إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مسجد الكوفة كعبة المهدي (ع)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مسجد الكوفة كعبة المهدي (ع)

    منقول من موسوعة القائم الجزء الثالث
    مسجد الكوفة كعبة المهدي (ع)

    المبحث الأول : تأسيس المسجد وبناءه:
    من المعلوم إن القرآن فيه تنزيل (ظاهر للعيان) وتأويل (باطن مخفي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم).
    وبما إن رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) هي امتداد للرسالة الإلهية المحمدية لذا لابد أن تكون هناك كعبة للإمام المهدي (عليه السلام) كما كانت هناك كعبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
    إن أصل الموجودات هو الفيض الإلهي المتمثل بالنقطة (نقطة الباء في البسملة) وإن لهذه النقطة ظاهر وهو الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وباطن وهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا ما يفسر لنا سبب ولادة الرسول في ظاهر الكعبة وولادة الإمام علي في باطن الكعبة .
    وبما إن الكعبة ترمز للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وإلى رسالته (رسالة التنزيل) فعليه وجب أن يكون هناك باطن للكعبة مرتبط بالإمام علي (عليه السلام) (المولود في باطن الكعبة)، وهذا الباطن متمثل في مسجد الكوفة الذي يرمز إلى الإمام علي (عليه السلام) وإلى رسالته (رسالة التأويل) وامتدادها في الأئمة من ولده وصولاً إلى الإمام المهدي (عليه السلام).
    إذ إن الداخل إلى الكوفة أول ما يشد انتباهه هناك هو مسجد الكوفة، والسبب في ذلك يعود إلى إن المسجد يرمز إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي اتخذ من الكوفة عاصمة له، وإن مسجد الكوفة الآن قبلة الشيعة التي تقبل عليها الناس من كل البلاد، وليس القبلة التي يتوجهون إليها في الصلاة.
    وكون باطن الكعبة هو مسجد الكوفة فإن ذلك يترتب عليه وجود شبه أو تجانس ما بين الكعبة وباطنها (مسجد الكوفة) ويتجسد الشبه في عدة أوجه هي :

    1ـ من ناحية تأسيس المسجد وارتباطه بآدم (ع)
    إن كل من الكوفة والكعبة مرتبط بآدم (عليه السلام)، فالبيت الحرام هو بيت أنزل من السماء إلى الأرض بعد هبوط آدم وحواء من الجنة، على شاكلة البيت المعمور في السماء الرابعة، والذي تطوف حوله الملائكة، والغاية من ذلك هو عبادة الله سبحانه وتعالى.
    فقد جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): ( إن الله وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه الضراح وهو البيت المعمور، وقال للملائكة طوفوا به، ثم بعث الملائكة فقال لهم: أبنوا في الأرض بيتاً بمثاله وقدره.
    ولما هبط آدم قال: إني منزل معك بيتاً تطوف حوله كما يطاف حول عرشي )(( .
    وهو أول بيت وضع للناس، قال تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }( ).
    وهذه الآية في التأويل تنطبق على مسجد الكوفة.
    وذلك لأن معنى المسجد هو بيت الله وقد ثبت عندنا إن أول مسجد عبد الله فيه على الأرض هو مسجد الكوفة والذي خطه آدم (عليه السلام). فيشابه مسجد الكوفة الكعبة في أصل التأسيس المرتبط بآدم (عليه السلام) وبغايته التي هي العبادة والتي يفضل بها مسجد الكوفة كونه البقعة الأولى التي عبد الله فيها.
    فآدم هو أبو البشر وهو الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالى لخلافة الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}( ) .
    وهدف هذا الاستخلاف هو تحقيق الإرادة الإلهية وإشاعة الدين الحق وهو الإسلام { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } في الأرض .
    وبالتالي تحقيق الوعد الإلهي بأعمار وإشاعة العدل فيها ورفع الظلم والجور عنها وهو ما لم يتحقق في أيام آدم (عليه السلام) وكانت خلافة أمير المؤمنين هي امتداد لتلك الخلافة وأيضاً لم تتم تلك الخلافة على وجهها الأكمل ولا تكون كذلك إلا على يد الإمام المهدي (عليه السلام).
    أما من ناحية البناء فإن كل من مسجد الكوفة والكعبة مربعي الشكل، فالكعبة كانت مربعة الشكل على شاكلة البيت المعمور الذي وضعه الله تحت العرش ولذلك سميت الكعبة .
    وقد ورد إن الكعبة سميت بهذا الاسم لأنها مربعة، وصارت مربعة لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع، وصار البيت المعمور مربعاً لأنه بحذاء العرش وهو مربع، وصار العرش مربعاً لأن الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع هي سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر( )، ومسجد الكوفة هو الآخر خط على أساس مربع الشكل.
    ومن الجدير بالذكر إن الكعبة كانت سرادقاً عظيماً من نور محفوفاً بالدر والياقوت ثم أنزل في وسطه عمداً أربعة وجعل بين العمد الأربعة لؤلؤة بيضاء وجعل بينها نوراً من السرادق. وهذا البيت مقابل البيت المعمور الذي تطوف فيه الملائكة في السماء وقواعد هذا البيت رفعت بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر في جبل السلام وهو ظهر الكوفة.
    يتبين من ذلك إن للبيت علاقة بالكوفة وبمسجدها وبما يرمز إليه والمتمثل بالإمام علي (عليه السلام) وأهل البيت عموماً، فإن الأحجار التي رفعت بها قواعد البيت اثنان منها كانت من الكوفة لأن طور سيناء كما ورد هي الكوفة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): ( إن الله أختار من البلدان أربع فقال عز وجل {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} ، فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة وهذا البلد الأمين مكة )( ).
    كما أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أوصى عندما ضربه أبن ملجم لعنه الله، بأن يدفن على شفير الوادي وهو أول طور سيناء، فقد ورد عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: ( انه كان وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) أن أخرجوني إلى الظهر فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلكم ريح فادفنوني وهو أول طور سيناء ففعلوا ذلك)( ) .
    2ـ من ناحية تسميته وموقعه
    إن هنالك أوجه شبه في تسمية كل من الكوفة والكعبة حيث ورد إن للكعبة عشرة أسماء.( ) فقد ورد عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) إنها سميت بذلك لأنها كانت مربعة الشكل وهذا يعني إنها تشابه مسجد الكوفة الذي كان مربعاً أيضاً .
    وروي إنها سميت الكعبة لأنها وسط الدنيا أو وسط الأرض، ولأنها المكان الذي دحيت منه الأرض.
    أما مسجد الكوفة أو الكوفة عموماً فقد تقدم القول إنها كانت جبلاً ثم تفتت وصار رملاً أو أرضاً منبسط وهو يشابه دحي الأرض من تحت مكة.
    وسماها الله سبحانه وتعالى بالبيت الحرام وإن لذلك معنيين الأول إن من دخله كان آمناً لا يجوز فيه الاعتداء على أحد ولذلك أصبحت حرم الله سبحانه وتعالى.
    فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : (حرم الله المسجد لعلة الكعبة )( ) ، أي لعلة حرمة الكعبة صار المسجد حرماً .
    وقد ورد في الأثر الشريف إن قريش لما هدمت الكعبة وجدت كتاباً فيه إن الله ذو بكة يوم حرمتها يوم خلق السماوات والأرض ووضعتها بين هاتين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حفاً )( ) ، وبكة هي محل البيت الحرام .
    وقد ورد في الكوفة إنها حرم الله ورسوله وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) كما ورد سابقاً ( ) .
    وبما إن مكة صارت حرماً لعلة حرمة الكعبة فإن الكوفة صارت حرماً لعلة حرمة مسجد الكوفة. علماً إن الرواية الشريفة تشير إلى الترابط والوحدة بين الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وهما ظاهر الكعبة وباطنها وظاهر النقطة وباطنها هذا هو المعنى الأول .
    أما المعنى الثاني إن البيت الحرام جاءت حرمته من حرمة دخول الكفار والمشركين فيه لأن المشركين نجس فلا يحق لهم دخول الكعبة فقد جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال حول اسم البيت الحرام : ( لأنه حرم على المشركين أن يدخلوه )( ) .
    وسمى الله سبحانه وتعالى الكعبة قياماً للناس، وقياماً مأخوذة من قام يقوم قوماً وقومة وقياماً وقامة أي انتصب أو وقف، تقول للماشي قم لي أي قف لي، أي أنها نصبت للناس رمزاً لوحدانية الله تعالى.
    وإن منها يقوم الناس للرب مقرين له بالوحدانية والربوبية، وإن دينه هو الإسلام ، ومعترفين له بنبوة النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ومعترفين له بولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعده (عليهم السلام) وإنهم يوم القيامة يقومون بين يديه ويشهدهم على ذلك العهد والميثاق الذي أخذه منهم .
    وبما ان الكوفة التي هي باطن الكعبة وهي المكان الذي ذرا فيه الله عز وجل الخلق وأشهدهم على ما تقدم، إذن فمسجد الكوفة يمثل قياماً للناس لأنهم قاموا لربهم في عالم الذر.
    كما سمى الكعبة بالبيت العتيق في قوله تعالى: { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ }( ) .
    وجاء في التفسير إن البيت عتق من طوفان نوح (عليه السلام) وفي رواية:
    ( إن البيت رفع إلى السماء وأعتق من الغرق )( ).
    هذا من جهة ومن جهة أخر إن العتيق في اللغة هو القديم. وإن الكعبة بيت قديم وذلك مصداق قوله تعالى :
    { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}( ) .
    وهذه الصفة تسجل لمسجد الكوفة وذلك لأن موقعه في العراق الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى العراقة والقدم، ثم إن الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) تؤكد هذا المعنى فقد ثبت لنا قدمه بدلالة إن الكوفة وبالتالي مسجد الكوفة هي أول بقعة عبد الله عليها.
    ثم إن هناك رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) تدل على ذلك، فعندما تساءل أحد أصحابه وهو المفضل عن ذلك: ( فقلت له مسجد الكوفة قديم فقال نعم)( ).
    وسمي كل من مسجد الكوفة والكعبة مصلى، فقد ثبت هذا الاسم للكعبة في قوله تعالى {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}( ) .
    ومن المعلوم إن مقام إبراهيم (عليه السلام) واتخاذه مصلى من قبل الناس جاء من قبل الله سبحانه وتعالى لأنه ممثل للدين الإسلامي الحنيف قام وتجسد وتكامل في رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
    كما إن إبراهيم (عليه السلام) يمثل خطي النبوة والإمامة المتمثلة بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والإمام علي (عليه السلام) والأئمة من ولده.
    وعليه كما كان في كعبة الإسلام مقام ظاهر يرمز لخط النبوة كان لإبراهيم (عليه السلام) ذات المقام في باطن كعبة الإسلام والذي اتخذه مصلى أيضاً في مسجد الكوفة وكذلك مسجد السهلة.
    وقد ورد روايات صريحة عن وجود مقام أو مصلى لإبراهيم (عليه السلام) في مسجد الكوفة منها قول الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): ( إذا دخلت من الباب الثاني ميمنة المسجد فعد خمسة أساطين اثنين في الظلال وثلاثة في الصحن فعند الثالثة مقام إبراهيم (عليه السلام))( ).

    يتبع

  • #2
    وفي رواية عن أسباط رفعها عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:
    ( الاسطوانة السابعة مما يلي أبواب كندة في الصحن مقام إبراهيم)( )، وغيرها من الروايات التي جاءت تؤكد هذا المعنى( ) .
    والإمام المهدي (عليه السلام) يمثل ذلك الخط الذي مثله إبراهيم ومن بعده الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأهل البيت (عليهم السلام) لأن إبراهيم (عليه السلام) يمثل خط التوحيد الخالص الخالي من شائبة الشرك وهو ما لم يتحقق في رسالته لأن الناس في زمانه ظلوا على شركهم وهي أشراط الميثاق الذي أخذه الله تعالى على خلقه والمجسد له على أكمل صورة هو الإمام المهدي (عليه السلام) فهو خلاصة توحيد إبراهيم ونبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وإمامة علي (عليه السلام) وولايته .
    كما سميت الكعبة مثابة في قوله تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}( ) .
    ومثابة في اللغة من ثاب ثوباً وثاب وإثابة، ثاب الناس اجتمعوا، والمثابة مجتمع الناس وهو ما ينطبق على الكعبة لأنها مجمع تجتمع فيه الناس للحج كما هو معلوم.
    وهذا المعنى ورد عن مسجد الكوفة لأنه المكان الذي تجتمع فيه قلوب المؤمنين على محبة أهل البيت وولايتهم، علماً إن الكوفة مأخوذة من كلمة تكوف الجند أي تجمعوا، والكوفة من اجتماع الناس بها كما أشير إلى ذلك سابقاً.
    كما إن مسجد الكوفة سيكون في زمان قيام الإمام المهدي (عليه السلام) مجمع الناس من شتى أصقاع الأرض لأن الكوفة آن ذاك ستكون عاصمة دولة الإمام المهدي (عليه السلام).

    كما إن الكوفة والكعبة تشتركان في صفة البركة. وقد أشار القرآن إلى أن الكوفة هي أرض مباركة وهي في ذات الوقت أمن ومأمن للاجئ إليها في قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إلى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}( ).
    وفي التفسير نجيناهما إلى الشام وإلى سواد الكوفة ( ).
    والمسجد المبارك تأتيه البركة من أهله وبما إن أهل البيت مباركون وأي مكان يحلون فيه يكون مباركاً لا سيما الكعبة ومسجد الكوفة لأنها منبع النبوة والإمامة.
    فقد ورد في الأثر ( اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم).
    وسمى الباري عز وجل الكعبة مباركاً في قوله تعالى : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}( )، ومبارك في اللغة من برك بارك وبركة، يقال بارك على الأنبياء أي أكرم عليهم ما أعطيتهم من التشريف والتمجيد والكرامة.
    وإن من المسَلَم به إن الكعبة لها مكانتها في التشريف والتمجيد والكرامة وهذا ما يثبت لمسجد الكوفة أيضاً، وقد صرحت به جملة من الروايات الواردة من طرق أهل البيت (عليهم السلام)، وهو ما أشار إليه جبرائيل في حديث المعراج عندما سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فقال جبرائيل عنه:
    ( مسجد مبارك كثير الخير عظيم البركة اختاره الله لأهله وهو يشفع لهم يوم القيامة )( ).
    وفي هذا النص إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى مثلما اختار الكعبة وجعلها مباركة اختار مسجد الكوفة وجعله مباركاً وزاد عليه بلحاظ عبارة (عظيم البركة).
    وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله ( والبركة فيه على أثنا عشر ميلاً )( ) ، والمسجد المبارك تأتيه البركة من أهله.
    كما إن كل من الكوفة والكعبة ترمزان إلى الهداية، فقد سمى الله سبحانه وتعالى الكعبة (هدى) مصداق قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}.
    والهدى هو الرشاد ضد الضلال، وهداه الطريق أي أرشده إليه وبينه له وعرفه به والكعبة هي هدى للناس تهديهم إلى رب هذا البيت وهو الله سبحانه وتعالى كما تهديهم إلى الطريق الصحيح المستقيم الموصل لله سبحانه وتعالى وهم آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والسبب المتصل ما بين السماء والأرض وهم الصراط المستقيم والذي هو على وجه الخصوص الإمام علي(عليه السلام) المولود في باطن الكعبة.
    وهذه الهداية التي تثبت للكعبة تثبت للكوفة لأنها تهدي إلى الله بواسطة هذا الطريق الصحيح والصراط المستقيم الممثل لأهل البيت (عليهم السلام) ولا سيما أمير المؤمنين (عليه السلام).
    وأكثر ما يتجلى هذا الأمر في الإمام المهدي (عليه السلام) عند قيامه المبارك وحتى قبل قيامه.
    لذا ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : ( وإنهم يستضيئون بنوره وتنتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها السحاب)( ).
    والدليل الآخر على هذه الهداية: إن الله سبحانه وتعالى قال مخاطباً لرسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}( ) .
    وجاء في التفسير إن الهاد هو الإمام علي (عليه السلام).

    3ـ من ناحية بناء المسجد
    هنالك شبه من حيث بناء مسجد الكوفة وعلاقته بالخليل إبراهيم (عليه السلام) وارتباط كل منهما بالكعبة. يعتبر نبي الله إبراهيم (عليه السلام) الباني للكعبة (بيت الله) فقد جاءت رسالة السماء الرسالة المحمدية بين ظهراني قوم هم خلاصة دين إبراهيم وسلالة إسماعيل(عليهما السلام) .
    وهذا ما تؤيده الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فقد قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }( ).
    ومن هنا جاء قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): ( أنا دعوة أبي إبراهيم ) وفي الوقت ذاته جاء باطن الرسالة المحمدية المتمثلة بالإمامة بين ظهراني قوم هم خلاصة دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ودين إبراهيم وسلالة إسماعيل عليهم أفضل الصلاة والسلام وهم أهل البيت (عليهم السلام) .
    وهذا ما تؤيده الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في قوله تعالى على لسان إبراهيم الخليل { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }( )، وطلب من الباري عز وجل أن يكون من ذريته من يهدون إلى سبيله إلا أن جواب الباري عز وجل كان: { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين}( ).
    إذ هناك صفوة مختارة تتصدى لمهام الإمامة وهم آل محمد (عليهم السلام) فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) ان تفسير قوله تعالى {وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} هم بني هاشم خاصة والذي بعث فيهم نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأئمة المتمثلين بأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من ولده (عليهم السلام).
    فكان هناك حكمة في اختيار موقع مكة واختيار أهلها وخصوصاً بني هاشم وبين موقع الكوفة واختيار أهلها وخصوصاً الأئمة الأطهار (عليهم السلام) للرسالة الإلهية المتمثلة بالنبوة والإمامة وهي غاية رسالة إبراهيم الخليل (عليه السلام).
    وبما ان الإمام المهدي (عليه السلام) هو خلاصة الفيض الإلهي الممثل للنبوة والإمامة إذاً فهنالك اتصال وعلاقة وثيقة بينه وبين إبراهيم (عليه السلام).
    ولو جئنا إلى أوجه الشبه بين كل من إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) وأمير المؤمنين وأبنه الحسن (عليهما السلام) إذ تشير الروايات الشريفة إلى أن إبراهيم (عليه السلام) كان قد نزل في الكوفة وكانت أرضاً ذات زلازل فسكنت ثم اشتراها من أهلها، وكان نزوله مع ابنه إسماعيل.
    وهذا الأمر تجدد أيام أمير المؤمنين (عليه السلام).
    حيث كان الإمام علي (عليه السلام) والإمام الحسن (عليه السلام) قد تجسد فيهما شخص إبراهيم وابنه إسماعيل وعلاقة كل منهما بالكوفة.
    إذ ورد في الأثر الشريف إن الإمام علي (عليه السلام) كان قد أشترى الموضع ما بين الخورنق والحيرة إلى الكوفة، وفي حديث ما بين النجف والكوفة وصارت ملكاً له كشراء إبراهيم الخليل لهما.
    والإمام الحسين (عليه السلام) هو وارث الأنبياء فقد ورث من نبي الله إبراهيم الخليل (عليه السلام) كما ورث من أبيه سيد الأوصياء (عليه السلام).
    وسيكون الإمام المهدي (عليه السلام) هو أولى الناس بإبراهيم وبمحمد وبالتالي بعلي والحسن والحسين والأئمة المعصومين من ولده (عليهم أفضل الصلاة والسلام) فهو الوارث لهم والمالك لهذا كله.
    وهنالك أمر مهم متعلق بعملية البناء وهو وضع الحجر الأسود الذي كان قد أنزله الله تعالى مع آدم عندما اهبط إلى الأرض في ركن الكعبة ليستأنس به وليكون حجة على آدم وعلى أبناءه من بعده، وإنهم مأخوذون بهذا العهد وملزمون به في عالم الذر، لأن التطبيق سيكون في عالم التكوين عالم المادة وعلى وجه الأرض.
    فقد ورد في الروايات الشريفة إن إبراهيم لما أتم البناء وأراد وضع الحجر أرسل إسماعيل ليأتيه بحجر فأبطأ عليه، وما لبث إبراهيم أن جاءه جبرائيل بالحجر الأسود وعندما سأله إسماعيل عن ذلك أجابه بأن من جاء به هو من لم يتكل على إسماعيل في بنائه، وقام إبراهيم (عليه السلام) بوضع الحجر بنفسه في موضعه .
    وهذا الأمر تكرر في زمان رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عندما أعادت قريش بناء الكعبة ولما أن أتموا البناء و انتهوا إلى موضع الحجر تنازعوا فيمن يلي هذا الأمر ثم أستقر الأمر بعد ذلك على ما أشار به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بأن يبسطوا ثوباً ويضعوا فيه الحجر الأسود ويأخذ كل بطن من قريش طرفاً من الثوب ويضعوه معاً حتى إذا صار في موضعه وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فيه( ).
    إن أمر الحجر لم يكن محض صدفة بل ان له علاقة بمكة الإمام المهدي (عليه السلام) مسجد الكوفة، ولعدة وجوه منها .
    إن الحجر بالأساس كان ملكاً من الملائكة ولما أخذ الله الميثاق له بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالوصية والأئمة من ولده (عليهم السلام) اصطكت فرائص الملائكة لذلك وأول من أسرع إلى الإقرار بذلك هو الملك ولم يكن فيهم من هو أشد حباً لمحمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) منه.
    لذلك أختار الله تعالى ذكره من بينهم و ألقمه العهد والميثاق ليكون شاهداً على كل من وافاه( ).
    وفي رواية: ( إن الحجر يجيء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة ليشهد لكل من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق )( ).
    ووضع في ذلك المكان وفي ذلك الركن لعلة الميثاق والعهد ليكون شاهداً على كل من جاءه من البشر لأن الله سبحانه وتعالى كان قد اخذ من بني آدم من ظهورهم ذراريهم في عالم الذر وأخذ العهد والميثاق منهم على ما تقدم.
    وذلك لأمر له علاقة بكعبة الإمام المهدي (عليه السلام) حيث إن إبراهيم (عليه السلام) هو أحد الأنبياء الذين أقروا بهذا العهد الذي لا تقبل نبوة أي نبي إلا بالإقرار به ومعرفته وهذا العهد يمثل (النبوة والإمامة) التي دعا إبراهيم (عليه السلام) أن تكون فيه وفي ذريته .
    وعندما وضع الحجر في ذلك الركن كان وضع الحجر الأساس والقاعدة التي تقتضي التسليم المطلق بالنبوة والإمامة.
    وهذه الأشياء ذاتها تكون للإمام المهدي (عليه السلام) الذي يتحقق على يده التوحيد الكامل وهو دين إبراهيم (عليه السلام) ونبوة محمد المتمثلة بالرسالة الإسلامية والإمامة الممثلة لأهل البيت (عليهم السلام).
    يتبع

    تعليق


    • #3
      أما الجانب المهم الآخر هو إن الروايات الشريفة التي تشير إلى وجود الحجر الأسود في ركن الكعبة تقابلها روايات أخرى تشير إلى أن هذا الحجر سوف ينتقل في دولة العدل الإلهي المتمثلة بدولة الإمام المهدي (عليه السلام) إلى مسجد الكوفة.
      فقد ورد عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في مسجد الكوفة: (... لا تذهب الليالي والأيام حتى ينصب الحجر الأسود فيه وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي ومصلى كل مؤمن )( ).
      وفي ذلك إشارة صريحة إلى إن الحجر الأسود سوف ينتقل من مكانه في ركن الكعبة إلى كعبة الإمام المهدي (عليه السلام) وهو مسجد الكوفة، ولا غرابة في ذلك ما دام المصدر واحد والأساس واحد والغاية واحدة وهي الإقرار وأخذ العهد والميثاق كما تقدم.
      وإن الإمام المهدي (عليه السلام) ليعرف بما أعطي من التوسم مبغض أهل البيت من محبهم، ومن أنكر عهدهم ومن حافظ عليه، وبذلك يكون (عليه السلام) هو حجة عليهم كحجة الحجر، بل انه هو الحجة البالغة.
      وهناك عامل مشترك أو صفة مشتركة بين مسجد الكوفة والحجر الأسود الموجود في الكعبة، هي إن مسجد الكوفة يشهد لمن وافاه وزاره وصلى فيه يوم القيامة كما يشهد الحجر الأسود لمن وافاه وزاره كما بينا سابقاً .
      فقد روي عن معاذ بن جبل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: ( لكأني بمسجد كوفان يأتي يوم القيامة محرماً في ملاءتين يشهد لمن صلى فيه ركعتين )( ).
      والمقصود بالصلاة هنا الصلاة الواعية التي يتوجه المصلي بها إلى الله سبحانه وتعالى وإلى الكعبة وفي قلبه التوجه لله والأعتراف برسالة محمد وقبول إمامة الأئمة (عليهم السلام)، ومن قصد الكوفة ومسجدها وصلى فيه وفي قلبه هذا المعنى يكون كمن زار الحجر وشهد بالإقرار بالعهد والميثاق الذي أخذه الله عليه في عالم الذر المرتبط بأهل البيت (عليهم السلام).
      كما إن وضع نفس الحجر الأسود في الركن اليماني في كعبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ثم انتقال الحجر إلى مسجد الكوفة كعبة الإمام المهدي (عليه السلام)، يوضح مسار خط الرسالة المحمدية التي بدأت بمكة ثم تنتهي بتأويلها بالكوفة، حيث تشير النصوص إن وضع الحجر في ذلك الركن بالذات هو لعلة الميثاق.
      وبما أن الركن اليماني بالتحديد وبابه يمثل محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) وهذا ما يستشف من الروايات المتكاثرة فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ( إن الحجر الأسود والركن اليماني عن يمين العرش، وإنما أمر الله تبارك وتعالى أن يسلم عن يمين عرشه.
      قلت: فكيف صار مقام إبراهيم عن يساره ؟
      فقال: إن لإبراهيم (عليه السلام) مقاماً في القيامة ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) مقام، فمقام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عن يمين عرش ربنا عز وجل ومقام إبراهيم عن شمال العرش )( ) .
      وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: ( قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : طوفوا بالبيت واستلموا الركن فإنه يمين الله في أرضه يصافح بها خلقه ..... إنه بابنا الذي ندخل منه الجنة )( ) .
      وجاء عنه (عليه السلام) حول كلامه عن بناء الكعبة انه قال: ( وباب الركن اليماني باب التوبة وهو باب آل محمد وشيعتهم إلى الحجر ....)( ).
      إذن فإن موضع الحجر ألقم الميثاق في الركن الذي يمثل محمد وآل محمد في الكعبة التي هي بيت الله والذي ظاهره هو الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وباطنها الإمام علي (عليه السلام) يعني مصافحة العباد والشهادة لهم بالنبوة والإمامة إلى جانب الإقرار بالربوبية.
      وبالتالي تحقق الأركان الثلاثة إن جاز لنا التعبير والتي بني عليها الإسلام وهي (لا اله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله) وبالتالي مصافحة الله تبارك وتعالى كما هو مبين في النص الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) ولكن بصورة ظاهرية غير كاملة، لأنه ليس كل من يستلم الحجر هو مقر بالشرط الأخير وهي الإقرار بالولاية والإمامة لعلي (عليه السلام).

      تعليق


      • #4
        تسلم أخي الزعفران على هذا الجهد المبارك
        قال الامام علي {ع} {إعرف الحق تعرف أهله}

        تعليق


        • #5
          موضوع في غايه الروعه

          تعليق

          يعمل...
          X