منقول من موسوعة القائم ج1
أصل دعوة اليماني وماهيتها
إن شرط قيام الإمام المهدي (عليه السلام) أن يتوفر لديه الأنصار فقد ورد عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( لا يقوم القائم من مكة حتى تكتمل الحلقة قلت وكم الحلقة قال عشرة آلاف جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ...)( بحار الأنوار ج52 ص367
).
فكيف يعقل إن هذا العدد الغير قليل من الأنصار يجتمعون من عدة دول وأقطار دون أن يكون هناك شخص قد جمعهم وأعدهم لهذا الأمر، فلو كان الأمر اعتباطياً وعفوياً لما كان لهم أن يعرفوا إن الإمام المهدي (عليه السلام) موجوداً في مكة ليذهبوا إلى بيعته، ثم كيف عرف هؤلاء إنهم أنصار الإمام (عليه السلام) من دون الملايين من الناس إلا إذا كان هناك شخص عرفهم بذلك.
وبطبيعة الحال فإن الإمام المهدي (عليه السلام) لا يمكنه القيام بالدعوة وجمع الأنصار بنفسه وذلك لسببين الأول أنه في حال غيبة واستتار من الناس وذلك خوفا على نفسه من كيد الظلمة والطغاة المتربصين به منذ ولادته وإلى الآن، حتى ورد إنه لشدة تتبع الظالمين له لو لم يخرج في العاشر من محرم لكشف أمره وقتل.
إذن فالإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبة حتى يأذن الله تعالى له بالقيام في العاشر من محرم في مكة، فعليه لا يمكنه القيام بالدعوة، لأن من مستلزمات الداعي أن يكون ظاهراً للناس ويدعوهم بصورة مباشرة، وهذا الأمر لا يتسنى للإمام (عليه السلام)، إذن لابد أن يقوم الإمام المهدي بإرسال داعياً من قبله يدعو الناس إليه.
ولو تتبعنا المرويات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) نجد إنها تذكر إن للإمام المهدي (عليه السلام) دعوة قبل قيامه المقدس، وإنها قامت بتحديد الداعي الذي يقوم بتلك الدعوة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
و نجد إن الأئمة (عليهم السلام) احاطوا صفات الداعي وطبيعة دعوته برموز لا يستطيع حلها إلا الإمام المهدي واليماني الذي يكون مرسلاً منه (عليه السلام) والذي يملك القدرة على فك أغلب رموز القضية المهدوية من علامات وإشارات وتعاليم خاصة بسير الدعوة ككل إلى أن يتم القيام المقدس للإمام المهدي (عليه السلام).
والآن نأتي إلى ذكر الروايات التي تشير إلى أن اليماني هو الداعي للإمام المهدي (عليه السلام) الذي يقوم بدعوة الناس إليه وإلى بيعته ويعرفهم به وبعلامات قيامه.
الرواية الأولى:
عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة وفي شهر واحد نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه ويل لمن ناواهم وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم )( بحار الأنوار ج52 ص230 ، غيبة النعماني 256).
الرواية الثانية :
وردت عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً حيث قال: ( خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني لأنه يهدي إلى الحق )( بحار الأنوار ج52 ص210 ، غيبة الطوسي ص446 ، الإرشاد ج2 ص375).
ونجد هنا أن الرواية تشير بكل صراحة إلى أن اليماني هو من يدعو إلى الإمام المهدي لقول الصادق (عليه السلام) ( لأنه يدعو إلى صاحبكم ) أي إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، فإن أهل البيت (عليهم السلام) في كثير من الأحيان لا يسمونه بالإسم حفاظاً عليه وعلى سرية حركاته.
ثم إننا نجد أن الرواية الأولى تكرر لفظة (اليماني يدعو) مرتين الأولى يدعو فيها إلى صاحبكم والثانية يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، حيث ورد في تفسير الحق انه هو الإمام المهدي (عليه السلام).
فقد جاء عن إبراهيم عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال في قوله تعالى: ({سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}، قال في الآفاق بانتقاص الأطراف عليهم وفي انفسهم المسخ حتى يتبين لهم أنه الحق إنه القائم)( تأويل الآيات ج1 ص527).
رواية ثالثة:
عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: ( لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم الحق منا وذلك حين يأذن الله عز وجل له )( بحار الأنوار ج51 ص65).
فيتبين لنا إن الحق هو الإمام المهدي (عليه السلام) والذي يدعو له السيد اليماني، ولهذا فإن رايته تكون أهدى الرايات لدعوتها تلك، فضلاً عن ذلك فقد ورد في تفسير الصراط المستقيم بأنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأئمة (عليهم السلام) الإثنا عشر (عليهم السلام)، والذين آخرهم الإمام المهدي (عليه السلام) وهو الخاتم، فعليه يكون الإمام المهدي هو الصراط المستقيم والتي أشارت الرواية إلى أن اليماني في آخر الزمان سيدعو له.
وجاء كذلك عن أبي مالك الأسدي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( عن قول الله تعالى َأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون قال: فبسط أبو جعفر (عليه السلام) يده اليسار ثم دور فيها يده اليمنى ثم قال نحن الصراط المستقيم ...) (تفسير الفرات ص138).
ويتبين لنا مما تقدم انه عندما نقرأ سورة الحمد أهدنا الصراط المستقيم أي أهدنا إلى محمد وآله أجمعين والمتمثلين في وقتنا الحاضر بالإمام المهدي (عليه السلام)، أي إننا نقول اللهم أهدنا إلى الإمام المهدي (عليه السلام) والهداية تكون على شقين الأول بموالاته والثانية بالإهتداء إليه والتهئ لنصرته.
أما بخصوص الروايات الغير صريحة والتي تلمح بأن اليماني هو الداعي للإمام المهدي (عليه السلام) فهي متعددة.
الرواية الأولى:
والتي تتحدث عن علامات قيام الإمام المهدي (عليه السلام) والتي وردت عن عمار بن ياسر أنه قال: ( ويظهر ثلاثة نفر في الشام كلهم يطلب الملك رجل أبقع وأصهب ورجل من أهل بيت أبو سفيان يخرج من كلب ويحضر الناس بدمشق ويخرج أهل المغرب إلى مصر فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد (عليهم السلام) حتى ينزل الجزيرة السفياني حتى يسبق اليماني ...)( غيبة النعماني ص463.
الرواية الثانية: عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) التي جاء فيها : ( سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما كان فطوبى للغرباء، فقال: يا أبا محمد يستأنف الداعي منا دعاءأً جديداً كما دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ...)( غيبة النعماني ص336).
ولو جئنا لأي بعثة من بعثات الأنبياء والرسل (عليهم السلام) بل حتى الأوصياء نجدها في مرحلتها الأولى والمتمثلة بالدعوة، تكون متسمة بعدة سمات منها إن دعوتهم تكون دعوة سلمية كما مر بنا آنفاً.
والسمة الثانية إن دعوتهم تبدأ بين المستضعفين، فهم جل أنصارها، فضلاً عن ان صاحب الدعوة يكون مستضعفاً هو الآخر، وقد أشار القرآن لهذه السمة في قصة نوح (عليه السلام) وشعيب (عليه السلام) قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ* أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} ( ).
وقوله تعالى: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }( ).
أما السمة الثالثة فهي قلة الأموال أي إن صاحب الدعوة لا يكون من ذوي الأموال، وهذا أمر طبيعي كونه مستضعفاً ودعوته بين المستضعفين وبديهياً إن الأموال لا تكون لدى هذه الفئة من الناس وإنما تكون عند ذوي المكانة والجاه في المجتمع، وذلك كما جاء في قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ* وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }( ).
وكذلك قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ* وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}( ).
ومن هنا يتبين كيف إن الأموال تكون بيد المعادين لأصحاب الدعوات الإلهية.
ولو جئنا إلى تطبيق هذه السمات الثلاثة نجدها تنطبق على السيد اليماني ولا تنطبق على الإمام المهدي (عليه السلام)، وبالتالي نخلص إلى نفس النتيجة السابقة إن الإمام المهدي لا بد لقضيته من دعوة يقوم بها السيد اليماني.
ونأتي أولاً إلى سلمية الدعوة، حيث أشارت الروايات إلى أن دعوة اليماني دعوة سلمية، وهذا ما لم يثبت للإمام المهدي (عليه السلام) لأننا سبق وأن قلنا إنه يقوم بمكة محاسباً بالسيف ولا يستتيب أحد أي لا يقبل توبة أحد، وهذا ما يتنافى ويتعارض مع الدعوة، لأن الدعوة تقوم على اساس الكلام والمحاورة وقبول العذر وهي الصفاة التي يجب أن يتصف بها الداعي والتي لا يستخدمها الإمام (عليه السلام)، لآنه يقوم محاسباً ولا تأخذه في الله لومة لائم، في حين نجد أن الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تعطي هذه الصفة لليماني الذي يعتمد اسلوب الدعوة بالحوار لكي يستطيع اقناع الناس بصحة دعوته من جهة، والكشف عن بعض خفايا القضية المهدوية ليتهيئ الناس ويستعدوا لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام) من جهة أخرى، من قبيل مراحل الظهور والقيام وعلاماته وجمع الأنصار سراً، ثم علانية، ثم الهجرة، فضلاً عن باقي العلامات المهمة كالصيحة وقتل النفس الزكية وخروج السفياني وغيرها من الأمور.
وبذلك يكون اليماني كجرس الإنذار الذي يقرعه الإمام المهدي (عليه السلام) بيده لينبه الناس إلى مقدمه، وهذا ما يجعلهم يستشعرون ان هذا الزمان هو زمان قيامه (عليه السلام) والذي يكون أهم علاماته ظهور دعوة الداعي.
أصل دعوة اليماني وماهيتها
إن شرط قيام الإمام المهدي (عليه السلام) أن يتوفر لديه الأنصار فقد ورد عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( لا يقوم القائم من مكة حتى تكتمل الحلقة قلت وكم الحلقة قال عشرة آلاف جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ...)( بحار الأنوار ج52 ص367
).
فكيف يعقل إن هذا العدد الغير قليل من الأنصار يجتمعون من عدة دول وأقطار دون أن يكون هناك شخص قد جمعهم وأعدهم لهذا الأمر، فلو كان الأمر اعتباطياً وعفوياً لما كان لهم أن يعرفوا إن الإمام المهدي (عليه السلام) موجوداً في مكة ليذهبوا إلى بيعته، ثم كيف عرف هؤلاء إنهم أنصار الإمام (عليه السلام) من دون الملايين من الناس إلا إذا كان هناك شخص عرفهم بذلك.
وبطبيعة الحال فإن الإمام المهدي (عليه السلام) لا يمكنه القيام بالدعوة وجمع الأنصار بنفسه وذلك لسببين الأول أنه في حال غيبة واستتار من الناس وذلك خوفا على نفسه من كيد الظلمة والطغاة المتربصين به منذ ولادته وإلى الآن، حتى ورد إنه لشدة تتبع الظالمين له لو لم يخرج في العاشر من محرم لكشف أمره وقتل.
إذن فالإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبة حتى يأذن الله تعالى له بالقيام في العاشر من محرم في مكة، فعليه لا يمكنه القيام بالدعوة، لأن من مستلزمات الداعي أن يكون ظاهراً للناس ويدعوهم بصورة مباشرة، وهذا الأمر لا يتسنى للإمام (عليه السلام)، إذن لابد أن يقوم الإمام المهدي بإرسال داعياً من قبله يدعو الناس إليه.
ولو تتبعنا المرويات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) نجد إنها تذكر إن للإمام المهدي (عليه السلام) دعوة قبل قيامه المقدس، وإنها قامت بتحديد الداعي الذي يقوم بتلك الدعوة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
و نجد إن الأئمة (عليهم السلام) احاطوا صفات الداعي وطبيعة دعوته برموز لا يستطيع حلها إلا الإمام المهدي واليماني الذي يكون مرسلاً منه (عليه السلام) والذي يملك القدرة على فك أغلب رموز القضية المهدوية من علامات وإشارات وتعاليم خاصة بسير الدعوة ككل إلى أن يتم القيام المقدس للإمام المهدي (عليه السلام).
والآن نأتي إلى ذكر الروايات التي تشير إلى أن اليماني هو الداعي للإمام المهدي (عليه السلام) الذي يقوم بدعوة الناس إليه وإلى بيعته ويعرفهم به وبعلامات قيامه.
الرواية الأولى:
عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة وفي شهر واحد نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه ويل لمن ناواهم وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم )( بحار الأنوار ج52 ص230 ، غيبة النعماني 256).
الرواية الثانية :
وردت عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً حيث قال: ( خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني لأنه يهدي إلى الحق )( بحار الأنوار ج52 ص210 ، غيبة الطوسي ص446 ، الإرشاد ج2 ص375).
ونجد هنا أن الرواية تشير بكل صراحة إلى أن اليماني هو من يدعو إلى الإمام المهدي لقول الصادق (عليه السلام) ( لأنه يدعو إلى صاحبكم ) أي إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، فإن أهل البيت (عليهم السلام) في كثير من الأحيان لا يسمونه بالإسم حفاظاً عليه وعلى سرية حركاته.
ثم إننا نجد أن الرواية الأولى تكرر لفظة (اليماني يدعو) مرتين الأولى يدعو فيها إلى صاحبكم والثانية يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، حيث ورد في تفسير الحق انه هو الإمام المهدي (عليه السلام).
فقد جاء عن إبراهيم عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال في قوله تعالى: ({سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}، قال في الآفاق بانتقاص الأطراف عليهم وفي انفسهم المسخ حتى يتبين لهم أنه الحق إنه القائم)( تأويل الآيات ج1 ص527).
رواية ثالثة:
عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: ( لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم الحق منا وذلك حين يأذن الله عز وجل له )( بحار الأنوار ج51 ص65).
فيتبين لنا إن الحق هو الإمام المهدي (عليه السلام) والذي يدعو له السيد اليماني، ولهذا فإن رايته تكون أهدى الرايات لدعوتها تلك، فضلاً عن ذلك فقد ورد في تفسير الصراط المستقيم بأنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأئمة (عليهم السلام) الإثنا عشر (عليهم السلام)، والذين آخرهم الإمام المهدي (عليه السلام) وهو الخاتم، فعليه يكون الإمام المهدي هو الصراط المستقيم والتي أشارت الرواية إلى أن اليماني في آخر الزمان سيدعو له.
وجاء كذلك عن أبي مالك الأسدي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( عن قول الله تعالى َأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون قال: فبسط أبو جعفر (عليه السلام) يده اليسار ثم دور فيها يده اليمنى ثم قال نحن الصراط المستقيم ...) (تفسير الفرات ص138).
ويتبين لنا مما تقدم انه عندما نقرأ سورة الحمد أهدنا الصراط المستقيم أي أهدنا إلى محمد وآله أجمعين والمتمثلين في وقتنا الحاضر بالإمام المهدي (عليه السلام)، أي إننا نقول اللهم أهدنا إلى الإمام المهدي (عليه السلام) والهداية تكون على شقين الأول بموالاته والثانية بالإهتداء إليه والتهئ لنصرته.
أما بخصوص الروايات الغير صريحة والتي تلمح بأن اليماني هو الداعي للإمام المهدي (عليه السلام) فهي متعددة.
الرواية الأولى:
والتي تتحدث عن علامات قيام الإمام المهدي (عليه السلام) والتي وردت عن عمار بن ياسر أنه قال: ( ويظهر ثلاثة نفر في الشام كلهم يطلب الملك رجل أبقع وأصهب ورجل من أهل بيت أبو سفيان يخرج من كلب ويحضر الناس بدمشق ويخرج أهل المغرب إلى مصر فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد (عليهم السلام) حتى ينزل الجزيرة السفياني حتى يسبق اليماني ...)( غيبة النعماني ص463.
الرواية الثانية: عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) التي جاء فيها : ( سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما كان فطوبى للغرباء، فقال: يا أبا محمد يستأنف الداعي منا دعاءأً جديداً كما دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ...)( غيبة النعماني ص336).
ولو جئنا لأي بعثة من بعثات الأنبياء والرسل (عليهم السلام) بل حتى الأوصياء نجدها في مرحلتها الأولى والمتمثلة بالدعوة، تكون متسمة بعدة سمات منها إن دعوتهم تكون دعوة سلمية كما مر بنا آنفاً.
والسمة الثانية إن دعوتهم تبدأ بين المستضعفين، فهم جل أنصارها، فضلاً عن ان صاحب الدعوة يكون مستضعفاً هو الآخر، وقد أشار القرآن لهذه السمة في قصة نوح (عليه السلام) وشعيب (عليه السلام) قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ* أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} ( ).
وقوله تعالى: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }( ).
أما السمة الثالثة فهي قلة الأموال أي إن صاحب الدعوة لا يكون من ذوي الأموال، وهذا أمر طبيعي كونه مستضعفاً ودعوته بين المستضعفين وبديهياً إن الأموال لا تكون لدى هذه الفئة من الناس وإنما تكون عند ذوي المكانة والجاه في المجتمع، وذلك كما جاء في قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ* وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }( ).
وكذلك قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ* وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}( ).
ومن هنا يتبين كيف إن الأموال تكون بيد المعادين لأصحاب الدعوات الإلهية.
ولو جئنا إلى تطبيق هذه السمات الثلاثة نجدها تنطبق على السيد اليماني ولا تنطبق على الإمام المهدي (عليه السلام)، وبالتالي نخلص إلى نفس النتيجة السابقة إن الإمام المهدي لا بد لقضيته من دعوة يقوم بها السيد اليماني.
ونأتي أولاً إلى سلمية الدعوة، حيث أشارت الروايات إلى أن دعوة اليماني دعوة سلمية، وهذا ما لم يثبت للإمام المهدي (عليه السلام) لأننا سبق وأن قلنا إنه يقوم بمكة محاسباً بالسيف ولا يستتيب أحد أي لا يقبل توبة أحد، وهذا ما يتنافى ويتعارض مع الدعوة، لأن الدعوة تقوم على اساس الكلام والمحاورة وقبول العذر وهي الصفاة التي يجب أن يتصف بها الداعي والتي لا يستخدمها الإمام (عليه السلام)، لآنه يقوم محاسباً ولا تأخذه في الله لومة لائم، في حين نجد أن الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تعطي هذه الصفة لليماني الذي يعتمد اسلوب الدعوة بالحوار لكي يستطيع اقناع الناس بصحة دعوته من جهة، والكشف عن بعض خفايا القضية المهدوية ليتهيئ الناس ويستعدوا لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام) من جهة أخرى، من قبيل مراحل الظهور والقيام وعلاماته وجمع الأنصار سراً، ثم علانية، ثم الهجرة، فضلاً عن باقي العلامات المهمة كالصيحة وقتل النفس الزكية وخروج السفياني وغيرها من الأمور.
وبذلك يكون اليماني كجرس الإنذار الذي يقرعه الإمام المهدي (عليه السلام) بيده لينبه الناس إلى مقدمه، وهذا ما يجعلهم يستشعرون ان هذا الزمان هو زمان قيامه (عليه السلام) والذي يكون أهم علاماته ظهور دعوة الداعي.
تعليق