منقول من الموسوعة القرآنية للسيد القحطاني (الجزء الثالث )
أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) وعلم التوسم
بعد أن بينا إن علم التوسم هو من مختصات الإمام المهدي (عليه السلام) ، نأتي الآن إلى بيان اختصاص أصحاب الإمام (عليه السلام) بهذا العلم .
وقد سبق أن ذكرنا إن علم التوسم هو من مختصات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأئمة الاثنا عشر المعصومين (عليهم السلام) ، وهم وحدهم من يعلمون أسراره ، ولهم القدرة على معرفة وتأويل العلوم والعلامات الباطنية والظاهرية وربطها بمدلولاتها الملكوتية .
ولا يعلم بذلك من بعدهم (عليهم السلام) إلا من أفاض الله عليه وخصه به من أولياءه من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ، ويأتي في مقدمتهم أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) ، وذلك لأنهم يمثلون الرموز والقادة لأهم قضية في هذا الوجود وهي قضية الإمام المهدي (عليه السلام) المقيم لدولة العدل الإلهي التي أرادها الله عز وجل في الكون .
وقد أكدت عدد من الروايات إن علم التوسم هو من ضمن خصوصيات أصحاب قائم آل محمد ، وإنه (عليه السلام) هو من يعطيهم هذا العلم .
حيث جاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : ( كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير قد فنيت أزوادهم وخلقت ثيابهم قد أثر السجود بجباههم ليوث بالنهار رهبان بالليل كأن قلوبهم زبر الحديد يعطى الرجل قوة أربعين رجلاً يعطيهم صاحبهم التوسم ....) منتخب الأنوار ص195.
والرواية هنا تشير بشكل صريح إن الإمام المهدي (عليه السلام) يعطي أصحابه التوسم سواء كان ذلك بشكل مباشر منه (عليه السلام) أو بواسطة شخص آخر ، وذلك بدليل قول الرواية يعطيهم صاحبهم ولم تقل إمامهم مثلاً .
ولعل المراد به وزيره اليماني ، لأنه عادة ما يعبر عنه بلفظ صاحب أو صاحبكم ، حيث ورد عن الإمام الهادي (عليه السلام) أنه قال : ( إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج ) إلزام الناصب ص69.
ولا يمكن حمل هذه الرواية على الإمام المهدي (عليه السلام) لأنه غاب عن دار الظالمين منذ أكثر من أحد عشر قرناً ولم يأتي بعد الفرج ، والرواية تؤكد إنه حالما تحصل الغيبة عن دار الظالمين فالنتوقع الفرج .
فلا يستقيم أن نحمل الرواية هنا على الإمام المهدي (عليه السلام) من حيث إن غيبته دليل على قرب فرجه لكون الغيبة دليل على الفرج وليس العكس ، فكيف تكون الغيبة علامة إذا كان الفرج نفسه يعني ظهوره بعد طول غيبته .
والمهم لدينا إن الإمام المهدي (عليه السلام) يعطي أصحابه التوسم ، وقطعاً من لم يكن له علم ومعرفة بهذا العلم فهو ليس من أصحاب القائم (عليه السلام) .
وعليه فإن كل من يدعي الإتصال بالإمام المهدي (عليه السلام) والتمهيد له أو إنه من أصحابه فيما بعد عليه أن يثبت معرفته بهذا العلم ، كون التوسم هو من علامات أصحاب الإمام (عليه السلام) .
وقد دلت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) على هذا الأمر . حيث جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) : إنه قال : ( كأني أنظر إلى القائم وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير ....وقد وصفهم الله تعالى بالتوسم في كتابه العزيز بقوله تعالى { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } بحار الأنوار ج52 ص386 ، منتخب الأنوار ص195.
إذن يتبين لنا إن أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) قد وصفوا في القرآن بالتوسم أي إنهم متوسمون .
وهنا تجدر الإشارة إلى شيء مهم جداً وهو قد يرد إشكال أو اشتباه للوهلة الأولى عند قراءة الرواية الآنفة الذكر من حيث إشارتها إلى وصف القرآن لأصحاب المهدي (عليه السلام) بالتوسم بقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ } وقد سبق أن أشارت الروايات حول تفسير هذه الآية بأنها نزلت بأهل البيت (عليهم السلام) فهذا يوحي بشيء من التناقض الظاهري ، بيد ان التناقض يزول إذا ما عرفنا إن هذه الآية وكما قلنا سابقاً نزلت بحق الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأئمة (عليهم السلام) من بعده إلى يوم القيامة ، فهم (عليهم السلام) المتوسمون ، وهذا يعني إن كل واحد منهم (عليهم السلام) هو المتوسم في عصره ، وبطبيعة الحال إن آخر الأئمة المتوسمين هم الإمام المهدي (عليه السلام) ، فعليه تكون هذه الآية مأولة فيه وفي أصحابه في عصر إمامته (عليه السلام) .
إذن هذه الآية من حيث التنزيل هي مختصة بالرسول والأئمة فضلاً عن فاطمة الزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) أما من حيث التأويل الباطني فهي مختصة بالإمام المهدي (عليه السلام) على الخصوص وأصحابه ، لأنه هو من سيظهر التأويل الباطني للقرآن ككل بما فيها هذه الآية .
وقد دلت الآيات القرآنية والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) إنهم هم من يعلمون تأويله ، فقال تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأويلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} آل عمران 7
وقد جاء عن بريدة بن معاوية عن الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) إنهما قالا : ( فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أفضل الراسخين في العلم قد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل شيئاً لم يعلمه تأويله وأوصيائه من بعده يعلمونه كله والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم الله بقوله { َقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } والقرآن خاص وعام ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ فالراسخون في العلم يعلمونه ) الكافي ج1 صص213.
وعلى هذا الأساس يكون ظاهر القرآن يشير إلى الشيء وباطنه يشير إلى شيء آخر والدليل على ذلك إن القرآن هو كلام الله الذي فيه تبيان كل شيء إلى يوم القيامة لقوله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } النحل 89، فهو ليس مختص بعصر من العصور دون الآخر ، وهذا يعني إن كل ما فيه هو مستمر ومتجدد وقائم إلى قيام الساعة .
وإذا ما فهمنا ذلك نقول إن القرآن من حيث النزول الوجودي الأول نزل على سيد الكائنات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في ليلة القدر ، بيد أنه مستمر النزول على قلب الأئمة (عليهم السلام) من بعده بدليل قوله تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } القدر 1- 5.
فإن الله عز وجل لم يقيد هذا النزول بشخص وزمان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فيكون متجدد المعاني أي من حيث المعاني الباطنية التي تعنيها كل كلمة من آياته مع بقاءه من حيث الألفاظ الظاهرية .
وبمعنى آخر ان تأويل الآيات يتغير في كل سنة بحسب تغير الأمر الإلهي الوجودي الحاصل في كل ليلة كتغير أرزاق وأعمار كل إنسان في كل ليلة قدر مثلاً ، مما يترتب عليه التغيير في نمط حياة الموجودات والإنسان .
فعليه يكون تأويل آيات المتوسمين المذكور آنفاً تكون متغيرة من حيث تأويلها من عنصر إلى آخر .
فهي من حيث النزول مختصة بالرسول والأئمة الأطهار (عليهم السلام) وكل واحد منهم يمثلها في عصر إمامته ، ويستمر الحال إلى أن يصل الدور إلى الإمام المهدي (عليه السلام) وعند ذلك يتجسد فيه وبأصحابه التأويل الباطني لتلك الآية لكونه (عليه السلام) هو من سيظهر علم التوسم ويعلمه لأصحابه كما مرّ بنا .
ومما تقدم يمكن أن نطبق على أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) ما طبقناه سابقاً على المتوسمين من حيث إن المؤمن المتوسم يتوسم بواسطة نظره بنور الله الذي يأخذ منه المتوسم بحسب إيمانه واستبصاره وعلمه .
ولو جئنا إلى أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) فمن حيث الإيمان والاستبصار فهم مؤمنون بدليل قوله تعالى في الآية نفسها {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ } الحجر77.
هذا فضلاً عن الرواية التي تصف القائم وأصحابه بأنهم رهبان بالليل أثر السجود على جباههم ، وهذه هي أحدى سيماء المؤمنين .
أما من ناحية العلم فيبدو إنه قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) يكونوا على درجة قليلة من العلم وذلك بدليلين الأول إنهم لو كانوا علماء لوصفتهم الرواية بذلك بل وصفتهم بصفة الإيمان لكثرة العبادة والسجود وبالقوة .
والدليل الثاني إن التوسم يعتمد على النظر بنور الله الذي بدوره يعتمد على مقدار الإيمان الذي يفضي إلى الاستبصار بالحقائق الملكوتية وعلى مقدار العلم لذلك الشخص , وبما أننا أثبتنا صفة الإيمان لأصحاب الإمام (عليه السلام) إذن فبقيت صفة العلم ومقدارها لإنها لو كانت موجودة لأصبح هؤلاء من المتوسمين ، بيد إن الصفة تكون مفقودة نسبياً إلى قيامه المقدس لأنه هو من سيعطيهم علم التوسم وهو أحد العلوم المرتبطة بعالم الملك والملكوت ، لهذا فهو من سيعطيهم هذه الحلقة المفقودة التي تشمل علم التوسم وغيره ، ويضيفها إلى صفة الإيمان فيصبح أصحابه من المتوسمين ، لأنهم عند ذلك يستطيعون التوسم من خلال النظر بنور الله ، كونهم قريبون منه جداً والمتمثل بنور الإمام المهدي (عليه السلام) لأنه نور الله في الأرض .
وما يؤكد ذلك أكثر – أي إنهم لم يكونوا علماء – إن أنصار القائم وصفوا بأنهم شباب لا كهول فيهم وقد أثبتنا في موضوع أهل الكهف بأنهم –أي أهل الكهف – كانوا شيوخاً ولكن بسبب حداثة إيمانهم وصفهم الله تعالى بأنهم فتية ، وهذا ينطبق أيضاً على أنصار الإمام كونهم شباب فهم لم يكونوا من الناس المعروفون بالعلم أو كونهم علماء .
وقد دلت الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إن كل فرد من أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) يصبح متوسماً ولذلك فهو لا يقتل إلا كافراً أو منافقاً .
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال عنهم : ( كأن قلوبهم زبر الحديد يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً – وعلى رواية- يعطيهم صاحبهم التوسم لا يقتل أحداً منهم إلا كافراً أو منافقاً قد وصفهم الله تعالى بالتوسم في كتابه العزيز بقوله { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } بحار الأنوار ج52 ص386 ، منتخب الأنوار ص195.
ونستشف من ذلك إن قتل أصحاب الإمام (عليه السلام) عند قيامه المقدس لا يكون بشكل عشوائي وإنما يكون عن طريق التوسم ، بمعنى إنهم إذا توسموا بأي شخص علامة وسيماء الكفر والنفاق قتله ، وذلك هو حال الإمام المهدي (عليه السلام) الذي مر بنا .
وبهذا نجد إن إعطاء الإمام (عليه السلام) أصحابه التوسم هو من الأمور المهمة جداً لأن من خلاله يستطيعون التوسم بالناس فيعرفون خفايا ما يبطنون من كفر أو نفاق مع إنهم ربما في الظاهر لا يظهرون ذلك .
ولاسيما إن أصحاب القائم (عليه السلام) الثلاثمائة والثلاثة عشر هم وزراء وقادة في شتى بقاع العالم ، فهم بحاجة إلى ذلك العلم لكي يعرفوا من معهم ومن عليهم .
وأخيراً لابد من الإشارة إلى إن نصرة الإمام (عليه السلام) لا تقتصر على بني البشر فقط ، بل تأتي إلى نصرته الملائكة ، ومن جملتهم أربعة آلاف ملك مسومين .
فقد ورد عن إبان بن تغلب عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : ( كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على ظهر النجف ...... فإذا نشر راية رسول الله انحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك .... وأربعة آلاف مسومين ومردفين ...) بحار الأنوار ج19 ص305 ، غيبة النعماني ص309.
هذا وقد أشارت بعض الزيارات إلى ذلك الأمر منها زيارة الإمام المهدي (عليه السلام) تقول : ( وأيده بجنود من الملائكة مسومين وسلطة على أعداء دينك أجمعين ) بحار الأنوار ج99 ص87.
وهذا كله إن دل على شيء فهو يدل على التوسم وانتشاره في عصر قيام الإمام (عليه السلام) ، وإنه سيكون علامة على أصحاب وأنصار الإمام (عليه السلام) من الأنس والملائكة وبها يعرفون ، ومن خلالها يعرفون الموالين من الكفار والمنافقين .
أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) وعلم التوسم
بعد أن بينا إن علم التوسم هو من مختصات الإمام المهدي (عليه السلام) ، نأتي الآن إلى بيان اختصاص أصحاب الإمام (عليه السلام) بهذا العلم .
وقد سبق أن ذكرنا إن علم التوسم هو من مختصات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأئمة الاثنا عشر المعصومين (عليهم السلام) ، وهم وحدهم من يعلمون أسراره ، ولهم القدرة على معرفة وتأويل العلوم والعلامات الباطنية والظاهرية وربطها بمدلولاتها الملكوتية .
ولا يعلم بذلك من بعدهم (عليهم السلام) إلا من أفاض الله عليه وخصه به من أولياءه من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ، ويأتي في مقدمتهم أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) ، وذلك لأنهم يمثلون الرموز والقادة لأهم قضية في هذا الوجود وهي قضية الإمام المهدي (عليه السلام) المقيم لدولة العدل الإلهي التي أرادها الله عز وجل في الكون .
وقد أكدت عدد من الروايات إن علم التوسم هو من ضمن خصوصيات أصحاب قائم آل محمد ، وإنه (عليه السلام) هو من يعطيهم هذا العلم .
حيث جاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : ( كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير قد فنيت أزوادهم وخلقت ثيابهم قد أثر السجود بجباههم ليوث بالنهار رهبان بالليل كأن قلوبهم زبر الحديد يعطى الرجل قوة أربعين رجلاً يعطيهم صاحبهم التوسم ....) منتخب الأنوار ص195.
والرواية هنا تشير بشكل صريح إن الإمام المهدي (عليه السلام) يعطي أصحابه التوسم سواء كان ذلك بشكل مباشر منه (عليه السلام) أو بواسطة شخص آخر ، وذلك بدليل قول الرواية يعطيهم صاحبهم ولم تقل إمامهم مثلاً .
ولعل المراد به وزيره اليماني ، لأنه عادة ما يعبر عنه بلفظ صاحب أو صاحبكم ، حيث ورد عن الإمام الهادي (عليه السلام) أنه قال : ( إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج ) إلزام الناصب ص69.
ولا يمكن حمل هذه الرواية على الإمام المهدي (عليه السلام) لأنه غاب عن دار الظالمين منذ أكثر من أحد عشر قرناً ولم يأتي بعد الفرج ، والرواية تؤكد إنه حالما تحصل الغيبة عن دار الظالمين فالنتوقع الفرج .
فلا يستقيم أن نحمل الرواية هنا على الإمام المهدي (عليه السلام) من حيث إن غيبته دليل على قرب فرجه لكون الغيبة دليل على الفرج وليس العكس ، فكيف تكون الغيبة علامة إذا كان الفرج نفسه يعني ظهوره بعد طول غيبته .
والمهم لدينا إن الإمام المهدي (عليه السلام) يعطي أصحابه التوسم ، وقطعاً من لم يكن له علم ومعرفة بهذا العلم فهو ليس من أصحاب القائم (عليه السلام) .
وعليه فإن كل من يدعي الإتصال بالإمام المهدي (عليه السلام) والتمهيد له أو إنه من أصحابه فيما بعد عليه أن يثبت معرفته بهذا العلم ، كون التوسم هو من علامات أصحاب الإمام (عليه السلام) .
وقد دلت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) على هذا الأمر . حيث جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) : إنه قال : ( كأني أنظر إلى القائم وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير ....وقد وصفهم الله تعالى بالتوسم في كتابه العزيز بقوله تعالى { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } بحار الأنوار ج52 ص386 ، منتخب الأنوار ص195.
إذن يتبين لنا إن أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) قد وصفوا في القرآن بالتوسم أي إنهم متوسمون .
وهنا تجدر الإشارة إلى شيء مهم جداً وهو قد يرد إشكال أو اشتباه للوهلة الأولى عند قراءة الرواية الآنفة الذكر من حيث إشارتها إلى وصف القرآن لأصحاب المهدي (عليه السلام) بالتوسم بقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ } وقد سبق أن أشارت الروايات حول تفسير هذه الآية بأنها نزلت بأهل البيت (عليهم السلام) فهذا يوحي بشيء من التناقض الظاهري ، بيد ان التناقض يزول إذا ما عرفنا إن هذه الآية وكما قلنا سابقاً نزلت بحق الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأئمة (عليهم السلام) من بعده إلى يوم القيامة ، فهم (عليهم السلام) المتوسمون ، وهذا يعني إن كل واحد منهم (عليهم السلام) هو المتوسم في عصره ، وبطبيعة الحال إن آخر الأئمة المتوسمين هم الإمام المهدي (عليه السلام) ، فعليه تكون هذه الآية مأولة فيه وفي أصحابه في عصر إمامته (عليه السلام) .
إذن هذه الآية من حيث التنزيل هي مختصة بالرسول والأئمة فضلاً عن فاطمة الزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) أما من حيث التأويل الباطني فهي مختصة بالإمام المهدي (عليه السلام) على الخصوص وأصحابه ، لأنه هو من سيظهر التأويل الباطني للقرآن ككل بما فيها هذه الآية .
وقد دلت الآيات القرآنية والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) إنهم هم من يعلمون تأويله ، فقال تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأويلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} آل عمران 7
وقد جاء عن بريدة بن معاوية عن الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) إنهما قالا : ( فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أفضل الراسخين في العلم قد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل شيئاً لم يعلمه تأويله وأوصيائه من بعده يعلمونه كله والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم الله بقوله { َقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } والقرآن خاص وعام ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ فالراسخون في العلم يعلمونه ) الكافي ج1 صص213.
وعلى هذا الأساس يكون ظاهر القرآن يشير إلى الشيء وباطنه يشير إلى شيء آخر والدليل على ذلك إن القرآن هو كلام الله الذي فيه تبيان كل شيء إلى يوم القيامة لقوله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } النحل 89، فهو ليس مختص بعصر من العصور دون الآخر ، وهذا يعني إن كل ما فيه هو مستمر ومتجدد وقائم إلى قيام الساعة .
وإذا ما فهمنا ذلك نقول إن القرآن من حيث النزول الوجودي الأول نزل على سيد الكائنات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في ليلة القدر ، بيد أنه مستمر النزول على قلب الأئمة (عليهم السلام) من بعده بدليل قوله تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } القدر 1- 5.
فإن الله عز وجل لم يقيد هذا النزول بشخص وزمان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فيكون متجدد المعاني أي من حيث المعاني الباطنية التي تعنيها كل كلمة من آياته مع بقاءه من حيث الألفاظ الظاهرية .
وبمعنى آخر ان تأويل الآيات يتغير في كل سنة بحسب تغير الأمر الإلهي الوجودي الحاصل في كل ليلة كتغير أرزاق وأعمار كل إنسان في كل ليلة قدر مثلاً ، مما يترتب عليه التغيير في نمط حياة الموجودات والإنسان .
فعليه يكون تأويل آيات المتوسمين المذكور آنفاً تكون متغيرة من حيث تأويلها من عنصر إلى آخر .
فهي من حيث النزول مختصة بالرسول والأئمة الأطهار (عليهم السلام) وكل واحد منهم يمثلها في عصر إمامته ، ويستمر الحال إلى أن يصل الدور إلى الإمام المهدي (عليه السلام) وعند ذلك يتجسد فيه وبأصحابه التأويل الباطني لتلك الآية لكونه (عليه السلام) هو من سيظهر علم التوسم ويعلمه لأصحابه كما مرّ بنا .
ومما تقدم يمكن أن نطبق على أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) ما طبقناه سابقاً على المتوسمين من حيث إن المؤمن المتوسم يتوسم بواسطة نظره بنور الله الذي يأخذ منه المتوسم بحسب إيمانه واستبصاره وعلمه .
ولو جئنا إلى أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) فمن حيث الإيمان والاستبصار فهم مؤمنون بدليل قوله تعالى في الآية نفسها {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ } الحجر77.
هذا فضلاً عن الرواية التي تصف القائم وأصحابه بأنهم رهبان بالليل أثر السجود على جباههم ، وهذه هي أحدى سيماء المؤمنين .
أما من ناحية العلم فيبدو إنه قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) يكونوا على درجة قليلة من العلم وذلك بدليلين الأول إنهم لو كانوا علماء لوصفتهم الرواية بذلك بل وصفتهم بصفة الإيمان لكثرة العبادة والسجود وبالقوة .
والدليل الثاني إن التوسم يعتمد على النظر بنور الله الذي بدوره يعتمد على مقدار الإيمان الذي يفضي إلى الاستبصار بالحقائق الملكوتية وعلى مقدار العلم لذلك الشخص , وبما أننا أثبتنا صفة الإيمان لأصحاب الإمام (عليه السلام) إذن فبقيت صفة العلم ومقدارها لإنها لو كانت موجودة لأصبح هؤلاء من المتوسمين ، بيد إن الصفة تكون مفقودة نسبياً إلى قيامه المقدس لأنه هو من سيعطيهم علم التوسم وهو أحد العلوم المرتبطة بعالم الملك والملكوت ، لهذا فهو من سيعطيهم هذه الحلقة المفقودة التي تشمل علم التوسم وغيره ، ويضيفها إلى صفة الإيمان فيصبح أصحابه من المتوسمين ، لأنهم عند ذلك يستطيعون التوسم من خلال النظر بنور الله ، كونهم قريبون منه جداً والمتمثل بنور الإمام المهدي (عليه السلام) لأنه نور الله في الأرض .
وما يؤكد ذلك أكثر – أي إنهم لم يكونوا علماء – إن أنصار القائم وصفوا بأنهم شباب لا كهول فيهم وقد أثبتنا في موضوع أهل الكهف بأنهم –أي أهل الكهف – كانوا شيوخاً ولكن بسبب حداثة إيمانهم وصفهم الله تعالى بأنهم فتية ، وهذا ينطبق أيضاً على أنصار الإمام كونهم شباب فهم لم يكونوا من الناس المعروفون بالعلم أو كونهم علماء .
وقد دلت الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إن كل فرد من أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) يصبح متوسماً ولذلك فهو لا يقتل إلا كافراً أو منافقاً .
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال عنهم : ( كأن قلوبهم زبر الحديد يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً – وعلى رواية- يعطيهم صاحبهم التوسم لا يقتل أحداً منهم إلا كافراً أو منافقاً قد وصفهم الله تعالى بالتوسم في كتابه العزيز بقوله { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } بحار الأنوار ج52 ص386 ، منتخب الأنوار ص195.
ونستشف من ذلك إن قتل أصحاب الإمام (عليه السلام) عند قيامه المقدس لا يكون بشكل عشوائي وإنما يكون عن طريق التوسم ، بمعنى إنهم إذا توسموا بأي شخص علامة وسيماء الكفر والنفاق قتله ، وذلك هو حال الإمام المهدي (عليه السلام) الذي مر بنا .
وبهذا نجد إن إعطاء الإمام (عليه السلام) أصحابه التوسم هو من الأمور المهمة جداً لأن من خلاله يستطيعون التوسم بالناس فيعرفون خفايا ما يبطنون من كفر أو نفاق مع إنهم ربما في الظاهر لا يظهرون ذلك .
ولاسيما إن أصحاب القائم (عليه السلام) الثلاثمائة والثلاثة عشر هم وزراء وقادة في شتى بقاع العالم ، فهم بحاجة إلى ذلك العلم لكي يعرفوا من معهم ومن عليهم .
وأخيراً لابد من الإشارة إلى إن نصرة الإمام (عليه السلام) لا تقتصر على بني البشر فقط ، بل تأتي إلى نصرته الملائكة ، ومن جملتهم أربعة آلاف ملك مسومين .
فقد ورد عن إبان بن تغلب عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : ( كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على ظهر النجف ...... فإذا نشر راية رسول الله انحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك .... وأربعة آلاف مسومين ومردفين ...) بحار الأنوار ج19 ص305 ، غيبة النعماني ص309.
هذا وقد أشارت بعض الزيارات إلى ذلك الأمر منها زيارة الإمام المهدي (عليه السلام) تقول : ( وأيده بجنود من الملائكة مسومين وسلطة على أعداء دينك أجمعين ) بحار الأنوار ج99 ص87.
وهذا كله إن دل على شيء فهو يدل على التوسم وانتشاره في عصر قيام الإمام (عليه السلام) ، وإنه سيكون علامة على أصحاب وأنصار الإمام (عليه السلام) من الأنس والملائكة وبها يعرفون ، ومن خلالها يعرفون الموالين من الكفار والمنافقين .
تعليق