روايات وإشكالات نحلها لكم من فكر السيد القحطاني
من كتاب
صاحب هذا الامر
من فكر السيد ابو عبد الله الحسين القحطاني
اشتملت الكثير من الأحاديث النبوية والروايات المعصومية الواردة في أمر الإمام المهدي (عليه السلام) على عدة ألفاظ فمرة يرد الحديث أو ترد الرواية بلفظة صاحب هذا الأمر ومره بلفظة القائم وأخرى بلفظة المهدي كما ذكرنا في مقدمة هذا البحث لكن المتأمل والمتفكر في تلك الأخبار يجد تعارضا واضحا في بعضها أو يجد بعض الأخبار التي لا يمكن حملها على الإمام المهدي (عليه السلام) بل ان بعضها لا يمكن تصور انها تعني الإمام المهدي (عليه السلام) واليك عزيزي القارئ بعض تلك الأخبار مع ما يرد عليها من إشكالات وتساؤلات:
1- عن المفضل بن عمر قال :-
( سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ان لصاحب هذا الأمر غيبتين : يرجع في أحداهما إلى أهله والأخرى يقال : هلك في أي واد سلك , قلت : كيف نصنع إذا كان ذلك ؟ قال ان ادعى مدع فأسالوه عن تلك العظائم التي يجب فيها مثله)( الكافي ، ج1 ، ص340 ، ح20 ).
مما لا يخفى ان للإمام المهدي (عليه السلام) غيبتين وهما الغيبة الصغرى التي بدأت بعد توليه لأمر الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وانتهت بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري (رض) ثم ابتدأت بعدها مباشرة الغيبة الكبرى التي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا .
ولكن يرد على الرواية المتقدمة إشكالان :
الأول هو ان الإمام المهدي (عليه السلام) وبعد ان انتهت الغيبة الصغرى لم يكن له أهل ليرجع إليهم فوالدته السيدة نرجس قد توفيت وأبيه الإمام العسكري (عليه السلام) توفي والإمام في الخامسة من عمره .
إذن فما معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام) في الرواية المتقدمة :
( يرجع إلى أهله )؟ !
والثانية يرد أيضاً ان المسلمين ينقسمون في اعتقادهم بالإمام المهدي إلى قسمين القسم الأول وهم من يعتقدون ان الإمام المهدي يولد في آخر الزمان وهو غير موجود الآن ولكن إذا آن أوان خروجه يولد ويقوم بعد ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى وهذا الاعتقاد هو ما عليه أهل السنة .
واما القسم الثاني فإنهم يعتقدون ان الإمام المهدي ولد وغاب وهو ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وسوف يخرج في آخر الزمان بعد طول الغيبة ليملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد ما ملئت ظلماً وجورا ، وهذا الاعتقاد هو ما عليه الشيعة اليوم ولكن التساؤل الذي يرد على الرواية المتقدمة هو ما معنى قول الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (والأخرى يقال : هلك في أي وادٍ سلك) .
فإننا لا يمكن ان نتصور ان السنة يقولون ذلك لأنهم كما ذكرنا لا يعتقدون بولادة الإمام المهدي فضلاً عن غيبته وهذا الكلام كما هو واضح يتحدث عن شخص مولود وحي ثم يقال عنه انه هلك أي مات أو انه غاب وابتعد .
كما اننا في نفس الوقت لا يمكن ان نتصور بحال من الأحوال ان الشيعة يقولون بهذا القول وهو (( مات أو هلك في أي وادٍ سلك )) وذلك لأنه خلاف ما عليه عقيدتهم التي تربى عليها الطفل الصغير ومات عليها الشيخ الكبير.
2- عن أبي بصير قال : ( سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول : في صاحب هذا الأمر سنة من أربعة أنبياء : سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) – إلى ان قال – قلت فما سنة يوسف ؟
قال : السجن والغيبة ......)( غيبة النعماني ).
والتساؤل هنا هو كيف نستطيع ان نتصور ان الإمام المهدي (عليه السلام) يسجن ؟! أو من هو الذي يستطيع سجن الإمام ، وإذا كان كذلك فمتى يكون ذلك السجن ؟! هل كان قبل الغيبة الصغرى يا ترى ؟! أم انه وقع أو يقع في أثناء الغيبة الكبرى ؟! أو ان ذلك يكون في آخر الزمان بعد ان يخرج ويقيم دولة العدل الإلهي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ؟! .
3- عن أبي خالد الكابلي قال :- ( لما مضى علي بن الحسين (عليه السلام) دخلت على محمد بن علي (عليه السلام) فقلت له : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وانسي به ووحشتي من الناس ، قال : صدقت يا أبا خالد ، تريد ماذا ؟ قلت : جعلت فداك لقد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده .
قال : فتريد ماذا يا أبا خالد ؟
قلت : أريد ان تسميه لي حتى اعرفه باسمه .
فقال : سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به احد ، ولو كنت محدثاً به احد لحدثتك ، ولقد سألتني عن أمر لو ان بني فاطمة عرفوه حرصوا على ان يقطعوه بضعة بضعةً)( غيبة النعماني ).
ويرد على هذه الرواية ان الإمام الباقر (عليه السلام) يخبرنا بعدم امكان تسمية صاحب هذا الأمر وانه لو كان ذلك من الممكن لكان قد ذكره لأبي خالد .
كما يذكر لنا الباقر (عليه السلام) ان بني فاطمة لو عرفوا صاحب هذا الأمر باسمه لقتلوه ولقطعوه بضعة بضعة .
وبناءاً على هذه الرواية التي وردت بلفظة صاحب هذا الأمر أقول لو كان المقصود بصاحب هذا الأمر هو الإمام المهدي (عليه السلام) فكيف خفي على رجل كأبي خالد الكابلي وهو من قضى عمره في صحبة الإمام زين العابدين وكان لا يخالط الناس ؟
حيث كان جُل وقته يقضيه معه (عليه السلام) وهو أيضاً من أصحاب الباقر (عليه السلام) كيف خفي عليه اسم الإمام المهدي (عليه السلام) ؟ الذي جاءت الأحاديث والروايات بذكره ، وهي كثيرة جداً كما لا يخفى على أحد .
ثم ما معنى ان الإمام علي ابن الحسين (عليه السلام) يذكر صاحب هذا الأمر بصفته ولا يسميه لأقرب أصحابه وان الباقر (عليه السلام) يقول ما كنت محدثاً به احد وانه (عليه السلام) لا يحدث به احد إطلاقاً ثم ما معنى قوله (عليه السلام) : ( لو ان بني فاطمة عرفوه حرصوا على ان يقطعوه بضعة بضعة ) .
أليس اسم الإمام المهدي (عليه السلام) معروفاً وقد ذكر في الأخبار الكثيرة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليه السلام) فهل يخفى على بني فاطمة اسمه يا ترى أم ماذا ؟ ! .
4- وهنا عدة روايات :
أ- عن عمران بن الحصين قال :- ( صف لنا يا رسول الله هذا الرجل وما حاله (( أي المهدي )) ؟
فقال : النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : انه رجل من ولدي كأنه من رجال بني إسرائيل (( أي ضخم الجثة طويل القامة))(بحار الانوار ج52 ).
ب- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه ذكر في صفة المهدي (عليه السلام):- ( انه رجل من ولدي كأنه من رجال بني إسرائيل يخرج عند جهد من أمتي وبلاء ، عربي اللون ابن أربعين سنة )( الملاحم والفتن ).
جـ- عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال :- ( المهدي رجل من ولد فاطمة وهو رجل ادم)( بحار الانوار ، ج51 ، ص35 ).
د – عن حذيفة قال :
( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ....)( البحار ، ج51 ، ص80 ، باب1).
هـ - عن أبي سعيد عن الحسن بن علي(عليهما السلام) قال :
(ما منا إلا ويقع في عنقه بيعه لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ذو أربعين سنة ذلك ليعلم ان الله على كل شيء قدير)( بحار الانوار ج52 ص279 ).
وهنا تتبين لنا عدة أمور:-
الأمر الأول : - ان الإمام المهدي (عليه السلام) ضخم الجثة طويل القامة وهذه الصفة من صفات بني إسرائيل حيث انهم ضخام الأجساد وطويلي القامة .
الأمر الثاني : - ان لون بشرة الإمام المهدي (عليه السلام) ادم أي اسمر الوجه وهو اللون العربي فإن أكثر العرب سمر الوجوه .
الأمر الثالث : - ان الإمام المهدي (عليه السلام) يخرج بعد انتهاء غيبته في سن الأربعين وهذا ما صرحت به الأحاديث والروايات الكثيرة .
ولكن هناك طائفة من الروايات تذكر لنا صفة صاحب هذا الأمر أو القائم أو المهدي وهي غير الصفات المذكورة في الروايات المتقدمة فإن هذه الطائفة الثانية من الروايات التي سنذكرها تعارض الروايات المتقدمة في صفة الإمام المهدي (عليه السلام) وملخص القول فيها:
أ- ان المهدي مربوع القامة أي ليس بالطويل ولا بالقصير.
ب- ان المهدي ابيض الوجه والبشرة.
ت- ان المهدي يظهر في سن الثلاثين.
وهذه النقاط الثلاثة في الواقع تعارض الأمور الثلاثة المتقدمة .
5- عن سدير الصيرفي قال : سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول :-
( ان في صاحب هذا الأمر لشبهاً من يوسف فقلت : فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة ؟
فقال : ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك ؟ ان أخوة يوسف كانوا عقلاء ألباء أسباطاً أولاد أنبياء دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه وراودوه وكانوا أخوته وهو أخوهم لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه ، وقال لهم : أنا يوسف ، فعرفوه حينئذ فما تنكر هذه الأمة المتحيرة ان يكون الله عز وجل يريد في وقت من الأوقات ان يستر حجته عنهم ، لقد كان يوسف النبي ملك مصر وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً فلو أراد ان يعلمهم بمكانه لفعل ذلك ، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر فما تنكر هذه الأمة ان يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف ، وان يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الأمر يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ولا يعرفونه حتى يأذن الله له ان يعرفهم نفسه كما إذن ليوسف حين قال له أخوته (انك لأنت يوسف قال أنا يوسف)( غيبة النعماني ).
ويرد على هذه الرواية ان صاحب هذا الأمر موجوداً بيننا ويدخل بيوتنا ولكننا لا نعرفه بهذه الصفة كما ان أخوة يوسف (عليه السلام) يدخلون عليه ويكلمهم ويكلمونه ولكنهم لا يعرفونه ، ويمشي في أسواقنا أي انه يعيش في نفس مدننا وهذا مما لا يمكن حمله على الإمام المهدي (عليه السلام) فقد جاء في الرواية الواردة عن عبيد بن زرارة قال:- (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : يفقد الناس إمامهم يشهد المواسم فيراهم ولا يرونه )( غيبة النعماني ص181).
وفي هذه الرواية تناقض واضح مع الرواية التي سبقتها فإن الناس كما في الرواية الأخيرة لا يرون الإمام (عليه السلام).
أما الرواية التي سبقتها فإن الناس يرون صاحب هذا الأمر ولكنهم لا يعرفونه فما سر ذلك التناقض يا ترى ؟ ! .
من كتاب
صاحب هذا الامر
من فكر السيد ابو عبد الله الحسين القحطاني
اشتملت الكثير من الأحاديث النبوية والروايات المعصومية الواردة في أمر الإمام المهدي (عليه السلام) على عدة ألفاظ فمرة يرد الحديث أو ترد الرواية بلفظة صاحب هذا الأمر ومره بلفظة القائم وأخرى بلفظة المهدي كما ذكرنا في مقدمة هذا البحث لكن المتأمل والمتفكر في تلك الأخبار يجد تعارضا واضحا في بعضها أو يجد بعض الأخبار التي لا يمكن حملها على الإمام المهدي (عليه السلام) بل ان بعضها لا يمكن تصور انها تعني الإمام المهدي (عليه السلام) واليك عزيزي القارئ بعض تلك الأخبار مع ما يرد عليها من إشكالات وتساؤلات:
1- عن المفضل بن عمر قال :-
( سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ان لصاحب هذا الأمر غيبتين : يرجع في أحداهما إلى أهله والأخرى يقال : هلك في أي واد سلك , قلت : كيف نصنع إذا كان ذلك ؟ قال ان ادعى مدع فأسالوه عن تلك العظائم التي يجب فيها مثله)( الكافي ، ج1 ، ص340 ، ح20 ).
مما لا يخفى ان للإمام المهدي (عليه السلام) غيبتين وهما الغيبة الصغرى التي بدأت بعد توليه لأمر الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وانتهت بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري (رض) ثم ابتدأت بعدها مباشرة الغيبة الكبرى التي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا .
ولكن يرد على الرواية المتقدمة إشكالان :
الأول هو ان الإمام المهدي (عليه السلام) وبعد ان انتهت الغيبة الصغرى لم يكن له أهل ليرجع إليهم فوالدته السيدة نرجس قد توفيت وأبيه الإمام العسكري (عليه السلام) توفي والإمام في الخامسة من عمره .
إذن فما معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام) في الرواية المتقدمة :
( يرجع إلى أهله )؟ !
والثانية يرد أيضاً ان المسلمين ينقسمون في اعتقادهم بالإمام المهدي إلى قسمين القسم الأول وهم من يعتقدون ان الإمام المهدي يولد في آخر الزمان وهو غير موجود الآن ولكن إذا آن أوان خروجه يولد ويقوم بعد ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى وهذا الاعتقاد هو ما عليه أهل السنة .
واما القسم الثاني فإنهم يعتقدون ان الإمام المهدي ولد وغاب وهو ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وسوف يخرج في آخر الزمان بعد طول الغيبة ليملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد ما ملئت ظلماً وجورا ، وهذا الاعتقاد هو ما عليه الشيعة اليوم ولكن التساؤل الذي يرد على الرواية المتقدمة هو ما معنى قول الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (والأخرى يقال : هلك في أي وادٍ سلك) .
فإننا لا يمكن ان نتصور ان السنة يقولون ذلك لأنهم كما ذكرنا لا يعتقدون بولادة الإمام المهدي فضلاً عن غيبته وهذا الكلام كما هو واضح يتحدث عن شخص مولود وحي ثم يقال عنه انه هلك أي مات أو انه غاب وابتعد .
كما اننا في نفس الوقت لا يمكن ان نتصور بحال من الأحوال ان الشيعة يقولون بهذا القول وهو (( مات أو هلك في أي وادٍ سلك )) وذلك لأنه خلاف ما عليه عقيدتهم التي تربى عليها الطفل الصغير ومات عليها الشيخ الكبير.
2- عن أبي بصير قال : ( سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول : في صاحب هذا الأمر سنة من أربعة أنبياء : سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) – إلى ان قال – قلت فما سنة يوسف ؟
قال : السجن والغيبة ......)( غيبة النعماني ).
والتساؤل هنا هو كيف نستطيع ان نتصور ان الإمام المهدي (عليه السلام) يسجن ؟! أو من هو الذي يستطيع سجن الإمام ، وإذا كان كذلك فمتى يكون ذلك السجن ؟! هل كان قبل الغيبة الصغرى يا ترى ؟! أم انه وقع أو يقع في أثناء الغيبة الكبرى ؟! أو ان ذلك يكون في آخر الزمان بعد ان يخرج ويقيم دولة العدل الإلهي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ؟! .
3- عن أبي خالد الكابلي قال :- ( لما مضى علي بن الحسين (عليه السلام) دخلت على محمد بن علي (عليه السلام) فقلت له : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وانسي به ووحشتي من الناس ، قال : صدقت يا أبا خالد ، تريد ماذا ؟ قلت : جعلت فداك لقد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده .
قال : فتريد ماذا يا أبا خالد ؟
قلت : أريد ان تسميه لي حتى اعرفه باسمه .
فقال : سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به احد ، ولو كنت محدثاً به احد لحدثتك ، ولقد سألتني عن أمر لو ان بني فاطمة عرفوه حرصوا على ان يقطعوه بضعة بضعةً)( غيبة النعماني ).
ويرد على هذه الرواية ان الإمام الباقر (عليه السلام) يخبرنا بعدم امكان تسمية صاحب هذا الأمر وانه لو كان ذلك من الممكن لكان قد ذكره لأبي خالد .
كما يذكر لنا الباقر (عليه السلام) ان بني فاطمة لو عرفوا صاحب هذا الأمر باسمه لقتلوه ولقطعوه بضعة بضعة .
وبناءاً على هذه الرواية التي وردت بلفظة صاحب هذا الأمر أقول لو كان المقصود بصاحب هذا الأمر هو الإمام المهدي (عليه السلام) فكيف خفي على رجل كأبي خالد الكابلي وهو من قضى عمره في صحبة الإمام زين العابدين وكان لا يخالط الناس ؟
حيث كان جُل وقته يقضيه معه (عليه السلام) وهو أيضاً من أصحاب الباقر (عليه السلام) كيف خفي عليه اسم الإمام المهدي (عليه السلام) ؟ الذي جاءت الأحاديث والروايات بذكره ، وهي كثيرة جداً كما لا يخفى على أحد .
ثم ما معنى ان الإمام علي ابن الحسين (عليه السلام) يذكر صاحب هذا الأمر بصفته ولا يسميه لأقرب أصحابه وان الباقر (عليه السلام) يقول ما كنت محدثاً به احد وانه (عليه السلام) لا يحدث به احد إطلاقاً ثم ما معنى قوله (عليه السلام) : ( لو ان بني فاطمة عرفوه حرصوا على ان يقطعوه بضعة بضعة ) .
أليس اسم الإمام المهدي (عليه السلام) معروفاً وقد ذكر في الأخبار الكثيرة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليه السلام) فهل يخفى على بني فاطمة اسمه يا ترى أم ماذا ؟ ! .
4- وهنا عدة روايات :
أ- عن عمران بن الحصين قال :- ( صف لنا يا رسول الله هذا الرجل وما حاله (( أي المهدي )) ؟
فقال : النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : انه رجل من ولدي كأنه من رجال بني إسرائيل (( أي ضخم الجثة طويل القامة))(بحار الانوار ج52 ).
ب- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه ذكر في صفة المهدي (عليه السلام):- ( انه رجل من ولدي كأنه من رجال بني إسرائيل يخرج عند جهد من أمتي وبلاء ، عربي اللون ابن أربعين سنة )( الملاحم والفتن ).
جـ- عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال :- ( المهدي رجل من ولد فاطمة وهو رجل ادم)( بحار الانوار ، ج51 ، ص35 ).
د – عن حذيفة قال :
( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ....)( البحار ، ج51 ، ص80 ، باب1).
هـ - عن أبي سعيد عن الحسن بن علي(عليهما السلام) قال :
(ما منا إلا ويقع في عنقه بيعه لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ذو أربعين سنة ذلك ليعلم ان الله على كل شيء قدير)( بحار الانوار ج52 ص279 ).
وهنا تتبين لنا عدة أمور:-
الأمر الأول : - ان الإمام المهدي (عليه السلام) ضخم الجثة طويل القامة وهذه الصفة من صفات بني إسرائيل حيث انهم ضخام الأجساد وطويلي القامة .
الأمر الثاني : - ان لون بشرة الإمام المهدي (عليه السلام) ادم أي اسمر الوجه وهو اللون العربي فإن أكثر العرب سمر الوجوه .
الأمر الثالث : - ان الإمام المهدي (عليه السلام) يخرج بعد انتهاء غيبته في سن الأربعين وهذا ما صرحت به الأحاديث والروايات الكثيرة .
ولكن هناك طائفة من الروايات تذكر لنا صفة صاحب هذا الأمر أو القائم أو المهدي وهي غير الصفات المذكورة في الروايات المتقدمة فإن هذه الطائفة الثانية من الروايات التي سنذكرها تعارض الروايات المتقدمة في صفة الإمام المهدي (عليه السلام) وملخص القول فيها:
أ- ان المهدي مربوع القامة أي ليس بالطويل ولا بالقصير.
ب- ان المهدي ابيض الوجه والبشرة.
ت- ان المهدي يظهر في سن الثلاثين.
وهذه النقاط الثلاثة في الواقع تعارض الأمور الثلاثة المتقدمة .
5- عن سدير الصيرفي قال : سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول :-
( ان في صاحب هذا الأمر لشبهاً من يوسف فقلت : فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة ؟
فقال : ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك ؟ ان أخوة يوسف كانوا عقلاء ألباء أسباطاً أولاد أنبياء دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه وراودوه وكانوا أخوته وهو أخوهم لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه ، وقال لهم : أنا يوسف ، فعرفوه حينئذ فما تنكر هذه الأمة المتحيرة ان يكون الله عز وجل يريد في وقت من الأوقات ان يستر حجته عنهم ، لقد كان يوسف النبي ملك مصر وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً فلو أراد ان يعلمهم بمكانه لفعل ذلك ، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر فما تنكر هذه الأمة ان يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف ، وان يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الأمر يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ولا يعرفونه حتى يأذن الله له ان يعرفهم نفسه كما إذن ليوسف حين قال له أخوته (انك لأنت يوسف قال أنا يوسف)( غيبة النعماني ).
ويرد على هذه الرواية ان صاحب هذا الأمر موجوداً بيننا ويدخل بيوتنا ولكننا لا نعرفه بهذه الصفة كما ان أخوة يوسف (عليه السلام) يدخلون عليه ويكلمهم ويكلمونه ولكنهم لا يعرفونه ، ويمشي في أسواقنا أي انه يعيش في نفس مدننا وهذا مما لا يمكن حمله على الإمام المهدي (عليه السلام) فقد جاء في الرواية الواردة عن عبيد بن زرارة قال:- (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : يفقد الناس إمامهم يشهد المواسم فيراهم ولا يرونه )( غيبة النعماني ص181).
وفي هذه الرواية تناقض واضح مع الرواية التي سبقتها فإن الناس كما في الرواية الأخيرة لا يرون الإمام (عليه السلام).
أما الرواية التي سبقتها فإن الناس يرون صاحب هذا الأمر ولكنهم لا يعرفونه فما سر ذلك التناقض يا ترى ؟ ! .
تعليق