منقول من موسوعة القائم ( من فكر السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني) ج2
سنـن المهدي من نوح (ع)التسمية، صنع السفينة، الطوفان، وراثة الارض
1 - التسمية
ذكرت لنا الروايات المعصومية الشريفة والأحاديث المروية عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) إن للمهدي (عليه السلام) سنـن من الأنبياء (عليهم السلام) ومن هؤلاء الأنبياء والرسل الخمسة من أولي العزم وهم ( نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ).
فقد جاء عن سدير عن الأمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن للقائم منا غيبة يطول أمدها فقلت له: يابن رسول الله ولم ذلك، قال (عليه السلام): لأن الله عز وجل أبى إلا أن تجري فيه سنـن الأنبياء في غيباتهم، قال تعالى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ }أي من كان قبلكم)( بحار الأنوار ج52 ص90 ).
وأما سنته من نوح (عليه السلام) من حيث التسمية، فإن اسم نوح لم يكن نوحا كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): أنه قال: (كان اسم نوح عبد الغفار وإنما سمي نوحا لأنه كان ينوح على نفسه، وكان اسم نوح (عليه السلام) عبد الملك وإنما سمي نوحا لأنه بكى خمسمائة سنة)( قصـص الأنبياء للجزائري ص80 ).
وعن الأمام الصادق (عليه السلام): ( إن اسم نوح عبد الأعلى (وورد في الأخبار عن الشيخ الصدوق في اسم نوح (عليه السلام) كلها متفقة غير مختلفة تثبت له التسمية بالعبودية وهو عبد الغفار وعبد الأعلى وعبد الملك )( قصـص الأنبياء للجزائري ص 80).
وكون الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من نوح (عليه السلام) فإن ما جرى عليه من أخبار وحوادث سوف تجري على الأمام المهدي (عليه السلام) لان نوحا ظل في هذه الفترة من عمره الشريف يبكي وينوح على قومه كذلك فإن الأمام المهدي (عليه السلام) ينوح ويبكي على جده الأمام الحسين (عليه السلام) وما جرى عليه من قتل وما جرى على أهل بيته (عليهم السلام) من سبي وأسر لحرائر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) من قبل طغاة ذلك العصر.
كما جاء في الزيارة الواردة عنه (عليه السلام) المسماة بزيارة الناحية المقدسة والتي جاء فيها (لأندبنك صباحا ومساءا ولأبكين عليك بدل الدموع دما) ومن المعروف عن الأمام المهدي (عليه السلام) أنه حينما يخرج ينادي يالثارات الحسين ويجعل من هذه الكلمة شعارا له ولأنصاره، وأنه سيقتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام)، ومن كل هذا أصبح من اليقين ومما لاشك فيه أن الأمام المهدي (عليه السلام) لم ينسى تلك المصيبة والفاجعة الأليمة التي وقعت لأهل بيته (عليهم السلام) فهو حقا نوح ولكنه نوح آخر الزمان.
2- صنع السفينة
بعد فترة من بعثة نبي الله نوح (عليه السلام) ودعوته لقومه بترك عبادة الأصنام والتوجه لعبادة الله الواحد الأحد الذي خلقهم وأعطاهم كل شيء، واجه نوح (عليه السلام) الرفض والتكذيب والتعذيب وعدم القبول بهذه الدعوة، فأمره الله سبحانه وتعالى بصنع تلك السفينة حيث قال في محكم كتابه: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ }( ) فامتثل نوح لأمر الله تعالى وقام بصنع السفينة بعد أن علمه جبرائيل (عليه السلام) كيفية صنعها كما جاء في الرواية الواردة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ( أمره الله تعالى أن ينحت السفينة وأمر جبرائيل (عليه السلام) أن يعلمه، فقدر طولها في الأرض ألفا ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء ثمانون ذراعا، فقال يا رب من يعينني على اتخاذها، أوحى الله إليه ناد في قومك، من أعانني عليها ونجر منها شيئا وصار ما ينجره ذهبا وفضة فنادى نوح فيهم بذلك، فأعانوه عليه وكانوا يسخرون منه ويقولون يتخذ سفينة في البر )( قصـص الأنبياء للجزائري ص 101 ).
وقد أستمر نوح (عليه السلام) في صنع السفينة مدة مائتي سنة كما جاء في الأمالي بإسناده إلى الأمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: ( عاش نوح (عليه السلام) الفين وخمسمائة سنة منها ثمانمائة وخمسون سنة قبل أن يبعث وألف سنة إلا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم ومئتا سنة في عمل السفينة.....)( - قصص الأنبياء للجزائري ص94 ).
وبعد أن استنفذ نوح كل السبل والطرق في دعوته لقومه إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام وما تعرض له من التكذيب والرفض وحتى الضرب على يد قومه لدرجة كانت تسيل مسامعه دما ولا يعقل شيئا مما صنع به فيرمى به مغشيا على باب داره لذلك أوحى الله إليه: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }( ) عندها جاء دعاء نبي الله نوح على قومه {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }( ) فعندها نزل العذاب على قوم نوح وأغرقهم بالطوفان استجابة لدعاء نبيه واستحقاقا لهم لعدم قبولهم دعوته.
وهذا الأمر سوف يقع مع الأمام المهدي (عليه السلام) ومع دعوته قبل ظهوره (عليه السلام) باعتبار أن الأمام المهدي له سنة من نبي الله نوح (عليه السلام)
فإن السفينة التي سيقوم الأمام المهدي بصنعها هي بالتأكيد ليست كتلك السفينة التي صنعها نوح (عليه السلام) من الخشب وإنما هي سفينة الدعوة والهداية والنجاة والأمان لأهل الأرض المؤمنين بالأمام (عليه السلام) وبدعوته قبل ظهوره وقيامه المقدس والتي ستطفوا على طوفان الفتن والابتلاءات والمحن فلا يمكن أن ينحرف من ركبها ولا يضل بل سوف ينجو ولا يقع في طوفان الفتن، فقد ورد عن الأمام علي بن الحسين (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) كان يدعوا عند الزوال بهذا الدعاء (اللهم صلي على محمد وآل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم بهم لاحق )( مصباح المتهجد ص45 ).
وجاء في الحديث أن الحسن البصري كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) (أما بعد فإنكم معاشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة ......)( أعلام الدين ص306 ).
فنرى من خلال الأحاديث والروايات بأن آل محمد هم سفن النجاة والهداية فلا ينجو إلا من تمسك بهم وركب سفينتهم ليأمن من طوفان الفتن التي تحدث في كل زمان ومكان، فالإمام المهدي هو من يمثل سفينة النجاة في عصر الظهور الشريف الذي تعيشه البشرية الآن، فقد جاء في الحديث الشريف عن الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) قال: ( اعلموا أن الدنيا بحر عميق قد غرق فيها خلق كثير وأن سفينة نجاتها آل محمد علي هذا وولده)( بحار الأنوار ج17 ص24
).
وعن أبي ذر الغفاري قال: ( سمعت رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يقول: من قاتلني في الأولى على (التنزيل) وقاتل أهل بيتي في الثانية على التأويل حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال، إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك)( بحار الأنوار ج23 ص120 ) .
وعن الأمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زج في النار)( عيون أخبار الرضا ج1 ص30 ).
يتبين لنا من هذا كله انه لابد أن تكون للمهدي سفينة كسفينة نوح ولكنها ستكون سفينة هدى وهداية وهي دعوته (عليه السلام) ولابد أن تصنع تلك السفينة (الدعوة) في الكوفة كما كان صنع سفينة نوح في الكوفة.
فعن المفضل بن عمر قال: ( كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة أيام قدم على أبي العباس، فلما انتهينا إلى الكناسة فنظر عن يساره ثم قال يا مفضل ها هنا صلب عمي زيد رحمه الله – إلى أن قال – قال فأوحى الله إليه يا نوح اصنع الفلك وأوسعها وعجل بعملها بأعيننا ووحينا فعمل نوح السفينة في مسجد الكوفة بيده يأتي بالخشب من بعد حتى فرغ منها)( بحار الأنوار ج97 ص385 ).
لذا أصبح من الواضح ومما لاشك فيه إن دعوة المهدي لابد أن تبدأ من الكوفة ومنها ستنطلق إلى العالم أجمع وهي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق في بحر الفتن والانحرافات والضلالة.
3- الطوفان
بعد أن أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه نوح (عليه السلام) إلى قومه وأمره الله أن ينذرهم ويدعوهم إلى التوحيد الخالص، كما جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ* أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ}( )، وقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }( ).
فتصدى قوم نوح لدعوته وجابهوه بالرفض والتكذيب والفرار منه ومن دعوته، قال تعالى: {قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارا}( ) وكذلك جوبهت دعوته بالتكبر والاستكبار والإصرار والعناد وعدم التسليم له ولدعوته واستمر في دعوته مدة تسعمائة وخمسون سنة ولكنهم لم يؤمنوا به.
فقال نوح (عليه السلام) { رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }( )، عندئذ جاء أمر الله تعالى ووقع العذاب على قوم نوح نتيجة لتكذيبهم فأهلكهم بطوفان الماء بعد أن صعد نوح والمؤمنين بدعوته إلى السفينة التي أمره الله تعالى أن يصنعها قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }( ).
ولما كان الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من نوح فلابد أن يقع الطوفان الذي يكون به هلاك كل أعداء الأمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان وكل الرادين عليه وعلى دعوته الشريفة، ولكن طوفان الأمام المهدي هو طوفان من الفتن والابتلاءات التي فيها هلاك الكافرين والمنافقين.
عن الأمام أبي عبد الله (عليه السلام) في كلام طويل له قال: (ثم يسير المهدي (عليه السلام) إلى الكوفة وينزل مابين الكوفة والنجف إلى أن قال: ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان أهلها الا بالسيف.......)( إلزام الناصب في اثبات الحجة الغائب ج2 ص230 )، وفي هذه الرواية دليل واضح لا يقبل الشك بأنه هناك طوفان من الفتن والابتلاءات في زمان الأمام المهدي (عليه السلام).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: (أنه عند انقطاع من الزمان وظهور الفتن رجل يقال له المهدي يكون عطائه هنيئا)( كشف الغمة ج3 ص271) ، فأصبح واضحاً ومعروفا أن الفتن التي تسبق قيام الأمام المهدي سوف تكون كثيرة وقوية في كل بقاع العالم وخصوصا العالم الإسلامي في منطقة الظهور المقدس للأمام المهدي (عليه السلام) التي ستشهد الكثير من المحن والابتلاءات، وصدق الشاعر عندما قال:
طوفان آل محمــد في الأرض غرق جهلها
وسفينتهم حمل الذي طلب النجاة وأهلــها
فأقبض لكفك عـروة لا تخشى منها فصلـها
وهذا يؤكد أن معنى طوفان الفتن كان معروفا حتى عند عامة الناس، إذن فإن الطوفان سنة جارية في المهدي (عليه السلام) وسيهلك الكافرين والمنافقين من أعداء الحق وأعداء المهدي المنتظر (عليه السلام) وسوف لن ينجو منه إلا من صدق بدعوة الإمام (عليه السلام) وبناء على هذا، فلا بد أن تكون للإمام المهدي (عليه السلام) سفينة النجاة لتحمل المؤمنين على ظهرها فتجنبهم من الفتن كما كان لنوح (عليه السلام) سفينة حملت المؤمنين وأنجتهم من طوفان الماء.
سنـن المهدي من نوح (ع)التسمية، صنع السفينة، الطوفان، وراثة الارض
1 - التسمية
ذكرت لنا الروايات المعصومية الشريفة والأحاديث المروية عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) إن للمهدي (عليه السلام) سنـن من الأنبياء (عليهم السلام) ومن هؤلاء الأنبياء والرسل الخمسة من أولي العزم وهم ( نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ).
فقد جاء عن سدير عن الأمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن للقائم منا غيبة يطول أمدها فقلت له: يابن رسول الله ولم ذلك، قال (عليه السلام): لأن الله عز وجل أبى إلا أن تجري فيه سنـن الأنبياء في غيباتهم، قال تعالى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ }أي من كان قبلكم)( بحار الأنوار ج52 ص90 ).
وأما سنته من نوح (عليه السلام) من حيث التسمية، فإن اسم نوح لم يكن نوحا كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): أنه قال: (كان اسم نوح عبد الغفار وإنما سمي نوحا لأنه كان ينوح على نفسه، وكان اسم نوح (عليه السلام) عبد الملك وإنما سمي نوحا لأنه بكى خمسمائة سنة)( قصـص الأنبياء للجزائري ص80 ).
وعن الأمام الصادق (عليه السلام): ( إن اسم نوح عبد الأعلى (وورد في الأخبار عن الشيخ الصدوق في اسم نوح (عليه السلام) كلها متفقة غير مختلفة تثبت له التسمية بالعبودية وهو عبد الغفار وعبد الأعلى وعبد الملك )( قصـص الأنبياء للجزائري ص 80).
وكون الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من نوح (عليه السلام) فإن ما جرى عليه من أخبار وحوادث سوف تجري على الأمام المهدي (عليه السلام) لان نوحا ظل في هذه الفترة من عمره الشريف يبكي وينوح على قومه كذلك فإن الأمام المهدي (عليه السلام) ينوح ويبكي على جده الأمام الحسين (عليه السلام) وما جرى عليه من قتل وما جرى على أهل بيته (عليهم السلام) من سبي وأسر لحرائر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) من قبل طغاة ذلك العصر.
كما جاء في الزيارة الواردة عنه (عليه السلام) المسماة بزيارة الناحية المقدسة والتي جاء فيها (لأندبنك صباحا ومساءا ولأبكين عليك بدل الدموع دما) ومن المعروف عن الأمام المهدي (عليه السلام) أنه حينما يخرج ينادي يالثارات الحسين ويجعل من هذه الكلمة شعارا له ولأنصاره، وأنه سيقتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام)، ومن كل هذا أصبح من اليقين ومما لاشك فيه أن الأمام المهدي (عليه السلام) لم ينسى تلك المصيبة والفاجعة الأليمة التي وقعت لأهل بيته (عليهم السلام) فهو حقا نوح ولكنه نوح آخر الزمان.
2- صنع السفينة
بعد فترة من بعثة نبي الله نوح (عليه السلام) ودعوته لقومه بترك عبادة الأصنام والتوجه لعبادة الله الواحد الأحد الذي خلقهم وأعطاهم كل شيء، واجه نوح (عليه السلام) الرفض والتكذيب والتعذيب وعدم القبول بهذه الدعوة، فأمره الله سبحانه وتعالى بصنع تلك السفينة حيث قال في محكم كتابه: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ }( ) فامتثل نوح لأمر الله تعالى وقام بصنع السفينة بعد أن علمه جبرائيل (عليه السلام) كيفية صنعها كما جاء في الرواية الواردة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ( أمره الله تعالى أن ينحت السفينة وأمر جبرائيل (عليه السلام) أن يعلمه، فقدر طولها في الأرض ألفا ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء ثمانون ذراعا، فقال يا رب من يعينني على اتخاذها، أوحى الله إليه ناد في قومك، من أعانني عليها ونجر منها شيئا وصار ما ينجره ذهبا وفضة فنادى نوح فيهم بذلك، فأعانوه عليه وكانوا يسخرون منه ويقولون يتخذ سفينة في البر )( قصـص الأنبياء للجزائري ص 101 ).
وقد أستمر نوح (عليه السلام) في صنع السفينة مدة مائتي سنة كما جاء في الأمالي بإسناده إلى الأمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: ( عاش نوح (عليه السلام) الفين وخمسمائة سنة منها ثمانمائة وخمسون سنة قبل أن يبعث وألف سنة إلا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم ومئتا سنة في عمل السفينة.....)( - قصص الأنبياء للجزائري ص94 ).
وبعد أن استنفذ نوح كل السبل والطرق في دعوته لقومه إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام وما تعرض له من التكذيب والرفض وحتى الضرب على يد قومه لدرجة كانت تسيل مسامعه دما ولا يعقل شيئا مما صنع به فيرمى به مغشيا على باب داره لذلك أوحى الله إليه: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }( ) عندها جاء دعاء نبي الله نوح على قومه {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }( ) فعندها نزل العذاب على قوم نوح وأغرقهم بالطوفان استجابة لدعاء نبيه واستحقاقا لهم لعدم قبولهم دعوته.
وهذا الأمر سوف يقع مع الأمام المهدي (عليه السلام) ومع دعوته قبل ظهوره (عليه السلام) باعتبار أن الأمام المهدي له سنة من نبي الله نوح (عليه السلام)
فإن السفينة التي سيقوم الأمام المهدي بصنعها هي بالتأكيد ليست كتلك السفينة التي صنعها نوح (عليه السلام) من الخشب وإنما هي سفينة الدعوة والهداية والنجاة والأمان لأهل الأرض المؤمنين بالأمام (عليه السلام) وبدعوته قبل ظهوره وقيامه المقدس والتي ستطفوا على طوفان الفتن والابتلاءات والمحن فلا يمكن أن ينحرف من ركبها ولا يضل بل سوف ينجو ولا يقع في طوفان الفتن، فقد ورد عن الأمام علي بن الحسين (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) كان يدعوا عند الزوال بهذا الدعاء (اللهم صلي على محمد وآل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم بهم لاحق )( مصباح المتهجد ص45 ).
وجاء في الحديث أن الحسن البصري كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) (أما بعد فإنكم معاشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة ......)( أعلام الدين ص306 ).
فنرى من خلال الأحاديث والروايات بأن آل محمد هم سفن النجاة والهداية فلا ينجو إلا من تمسك بهم وركب سفينتهم ليأمن من طوفان الفتن التي تحدث في كل زمان ومكان، فالإمام المهدي هو من يمثل سفينة النجاة في عصر الظهور الشريف الذي تعيشه البشرية الآن، فقد جاء في الحديث الشريف عن الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) قال: ( اعلموا أن الدنيا بحر عميق قد غرق فيها خلق كثير وأن سفينة نجاتها آل محمد علي هذا وولده)( بحار الأنوار ج17 ص24
).
وعن أبي ذر الغفاري قال: ( سمعت رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يقول: من قاتلني في الأولى على (التنزيل) وقاتل أهل بيتي في الثانية على التأويل حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال، إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك)( بحار الأنوار ج23 ص120 ) .
وعن الأمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زج في النار)( عيون أخبار الرضا ج1 ص30 ).
يتبين لنا من هذا كله انه لابد أن تكون للمهدي سفينة كسفينة نوح ولكنها ستكون سفينة هدى وهداية وهي دعوته (عليه السلام) ولابد أن تصنع تلك السفينة (الدعوة) في الكوفة كما كان صنع سفينة نوح في الكوفة.
فعن المفضل بن عمر قال: ( كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة أيام قدم على أبي العباس، فلما انتهينا إلى الكناسة فنظر عن يساره ثم قال يا مفضل ها هنا صلب عمي زيد رحمه الله – إلى أن قال – قال فأوحى الله إليه يا نوح اصنع الفلك وأوسعها وعجل بعملها بأعيننا ووحينا فعمل نوح السفينة في مسجد الكوفة بيده يأتي بالخشب من بعد حتى فرغ منها)( بحار الأنوار ج97 ص385 ).
لذا أصبح من الواضح ومما لاشك فيه إن دعوة المهدي لابد أن تبدأ من الكوفة ومنها ستنطلق إلى العالم أجمع وهي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق في بحر الفتن والانحرافات والضلالة.
3- الطوفان
بعد أن أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه نوح (عليه السلام) إلى قومه وأمره الله أن ينذرهم ويدعوهم إلى التوحيد الخالص، كما جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ* أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ}( )، وقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }( ).
فتصدى قوم نوح لدعوته وجابهوه بالرفض والتكذيب والفرار منه ومن دعوته، قال تعالى: {قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارا}( ) وكذلك جوبهت دعوته بالتكبر والاستكبار والإصرار والعناد وعدم التسليم له ولدعوته واستمر في دعوته مدة تسعمائة وخمسون سنة ولكنهم لم يؤمنوا به.
فقال نوح (عليه السلام) { رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }( )، عندئذ جاء أمر الله تعالى ووقع العذاب على قوم نوح نتيجة لتكذيبهم فأهلكهم بطوفان الماء بعد أن صعد نوح والمؤمنين بدعوته إلى السفينة التي أمره الله تعالى أن يصنعها قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }( ).
ولما كان الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من نوح فلابد أن يقع الطوفان الذي يكون به هلاك كل أعداء الأمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان وكل الرادين عليه وعلى دعوته الشريفة، ولكن طوفان الأمام المهدي هو طوفان من الفتن والابتلاءات التي فيها هلاك الكافرين والمنافقين.
عن الأمام أبي عبد الله (عليه السلام) في كلام طويل له قال: (ثم يسير المهدي (عليه السلام) إلى الكوفة وينزل مابين الكوفة والنجف إلى أن قال: ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان أهلها الا بالسيف.......)( إلزام الناصب في اثبات الحجة الغائب ج2 ص230 )، وفي هذه الرواية دليل واضح لا يقبل الشك بأنه هناك طوفان من الفتن والابتلاءات في زمان الأمام المهدي (عليه السلام).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: (أنه عند انقطاع من الزمان وظهور الفتن رجل يقال له المهدي يكون عطائه هنيئا)( كشف الغمة ج3 ص271) ، فأصبح واضحاً ومعروفا أن الفتن التي تسبق قيام الأمام المهدي سوف تكون كثيرة وقوية في كل بقاع العالم وخصوصا العالم الإسلامي في منطقة الظهور المقدس للأمام المهدي (عليه السلام) التي ستشهد الكثير من المحن والابتلاءات، وصدق الشاعر عندما قال:
طوفان آل محمــد في الأرض غرق جهلها
وسفينتهم حمل الذي طلب النجاة وأهلــها
فأقبض لكفك عـروة لا تخشى منها فصلـها
وهذا يؤكد أن معنى طوفان الفتن كان معروفا حتى عند عامة الناس، إذن فإن الطوفان سنة جارية في المهدي (عليه السلام) وسيهلك الكافرين والمنافقين من أعداء الحق وأعداء المهدي المنتظر (عليه السلام) وسوف لن ينجو منه إلا من صدق بدعوة الإمام (عليه السلام) وبناء على هذا، فلا بد أن تكون للإمام المهدي (عليه السلام) سفينة النجاة لتحمل المؤمنين على ظهرها فتجنبهم من الفتن كما كان لنوح (عليه السلام) سفينة حملت المؤمنين وأنجتهم من طوفان الماء.
تعليق