تويت
العدو الثاني لصاحب الرايات السود هم حكومة بني العباس الثانية
من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني وزير الامام المهدي
أشرنا في الموضوع السابق إلى تجدد حكومة بني العباس قبل قيام القائم (عليه السلام) , وهنا سنتكلم عن حرب هذه الحكومة لوزير الإمام المهدي (عليه السلام) عند إعلان دعوته في العراق , وعند مجيئه من خراسان سيقضي على دولتهم ولا يبقي منهم احد.
وسنبين بشيء من التفصيل حرب هذه الحكومة لوزير الإمام المهدي ولأنصاره وكيف أنها ستتحالف مع الاصنام البشرية (فقهاء السوء) لأجل القضاء عليه وعلى دعوته المباركة.
إن بني العباس لهم رايتان كما اخبرنا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما), اي حكمان , فحكمهم الأول كان كما وصفه النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله ) بأن أوله نصر وآخره وزر , والحكم الثاني أوله وزر وآخره كفر , فقد جاء عن أبي الحسين محمد بن عبد الله الرازي قال ثوبان : قال النبي صلى الله عليه وآله : ( يكون لبني العباس رايتان مركزهما كفر وأعلاهما ضلالة ان أدركتها يا ثوبان فلا تستظل بظلها )( بحار الانوار ج42 ص61).
وعن أبي بن كعب : ( أول الرايات السود نصر ، وأوسطها غدر ، وآخرها كفر ، فمن أعانهم كان كمن أعان فرعون على موسى ) تاريخ بغداد ، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): ( إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق ، فان أولها فتنة ، وأوسطها هرج ، وآخرها ضلالة )( - مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب ج 3 - ص 85 – 86
حدثنا عبد القدوس عن ابن عياش عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي عن عبد الله بن أبي الأشعث الليثي قال : (تخرج لبني العباس رايتان إحداهما أولها نصر وآخرها وزر لا ينصرونها لا نصرها الله والأخرى أولها وزر وآخرها كفر لا ينصروها لا نصرها الله )( - كتاب الفتن - نعيم بن حماد المروزي - ص 120).
وفي بحار الانوار ج31 ص531 : ( ملك بني العباس عسر لا يسر فيه ، لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان لن يزيلوه ، ولا يزالون في غضارة من ملكهم حتى يشذ عنهم مواليهم وأصحاب دولتهم ، ويسلط الله عليهم علجا يخرج من حيث بدأ ملكهم ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ، ولا ترفع له راية إلا هدها ، ولا نعمة إلا أزالها . ألويل لمن ناواه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي يقول ( ب ) الحق ويعمل به ).
فالحكومة الأولى كان أولها نصر عندما انتصروا على الامويين وآخرها وزر عندما حاربوا الأئمة (عليه السلام) وقتلوهم وقتلوا شيعتهم.
لكن الحكومة الثانية يصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أولها وزر وآخرها الكفر , والكفر هنا ليس الكفر الصريح بالله، بل الكفر بالإمام المهدي (عليه السلام) وبدعوته التي سيقوم بها وزيره، فالكفر بالإمام كفر بالله كما جاء عن الأئمة (عليه السلام) , ومن غير الممكن ان العباسيين سيكفرون بالله صراحة , وذلك لأنهم ليسوا بهذه السذاجة حتى يعلنوها للناس أنهم كفار بالله سبحانه , ثانياً أنهم يحكمون بلد يدعي شعبه التشيع والموالاة للائمة (عليهم السلام) فمن المستحيل ان يكفروا بالله وشعبهم يدعي الإسلام , فأهم ركيزة يتكئون عليها لديمومة حكمهم ومقبوليته عند الشيعة في العراق هو ادعاء الإسلام والتشيع كما فعل اشباههم بني العباس الأوائل حين رفعوا شعارات يا لثارات الحسين فخدعوا الشيعة وتسلطوا عليهم بهذه الخدعة , وكذلك الحكومة العباسية الثانية سيرفعون شعارات مزيفة لنصرة الشيعة المظلومين ورفع شعار العداء لحكم الامويين (صدام ).
وكفرهم المشار إليه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هو الكفر بالنعمة وليس الكفر بوجود الله سبحانه , فهناك كفر بالله وكفر بنعمه وكفر برسله وحججه.
وهذه الحكومة ستكفر بالإمام المهدي وبالداعي إليه , والإمام يمثل نعمة الله الكبرى على الناس كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) . فقد ورد عن الهيثم بن واقد، عن أبي يوسف البراز قال: تلا أبو عبد الله (عليه السلام) هذه الآية: ( واذكروا آلاء الله ) قال: ( أتدري ما آلاء الله؟ قلت: لا، قال: هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا )( الكافي ج1 ص218).
ولا تتصور ان شخوص هذه الحكومة وعلى رأسهم كبيرهم الشيصباني المذكور في روايات الأئمة (عليه السلام) , يجهلون شخص الداعي أو أنهم لا يعرفون أنه مرسل من قبل الإمام (عليه السلام) , بل هم ادرى الناس به , ويعرفون أنه احق منهم بالملك , ويعرفون أنه هو المبشر به من قبل الأئمة (عليه السلام) الذي يرسله الإمام (عليه السلام) قبل قيامه لتهيئة الطريق له , ومع معرفتهم بكل هذه الأمور يناصبوه العداء.
ومن له ادنى نصيب من الاطلاع على سير الأنبياء والطواغيت الذين عاصروهم , لا يستغرب من قضية معرفة الطواغيت للأنبياء من أنهم مرسلين من قبل الله سبحانه , ومع ذلك يحاربوهم , ففرعون ونمرود وغيرهم كانوا يعلمون علم اليقين ان ابراهيم وموسى أنبياء من قبل الله سبحانه ومع ذلك ناصبوا لهم الحرب.
وحكام بني العباس في زمان الأئمة (عليهم السلام) أيضاً كانوا يعلمون علم اليقين ان الأئمة من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هم حجج الله في أرضه وهم احق بالحكم منهم , لكن حبهم للملك جعلهم لا يترددون في معاداتهم وقتلهم وكشاهد أورد رواية تثبت علم العباسيين الأوائل بحقيقة الأئمة وأنهم مرسلون من قبل الله إلى الناس فقد جاء عن سفيان ابن نزار في خبر طويل ان الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) دخل على هارون الرشيد فأكرم هارون الإمام الكاظم وعظمه امام أولاده حيث قال هارون لولده: (يا عبد الله ويا محمد ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله فاقبل على أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة فقال لي : إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدى ثم انصرفنا وكنت أجرى ولد أبي عليه فلما خلا المجلس قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ ! قال : هذا امام الناس وحجه على خلقه وخليفته على عباده فقلت : يا أمير المؤمنين أوليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ فقال : انا امام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر وموسى بن جعفر امام حق والله يا بني أنه لاحق بمقام رسول الله ( ص ) منى ومن الخلق جميعا ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فإن الملك عقيم)( - كتاب عيون أخبار الرضا - ج 2 - ص 85 – 86).
فهذا الحديث وغيره الكثير يثبت ان حكام بني العباس كانوا على علم بمقام الأئمة (عليهم السلام) , ومع ذلك حاربوهم وقتلوهم .
وكل الطغاة الذين واجهوا الأنبياء والرسل كانوا ايضاً يعلمون من يحاربون , لكن حب الملك يجعلهم لا يبالون بحرب الأنبياء أو حرب الله سبحانه.
وحكام بني العباس الذين يحكمون قبل القائم (عليه السلام) ايضاً يعلمون ان اليماني مرسل من قبل الإمام ويعلمون أنه اذا مكنه الله في الأرض سيزيل ملكهم ويقتلهم ولا يترك منهم أحدا , فقيام اليماني واسقاطه لحكم بني العباس أمر حتمي ذكره الأئمة (عليهم السلام) في رواياتهم , وبني العباس يعلمون بهذا الأمر من خلال مطالعتهم للروايات الشريفة التي تخص دخول اليماني إلى العراق فاتحاً بعد دخول السفياني , نأخذ رواية واحدة تذكر حتمية قيام اليماني واسقاطه لحكم العباسيين في العراق , فقد جاء عن عبد الله ابن مسعود أنه قال: ( أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرج إلينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه ، فما سألناه عن شيء إلا أخبرنا به ، ولا سكتنا إلا ابتدأنا ، حتى مرت فتية من بني هاشم ، فيهم الحسن والحسين ، فلما رآهم التزمهم وأنهملت عيناه ، فقلنا يا رسول الله خرجت الينا مستبشرا نعرف السرور في وجهك فما سألناك إلا اخبرتنا ولا سكتنا إلا ابتدرتنا حتى مرت بك الفتية فخثرت لهم وانهملت عيناك فقال: وأنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريدا وتشريدا في البلاد ، حتى ترتفع رايات سود من المشرق ، فيسألون الحق فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون . فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبوا على الثلج . فأنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، فيملك الأرض فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما )( - معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 - ص 382).
فأول تحرك لليماني يكون نحو العراق ليحرره من العباسيين , لأن العراق له خصوصية في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) فالعراق سيكون نقطة انطلاق ثورة الإمام المهدي (عليه السلام) إلى كل بقاع الأرض , فوجود حكم لبني العباس في العراق يعيق بداية حركة الإمام المهدي (عليه السلام) , ومن المستحيل ان يجهل بني العباس وفقهائهم هذه الروايات التي تحكي عن نهاية حكمهم على يد اليماني الموعود .
فلأجل معرفتهم المسبقة بما سيفعله اليماني بملكهم اذا قام , يتهيئون له قبل قيامه , ويضعون العيون والجواسيس لأجل معرفته اذا اعلن عن نفسه , فمعرفتهم به قبل ان يشتد أمره يسهل عليهم القضاء عليه , لأنه اذا كثر اتباعه وقويت شوكته فمن المستحيل القضاء عليه, فالأجل الخلاص من هذا الكابوس الذي ينتظرهم والذي أقض مضاجعهم وجعلهم لا يأمنون على ديمومة سلطانهم , سيضعون خططاً استباقية لقتله كما فعل فرعون قبل قدوم موسى (عليه السلام) وكما فعل نمرود قبل قدوم ابراهيم (عليه السلام) .
فنمرود كغيره من الطواغيت كان يتصور أنه يستطيع ان يمكر بمشيئة الله أو يمكنه ان يعجز الله سبحانه عن حتمية ازالة حكمه بيد وليه النبي ابراهيم (عليه السلام) , وهذا تصور الجهلة , فهم يتصورون أنهم يخادعون الله لكن الله هو خادعهم لا محالة.
فمع معرفة نمرود ان هناك شخص سيزيل ملكه الا ان علمه بإرادة الله القاضية بزوال ملكه لم تنفعه , بل ازداد عناد وللموعود عداوة , ولإرادة الله عصياناً .
وكذلك كانت اليد الإلهية حاضرة لحفظ ولي الله موسى فكان فرعون يتصور بأنه يستطيع ان يقضي على هذا الذي سيزيل ملكه , لأنه عرف بعض التفاصيل عن وقت مجيء موسى وعرف بعض مواصافته , ففرعون غفل عن خطط الله المحكمة التي يحفظ بها أوليائه , فجعل الله فرعون يربي عدوه وقاتله ويحافظ عليه من كل ضرر فلا تتعجب اخي من تدخل الله سبحانه في حفظ قضية الإمام المهدي (عليه السلام) وانصاره , فموسى وابراهيم (عليهم السلام) وغيرهم من الأنبياء ليسوا بأعظم من الإمام المهدي (عليه السلام) ولا قضيتهم اهم من قضيته.
وحكومة بني العباس الأولى التي حكمت في زمان الأئمة (عليه السلام) فعلوا نفس الذي فعله نمرود وفرعون , من ملاحقتهم لموضوع ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) , فكانوا يضعون العيون والجواسيس على بيت الإمام العسكري (عليه السلام) لمعرفة هل له خلف يخلفه , لان الثابت عندهم ان الإمام الثاني عشر سيزيل ملكهم , فحرصوا على قتله استباقاً منهم للأمر الإلهي , فجعل العباسيين عيون على بيت الإمام العسكري ليظفروا بالمولود ليقتلوه , فكان المكر الإلهي حاضر والخطة معدة تسير دون معرفة الخصوم , فالعباسيين غفلوا كما غفل قبلهم نمرود وفرعون عن أمر مهم وهو ان الله سيضرب على من يريدون بوليه السوء ستار من التمويه بحيث لا تصل ايديهم اليه مع قربهم منه , فكانت ولادة الإمام معجزة .
أما في مرحلة القيام فقد جعل الله تعالى للإمام حاميا ومتصديا للشر شخص ينوب عنه وهو اليماني الموعود الداعي للإمام المهدي وصاحب دعوته . إن المرحلة التي سيخوضها وزير الإمام هي من اصعب المراحل لسببين الأول ان الداعي سيظهر في وسط قوى الشر وفي اوج قوتهم وسطوتهم ، والثاني يكمن في أن القضاء على الداعي عند أول اعلان دعوته معناه انطماس قضية الإمام المهدي (عليه السلام) , وهذا يجعل الامر في غاية الصعوبة , علما بأن وصول الدعوة الى كل الناس هي من شروط قيام الإمام لأن ذلك يعتبر القاء للحجة على الناس . وهو من سيبشر الناس بقرب ظهور الإمام لأنه كما وصفه الأئمة (عليه السلام) في رواياتهم لأنه ( يدعوا إلى صاحبكم ) ويدعوا ( إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) وهو من يكون الملتوي عليه من أهل .
ولا يخفى ان الحكومة العباسية حسب ظاهر الروايات ستلحق الضرر الكبير بالدعوة وسيعاني منهم وزير الإمام بل سيرى الأنصار شتى أنواع المحن والبلايا , الا أن هذه الحكومة لا تستطيع ان تطفأ نور الله المتمثل بدعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ولا تستطيع القضاء عليها بسبب المكر الإلهي والخطة المحكمة التي على ضوئها سيسير اليماني عند بداية مشواره في الكوفة , فكلما ارادوا المكر بالدعوة مكر بهم الله سبحانه , كما مكر بقريش عندما كانوا يحيكون المكائد وينصبون الفخاخ للدعوة الإسلامية وقائدها عليه وآله الصلاة والسلام ,في بداية انطلاقها .
بل في نهاية المطاف سيغير الله سبحانه الأمور رأساً على عقب فستتغير المعادلة من قوة هذه الحكومة وضعف الداعي إلى قوة الداعي وضعف الحكومة كما فعل الله سبحانه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) , فقريش كانوا اصحاب قوة وعدة وعدد والنبي كان ذو ضعف وقلة من الأنصار والاعوان , لكن بفضل الله تغيرت الأمور فصار صاحب القوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وصاحب الضعف والهوان اعدائه , وكذلك سيكون نفس الأمر مع الداعي الإمام المهدي (عليه السلام) , فسيجعل الله الداعي صاحب اقوى جيش بالمنطقة وسيكون صاحب شوكة عظيمة , وما ان يدخل السفياني إلى الكوفة ويبدأ بقتل الشيعة وتعذيبهم يدخل وزير الإمام المهدي بجيشه إلى العراق قادماً من خراسان فيسقط الحكومة العباسية ويقتلهم جميعاً ولا يبقي منهم احد , ويسحق السفيانيين , كما بشر بذلك الأئمة (عليهم السلام) في كثير من رواياتهم فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : (لا بد لبني فلان من أن يملكوا ، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم ، وتشتت أمرهم ، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني ، هذا من المشرق ، وهذا من المغرب ، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ، هذا من هنا ، وهذا من هنا ، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما ، أما أنهم لا يبقون منهم أحدا أبدا)( - كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 264).
بني فلان هم بني العباس وتسميتهم ببني فلان جاء تقية من قبل الإمام (عليه السلام) لان الكلام خرج منه في زمان الحكومة العباسية الأولى , والوضع كان لا يسمح للائمة (عليه السلام) بالتصريح .
من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني وزير الامام المهدي
أشرنا في الموضوع السابق إلى تجدد حكومة بني العباس قبل قيام القائم (عليه السلام) , وهنا سنتكلم عن حرب هذه الحكومة لوزير الإمام المهدي (عليه السلام) عند إعلان دعوته في العراق , وعند مجيئه من خراسان سيقضي على دولتهم ولا يبقي منهم احد.
وسنبين بشيء من التفصيل حرب هذه الحكومة لوزير الإمام المهدي ولأنصاره وكيف أنها ستتحالف مع الاصنام البشرية (فقهاء السوء) لأجل القضاء عليه وعلى دعوته المباركة.
إن بني العباس لهم رايتان كما اخبرنا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما), اي حكمان , فحكمهم الأول كان كما وصفه النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله ) بأن أوله نصر وآخره وزر , والحكم الثاني أوله وزر وآخره كفر , فقد جاء عن أبي الحسين محمد بن عبد الله الرازي قال ثوبان : قال النبي صلى الله عليه وآله : ( يكون لبني العباس رايتان مركزهما كفر وأعلاهما ضلالة ان أدركتها يا ثوبان فلا تستظل بظلها )( بحار الانوار ج42 ص61).
وعن أبي بن كعب : ( أول الرايات السود نصر ، وأوسطها غدر ، وآخرها كفر ، فمن أعانهم كان كمن أعان فرعون على موسى ) تاريخ بغداد ، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): ( إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق ، فان أولها فتنة ، وأوسطها هرج ، وآخرها ضلالة )( - مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب ج 3 - ص 85 – 86
حدثنا عبد القدوس عن ابن عياش عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي عن عبد الله بن أبي الأشعث الليثي قال : (تخرج لبني العباس رايتان إحداهما أولها نصر وآخرها وزر لا ينصرونها لا نصرها الله والأخرى أولها وزر وآخرها كفر لا ينصروها لا نصرها الله )( - كتاب الفتن - نعيم بن حماد المروزي - ص 120).
وفي بحار الانوار ج31 ص531 : ( ملك بني العباس عسر لا يسر فيه ، لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان لن يزيلوه ، ولا يزالون في غضارة من ملكهم حتى يشذ عنهم مواليهم وأصحاب دولتهم ، ويسلط الله عليهم علجا يخرج من حيث بدأ ملكهم ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ، ولا ترفع له راية إلا هدها ، ولا نعمة إلا أزالها . ألويل لمن ناواه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي يقول ( ب ) الحق ويعمل به ).
فالحكومة الأولى كان أولها نصر عندما انتصروا على الامويين وآخرها وزر عندما حاربوا الأئمة (عليه السلام) وقتلوهم وقتلوا شيعتهم.
لكن الحكومة الثانية يصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أولها وزر وآخرها الكفر , والكفر هنا ليس الكفر الصريح بالله، بل الكفر بالإمام المهدي (عليه السلام) وبدعوته التي سيقوم بها وزيره، فالكفر بالإمام كفر بالله كما جاء عن الأئمة (عليه السلام) , ومن غير الممكن ان العباسيين سيكفرون بالله صراحة , وذلك لأنهم ليسوا بهذه السذاجة حتى يعلنوها للناس أنهم كفار بالله سبحانه , ثانياً أنهم يحكمون بلد يدعي شعبه التشيع والموالاة للائمة (عليهم السلام) فمن المستحيل ان يكفروا بالله وشعبهم يدعي الإسلام , فأهم ركيزة يتكئون عليها لديمومة حكمهم ومقبوليته عند الشيعة في العراق هو ادعاء الإسلام والتشيع كما فعل اشباههم بني العباس الأوائل حين رفعوا شعارات يا لثارات الحسين فخدعوا الشيعة وتسلطوا عليهم بهذه الخدعة , وكذلك الحكومة العباسية الثانية سيرفعون شعارات مزيفة لنصرة الشيعة المظلومين ورفع شعار العداء لحكم الامويين (صدام ).
وكفرهم المشار إليه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هو الكفر بالنعمة وليس الكفر بوجود الله سبحانه , فهناك كفر بالله وكفر بنعمه وكفر برسله وحججه.
وهذه الحكومة ستكفر بالإمام المهدي وبالداعي إليه , والإمام يمثل نعمة الله الكبرى على الناس كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) . فقد ورد عن الهيثم بن واقد، عن أبي يوسف البراز قال: تلا أبو عبد الله (عليه السلام) هذه الآية: ( واذكروا آلاء الله ) قال: ( أتدري ما آلاء الله؟ قلت: لا، قال: هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا )( الكافي ج1 ص218).
ولا تتصور ان شخوص هذه الحكومة وعلى رأسهم كبيرهم الشيصباني المذكور في روايات الأئمة (عليه السلام) , يجهلون شخص الداعي أو أنهم لا يعرفون أنه مرسل من قبل الإمام (عليه السلام) , بل هم ادرى الناس به , ويعرفون أنه احق منهم بالملك , ويعرفون أنه هو المبشر به من قبل الأئمة (عليه السلام) الذي يرسله الإمام (عليه السلام) قبل قيامه لتهيئة الطريق له , ومع معرفتهم بكل هذه الأمور يناصبوه العداء.
ومن له ادنى نصيب من الاطلاع على سير الأنبياء والطواغيت الذين عاصروهم , لا يستغرب من قضية معرفة الطواغيت للأنبياء من أنهم مرسلين من قبل الله سبحانه , ومع ذلك يحاربوهم , ففرعون ونمرود وغيرهم كانوا يعلمون علم اليقين ان ابراهيم وموسى أنبياء من قبل الله سبحانه ومع ذلك ناصبوا لهم الحرب.
وحكام بني العباس في زمان الأئمة (عليهم السلام) أيضاً كانوا يعلمون علم اليقين ان الأئمة من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هم حجج الله في أرضه وهم احق بالحكم منهم , لكن حبهم للملك جعلهم لا يترددون في معاداتهم وقتلهم وكشاهد أورد رواية تثبت علم العباسيين الأوائل بحقيقة الأئمة وأنهم مرسلون من قبل الله إلى الناس فقد جاء عن سفيان ابن نزار في خبر طويل ان الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) دخل على هارون الرشيد فأكرم هارون الإمام الكاظم وعظمه امام أولاده حيث قال هارون لولده: (يا عبد الله ويا محمد ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله فاقبل على أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة فقال لي : إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدى ثم انصرفنا وكنت أجرى ولد أبي عليه فلما خلا المجلس قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ ! قال : هذا امام الناس وحجه على خلقه وخليفته على عباده فقلت : يا أمير المؤمنين أوليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ فقال : انا امام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر وموسى بن جعفر امام حق والله يا بني أنه لاحق بمقام رسول الله ( ص ) منى ومن الخلق جميعا ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فإن الملك عقيم)( - كتاب عيون أخبار الرضا - ج 2 - ص 85 – 86).
فهذا الحديث وغيره الكثير يثبت ان حكام بني العباس كانوا على علم بمقام الأئمة (عليهم السلام) , ومع ذلك حاربوهم وقتلوهم .
وكل الطغاة الذين واجهوا الأنبياء والرسل كانوا ايضاً يعلمون من يحاربون , لكن حب الملك يجعلهم لا يبالون بحرب الأنبياء أو حرب الله سبحانه.
وحكام بني العباس الذين يحكمون قبل القائم (عليه السلام) ايضاً يعلمون ان اليماني مرسل من قبل الإمام ويعلمون أنه اذا مكنه الله في الأرض سيزيل ملكهم ويقتلهم ولا يترك منهم أحدا , فقيام اليماني واسقاطه لحكم بني العباس أمر حتمي ذكره الأئمة (عليهم السلام) في رواياتهم , وبني العباس يعلمون بهذا الأمر من خلال مطالعتهم للروايات الشريفة التي تخص دخول اليماني إلى العراق فاتحاً بعد دخول السفياني , نأخذ رواية واحدة تذكر حتمية قيام اليماني واسقاطه لحكم العباسيين في العراق , فقد جاء عن عبد الله ابن مسعود أنه قال: ( أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرج إلينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه ، فما سألناه عن شيء إلا أخبرنا به ، ولا سكتنا إلا ابتدأنا ، حتى مرت فتية من بني هاشم ، فيهم الحسن والحسين ، فلما رآهم التزمهم وأنهملت عيناه ، فقلنا يا رسول الله خرجت الينا مستبشرا نعرف السرور في وجهك فما سألناك إلا اخبرتنا ولا سكتنا إلا ابتدرتنا حتى مرت بك الفتية فخثرت لهم وانهملت عيناك فقال: وأنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريدا وتشريدا في البلاد ، حتى ترتفع رايات سود من المشرق ، فيسألون الحق فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون . فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبوا على الثلج . فأنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، فيملك الأرض فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما )( - معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 - ص 382).
فأول تحرك لليماني يكون نحو العراق ليحرره من العباسيين , لأن العراق له خصوصية في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) فالعراق سيكون نقطة انطلاق ثورة الإمام المهدي (عليه السلام) إلى كل بقاع الأرض , فوجود حكم لبني العباس في العراق يعيق بداية حركة الإمام المهدي (عليه السلام) , ومن المستحيل ان يجهل بني العباس وفقهائهم هذه الروايات التي تحكي عن نهاية حكمهم على يد اليماني الموعود .
فلأجل معرفتهم المسبقة بما سيفعله اليماني بملكهم اذا قام , يتهيئون له قبل قيامه , ويضعون العيون والجواسيس لأجل معرفته اذا اعلن عن نفسه , فمعرفتهم به قبل ان يشتد أمره يسهل عليهم القضاء عليه , لأنه اذا كثر اتباعه وقويت شوكته فمن المستحيل القضاء عليه, فالأجل الخلاص من هذا الكابوس الذي ينتظرهم والذي أقض مضاجعهم وجعلهم لا يأمنون على ديمومة سلطانهم , سيضعون خططاً استباقية لقتله كما فعل فرعون قبل قدوم موسى (عليه السلام) وكما فعل نمرود قبل قدوم ابراهيم (عليه السلام) .
فنمرود كغيره من الطواغيت كان يتصور أنه يستطيع ان يمكر بمشيئة الله أو يمكنه ان يعجز الله سبحانه عن حتمية ازالة حكمه بيد وليه النبي ابراهيم (عليه السلام) , وهذا تصور الجهلة , فهم يتصورون أنهم يخادعون الله لكن الله هو خادعهم لا محالة.
فمع معرفة نمرود ان هناك شخص سيزيل ملكه الا ان علمه بإرادة الله القاضية بزوال ملكه لم تنفعه , بل ازداد عناد وللموعود عداوة , ولإرادة الله عصياناً .
وكذلك كانت اليد الإلهية حاضرة لحفظ ولي الله موسى فكان فرعون يتصور بأنه يستطيع ان يقضي على هذا الذي سيزيل ملكه , لأنه عرف بعض التفاصيل عن وقت مجيء موسى وعرف بعض مواصافته , ففرعون غفل عن خطط الله المحكمة التي يحفظ بها أوليائه , فجعل الله فرعون يربي عدوه وقاتله ويحافظ عليه من كل ضرر فلا تتعجب اخي من تدخل الله سبحانه في حفظ قضية الإمام المهدي (عليه السلام) وانصاره , فموسى وابراهيم (عليهم السلام) وغيرهم من الأنبياء ليسوا بأعظم من الإمام المهدي (عليه السلام) ولا قضيتهم اهم من قضيته.
وحكومة بني العباس الأولى التي حكمت في زمان الأئمة (عليه السلام) فعلوا نفس الذي فعله نمرود وفرعون , من ملاحقتهم لموضوع ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) , فكانوا يضعون العيون والجواسيس على بيت الإمام العسكري (عليه السلام) لمعرفة هل له خلف يخلفه , لان الثابت عندهم ان الإمام الثاني عشر سيزيل ملكهم , فحرصوا على قتله استباقاً منهم للأمر الإلهي , فجعل العباسيين عيون على بيت الإمام العسكري ليظفروا بالمولود ليقتلوه , فكان المكر الإلهي حاضر والخطة معدة تسير دون معرفة الخصوم , فالعباسيين غفلوا كما غفل قبلهم نمرود وفرعون عن أمر مهم وهو ان الله سيضرب على من يريدون بوليه السوء ستار من التمويه بحيث لا تصل ايديهم اليه مع قربهم منه , فكانت ولادة الإمام معجزة .
أما في مرحلة القيام فقد جعل الله تعالى للإمام حاميا ومتصديا للشر شخص ينوب عنه وهو اليماني الموعود الداعي للإمام المهدي وصاحب دعوته . إن المرحلة التي سيخوضها وزير الإمام هي من اصعب المراحل لسببين الأول ان الداعي سيظهر في وسط قوى الشر وفي اوج قوتهم وسطوتهم ، والثاني يكمن في أن القضاء على الداعي عند أول اعلان دعوته معناه انطماس قضية الإمام المهدي (عليه السلام) , وهذا يجعل الامر في غاية الصعوبة , علما بأن وصول الدعوة الى كل الناس هي من شروط قيام الإمام لأن ذلك يعتبر القاء للحجة على الناس . وهو من سيبشر الناس بقرب ظهور الإمام لأنه كما وصفه الأئمة (عليه السلام) في رواياتهم لأنه ( يدعوا إلى صاحبكم ) ويدعوا ( إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) وهو من يكون الملتوي عليه من أهل .
ولا يخفى ان الحكومة العباسية حسب ظاهر الروايات ستلحق الضرر الكبير بالدعوة وسيعاني منهم وزير الإمام بل سيرى الأنصار شتى أنواع المحن والبلايا , الا أن هذه الحكومة لا تستطيع ان تطفأ نور الله المتمثل بدعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ولا تستطيع القضاء عليها بسبب المكر الإلهي والخطة المحكمة التي على ضوئها سيسير اليماني عند بداية مشواره في الكوفة , فكلما ارادوا المكر بالدعوة مكر بهم الله سبحانه , كما مكر بقريش عندما كانوا يحيكون المكائد وينصبون الفخاخ للدعوة الإسلامية وقائدها عليه وآله الصلاة والسلام ,في بداية انطلاقها .
بل في نهاية المطاف سيغير الله سبحانه الأمور رأساً على عقب فستتغير المعادلة من قوة هذه الحكومة وضعف الداعي إلى قوة الداعي وضعف الحكومة كما فعل الله سبحانه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) , فقريش كانوا اصحاب قوة وعدة وعدد والنبي كان ذو ضعف وقلة من الأنصار والاعوان , لكن بفضل الله تغيرت الأمور فصار صاحب القوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وصاحب الضعف والهوان اعدائه , وكذلك سيكون نفس الأمر مع الداعي الإمام المهدي (عليه السلام) , فسيجعل الله الداعي صاحب اقوى جيش بالمنطقة وسيكون صاحب شوكة عظيمة , وما ان يدخل السفياني إلى الكوفة ويبدأ بقتل الشيعة وتعذيبهم يدخل وزير الإمام المهدي بجيشه إلى العراق قادماً من خراسان فيسقط الحكومة العباسية ويقتلهم جميعاً ولا يبقي منهم احد , ويسحق السفيانيين , كما بشر بذلك الأئمة (عليهم السلام) في كثير من رواياتهم فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : (لا بد لبني فلان من أن يملكوا ، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم ، وتشتت أمرهم ، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني ، هذا من المشرق ، وهذا من المغرب ، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ، هذا من هنا ، وهذا من هنا ، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما ، أما أنهم لا يبقون منهم أحدا أبدا)( - كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 264).
بني فلان هم بني العباس وتسميتهم ببني فلان جاء تقية من قبل الإمام (عليه السلام) لان الكلام خرج منه في زمان الحكومة العباسية الأولى , والوضع كان لا يسمح للائمة (عليه السلام) بالتصريح .