خفاء نسب الداعي :
نظراً لعظم أمر الإمام المهدي (عليه السلام) وعظم قضيته وما واجهتها من أخطار ومصاعب منذ فجر بزوغها قبل أربعة عشر قرناً ، فإنها قد أحيطت بنوع من الحذر والسرية والكتمان ، حتى إننا نجد الكثير من شخصيات عصر الظهور لم توضح معالمها بل بقيت خافية إلى مئات السنين وخاصة شخصية الداعي في آخر الزمان الذي يقوم بالدعوة إلى الحق وإلى نصرة الإمام المهدي (عج) ، والذي يكون خفيّ النسب بين قومه في آخر الزمان .
وبالرجوع إلى الروايات الواردة عن أئمة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) والتي تتكلم حول اليماني نجد أنها لم تحدد نسب اليماني وإلى أي القبائل يرجع نسبه بصورة مباشرة ، وهذا مما قد لاحظه الباحثين والكتاب في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) حينما حاولوا الكتابة عن اليماني وتحديد نسبه .
ولكن الواقع عند تتبع الروايات التي تتحدث عن القضية المهدوية بشكل عام يجد أنه من الممكن تحديد نسبه بأنه حسني.
ولكن نسبه يكون مخفي عند الناس لأنه يكون معروف بينهم بأنه من العوام وليس من السادة ، وهذا الخفاء في النسب يعود إلى ضرورات أمنية متعلقة بالمحافظة على شخصية الداعي كما سبق أن نوهنا إلى ذلك .
وخفاء النسب في حقيقة الواقع هو سنة لليماني من الأنبياء فضلاً عن الأولياء من أهل البيت (عليهم السلام أجمعين) قبله ، وقد وردت عدة روايات في أن له سنة من الأنبياء منها ما جاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) ، أنه قال :
(في القائم سنة من آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ...وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس وأما من موسى فالخوف والغيبة وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه...)( ) ، وغيرها من السنن التي تكون منطبقة في مجراها عليه وعلى الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً .
وقد أشارت الرواية إلى سنة خفاء النسب بالنسبة لإبراهيم (عليه السلام) وذلك من خلال خفاء ولادته واعتزال الناس ، ولموسى (عليه السلام) من حيث اختفاءه عن أمه وأهله ، ولعيسى (عليه السلام) الذي اختلف في نسبه حيث قالوا بأنه ابن الله أو أنه ولد من غير أب ، وهكذا ، وهذا الحال ينطبق على الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث عدم تصديق دعوته بالنبوة لأن الناس كانوا يعتقدون أنه يجب أن يعود نسبه إلى إسحق (عليه السلام) كما سيأتي .
ولو عدنا إلى قصص هؤلاء الأنبياء (عليهم السلام) نجد خفاء نسبهم لدى الناس ، حيث نجد أن إبراهيم (عليه السلام) عاش في كهف من حين ولادته إلى أن صار شاباً ثم عاش بعد ذلك عند عمه وكان ينتسب إليه وذلك بسبب خوفه من النمرود آنذاك .
حيث ورد في رواية مفادها : (وكان تارخ بن ناحور هو أبو إبراهيم خليل الله في عصر نمرود الجبار...وفي ذلك تعاطى الناس علم النجوم...فحسب المنجمون لنمرود فقالوا له : أنه يولد في مملكته مولود يعيب دينه ويزري عليه ويهدم أصنامه ويفرّق جمعه ، فجعل لا يولد في مملكته مولود إلاّ شقّ بطنه ، حتى ولد إبراهيم فستره أبواه وأخفيا أمره وصيراه في مغارة حيث لا يعلم به احد...ونشأ إبراهيم في زمان نمرود الجبار ، فلما خرج من المغارة التي كان فيها قلب طرفه في السماء...فلما كملت سنه جعل يعجب إذ رأى قومه يعبدون الأصنام ، ويقول : أتعبدون ما تنحتون .فيقولون : أبوك علمنا هذا . فيقول : إن أبي لمن الظالمين ...)( ) .
وقد قالت بعض الروايات أنه أبوه هو آزر والذي ذكره القرآن بقوله تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}( ) .
بيد أن الأصح أنه آزر هو عمه ، لأنه لا يمكن أن يكون هو والده لأنه شخص ظالم يعبد الأصنام وكان مع نمرود الجبّار ، وهذا لا يمكن لأن الأنبياء والأولياء لا يولدون إلاّ من نطف طاهرة وأرحام مطهّرة ، وذلك كما جاء في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) التي جاء فيها :
(يا مولاي يا أبا عبد الله أشهد انك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمّات ثيابها ...)( ) .
ومن المعلوم أن الإمام الحسين (عليه السلام) يرجع نسبه إلى إبراهيم (عليه السلام) فإذا كان آزر هو والد إبراهيم (عليه السلام) فهذا يتنافى مع ما ورد عن المعصومين حول زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وطهارة نسبه ، وهذا بدوره مما يؤيد أن آزر هو عم إبراهيم الخليل (عليه السلام) وليس والده الذي لابد أن يكون من الصالحين .
هذا وإذا عدنا إلى سبب خفاء نشأة إبراهيم وولادته ونسبه نجدها متأتية من خوف والديه وخوفه هو فيما بعد من النمرود آنذاك( ) .
وأما بالنسبة لموسى (عليه السلام) فهو أيضاً قد خفي نسبه عن بني إسرائيل وذلك لأن أمه ونتيجة لخوفها من فرعون قد وضعته في التابوت الذي سار به إلى بيت فرعون ، فوجدته زوجته فاتخذاه ولدا ، ولهذا فقد خفي نسبه على بني إسرائيل مدة طويلة لأنهم كانوا يعرفون بان موسى ابن فرعون ، وبقي الحال كذلك حتى استطاع أحد شيوخهم من التعرف عليه عن طريق صفاته .
فعند ذلك عرف بنو إسرائيل من هو ، وما هو نسبه الحقيقي ، وأنه هو النبي الذي وعدهم يوسف (عليه السلام) به ، وذلك حسبما جاء في رواية ذُكر فيها :
(موسى بن عمران بن قهث بن لاوي بن يعقوب بمصر في زمان فرعون الجبار...وكان سحرة فرعون وكهنته قد قالوا له : يولد في هذا الوقت مولود من بني إسرائيل يفسد عليك ملكك وهلاكك...فأمر فرعون فوضع على كل امرأة حامل من بني إسرائيل حرسا ، فكانت لا تلد منهن امرأة غلاماً إلاّ مثل ولدها...وأوحى الله إلى أم موسى أن اعملي تابوتاً ثم ضعيه فيه ، وأخرجيه ليلاً فاطرحيه في نيل مصر .
ففعلت ذلك وضربته الريح ، فطرحته إلى الساحل ، فرأته امرأة فرعون ، فدنت منه حتى أخذته ، فلما فتحت التابوت ورأت موسى وقع عليه منها محبة ، فقالت لفرعون نتخذه ولداً...وكان يوسف قد قال لبني إسرائيل :
إنكم لن تزالوا في العذاب حتى يأتي غلام جعد من ولد لاوي بن يعقوب يقال له موسى بن عمران ، فلما طال الأمر على بني إسرائيل ضجّوا وأتوا شيخاً منهم ، فقال لهم : كأنكم به ، فبينما هم في ذلك إذ وقف عليهم موسى ، فلما رآه الشيخ عرفه بالصفة ، فقال له : ما اسمك ؟ فقال : موسى ، قال ابن من ،قال ابن عمران ، فقام هو والقوم وقبلوا يديه ورجليه ، واتخذهم شيعة)( ) .
وهنا نرى أيضاً أن خفاء نسب موسى (عليه السلام) كان بسبب الخوف من فرعون زمانه( ) .
وهذا الحال ينطبق على عيسى (عليه السلام) حيث أن اليهود كانوا يعتقدون أن النبي المسيح الذي وعدهم به موسى (عليه السلام) سيكون من ذرية هارون (عليه السلام) ، فلما ولد عيسى (عليه السلام) من غير أب أنكروا عليه أن يكون هو النبي الموعود ، لأن عيسى قد خفي نسبه عندهم ، ولكن في حقيقة الأمر أن عيسى (عليه السلام) يرجع نسبه إلى هارون (عليه السلام) من جانب أمه مريم (عليها السلام) ، كونها من ذرية هارون (عليه السلام) .
وهذا ما سيقع بعينه للداعي اليماني حيث أن الناس سيكذبونه لخفاء نسبه عندهم( ) .
وكذلك الحال بالنسبة للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كذبه أهل الكتاب ولاسيما اليهود فضلاً عن المشركين بسبب نسبه ، حيث أنهم كانوا يعتقدون أن النبي الذي بشّر به المسيح (عليه السلام) سيكون من ذرية إسحق (عليه السلام) ، فلما كان النبي ينتسب إلى بني هاشم الذين بدورهم ينتسبون إلى إسماعيل(عليه السلام) وهذا ما سيجري على الداعي كما قلنا في عدم التصديق به وبدعوته( ) .
ومن هنا يتبين لنا أن الداعي اليماني يكون له شبه بالأنبياء الأربعة (عليهم السلام) من جانبين الأول في خفاء نسبه تماماً عن الناس عندما يأذن الله له في كشفه وذلك خوفاً على حياته من طغاة وجباري عصره كما هو حال إبراهيم وموسى (عليهما السلام) .
والجانب الثاني أنه سيواجه تكذيب الناس له بسبب خفاء نسبه ثم ظهوره فجأة ، حيث كان معروفاً عند الناس بأنه من العوام ثم بعد ذلك يتضح أنه سيد علوي ، وذلك كما هو حال عيسى (عليه السلام) وجده الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اللذان كُذّبا بسبب الاعتقاد الخاطئ لدى الناس آنذاك بشأن نسبهما .
هذا وإن السيد اليماني سنة أيضاً من أجداده من أهل البيت (عليهم السلام) حيث أضطر بعضهم إلى إخفاء نسبهم بسبب جور وطلب السلطة الأموية ومن بعدها العباسية لهم .
وخير مثالين على ذلك هو أحمد بن مسلم بن عقيل (عليهما السلام) حيث أنه كان حاضراً يوم الطف مع الإمام الحسين (عليه السلام) وكان صغير السن ، فعندما هجمت الخيل على مخيّم الإمام الحسين (عليه السلام) بعد استشهاده فرّ الأطفال إلى البراري وكان أحمد بن مسلم أحدهم .
وساقه القدر إلى رئيس أحد القبائل القاطنة في أطراف الكوفة وطلب إليهم أن يعمل لديهم ، وبالفعل أجابوا طلبه لمّا رأوه من جلالة قدره وحسن خلقه .
وبقي يعمل عندهم قرابة الأربع سنوات إلى أن سمع بخروج المختار الثقفي (رضوان الله عليه) في الكوفة طالباً بثأر الإمام الحسين (عليه السلام) ، حيث أخذ بقتل قتلة الإمام (عليه السلام) وذلك بعد محاكمتهم ، فعندها كشف أحمد بن مسلم (عليه السلام) عن نسبه الحقيقي لرئيس القبيلة وأخبره أنه يريد أن يذهب للقاء المختار ، فعندها أخذ رئيس القبيلة يبكي ويلطم على رأسه وهو يقول له ما هو عذري غداً عندما ألقى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) وقد استخدمه في العمل عنده .
ونجد أن القصة تتكرر ولكن في أيام العباسيين مع القاسم بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وهو أخو الإمام الرضا (عليه السلام) وكان والده الإمام الكاظم (عليه السلام) يحبه حبه شديداً ، وكان سيداً تقياً مؤمناً ورعاً عالماً جليلاً يتحلّى بأرفع صفات الكمال والأخلاق الحميدة .
--------------تحياتي ودعواتي -------------------------
نظراً لعظم أمر الإمام المهدي (عليه السلام) وعظم قضيته وما واجهتها من أخطار ومصاعب منذ فجر بزوغها قبل أربعة عشر قرناً ، فإنها قد أحيطت بنوع من الحذر والسرية والكتمان ، حتى إننا نجد الكثير من شخصيات عصر الظهور لم توضح معالمها بل بقيت خافية إلى مئات السنين وخاصة شخصية الداعي في آخر الزمان الذي يقوم بالدعوة إلى الحق وإلى نصرة الإمام المهدي (عج) ، والذي يكون خفيّ النسب بين قومه في آخر الزمان .
وبالرجوع إلى الروايات الواردة عن أئمة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) والتي تتكلم حول اليماني نجد أنها لم تحدد نسب اليماني وإلى أي القبائل يرجع نسبه بصورة مباشرة ، وهذا مما قد لاحظه الباحثين والكتاب في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) حينما حاولوا الكتابة عن اليماني وتحديد نسبه .
ولكن الواقع عند تتبع الروايات التي تتحدث عن القضية المهدوية بشكل عام يجد أنه من الممكن تحديد نسبه بأنه حسني.
ولكن نسبه يكون مخفي عند الناس لأنه يكون معروف بينهم بأنه من العوام وليس من السادة ، وهذا الخفاء في النسب يعود إلى ضرورات أمنية متعلقة بالمحافظة على شخصية الداعي كما سبق أن نوهنا إلى ذلك .
وخفاء النسب في حقيقة الواقع هو سنة لليماني من الأنبياء فضلاً عن الأولياء من أهل البيت (عليهم السلام أجمعين) قبله ، وقد وردت عدة روايات في أن له سنة من الأنبياء منها ما جاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) ، أنه قال :
(في القائم سنة من آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ...وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس وأما من موسى فالخوف والغيبة وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه...)( ) ، وغيرها من السنن التي تكون منطبقة في مجراها عليه وعلى الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً .
وقد أشارت الرواية إلى سنة خفاء النسب بالنسبة لإبراهيم (عليه السلام) وذلك من خلال خفاء ولادته واعتزال الناس ، ولموسى (عليه السلام) من حيث اختفاءه عن أمه وأهله ، ولعيسى (عليه السلام) الذي اختلف في نسبه حيث قالوا بأنه ابن الله أو أنه ولد من غير أب ، وهكذا ، وهذا الحال ينطبق على الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث عدم تصديق دعوته بالنبوة لأن الناس كانوا يعتقدون أنه يجب أن يعود نسبه إلى إسحق (عليه السلام) كما سيأتي .
ولو عدنا إلى قصص هؤلاء الأنبياء (عليهم السلام) نجد خفاء نسبهم لدى الناس ، حيث نجد أن إبراهيم (عليه السلام) عاش في كهف من حين ولادته إلى أن صار شاباً ثم عاش بعد ذلك عند عمه وكان ينتسب إليه وذلك بسبب خوفه من النمرود آنذاك .
حيث ورد في رواية مفادها : (وكان تارخ بن ناحور هو أبو إبراهيم خليل الله في عصر نمرود الجبار...وفي ذلك تعاطى الناس علم النجوم...فحسب المنجمون لنمرود فقالوا له : أنه يولد في مملكته مولود يعيب دينه ويزري عليه ويهدم أصنامه ويفرّق جمعه ، فجعل لا يولد في مملكته مولود إلاّ شقّ بطنه ، حتى ولد إبراهيم فستره أبواه وأخفيا أمره وصيراه في مغارة حيث لا يعلم به احد...ونشأ إبراهيم في زمان نمرود الجبار ، فلما خرج من المغارة التي كان فيها قلب طرفه في السماء...فلما كملت سنه جعل يعجب إذ رأى قومه يعبدون الأصنام ، ويقول : أتعبدون ما تنحتون .فيقولون : أبوك علمنا هذا . فيقول : إن أبي لمن الظالمين ...)( ) .
وقد قالت بعض الروايات أنه أبوه هو آزر والذي ذكره القرآن بقوله تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}( ) .
بيد أن الأصح أنه آزر هو عمه ، لأنه لا يمكن أن يكون هو والده لأنه شخص ظالم يعبد الأصنام وكان مع نمرود الجبّار ، وهذا لا يمكن لأن الأنبياء والأولياء لا يولدون إلاّ من نطف طاهرة وأرحام مطهّرة ، وذلك كما جاء في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) التي جاء فيها :
(يا مولاي يا أبا عبد الله أشهد انك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمّات ثيابها ...)( ) .
ومن المعلوم أن الإمام الحسين (عليه السلام) يرجع نسبه إلى إبراهيم (عليه السلام) فإذا كان آزر هو والد إبراهيم (عليه السلام) فهذا يتنافى مع ما ورد عن المعصومين حول زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وطهارة نسبه ، وهذا بدوره مما يؤيد أن آزر هو عم إبراهيم الخليل (عليه السلام) وليس والده الذي لابد أن يكون من الصالحين .
هذا وإذا عدنا إلى سبب خفاء نشأة إبراهيم وولادته ونسبه نجدها متأتية من خوف والديه وخوفه هو فيما بعد من النمرود آنذاك( ) .
وأما بالنسبة لموسى (عليه السلام) فهو أيضاً قد خفي نسبه عن بني إسرائيل وذلك لأن أمه ونتيجة لخوفها من فرعون قد وضعته في التابوت الذي سار به إلى بيت فرعون ، فوجدته زوجته فاتخذاه ولدا ، ولهذا فقد خفي نسبه على بني إسرائيل مدة طويلة لأنهم كانوا يعرفون بان موسى ابن فرعون ، وبقي الحال كذلك حتى استطاع أحد شيوخهم من التعرف عليه عن طريق صفاته .
فعند ذلك عرف بنو إسرائيل من هو ، وما هو نسبه الحقيقي ، وأنه هو النبي الذي وعدهم يوسف (عليه السلام) به ، وذلك حسبما جاء في رواية ذُكر فيها :
(موسى بن عمران بن قهث بن لاوي بن يعقوب بمصر في زمان فرعون الجبار...وكان سحرة فرعون وكهنته قد قالوا له : يولد في هذا الوقت مولود من بني إسرائيل يفسد عليك ملكك وهلاكك...فأمر فرعون فوضع على كل امرأة حامل من بني إسرائيل حرسا ، فكانت لا تلد منهن امرأة غلاماً إلاّ مثل ولدها...وأوحى الله إلى أم موسى أن اعملي تابوتاً ثم ضعيه فيه ، وأخرجيه ليلاً فاطرحيه في نيل مصر .
ففعلت ذلك وضربته الريح ، فطرحته إلى الساحل ، فرأته امرأة فرعون ، فدنت منه حتى أخذته ، فلما فتحت التابوت ورأت موسى وقع عليه منها محبة ، فقالت لفرعون نتخذه ولداً...وكان يوسف قد قال لبني إسرائيل :
إنكم لن تزالوا في العذاب حتى يأتي غلام جعد من ولد لاوي بن يعقوب يقال له موسى بن عمران ، فلما طال الأمر على بني إسرائيل ضجّوا وأتوا شيخاً منهم ، فقال لهم : كأنكم به ، فبينما هم في ذلك إذ وقف عليهم موسى ، فلما رآه الشيخ عرفه بالصفة ، فقال له : ما اسمك ؟ فقال : موسى ، قال ابن من ،قال ابن عمران ، فقام هو والقوم وقبلوا يديه ورجليه ، واتخذهم شيعة)( ) .
وهنا نرى أيضاً أن خفاء نسب موسى (عليه السلام) كان بسبب الخوف من فرعون زمانه( ) .
وهذا الحال ينطبق على عيسى (عليه السلام) حيث أن اليهود كانوا يعتقدون أن النبي المسيح الذي وعدهم به موسى (عليه السلام) سيكون من ذرية هارون (عليه السلام) ، فلما ولد عيسى (عليه السلام) من غير أب أنكروا عليه أن يكون هو النبي الموعود ، لأن عيسى قد خفي نسبه عندهم ، ولكن في حقيقة الأمر أن عيسى (عليه السلام) يرجع نسبه إلى هارون (عليه السلام) من جانب أمه مريم (عليها السلام) ، كونها من ذرية هارون (عليه السلام) .
وهذا ما سيقع بعينه للداعي اليماني حيث أن الناس سيكذبونه لخفاء نسبه عندهم( ) .
وكذلك الحال بالنسبة للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كذبه أهل الكتاب ولاسيما اليهود فضلاً عن المشركين بسبب نسبه ، حيث أنهم كانوا يعتقدون أن النبي الذي بشّر به المسيح (عليه السلام) سيكون من ذرية إسحق (عليه السلام) ، فلما كان النبي ينتسب إلى بني هاشم الذين بدورهم ينتسبون إلى إسماعيل(عليه السلام) وهذا ما سيجري على الداعي كما قلنا في عدم التصديق به وبدعوته( ) .
ومن هنا يتبين لنا أن الداعي اليماني يكون له شبه بالأنبياء الأربعة (عليهم السلام) من جانبين الأول في خفاء نسبه تماماً عن الناس عندما يأذن الله له في كشفه وذلك خوفاً على حياته من طغاة وجباري عصره كما هو حال إبراهيم وموسى (عليهما السلام) .
والجانب الثاني أنه سيواجه تكذيب الناس له بسبب خفاء نسبه ثم ظهوره فجأة ، حيث كان معروفاً عند الناس بأنه من العوام ثم بعد ذلك يتضح أنه سيد علوي ، وذلك كما هو حال عيسى (عليه السلام) وجده الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اللذان كُذّبا بسبب الاعتقاد الخاطئ لدى الناس آنذاك بشأن نسبهما .
هذا وإن السيد اليماني سنة أيضاً من أجداده من أهل البيت (عليهم السلام) حيث أضطر بعضهم إلى إخفاء نسبهم بسبب جور وطلب السلطة الأموية ومن بعدها العباسية لهم .
وخير مثالين على ذلك هو أحمد بن مسلم بن عقيل (عليهما السلام) حيث أنه كان حاضراً يوم الطف مع الإمام الحسين (عليه السلام) وكان صغير السن ، فعندما هجمت الخيل على مخيّم الإمام الحسين (عليه السلام) بعد استشهاده فرّ الأطفال إلى البراري وكان أحمد بن مسلم أحدهم .
وساقه القدر إلى رئيس أحد القبائل القاطنة في أطراف الكوفة وطلب إليهم أن يعمل لديهم ، وبالفعل أجابوا طلبه لمّا رأوه من جلالة قدره وحسن خلقه .
وبقي يعمل عندهم قرابة الأربع سنوات إلى أن سمع بخروج المختار الثقفي (رضوان الله عليه) في الكوفة طالباً بثأر الإمام الحسين (عليه السلام) ، حيث أخذ بقتل قتلة الإمام (عليه السلام) وذلك بعد محاكمتهم ، فعندها كشف أحمد بن مسلم (عليه السلام) عن نسبه الحقيقي لرئيس القبيلة وأخبره أنه يريد أن يذهب للقاء المختار ، فعندها أخذ رئيس القبيلة يبكي ويلطم على رأسه وهو يقول له ما هو عذري غداً عندما ألقى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) وقد استخدمه في العمل عنده .
ونجد أن القصة تتكرر ولكن في أيام العباسيين مع القاسم بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وهو أخو الإمام الرضا (عليه السلام) وكان والده الإمام الكاظم (عليه السلام) يحبه حبه شديداً ، وكان سيداً تقياً مؤمناً ورعاً عالماً جليلاً يتحلّى بأرفع صفات الكمال والأخلاق الحميدة .
--------------تحياتي ودعواتي -------------------------
تعليق