برجل راكب على ناقة ومعه جنازة، وبعد أن سلم على الإمام (عليه السلام) سأله عن عدم دفن هذه الجنازة في أرضهم فأجابه الرجل قائلاً: ( أوصى بذلك أبي وقال أن يدفن هناك رجل يدعى في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فقال (عليه السلام) أتعرف ذلك الرجل ؟ قال : لا . قال : أنا والله ذلك الرجل أنا والله ذلك الرجل أنا والله ذلك الرجل فأدفن فقام فدفنه ) ( بحار الأنوار ج 97 ص223 ).
وبما إن الرواية الآنفة الذكر لم تذكر اسم ذلك الرجل اليمني صراحة، إلا أه من المتعارف عليه بين الناس إنه يدعى صافي الصفا، ومن ذلك أخذ اسم مقامه منه.
أوأن يكون الاسم كله ( صافي الصفا ) هو كناية عن العلاقة التي ربطت ذلك الرجل مع أمير المؤمنين، من حيث أنه أراد أن يجاور ويجتمع مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكان واحد ليدخل في شفاعته.
فمن المحتمل أن تكون كلمة صافي مأخوذة من صفّ وصافّ القوم اجتمعوا صفاً أي إن ذلك الرجل أراد أن يصطف ويجتمع مع الصفا وهو الإمام علي (عليه السلام) صفوة الأنبياء والمرسلين وسيستجير به .
لأنه لا يمكن أن يحمل معنى اسم الصفا على المجاورة والاصطفاف أيضاً، لأن ذلك ليس له معنى أن يحمل المقطع الأول صافي نفس معنى المقطع الثاني الصفا .
الوجه الخامس:
إذا كان الجبل سمي بالصفا لأن صفوة الله نزل عليه، فمن الأولى أن يكون الإمام (عليه السلام) ومرقده هو الصفا بحسب التأويل لأنه هو صفوة الله بعينه.
فقد جاء في أحد الزيارات المطلقة المروية عن الشيخ المفيد (رضي الله عنه) والتي رواها عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام): ( السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا صفوة الله ... سيد الصديقين والصفوة من سلالة النبيين ....).
وجاء في زيارة أخرى له (عليه السلام) رواها السيد ابن طاووس (رضي الله عنه): ( السلام على المذهب الصفي السلام على أبي الحسن علي بن أبي طالب ورحمة الله وبركاته ).
الوجه السادس:
إن من أوجه علاقة الإمام علي (عليه السلام) بالصفا هو ما ذكره في حديث المفاخرة حين قال: ( أنا ابن الصفا )(الفضائل ص80 . ).
فبذلك ينسب نفسه إلى الصفا، ولعل المراد هنا هو ابن الصفوة المصطفاة من عباده فهو بذلك (عليه السلام) يقرر لنفسه إنه الصفا، حيث إنه سيكون والد الذرية المصطفاة من محمد وآل محمد من جهة، كما إنه هو نفسه (عليه السلام) والزهراء الذرية المصطفاة المقصودين في سورة آل عمران الآنفة الذكر.
الوجه السابع:
خروج الدابة التي أشار إليها القرآن في آخر الزمان في قوله تعالى: { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ }.
وهذا الخروج يكون من الصفا والمروة وذلك بعد قيام الإمام المهدي (عليه السلام) وفي خروجها عدة روايات منها ما جاء عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: ( خروج دابة الأرض من عند الصفا والمروة معها خاتم سليمان وعصا موسى...)( بحار الأنوار ج 53 ص127 ).
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): ( ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى، قلنا وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال خروج دابة من الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى .... )(بحار الأنوار ج 52 ص 194 . ).
وجاء في رواية إن خروج الدابة يكون من بين الصفا والمروة: ( تخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة ومعه عصا موسى وخاتم سليمان تسوق الناس إلى المحشر ..)( بحار الأنوار ج 6 ص37 .).
كما ورد في خروج الدابة أيضاً: ( تخرج بين الصفا والمروة فتخبر المؤمن بأنه مؤمن والكافر بأنه كافر ....)( بحار الأنوار ج 6 ص37 .) .
فيكون خروج الدابة من مكان الصفا والمروة وهما مرقدي الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السلام) حسب التأويل كما سيأتي، أو يكون خروجهما تحديداً من عند الصفا الذي هو مرقد الإمام علي(عليه السلام) أي النجف أو الكوفة.
وهذا يدل على إن الصفا هو مرقد الإمام علي (عليه السلام) وليس المقصود به جبل الصفا الذي بمكة فإن الرواية الأولى والثانية تشيران إلى إن الدابة تخرج ومعها عصى موسى وخاتم سليمان، والتي صرحت الروايات إنهما موجودتان في مسجد الكوفة .
فمن المعلوم إن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) تخرج من الكوفة التي تمثل بأجمعها إلى جانب النجف وكربلاء مكة الإمام المهدي (عليه السلام) . وبما إن دابة الأرض تخرج بعد قيامه المبارك فلا بد أن يكون خروجهما من مكان دعوته (عليه السلام).
يتبع
تعليق