نقلاً عن كتاب ( سقيفة الغيبة ) من فكر السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني
سُنة عبادة الأصنام :
نشأت العبادة عند البشر منذ القدم فكان آدم ﴿عليه السلام﴾ أول العابدين وكان المولى تبارك وتعالى أول من عُبد، فهو المعبود المطلق في هذا الكون . إلا أن البشرية بعد وفاة آدم ﴿عليه السلام﴾ بدأت تنحرف شيئاً فشيئاً عن عبادة الله عز وجل وراح كل قوم يجعلون أو يصنعون لهم إلهاً يتقربون إليه ويقدموا القرابين والنذور وكل هذا بدسيسة من إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ فقد أغواهم بحبائله وهم لم يقصروا في طاعته والإنقياد لأوامره .
لقد ذكرت الأخبار الواردة عن أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أسرار عبادة الأصنام عند بني البشر والتي تعود إلى فترات بعيدة من التأريخ وإلى القصة التي وقعت في ذلك العهد القديم التي تحكي عن بدء عبادة الأصنام والتي كان محورها الأول وأصلها هو الإنسان نفسه .
فقد روي عن الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿إن إبليس اللعين هو أول من صور صورة على مثل آدم ﴿عليه السلام﴾ ليفتن به الناس ويضلهم عن عبادة الله تعالى، وكان ود في ولد قابيل، وكان خليفة قابيل على ولده وعلى من بحضرتهم في سفح الجبل يعظمونه ويسودونه فلما أن مات ود جزع عليه أخوته وخلّف عليهم ابناً يقال له سواع فلم يغن غنا أبيه منهم فأتاهم إبليس في صورة شيخ فقال : قد بلغني ما أصبتم به من موت ود عظيمكم، فهل لكم أن أصور لكم على مثال ود صورة تستريحون إليها وتستأنسون بها ؟ قالوا: أفعل، فعمد الخبيث إلى ألانك فأذابه حتى صار مثل الماء . ثم صور لهم مثال صورة ود في بيته فتدافعوا على الصورة يلثمونها ويضعون خدودهم عليها ويسجدون لها، وأحب سواع أن يكون التعظيم والسجود له، فوثب على صورة ود فحطمها حتى لم يدع منها شيئاً وهموا بقتل سواع، فوعظهم وقال : أنا أقوم لكم بما كان يقوم به ودا وأنا ابنه، فإن قتلتموني لم يكن لكم رئيس ، فمالوا إلى سواع بالطاعة والتعظيم .
فلم يلبث سواع أن مات وخلف ابنا يقال له : يغوث فجزعوا على سواع فأتاهم إبليس وقال : أنا الذي صورت لكم صورة ود فهل لكم أن اجعل لكم مثال سواع ؟ على وجه أن لا يستطيع أحداً أن يغيره .
قالوا : فأفعل ، فعمد إلى عمود فنجره ونصبه لهم في منزل سواع، وإنما سمي ذلك العمود خلافاً لأن إبليس عمل صورة سواع على خلاف صورة ود قالوا : فسجدوا له وعظموه وقالوا ليغوث : ما نأمنك على هذا الصنم ان تكيده كما كاد أبوك مثال ود ، فوضعوا على البيت حرّاساً وحاجباً ثم كانوا يأتون الصنم في يوم واحد ويعظمونه أشد ما كانوا يعظمون سواع ، فلما رأى ذلك يغوث قتل الحرس والحجاب ليلاً وجعل الصنم رميماً ، فلما بلغ ذلك أقبلوا ليقتلوه فتوارى منهم إلى أن طلبوه ورأسوه وعظموه .
ثم مات وخلف ابناً له يعوق فأتاه إبليس فقال : قد بلغني موت يغوث وأنا جاعل لكم مثاله في شيء لا يقدر احد إن يغيره قالوا : فأفعل ، فعمد الخبيث إلى حجر جرع ابيض فنقره بالحديد حتى صور لهم مثال يغوث، فعظموه اشد مما مضى وبنوا عليه بيتاً من حجر وتبايعوا أن لا يفتحوا باب ذلك البيت إلا في رأس كل سنة وسميت البيعة يومئذٍ ، بأنهم تبايعوا وتعاقدوا عليه فأشتد ذلك على يعوق ، فعمد إلى ربطه وسحبه فألقاها في الحاير ثم رماها بالنار ليلاً فأصبح القوم وقد احترق البيت والصنم والحرس ونظروا الصنم ملقى فجزعوا وهموا بقتل يعوق .
فقال لهم إن قتلتم رئيسكم فسدت أموركم فكفوا فلم يلبث أن مات يعوق وخلف ابناً يقال له نسرا حتى أتاهم إبليس فقال : بلغني موت عظيمكم فأنا جاعل لكم يعوق على أن لا يبلى . فقالوا : أفعل فعمد إلى الذهب وأوقد عليه النار حتى صار كالماء وعمل مثالاً من الطين على صورة يعوق ثم افرغ الذهب فيه ونصبه لهم في ديرهم ، وأشتد ذلك على نسر ولم يقدر على دخول تلك الدير فأنحاز عنهم في فرقة قليلة من إخوته يعبدون نسرا والآخرون يعبدون الصنم حتى مات نسر وظهرت نبوة إدريس فبلغه حال القوم وإنهم يعبدون جسماً على مثال يعوق وان نسراً كان يعبد من دون الله فصار إليهم بمن معه حتى نزل مدينة نسر وهم فيها فهزمهم وقتل من قتل وهرب من هرب فتفرقوا في البلاد وأمروا بالصنم فحمل وألقي في البحر فاتخذت كل فرقة منهم صنماً وسموها بأسمائهم فلم يزالوا بعد ذلك قرناً بعد قرن لا يعرفون إلا تلك الأسماء .
ثم ظهرت نبوة نوح ﴿عليه السلام﴾ فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام فقال : بعضهم لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعا ًولا يغوث ويعوق ونسراً﴾﴿ ﴾
تبين للقارئ الكريم مما تقدم إن عبادة الأصنام دارت أول الأمر حول الإنسان بدليل أن الناس أول من اتخذوا الأصنام كانت على أشكال أو صور عظمائهم وساداتهم لتكون لهم أنسا ولفقدهم عزاءً وليذكروا أولئك العظماء بهم حتى تطور الأمر بمرور الأيام فقاموا بعبادة تلك الأصنام .
كان المساعد الأول لهذا التطور هو إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ أو بعبارة أدق دس إليهم عبادة أولئك العظماء بشيء من العسل عن طريق شغل أذهانهم بتلك الأصنام التي صنعها لهم وجعلهم يعكفوا على عبادتها وتعظيمها وتقديسها دون عبادة الله الواحد الأحد .
ولا يتصور الإنسان انه يستطيع فهم طرق إبليس اللعين ومعرفة حيله فإن حيل هذا اللعين تتغير بمرور الزمن إلا أن هدفه واحد وهو شغل الناس عن عبادة الله فتارة يصنع صنماً من خشب وتارة من حجارة وهذا في بادئ الأمر عندما كان الإنسان ذو عقلية محدودة فبعد أن بدأت طبقة من المجتمع تفهم إستحالة كون الصنم الحجري أو الخشبي هو الخالق أو يقرب إلى الخالق ونتيجة لهذا الفهم بدأ إبليس بالتفكير بصنم جديد يلهي العباد عن عبادة الله ونجح في هذه المهمة أيضاً فقد أتخذ إبليس اللعين خدعة جديدة لتكوين صنم من البشر يضعه بين الناس يأمرهم وينهاهم وهذا الصنم يختلف اختلافاً جذرياً عن سابقه حيث أن الأصنام الجديدة التي صنعها إبليس لها ألسن تتكلم ولها أذان تسمع لأنها أصنام بشرية بقلوب حجرية .
أستخدم إبليس هذه الأصنام مع اليهود والنصارى واستطاع أن يجلب الناس لعبادتهم من دون الله قال تعالى : ﴿ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ﴾﴿ ﴾
إن هذه الأصنام الجديدة لم يصلي لها الناس ولم يصوموا لها بل اطاعوها فيما يغضب الله حين احلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فعبدهم الناس من حيث لا يشعرون ولذلك قال الصادق ﴿عليه السلام﴾ : ﴿أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم ما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون﴾﴿ ﴾
إن هذه النوعية من الأصنام استمرت إلى يومنا هذا وستستمر إلى ظهور القائم ﴿عليه السلام﴾ فقد أتخذ كثيراً من الناس في زماننا هذا أصنام بمختلف الأشكال فمنها أفكار يؤمن بها أصحابها فتشغلهم عن ذكر الله وعبادته ومنها بل وأخطرها ما تمثلت بشخصيات ورموز كبيرة في المجتمع المسلم أضحت تعبد من دون الله تعالى وهي في منافسة مستمرة فيما بينها للحصول على المكانة المتقدمة والمنزلة الرفيعة لتكون الصنم رقم واحد في المجتمع وأن هذه الرموز التي أتخذها الناس أصنام مسموعة الكلام بل ويضحي الناس بأموالهم وأنفسهم في سبيل نصرتهم والإنقياد لهم وهذا تطور كبير قد أحدثه إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ في هذه الأصنام الجديدة .
إن هذه الأصنام هي مما يبتلي به القائم من آل محمد ﴿عليه السلام﴾ قبيل وعند قيامه المقدس مما يراه من الناس وتكالبهم على عبادة مثل تلكم الأصنام .
ومما يؤكد وجود هذه الأوثان في زمن الظهور بل قبله بازمان هو ما ورد في زيارة صاحب الزمان ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ وأقم بسلطانه كل سلطان ، واقمع به عبدة الأوثان ، وشرف به أهل القرآن والإيمان ﴾﴿ ﴾
وجاء أيضاً عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان﴾﴿ ﴾
وقد علق العلامة المجلسي على هذه الرواية قائلاً : ﴿لعل المراد أن أكثر أعوان الحق وأنصار التشيع في هذا اليوم جماعة لا نصيب لهم في الدين ولو ظهر الأمر وخرج القائم يخرج من هذا الدين من يعلم الناس أنه كان مقيما على عبادة الأوثان حقيقة أو مجازا وكان الناس يحسبونه مؤمنا...﴾ ﴿ ﴾
إن عبادة الأوثان تطلق تارة على الحقيقة وتارة على المجاز والحقيقة قد عرفناها وهي عبادة الصنم الحجري أو غيره مما صنعه الإنسان أما المجاز فإنه يطلق على من يتخذ الأوثان بأشكالها الجديدة التي إستحدثها إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ وستكون هذه الأصنام الجديدة هي المانع الأول من نصرة القائم ﴿عليه السلام﴾ مع العلم بأن أتباعهم من أشد الناس حرصاً على نصرة المهدي ﴿عليه السلام﴾ إلا أن تلكم الأصنام ستمنعهم من النصرة ولذلك قال الإمام ﴿عليه السلام﴾ بأنه سيخرج من أمره عبدة الأوثان وبالحقيقة أنهم كانوا يتصورون بأنهم داخل الأمر إلا أنهم سيخرجون من أمر القائم ﴿عليه السلام﴾ حين ظهوره بسبب طاعتهم ومودتهم لتلكم الأصنام التي ستكون في معسكر الضد .
إن مسألة عبادة البشر من المسائل التي حذرنا منها أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وفي أكثر من خبر منها ما جاء عن الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿ من أجاب ناطقا فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان﴾﴿ ﴾ .
إن مسألة الإصغاء إلى أقوال الرجال دون التحقق من كلامهم هي عبادة بحد ذاتها وقد أمرنا أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بأجتنابها إلا إننا ومع شديد الاسف قد أعرضنا عن أوامر أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ مما جعل هذا المرض يتأصل فينا حتى أصبحت أصنام هذا الزمان أشد فتكاً بعقولنا من أصنام السابقين .
لو عدنا إلى أصل العبادة سواءً أكانت لله عز وجل أو للأصنام على اختلاف أنواعها لوجدنا أن الإنسان مجبول على العبودية وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها والعلة في إيجادهم وعليه فإن الإنسان في كل زمان ومكان وعلى كل حال تنزع نفسه إلى العبادة وإلى التعلق بذات مقدسة، سيما أنها السبب وراء إيجاده وإيجاد هذا الكون كله وأنه لا ينفك عن الحاجة إليها واستغاثتها والاستعانة بها في الملمات وهذا ما تشترك به البشرية مشركها ومسلمها، برها وفاجرها .
ففي رواية أن رجلاً جاء إلى الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ وسألة قائلاً : ﴿يا أبن رسول الله دلني على الله ما هو ؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني .
فقال ﴿عليه السلام﴾ : يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟
قال : نعم .
قال ﴿عليه السلام﴾ : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟
قال : نعم .
قال ﴿عليه السلام﴾ : فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟
فقال : نعم .
قال الصادق ﴿عليه السلام﴾ : فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي وعلى الإغاثة حيث لا مغيث ﴾﴿ ﴾
إن الحاجة إلى المغيث والمنجي حاجة يشترك في إحتياجها حتى الملاحدة الذين لا يؤمنون بوجود الله عز وجل ويعزون هذا الكون وخلقه إلى صنع الطبيعة وغيرها، لكن إذا ما أحسوا بخطر ما فإنه يتعلق قلبهم بشيء أقوى من الطبيعة وذلك هو الله عز وجل لأنهم في هذه الحالة قد أحسوا بفطرتهم التي فطروا عليها.
إلا أن أغلب الناس ميالون بطبعهم إلى الملموسات دون المحسوسات وينظرون إلى الأشياء نظرة مادية صرفة مما جعلهم يقعون في مفارقة كانت سبباً مباشراً لأغواء إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ في إتخاذهم الأصنام وعبادتها لذا نجد بني البشر وعلى مر العصور ما كفوا عن مطالبة أنبيائهم أن يجعلونهم يرون الله عز وجل لتطمئن قلوبهم ويركنوا إلى عبادته على إعتبار إنهم سيشاهدوه بأم أعينهم ويصبح أمرا واقعاً لديهم وهذا مما زينه لهم إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ وقد ذكر
القرآن الكريم الكثير من الشواهد على حصول مثل تلك الحالة في الأمم والأقوام الغابرة ، من ذلك طلب بني إسرائيل لنبي الله موسى ﴿عليه السلام﴾ إن يريهم ربه وهو قول الله تعالى : ﴿يَسْأَلُكَ أهل الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾﴿ ﴾
إن نظرية أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ قائمة على أساس أن للإنسان جانب مادي وجانب روحي، فعلى الإنسان والحال هذه أن ينظر إلى الله عز وجل بقلبه وفكره لا بعينه المجردة وأن ما يرى في تلك العين المجردة هي مصاديق ودلائل على وجود الله سبحانه وتعالى .
إن هذه النظرية أكد عليها أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ ودأبوا على تربية الناس عليها وعلى ذات النسق من التربية التي رباهم الله عز وجل عليها فقد جاء عن أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿... لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان﴾﴿ ﴾ . لذا وجب على الإنسان الأخذ بهذه النظرية وإلا وقع في المحذور من الركون إلى عبادة الأصنام حجرية كانت أم بشرية أم غيرها من دون الله عزوجل مما لا يضرهم ولا ينفعهم في شيء وذلك لأن أساس كل شيء معرفته ، وإنما يعبد الله من عرف الله فأما من لا يعرفه فكأنما يعبد غيره .
وفلسفة عبادة الأصنام منذ فجر التأريخ إلى يومنا هذا قائمة على ثلاث أنواع أو ثلاث اتجاهات وكان الناس فيها مختلفين فمنهم من عبد الأصنام خالصة من دون الله كما هو الحال في بعض الأمم والأقوام السابقة وهو الصنف الأول ، أما الصنف الثاني فَهُم من يجعل الأصنام مشاركة للبارئ تعالى ذكره وتطلق عليها لفظ الشريك ومن ذلك قولهم في التلبية : ﴿ لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك﴾ .
أما الصنف الثالث فَهُم من لا يطلق على الأصنام لفظ الشريك بل يجعلونها وسائل وذرائع إلى الخالق سبحانه وأنهم ما يعبدوها إلا لتقربهم إلى الله زلفى قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى﴾﴿ ﴾
والصنف الثالث هو الأخطر على بني البشر وهو ما أبتلي به زماننا مثلما أبتلي به زمان من تقدمنا من الناس إذ أن الناس صاروا يعبدون أصناماً مدعين أنهم يقربونهم إلى الله وهذه الأصنام ستحارب الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ عند قيامه الشريف بل سيلاقي منهم اشد مما لاقى رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليم﴾ لأن هذه الأصنام كما قلنا لها ألسن تتكلم وسوف تستغل هذه الصفة لتتأول على الإمام ﴿عليه السلام﴾ الكتاب ويقاتلونه عليه فقد جاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿إن القائم ﴿عليه السلام﴾ يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ، لأن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة ، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلون عليه ﴾﴿ ﴾.
ومن المعروف إن مسألة تأويل الكتاب ليست من المسائل التي في أيدي جميع الناس بل أن هنالك فئة من المجتمع تكون قادرة على تأويل الكتاب بما ينسجم مع آرائهم العقلية التي استنبطوها بعقولهم القاصرة وزين لهم حسنها إبليس اللعين وهؤلاء المستنبطون سيكونون ناطقين عن لسان إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ وبهذا نفهم بأن الإصغاء لهؤلاء سيكون بمثابة العبادة لهم كما قال الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ من أجاب ناطقا فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ﴾﴿ ﴾
إن هذه الأصنام الجديدة القديمة التي استحدثها إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ مع اليهود والنصارى عاد لاستعمالها مع المسلمين تارة أخرى وأستطاع بها أبعاد الناس عن عبادة الله عزوجل وأنساهم بها ذكر ربهم وعبادته وجعلهم يعبدونها ويقلدونها وهذا هو الضلال المبين . وسيستخدم إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ هذه الأصنام التي عدها منذ سنين لمحاربة المهدي من آل محمد ﴿عليه السلام﴾ وسيبذل كل ما لديه من الطاقات لمحاربة ذلك اليوم الموعود وهو يعلم كل العلم أن نهايته فيه ولذلك فهو يبذل كل ما لديه لتأخير هذا اليوم قدر المستطاع .
سُنة عبادة الأصنام :
نشأت العبادة عند البشر منذ القدم فكان آدم ﴿عليه السلام﴾ أول العابدين وكان المولى تبارك وتعالى أول من عُبد، فهو المعبود المطلق في هذا الكون . إلا أن البشرية بعد وفاة آدم ﴿عليه السلام﴾ بدأت تنحرف شيئاً فشيئاً عن عبادة الله عز وجل وراح كل قوم يجعلون أو يصنعون لهم إلهاً يتقربون إليه ويقدموا القرابين والنذور وكل هذا بدسيسة من إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ فقد أغواهم بحبائله وهم لم يقصروا في طاعته والإنقياد لأوامره .
لقد ذكرت الأخبار الواردة عن أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ أسرار عبادة الأصنام عند بني البشر والتي تعود إلى فترات بعيدة من التأريخ وإلى القصة التي وقعت في ذلك العهد القديم التي تحكي عن بدء عبادة الأصنام والتي كان محورها الأول وأصلها هو الإنسان نفسه .
فقد روي عن الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿إن إبليس اللعين هو أول من صور صورة على مثل آدم ﴿عليه السلام﴾ ليفتن به الناس ويضلهم عن عبادة الله تعالى، وكان ود في ولد قابيل، وكان خليفة قابيل على ولده وعلى من بحضرتهم في سفح الجبل يعظمونه ويسودونه فلما أن مات ود جزع عليه أخوته وخلّف عليهم ابناً يقال له سواع فلم يغن غنا أبيه منهم فأتاهم إبليس في صورة شيخ فقال : قد بلغني ما أصبتم به من موت ود عظيمكم، فهل لكم أن أصور لكم على مثال ود صورة تستريحون إليها وتستأنسون بها ؟ قالوا: أفعل، فعمد الخبيث إلى ألانك فأذابه حتى صار مثل الماء . ثم صور لهم مثال صورة ود في بيته فتدافعوا على الصورة يلثمونها ويضعون خدودهم عليها ويسجدون لها، وأحب سواع أن يكون التعظيم والسجود له، فوثب على صورة ود فحطمها حتى لم يدع منها شيئاً وهموا بقتل سواع، فوعظهم وقال : أنا أقوم لكم بما كان يقوم به ودا وأنا ابنه، فإن قتلتموني لم يكن لكم رئيس ، فمالوا إلى سواع بالطاعة والتعظيم .
فلم يلبث سواع أن مات وخلف ابنا يقال له : يغوث فجزعوا على سواع فأتاهم إبليس وقال : أنا الذي صورت لكم صورة ود فهل لكم أن اجعل لكم مثال سواع ؟ على وجه أن لا يستطيع أحداً أن يغيره .
قالوا : فأفعل ، فعمد إلى عمود فنجره ونصبه لهم في منزل سواع، وإنما سمي ذلك العمود خلافاً لأن إبليس عمل صورة سواع على خلاف صورة ود قالوا : فسجدوا له وعظموه وقالوا ليغوث : ما نأمنك على هذا الصنم ان تكيده كما كاد أبوك مثال ود ، فوضعوا على البيت حرّاساً وحاجباً ثم كانوا يأتون الصنم في يوم واحد ويعظمونه أشد ما كانوا يعظمون سواع ، فلما رأى ذلك يغوث قتل الحرس والحجاب ليلاً وجعل الصنم رميماً ، فلما بلغ ذلك أقبلوا ليقتلوه فتوارى منهم إلى أن طلبوه ورأسوه وعظموه .
ثم مات وخلف ابناً له يعوق فأتاه إبليس فقال : قد بلغني موت يغوث وأنا جاعل لكم مثاله في شيء لا يقدر احد إن يغيره قالوا : فأفعل ، فعمد الخبيث إلى حجر جرع ابيض فنقره بالحديد حتى صور لهم مثال يغوث، فعظموه اشد مما مضى وبنوا عليه بيتاً من حجر وتبايعوا أن لا يفتحوا باب ذلك البيت إلا في رأس كل سنة وسميت البيعة يومئذٍ ، بأنهم تبايعوا وتعاقدوا عليه فأشتد ذلك على يعوق ، فعمد إلى ربطه وسحبه فألقاها في الحاير ثم رماها بالنار ليلاً فأصبح القوم وقد احترق البيت والصنم والحرس ونظروا الصنم ملقى فجزعوا وهموا بقتل يعوق .
فقال لهم إن قتلتم رئيسكم فسدت أموركم فكفوا فلم يلبث أن مات يعوق وخلف ابناً يقال له نسرا حتى أتاهم إبليس فقال : بلغني موت عظيمكم فأنا جاعل لكم يعوق على أن لا يبلى . فقالوا : أفعل فعمد إلى الذهب وأوقد عليه النار حتى صار كالماء وعمل مثالاً من الطين على صورة يعوق ثم افرغ الذهب فيه ونصبه لهم في ديرهم ، وأشتد ذلك على نسر ولم يقدر على دخول تلك الدير فأنحاز عنهم في فرقة قليلة من إخوته يعبدون نسرا والآخرون يعبدون الصنم حتى مات نسر وظهرت نبوة إدريس فبلغه حال القوم وإنهم يعبدون جسماً على مثال يعوق وان نسراً كان يعبد من دون الله فصار إليهم بمن معه حتى نزل مدينة نسر وهم فيها فهزمهم وقتل من قتل وهرب من هرب فتفرقوا في البلاد وأمروا بالصنم فحمل وألقي في البحر فاتخذت كل فرقة منهم صنماً وسموها بأسمائهم فلم يزالوا بعد ذلك قرناً بعد قرن لا يعرفون إلا تلك الأسماء .
ثم ظهرت نبوة نوح ﴿عليه السلام﴾ فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام فقال : بعضهم لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعا ًولا يغوث ويعوق ونسراً﴾﴿ ﴾
تبين للقارئ الكريم مما تقدم إن عبادة الأصنام دارت أول الأمر حول الإنسان بدليل أن الناس أول من اتخذوا الأصنام كانت على أشكال أو صور عظمائهم وساداتهم لتكون لهم أنسا ولفقدهم عزاءً وليذكروا أولئك العظماء بهم حتى تطور الأمر بمرور الأيام فقاموا بعبادة تلك الأصنام .
كان المساعد الأول لهذا التطور هو إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ أو بعبارة أدق دس إليهم عبادة أولئك العظماء بشيء من العسل عن طريق شغل أذهانهم بتلك الأصنام التي صنعها لهم وجعلهم يعكفوا على عبادتها وتعظيمها وتقديسها دون عبادة الله الواحد الأحد .
ولا يتصور الإنسان انه يستطيع فهم طرق إبليس اللعين ومعرفة حيله فإن حيل هذا اللعين تتغير بمرور الزمن إلا أن هدفه واحد وهو شغل الناس عن عبادة الله فتارة يصنع صنماً من خشب وتارة من حجارة وهذا في بادئ الأمر عندما كان الإنسان ذو عقلية محدودة فبعد أن بدأت طبقة من المجتمع تفهم إستحالة كون الصنم الحجري أو الخشبي هو الخالق أو يقرب إلى الخالق ونتيجة لهذا الفهم بدأ إبليس بالتفكير بصنم جديد يلهي العباد عن عبادة الله ونجح في هذه المهمة أيضاً فقد أتخذ إبليس اللعين خدعة جديدة لتكوين صنم من البشر يضعه بين الناس يأمرهم وينهاهم وهذا الصنم يختلف اختلافاً جذرياً عن سابقه حيث أن الأصنام الجديدة التي صنعها إبليس لها ألسن تتكلم ولها أذان تسمع لأنها أصنام بشرية بقلوب حجرية .
أستخدم إبليس هذه الأصنام مع اليهود والنصارى واستطاع أن يجلب الناس لعبادتهم من دون الله قال تعالى : ﴿ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ﴾﴿ ﴾
إن هذه الأصنام الجديدة لم يصلي لها الناس ولم يصوموا لها بل اطاعوها فيما يغضب الله حين احلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فعبدهم الناس من حيث لا يشعرون ولذلك قال الصادق ﴿عليه السلام﴾ : ﴿أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم ما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون﴾﴿ ﴾
إن هذه النوعية من الأصنام استمرت إلى يومنا هذا وستستمر إلى ظهور القائم ﴿عليه السلام﴾ فقد أتخذ كثيراً من الناس في زماننا هذا أصنام بمختلف الأشكال فمنها أفكار يؤمن بها أصحابها فتشغلهم عن ذكر الله وعبادته ومنها بل وأخطرها ما تمثلت بشخصيات ورموز كبيرة في المجتمع المسلم أضحت تعبد من دون الله تعالى وهي في منافسة مستمرة فيما بينها للحصول على المكانة المتقدمة والمنزلة الرفيعة لتكون الصنم رقم واحد في المجتمع وأن هذه الرموز التي أتخذها الناس أصنام مسموعة الكلام بل ويضحي الناس بأموالهم وأنفسهم في سبيل نصرتهم والإنقياد لهم وهذا تطور كبير قد أحدثه إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ في هذه الأصنام الجديدة .
إن هذه الأصنام هي مما يبتلي به القائم من آل محمد ﴿عليه السلام﴾ قبيل وعند قيامه المقدس مما يراه من الناس وتكالبهم على عبادة مثل تلكم الأصنام .
ومما يؤكد وجود هذه الأوثان في زمن الظهور بل قبله بازمان هو ما ورد في زيارة صاحب الزمان ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ وأقم بسلطانه كل سلطان ، واقمع به عبدة الأوثان ، وشرف به أهل القرآن والإيمان ﴾﴿ ﴾
وجاء أيضاً عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله ﴿عليه السلام﴾ : ﴿لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان﴾﴿ ﴾
وقد علق العلامة المجلسي على هذه الرواية قائلاً : ﴿لعل المراد أن أكثر أعوان الحق وأنصار التشيع في هذا اليوم جماعة لا نصيب لهم في الدين ولو ظهر الأمر وخرج القائم يخرج من هذا الدين من يعلم الناس أنه كان مقيما على عبادة الأوثان حقيقة أو مجازا وكان الناس يحسبونه مؤمنا...﴾ ﴿ ﴾
إن عبادة الأوثان تطلق تارة على الحقيقة وتارة على المجاز والحقيقة قد عرفناها وهي عبادة الصنم الحجري أو غيره مما صنعه الإنسان أما المجاز فإنه يطلق على من يتخذ الأوثان بأشكالها الجديدة التي إستحدثها إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ وستكون هذه الأصنام الجديدة هي المانع الأول من نصرة القائم ﴿عليه السلام﴾ مع العلم بأن أتباعهم من أشد الناس حرصاً على نصرة المهدي ﴿عليه السلام﴾ إلا أن تلكم الأصنام ستمنعهم من النصرة ولذلك قال الإمام ﴿عليه السلام﴾ بأنه سيخرج من أمره عبدة الأوثان وبالحقيقة أنهم كانوا يتصورون بأنهم داخل الأمر إلا أنهم سيخرجون من أمر القائم ﴿عليه السلام﴾ حين ظهوره بسبب طاعتهم ومودتهم لتلكم الأصنام التي ستكون في معسكر الضد .
إن مسألة عبادة البشر من المسائل التي حذرنا منها أئمة أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ وفي أكثر من خبر منها ما جاء عن الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿ من أجاب ناطقا فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان﴾﴿ ﴾ .
إن مسألة الإصغاء إلى أقوال الرجال دون التحقق من كلامهم هي عبادة بحد ذاتها وقد أمرنا أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ بأجتنابها إلا إننا ومع شديد الاسف قد أعرضنا عن أوامر أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ مما جعل هذا المرض يتأصل فينا حتى أصبحت أصنام هذا الزمان أشد فتكاً بعقولنا من أصنام السابقين .
لو عدنا إلى أصل العبادة سواءً أكانت لله عز وجل أو للأصنام على اختلاف أنواعها لوجدنا أن الإنسان مجبول على العبودية وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها والعلة في إيجادهم وعليه فإن الإنسان في كل زمان ومكان وعلى كل حال تنزع نفسه إلى العبادة وإلى التعلق بذات مقدسة، سيما أنها السبب وراء إيجاده وإيجاد هذا الكون كله وأنه لا ينفك عن الحاجة إليها واستغاثتها والاستعانة بها في الملمات وهذا ما تشترك به البشرية مشركها ومسلمها، برها وفاجرها .
ففي رواية أن رجلاً جاء إلى الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ وسألة قائلاً : ﴿يا أبن رسول الله دلني على الله ما هو ؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني .
فقال ﴿عليه السلام﴾ : يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟
قال : نعم .
قال ﴿عليه السلام﴾ : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟
قال : نعم .
قال ﴿عليه السلام﴾ : فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟
فقال : نعم .
قال الصادق ﴿عليه السلام﴾ : فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي وعلى الإغاثة حيث لا مغيث ﴾﴿ ﴾
إن الحاجة إلى المغيث والمنجي حاجة يشترك في إحتياجها حتى الملاحدة الذين لا يؤمنون بوجود الله عز وجل ويعزون هذا الكون وخلقه إلى صنع الطبيعة وغيرها، لكن إذا ما أحسوا بخطر ما فإنه يتعلق قلبهم بشيء أقوى من الطبيعة وذلك هو الله عز وجل لأنهم في هذه الحالة قد أحسوا بفطرتهم التي فطروا عليها.
إلا أن أغلب الناس ميالون بطبعهم إلى الملموسات دون المحسوسات وينظرون إلى الأشياء نظرة مادية صرفة مما جعلهم يقعون في مفارقة كانت سبباً مباشراً لأغواء إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ في إتخاذهم الأصنام وعبادتها لذا نجد بني البشر وعلى مر العصور ما كفوا عن مطالبة أنبيائهم أن يجعلونهم يرون الله عز وجل لتطمئن قلوبهم ويركنوا إلى عبادته على إعتبار إنهم سيشاهدوه بأم أعينهم ويصبح أمرا واقعاً لديهم وهذا مما زينه لهم إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ وقد ذكر
القرآن الكريم الكثير من الشواهد على حصول مثل تلك الحالة في الأمم والأقوام الغابرة ، من ذلك طلب بني إسرائيل لنبي الله موسى ﴿عليه السلام﴾ إن يريهم ربه وهو قول الله تعالى : ﴿يَسْأَلُكَ أهل الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾﴿ ﴾
إن نظرية أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ قائمة على أساس أن للإنسان جانب مادي وجانب روحي، فعلى الإنسان والحال هذه أن ينظر إلى الله عز وجل بقلبه وفكره لا بعينه المجردة وأن ما يرى في تلك العين المجردة هي مصاديق ودلائل على وجود الله سبحانه وتعالى .
إن هذه النظرية أكد عليها أهل البيت ﴿عليهم السلام﴾ ودأبوا على تربية الناس عليها وعلى ذات النسق من التربية التي رباهم الله عز وجل عليها فقد جاء عن أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾ أنه قال : ﴿... لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان﴾﴿ ﴾ . لذا وجب على الإنسان الأخذ بهذه النظرية وإلا وقع في المحذور من الركون إلى عبادة الأصنام حجرية كانت أم بشرية أم غيرها من دون الله عزوجل مما لا يضرهم ولا ينفعهم في شيء وذلك لأن أساس كل شيء معرفته ، وإنما يعبد الله من عرف الله فأما من لا يعرفه فكأنما يعبد غيره .
وفلسفة عبادة الأصنام منذ فجر التأريخ إلى يومنا هذا قائمة على ثلاث أنواع أو ثلاث اتجاهات وكان الناس فيها مختلفين فمنهم من عبد الأصنام خالصة من دون الله كما هو الحال في بعض الأمم والأقوام السابقة وهو الصنف الأول ، أما الصنف الثاني فَهُم من يجعل الأصنام مشاركة للبارئ تعالى ذكره وتطلق عليها لفظ الشريك ومن ذلك قولهم في التلبية : ﴿ لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك﴾ .
أما الصنف الثالث فَهُم من لا يطلق على الأصنام لفظ الشريك بل يجعلونها وسائل وذرائع إلى الخالق سبحانه وأنهم ما يعبدوها إلا لتقربهم إلى الله زلفى قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى﴾﴿ ﴾
والصنف الثالث هو الأخطر على بني البشر وهو ما أبتلي به زماننا مثلما أبتلي به زمان من تقدمنا من الناس إذ أن الناس صاروا يعبدون أصناماً مدعين أنهم يقربونهم إلى الله وهذه الأصنام ستحارب الإمام المهدي ﴿عليه السلام﴾ عند قيامه الشريف بل سيلاقي منهم اشد مما لاقى رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليم﴾ لأن هذه الأصنام كما قلنا لها ألسن تتكلم وسوف تستغل هذه الصفة لتتأول على الإمام ﴿عليه السلام﴾ الكتاب ويقاتلونه عليه فقد جاء عن أبي عبد الله ﴿عليه السلام﴾ انه قال : ﴿إن القائم ﴿عليه السلام﴾ يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ ، لأن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم تسليما﴾ أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة ، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلون عليه ﴾﴿ ﴾.
ومن المعروف إن مسألة تأويل الكتاب ليست من المسائل التي في أيدي جميع الناس بل أن هنالك فئة من المجتمع تكون قادرة على تأويل الكتاب بما ينسجم مع آرائهم العقلية التي استنبطوها بعقولهم القاصرة وزين لهم حسنها إبليس اللعين وهؤلاء المستنبطون سيكونون ناطقين عن لسان إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ وبهذا نفهم بأن الإصغاء لهؤلاء سيكون بمثابة العبادة لهم كما قال الإمام الصادق ﴿عليه السلام﴾ : ﴿ من أجاب ناطقا فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ﴾﴿ ﴾
إن هذه الأصنام الجديدة القديمة التي استحدثها إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ مع اليهود والنصارى عاد لاستعمالها مع المسلمين تارة أخرى وأستطاع بها أبعاد الناس عن عبادة الله عزوجل وأنساهم بها ذكر ربهم وعبادته وجعلهم يعبدونها ويقلدونها وهذا هو الضلال المبين . وسيستخدم إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ هذه الأصنام التي عدها منذ سنين لمحاربة المهدي من آل محمد ﴿عليه السلام﴾ وسيبذل كل ما لديه من الطاقات لمحاربة ذلك اليوم الموعود وهو يعلم كل العلم أن نهايته فيه ولذلك فهو يبذل كل ما لديه لتأخير هذا اليوم قدر المستطاع .
تعليق