منقول من
( موسوعة القائم )
(من فكر السيد القحطاني)
سنـن الإمام المهدي من موسى (عليهما السلام)
لقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن إمامنا علي بن الحسين زين العابديـن (عليه السلام) أنه قال: (في القائـم منا سنة من آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين )( غيبة الطوسي ص60 ).
وفي رواية أخرى عن عبد الله بن سنـان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ( في القائم (عليه السلام) سنة من موسى بـن عمران (عليه السلام) فقلت ما هي سنته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده وغيبته عن قومه، فقلت: كم غاب موسى بن عمران عن أهله ؟ قال ثمانية وعشرين سنة)(أعيان الشيعة ج2 ص58 ).
وكذلك ورد عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر يقول: (في صاحب هذا الأمر أربع سنـن من أربع أنبياء: سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فأما سنته من موسى فخائف يترقب، وأما سنته من عيسى فيقال فيه مثل ما قيل في عيسى بن مريم (عليه السلام) حيث يقولون أنه مات ولم يمت، وأما سنته من يوسف فالسجن والغيبة، وأما سنته من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فالسيف - أي القيام بالسيف -)(مكيال المكارم ج1 ص77 ).
فمن تلك الروايات يتضح لنا أن هنـاك علاقة وثيقة وواضحة وشبه بين موسى بن عمران (عليه السلام) وبين المهدي (عليه السلام) ، وإن للمهدي (عليه السلام) سنـن من موسى حيث إن الكثير من الأحداث والوقائـع التي جرت مع نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام) ومرت عليه وعلى قومه وأصحابه فإنها سوف تجري على القائـم من آل محمد وعلى أصحابه حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .
1-خفاء النسب والولادة
لقد كان بنو إسرائيل موعوديـن بمولود يولد بينهم من ذريـة نبي الله يعقوب (عليه السلام) حيث خلاصهم وفرجهم ونجاتهم من فرعون وملائه على يديه، لذلك فقد أنتشر هذا الخبر وشاع في بني إسرائيل حيث طال انتظارهم جيلا بعد جيل وعاما بعد عام وكانت لهم علامات ودلالات على العام الذي يولد فيه ذلك المولود المنتظر، وبعدما تحقـقـت تلك العلامات وتأكدهم من أن ولادته باتت قريبة جدا راحوا يتباشرون فيما بينهم حتى وصل الخبر إلى فرعون فقام فرعون بقتل كـل مولود يولد في ذلك العام وأمر كذلك بشق بطون النساء الحوامل من بني إسرائيل كما أنه أوكل بنساء بني إسرائيل نساء من الأقباط يحفظنهن، وذلك لما كان قد بلغ فرعـون عن بني إسرائيل أنه يولد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون سببا في هلاك فرعون وأصحابه.
فقال فرعون آنذاك: لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون فقام بالتفريق بين الرجال والنساء، ولما حملت أم موسى لم يظهر حملها كرامة لموسى (عليه السلام) وحفظا له من فرعون لأجل القضية الموعود بها إلا حين وضعته، فلما وضعته نظرت إليه واغتمت وقالت: يذبح الساعة، فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه فقالت لأم موسى مالك قد أصفر لونك ؟ فقالت: أخاف أن يذبح ولدي فقالت لا تخافي.
وبالرغم كل ما قام به فرعون من ذبح للأطفال وتفريق بين النساء والرجال أبى الله إلا أن يتم نوره ويولد كليم الله موسى بن عمران وقد أخبر فرعون بذلك وقام بمداهمة البيوت وتفتيشها، فأوحى الله عز وجل إلى أم موسى أن تضعه في تابوت وترميه في البحر كما أخبرنا المولى تبارك وتعالى في كتابه قال تعالى: َ{ وأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}(القـصـص (7) ).
وفعلا فقد قامت أم موسى بذلك وشاء الله تبارك وتعالى أن تأخذه الأمواج إلى قصر عدوه فرعون حيث كانت تجلس امرأة فرعون على ضفاف النهر حينما جلبت الأمواج ذلك التابوت الذي فيه موسى والذي يحمل البشارة لبني إسرائيل بهلاك فرعون وملائه، وبذلك فقد شاءت الإرادة الإلهية أن يعيش موسى (عليه السلام) في قصر فرعون (عدوه) ليكون ابنا له بالتبني، وهكذا عاش موسى وهو يعرف بين قومه بابن فرعون.
وهكذا نجد أن هذه السنة الشريفة قد أنطبقت انطباقا تامـا على الأمام المهدي (عليه السلام) وذلك لتشابه حالة الولادة للأمام المهدي (عليه السلام) مع الطريقة نفسها لولادة كليم الله موسى بن عمران، حيث كان فرعون بني العباس قد سمع وعلم أن الشيعة ينتظرون مولود من الأمام الحسن العسكري (عليه السلام) يكون خلاصهم ونجاتهم وفرجهم على يديه الشريفتين، فقام الفرعون العباسي بمثل ما قام به فرعون ذلك الزمان حيث أرسل نساء قصره وجواريه لمراقبة دار الأمام الحسن العسكري (عليه السلام)، إلا أن الله عز وجل حفظ وليه بأن أخفى حمل أمه السيدة نرجس كما أخفى حمل أم موسى سابقا فلم يظهر عليها شيء من آثار الحمل إلا حينما وضعته، حتى أن السيدة الجليلة حكيمة عمة الأمام المهدي (عليه السلام) تفاجـأت عندما أخبرها الأمام (عليه السلام) بأن السيدة نرجس ستلد المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن تملأ ظلما وجورا، كل ذلك خوفا على القائد العظيم الذي أراده الله وخوفا على القضية الإلهية المنوطة به والذي ظلت الناس تنتظره وتنتظر وقوع الفرج والخلاص من الظالمين والجبابرة والمتكبرين على يديه الشريفتين، فسبحان الذي أجرى السنـن والقوانين وأجرى هذه السنة والشبه الكبير بين نبيه وكليمه موسى بن عمران وبين وليه ووصيه المهدي المنتظر (عليه السلام).
2- صفاتـه الجسمانية
لقد عرف بني إسرائيل بضخامـة أجسامهم، فقد كانوا يتميزون بطول القامـة وعِظَم البنية فتجد أحدهم عريض المنكبين ضخم الهامة، وقد كان موسى بن عمران (عليه السلام) يتمتع بكل تلك الصفات الجسمانية حيث كان موسى (عليه السلام) أسمر اللون طويل القامة وقوي البنية حتى عُرف موسى (عليه السلام) بشدة بأسه وقوته كما جاء في قوله تعالى في كتابه العزيز واصفا موسى (عليه السلام) بتلك الصفات حكاية عن بنت شعيب قال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}( القصص26 ) .
وكذلك ورد عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في حديث المعراج (ثم صعدنا إلى السماء السادسة وإذا بها رجل آدم طويل). وآدم تعني أسمر اللون كما هو معروف، وهذه من صفات المهدي (عليه السلام) الجسمانية حيث أنه يشابه بني إسرائيل من ناحية لون البشرة وضخامة الجسم فهو بذلك له سنة من موسى (عليه السلام) فقد ورد عن الأمام الصادق (عليه السلام) قال: (.... أسمر يعتروه مع سمرته صفرة من سهر الليل)( بحار الأنوار ج13 ص5 ).
ومما يؤكد كون الأمام المهدي (عليه السلام) قوي في بدنه فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: (ما كـان قول لوط لقومه لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد إلا تمنيا لقوة القائم التي يمتلكها (عليه السلام) ولا ذكر ركن إلا شدة أصحابه وأن الرجل منهم يعطى قوة أربعين رجلا وأن قلبه لأشد من زبر الحديد ولو مـروا بالجبال الحديد لقطعوها لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجـل)(بحار الأنوار ج83 ص81 ).
وعن الريان بن الصلت قال: (قلت للأمام الرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملأها عدلا كما ملئت جورا، وكيف أكون كذلك على ما ترى من ضعف بدني وأن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشباب قويا في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء الله ثم يظهره فيملأ به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا)( كمال الدين وتمام النعمة ص376 ).
ومن ذلك يتبين أن الأمام القائم قد عرف بطول قامته وضخامة بدنه وكان أسمر الوجه كما تقدم وهي نفس الصفات التي كانت عند نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام) لان الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة وشبه من موسى (عليه السلام) فقد جاء في الحديث الشريف عن عمران بن الحصين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: (صف لنا يا رسول الله هذا الرجل وما حاله (أي المهدي ) ؟ والكلام لعمران بن الحصين، فأجابه رسول الله: كأنه من رجال بني إسرائيل)( الملاحم والفتن لأبن طاووس ص281 ).
وفي رواية أخرى ورد عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): (المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا)( بحار الأنوار ج51 ص80).
إذن من كل تلك الأحاديث والروايات الشريفة يتبين أن الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من موسى وله شبه منه (عليه السلام) وهو يحمل كل الصفات الجسمانية التي يحملها نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام)، كما أن الإمام المهدي (عليه السلام) له الكثير من السنـن من كليم الله موسى بن عمران(عليه السلام).
3- ثـقـلاً فـي لسـانـه
قال تعالى في كتابه العزيز حكاية عن موسى بن عمران (عليه السلام) قال: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي}( طـه ( 27 -28) ) وقال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ }( القصص34) يتبين من الآيتين أن نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام) كان يتميز بثقلاً في لسانه لذا كان يستعين بأخيه ووصيه هارون في أثناء دعوته لدين الله أو أثناء المحاججة أو المناظرة مع فرعون وملائه كما هو ظاهر من سياق الآية.
وبما أن الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من موسى وشبه منه (عليه السلام) لذا نرى أن هذه السنة منطبقة على المهدي (عليه السلام) والذي يؤكد ما نقوله ما جاء في الرواية الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في وصف المهدي (عليه السلام) أنه قال (( ... ثقلا في لسانه وضرب بفخذه اليسرى بيده اليمنى اذا أبطأ عليه الكلام أسمه أسمي...)( الملاحم والفتن لأبن حماد ص226 ).
4- الخــوف
قال تعالى في كتابه: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ }( القصـص (18) )، وكذلك قال تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }( القصـص (21) ).
لقد تحدثت الآية الأولى عن حادثة وقعت لنبي الله موسى (عليه السلام) عندما مر في يوم من الأيام بالمدينة فوجد رجلين يتقاتلان أحدهما إسرائيلي من قوم موسى والآخر من قوم فرعون {هذا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} فطلب الإسرائيلي المعونة ( الأستغاثة ) من موسى (عليه السلام) للنصرة على عدوه فقتل موسى (عليه السلام) الذي من قوم فرعون، وعندما سمع فرعون بتلك الحادثة غضب وبعث في طلب موسى (عليه السلام) مما أضطر موسى أن يترك مصرا ويخرج منها على خوف وترقب لئلا يقع بيد عدوه فرعون كما يخبرنا المولى تبارك وتعالى في القرآن.
ولما كان للأمام المهدي سنة من موسى، فسوف تجري عليه هذه السُنة أي خروجه خائفاً، فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن الأمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( ويبعث بعثا إلى المدينة ( يعني السفياني ) هو الذي يرسل في طلب المهدي، فيقتل بها رجلا ويهرب المهدي والمنصور منها ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم، لا يترك منهم أحد إلا حبس، ويخرج الجيش في طلب الرجلين، يخرج المهدي منها على سنة موسى خائـفا يترقب حتى يقدم مكة، ويقبل الجيش حتى إذا نزلوا البيداء وهو جيش الهملات خسف بهم فلا يفلت منهم إلا مخبر )( بحار الأنوار ج52 ص222 ).
من هذه الرواية يتبين لنا أن الأمام المهدي (عليه السلام) ووزيره اليماني المنصور حينما يدخل جيش السفياني المدينة يخرجان منها إلى مكة هاربين ويخرج الأمام خائـفا كما خرج موسى من قبل إلى مدين خائـفا يترقب، فإن الملاحظ من هذه الرواية وجود الشبه الكبير بين دعوة الأمام المهدي (عليه السلام) وبين دعوة النبي موسى بن عمران (عليه السلام) ويلاحظ كذلك أن الدعوة المهدية تمر بمراحل تشبه إلى حد كبير تلك المراحل التي مرت بها دعوة النبي موسى (عليه السلام).
ولابد لنا هنا من الإشارة إلى مسألة الخوف الذي ثبت في شخص موسى والمهدي (عليهما السلام) والذي لا يمكن تفسيره من الناحية السلبية بل يجب أن يفسر هذا الخوف ايجابيا والذي فيه رفعة وعلو درجات لهذين الشخصين، فلم يكن ذلك الخوف على حياتهم بل إن ذلك الخوف نابع من عظمة الأمر الإلهي والأمانة التي يحملونها على عواتقهم ويدافعون عنها ويؤمنون بمبادئها، ولما كان أمر الأمة في زمن موسى (عليه السلام) كان متوقف عليه، لزم منه الحفاظ على نفسه، كذلك الأمر بالنسبة للأمام المهدي (عليه السلام) فإن الظلم والجور والاستبداد لا يمكن أن يرتفعان إلا بشخصه الكريم وأن العدل والمساواة والقسط لا يقومان إلا به، لذلك لزم منه الحفاظ على نفسه لأجل ذلك ومن أجل أحياء دين الله الخالص واستنقاذ الناس من كل أشكال الضلالة والانحراف، والرجوع بهم إلى جادة الصواب والحق والصراط المستقيم وإخراجهم من التيه الذي يعيشونه ويمرون به.
ولأجل هذا السبب كانت الغيبة واختفاء الأمام وابتعاده عن محبيه وشيعته بصورة خاصة وعن المسلمين بصورة عامة، حتى يجتمع له أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا وأنصاره العشرة آلاف جيش الغضب كما صرحت بذلك لنا روايات أهل البيت (عليهم السلام) فيقيم حكم الله في الأرض وينتصر للمظلومين والمستضعفين من الطغاة والظلمة والمتجبرين، لذا فقد أصبح من الضروري علينا كمسلمين أن نكون الدرع الواقي والمحامي عنه والترس الذي يحفظه من كيد الخائنين والكائدين وبغي الباغين فنكون من المنتظرين والناصرين الحقيقيين قولا وفعـلا.
5- الغَيبـة
من الحوادث التي جرت ووقعت على كثير من الأنبياء والرسل ومنهم كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) هي الغيبة، وهي من السنـن التي تجري وتقع على الأمام المهدي (عليه السلام) لأن له من موسى (عليه السلام) سنة الغيبة، التي راح الكثير من المغرضين والمناوئين ويشنعون على الشيعة بسبـب اعتقادهم وأيمانهم بغيبة الأمام المهدي (عليه السلام) وراح أعدائهم يتهمونهم بشتى أنواع الاتهامات والأباطيل من دون رادع أو خوف من الله تبارك وتعالى متجاهلين ما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى من الآيات الدالة على غيبة بعض الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، وما جاء في السنة النبوية الشريفة من أحاديث وروايات أثبتـت تلك الغيبات للرسل والأنبياء (عليهم السلام)، ومن الأنبياء الذين كانت لهم غيبة عن أقوامهم هو كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام).
فقد أخبرنا المولى تبارك وتعالى في كتابه عن غيبة موسى وتركه لأهله ووطنه وذهابه إلى مدين وبقائه هناك لعدة سنوات إلى أن تهيأت له الظروف والأسباب والمسببات المقدرة من الله تبارك وتعالى وعاد بعدها إلى قومه وخلص بني إسرائيل من ظلم فرعون وملائه قال تعالى: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى }( طـه ( 4)).
يتضح لنا أن موسى (عليه السلام) قد غاب عن قومه وأنهم كانوا ينتظرون الفرج على يديه وهذا بعينه حاصل مع أمامنا المهدي (عليه السلام) فهو القائم المنتظر الذي غاب عن قومه، فقد جاء عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) في قول الله تعالى: ({قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ } قال: نزلت في الإمام، فقال ( إن ) أصبح إمامكم غائبا عنكم فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وبحلال الله تعالى وحرامه. ثم قال: أما والله ما جاء تأويل هذه الآية ولابد أن يجئ تأويلها ( الغيبة - الشيخ الطوسي - ص 158).
وبذلك يعتبر هو القائم المنتظر الذي غاب عن قومه وسيخرج إن شاء الله فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملأت ظلما وجورا.
فالأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من موسى (عليه السلام) وهي الغيبة لحكمة من الله عز وجل لأجل إقامة دولة العدل الإلهي في الأرض، ونرى ذلك واضحا من خلال ما جاء عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول: ( في القائم سنة من موسى بن عمران (عليه السلام) فقلت وما سنته من موسى؟ قال: خفاء مولده وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن قومه وأهله ؟ قال: ثمانية وعشرين سنة) ( بحار الأنوارج51 ص216 ).
.
يتبع
( موسوعة القائم )
(من فكر السيد القحطاني)
سنـن الإمام المهدي من موسى (عليهما السلام)
لقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن إمامنا علي بن الحسين زين العابديـن (عليه السلام) أنه قال: (في القائـم منا سنة من آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين )( غيبة الطوسي ص60 ).
وفي رواية أخرى عن عبد الله بن سنـان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ( في القائم (عليه السلام) سنة من موسى بـن عمران (عليه السلام) فقلت ما هي سنته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده وغيبته عن قومه، فقلت: كم غاب موسى بن عمران عن أهله ؟ قال ثمانية وعشرين سنة)(أعيان الشيعة ج2 ص58 ).
وكذلك ورد عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر يقول: (في صاحب هذا الأمر أربع سنـن من أربع أنبياء: سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فأما سنته من موسى فخائف يترقب، وأما سنته من عيسى فيقال فيه مثل ما قيل في عيسى بن مريم (عليه السلام) حيث يقولون أنه مات ولم يمت، وأما سنته من يوسف فالسجن والغيبة، وأما سنته من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فالسيف - أي القيام بالسيف -)(مكيال المكارم ج1 ص77 ).
فمن تلك الروايات يتضح لنا أن هنـاك علاقة وثيقة وواضحة وشبه بين موسى بن عمران (عليه السلام) وبين المهدي (عليه السلام) ، وإن للمهدي (عليه السلام) سنـن من موسى حيث إن الكثير من الأحداث والوقائـع التي جرت مع نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام) ومرت عليه وعلى قومه وأصحابه فإنها سوف تجري على القائـم من آل محمد وعلى أصحابه حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .
1-خفاء النسب والولادة
لقد كان بنو إسرائيل موعوديـن بمولود يولد بينهم من ذريـة نبي الله يعقوب (عليه السلام) حيث خلاصهم وفرجهم ونجاتهم من فرعون وملائه على يديه، لذلك فقد أنتشر هذا الخبر وشاع في بني إسرائيل حيث طال انتظارهم جيلا بعد جيل وعاما بعد عام وكانت لهم علامات ودلالات على العام الذي يولد فيه ذلك المولود المنتظر، وبعدما تحقـقـت تلك العلامات وتأكدهم من أن ولادته باتت قريبة جدا راحوا يتباشرون فيما بينهم حتى وصل الخبر إلى فرعون فقام فرعون بقتل كـل مولود يولد في ذلك العام وأمر كذلك بشق بطون النساء الحوامل من بني إسرائيل كما أنه أوكل بنساء بني إسرائيل نساء من الأقباط يحفظنهن، وذلك لما كان قد بلغ فرعـون عن بني إسرائيل أنه يولد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون سببا في هلاك فرعون وأصحابه.
فقال فرعون آنذاك: لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون فقام بالتفريق بين الرجال والنساء، ولما حملت أم موسى لم يظهر حملها كرامة لموسى (عليه السلام) وحفظا له من فرعون لأجل القضية الموعود بها إلا حين وضعته، فلما وضعته نظرت إليه واغتمت وقالت: يذبح الساعة، فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه فقالت لأم موسى مالك قد أصفر لونك ؟ فقالت: أخاف أن يذبح ولدي فقالت لا تخافي.
وبالرغم كل ما قام به فرعون من ذبح للأطفال وتفريق بين النساء والرجال أبى الله إلا أن يتم نوره ويولد كليم الله موسى بن عمران وقد أخبر فرعون بذلك وقام بمداهمة البيوت وتفتيشها، فأوحى الله عز وجل إلى أم موسى أن تضعه في تابوت وترميه في البحر كما أخبرنا المولى تبارك وتعالى في كتابه قال تعالى: َ{ وأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}(القـصـص (7) ).
وفعلا فقد قامت أم موسى بذلك وشاء الله تبارك وتعالى أن تأخذه الأمواج إلى قصر عدوه فرعون حيث كانت تجلس امرأة فرعون على ضفاف النهر حينما جلبت الأمواج ذلك التابوت الذي فيه موسى والذي يحمل البشارة لبني إسرائيل بهلاك فرعون وملائه، وبذلك فقد شاءت الإرادة الإلهية أن يعيش موسى (عليه السلام) في قصر فرعون (عدوه) ليكون ابنا له بالتبني، وهكذا عاش موسى وهو يعرف بين قومه بابن فرعون.
وهكذا نجد أن هذه السنة الشريفة قد أنطبقت انطباقا تامـا على الأمام المهدي (عليه السلام) وذلك لتشابه حالة الولادة للأمام المهدي (عليه السلام) مع الطريقة نفسها لولادة كليم الله موسى بن عمران، حيث كان فرعون بني العباس قد سمع وعلم أن الشيعة ينتظرون مولود من الأمام الحسن العسكري (عليه السلام) يكون خلاصهم ونجاتهم وفرجهم على يديه الشريفتين، فقام الفرعون العباسي بمثل ما قام به فرعون ذلك الزمان حيث أرسل نساء قصره وجواريه لمراقبة دار الأمام الحسن العسكري (عليه السلام)، إلا أن الله عز وجل حفظ وليه بأن أخفى حمل أمه السيدة نرجس كما أخفى حمل أم موسى سابقا فلم يظهر عليها شيء من آثار الحمل إلا حينما وضعته، حتى أن السيدة الجليلة حكيمة عمة الأمام المهدي (عليه السلام) تفاجـأت عندما أخبرها الأمام (عليه السلام) بأن السيدة نرجس ستلد المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن تملأ ظلما وجورا، كل ذلك خوفا على القائد العظيم الذي أراده الله وخوفا على القضية الإلهية المنوطة به والذي ظلت الناس تنتظره وتنتظر وقوع الفرج والخلاص من الظالمين والجبابرة والمتكبرين على يديه الشريفتين، فسبحان الذي أجرى السنـن والقوانين وأجرى هذه السنة والشبه الكبير بين نبيه وكليمه موسى بن عمران وبين وليه ووصيه المهدي المنتظر (عليه السلام).
2- صفاتـه الجسمانية
لقد عرف بني إسرائيل بضخامـة أجسامهم، فقد كانوا يتميزون بطول القامـة وعِظَم البنية فتجد أحدهم عريض المنكبين ضخم الهامة، وقد كان موسى بن عمران (عليه السلام) يتمتع بكل تلك الصفات الجسمانية حيث كان موسى (عليه السلام) أسمر اللون طويل القامة وقوي البنية حتى عُرف موسى (عليه السلام) بشدة بأسه وقوته كما جاء في قوله تعالى في كتابه العزيز واصفا موسى (عليه السلام) بتلك الصفات حكاية عن بنت شعيب قال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}( القصص26 ) .
وكذلك ورد عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في حديث المعراج (ثم صعدنا إلى السماء السادسة وإذا بها رجل آدم طويل). وآدم تعني أسمر اللون كما هو معروف، وهذه من صفات المهدي (عليه السلام) الجسمانية حيث أنه يشابه بني إسرائيل من ناحية لون البشرة وضخامة الجسم فهو بذلك له سنة من موسى (عليه السلام) فقد ورد عن الأمام الصادق (عليه السلام) قال: (.... أسمر يعتروه مع سمرته صفرة من سهر الليل)( بحار الأنوار ج13 ص5 ).
ومما يؤكد كون الأمام المهدي (عليه السلام) قوي في بدنه فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: (ما كـان قول لوط لقومه لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد إلا تمنيا لقوة القائم التي يمتلكها (عليه السلام) ولا ذكر ركن إلا شدة أصحابه وأن الرجل منهم يعطى قوة أربعين رجلا وأن قلبه لأشد من زبر الحديد ولو مـروا بالجبال الحديد لقطعوها لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجـل)(بحار الأنوار ج83 ص81 ).
وعن الريان بن الصلت قال: (قلت للأمام الرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملأها عدلا كما ملئت جورا، وكيف أكون كذلك على ما ترى من ضعف بدني وأن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشباب قويا في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء الله ثم يظهره فيملأ به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا)( كمال الدين وتمام النعمة ص376 ).
ومن ذلك يتبين أن الأمام القائم قد عرف بطول قامته وضخامة بدنه وكان أسمر الوجه كما تقدم وهي نفس الصفات التي كانت عند نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام) لان الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة وشبه من موسى (عليه السلام) فقد جاء في الحديث الشريف عن عمران بن الحصين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أنه قال: (صف لنا يا رسول الله هذا الرجل وما حاله (أي المهدي ) ؟ والكلام لعمران بن الحصين، فأجابه رسول الله: كأنه من رجال بني إسرائيل)( الملاحم والفتن لأبن طاووس ص281 ).
وفي رواية أخرى ورد عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): (المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا)( بحار الأنوار ج51 ص80).
إذن من كل تلك الأحاديث والروايات الشريفة يتبين أن الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من موسى وله شبه منه (عليه السلام) وهو يحمل كل الصفات الجسمانية التي يحملها نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام)، كما أن الإمام المهدي (عليه السلام) له الكثير من السنـن من كليم الله موسى بن عمران(عليه السلام).
3- ثـقـلاً فـي لسـانـه
قال تعالى في كتابه العزيز حكاية عن موسى بن عمران (عليه السلام) قال: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي}( طـه ( 27 -28) ) وقال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ }( القصص34) يتبين من الآيتين أن نبي الله موسى بن عمران (عليه السلام) كان يتميز بثقلاً في لسانه لذا كان يستعين بأخيه ووصيه هارون في أثناء دعوته لدين الله أو أثناء المحاججة أو المناظرة مع فرعون وملائه كما هو ظاهر من سياق الآية.
وبما أن الأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من موسى وشبه منه (عليه السلام) لذا نرى أن هذه السنة منطبقة على المهدي (عليه السلام) والذي يؤكد ما نقوله ما جاء في الرواية الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في وصف المهدي (عليه السلام) أنه قال (( ... ثقلا في لسانه وضرب بفخذه اليسرى بيده اليمنى اذا أبطأ عليه الكلام أسمه أسمي...)( الملاحم والفتن لأبن حماد ص226 ).
4- الخــوف
قال تعالى في كتابه: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ }( القصـص (18) )، وكذلك قال تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }( القصـص (21) ).
لقد تحدثت الآية الأولى عن حادثة وقعت لنبي الله موسى (عليه السلام) عندما مر في يوم من الأيام بالمدينة فوجد رجلين يتقاتلان أحدهما إسرائيلي من قوم موسى والآخر من قوم فرعون {هذا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} فطلب الإسرائيلي المعونة ( الأستغاثة ) من موسى (عليه السلام) للنصرة على عدوه فقتل موسى (عليه السلام) الذي من قوم فرعون، وعندما سمع فرعون بتلك الحادثة غضب وبعث في طلب موسى (عليه السلام) مما أضطر موسى أن يترك مصرا ويخرج منها على خوف وترقب لئلا يقع بيد عدوه فرعون كما يخبرنا المولى تبارك وتعالى في القرآن.
ولما كان للأمام المهدي سنة من موسى، فسوف تجري عليه هذه السُنة أي خروجه خائفاً، فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن الأمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: ( ويبعث بعثا إلى المدينة ( يعني السفياني ) هو الذي يرسل في طلب المهدي، فيقتل بها رجلا ويهرب المهدي والمنصور منها ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم، لا يترك منهم أحد إلا حبس، ويخرج الجيش في طلب الرجلين، يخرج المهدي منها على سنة موسى خائـفا يترقب حتى يقدم مكة، ويقبل الجيش حتى إذا نزلوا البيداء وهو جيش الهملات خسف بهم فلا يفلت منهم إلا مخبر )( بحار الأنوار ج52 ص222 ).
من هذه الرواية يتبين لنا أن الأمام المهدي (عليه السلام) ووزيره اليماني المنصور حينما يدخل جيش السفياني المدينة يخرجان منها إلى مكة هاربين ويخرج الأمام خائـفا كما خرج موسى من قبل إلى مدين خائـفا يترقب، فإن الملاحظ من هذه الرواية وجود الشبه الكبير بين دعوة الأمام المهدي (عليه السلام) وبين دعوة النبي موسى بن عمران (عليه السلام) ويلاحظ كذلك أن الدعوة المهدية تمر بمراحل تشبه إلى حد كبير تلك المراحل التي مرت بها دعوة النبي موسى (عليه السلام).
ولابد لنا هنا من الإشارة إلى مسألة الخوف الذي ثبت في شخص موسى والمهدي (عليهما السلام) والذي لا يمكن تفسيره من الناحية السلبية بل يجب أن يفسر هذا الخوف ايجابيا والذي فيه رفعة وعلو درجات لهذين الشخصين، فلم يكن ذلك الخوف على حياتهم بل إن ذلك الخوف نابع من عظمة الأمر الإلهي والأمانة التي يحملونها على عواتقهم ويدافعون عنها ويؤمنون بمبادئها، ولما كان أمر الأمة في زمن موسى (عليه السلام) كان متوقف عليه، لزم منه الحفاظ على نفسه، كذلك الأمر بالنسبة للأمام المهدي (عليه السلام) فإن الظلم والجور والاستبداد لا يمكن أن يرتفعان إلا بشخصه الكريم وأن العدل والمساواة والقسط لا يقومان إلا به، لذلك لزم منه الحفاظ على نفسه لأجل ذلك ومن أجل أحياء دين الله الخالص واستنقاذ الناس من كل أشكال الضلالة والانحراف، والرجوع بهم إلى جادة الصواب والحق والصراط المستقيم وإخراجهم من التيه الذي يعيشونه ويمرون به.
ولأجل هذا السبب كانت الغيبة واختفاء الأمام وابتعاده عن محبيه وشيعته بصورة خاصة وعن المسلمين بصورة عامة، حتى يجتمع له أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا وأنصاره العشرة آلاف جيش الغضب كما صرحت بذلك لنا روايات أهل البيت (عليهم السلام) فيقيم حكم الله في الأرض وينتصر للمظلومين والمستضعفين من الطغاة والظلمة والمتجبرين، لذا فقد أصبح من الضروري علينا كمسلمين أن نكون الدرع الواقي والمحامي عنه والترس الذي يحفظه من كيد الخائنين والكائدين وبغي الباغين فنكون من المنتظرين والناصرين الحقيقيين قولا وفعـلا.
5- الغَيبـة
من الحوادث التي جرت ووقعت على كثير من الأنبياء والرسل ومنهم كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) هي الغيبة، وهي من السنـن التي تجري وتقع على الأمام المهدي (عليه السلام) لأن له من موسى (عليه السلام) سنة الغيبة، التي راح الكثير من المغرضين والمناوئين ويشنعون على الشيعة بسبـب اعتقادهم وأيمانهم بغيبة الأمام المهدي (عليه السلام) وراح أعدائهم يتهمونهم بشتى أنواع الاتهامات والأباطيل من دون رادع أو خوف من الله تبارك وتعالى متجاهلين ما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى من الآيات الدالة على غيبة بعض الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، وما جاء في السنة النبوية الشريفة من أحاديث وروايات أثبتـت تلك الغيبات للرسل والأنبياء (عليهم السلام)، ومن الأنبياء الذين كانت لهم غيبة عن أقوامهم هو كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام).
فقد أخبرنا المولى تبارك وتعالى في كتابه عن غيبة موسى وتركه لأهله ووطنه وذهابه إلى مدين وبقائه هناك لعدة سنوات إلى أن تهيأت له الظروف والأسباب والمسببات المقدرة من الله تبارك وتعالى وعاد بعدها إلى قومه وخلص بني إسرائيل من ظلم فرعون وملائه قال تعالى: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى }( طـه ( 4)).
يتضح لنا أن موسى (عليه السلام) قد غاب عن قومه وأنهم كانوا ينتظرون الفرج على يديه وهذا بعينه حاصل مع أمامنا المهدي (عليه السلام) فهو القائم المنتظر الذي غاب عن قومه، فقد جاء عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) في قول الله تعالى: ({قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ } قال: نزلت في الإمام، فقال ( إن ) أصبح إمامكم غائبا عنكم فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وبحلال الله تعالى وحرامه. ثم قال: أما والله ما جاء تأويل هذه الآية ولابد أن يجئ تأويلها ( الغيبة - الشيخ الطوسي - ص 158).
وبذلك يعتبر هو القائم المنتظر الذي غاب عن قومه وسيخرج إن شاء الله فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملأت ظلما وجورا.
فالأمام المهدي (عليه السلام) له سنة من موسى (عليه السلام) وهي الغيبة لحكمة من الله عز وجل لأجل إقامة دولة العدل الإلهي في الأرض، ونرى ذلك واضحا من خلال ما جاء عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول: ( في القائم سنة من موسى بن عمران (عليه السلام) فقلت وما سنته من موسى؟ قال: خفاء مولده وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن قومه وأهله ؟ قال: ثمانية وعشرين سنة) ( بحار الأنوارج51 ص216 ).
.
يتبع
تعليق