بشرية الرسل والأئمة عليهم السلام
إن في القرآن الكريم آيات وضعت شخصية الرسل في الإطار البشري والذي لا يسمح لأحد أن يخرجه من هذا الإطار مهما بلغ من كمال وجلال ، يقول الله تعالى لنبيه الكريم " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي "الكهف110. يعلمنا الله تعالى من خلال هذا النص أن هذا الإنسان المتصل بالسماء المتصف بالكمالات ما هو إلا بشر مثلنا ويقول تعالى " قل سبحان ربي ....هل كنت إلا بشرا رسولا "الإسراء 93. قال تعالى (( إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) ، عن أبي عبد الله(ع) في قوله إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ قال يعني في الخلق أنه مثلهم مخلوق يُوحى إِلَيَّ إلى قوله بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً" قال لا يتخذ مع ولاية آل محمد ولاية غيرهم وولايتهم العمل الصالح فمن أشرك بعبادة ربه فقد أشرك بولايتنا وكفر بها و جحد أمير المؤمنين(ع) حقه وولايته. تفسيرالقمي ج : 2 ص : 48.
فيعلن الكتاب المجيد من خلال النصوص القرآنية أن للرسول أو النبي أو الإمام كل الخصائص البشرية انه كسائر الناس يتألم ويحزن ويفرح ويضيق صدره ويتزوج ويأكل ويشرب ويقول الله تعالى " ولا تحزن ولا تك في ضيق مما يمكرون "النحل 127 ويقول تعالى " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه فكان أمره فرطا "الكهف 28.
جاء إعرابي إلى رسول الله فلما داناه ليتحدث إليه اضطرب كيانه وتلعثم لسانه فقال له رسول الله (ص) " هون عليك ... فاني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد” فلم نخرج عن إطار ما حدده القرآن الكريم لنا في فهم الحوادث التي مر بها الرسل والأئمة ونجعلها في إطار خارج الإطار البشري . عن أبا عبد الله(ع) يصف الأنبياء فيقول((...وهم الأنبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين عنه مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب مؤدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته...)) بحار الأنوار ج : 10 ص : 165 و166.
فلم نتجه بأنفسنا ما اتجه إليه من سبقنا من الأمم السابقة فالذين رووا لنا من التاريخ بتروا قسم من الصفات البشرية لدى الرسل واتجه وضعهم لما كتبوا إلى ملكوتية الرسل دون الطابع البشري المخصص لهم من الله تعالى فقسم منهم أنكروا بشرية الرسل كما حصل الحال في تأليه السيد المسيح (ع) قال تعالى (( وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)).
والقسم الأخر عابوا بشرية الرسل واستشكلوا في أن يجتبي من الناس رسلا .
والقسم الآخر منهم حسدوا النبي إذ يقول قومه (( ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ)). قال تعالى (( إذ قالوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)) وَقالُوا (( أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا)) و أمثال ذلك كثيرة فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم . إن الرسل عليهم السلام لهم من المشاركة في الطبيعة البشرية للناس ولكن الحال يختلف في الجعل التكويني للنبي فهو على استعداد لتلقي الوحي من الله لان المسألة متعلقة بالاجتباء الإلهي لهذا الدور العظيم فالأنبياء يشاركوننا الطبيعة البشرية ولكنهم لهم من الإجتباء من الله ما يجعلهم في أعلى مراحل التكامل والتهذيب النفسي وهذا مقتضى من مقتضيات تبليغ الرسالة السماوية فالاختلاف هنا في القابلية المودعة فيهم عليهم السلام في الاتصال والتعامل مع السماء . قال تعالى في سورة إبراهيم (( قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)).
ذكر في البحار عن مشارق البرسي عن أمير المؤمنين(ع) قال : يا طارق الإمام كلمة الله وحجة الله ونور الله وحجاب الله وآية الله يختاره ويجعل فيه ما يشاء , ويوجب بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه ......إلى أن قال ( والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي وأمر إلهي وروح قدسي ومقام عليّ ونور جلي وسر خفيّ فهو ملكي الذات إلهي الصفات زائد الحسنات عالم بالمغيبات مدحضا من ربَ العالمين ونصا من الصادق الأمين جبرائيل وهذا كله لآل محمد لا يشاركهم فيه مشارك لأنهم معدن التنزيل ومعنى التأويل وخاصة الرب الجليل ومهبط الأمين جبرائيل , صفوة الله وسره وكلمته .... خلقهم الله من نور عظمته وولاهم أمر مملكته فهم سر الله المخزون وأولياءه المقربون وأمرهم بين الكاف والنون لا بل هم الكاف والنون إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون ,علم الأنبياء في علمهم وسر الأوصياء في سرهم وعز الأولياء في عزهم كالقطرة في البحر والذرة في القطر...)).
ولم يسلم تاريخنا من الوضع والغلو في وقائع كثيرة فمثلا في الولادات فقد جعلها قسم من المغالين اقرب ما تكون إلى الخيال من الواقع البشري الذي خصهم الله به رحمة لنا من لدن العزيز الجبار .ونذكر مثال على ذلك ففي بحار الأنوار ج : 35 ص : 20ـ23 قال (ص): (( .... فوجدت فاطمة بنت أسد أم علي وقد جاء لها المخاض وهي بين النساء والقوابل حولها فقال حبيبي جبرئيل يا محمد نسجف بينها وبينك سجفا فإذا وضعت بعلي تتلقاه ففعلت ما أمرت به ثم قال لي امدد يدك يا محمد فمددت يدي اليمنى نحو أمه فإذا أنا بعلي على يدي واضعا يده اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذن ويقيم بالحنيفية ويشهد بوحدانية الله عز وجل وبرسالاتي ثم انثنى إلي وقال السلام عليك يا رسول الله ثم قال لي يا رسول الله أقرأ قلت اقرأ فوالذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم فقام بها ابنه شيث فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر شيث لأقر له أنه أحفظ له منه ثم تلا صحف نوح ثم صحف إبراهيم ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقر له بأنه أحفظ لها منه ثم قرأ زبور داود حتى لو حضر داود لأقر بأنه أحفظ لها منه ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقر بأنه أحفظ لها منه ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله علي من أوله إلى آخره فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة من غير أن أسمع منه آية ثم خاطبني و خاطبته بما يخاطب الأنبياء الأوصياء ثم عاد إلى حال طفوليته...))
وهنا كان عمر رسول الله (ص) ثمان وعشرين عاما مع العلم أن رسول الله (ص) بلغ بالرسالة عند الأربعين وبعدها نزل القرآن الكريم وهنا يظهر لنا جليا حالة الغلو والتزييف في ولادة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام . كما أن المغالين وصلت أياديهم الآثمة إلى الإفتراء على الأئمة عليهم السلام في تزييف كثير من الأحداث المتعلقة بحياة الأئمة عليهم السلام فهنا حديث عَنْ أَبِي أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَزْدِيِّ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ(ع) يَقُولُ لَمَّا وُلِدَ الرِّضَا (ع) إِنَّ ابْنِي هَذَا وُلِدَ مَخْتُوناً طَاهِراً مُطَهَّراً وَلَيْسَ مِنَ الْأَئِمَّةِ(ع) أَحَدٌ يُولَدُ إِلَّا مَخْتُوناً طَاهِراً مُطَهَّراً وَلَكِنَّا سَنُمِرُّ عَلَيْهِ الْمُوسَى لِإِصَابَةِ السُّنَّةِ وإتباع الْحَنِيفِيَّةِ .بحار الأنوار ج : 15 ص : 297.
بينما نجد الرد في تاريخنا واضحا لا يحتاج إلى بيان يصعب فهمه فنرى من خلال هذه الأحاديث الشريفة ردا مناسبا من خلاله نستطيع إخراج الحديث غير الموافق للقرآن والسنة والعقل والمنطق وبهذا نستطيع أن نفهم حقيقة ما أراد الله تعالى لنا من التوفيق لمعرفة الجوانب البشرية للرسل والأولياء من غير أن نجردهم من إستحقاقهم في التقديس لا أن نجعل منهم ملائكة ظانين أولئك الذين زيفوا التاريخ بأنهم يحسنون صنعا أو أرادوا أن يزيدوا من مكانة الرسل والأولياء رفعة , فأيهما أفضل جعل الرسل والأولياء ملائكة أم نجعلهم في الإطار القرآني المقبول والذي يجعلهم أفضل من ألملائكة المقربين.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) فِي سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ قَالَ أَخْبِرْنِي هَلْ يُعَابُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ؟قَالَ: لَا . قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ غُرْلًا فَلِمَ غَيَّرْتُمْ خَلْقَ اللَّهِ وَجَعَلْتُمْ فِعْلَكُمْ فِي قَطْعِ الْغُلْفَةِ أَصْوَبَ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ وَعِبْتُمُ الْأَغْلَفَ وَاللَّهُ خَلَقَهُ وَمَدَحْتُمُ الْخِتَانَ وَهُوَ فِعْلُكُمْ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ اللَّهِ خَطَأً غَيْرَ حِكْمَةٍ ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(ع) : ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ غَيْرَ أَنَّهُ سَنَّ ذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا أَنَّ الْمَوْلُودَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَجَدْتُمْ سُرَّتَهُ مُتَّصِلَةً بِسُرَّةِ أُمِّهِ كَذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ الْحَكِيمُ فَأَمَرَ الْعِبَادَ بِقَطْعِهَا وَفِي تَرْكِهَا فَسَادٌ بَيْنَ الْمَوْلُودِ وَالْأُمِّ وَكَذَلِكَ أَظْفَارُ الْإِنْسَانِ أَمَرَ إِذَا طَالَتْ أَنْ تُقَلَّمَ وَكَانَ قَادِراً يَوْمَ دَبَّرَ خِلْقَةَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَخْلُقَهَا خِلْقَةً لَا تَطُولُ وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ فِي الشَّارِبِ وَالرَّأْسِ يَطُولُ وَيُجَزُّ وَكَذَلِكَ الثِّيرَانُ خَلَقَهَا فُحُولَةً وَإِخْصَاؤُهَا أَوْفَقُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَيْبٌ فِي تَقْدِيرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وسائلالشيعة ج : 21 ص : 437. عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ (ع) قَالَ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ(ص) الْحَسَنَ(ع) وَالْحُسَيْنَ(ع) لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَعَقَّ عَنْهُمَا لِسَبْعٍ وَخَتَنَهُمَا لِسَبْعٍ وَحَلَقَ رُءُوسَهُمَا لِسَبْعٍ وَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شُعُورِهِمَا فِضَّةً. وسائلالشيعة ج : 21 ص : 440قال رسول الله إن الله عز وجل بعث خليله بالحنيفية وأمره بأخذ الشارب وقص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان . بحار الأنوار ج : 73 ص : 69
قال السيد المسيح(ع) “ أشهد أمام السماء وأشهد كل شيء أني بريء من كل ما قد قلتم لأني إنسان مولود من إمرأة فانية بشرية وعرضة لحكم الله مكابد شقاء الأكل والمنام وشقاء البرد والحر كسائر البشر لذلك متى جاء الله ليدين يكون كلامي كحسام يخترق كل من يؤمن بأني أعظم من إنسان” .
صحيفة القائم عليه السلام
إن في القرآن الكريم آيات وضعت شخصية الرسل في الإطار البشري والذي لا يسمح لأحد أن يخرجه من هذا الإطار مهما بلغ من كمال وجلال ، يقول الله تعالى لنبيه الكريم " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي "الكهف110. يعلمنا الله تعالى من خلال هذا النص أن هذا الإنسان المتصل بالسماء المتصف بالكمالات ما هو إلا بشر مثلنا ويقول تعالى " قل سبحان ربي ....هل كنت إلا بشرا رسولا "الإسراء 93. قال تعالى (( إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) ، عن أبي عبد الله(ع) في قوله إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ قال يعني في الخلق أنه مثلهم مخلوق يُوحى إِلَيَّ إلى قوله بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً" قال لا يتخذ مع ولاية آل محمد ولاية غيرهم وولايتهم العمل الصالح فمن أشرك بعبادة ربه فقد أشرك بولايتنا وكفر بها و جحد أمير المؤمنين(ع) حقه وولايته. تفسيرالقمي ج : 2 ص : 48.
فيعلن الكتاب المجيد من خلال النصوص القرآنية أن للرسول أو النبي أو الإمام كل الخصائص البشرية انه كسائر الناس يتألم ويحزن ويفرح ويضيق صدره ويتزوج ويأكل ويشرب ويقول الله تعالى " ولا تحزن ولا تك في ضيق مما يمكرون "النحل 127 ويقول تعالى " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه فكان أمره فرطا "الكهف 28.
جاء إعرابي إلى رسول الله فلما داناه ليتحدث إليه اضطرب كيانه وتلعثم لسانه فقال له رسول الله (ص) " هون عليك ... فاني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد” فلم نخرج عن إطار ما حدده القرآن الكريم لنا في فهم الحوادث التي مر بها الرسل والأئمة ونجعلها في إطار خارج الإطار البشري . عن أبا عبد الله(ع) يصف الأنبياء فيقول((...وهم الأنبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين عنه مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب مؤدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته...)) بحار الأنوار ج : 10 ص : 165 و166.
فلم نتجه بأنفسنا ما اتجه إليه من سبقنا من الأمم السابقة فالذين رووا لنا من التاريخ بتروا قسم من الصفات البشرية لدى الرسل واتجه وضعهم لما كتبوا إلى ملكوتية الرسل دون الطابع البشري المخصص لهم من الله تعالى فقسم منهم أنكروا بشرية الرسل كما حصل الحال في تأليه السيد المسيح (ع) قال تعالى (( وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)).
والقسم الأخر عابوا بشرية الرسل واستشكلوا في أن يجتبي من الناس رسلا .
والقسم الآخر منهم حسدوا النبي إذ يقول قومه (( ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ)). قال تعالى (( إذ قالوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)) وَقالُوا (( أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا)) و أمثال ذلك كثيرة فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم . إن الرسل عليهم السلام لهم من المشاركة في الطبيعة البشرية للناس ولكن الحال يختلف في الجعل التكويني للنبي فهو على استعداد لتلقي الوحي من الله لان المسألة متعلقة بالاجتباء الإلهي لهذا الدور العظيم فالأنبياء يشاركوننا الطبيعة البشرية ولكنهم لهم من الإجتباء من الله ما يجعلهم في أعلى مراحل التكامل والتهذيب النفسي وهذا مقتضى من مقتضيات تبليغ الرسالة السماوية فالاختلاف هنا في القابلية المودعة فيهم عليهم السلام في الاتصال والتعامل مع السماء . قال تعالى في سورة إبراهيم (( قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)).
ذكر في البحار عن مشارق البرسي عن أمير المؤمنين(ع) قال : يا طارق الإمام كلمة الله وحجة الله ونور الله وحجاب الله وآية الله يختاره ويجعل فيه ما يشاء , ويوجب بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه ......إلى أن قال ( والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي وأمر إلهي وروح قدسي ومقام عليّ ونور جلي وسر خفيّ فهو ملكي الذات إلهي الصفات زائد الحسنات عالم بالمغيبات مدحضا من ربَ العالمين ونصا من الصادق الأمين جبرائيل وهذا كله لآل محمد لا يشاركهم فيه مشارك لأنهم معدن التنزيل ومعنى التأويل وخاصة الرب الجليل ومهبط الأمين جبرائيل , صفوة الله وسره وكلمته .... خلقهم الله من نور عظمته وولاهم أمر مملكته فهم سر الله المخزون وأولياءه المقربون وأمرهم بين الكاف والنون لا بل هم الكاف والنون إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون ,علم الأنبياء في علمهم وسر الأوصياء في سرهم وعز الأولياء في عزهم كالقطرة في البحر والذرة في القطر...)).
ولم يسلم تاريخنا من الوضع والغلو في وقائع كثيرة فمثلا في الولادات فقد جعلها قسم من المغالين اقرب ما تكون إلى الخيال من الواقع البشري الذي خصهم الله به رحمة لنا من لدن العزيز الجبار .ونذكر مثال على ذلك ففي بحار الأنوار ج : 35 ص : 20ـ23 قال (ص): (( .... فوجدت فاطمة بنت أسد أم علي وقد جاء لها المخاض وهي بين النساء والقوابل حولها فقال حبيبي جبرئيل يا محمد نسجف بينها وبينك سجفا فإذا وضعت بعلي تتلقاه ففعلت ما أمرت به ثم قال لي امدد يدك يا محمد فمددت يدي اليمنى نحو أمه فإذا أنا بعلي على يدي واضعا يده اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذن ويقيم بالحنيفية ويشهد بوحدانية الله عز وجل وبرسالاتي ثم انثنى إلي وقال السلام عليك يا رسول الله ثم قال لي يا رسول الله أقرأ قلت اقرأ فوالذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم فقام بها ابنه شيث فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر شيث لأقر له أنه أحفظ له منه ثم تلا صحف نوح ثم صحف إبراهيم ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقر له بأنه أحفظ لها منه ثم قرأ زبور داود حتى لو حضر داود لأقر بأنه أحفظ لها منه ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقر بأنه أحفظ لها منه ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله علي من أوله إلى آخره فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة من غير أن أسمع منه آية ثم خاطبني و خاطبته بما يخاطب الأنبياء الأوصياء ثم عاد إلى حال طفوليته...))
وهنا كان عمر رسول الله (ص) ثمان وعشرين عاما مع العلم أن رسول الله (ص) بلغ بالرسالة عند الأربعين وبعدها نزل القرآن الكريم وهنا يظهر لنا جليا حالة الغلو والتزييف في ولادة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام . كما أن المغالين وصلت أياديهم الآثمة إلى الإفتراء على الأئمة عليهم السلام في تزييف كثير من الأحداث المتعلقة بحياة الأئمة عليهم السلام فهنا حديث عَنْ أَبِي أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَزْدِيِّ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ(ع) يَقُولُ لَمَّا وُلِدَ الرِّضَا (ع) إِنَّ ابْنِي هَذَا وُلِدَ مَخْتُوناً طَاهِراً مُطَهَّراً وَلَيْسَ مِنَ الْأَئِمَّةِ(ع) أَحَدٌ يُولَدُ إِلَّا مَخْتُوناً طَاهِراً مُطَهَّراً وَلَكِنَّا سَنُمِرُّ عَلَيْهِ الْمُوسَى لِإِصَابَةِ السُّنَّةِ وإتباع الْحَنِيفِيَّةِ .بحار الأنوار ج : 15 ص : 297.
بينما نجد الرد في تاريخنا واضحا لا يحتاج إلى بيان يصعب فهمه فنرى من خلال هذه الأحاديث الشريفة ردا مناسبا من خلاله نستطيع إخراج الحديث غير الموافق للقرآن والسنة والعقل والمنطق وبهذا نستطيع أن نفهم حقيقة ما أراد الله تعالى لنا من التوفيق لمعرفة الجوانب البشرية للرسل والأولياء من غير أن نجردهم من إستحقاقهم في التقديس لا أن نجعل منهم ملائكة ظانين أولئك الذين زيفوا التاريخ بأنهم يحسنون صنعا أو أرادوا أن يزيدوا من مكانة الرسل والأولياء رفعة , فأيهما أفضل جعل الرسل والأولياء ملائكة أم نجعلهم في الإطار القرآني المقبول والذي يجعلهم أفضل من ألملائكة المقربين.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) فِي سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ قَالَ أَخْبِرْنِي هَلْ يُعَابُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ؟قَالَ: لَا . قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ غُرْلًا فَلِمَ غَيَّرْتُمْ خَلْقَ اللَّهِ وَجَعَلْتُمْ فِعْلَكُمْ فِي قَطْعِ الْغُلْفَةِ أَصْوَبَ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ وَعِبْتُمُ الْأَغْلَفَ وَاللَّهُ خَلَقَهُ وَمَدَحْتُمُ الْخِتَانَ وَهُوَ فِعْلُكُمْ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ اللَّهِ خَطَأً غَيْرَ حِكْمَةٍ ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(ع) : ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ غَيْرَ أَنَّهُ سَنَّ ذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا أَنَّ الْمَوْلُودَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَجَدْتُمْ سُرَّتَهُ مُتَّصِلَةً بِسُرَّةِ أُمِّهِ كَذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ الْحَكِيمُ فَأَمَرَ الْعِبَادَ بِقَطْعِهَا وَفِي تَرْكِهَا فَسَادٌ بَيْنَ الْمَوْلُودِ وَالْأُمِّ وَكَذَلِكَ أَظْفَارُ الْإِنْسَانِ أَمَرَ إِذَا طَالَتْ أَنْ تُقَلَّمَ وَكَانَ قَادِراً يَوْمَ دَبَّرَ خِلْقَةَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَخْلُقَهَا خِلْقَةً لَا تَطُولُ وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ فِي الشَّارِبِ وَالرَّأْسِ يَطُولُ وَيُجَزُّ وَكَذَلِكَ الثِّيرَانُ خَلَقَهَا فُحُولَةً وَإِخْصَاؤُهَا أَوْفَقُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَيْبٌ فِي تَقْدِيرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وسائلالشيعة ج : 21 ص : 437. عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ (ع) قَالَ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ(ص) الْحَسَنَ(ع) وَالْحُسَيْنَ(ع) لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَعَقَّ عَنْهُمَا لِسَبْعٍ وَخَتَنَهُمَا لِسَبْعٍ وَحَلَقَ رُءُوسَهُمَا لِسَبْعٍ وَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شُعُورِهِمَا فِضَّةً. وسائلالشيعة ج : 21 ص : 440قال رسول الله إن الله عز وجل بعث خليله بالحنيفية وأمره بأخذ الشارب وقص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان . بحار الأنوار ج : 73 ص : 69
قال السيد المسيح(ع) “ أشهد أمام السماء وأشهد كل شيء أني بريء من كل ما قد قلتم لأني إنسان مولود من إمرأة فانية بشرية وعرضة لحكم الله مكابد شقاء الأكل والمنام وشقاء البرد والحر كسائر البشر لذلك متى جاء الله ليدين يكون كلامي كحسام يخترق كل من يؤمن بأني أعظم من إنسان” .
صحيفة القائم عليه السلام
تعليق