منقول من موسوعة القائم ج2
سنن المهدي من آدم (ع) القياس، التسمية، الخلافة
من الملاحظ أن مبدأ القياس ظهر أولا عندما خلق الله آدم (عليه السلام) وأمر الملائكة بالسجود له تنفيذا لأمره تعالى حيث قال عز من قائل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }( )، حيث اعتمد إبليس عليه اللعنة على مبدأ القياس وقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين متفاخرا بنفسه بعد ما عرف أن النار أفضل من الطين، ولو علم إبليس ما جعل الله في خلق آدم وذريته لم يفتخر عليه، لذا جاء أمر الله بإنزال العقاب الذي يستحقه نتيجة لامتناعه عن تنفيذ أمر الله بالسجود لآدم (عليه السلام) بأن جعله من الصاغرين كما في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ* قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}( ).
وكما هو معلوم إن الإمام المهدي يأتي بدين جديد وقضاء جديد، فقد جاء عن أبي بصير قال: قال الأمام أبي جعفر (عليه السلام): ( يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلا السيف ولا يستتيب أحد ولا تأخذه في الله لومة لائم)( غيبة النعماني ص 239 ).
من تلك الرواية نرى أن الأمام المهدي سوف يأتي إلينا بأحكام شرعية غريبة في نظر فقهاء آخر الزمان وهي الأحكام الشرعية الخالصة والنابعة من جوهر القرآن بلا تحريف أو إضافة أو نقصان والتي ستكون جديدة على مسامع الناس لأنهم عاشوا وتربوا على خلافها بما سمعوا من فقهاءهم واعتادوا عليه لسنوات طويلة معهم لأنهم ابتعدوا عن الإسلام الحقيقي المحمدي ولجئوا إلى الأحكام الظاهرية الظنية العقلية، كل ذلك نتيجة استعمال مبدأ القياس والحكم الظني من قبل فقهاء آخر الزمان في استنباط الأحكام الشرعية.
ولا يفوتنا أن نذكر بأنهم في ظاهر الأمر يرفضون مبدأ القياس ويقولون بعدم جوازه ولكنهم في حقيقة الأمر يستعملونه في إطلاق الأحكام الشرعية من حيث يشعرون أو لا يشعرون، كونه يتناسب ومصالحهم الدنيوية والشخصية، وأنهم لن يقفوا عند هذا الحد بل سوف يصلون إلى أبعد من ذلك باستعمالهم مبدأ القياس مع الأمام المهدي (عليه السلام) ويقيسون أنفسهم بالأمام المهدي (عليه السلام) ويعتقدون انهم أفضل منه وأكثر علما وحسبا وأعلى مقاما، لذلك سيقفون بوجهه ووجه دعوته ويحاربون كل من يقف معه.
وقد يجد البعض إن في هذا الكلام غرابة فنقول إن الإمام لو كان معروفاً عند قيامه فسوف يؤمن الناس به، لما صرحت به الروايات الشريفة بأن أنصاره قلة من المستضعفين وان أكثر الناس سوف يقفون بوجهه (عليه السلام) نتيجة اتباعهم فقهاء السوء المضلين في آخر الزمان ويقولون بأن هذا الرجل مفتري ويجب قتاله وحربه فلا يصدقون ولا يعتقدون بصحة دعواه ويعتقدون أنهم أفضل منه ويقيسون أنفسهم به وأنهم أكثر أتباعاً وأموالا وشرفاً وحسباً ونسباً منه ، فهو رجل بسيط وليس معه إلا القلة القليلة من الأنصار والأتباع المستضعفين ولهذا سوف يقع ما ذكرنا وينتفي عند ذلك الإستغراب والتعجب.
2- التسمية
عن الأمام علي زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: ( للقائم منا سنة من آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما))( كمال الدين وتمام النعمة ص 314 ).
فإن للأمام المهدي (عليه السلام) سنة من نبي الله آدم (عليه السلام) من حيث التسمية كون اسم آدم هو من الأسماء المركبة من أمرين فالألف من آدم يدل على الله عز وجل كون حرف الألف فيه إشارة إلى الذات المقدسة، كما جاء في الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ( ما من حرف إلا وهو اسم من أسماء الله عز وجل، ثم قال أما الألف، فالله الذي لا اله إلا هو الحي القيوم، والباء الباقي بعد فناء خلقه، وأما التاء فالتواب ......)( بحار الأنوار ج2 ص 319 ).
ومعنى (الدم) هو الروح أو الحياة وهو الأصل في خلقة آدم (عليه السلام) قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }( )، لأن آدم (عليه السلام) خلق مباشرة من المولى سبحانه وتعالى لأن روحه من روح الله عز وجل، لذا فإن معنى آدم هو الذي خلق من روح الله، والدم هو عبارة عن الماء الذي منه كل شيء حي كما جاء في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }( ) ، بدلالة واضحة أن أصل الحياة هو الدم الذي يعبر عنه بأنه الماء، وبسـبب كون الدم (الماء الملون) يحتوي على العناصر الكيميائية الموجودة فيه فإن الدم يمثل الحالة الظاهرة للخلق والروح تمثل الحالة الباطنية.
إن الدم يمثل عالم الملك والشهادة، والروح تمثل عالم الملكوت لذلك فهي مرتبطة بالمولى سبحانه وتعالى لأن الملكوت بيد الله عز وجل قال تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }( ).
3- الخلافة
لما خلق الله سبحانه وتعالى آدم (عليه السلام) أمر الملائكة بالسجود له تنفيذا وطاعة لأمره فسجد الملائكة كلهم أجمعين إلا إبليس كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }( ).
فقد جعل المولى تبارك وتعالى صفيه ادم (عليه السلام) خليفة له في أرضه وكان أول خليفة لله عز وجل فقد اصطفاه الله لذلك المنصب الإلهي، فكان الاستغراب بائناً من الملائكة فاستفهموا عن ذلك الأمر فجاءهم جواب المولى تبارك وتعالى {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وقد كان علم الملائكة بما يقع وما يكون من قتل ابن آدم لأخيه وسفك الدماء في الأرض يعود لأحد احتمالين:
أن يكون علمهم ذاك من علم الله عز وجل فهو من علمهم ذلك بدليل قوله تعالى حكاية عن الملائكة: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } ( ).
فالملائكة لا يعلمون شيئاً إلا بتعليم الله عز وجل لهم وهذا واضح من ظاهر الآية.
والاحتمال الثاني أن يكون علم الملائكة يعود إلى ما رأوه من أفعال النسناس والجن الذين خلقا قبل خلق الإنسان وقد افسدا في الأرض، فتوقع الملائكة حصول نفس الشيء من الإفساد وعدم التسبيح والتقديس للباري جل ذكره. لذلك صدر منهم ما صدر من تساؤل.
إن الخلافة التي أرادها الله عز وجل قائمة على التسبيح والتقديس أي ملئ الأرض قسطاً وعدلاً وذلك لا يكون إلا من خلال إصلاح النفس وإعدادها فكرياً وعقائدياً وروحياً لإعطاء نتائج ايجابية، فيكون الإنسان مؤثراً في جميع الموجودات في هذا الكون، كما إن العمل السيئ يعكس نتائج سلبية مؤثرة في تلك الموجودات الكونية، وهذا المعنى يظهر واضحاًً من الرواية الواردة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كانت الوحوش والطير والسباع وكل شيء خلق الله عز وجل مختلطاً بعضه ببعض فلما قتل ابن ادم أخاه نفرت وفزعت فذهب كل شيء الى شكله )( بحار الأنوار ج11 ص236 ).
فقد نفرت جميع الحيوانات عندما قتل قابيل أخاه هابيل بعدما كانت تلك الحيوانات يعيش بعضها مع البعض الآخر من دون أن يؤذي احدها الآخر أو يفترس بعضها البعض، كما أن الأرض منعت بركتها وخيرها ولم يعد يحصل الإنسان على ما كان يحصل عليه من خير وبركة بعد أن سفكت الدماء وكثر الفساد من الإنسان وبهذا يتبين لنا واضحاً كون الإمام المهدي (عليه السلام) لا يستطيع أن يملأ الأرض قسطاً وعدلا إلا بعد أن يصلح نفوس البشر التي فسدت نتيجة أعمالهم الغير صالحة.
كما إن معنى التقديس هو نفي الباطل وإزالته وطرد الأنداد والشرك من النفس وبمعنى أدق واشمل هو إماتة الظلم والجور وإزالتهما من الأرض وذلك هو التقديس الذي أشار له القران وهو لا يكون بكماله وتمامه إلا على يد الإمام المهدي (عليه السلام) وفي خلافته ودولته العالمية، لذا فإن المولى سبحانه وتعالى قد خص الإنسان بالخلافة دون الملائكة وذلك لان الإنسان بتسبيحه وتقديسه للمولى عز وجل يصل إلى مقامات تفوق الملائكة، فالإنسان المرضي عند الله عز وجل أفضل من الملائكة. وبهذا يتضح إن الخلافة الإلهية التي أرادها الله هي خلافه الإمام المهدي (عليه السلام) وهو الخليفة الحقيقي لله عز وجل في الأرض فبخلافته يكون التسبيح والتقديس على أتم وجه وافهم صورة فالإمام المهدي (عليه السلام) ورث تلك الخلافة من أبيه آدم (عليه السلام) كما جاء في الروايات الشريفة إن له سنة من ادم (عليه السلام) ومن هذه السنن هو الخلافة في الأرض فإن المولى عز وجل كان عالماً بأن خلافة آدم (عليه السلام) ليست هي الخلافة الحقيقية التي يريدها لأن في علمه أن يقتل الأخ أخاه ويكون الفساد في الأرض ولكنه في الوقت ذاته عالماً بأن الخلافة الحقيقية تكون على يد الإمام المهدي (عليه السلام) حيث لا فساد ولا ظلم ولا جور بل هو عدل وقسط وإحسان وان الخليفة الحقيقي الذي يكون كل ذلك على يديه هو من ذرية ادم (عليه السلام) ومن نسله وقد أودعه الله سبحانه وتعالى في صلب ادم (عليه السلام) وهو المستفاد من قوله تعالى {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } فإنه تبارك وتعالى يصلحهم بظهور المهدي الذي يقيم خلافة الله في الأرض ويكون من ذرية ادم (عليه السلام) وهو ما خفي على الملائكة آنذاك.
سنن المهدي من آدم (ع) القياس، التسمية، الخلافة
من الملاحظ أن مبدأ القياس ظهر أولا عندما خلق الله آدم (عليه السلام) وأمر الملائكة بالسجود له تنفيذا لأمره تعالى حيث قال عز من قائل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }( )، حيث اعتمد إبليس عليه اللعنة على مبدأ القياس وقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين متفاخرا بنفسه بعد ما عرف أن النار أفضل من الطين، ولو علم إبليس ما جعل الله في خلق آدم وذريته لم يفتخر عليه، لذا جاء أمر الله بإنزال العقاب الذي يستحقه نتيجة لامتناعه عن تنفيذ أمر الله بالسجود لآدم (عليه السلام) بأن جعله من الصاغرين كما في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ* قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}( ).
وكما هو معلوم إن الإمام المهدي يأتي بدين جديد وقضاء جديد، فقد جاء عن أبي بصير قال: قال الأمام أبي جعفر (عليه السلام): ( يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلا السيف ولا يستتيب أحد ولا تأخذه في الله لومة لائم)( غيبة النعماني ص 239 ).
من تلك الرواية نرى أن الأمام المهدي سوف يأتي إلينا بأحكام شرعية غريبة في نظر فقهاء آخر الزمان وهي الأحكام الشرعية الخالصة والنابعة من جوهر القرآن بلا تحريف أو إضافة أو نقصان والتي ستكون جديدة على مسامع الناس لأنهم عاشوا وتربوا على خلافها بما سمعوا من فقهاءهم واعتادوا عليه لسنوات طويلة معهم لأنهم ابتعدوا عن الإسلام الحقيقي المحمدي ولجئوا إلى الأحكام الظاهرية الظنية العقلية، كل ذلك نتيجة استعمال مبدأ القياس والحكم الظني من قبل فقهاء آخر الزمان في استنباط الأحكام الشرعية.
ولا يفوتنا أن نذكر بأنهم في ظاهر الأمر يرفضون مبدأ القياس ويقولون بعدم جوازه ولكنهم في حقيقة الأمر يستعملونه في إطلاق الأحكام الشرعية من حيث يشعرون أو لا يشعرون، كونه يتناسب ومصالحهم الدنيوية والشخصية، وأنهم لن يقفوا عند هذا الحد بل سوف يصلون إلى أبعد من ذلك باستعمالهم مبدأ القياس مع الأمام المهدي (عليه السلام) ويقيسون أنفسهم بالأمام المهدي (عليه السلام) ويعتقدون انهم أفضل منه وأكثر علما وحسبا وأعلى مقاما، لذلك سيقفون بوجهه ووجه دعوته ويحاربون كل من يقف معه.
وقد يجد البعض إن في هذا الكلام غرابة فنقول إن الإمام لو كان معروفاً عند قيامه فسوف يؤمن الناس به، لما صرحت به الروايات الشريفة بأن أنصاره قلة من المستضعفين وان أكثر الناس سوف يقفون بوجهه (عليه السلام) نتيجة اتباعهم فقهاء السوء المضلين في آخر الزمان ويقولون بأن هذا الرجل مفتري ويجب قتاله وحربه فلا يصدقون ولا يعتقدون بصحة دعواه ويعتقدون أنهم أفضل منه ويقيسون أنفسهم به وأنهم أكثر أتباعاً وأموالا وشرفاً وحسباً ونسباً منه ، فهو رجل بسيط وليس معه إلا القلة القليلة من الأنصار والأتباع المستضعفين ولهذا سوف يقع ما ذكرنا وينتفي عند ذلك الإستغراب والتعجب.
2- التسمية
عن الأمام علي زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: ( للقائم منا سنة من آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما))( كمال الدين وتمام النعمة ص 314 ).
فإن للأمام المهدي (عليه السلام) سنة من نبي الله آدم (عليه السلام) من حيث التسمية كون اسم آدم هو من الأسماء المركبة من أمرين فالألف من آدم يدل على الله عز وجل كون حرف الألف فيه إشارة إلى الذات المقدسة، كما جاء في الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ( ما من حرف إلا وهو اسم من أسماء الله عز وجل، ثم قال أما الألف، فالله الذي لا اله إلا هو الحي القيوم، والباء الباقي بعد فناء خلقه، وأما التاء فالتواب ......)( بحار الأنوار ج2 ص 319 ).
ومعنى (الدم) هو الروح أو الحياة وهو الأصل في خلقة آدم (عليه السلام) قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }( )، لأن آدم (عليه السلام) خلق مباشرة من المولى سبحانه وتعالى لأن روحه من روح الله عز وجل، لذا فإن معنى آدم هو الذي خلق من روح الله، والدم هو عبارة عن الماء الذي منه كل شيء حي كما جاء في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }( ) ، بدلالة واضحة أن أصل الحياة هو الدم الذي يعبر عنه بأنه الماء، وبسـبب كون الدم (الماء الملون) يحتوي على العناصر الكيميائية الموجودة فيه فإن الدم يمثل الحالة الظاهرة للخلق والروح تمثل الحالة الباطنية.
إن الدم يمثل عالم الملك والشهادة، والروح تمثل عالم الملكوت لذلك فهي مرتبطة بالمولى سبحانه وتعالى لأن الملكوت بيد الله عز وجل قال تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }( ).
3- الخلافة
لما خلق الله سبحانه وتعالى آدم (عليه السلام) أمر الملائكة بالسجود له تنفيذا وطاعة لأمره فسجد الملائكة كلهم أجمعين إلا إبليس كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }( ).
فقد جعل المولى تبارك وتعالى صفيه ادم (عليه السلام) خليفة له في أرضه وكان أول خليفة لله عز وجل فقد اصطفاه الله لذلك المنصب الإلهي، فكان الاستغراب بائناً من الملائكة فاستفهموا عن ذلك الأمر فجاءهم جواب المولى تبارك وتعالى {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وقد كان علم الملائكة بما يقع وما يكون من قتل ابن آدم لأخيه وسفك الدماء في الأرض يعود لأحد احتمالين:
أن يكون علمهم ذاك من علم الله عز وجل فهو من علمهم ذلك بدليل قوله تعالى حكاية عن الملائكة: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } ( ).
فالملائكة لا يعلمون شيئاً إلا بتعليم الله عز وجل لهم وهذا واضح من ظاهر الآية.
والاحتمال الثاني أن يكون علم الملائكة يعود إلى ما رأوه من أفعال النسناس والجن الذين خلقا قبل خلق الإنسان وقد افسدا في الأرض، فتوقع الملائكة حصول نفس الشيء من الإفساد وعدم التسبيح والتقديس للباري جل ذكره. لذلك صدر منهم ما صدر من تساؤل.
إن الخلافة التي أرادها الله عز وجل قائمة على التسبيح والتقديس أي ملئ الأرض قسطاً وعدلاً وذلك لا يكون إلا من خلال إصلاح النفس وإعدادها فكرياً وعقائدياً وروحياً لإعطاء نتائج ايجابية، فيكون الإنسان مؤثراً في جميع الموجودات في هذا الكون، كما إن العمل السيئ يعكس نتائج سلبية مؤثرة في تلك الموجودات الكونية، وهذا المعنى يظهر واضحاًً من الرواية الواردة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كانت الوحوش والطير والسباع وكل شيء خلق الله عز وجل مختلطاً بعضه ببعض فلما قتل ابن ادم أخاه نفرت وفزعت فذهب كل شيء الى شكله )( بحار الأنوار ج11 ص236 ).
فقد نفرت جميع الحيوانات عندما قتل قابيل أخاه هابيل بعدما كانت تلك الحيوانات يعيش بعضها مع البعض الآخر من دون أن يؤذي احدها الآخر أو يفترس بعضها البعض، كما أن الأرض منعت بركتها وخيرها ولم يعد يحصل الإنسان على ما كان يحصل عليه من خير وبركة بعد أن سفكت الدماء وكثر الفساد من الإنسان وبهذا يتبين لنا واضحاً كون الإمام المهدي (عليه السلام) لا يستطيع أن يملأ الأرض قسطاً وعدلا إلا بعد أن يصلح نفوس البشر التي فسدت نتيجة أعمالهم الغير صالحة.
كما إن معنى التقديس هو نفي الباطل وإزالته وطرد الأنداد والشرك من النفس وبمعنى أدق واشمل هو إماتة الظلم والجور وإزالتهما من الأرض وذلك هو التقديس الذي أشار له القران وهو لا يكون بكماله وتمامه إلا على يد الإمام المهدي (عليه السلام) وفي خلافته ودولته العالمية، لذا فإن المولى سبحانه وتعالى قد خص الإنسان بالخلافة دون الملائكة وذلك لان الإنسان بتسبيحه وتقديسه للمولى عز وجل يصل إلى مقامات تفوق الملائكة، فالإنسان المرضي عند الله عز وجل أفضل من الملائكة. وبهذا يتضح إن الخلافة الإلهية التي أرادها الله هي خلافه الإمام المهدي (عليه السلام) وهو الخليفة الحقيقي لله عز وجل في الأرض فبخلافته يكون التسبيح والتقديس على أتم وجه وافهم صورة فالإمام المهدي (عليه السلام) ورث تلك الخلافة من أبيه آدم (عليه السلام) كما جاء في الروايات الشريفة إن له سنة من ادم (عليه السلام) ومن هذه السنن هو الخلافة في الأرض فإن المولى عز وجل كان عالماً بأن خلافة آدم (عليه السلام) ليست هي الخلافة الحقيقية التي يريدها لأن في علمه أن يقتل الأخ أخاه ويكون الفساد في الأرض ولكنه في الوقت ذاته عالماً بأن الخلافة الحقيقية تكون على يد الإمام المهدي (عليه السلام) حيث لا فساد ولا ظلم ولا جور بل هو عدل وقسط وإحسان وان الخليفة الحقيقي الذي يكون كل ذلك على يديه هو من ذرية ادم (عليه السلام) ومن نسله وقد أودعه الله سبحانه وتعالى في صلب ادم (عليه السلام) وهو المستفاد من قوله تعالى {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } فإنه تبارك وتعالى يصلحهم بظهور المهدي الذي يقيم خلافة الله في الأرض ويكون من ذرية ادم (عليه السلام) وهو ما خفي على الملائكة آنذاك.
تعليق