منقول من موسوعة القائم ج1
الدعوة العلنية للإمام المهدي (ع)
من المعلوم ان أي دعوة سرية قديماً أو حديثاً لا بد لها أن تتحول إلى دعوة علنية لغرض تحقيق أهدافها التي قامت من أجلها، وهذه هي السنن الإلهية التي تعبد الله تعالى بها الأنبياء كنبي الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فبعد انتهاء مرحلة الدعوة السرية أمره الله أن يجهر بدعوته ويعلنها للناس كما في قوله تعالى : {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ }( ).
وهكذا بدأ مرحلة الدعوة العلنية التي أعلن فيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) دعوته المباركة كما أمره الله عز وجل بإعلانها في قريش ومكة والمدن المجاورة، ففعل (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ما أمر به واعلن الدعوة عند بيت الله الحرام، وقد أحاط به أصحابه، ومحاولة رجال قريش صد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بقتله هو وأصحابه ولكنهم لم يجدوا إلى ذلك سبيل، فقاموا بإتهام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بشتى الإتهامات لأنهم فشلوا في قتله مادياً فحاولوا قتله معنوياً، بإلصاق التهم والأكاذيب به وحاولوا قتل شخصيته لدى الناس حتى لا يؤمن به أحد.
وهذه سنة من سنن الله تعالى في أنبياءه ورسله وأولياءه حيث يقوم أعداء الله بكيل التهم والأراجيف الباطلة وإثارة الشبهات حول ذواتهم المقدسة ورميهم بالباطل، ووصفهم بالكذب والسفاهة والسحر والجنون والجنة، وما إلى ذلك من الأباطيل، فإذا ما أستطاعوا أن يقنعوا أحداً ما بأباطيلهم تلك نجحوا في قتل شخصية ذلك النبي.
فهذا نبي الله نوح (عليه السلام) نسبوه إلى الضلالة قال تعالى حكاية عن ذلك: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }( ).
أما نبي الله هود (عليه السلام) فنسبوه إلى الكذب قال تعالى حكاية عنهم {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ }( ).
وهذ نبي الله موسى (عليه السلام) اتهموه بالسحر قال تعالى: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ }( ).
كما إن أعداء الله إتهموا نبي الله عيسى (عليه السلام) بشتى الإتهامات التي لا يقوى اللسان على التلفظ بها، وكيف إنه ولد من غير أب، وما إلى ذلك من الأباطيل والتهم التي حاولوا بها قتل شخصيات الأنبياء وتسقيطهم في نظر الناس معنوياً حاشاهم من ذلك.
أما النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فإنه تعرض للكثير من التهم والأباطيل وتعرض للضغط وبشتى الوسائل لغرض ثنيه عن دعوته ونبذها ومنعه من مواصلتها حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عن نفسه: ( ما أوذي نبي مثل ما أوذيت )( بحار الأنوار ج39 ص55، كشف الغمة ج2 ص437، المناقب ج3 ص247).
وأيضاً اتهمه كفار قريش بالكذب والجنون والسحر كما في قوله تعالى حكاية عن قولهم في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ }( )
وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }( )
وقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }( ).
وحاولوا بذلك قتل شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والحط منه في نظر الناس وأتباعه لكي لا يؤمنون به، وهذا من أشد ما لاقاه الأنبياء من اقوامهم، لكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لم يأبه بهم وأظهره الله عليهم ونصره ونشر دعوته وأظهر أمره، فنشر الخبر في كل أنحاء مكة وما حولها من المدن عن أمر الدين الجديد.
وأخذ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يبشرون القوافل القادمة إلى مكة للتجارة بالدعوة، وهكذا إنتشرت الدعوة المحمدية إنتشاراً واسعاً وسريعاً، وكثر أتباع الدين الجديد ومعتنقيه الذين وجدوا فيه ضالتهم، مما حدى بسادة مكة إلى إتباع إسلوب آخر معهم بعد فشلهم في محاولة إلصاق التهم بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فقام مشركوا قريش بالتعرض لأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وإلقاء القبض عليهم وتعذيبهم وأحياناً يصل الأمر إلى قتلهم لأجبارهم على ترك ذلك الدين الجديد، مما حدى بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بعد ذلك الضغط المتواصل الذي وصل إلى حد محاولة إغتياله وقتله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أضطر والحال هذه إلى أعطاء أوامره للمسلمين بالهجرة إلى المدينة المنورة ( يثرب ) وبإذن الله عز وجل.
علماً إن هذه الهجرة هي الثانية لهم فقد سبقتها قبل ذلك هجرة إلى الحبشة ، فكانت هجرة عامة هاجر بها المسلمون كلهم إلى يثرب مدينة الرسول والتي سميت بالمدينة المنورة.
ومن هناك تبدأ مرحلة جديدة مرحلة ما بعد الهجرة إلى فتح مكة.
أما دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) وهي التي تهمنا في هذا البحث، فإن هذه الدعوة التي تكون في بدايتها دعوة سرية فهذه المرحلة سوف تنتهي لتدخل الدعوة في المرحلة العلنية أو الإعلان، والذي يقوم فيه أنصار الإمام (عليه السلام) بقيادة السيد اليماني بإعلان دعوتهم في الكوفة فإن هذه المرحلة هي من أقوى المراحل وأشدها على الإطلاق حيث تكون المواجهة على اشدها بين أنصار الحق ( أنصار الإمام المهدي ) وبين أتباع الباطل، من حيث القتل المعنوي لصاحب الدعوة ورموزها وقادتها أو القتل المادي لأولئك القادة.
وهناك عدة روايات تشير إلى تحول دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) بقيادة السيد اليماني من المرحلة السرية إلى المرحلة العلنية.
ومن هذه الروايات ما ورد من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: ( أنظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعزون فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء قال فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين قال (عليه السلام) يفرج الله البلاء برجل من أهل بيتي كإنفراج الأديم من بيته ...)( بحار الأنوار ج41 ص353، كتاب سليم ص715).
والدعوة في المرحلة السرية لا يحتاج فيها الداعي إلى استنصار أصحابه أو مريديه على عدوه، لأن الأخير ليس في دائرة المواجهة المباشرة، بينما المرحلة العلنية هي المرحلة التي تتطلب الإستنصار والنصرة لأن الداعي سيدخل في إطار المواجهة المباشرة مع عدوه لذا وجب على محبيه وأنصاره ومريديه نصرته على عدوه وهذا ما أراده الإمام علي (عليه السلام) من حث المؤمنين على نصرة الداعي إلى الإمام المهدي (عليه السلام) بعد إعلان دعوته ووقوفه وجهاً لوجه مع اعداءه.
الرواية الثانية: ما ورد عن عاصم بن حميد عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: ( وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا وذلك قوله عز وجل ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه يعني لتؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ولتنصرن وصيه وسينصرونه جميعاً وإن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والنصر بعضنا لبعض فقد نصرت محمد وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت لله بما أخذ عليّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين شرقها إلى مغربها، وليبعثن الله أحياء من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً، فيا عجباً وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء، يلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك داعي الله قد تخللوا سكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعده )( بحار الأنوار ج53 ص46).
وفي هذه الرواية إشارة إلى إعلان دعوة الإمام المهدي (عليه السلام)، بلحاظ أولئك الذين يلبون بنداء لبيك داعي الله، وذلك لا يكون إذا لم يكن هنالك إعلان للدعوة فيلبون دعوة الداعي ( السيد اليماني)، وتخللهم سكك الكوفة دليل على إعلان هذه الدعوة أيضاً، لأن في ذلك إشارة إلى ظهور حركتهم علناً وأمام الملأ بعد مرحلة الستر والتخفي، كما إن في هذه الرواية إشارة إلى الرجعة الروحية التي ترجع فيها أرواح أموات معينين من الأنبياء والأولياء والأئمة والصالحين، لتسدد الإمام المهدي ووزيره وأنصاره وممهديه، والأنبياء الذين أشار إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) إنهم يضربون بين يديه، يقصد به هنا إن روح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ترجع وتسدد وزير الإمام المهدي (عليه السلام).
الرواية الثالثة: ( وخلعت العرب أعنتها ورفع كل ذي صيصية صيصيته وظهر السفياني واليماني ...)( بحار الأنوار ج52 ص242
).
مما يدل على ظهور اليماني بشخصه ومعرفة الناس به وذلك لا يكون إلا بعد الإعلان عن نفسه ودعوته، علماً إن الظهور يختلف عن الخروج فالخروج يعني القيام بالسيف والتحرك المسلح من قبل الداعي وأنصاره.
يتبع
الدعوة العلنية للإمام المهدي (ع)
من المعلوم ان أي دعوة سرية قديماً أو حديثاً لا بد لها أن تتحول إلى دعوة علنية لغرض تحقيق أهدافها التي قامت من أجلها، وهذه هي السنن الإلهية التي تعبد الله تعالى بها الأنبياء كنبي الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فبعد انتهاء مرحلة الدعوة السرية أمره الله أن يجهر بدعوته ويعلنها للناس كما في قوله تعالى : {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ }( ).
وهكذا بدأ مرحلة الدعوة العلنية التي أعلن فيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) دعوته المباركة كما أمره الله عز وجل بإعلانها في قريش ومكة والمدن المجاورة، ففعل (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ما أمر به واعلن الدعوة عند بيت الله الحرام، وقد أحاط به أصحابه، ومحاولة رجال قريش صد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بقتله هو وأصحابه ولكنهم لم يجدوا إلى ذلك سبيل، فقاموا بإتهام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بشتى الإتهامات لأنهم فشلوا في قتله مادياً فحاولوا قتله معنوياً، بإلصاق التهم والأكاذيب به وحاولوا قتل شخصيته لدى الناس حتى لا يؤمن به أحد.
وهذه سنة من سنن الله تعالى في أنبياءه ورسله وأولياءه حيث يقوم أعداء الله بكيل التهم والأراجيف الباطلة وإثارة الشبهات حول ذواتهم المقدسة ورميهم بالباطل، ووصفهم بالكذب والسفاهة والسحر والجنون والجنة، وما إلى ذلك من الأباطيل، فإذا ما أستطاعوا أن يقنعوا أحداً ما بأباطيلهم تلك نجحوا في قتل شخصية ذلك النبي.
فهذا نبي الله نوح (عليه السلام) نسبوه إلى الضلالة قال تعالى حكاية عن ذلك: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }( ).
أما نبي الله هود (عليه السلام) فنسبوه إلى الكذب قال تعالى حكاية عنهم {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ }( ).
وهذ نبي الله موسى (عليه السلام) اتهموه بالسحر قال تعالى: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ }( ).
كما إن أعداء الله إتهموا نبي الله عيسى (عليه السلام) بشتى الإتهامات التي لا يقوى اللسان على التلفظ بها، وكيف إنه ولد من غير أب، وما إلى ذلك من الأباطيل والتهم التي حاولوا بها قتل شخصيات الأنبياء وتسقيطهم في نظر الناس معنوياً حاشاهم من ذلك.
أما النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فإنه تعرض للكثير من التهم والأباطيل وتعرض للضغط وبشتى الوسائل لغرض ثنيه عن دعوته ونبذها ومنعه من مواصلتها حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عن نفسه: ( ما أوذي نبي مثل ما أوذيت )( بحار الأنوار ج39 ص55، كشف الغمة ج2 ص437، المناقب ج3 ص247).
وأيضاً اتهمه كفار قريش بالكذب والجنون والسحر كما في قوله تعالى حكاية عن قولهم في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ }( )
وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }( )
وقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }( ).
وحاولوا بذلك قتل شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والحط منه في نظر الناس وأتباعه لكي لا يؤمنون به، وهذا من أشد ما لاقاه الأنبياء من اقوامهم، لكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لم يأبه بهم وأظهره الله عليهم ونصره ونشر دعوته وأظهر أمره، فنشر الخبر في كل أنحاء مكة وما حولها من المدن عن أمر الدين الجديد.
وأخذ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يبشرون القوافل القادمة إلى مكة للتجارة بالدعوة، وهكذا إنتشرت الدعوة المحمدية إنتشاراً واسعاً وسريعاً، وكثر أتباع الدين الجديد ومعتنقيه الذين وجدوا فيه ضالتهم، مما حدى بسادة مكة إلى إتباع إسلوب آخر معهم بعد فشلهم في محاولة إلصاق التهم بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فقام مشركوا قريش بالتعرض لأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وإلقاء القبض عليهم وتعذيبهم وأحياناً يصل الأمر إلى قتلهم لأجبارهم على ترك ذلك الدين الجديد، مما حدى بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بعد ذلك الضغط المتواصل الذي وصل إلى حد محاولة إغتياله وقتله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أضطر والحال هذه إلى أعطاء أوامره للمسلمين بالهجرة إلى المدينة المنورة ( يثرب ) وبإذن الله عز وجل.
علماً إن هذه الهجرة هي الثانية لهم فقد سبقتها قبل ذلك هجرة إلى الحبشة ، فكانت هجرة عامة هاجر بها المسلمون كلهم إلى يثرب مدينة الرسول والتي سميت بالمدينة المنورة.
ومن هناك تبدأ مرحلة جديدة مرحلة ما بعد الهجرة إلى فتح مكة.
أما دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) وهي التي تهمنا في هذا البحث، فإن هذه الدعوة التي تكون في بدايتها دعوة سرية فهذه المرحلة سوف تنتهي لتدخل الدعوة في المرحلة العلنية أو الإعلان، والذي يقوم فيه أنصار الإمام (عليه السلام) بقيادة السيد اليماني بإعلان دعوتهم في الكوفة فإن هذه المرحلة هي من أقوى المراحل وأشدها على الإطلاق حيث تكون المواجهة على اشدها بين أنصار الحق ( أنصار الإمام المهدي ) وبين أتباع الباطل، من حيث القتل المعنوي لصاحب الدعوة ورموزها وقادتها أو القتل المادي لأولئك القادة.
وهناك عدة روايات تشير إلى تحول دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) بقيادة السيد اليماني من المرحلة السرية إلى المرحلة العلنية.
ومن هذه الروايات ما ورد من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: ( أنظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعزون فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء قال فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين قال (عليه السلام) يفرج الله البلاء برجل من أهل بيتي كإنفراج الأديم من بيته ...)( بحار الأنوار ج41 ص353، كتاب سليم ص715).
والدعوة في المرحلة السرية لا يحتاج فيها الداعي إلى استنصار أصحابه أو مريديه على عدوه، لأن الأخير ليس في دائرة المواجهة المباشرة، بينما المرحلة العلنية هي المرحلة التي تتطلب الإستنصار والنصرة لأن الداعي سيدخل في إطار المواجهة المباشرة مع عدوه لذا وجب على محبيه وأنصاره ومريديه نصرته على عدوه وهذا ما أراده الإمام علي (عليه السلام) من حث المؤمنين على نصرة الداعي إلى الإمام المهدي (عليه السلام) بعد إعلان دعوته ووقوفه وجهاً لوجه مع اعداءه.
الرواية الثانية: ما ورد عن عاصم بن حميد عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: ( وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا وذلك قوله عز وجل ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه يعني لتؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ولتنصرن وصيه وسينصرونه جميعاً وإن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والنصر بعضنا لبعض فقد نصرت محمد وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت لله بما أخذ عليّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين شرقها إلى مغربها، وليبعثن الله أحياء من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً، فيا عجباً وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء، يلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك داعي الله قد تخللوا سكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعده )( بحار الأنوار ج53 ص46).
وفي هذه الرواية إشارة إلى إعلان دعوة الإمام المهدي (عليه السلام)، بلحاظ أولئك الذين يلبون بنداء لبيك داعي الله، وذلك لا يكون إذا لم يكن هنالك إعلان للدعوة فيلبون دعوة الداعي ( السيد اليماني)، وتخللهم سكك الكوفة دليل على إعلان هذه الدعوة أيضاً، لأن في ذلك إشارة إلى ظهور حركتهم علناً وأمام الملأ بعد مرحلة الستر والتخفي، كما إن في هذه الرواية إشارة إلى الرجعة الروحية التي ترجع فيها أرواح أموات معينين من الأنبياء والأولياء والأئمة والصالحين، لتسدد الإمام المهدي ووزيره وأنصاره وممهديه، والأنبياء الذين أشار إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) إنهم يضربون بين يديه، يقصد به هنا إن روح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ترجع وتسدد وزير الإمام المهدي (عليه السلام).
الرواية الثالثة: ( وخلعت العرب أعنتها ورفع كل ذي صيصية صيصيته وظهر السفياني واليماني ...)( بحار الأنوار ج52 ص242
).
مما يدل على ظهور اليماني بشخصه ومعرفة الناس به وذلك لا يكون إلا بعد الإعلان عن نفسه ودعوته، علماً إن الظهور يختلف عن الخروج فالخروج يعني القيام بالسيف والتحرك المسلح من قبل الداعي وأنصاره.
يتبع
تعليق