[b]منقول من موسوعة القائم ( من فكر أبي عبد الله الحسين القحطاني ) ج1
خفاء نسب الداعي
بالرجوع إلى الروايات الواردة عن أئمة الهدى (عليهم السلام) والتي تتكلم حول اليماني نجد إنها لم تحدد نسبه، واسمه، وإلى أي القبائل يرجع نسبه.
وهذا مما قد لاحظه الباحثون والكتاب في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث حاولوا تحديد شخصية اليماني ونسبه, فالمتتبع للروايات التي تتحدث عن القضية المهدوية بشكل عام يمكنه تحديد نسبه بأنه حسني كما سيأتي لاحقاً.
ولكن نسبه يكون مخفي عن الناس لأنه يكون معروفاً بينهم بأنه من العوام وليس من السادة, وهذا الخفاء في النسب يعود إلى حكمة وإرادة الله والمتعلقة بالمحافظة على شخصية الداعي.
إن خفاء نسب الداعي اليماني في الحقيقة هي من السنن التي جرت على الأنبياء فضلاً عن الأولياء من أهل البيت (عليه السلام).
وقد أشارت الرواية إلى سنة خفاء النسب لإبراهيم (عليه السلام) وذلك من خلال خفاء ولادته واعتزال الناس، ولموسى (عليه السلام) من حيث اختفاءه عن أمه وأهله، ولعيسى (عليه السلام) الذي أختلف في نسبه بأنه أبن الله أو إنه ولد من غير أب وهكذا.
وهذا الحال ينطبق على الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) من حيث عدم تصديق دعوته ونبوته لأن الناس كانوا يعتقدون إن نسبه يعود إلى إسحاق (عليه السلام) كما سيأتي.
ولو عدنا إلى قصص الأنبياء (عليهم السلام) نجد خفاء نسبهم بين الناس حيث إن نبي الله إبراهيم (عليه السلام) عاش في كهف من حين ولادته إلى إن صار شاباً، ثم عاش بعد ذلك عند عمه وكان ينتسب إليه وذلك بسبب خوفه من نمرود آنذاك, حيث ورد في كتب التاريخ:
( وكان تارح بن ناحور هو أبو إبراهيم خليل الله في عصر نمرود الجبار... وفي ذلك العصر تعاطى الناس علم النجوم، فحسب المنجمون لنمرود فقالوا له:
إنه يولد في مملكتك مولود يعيب دينك ويعيب عليه ويهدم أصنامه ويفرق جمعه, فجعل لا يولد في مملكته مولود إلا شق بطنه حتى ولد إبراهيم فستره أبواه وأخفيا أمره وصيراه في مغارة حيث لا يعلم به أحد..ونشأ إبراهيم في زمان نمرود الجبار، فلما خرج من المغارة التي كان فيها قلب طرفه في السماء فلما كملت سنه جعل يعجب إذا رأى قومه يعبدون الأصنام ويقول: أتعبدون ما تنحتون ؟ فيقولون: أبوك علمنا هذا، فيقول: إن أبي لمن الظالمين....)( تاريخ اليعقوبي ج2 ص22).
وقد ورد إن أبوه هو آزر والذي ذكره الله تعالى بقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }( )
بيد إن الأصح إن آزر هو عمه, لأنه لا يمكن أن يكون والد نبي ظالماً يعبد الأصنام وكان مع النمرود الجبار, وهذا لا يمكن لأن الأنبياء والأولياء لا يولدون إلا من أصلاب طاهرة وأرحام مطهرة, كما ورد في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)التي جاء فيها:
( يا مولاي يا أبا عبد الله أشهد إنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها...)( بحار الأنوار ج98 ص100).
ومن المعلوم إن الإمام الحسين (عليه السلام) يرجع نسبه إلى إبراهيم (عليه السلام) فإذا كان آزر هو أبو إبراهيم (عليه السلام) فهو يتنافى مع ما ورد عن المعصومين (عليهم السلام) حول طهارة نسب الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وهذا بدوره يؤيد بأن آزر هو عم إبراهيم الخليل (عليه السلام) وليس والده الذي لا بد أن يكون من الصالحين.
وإذا عدنا إلى سبب خفاء نشأة إبراهيم (عليه السلام) وولادته ونسبه نجدها متأتية من خوف والديه وخوفه هو فيما بعد من النمرود آنذاك(- تاريخ اليعقوبي ج2 ص22,).
أما بالنسبة لموسى (عليه السلام) فهو الآخر قد خفي نسبه عن بني إسرائيل وذلك لأن أمه ونتيجة لخوفها من فرعون قد وضعته في التابوت الذي سار به إلى بيت فرعون الذي وجدته زوجته فاتخذاه ولدا.
وبهذا فقد خفي نسبه على بني إسرائيل مدة طويلة لأنهم كانوا يعرفون موسى بأنه ابن فرعون, وبقي الحال كذلك حتى استطاع أحد الشيوخ التعرف عليه عن طريق صفاته، فعند ذلك عرف بنو إسرائيل من هو وما هو نسبه الحقيقي، فهو النبي الذي وعدهم يوسف (عليه السلام) به وذلك حسبما جاء في الرواية التي ذكر فيها:
وولد موسى بن عمران بن...........بن لاوي بن يعقوب بمصر في زمان فرعون الجبار.. وكان سحرة فرعون وكهنته قد قالوا له: يولد في هذا الوقت مولود من بني إسرائيل يفسد عليك ملكك ويكون به هلاكك... فأمر فرعون فوضع على كل امرأة حامل من بني إسرائيل حرساً فكانت لا تلد منهن امرأة غلاماً إلا قتل.. وأوحى الله إلى أم موسى أن أعملي تابوت ثم ضعيه فيه
وأخرجيه ليلاً فاطرحيه في نيل مصر ففعلت ذلك وضربته الريح فطرحته إلى الساحل, فرأته امرأة فرعون فدنت منه حتى أخذته، فلما فتحت التابوت ورأت موسى وقع عليها منه محبة، فقالت لفرعون نتخذه ولدا.. وكان يوسف قد قال لبني إسرائيل: إنكم لن تزالوا في العذاب حتى يأتي غلام جعد من ولد لاوي بن يعقوب يقال له موسى بن عمران.
فلما طال الأمر على بني إسرائيل ضجوا وأتوا شيخاً منهم فقال لهم: كأنكم به فبينما هم في ذلك إذ وقف عليهم موسى فلما رآه الشيخ عرفه بالصفة فقال له:
ما اسمك فقال: موسى
قال:ابن من ؟
قال: ابن عمران.
فقام هو والقوم وقبلوا يديه ورجليه واتخذهم شيعة(تاريخ اليعقوبي ج2 ص31).
وهنا نرى أيضاً ان خفاء نسب موسى (عليه السلام) كان بسبب الخوف من فرعون.
وهذا الحال ينطبق على عيسى (عليه السلام) حيث إن اليهود كانوا يعتقدون إن النبي المسيح الذي وعدهم به موسى (عليه السلام) سيكون من ذرية هارون (عليه السلام) فلما ولد عيسى (عليه السلام) من غير أب أنكروا عليه أن يكون هو النبي الموعود، لأن عيسى قد خفي نسبه عندهم.
ولكن في حقيقة الأمر إن نسب عيسى (عليه السلام) يرجع إلى هارون (عليه السلام) من جانب أمه مريم (عليها السلام )، كونها من ذرية هارون (عليه السلام)( تاريخ اليعقوبي ج2 ص67).
وكذلك الحال بالنسبة للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حيث كذبه أهل الكتاب لا سيما اليهود فضلاً عن المشركين بسبب نسبه، حيث كانوا يعتقدون ان النبي الذي بشر به المسيح (عليه السلام) سيكون من ذرية إسحاق (عليه السلام) فلما كان النبي ينتسب إلى بني هاشم الذين ينتسبون بدورهم إلى إسماعيل (عليه السلام) واليهود والمشركون يعرفون ذلك، أدى ذلك إلى رفضهم لنبوته وتكذيبها(بحار الأنوار ج15 ص174 _227، أعلام الورى ص69).
وهذا ما سيجري مع الداعي في عدم التصديق به وبدعوته لأن له سنة من الأنبياء الأربعة (عليهم السلام) من جانبين.
الجانب الأول: في خفاء نسبه تماماً عن الناس عندما يأذن الله له في كشف ذلك خوفاً على حياته من طغاة وجبابرة عصره.
الجانب الثاني: إنه سيواجه تكذيب الناس له بسبب خفاء نسبه ثم ظهوره فجأة، حيث كان معروفاً عند الناس بأنه من العوام ثم يتضح بعد ذلك إنه سيد علوي، فيُكَذب كما كُذب هؤلاء الأنبياء بسبب خفاء نسبهم.
وإن له سنة من أجداده من ذرية أهل البيت (عليهم السلام) حيث أضطر بعضهم إلى إخفاء نسبهم بسبب جور وطلب الدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية لهم.
وخير مثالين على ذلك هو أحمد بن مسلم بن عقيل ( عليهما السلام ) حيث إنه كان حاضراً يوم الطف مع الإمام الحسين (عليه السلام) وكان صغير السن، فعندما هجمت الخيل على مخيم الإمام الحسين (عليه السلام) بعد استشهاده، فر الأطفال إلى البراري وكان أحمد بن مسلم أحدهم، وساقه القدر إلى رئيس أحد القبائل القاطنة في أطراف الكوفة، وطلب إليهم أن يعمل عندهم، وبالفعل أجابوا طلبه لما رأوا فيه من جلالة القدر وحسن الخلقة.
وبقي يعمل عندهم قرابة أربع سنوات إلى أن سمع بخروج المختار الثقفي ( رضوان الله عليه ) في الكوفة طالباً بثأر الإمام الحسين (عليه السلام) حيث أخذ يقتل قَتَلَة الإمام (عليه السلام) وذلك بعد محاكمتهم، وعندها كشف أحمد بن مسلم (عليه السلام) عن نسبه الحقيقي لرئيس القبيلة، وأخبره إنه يريد أن يذهب للقاء المختار، أخذ رئيس القبيلة يبكي ويلطم على رأسه وهو يقول له ما هو عذري غداً عندما القى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والإمام علي (عليه السلام) وكان قد استخدمه في العمل عنده.
ذهب أحمد بن مسلم (عليه السلام) ودخل مجلس المختار فطلب إليه الأخير الجلوس، فأجابه قائلاً أأجلس من حيث أنا أم من حيث أنت ؟ عندها عرف المختار إنه ذو مكانة وشرف وذو منطق.
فقال له: اجلس من حيث أنت.
فعندها جاء وجلس بقرب المختار.
وهنا ازداد الأخير يقيناً إن هذا الفتى ينتسب إلى بيت كريم، فقال له من أنت يا بني ؟ فأخبره بأنه أحمد بن مسلم وكيف إنه هرب في عصر يوم عاشوراء فبكاه المختار ومن كان بمجلسه وصار المجلس أشبه بمجلس عزاء استذكرت فيه الحادثة وواقعة الطف الأليمة.
ثم إن أحمد بن مسلم طلب منه أن يرسله إلى أمه بالمدينة وبالفعل فعل ذلك(بحار الأنوار ج45 ص45-59، تاريخ اليعقوبي ج2 ص180، مقتل الحسين ص348) ألا لعنة الله على القوم الظالمين من أعداء محمد وآل محمد.
ونجد إن هذه القصة تكررت كذلك في أيام العباسيين مع القاسم أبن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).
يتبين لنا من خلال ذلك إن بعض الناس يضطرون بعض الأحيان إلى أخفاء نسبهم وذلك لخوفهم من طواغيت زمانهم على الأمانة التي يحملونها، وهذا ما يجرى مع اليماني، حيث نجد إن الأئمة (عليهم السلام) لم يتحدثوا عن نسبه أو اسمه أو شخصه بصراحة ووضوح، حتى إنهم أعطوه أكثر من لقب وأكثر من صفة، حتى يظن المتتبع له إن هذه بأجمعها علامات لشخصيات متعددة، لكنها في الحقيقة مجتمعة في شخص واحد، فيأخذ كل لقب واسم مكانه بحسب الدور والمرحلة التي يمارسها الداعي اليماني في القضية المهدوية كما سيأتي. B]
خفاء نسب الداعي
بالرجوع إلى الروايات الواردة عن أئمة الهدى (عليهم السلام) والتي تتكلم حول اليماني نجد إنها لم تحدد نسبه، واسمه، وإلى أي القبائل يرجع نسبه.
وهذا مما قد لاحظه الباحثون والكتاب في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث حاولوا تحديد شخصية اليماني ونسبه, فالمتتبع للروايات التي تتحدث عن القضية المهدوية بشكل عام يمكنه تحديد نسبه بأنه حسني كما سيأتي لاحقاً.
ولكن نسبه يكون مخفي عن الناس لأنه يكون معروفاً بينهم بأنه من العوام وليس من السادة, وهذا الخفاء في النسب يعود إلى حكمة وإرادة الله والمتعلقة بالمحافظة على شخصية الداعي.
إن خفاء نسب الداعي اليماني في الحقيقة هي من السنن التي جرت على الأنبياء فضلاً عن الأولياء من أهل البيت (عليه السلام).
وقد أشارت الرواية إلى سنة خفاء النسب لإبراهيم (عليه السلام) وذلك من خلال خفاء ولادته واعتزال الناس، ولموسى (عليه السلام) من حيث اختفاءه عن أمه وأهله، ولعيسى (عليه السلام) الذي أختلف في نسبه بأنه أبن الله أو إنه ولد من غير أب وهكذا.
وهذا الحال ينطبق على الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) من حيث عدم تصديق دعوته ونبوته لأن الناس كانوا يعتقدون إن نسبه يعود إلى إسحاق (عليه السلام) كما سيأتي.
ولو عدنا إلى قصص الأنبياء (عليهم السلام) نجد خفاء نسبهم بين الناس حيث إن نبي الله إبراهيم (عليه السلام) عاش في كهف من حين ولادته إلى إن صار شاباً، ثم عاش بعد ذلك عند عمه وكان ينتسب إليه وذلك بسبب خوفه من نمرود آنذاك, حيث ورد في كتب التاريخ:
( وكان تارح بن ناحور هو أبو إبراهيم خليل الله في عصر نمرود الجبار... وفي ذلك العصر تعاطى الناس علم النجوم، فحسب المنجمون لنمرود فقالوا له:
إنه يولد في مملكتك مولود يعيب دينك ويعيب عليه ويهدم أصنامه ويفرق جمعه, فجعل لا يولد في مملكته مولود إلا شق بطنه حتى ولد إبراهيم فستره أبواه وأخفيا أمره وصيراه في مغارة حيث لا يعلم به أحد..ونشأ إبراهيم في زمان نمرود الجبار، فلما خرج من المغارة التي كان فيها قلب طرفه في السماء فلما كملت سنه جعل يعجب إذا رأى قومه يعبدون الأصنام ويقول: أتعبدون ما تنحتون ؟ فيقولون: أبوك علمنا هذا، فيقول: إن أبي لمن الظالمين....)( تاريخ اليعقوبي ج2 ص22).
وقد ورد إن أبوه هو آزر والذي ذكره الله تعالى بقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }( )
بيد إن الأصح إن آزر هو عمه, لأنه لا يمكن أن يكون والد نبي ظالماً يعبد الأصنام وكان مع النمرود الجبار, وهذا لا يمكن لأن الأنبياء والأولياء لا يولدون إلا من أصلاب طاهرة وأرحام مطهرة, كما ورد في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)التي جاء فيها:
( يا مولاي يا أبا عبد الله أشهد إنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها...)( بحار الأنوار ج98 ص100).
ومن المعلوم إن الإمام الحسين (عليه السلام) يرجع نسبه إلى إبراهيم (عليه السلام) فإذا كان آزر هو أبو إبراهيم (عليه السلام) فهو يتنافى مع ما ورد عن المعصومين (عليهم السلام) حول طهارة نسب الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وهذا بدوره يؤيد بأن آزر هو عم إبراهيم الخليل (عليه السلام) وليس والده الذي لا بد أن يكون من الصالحين.
وإذا عدنا إلى سبب خفاء نشأة إبراهيم (عليه السلام) وولادته ونسبه نجدها متأتية من خوف والديه وخوفه هو فيما بعد من النمرود آنذاك(- تاريخ اليعقوبي ج2 ص22,).
أما بالنسبة لموسى (عليه السلام) فهو الآخر قد خفي نسبه عن بني إسرائيل وذلك لأن أمه ونتيجة لخوفها من فرعون قد وضعته في التابوت الذي سار به إلى بيت فرعون الذي وجدته زوجته فاتخذاه ولدا.
وبهذا فقد خفي نسبه على بني إسرائيل مدة طويلة لأنهم كانوا يعرفون موسى بأنه ابن فرعون, وبقي الحال كذلك حتى استطاع أحد الشيوخ التعرف عليه عن طريق صفاته، فعند ذلك عرف بنو إسرائيل من هو وما هو نسبه الحقيقي، فهو النبي الذي وعدهم يوسف (عليه السلام) به وذلك حسبما جاء في الرواية التي ذكر فيها:
وولد موسى بن عمران بن...........بن لاوي بن يعقوب بمصر في زمان فرعون الجبار.. وكان سحرة فرعون وكهنته قد قالوا له: يولد في هذا الوقت مولود من بني إسرائيل يفسد عليك ملكك ويكون به هلاكك... فأمر فرعون فوضع على كل امرأة حامل من بني إسرائيل حرساً فكانت لا تلد منهن امرأة غلاماً إلا قتل.. وأوحى الله إلى أم موسى أن أعملي تابوت ثم ضعيه فيه
وأخرجيه ليلاً فاطرحيه في نيل مصر ففعلت ذلك وضربته الريح فطرحته إلى الساحل, فرأته امرأة فرعون فدنت منه حتى أخذته، فلما فتحت التابوت ورأت موسى وقع عليها منه محبة، فقالت لفرعون نتخذه ولدا.. وكان يوسف قد قال لبني إسرائيل: إنكم لن تزالوا في العذاب حتى يأتي غلام جعد من ولد لاوي بن يعقوب يقال له موسى بن عمران.
فلما طال الأمر على بني إسرائيل ضجوا وأتوا شيخاً منهم فقال لهم: كأنكم به فبينما هم في ذلك إذ وقف عليهم موسى فلما رآه الشيخ عرفه بالصفة فقال له:
ما اسمك فقال: موسى
قال:ابن من ؟
قال: ابن عمران.
فقام هو والقوم وقبلوا يديه ورجليه واتخذهم شيعة(تاريخ اليعقوبي ج2 ص31).
وهنا نرى أيضاً ان خفاء نسب موسى (عليه السلام) كان بسبب الخوف من فرعون.
وهذا الحال ينطبق على عيسى (عليه السلام) حيث إن اليهود كانوا يعتقدون إن النبي المسيح الذي وعدهم به موسى (عليه السلام) سيكون من ذرية هارون (عليه السلام) فلما ولد عيسى (عليه السلام) من غير أب أنكروا عليه أن يكون هو النبي الموعود، لأن عيسى قد خفي نسبه عندهم.
ولكن في حقيقة الأمر إن نسب عيسى (عليه السلام) يرجع إلى هارون (عليه السلام) من جانب أمه مريم (عليها السلام )، كونها من ذرية هارون (عليه السلام)( تاريخ اليعقوبي ج2 ص67).
وكذلك الحال بالنسبة للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حيث كذبه أهل الكتاب لا سيما اليهود فضلاً عن المشركين بسبب نسبه، حيث كانوا يعتقدون ان النبي الذي بشر به المسيح (عليه السلام) سيكون من ذرية إسحاق (عليه السلام) فلما كان النبي ينتسب إلى بني هاشم الذين ينتسبون بدورهم إلى إسماعيل (عليه السلام) واليهود والمشركون يعرفون ذلك، أدى ذلك إلى رفضهم لنبوته وتكذيبها(بحار الأنوار ج15 ص174 _227، أعلام الورى ص69).
وهذا ما سيجري مع الداعي في عدم التصديق به وبدعوته لأن له سنة من الأنبياء الأربعة (عليهم السلام) من جانبين.
الجانب الأول: في خفاء نسبه تماماً عن الناس عندما يأذن الله له في كشف ذلك خوفاً على حياته من طغاة وجبابرة عصره.
الجانب الثاني: إنه سيواجه تكذيب الناس له بسبب خفاء نسبه ثم ظهوره فجأة، حيث كان معروفاً عند الناس بأنه من العوام ثم يتضح بعد ذلك إنه سيد علوي، فيُكَذب كما كُذب هؤلاء الأنبياء بسبب خفاء نسبهم.
وإن له سنة من أجداده من ذرية أهل البيت (عليهم السلام) حيث أضطر بعضهم إلى إخفاء نسبهم بسبب جور وطلب الدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية لهم.
وخير مثالين على ذلك هو أحمد بن مسلم بن عقيل ( عليهما السلام ) حيث إنه كان حاضراً يوم الطف مع الإمام الحسين (عليه السلام) وكان صغير السن، فعندما هجمت الخيل على مخيم الإمام الحسين (عليه السلام) بعد استشهاده، فر الأطفال إلى البراري وكان أحمد بن مسلم أحدهم، وساقه القدر إلى رئيس أحد القبائل القاطنة في أطراف الكوفة، وطلب إليهم أن يعمل عندهم، وبالفعل أجابوا طلبه لما رأوا فيه من جلالة القدر وحسن الخلقة.
وبقي يعمل عندهم قرابة أربع سنوات إلى أن سمع بخروج المختار الثقفي ( رضوان الله عليه ) في الكوفة طالباً بثأر الإمام الحسين (عليه السلام) حيث أخذ يقتل قَتَلَة الإمام (عليه السلام) وذلك بعد محاكمتهم، وعندها كشف أحمد بن مسلم (عليه السلام) عن نسبه الحقيقي لرئيس القبيلة، وأخبره إنه يريد أن يذهب للقاء المختار، أخذ رئيس القبيلة يبكي ويلطم على رأسه وهو يقول له ما هو عذري غداً عندما القى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والإمام علي (عليه السلام) وكان قد استخدمه في العمل عنده.
ذهب أحمد بن مسلم (عليه السلام) ودخل مجلس المختار فطلب إليه الأخير الجلوس، فأجابه قائلاً أأجلس من حيث أنا أم من حيث أنت ؟ عندها عرف المختار إنه ذو مكانة وشرف وذو منطق.
فقال له: اجلس من حيث أنت.
فعندها جاء وجلس بقرب المختار.
وهنا ازداد الأخير يقيناً إن هذا الفتى ينتسب إلى بيت كريم، فقال له من أنت يا بني ؟ فأخبره بأنه أحمد بن مسلم وكيف إنه هرب في عصر يوم عاشوراء فبكاه المختار ومن كان بمجلسه وصار المجلس أشبه بمجلس عزاء استذكرت فيه الحادثة وواقعة الطف الأليمة.
ثم إن أحمد بن مسلم طلب منه أن يرسله إلى أمه بالمدينة وبالفعل فعل ذلك(بحار الأنوار ج45 ص45-59، تاريخ اليعقوبي ج2 ص180، مقتل الحسين ص348) ألا لعنة الله على القوم الظالمين من أعداء محمد وآل محمد.
ونجد إن هذه القصة تكررت كذلك في أيام العباسيين مع القاسم أبن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).
يتبين لنا من خلال ذلك إن بعض الناس يضطرون بعض الأحيان إلى أخفاء نسبهم وذلك لخوفهم من طواغيت زمانهم على الأمانة التي يحملونها، وهذا ما يجرى مع اليماني، حيث نجد إن الأئمة (عليهم السلام) لم يتحدثوا عن نسبه أو اسمه أو شخصه بصراحة ووضوح، حتى إنهم أعطوه أكثر من لقب وأكثر من صفة، حتى يظن المتتبع له إن هذه بأجمعها علامات لشخصيات متعددة، لكنها في الحقيقة مجتمعة في شخص واحد، فيأخذ كل لقب واسم مكانه بحسب الدور والمرحلة التي يمارسها الداعي اليماني في القضية المهدوية كما سيأتي. B]
تعليق