منقول من موسوعة القائم الجزء الثالث
مسجد الكوفة كعبة المهدي (ع)
المبحث الأول : تأسيس المسجد وبناءه:
من المعلوم إن القرآن فيه تنزيل (ظاهر للعيان) وتأويل (باطن مخفي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم).
وبما إن رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) هي امتداد للرسالة الإلهية المحمدية لذا لابد أن تكون هناك كعبة للإمام المهدي (عليه السلام) كما كانت هناك كعبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
إن أصل الموجودات هو الفيض الإلهي المتمثل بالنقطة (نقطة الباء في البسملة) وإن لهذه النقطة ظاهر وهو الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وباطن وهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا ما يفسر لنا سبب ولادة الرسول في ظاهر الكعبة وولادة الإمام علي في باطن الكعبة .
وبما إن الكعبة ترمز للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وإلى رسالته (رسالة التنزيل) فعليه وجب أن يكون هناك باطن للكعبة مرتبط بالإمام علي (عليه السلام) (المولود في باطن الكعبة)، وهذا الباطن متمثل في مسجد الكوفة الذي يرمز إلى الإمام علي (عليه السلام) وإلى رسالته (رسالة التأويل) وامتدادها في الأئمة من ولده وصولاً إلى الإمام المهدي (عليه السلام).
إذ إن الداخل إلى الكوفة أول ما يشد انتباهه هناك هو مسجد الكوفة، والسبب في ذلك يعود إلى إن المسجد يرمز إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي اتخذ من الكوفة عاصمة له، وإن مسجد الكوفة الآن قبلة الشيعة التي تقبل عليها الناس من كل البلاد، وليس القبلة التي يتوجهون إليها في الصلاة.
وكون باطن الكعبة هو مسجد الكوفة فإن ذلك يترتب عليه وجود شبه أو تجانس ما بين الكعبة وباطنها (مسجد الكوفة) ويتجسد الشبه في عدة أوجه هي :
1ـ من ناحية تأسيس المسجد وارتباطه بآدم (ع)
إن كل من الكوفة والكعبة مرتبط بآدم (عليه السلام)، فالبيت الحرام هو بيت أنزل من السماء إلى الأرض بعد هبوط آدم وحواء من الجنة، على شاكلة البيت المعمور في السماء الرابعة، والذي تطوف حوله الملائكة، والغاية من ذلك هو عبادة الله سبحانه وتعالى.
فقد جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): ( إن الله وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه الضراح وهو البيت المعمور، وقال للملائكة طوفوا به، ثم بعث الملائكة فقال لهم: أبنوا في الأرض بيتاً بمثاله وقدره.
ولما هبط آدم قال: إني منزل معك بيتاً تطوف حوله كما يطاف حول عرشي )(( .
وهو أول بيت وضع للناس، قال تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }( ).
وهذه الآية في التأويل تنطبق على مسجد الكوفة.
وذلك لأن معنى المسجد هو بيت الله وقد ثبت عندنا إن أول مسجد عبد الله فيه على الأرض هو مسجد الكوفة والذي خطه آدم (عليه السلام). فيشابه مسجد الكوفة الكعبة في أصل التأسيس المرتبط بآدم (عليه السلام) وبغايته التي هي العبادة والتي يفضل بها مسجد الكوفة كونه البقعة الأولى التي عبد الله فيها.
فآدم هو أبو البشر وهو الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالى لخلافة الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}( ) .
وهدف هذا الاستخلاف هو تحقيق الإرادة الإلهية وإشاعة الدين الحق وهو الإسلام { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } في الأرض .
وبالتالي تحقيق الوعد الإلهي بأعمار وإشاعة العدل فيها ورفع الظلم والجور عنها وهو ما لم يتحقق في أيام آدم (عليه السلام) وكانت خلافة أمير المؤمنين هي امتداد لتلك الخلافة وأيضاً لم تتم تلك الخلافة على وجهها الأكمل ولا تكون كذلك إلا على يد الإمام المهدي (عليه السلام).
أما من ناحية البناء فإن كل من مسجد الكوفة والكعبة مربعي الشكل، فالكعبة كانت مربعة الشكل على شاكلة البيت المعمور الذي وضعه الله تحت العرش ولذلك سميت الكعبة .
وقد ورد إن الكعبة سميت بهذا الاسم لأنها مربعة، وصارت مربعة لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع، وصار البيت المعمور مربعاً لأنه بحذاء العرش وهو مربع، وصار العرش مربعاً لأن الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع هي سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر( )، ومسجد الكوفة هو الآخر خط على أساس مربع الشكل.
ومن الجدير بالذكر إن الكعبة كانت سرادقاً عظيماً من نور محفوفاً بالدر والياقوت ثم أنزل في وسطه عمداً أربعة وجعل بين العمد الأربعة لؤلؤة بيضاء وجعل بينها نوراً من السرادق. وهذا البيت مقابل البيت المعمور الذي تطوف فيه الملائكة في السماء وقواعد هذا البيت رفعت بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر في جبل السلام وهو ظهر الكوفة.
يتبين من ذلك إن للبيت علاقة بالكوفة وبمسجدها وبما يرمز إليه والمتمثل بالإمام علي (عليه السلام) وأهل البيت عموماً، فإن الأحجار التي رفعت بها قواعد البيت اثنان منها كانت من الكوفة لأن طور سيناء كما ورد هي الكوفة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): ( إن الله أختار من البلدان أربع فقال عز وجل {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} ، فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة وهذا البلد الأمين مكة )( ).
كما أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أوصى عندما ضربه أبن ملجم لعنه الله، بأن يدفن على شفير الوادي وهو أول طور سيناء، فقد ورد عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: ( انه كان وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) أن أخرجوني إلى الظهر فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلكم ريح فادفنوني وهو أول طور سيناء ففعلوا ذلك)( ) .
2ـ من ناحية تسميته وموقعه
إن هنالك أوجه شبه في تسمية كل من الكوفة والكعبة حيث ورد إن للكعبة عشرة أسماء.( ) فقد ورد عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) إنها سميت بذلك لأنها كانت مربعة الشكل وهذا يعني إنها تشابه مسجد الكوفة الذي كان مربعاً أيضاً .
وروي إنها سميت الكعبة لأنها وسط الدنيا أو وسط الأرض، ولأنها المكان الذي دحيت منه الأرض.
أما مسجد الكوفة أو الكوفة عموماً فقد تقدم القول إنها كانت جبلاً ثم تفتت وصار رملاً أو أرضاً منبسط وهو يشابه دحي الأرض من تحت مكة.
وسماها الله سبحانه وتعالى بالبيت الحرام وإن لذلك معنيين الأول إن من دخله كان آمناً لا يجوز فيه الاعتداء على أحد ولذلك أصبحت حرم الله سبحانه وتعالى.
فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : (حرم الله المسجد لعلة الكعبة )( ) ، أي لعلة حرمة الكعبة صار المسجد حرماً .
وقد ورد في الأثر الشريف إن قريش لما هدمت الكعبة وجدت كتاباً فيه إن الله ذو بكة يوم حرمتها يوم خلق السماوات والأرض ووضعتها بين هاتين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حفاً )( ) ، وبكة هي محل البيت الحرام .
وقد ورد في الكوفة إنها حرم الله ورسوله وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) كما ورد سابقاً ( ) .
وبما إن مكة صارت حرماً لعلة حرمة الكعبة فإن الكوفة صارت حرماً لعلة حرمة مسجد الكوفة. علماً إن الرواية الشريفة تشير إلى الترابط والوحدة بين الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وهما ظاهر الكعبة وباطنها وظاهر النقطة وباطنها هذا هو المعنى الأول .
أما المعنى الثاني إن البيت الحرام جاءت حرمته من حرمة دخول الكفار والمشركين فيه لأن المشركين نجس فلا يحق لهم دخول الكعبة فقد جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال حول اسم البيت الحرام : ( لأنه حرم على المشركين أن يدخلوه )( ) .
وسمى الله سبحانه وتعالى الكعبة قياماً للناس، وقياماً مأخوذة من قام يقوم قوماً وقومة وقياماً وقامة أي انتصب أو وقف، تقول للماشي قم لي أي قف لي، أي أنها نصبت للناس رمزاً لوحدانية الله تعالى.
وإن منها يقوم الناس للرب مقرين له بالوحدانية والربوبية، وإن دينه هو الإسلام ، ومعترفين له بنبوة النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ومعترفين له بولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعده (عليهم السلام) وإنهم يوم القيامة يقومون بين يديه ويشهدهم على ذلك العهد والميثاق الذي أخذه منهم .
وبما ان الكوفة التي هي باطن الكعبة وهي المكان الذي ذرا فيه الله عز وجل الخلق وأشهدهم على ما تقدم، إذن فمسجد الكوفة يمثل قياماً للناس لأنهم قاموا لربهم في عالم الذر.
كما سمى الكعبة بالبيت العتيق في قوله تعالى: { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ }( ) .
وجاء في التفسير إن البيت عتق من طوفان نوح (عليه السلام) وفي رواية:
( إن البيت رفع إلى السماء وأعتق من الغرق )( ).
هذا من جهة ومن جهة أخر إن العتيق في اللغة هو القديم. وإن الكعبة بيت قديم وذلك مصداق قوله تعالى :
{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}( ) .
وهذه الصفة تسجل لمسجد الكوفة وذلك لأن موقعه في العراق الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى العراقة والقدم، ثم إن الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) تؤكد هذا المعنى فقد ثبت لنا قدمه بدلالة إن الكوفة وبالتالي مسجد الكوفة هي أول بقعة عبد الله عليها.
ثم إن هناك رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) تدل على ذلك، فعندما تساءل أحد أصحابه وهو المفضل عن ذلك: ( فقلت له مسجد الكوفة قديم فقال نعم)( ).
وسمي كل من مسجد الكوفة والكعبة مصلى، فقد ثبت هذا الاسم للكعبة في قوله تعالى {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}( ) .
ومن المعلوم إن مقام إبراهيم (عليه السلام) واتخاذه مصلى من قبل الناس جاء من قبل الله سبحانه وتعالى لأنه ممثل للدين الإسلامي الحنيف قام وتجسد وتكامل في رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
كما إن إبراهيم (عليه السلام) يمثل خطي النبوة والإمامة المتمثلة بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والإمام علي (عليه السلام) والأئمة من ولده.
وعليه كما كان في كعبة الإسلام مقام ظاهر يرمز لخط النبوة كان لإبراهيم (عليه السلام) ذات المقام في باطن كعبة الإسلام والذي اتخذه مصلى أيضاً في مسجد الكوفة وكذلك مسجد السهلة.
وقد ورد روايات صريحة عن وجود مقام أو مصلى لإبراهيم (عليه السلام) في مسجد الكوفة منها قول الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): ( إذا دخلت من الباب الثاني ميمنة المسجد فعد خمسة أساطين اثنين في الظلال وثلاثة في الصحن فعند الثالثة مقام إبراهيم (عليه السلام))( ).
يتبع
مسجد الكوفة كعبة المهدي (ع)
المبحث الأول : تأسيس المسجد وبناءه:
من المعلوم إن القرآن فيه تنزيل (ظاهر للعيان) وتأويل (باطن مخفي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم).
وبما إن رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) هي امتداد للرسالة الإلهية المحمدية لذا لابد أن تكون هناك كعبة للإمام المهدي (عليه السلام) كما كانت هناك كعبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
إن أصل الموجودات هو الفيض الإلهي المتمثل بالنقطة (نقطة الباء في البسملة) وإن لهذه النقطة ظاهر وهو الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وباطن وهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا ما يفسر لنا سبب ولادة الرسول في ظاهر الكعبة وولادة الإمام علي في باطن الكعبة .
وبما إن الكعبة ترمز للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وإلى رسالته (رسالة التنزيل) فعليه وجب أن يكون هناك باطن للكعبة مرتبط بالإمام علي (عليه السلام) (المولود في باطن الكعبة)، وهذا الباطن متمثل في مسجد الكوفة الذي يرمز إلى الإمام علي (عليه السلام) وإلى رسالته (رسالة التأويل) وامتدادها في الأئمة من ولده وصولاً إلى الإمام المهدي (عليه السلام).
إذ إن الداخل إلى الكوفة أول ما يشد انتباهه هناك هو مسجد الكوفة، والسبب في ذلك يعود إلى إن المسجد يرمز إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي اتخذ من الكوفة عاصمة له، وإن مسجد الكوفة الآن قبلة الشيعة التي تقبل عليها الناس من كل البلاد، وليس القبلة التي يتوجهون إليها في الصلاة.
وكون باطن الكعبة هو مسجد الكوفة فإن ذلك يترتب عليه وجود شبه أو تجانس ما بين الكعبة وباطنها (مسجد الكوفة) ويتجسد الشبه في عدة أوجه هي :
1ـ من ناحية تأسيس المسجد وارتباطه بآدم (ع)
إن كل من الكوفة والكعبة مرتبط بآدم (عليه السلام)، فالبيت الحرام هو بيت أنزل من السماء إلى الأرض بعد هبوط آدم وحواء من الجنة، على شاكلة البيت المعمور في السماء الرابعة، والذي تطوف حوله الملائكة، والغاية من ذلك هو عبادة الله سبحانه وتعالى.
فقد جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): ( إن الله وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه الضراح وهو البيت المعمور، وقال للملائكة طوفوا به، ثم بعث الملائكة فقال لهم: أبنوا في الأرض بيتاً بمثاله وقدره.
ولما هبط آدم قال: إني منزل معك بيتاً تطوف حوله كما يطاف حول عرشي )(( .
وهو أول بيت وضع للناس، قال تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }( ).
وهذه الآية في التأويل تنطبق على مسجد الكوفة.
وذلك لأن معنى المسجد هو بيت الله وقد ثبت عندنا إن أول مسجد عبد الله فيه على الأرض هو مسجد الكوفة والذي خطه آدم (عليه السلام). فيشابه مسجد الكوفة الكعبة في أصل التأسيس المرتبط بآدم (عليه السلام) وبغايته التي هي العبادة والتي يفضل بها مسجد الكوفة كونه البقعة الأولى التي عبد الله فيها.
فآدم هو أبو البشر وهو الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالى لخلافة الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}( ) .
وهدف هذا الاستخلاف هو تحقيق الإرادة الإلهية وإشاعة الدين الحق وهو الإسلام { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } في الأرض .
وبالتالي تحقيق الوعد الإلهي بأعمار وإشاعة العدل فيها ورفع الظلم والجور عنها وهو ما لم يتحقق في أيام آدم (عليه السلام) وكانت خلافة أمير المؤمنين هي امتداد لتلك الخلافة وأيضاً لم تتم تلك الخلافة على وجهها الأكمل ولا تكون كذلك إلا على يد الإمام المهدي (عليه السلام).
أما من ناحية البناء فإن كل من مسجد الكوفة والكعبة مربعي الشكل، فالكعبة كانت مربعة الشكل على شاكلة البيت المعمور الذي وضعه الله تحت العرش ولذلك سميت الكعبة .
وقد ورد إن الكعبة سميت بهذا الاسم لأنها مربعة، وصارت مربعة لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع، وصار البيت المعمور مربعاً لأنه بحذاء العرش وهو مربع، وصار العرش مربعاً لأن الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع هي سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر( )، ومسجد الكوفة هو الآخر خط على أساس مربع الشكل.
ومن الجدير بالذكر إن الكعبة كانت سرادقاً عظيماً من نور محفوفاً بالدر والياقوت ثم أنزل في وسطه عمداً أربعة وجعل بين العمد الأربعة لؤلؤة بيضاء وجعل بينها نوراً من السرادق. وهذا البيت مقابل البيت المعمور الذي تطوف فيه الملائكة في السماء وقواعد هذا البيت رفعت بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر في جبل السلام وهو ظهر الكوفة.
يتبين من ذلك إن للبيت علاقة بالكوفة وبمسجدها وبما يرمز إليه والمتمثل بالإمام علي (عليه السلام) وأهل البيت عموماً، فإن الأحجار التي رفعت بها قواعد البيت اثنان منها كانت من الكوفة لأن طور سيناء كما ورد هي الكوفة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): ( إن الله أختار من البلدان أربع فقال عز وجل {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} ، فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة وهذا البلد الأمين مكة )( ).
كما أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أوصى عندما ضربه أبن ملجم لعنه الله، بأن يدفن على شفير الوادي وهو أول طور سيناء، فقد ورد عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: ( انه كان وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) أن أخرجوني إلى الظهر فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلكم ريح فادفنوني وهو أول طور سيناء ففعلوا ذلك)( ) .
2ـ من ناحية تسميته وموقعه
إن هنالك أوجه شبه في تسمية كل من الكوفة والكعبة حيث ورد إن للكعبة عشرة أسماء.( ) فقد ورد عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) إنها سميت بذلك لأنها كانت مربعة الشكل وهذا يعني إنها تشابه مسجد الكوفة الذي كان مربعاً أيضاً .
وروي إنها سميت الكعبة لأنها وسط الدنيا أو وسط الأرض، ولأنها المكان الذي دحيت منه الأرض.
أما مسجد الكوفة أو الكوفة عموماً فقد تقدم القول إنها كانت جبلاً ثم تفتت وصار رملاً أو أرضاً منبسط وهو يشابه دحي الأرض من تحت مكة.
وسماها الله سبحانه وتعالى بالبيت الحرام وإن لذلك معنيين الأول إن من دخله كان آمناً لا يجوز فيه الاعتداء على أحد ولذلك أصبحت حرم الله سبحانه وتعالى.
فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : (حرم الله المسجد لعلة الكعبة )( ) ، أي لعلة حرمة الكعبة صار المسجد حرماً .
وقد ورد في الأثر الشريف إن قريش لما هدمت الكعبة وجدت كتاباً فيه إن الله ذو بكة يوم حرمتها يوم خلق السماوات والأرض ووضعتها بين هاتين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حفاً )( ) ، وبكة هي محل البيت الحرام .
وقد ورد في الكوفة إنها حرم الله ورسوله وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) كما ورد سابقاً ( ) .
وبما إن مكة صارت حرماً لعلة حرمة الكعبة فإن الكوفة صارت حرماً لعلة حرمة مسجد الكوفة. علماً إن الرواية الشريفة تشير إلى الترابط والوحدة بين الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وهما ظاهر الكعبة وباطنها وظاهر النقطة وباطنها هذا هو المعنى الأول .
أما المعنى الثاني إن البيت الحرام جاءت حرمته من حرمة دخول الكفار والمشركين فيه لأن المشركين نجس فلا يحق لهم دخول الكعبة فقد جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال حول اسم البيت الحرام : ( لأنه حرم على المشركين أن يدخلوه )( ) .
وسمى الله سبحانه وتعالى الكعبة قياماً للناس، وقياماً مأخوذة من قام يقوم قوماً وقومة وقياماً وقامة أي انتصب أو وقف، تقول للماشي قم لي أي قف لي، أي أنها نصبت للناس رمزاً لوحدانية الله تعالى.
وإن منها يقوم الناس للرب مقرين له بالوحدانية والربوبية، وإن دينه هو الإسلام ، ومعترفين له بنبوة النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ومعترفين له بولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعده (عليهم السلام) وإنهم يوم القيامة يقومون بين يديه ويشهدهم على ذلك العهد والميثاق الذي أخذه منهم .
وبما ان الكوفة التي هي باطن الكعبة وهي المكان الذي ذرا فيه الله عز وجل الخلق وأشهدهم على ما تقدم، إذن فمسجد الكوفة يمثل قياماً للناس لأنهم قاموا لربهم في عالم الذر.
كما سمى الكعبة بالبيت العتيق في قوله تعالى: { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ }( ) .
وجاء في التفسير إن البيت عتق من طوفان نوح (عليه السلام) وفي رواية:
( إن البيت رفع إلى السماء وأعتق من الغرق )( ).
هذا من جهة ومن جهة أخر إن العتيق في اللغة هو القديم. وإن الكعبة بيت قديم وذلك مصداق قوله تعالى :
{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}( ) .
وهذه الصفة تسجل لمسجد الكوفة وذلك لأن موقعه في العراق الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى العراقة والقدم، ثم إن الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) تؤكد هذا المعنى فقد ثبت لنا قدمه بدلالة إن الكوفة وبالتالي مسجد الكوفة هي أول بقعة عبد الله عليها.
ثم إن هناك رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) تدل على ذلك، فعندما تساءل أحد أصحابه وهو المفضل عن ذلك: ( فقلت له مسجد الكوفة قديم فقال نعم)( ).
وسمي كل من مسجد الكوفة والكعبة مصلى، فقد ثبت هذا الاسم للكعبة في قوله تعالى {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}( ) .
ومن المعلوم إن مقام إبراهيم (عليه السلام) واتخاذه مصلى من قبل الناس جاء من قبل الله سبحانه وتعالى لأنه ممثل للدين الإسلامي الحنيف قام وتجسد وتكامل في رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
كما إن إبراهيم (عليه السلام) يمثل خطي النبوة والإمامة المتمثلة بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والإمام علي (عليه السلام) والأئمة من ولده.
وعليه كما كان في كعبة الإسلام مقام ظاهر يرمز لخط النبوة كان لإبراهيم (عليه السلام) ذات المقام في باطن كعبة الإسلام والذي اتخذه مصلى أيضاً في مسجد الكوفة وكذلك مسجد السهلة.
وقد ورد روايات صريحة عن وجود مقام أو مصلى لإبراهيم (عليه السلام) في مسجد الكوفة منها قول الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): ( إذا دخلت من الباب الثاني ميمنة المسجد فعد خمسة أساطين اثنين في الظلال وثلاثة في الصحن فعند الثالثة مقام إبراهيم (عليه السلام))( ).
يتبع
تعليق