السفياني وعداءه لأهل البيت (عليهم السلام)
منقول من كتاب (اسرار عصر الظهور ) من فكر السيد القحطاني
إن السفياني وحزبه هم أولياء الشيطان وحزبه الذين يعادون الإمام المهدي (عليه السلام) وحزبه وهم أولياء الرحمن عز وجل، وهذان هما طرفا المعادلة الباقيين ما دام إبليس قائماً وناصباً نفسه داعياً للضلال والإلحاد والكفر بالله تعالى.
ومما لا يقبل الشك أن يقف السفياني في وجه الإمام المهدي (عليه السلام) وصاحب دعوته السيد اليماني ويكنّ لهم العداء الذي هو امتداد للعداء الأموي القديم الذي كان أجداد السفياني يكنونه للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، ومما يروى في ذلك ما جاء عن الحكم بن سالم عمن حدثه عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنا وآل أبي سفيان بيتين تعادينا في الله قلنا صدق الله وقالوا كذب الله، قاتل أبو سفيان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وقاتل معاوية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي (عليه السلام) والسفياني يقاتل القائم (عليه السلام) )().
والصراع بين هذين البيتين يمثل الصراع بين الخير والشر والذي يمتد إلى زمان قيام القائم (عليه السلام) الذي سوف يجتث الظلم والظالمين من أصولهم ويأتي على بنيانهم من القواعد بعون الله تعالى.
ولعل في مواقف أبو سفيان المعادية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وتأليب الناس عليه وجمع الجموع لحربه والقضاء على دعوته خير شاهد على ذلك العداء أيام خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) والمتمثل بمواقف معاوية بن أبي سفيان الذي جيش الجيوش وقاد حرب ضروس ضد علي (عليه السلام) في حرب صفين، أما موقف يزيد من الإمام الحسين (عليه السلام) فأشهر من نار على علم، وتعدى الأمر من العداء لأهل البيت إلى أتباعهم وشيعتهم حيث كان الأمويون يسومونهم سوء العذاب والتشريد والحرمان والقتل .
هذه الحقائق التاريخية الواضحة للعيان ستتكرر مرة أخرى في عصرنا عصر الظهور الشريف للإمام المهدي (عليه السلام) وتحديداً قبيل قيام القائم وما بعد قيامه الشريف والمستهدف الأول فيها إمام الزمان (عليه السلام) وبما إنه غائب فإن صاحب دعوته السيد اليماني سيكون هو المستهدف من قبل السفياني ( أبو سفيان العصر ) وبالتالي ستحمل أتباع المهدي وأنصاره جزءاً من هذا العداء كما تحمّل أسلافهم من عداء بنو أمية، فالعداء هو هو ولكن الأشخاص تغيروا بتغير الزمان والمكان، فإذا كان أبو سفيان حارب أهل البيت بالسيف والرمح والقوس فقد أصبحت الأسلحة اليوم البنادق والمتفجرات والمفخخات وهو أمر ذكرته الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) وهو قولهم : ( يخرج السفياني وبيده ثلاثة قصبات لا يقرع بهن أحداً إلا مات )() ولا يمكن حمل هذه الرواية على ظاهرها لأنه لا يمكن قتل إنسان بمجرد قرعه بقصبة، بل إن المقصود بالقرع هو الانفجار الذي تحدثه القصبات الثلاثة التي تتكون منها القنابل التي يستخدمها الإنتحاريون في تفجير الناس فالقصبات الثلاثة هي عبارة عن مادة التفجير وجهاز التفجير والصاعق والتي لا يقرع بها أحد إلا مات نتيجة انفجارها.
ومواقف السفياني تلك يمكن التعرف عليها عن طريق التعرف على تحركاته بعد سيطرته على الحكم في بلاد الشام وتحديداً في دمشق.
إلا أن هناك طوائف يبقون مقيمين على الحق ولا ينصرون السفياني أو يدخلون فيما دخل فيه أهل الشام من حرب الإمام المهدي (عليه السلام) وهؤلاء حتماً ممن يعرف عنهم الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) إلا أن هذا الصنف من الناس لا ينجون من السفياني وسيفه إذ يعمل الأخير على استدراجهم ومن ثم القضاء عليهم بل وردت رواية تؤكد إن المستهدفين هم أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) الذين يتواجدون في بلاد الشام، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في معرض حديثه عن السفياني وحركته: (... وبعد دخوله دمشق يهرب منها أولاد رسول الله إلى قسطنطينية فيطلبهم ويردهم ملك الروم إليه فيضرب أعناقهم على الدرج الشرقي في جامع دمشق فلا ينكر عليه ذلك أحد )().
يتبين من هذه الرواية إن هؤلاء الهاربين هم من أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أي من السادة المتواجدون في دمشق ولجوئهم إلى ملك الروم وإرجاعهم من قبل الروم يرمز إلى وجود علاقة حميمة بين السفياني والروم أو وجود مصالح مشتركة بينهم.
ثم إن خروج تلك الجماعة من أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لا تخلوا من أمرين أما أن تكون أعدادهم كبيرة إلى حد الهجرة الجماعية إلى بلاد الروم وهذا ما لا ترضاه بعض الدول وهو أمر نشاهده اليوم من لجوء بعض الناس إلى الدول الأوربية فتقبلهم تلك الدول تارة وترفضهم تارة أخرى حسب الظرف المحيطة.
وطلبهم اللجوء السياسي من ملك الروم وعند معرفة السفياني بذلك يقوم بالمطالبة بهم ويستجاب طلبه، وإن عمله ينبع من حقده على أهل البيت (عليهم السلام) وهذا ما نلمسه من طريقة قتله إياهم وضربه أعناقهم عند جامع دمشق الذي بني على هذا العداء، فليس غائباً عنا نصب رأس الحسين (عليه السلام) على الرمح في هذا المسجد وعياله أسارى ونساءه سبايا.
فهذا الفرع من ذاك الأصل وهذا العداء من ذلك العداء والحقد لأهل البيت (عليهم السلام)
وقد حذر أهل البيت من الشام والبقاء فيها عند ظهور الفتن والقتل، ففي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( إذا سمعتم باختلاف أهل الشام فيما بينهم فالهرب الهرب من الشام فإن القتل فيها والفتنة )().
ولو عدنا إلى رواية قتل أولاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عند جامع دمشق لوجدنا إن الواقع وراء ما قام به السفياني هو دافع ديني وليس سياسي بدليل إن السفياني قام بقتلهم أمام الناس مع ما به من إرهاب من تحدثه نفسه في الخروج على سلطانه، والحال إنه بالإمكان قتلهم ولكن ليس بهذا الجهر والإعلان.
ومن الجدير بالذكر إن حركة السفياني سوف لا تخرج عن نطاق سياسة اتخاذ الدين ستاراً لها ودليل ذلك هو استعانة السفياني بالعلماء ورجال الدين ومن خالفه منهم قتله فقد ورد عن نهج السفياني: ( يقتل العلماء وأهل الفضل ويفنيهم ويستعين بهم فمن أبى عليه قتله )().
وأظهرته بعض الروايات بمظهر المتعبد فجاء في وصفه: ( شديد الصفرة من أثر العبادة )(). وهذا دليل على تستره بالدين لخداع أنصاره ومؤيديه ومن حوله.
أما الرواية التي أشارت إلى قتل العلماء واستعانته بآخرين منهم فالمعنى واضح منها، وهو إن من يقتلهم من العلماء هم ممن يخالفوه في الرأي أو على غير مذهبه وقد يكونوا على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من المقيمين في بلاد الشام وخاصة دمشق.
وعند تصفية الأوضاع الداخلية في بلاد الشام وسيطرته على مقاليد الحكم فيها بقبضة من حديد يتوجه إلى بلدان أخرى في مقدمتها العراق لغرض السيطرة عليه لأنه على علم إن العراق هو عاصمة الإمام المهدي (عليه السلام) ومقر ومركز دعوته المباركة.
وفيما يخص العراق فإنه يكون غاية هم السفياني، ويضع السيطرة عليه على رأس أولوياته لأن العراق كما أسلفنا يكون عاصمة دولة الإمام(عليه السلام) ومركز حركته ثم إن غالبية أهل العراق هم من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) الذين يبغضهم لبغضه لأهل البيت (عليهم السلام) لذا فإنه يجد متنفساً لإظهار هذا الحقد عند احتلاله العراق فيسومهم قتلاً وصلباً وسبياً ويكون هذا الأمر هو شغله الشاغل، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( فيظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وشيعتهم )().
والملفت للنظر إن الروايات الشريفة تتحدث أيضاً عن شخص آخر يسمى بـ( صاحب السفياني ) أو السفياني الثاني وإن دخوله العراق يسبق دخول السفياني الرئيسي، وصاحب السفياني هذا سوف ينتهي به المطاف إلى الموت في منطقة ما بين العراق والشام، فقد ورد عن عمر بن أبان الكلبي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة ...)().
وصاحب السفياني يكون محور نشاطه أيضاً بلاد الشام والعراق ولا يستبعد أن يكون على طليعة جيش السفياني الرئيسي والقائد الأعلى لقواته أو بعبارة أخرى هو المسؤول عن حركة السفياني وظهورها وجمع العدة والعدد والتنظيم.
ففي رواية: ( تفترق الناس والعرب... فتكون الغلبة لقضاعة وعليهم رجل من ولد أبو سفيان... ثم يستقبل السفياني فيقاتل بني هاشم وكل من نازعه من الرايات الثلاثة وغيرها فيظهر عليهم جميعاً، ثم يسير إلى الكوفة ويخرج بني هاشم إلى العراق ثم يرجع من الكوفة فيموت في أدنى الشام ويستخلف رجلاً آخر من ولد أبي سفيان فتكون الغلبة له ويظهر على الناس وهو السفياني )().
يستفاد من هذه الرواية إن صاحب السفياني سفياني النسب أيضاً أي يرجع نسبه إلى أبي سفيان وفحوى النص يشير إلى أن صاحب السفياني لا يعبر عنه بالسفياني بل يرمز له بلفظ مغاير يختلف عن السفياني الرئيسي الذي عبر عنه في الرواية بالسفياني.
وهناك رواية أخرى أوردها ابن حماد تشير إلى وجود سفيانيين اثنين جاء فيها: ( إذا غلبت قضاعة وظهرت على المغرب فأتى صاحبهم بني العباس فيدخل ابن أختهم الكوفة مع من معه فيخربها ثم تصيبه بها قرحة ويخرج منها يريد الشام فيهلك بين العراق والشام ثم يولون عليهم رجلاً من أهل بيته فهو الذي يفعل بالناس الأفاعيل ويظهر أمره وهو السفياني...)().
والظاهر من الرواية إنه يوجد صلة قرابة بين السفياني الأول أو صاحب السفياني وقضاعة وإنها من ناحية الأم بدليل نعته بـ( ابن أختهم) وهذا ما لا ينطبق على السفياني الرئيسي الذي سبق القول بأن له صلة قرابة بقبيلة كلب وإنهم أخواله مما يعني وجود سفيانيين.
ثم إن السفياني لا يموت إلا بعد قيام الإمام المهدي (عليه السلام) وتكون نهايته وقتله على يده بينما الرواية السابقة تتحدث عن موت رجل من آل أبي سفيان أو ( صاحب السفياني ) ما بين الكوفة والشام لقرحة تصيبه مما يعني إن المقصود به هو شخص آخر غير السفياني الرئيسي الذي يكون أكثر قوة وعنفاً ودموية من الأول لأنه هو من وعد الناس به وإنه يفعل بهم الأفاعيل لا شخص آخر الذي يسير على نفس منهجه الدموي العنيف ولكن بشكل أخف وطأة مما عليه الحال بالنسبة للسفياني.
وكذلك ورد عن ارطأة قال: ( في زمان السفياني الثاني تكون الهدة حتى يظن كل قوم إنه قد خرب ما يليهم..)().
مما يقف دليلاً آخر علة وجود سفيانيين، وجاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( السفياني أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط ولم يرى مكة ولا المدينة قط يقول يارب ثأري والنار يارب ثأري والنار )().
ولعل السفياني الثاني ينادي بثأر صاحبه ( صاحب السفياني ) الذي يموت كما أسلفنا مما يجعله مغتاضاً لقتله فيطالب بثأره، وهذا أمر عرف عن جده أبي سفيان الذي نادى بثأر قتلى بدر من المشركين وجيش الجيوش لقتال المسلمين فكانت واقعة أحد التي خاضها أبو سفيان ثأراً لما حل بهم يوم بدر وأقبل عند نهاية المعركة رافعاً صوته بمسمع من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأصحابه منادياً ( يوماً بيوم إن الأيام دول وإن الحرب سجال )().
ولا يستبعد أن يكون في رفع السفياني شعار الثأر ومناداته به من باب المقابلة للشعار الذي ينادي به الإمام المهدي (عليه السلام) وأصحابه للمطالبة بثأر الإمام الحسين (عليه السلام) وهو شعار ( يالثارات الحسين ).
أما ما يتعلق باحتلال جيش السفياني للعراق فالذي يبدو من سياق الروايات إن هذا الجيش عند دخوله إلى العراق يتوجه إلى الزوراء ( بغداد) بغية السيطرة عليها ومن هناك يتجه إلى الكوفة ومن ثم إلى غيرها من المناطق الأخرى، وهذا الأمر طبيعي لأن بغداد هي عاصمة العراق لتواجد مركز الحكم والقيادة فيها فإن السيطرة عليها يعني السيطرة على العراق، وفي سيطرة جيش السفياني عليها يقوض الحكم المتمثل بحكومة بني العباس، والقضاء على هذه الحكومة يعني خضوع العراق رسمياً للسفياني بعد احتلاله.
ففي رواية عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: ( فبينما هم كذلك في ستين وثلاثمائة راكب حتى يأتي دمشق فلا يأتي عليه شهر حتى يبايعه من كلب ثلاثون ألفاً فيبعث جيشاً إلى العراق فيقتل بالزوراء مائة ألف وينحدر إلى الكوفة فينهبونها..)().
والظاهر إن سرعة احتلال جيش السفياني لبغداد وسهولة توجهه إليها تعود إلى ضعف حكومة بني العباس آنذاك نتيجة الأختلاف فيما بينهم مما يجعلها عاجزة عن مواجهة جيش السفياني وما يصاحب ذلك من فوضى وانفلات في الوضع الأمني مما يتيح للسفياني سرعة الانقضاض على العراق واحتلاله، وهذا ما صرح به الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سأله يعقوب بن السراج: ( متى فرج شيعتكم قال: إذا اختلف ولد العباس ووهي سلطانهم وطمع فيهم من لم يكن يطمع...)().
ثم لا ننسى إن جيش السفياني يكون دخوله من الأراضي السورية المحاذية لأرض العراق في المنطقة الغربية التي لا يستبعد تعاون قادتها مع جيش السفياني وتسهيلهم لمهمة الوصول إلى بغداد، وهذا لا يعني إن جميعهم سوف يقفون مع السفياني بل قسم منهم أما القسم الآخر فيكونون واقعين تحت ضغط هؤلاء وليس لديهم حول ولا قوة ولا يستطيعون لجيش السفياني ردعاً ولا لأمره دفعاً.
وعند دخول جيش السفياني إلى بغداد فإنه سوف يخربها ويسوم أهلها قتلاً ويستبيح المدينة ثلاثة أيام فعن الإمام الصادق (عليه السلام) متحدثاً عما يجري في تلك الأثناء أنه قال: ( ويعم العراق خوف شديد لا يكون معه قرار ويقع الموت الذريع بعد أن يدخل جيشه إلى بغداد فيبيحها ثلاثة أيام ويقتل من أهلها ستين ألفاً ويقتل سبعين ويخرب دورها ثم يقيم بها ثماني عشرة ليلة فيقسم أموالها ويكون اسلم مكان فيها الكرخ )().
وهذا دليل على قسوة السفياني وشدته مع الموالين لأهل البيت، وهو بذلك يشابه أجداده من آل أبي سفيان فليس بعيد عن الأذهان ما فعلته هند زوجة أبي سفيان مع حمزة بن عبد المطلب وتمثيلها بجثمانه الطاهر الشريف .
وقد أكد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على دمار بغداد وما تلاقيه من هوان بعد غضارة العيش وسعة الحال وحذروا من مغبة البقاء فيها لما سيصيبها من بلاء فقد جاء في ذكرها: ( تكون الزوراء محل عذاب الله وغضبه وتخربها الفتن وتتركها جماء فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ورايات المغرب ومن يجلب في الجزيرة ومن الرايات التي تسير إليها من قريب ومن بعيد والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان أهلها إلا بالسيف فالويل لمن اتخذها سكناً فإن المقيم بها يبقى لشقائه والخارج منها برحمة الله، فوالله إن بغداد لتعمر في بعض الأوقات حتى إن الرائي يقول هذه هي الدنيا وإن دورها وقصورها هي الجنة وإن بناتها هن الحور العين وإن ولدانها هم الولدان وليظنن إن الله لم يقسم الرزق إلا بها وليظهرن بها من الافتراء على الله ورسوله والحكم بغير كتابه ومن شهادات الزور وشرب الخمور وإتيان الفجور وأكل السحت وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلها إلا دونه ثم يخربها الله بتلك الفتن وتلك الرايات حتى يمر المار فيقول ها هنا كانت الزوراء )().
وأشارت الرواية إلى حالة الخوف التي تشمل العراق عموماً وبغداد خصوصاً والتأكيد على إن أسلم المواضع فيها الكرخ، ولا غرابة في ذلك لأن الكرخ لا يتواجد فيها الكثير من الشيعة على عكس الرصافة التي يسكنها غالبية الشيعة والتي تكون هدفاً للسفياني وجيشه.
فذكر أحمد بن زكريا عن الرضا (عليه السلام) الذي سأل ابن زكريا قائلاً: (أين منزلك ببغداد قلت الكرخ قال أما إنه أسلم موضع ولا بد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة...)().
وفي رواية أخرى حول دخول جيش السفياني إلى بغداد: ( يدخل مدينة الزوراء فكم من قتيل وقتيلة ومال منتهب رحم الله من آوى نساء بني هاشم يومئذ وهن حرمتي...)().
مما يدل على القتل الوحشي وانتهاك الحرمات، أما الكوفة فيكون هم السفياني الوصول إليها ويصبح شغله الشاغل هو احتلالها فيبعث جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفا فيصيبون أهل الكوفة قتلاً وسبياً وفي رواية إن عددهم مئة وثلاثون ألف مقاتل وينتهج هذا الجيش الجرار سياسة الأرض المحروقة فلا يمر بشيء إلا دمره ويهلك الحرث والنسل ولا يبقى بيت إلا دخله من ظلمهم شيء فقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ( والله لا يزالون حتى لا يدعوا محرماً إلا استحلوه ولا عقداً إلا أحلوه حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم وينابه سوء رعيهم حتى يقوم باكيان باك يبكي لدينه وباك يبكي لدنياه )().
مما يعني إن فتنة السفياني هي من الفتن العامة التي يعم بلائها ويشمل البر والفاجر وذلك لأن الجيوش المحتلة عادة ما يرافق دخولها إلى البلد المحتل اضطراب الأوضاع وفقدان الأمن وزعزعة النظام مما يشجع على القيام بمثل تلك الأعمال من قبل ضعاف النفوس.
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال عن السفياني : ( يبعث مئة وثلاثون ألفاً إلى الكوفة وينزل الروحاء والفاروق فيسير منها ستون ألفا حتى ينزلوا الكوفة موضع قبر هود بالنخيلة فيهجمون إليهم يوم الزينة وأمير الناس جبار عنيد يقال له الكاهن الساحر فيخرج من مدينة الزوراء إليهم أمير في خمسة ألاف من الكهنة ويقتل على جسرها سبعين ألفاً يتحامى الناس من الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجساد ...)().
الرواية الثانية عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: ( ... ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفاً فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً ...)().
يتبع...
منقول من كتاب (اسرار عصر الظهور ) من فكر السيد القحطاني
إن السفياني وحزبه هم أولياء الشيطان وحزبه الذين يعادون الإمام المهدي (عليه السلام) وحزبه وهم أولياء الرحمن عز وجل، وهذان هما طرفا المعادلة الباقيين ما دام إبليس قائماً وناصباً نفسه داعياً للضلال والإلحاد والكفر بالله تعالى.
ومما لا يقبل الشك أن يقف السفياني في وجه الإمام المهدي (عليه السلام) وصاحب دعوته السيد اليماني ويكنّ لهم العداء الذي هو امتداد للعداء الأموي القديم الذي كان أجداد السفياني يكنونه للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، ومما يروى في ذلك ما جاء عن الحكم بن سالم عمن حدثه عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنا وآل أبي سفيان بيتين تعادينا في الله قلنا صدق الله وقالوا كذب الله، قاتل أبو سفيان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وقاتل معاوية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي (عليه السلام) والسفياني يقاتل القائم (عليه السلام) )().
والصراع بين هذين البيتين يمثل الصراع بين الخير والشر والذي يمتد إلى زمان قيام القائم (عليه السلام) الذي سوف يجتث الظلم والظالمين من أصولهم ويأتي على بنيانهم من القواعد بعون الله تعالى.
ولعل في مواقف أبو سفيان المعادية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وتأليب الناس عليه وجمع الجموع لحربه والقضاء على دعوته خير شاهد على ذلك العداء أيام خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) والمتمثل بمواقف معاوية بن أبي سفيان الذي جيش الجيوش وقاد حرب ضروس ضد علي (عليه السلام) في حرب صفين، أما موقف يزيد من الإمام الحسين (عليه السلام) فأشهر من نار على علم، وتعدى الأمر من العداء لأهل البيت إلى أتباعهم وشيعتهم حيث كان الأمويون يسومونهم سوء العذاب والتشريد والحرمان والقتل .
هذه الحقائق التاريخية الواضحة للعيان ستتكرر مرة أخرى في عصرنا عصر الظهور الشريف للإمام المهدي (عليه السلام) وتحديداً قبيل قيام القائم وما بعد قيامه الشريف والمستهدف الأول فيها إمام الزمان (عليه السلام) وبما إنه غائب فإن صاحب دعوته السيد اليماني سيكون هو المستهدف من قبل السفياني ( أبو سفيان العصر ) وبالتالي ستحمل أتباع المهدي وأنصاره جزءاً من هذا العداء كما تحمّل أسلافهم من عداء بنو أمية، فالعداء هو هو ولكن الأشخاص تغيروا بتغير الزمان والمكان، فإذا كان أبو سفيان حارب أهل البيت بالسيف والرمح والقوس فقد أصبحت الأسلحة اليوم البنادق والمتفجرات والمفخخات وهو أمر ذكرته الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) وهو قولهم : ( يخرج السفياني وبيده ثلاثة قصبات لا يقرع بهن أحداً إلا مات )() ولا يمكن حمل هذه الرواية على ظاهرها لأنه لا يمكن قتل إنسان بمجرد قرعه بقصبة، بل إن المقصود بالقرع هو الانفجار الذي تحدثه القصبات الثلاثة التي تتكون منها القنابل التي يستخدمها الإنتحاريون في تفجير الناس فالقصبات الثلاثة هي عبارة عن مادة التفجير وجهاز التفجير والصاعق والتي لا يقرع بها أحد إلا مات نتيجة انفجارها.
ومواقف السفياني تلك يمكن التعرف عليها عن طريق التعرف على تحركاته بعد سيطرته على الحكم في بلاد الشام وتحديداً في دمشق.
إلا أن هناك طوائف يبقون مقيمين على الحق ولا ينصرون السفياني أو يدخلون فيما دخل فيه أهل الشام من حرب الإمام المهدي (عليه السلام) وهؤلاء حتماً ممن يعرف عنهم الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) إلا أن هذا الصنف من الناس لا ينجون من السفياني وسيفه إذ يعمل الأخير على استدراجهم ومن ثم القضاء عليهم بل وردت رواية تؤكد إن المستهدفين هم أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) الذين يتواجدون في بلاد الشام، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في معرض حديثه عن السفياني وحركته: (... وبعد دخوله دمشق يهرب منها أولاد رسول الله إلى قسطنطينية فيطلبهم ويردهم ملك الروم إليه فيضرب أعناقهم على الدرج الشرقي في جامع دمشق فلا ينكر عليه ذلك أحد )().
يتبين من هذه الرواية إن هؤلاء الهاربين هم من أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أي من السادة المتواجدون في دمشق ولجوئهم إلى ملك الروم وإرجاعهم من قبل الروم يرمز إلى وجود علاقة حميمة بين السفياني والروم أو وجود مصالح مشتركة بينهم.
ثم إن خروج تلك الجماعة من أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لا تخلوا من أمرين أما أن تكون أعدادهم كبيرة إلى حد الهجرة الجماعية إلى بلاد الروم وهذا ما لا ترضاه بعض الدول وهو أمر نشاهده اليوم من لجوء بعض الناس إلى الدول الأوربية فتقبلهم تلك الدول تارة وترفضهم تارة أخرى حسب الظرف المحيطة.
وطلبهم اللجوء السياسي من ملك الروم وعند معرفة السفياني بذلك يقوم بالمطالبة بهم ويستجاب طلبه، وإن عمله ينبع من حقده على أهل البيت (عليهم السلام) وهذا ما نلمسه من طريقة قتله إياهم وضربه أعناقهم عند جامع دمشق الذي بني على هذا العداء، فليس غائباً عنا نصب رأس الحسين (عليه السلام) على الرمح في هذا المسجد وعياله أسارى ونساءه سبايا.
فهذا الفرع من ذاك الأصل وهذا العداء من ذلك العداء والحقد لأهل البيت (عليهم السلام)
وقد حذر أهل البيت من الشام والبقاء فيها عند ظهور الفتن والقتل، ففي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( إذا سمعتم باختلاف أهل الشام فيما بينهم فالهرب الهرب من الشام فإن القتل فيها والفتنة )().
ولو عدنا إلى رواية قتل أولاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عند جامع دمشق لوجدنا إن الواقع وراء ما قام به السفياني هو دافع ديني وليس سياسي بدليل إن السفياني قام بقتلهم أمام الناس مع ما به من إرهاب من تحدثه نفسه في الخروج على سلطانه، والحال إنه بالإمكان قتلهم ولكن ليس بهذا الجهر والإعلان.
ومن الجدير بالذكر إن حركة السفياني سوف لا تخرج عن نطاق سياسة اتخاذ الدين ستاراً لها ودليل ذلك هو استعانة السفياني بالعلماء ورجال الدين ومن خالفه منهم قتله فقد ورد عن نهج السفياني: ( يقتل العلماء وأهل الفضل ويفنيهم ويستعين بهم فمن أبى عليه قتله )().
وأظهرته بعض الروايات بمظهر المتعبد فجاء في وصفه: ( شديد الصفرة من أثر العبادة )(). وهذا دليل على تستره بالدين لخداع أنصاره ومؤيديه ومن حوله.
أما الرواية التي أشارت إلى قتل العلماء واستعانته بآخرين منهم فالمعنى واضح منها، وهو إن من يقتلهم من العلماء هم ممن يخالفوه في الرأي أو على غير مذهبه وقد يكونوا على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من المقيمين في بلاد الشام وخاصة دمشق.
وعند تصفية الأوضاع الداخلية في بلاد الشام وسيطرته على مقاليد الحكم فيها بقبضة من حديد يتوجه إلى بلدان أخرى في مقدمتها العراق لغرض السيطرة عليه لأنه على علم إن العراق هو عاصمة الإمام المهدي (عليه السلام) ومقر ومركز دعوته المباركة.
وفيما يخص العراق فإنه يكون غاية هم السفياني، ويضع السيطرة عليه على رأس أولوياته لأن العراق كما أسلفنا يكون عاصمة دولة الإمام(عليه السلام) ومركز حركته ثم إن غالبية أهل العراق هم من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) الذين يبغضهم لبغضه لأهل البيت (عليهم السلام) لذا فإنه يجد متنفساً لإظهار هذا الحقد عند احتلاله العراق فيسومهم قتلاً وصلباً وسبياً ويكون هذا الأمر هو شغله الشاغل، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( فيظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وشيعتهم )().
والملفت للنظر إن الروايات الشريفة تتحدث أيضاً عن شخص آخر يسمى بـ( صاحب السفياني ) أو السفياني الثاني وإن دخوله العراق يسبق دخول السفياني الرئيسي، وصاحب السفياني هذا سوف ينتهي به المطاف إلى الموت في منطقة ما بين العراق والشام، فقد ورد عن عمر بن أبان الكلبي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة ...)().
وصاحب السفياني يكون محور نشاطه أيضاً بلاد الشام والعراق ولا يستبعد أن يكون على طليعة جيش السفياني الرئيسي والقائد الأعلى لقواته أو بعبارة أخرى هو المسؤول عن حركة السفياني وظهورها وجمع العدة والعدد والتنظيم.
ففي رواية: ( تفترق الناس والعرب... فتكون الغلبة لقضاعة وعليهم رجل من ولد أبو سفيان... ثم يستقبل السفياني فيقاتل بني هاشم وكل من نازعه من الرايات الثلاثة وغيرها فيظهر عليهم جميعاً، ثم يسير إلى الكوفة ويخرج بني هاشم إلى العراق ثم يرجع من الكوفة فيموت في أدنى الشام ويستخلف رجلاً آخر من ولد أبي سفيان فتكون الغلبة له ويظهر على الناس وهو السفياني )().
يستفاد من هذه الرواية إن صاحب السفياني سفياني النسب أيضاً أي يرجع نسبه إلى أبي سفيان وفحوى النص يشير إلى أن صاحب السفياني لا يعبر عنه بالسفياني بل يرمز له بلفظ مغاير يختلف عن السفياني الرئيسي الذي عبر عنه في الرواية بالسفياني.
وهناك رواية أخرى أوردها ابن حماد تشير إلى وجود سفيانيين اثنين جاء فيها: ( إذا غلبت قضاعة وظهرت على المغرب فأتى صاحبهم بني العباس فيدخل ابن أختهم الكوفة مع من معه فيخربها ثم تصيبه بها قرحة ويخرج منها يريد الشام فيهلك بين العراق والشام ثم يولون عليهم رجلاً من أهل بيته فهو الذي يفعل بالناس الأفاعيل ويظهر أمره وهو السفياني...)().
والظاهر من الرواية إنه يوجد صلة قرابة بين السفياني الأول أو صاحب السفياني وقضاعة وإنها من ناحية الأم بدليل نعته بـ( ابن أختهم) وهذا ما لا ينطبق على السفياني الرئيسي الذي سبق القول بأن له صلة قرابة بقبيلة كلب وإنهم أخواله مما يعني وجود سفيانيين.
ثم إن السفياني لا يموت إلا بعد قيام الإمام المهدي (عليه السلام) وتكون نهايته وقتله على يده بينما الرواية السابقة تتحدث عن موت رجل من آل أبي سفيان أو ( صاحب السفياني ) ما بين الكوفة والشام لقرحة تصيبه مما يعني إن المقصود به هو شخص آخر غير السفياني الرئيسي الذي يكون أكثر قوة وعنفاً ودموية من الأول لأنه هو من وعد الناس به وإنه يفعل بهم الأفاعيل لا شخص آخر الذي يسير على نفس منهجه الدموي العنيف ولكن بشكل أخف وطأة مما عليه الحال بالنسبة للسفياني.
وكذلك ورد عن ارطأة قال: ( في زمان السفياني الثاني تكون الهدة حتى يظن كل قوم إنه قد خرب ما يليهم..)().
مما يقف دليلاً آخر علة وجود سفيانيين، وجاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( السفياني أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط ولم يرى مكة ولا المدينة قط يقول يارب ثأري والنار يارب ثأري والنار )().
ولعل السفياني الثاني ينادي بثأر صاحبه ( صاحب السفياني ) الذي يموت كما أسلفنا مما يجعله مغتاضاً لقتله فيطالب بثأره، وهذا أمر عرف عن جده أبي سفيان الذي نادى بثأر قتلى بدر من المشركين وجيش الجيوش لقتال المسلمين فكانت واقعة أحد التي خاضها أبو سفيان ثأراً لما حل بهم يوم بدر وأقبل عند نهاية المعركة رافعاً صوته بمسمع من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأصحابه منادياً ( يوماً بيوم إن الأيام دول وإن الحرب سجال )().
ولا يستبعد أن يكون في رفع السفياني شعار الثأر ومناداته به من باب المقابلة للشعار الذي ينادي به الإمام المهدي (عليه السلام) وأصحابه للمطالبة بثأر الإمام الحسين (عليه السلام) وهو شعار ( يالثارات الحسين ).
أما ما يتعلق باحتلال جيش السفياني للعراق فالذي يبدو من سياق الروايات إن هذا الجيش عند دخوله إلى العراق يتوجه إلى الزوراء ( بغداد) بغية السيطرة عليها ومن هناك يتجه إلى الكوفة ومن ثم إلى غيرها من المناطق الأخرى، وهذا الأمر طبيعي لأن بغداد هي عاصمة العراق لتواجد مركز الحكم والقيادة فيها فإن السيطرة عليها يعني السيطرة على العراق، وفي سيطرة جيش السفياني عليها يقوض الحكم المتمثل بحكومة بني العباس، والقضاء على هذه الحكومة يعني خضوع العراق رسمياً للسفياني بعد احتلاله.
ففي رواية عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: ( فبينما هم كذلك في ستين وثلاثمائة راكب حتى يأتي دمشق فلا يأتي عليه شهر حتى يبايعه من كلب ثلاثون ألفاً فيبعث جيشاً إلى العراق فيقتل بالزوراء مائة ألف وينحدر إلى الكوفة فينهبونها..)().
والظاهر إن سرعة احتلال جيش السفياني لبغداد وسهولة توجهه إليها تعود إلى ضعف حكومة بني العباس آنذاك نتيجة الأختلاف فيما بينهم مما يجعلها عاجزة عن مواجهة جيش السفياني وما يصاحب ذلك من فوضى وانفلات في الوضع الأمني مما يتيح للسفياني سرعة الانقضاض على العراق واحتلاله، وهذا ما صرح به الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سأله يعقوب بن السراج: ( متى فرج شيعتكم قال: إذا اختلف ولد العباس ووهي سلطانهم وطمع فيهم من لم يكن يطمع...)().
ثم لا ننسى إن جيش السفياني يكون دخوله من الأراضي السورية المحاذية لأرض العراق في المنطقة الغربية التي لا يستبعد تعاون قادتها مع جيش السفياني وتسهيلهم لمهمة الوصول إلى بغداد، وهذا لا يعني إن جميعهم سوف يقفون مع السفياني بل قسم منهم أما القسم الآخر فيكونون واقعين تحت ضغط هؤلاء وليس لديهم حول ولا قوة ولا يستطيعون لجيش السفياني ردعاً ولا لأمره دفعاً.
وعند دخول جيش السفياني إلى بغداد فإنه سوف يخربها ويسوم أهلها قتلاً ويستبيح المدينة ثلاثة أيام فعن الإمام الصادق (عليه السلام) متحدثاً عما يجري في تلك الأثناء أنه قال: ( ويعم العراق خوف شديد لا يكون معه قرار ويقع الموت الذريع بعد أن يدخل جيشه إلى بغداد فيبيحها ثلاثة أيام ويقتل من أهلها ستين ألفاً ويقتل سبعين ويخرب دورها ثم يقيم بها ثماني عشرة ليلة فيقسم أموالها ويكون اسلم مكان فيها الكرخ )().
وهذا دليل على قسوة السفياني وشدته مع الموالين لأهل البيت، وهو بذلك يشابه أجداده من آل أبي سفيان فليس بعيد عن الأذهان ما فعلته هند زوجة أبي سفيان مع حمزة بن عبد المطلب وتمثيلها بجثمانه الطاهر الشريف .
وقد أكد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على دمار بغداد وما تلاقيه من هوان بعد غضارة العيش وسعة الحال وحذروا من مغبة البقاء فيها لما سيصيبها من بلاء فقد جاء في ذكرها: ( تكون الزوراء محل عذاب الله وغضبه وتخربها الفتن وتتركها جماء فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ورايات المغرب ومن يجلب في الجزيرة ومن الرايات التي تسير إليها من قريب ومن بعيد والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان أهلها إلا بالسيف فالويل لمن اتخذها سكناً فإن المقيم بها يبقى لشقائه والخارج منها برحمة الله، فوالله إن بغداد لتعمر في بعض الأوقات حتى إن الرائي يقول هذه هي الدنيا وإن دورها وقصورها هي الجنة وإن بناتها هن الحور العين وإن ولدانها هم الولدان وليظنن إن الله لم يقسم الرزق إلا بها وليظهرن بها من الافتراء على الله ورسوله والحكم بغير كتابه ومن شهادات الزور وشرب الخمور وإتيان الفجور وأكل السحت وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلها إلا دونه ثم يخربها الله بتلك الفتن وتلك الرايات حتى يمر المار فيقول ها هنا كانت الزوراء )().
وأشارت الرواية إلى حالة الخوف التي تشمل العراق عموماً وبغداد خصوصاً والتأكيد على إن أسلم المواضع فيها الكرخ، ولا غرابة في ذلك لأن الكرخ لا يتواجد فيها الكثير من الشيعة على عكس الرصافة التي يسكنها غالبية الشيعة والتي تكون هدفاً للسفياني وجيشه.
فذكر أحمد بن زكريا عن الرضا (عليه السلام) الذي سأل ابن زكريا قائلاً: (أين منزلك ببغداد قلت الكرخ قال أما إنه أسلم موضع ولا بد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة...)().
وفي رواية أخرى حول دخول جيش السفياني إلى بغداد: ( يدخل مدينة الزوراء فكم من قتيل وقتيلة ومال منتهب رحم الله من آوى نساء بني هاشم يومئذ وهن حرمتي...)().
مما يدل على القتل الوحشي وانتهاك الحرمات، أما الكوفة فيكون هم السفياني الوصول إليها ويصبح شغله الشاغل هو احتلالها فيبعث جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفا فيصيبون أهل الكوفة قتلاً وسبياً وفي رواية إن عددهم مئة وثلاثون ألف مقاتل وينتهج هذا الجيش الجرار سياسة الأرض المحروقة فلا يمر بشيء إلا دمره ويهلك الحرث والنسل ولا يبقى بيت إلا دخله من ظلمهم شيء فقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ( والله لا يزالون حتى لا يدعوا محرماً إلا استحلوه ولا عقداً إلا أحلوه حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم وينابه سوء رعيهم حتى يقوم باكيان باك يبكي لدينه وباك يبكي لدنياه )().
مما يعني إن فتنة السفياني هي من الفتن العامة التي يعم بلائها ويشمل البر والفاجر وذلك لأن الجيوش المحتلة عادة ما يرافق دخولها إلى البلد المحتل اضطراب الأوضاع وفقدان الأمن وزعزعة النظام مما يشجع على القيام بمثل تلك الأعمال من قبل ضعاف النفوس.
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال عن السفياني : ( يبعث مئة وثلاثون ألفاً إلى الكوفة وينزل الروحاء والفاروق فيسير منها ستون ألفا حتى ينزلوا الكوفة موضع قبر هود بالنخيلة فيهجمون إليهم يوم الزينة وأمير الناس جبار عنيد يقال له الكاهن الساحر فيخرج من مدينة الزوراء إليهم أمير في خمسة ألاف من الكهنة ويقتل على جسرها سبعين ألفاً يتحامى الناس من الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجساد ...)().
الرواية الثانية عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: ( ... ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفاً فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً ...)().
يتبع...
تعليق