السيد القحطاني يوحد كلمة المسلمين حول قضية المهدي (ع)
كانت ولا تزال فكرة المهدي (ع) التي يؤمن بها جميع المذاهب والديانات محط خلاف في الكثير من جوانبها ولم يكن هذا الخلاف ناشئ من الله تعالى او النبي الخاتم (ص) بل منشأه من الناس ومن الفهم الخاطئ للنصوص وهناك امر اخر كان سببا في ذلك وهو احاطة الروايات والاحاديث الخاصة بقضية المهدي بالرمزية والسرية لتفويت الفرصة على من يسعى للنيل من هذه القضية الالهية ومن ضمن اهم نقاط الخلاف بين السنة والشيعة هي نسب المهدي هل هو حسيني النسب ام هو حسني النسب فقد قال اهل السنة بانه حسني النسب وأنه يولد في أخر الزمان وقال الشيعة بانه حسيني النسب وقد ولد في القرن الثالث للهجرة وهو ابن الامام الحادي عشر من ائمة المسلمين وقد استدل كل فرق على قوله بالروايات والاحاديث ليثبت مطلبه ونحن بغية كشف النقاب عن هذه المسالة المهمة والحساسة سنقوم بعون الله تعالى بفك رموز الروايات واسرارها لنثبت بعونه تعالى بان الطرفين اصاب من جانب واخطأ من جانب اخر فقضية الامام المهدي (ع) مبتنية على شخصيتين وليس شخصية واحدة أحدهما حسيني والاخر حسني .
وقبل ان نبين هذه الحقيقة لابد ان نسال سؤال.. ما معنى كلمة المهدي ولما سمي المهدي مهدياً ؟ ثم هل يجوز إطلاق تسمية المهدي على غير الإمام المهدي (ع)؟ لا سيما إن هذه التسمية هي من التسميات التي عرف وأشتهر بها الإمام الحجة بن الحسن (ع) بين الناس ماضياً وحاضراً.
وللإجابة عن هذا السؤال نقول إن المهدي في اللغة مأخوذ من الفعل هدى يهدي هدياً وهدية وهداية يقال هداه أي أرشده وهو ضد الضلالة، أي إن كلمة المهدي مأخوذة من الهداية، يقال هداه الله إلى الإيمان أرشده إليه. والمهدي الذي قد هداه الله إلى الحق المنجد ق1 ص859
أما أهل البيت (عليهم السلام) فإنهم أجابوا على تسمية المهدي وما المقصود منها، فقد ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: ( إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي ما في صدور الناس ) دلائل الإمامة ص249
وفي رواية ثانية عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: ( إذا قام القائم دعى الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر وظل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى أمر مظلول عنه وسمي بالقائم لقيامه بالحق) بحار الأنوار ج51 ص30 .
من هذه الأخبار نستشف السبب الذي أدى إلى إطلاق لقب المهدي، فالروايات هذه تشير إلى أن سبب تسميته بالمهدي لأنه يهدي إلى أمر مظلول عنه أي إن الشخص الذي يطلق عليه هذا اللقب يقوم بهداية الناس إلى أمر قد ضل عنه الناس فكل من يفعل ذلك يسمى مهدياً.
والحقيقة ان في زمن ظهور الامام (ع) يكون هناك مهديين اثنين وهما المهدي الحسيني وهو الامام محمد بن الحسن العسكري (ع) حيث انه التاسع من ذرية الحسين (ع) والمهدي الحسني الذي يعود نسبه الى الامام الحسن السبط فقد ورد عن الطفيل عامر بن وائلة عن سلمان الفارسي في حديث طويل جاء في آخره: ( والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ومن ذريتهما المهدي يملأ الله عز وجل به الأرض عدلاً كما ملئت قبله جوراً ) - فاطمة والمفضلات من النساء –عبد اللطيف البغدادي ص191
وكذلك ما ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): ( كاني بالحسني والحسيني قد قاداها فيسلمها الحسني للحسيني) غيبة الطوسي ص468، منتخب الأنوار ص191.
فكما يتضح من الخبرين الشريفين ان في قضية المهدي شخصين وليس شخصا واحدا فمهدي من ذرية الامام الحسن(ع) ومهدي من ذرية الامام الحسين(ع) بقرينة قول الرسول (ص) في الخبر الثاني (فيسلمها الحسني للحسيني) لكن الحسني هو الممهد الرئيسي للإمام المهدي(ع) وهو الذي يسلم الامر للإمام المهدي (ع) وهو مهدي ايضا .
فان الامام امير المؤمنين وولديه الحسن والحسين (ع) شبه كبير من ابراهيم وولديه اسماعيل واسحاق (ع) فان الله سبحانه وتعالى قد جعل النبوة في ذرية اسحاق فكان الانبياء منه اما اسماعيل فلم يخرج من ذريته نبي الا النبي محمد (ص) وكذلك جعل الله الامامة في ذرية الحسين (ع) ولم يكن من ذرية الحسن اي امام لذا فان الله سبحانه وتعالى قد جعل المهدي الممهد للإمام المهدي (ع) ووزيره من ذرية الامام الحسن الذي يقوم بالإعداد والتمهيد للإمام المهدي (ع) ثم يبايعه ويسلم الراية والجيش له ويكون على مقدمة قواته ويكون وزيره وساعده الايمن وقد ورد في كتب اهل السنة ان المهدي من ذرية الحسن(ع) وانه يولد في اخر الزمان وهذا صحيح باعتبار ما ذكرناه من ان من ولد الحسن سيكون مهدي يمهد ويعد ويدعو الى الحق والهدى وفي ذلك حكمة بالغة من المولى سبحانه وتعالى حيث كان في علمه ان اهل السنة سيذهبون في هذا الاعتقاد لذا فان من مقتضى رحمته تعالى جعل في ذرية الحسن مهديا يولد في اخر الزمان ليقيم به الحجة على اهل السنة وبعد ان يؤمن به هؤلاء الناس يسلم الامر للمهدي الحسيني (ع)
وهنا يوجد ترابط عجيب بين الروايات التي تذكر المهدي الحسني وتلك التي تذكر المهدي الحسيني فطائفة تذكره بلفظ ( من ولد علي ) وتثبت له الشبه بينه وبين عيسى (ع)، في حين إن طائفة أخرى تذكره بلفظ ( من ولد فاطمة ) وتعطي وصفاً يناقض الوصف الأول، وبعض يثبت له شبهاً بجده رسول الله (ص) وهذا مما يوقع الباحث أو القارئ في تناقض وحيرة، فهل المهدي من ولد فاطمة أم من ولد علي (ع) وما هو السبب في ذكر هذين اللفظين
ومن خلال البحث يتضح لنا إن المهدي الذي تذكره الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) وتتكلم عنه، إنما هما مهديان وليس مهدياً واحداً كما يتصور البعض.
ونأتي الآن إلى الطائفة الأولى من الروايات التي تذكر إن المهدي (ع) من ولد علي (ع)، فقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: ( خروج المهدي وهو رجل من ولد هذا وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب (ع))( بحار الأنوار ج51 ص75، غيبة الطوسي ص 185(
وفي الرواية الثانية: (...إن القائم من ولد علي له غيبة كغيبة يوسف ورجعة كرجعة عيسى بن مريم...)( بحار الأنوار ج52 ص225، غيبة النعماني ص145)
أما الطائفة الثانية من الروايات التي تذكر إن المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام) فقد ورد فيها عن أم سلمة قالت: ( سمعت رسول الله (ص) يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة )( غيبة الطوسي ص185، السنن الواردة في الفتن ج5 ص1057)
وورد عن سعيد بن المسيب قال: (المهدي حق هو، قال حق، قال قلت: فمن هو؟ قال: من قريش قلت: من أي قريش ؟ قال:من بني هاشم، قلت: من أي بني هاشم ؟ قال: من بني عبد المطلب، قلت من أي عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة )( الفتن لأبن حماد ج1 ص382، السنن الواردة في الفتن ج5 ص1057)
كما ورد عن أحمد بن إدريس، عن ابن قتيبة، عن الفضل، عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان، عن المنهل، عن جابر، عن أبي جعفر (ع) قال: (المهدي رجل من ولد فاطمة )( بحار الأنوار ج 51 - ص 43)
وفي رواية عن جابر عن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: ( المهدي من ولد فاطمة...)( بحار الأنوار ج51 ص43، غيبة الطوسي ص187)
وفي رواية أخرى عن أبن حمران عن كعب قال: ( المهدي من ولد فاطمة )( الفتن لأبن حماد ج1 ص374)
أما الروايات التي تثبت إن للمهدي (ع) شبه من عيسى بن مريم (ع) فسنذكر منها رواية واحدة وهي: ( إن القائم المهدي من نسل علي أشبه الناس بعيسى بن مريم...)( بحار الأنوار ج52 ص225 ، غيبة النعماني ص145)
أما الروايات التي تذكره بوصف آخر مناقض لما هو عليه في الطائفة الأولى من الروايات فنذكر منها ما ورد عن جابر الأنصاري عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: ( المهدي رجل من ولد فاطمة وهو رجل آدم )( بحار الأنوار ج51 ص43، غيبة الطوسي ص187)
وهذا يعني وجود مهديين أثنين أحدهما شبيه عيسى بن مريم (ع) والآخر شبيه موسى بن عمران (ع).
أما الروايات التي تذكر الامام المهدي (ع) مرة بأنه من ولد علي وأخرى من ولد فاطمة فهي ما ورد في الحديث المروي عن معاذ بن جبل عن رسول الله (ص) أنه قال: ( إن الله خلقني وعلي وفاطمة والحسن والحسين من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة ألاف عام قلت فأين كنتم يا رسول الله ؟ قال قدام العرش نسبح الله ونحمده ونقدسه ونمجده. قلت على أي مثال ؟ قال: أشباح نور، حتى إذا أراد الله عز وجل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ثم قذفنا في صلب آدم ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون، فلما صيرنا في صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور وشقه نصفين فجعل نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب، ثم أخرج الذي لي إلى آمنة والنصف إلى فاطمة بنت أسد فأخرجتني آمنة وأخرجت فاطمة علياً، ثم أعاد الله عز وجل العمود إلي فخرجت مني فاطمة ثم أعاده عز وجل إلى علي فخرج منه الحسن والحسين يعني من النصفين جميعاً فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن وما كان من نوري صار في ولد الحسين فهو ينتقل في الأئمة من ولده إلى يوم القيامة )( بحار الأنوار ج51 ص7)
وعليه فالمعبر عنه في الروايات (بابن فاطمة ) هو الإمام المهدي الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الآدم اللون وذلك لأن نور النبي محمد (ص) الذي هو نور فاطمة ( ع) انتقل إلى الإمام الحسين (ع).
أما المعبر عنه في الروايات بأنه ( من ولد علي ) وفي أخرى ( من ذريتي ) والذي يكون شبيه عيسى (ع) فهو اليماني الموعود، لأن نور الإمام علي (ع) أنتقل إلى الإمام الحسن (ع)
وهذا يعني إن الإمام المهدي (ع) ووزيره اليماني كلاهما ينتسبان إلى الإمام علي وإلى فاطمة الزهراء ( عليهما السلام)، وبالتالي فإنهما ينتسبان إلى رسول الله (ص) وعبر عن الأول بابن فاطمة لوجود نور الزهراء (عليها السلام ) الذي هو نور الرسول (ص) في صلب أبيه الإمام الحسين (ع) وعبر عن الثاني ( من ولد علي ) لوجود نور الإمام علي (ع) في صلب أبيه الإمام الحسن (ع).
وعليه فإن الإمام المهدي (ع) وهو المهدي الأول هو من نسل الإمام الحسين (ع)، أما المهدي الثاني وهو اليماني الموعود فهو من نسل الإمام الحسن (ع)، ولرب سائل يسأل لماذا يكون الإمام المهدي (ع) حسيني ويكون السيد اليماني حسني فما الحكمة والعلة من ذلك ؟
إن الله تعالى عادل ورحيم بعباده وله سنن وقوانين في هذا الكون يسيّر بها خلقه، فمن المعلوم كما أشرنا سابقاً إن إبراهيم (ع) وهو أول الموحدين وسيدهم، ولد له ابنان هما إسحاق وإسماعيل وقد جعل الله عز وجل النبوة في إسحاق فالأنبياء منذ زمن إبراهيم (ع) إلى ما قبل محمد (ص) في ذرية إسحاق.
ولكن الله عز وجل إكراماً لإسماعيل وعوضاً له جعل خاتم الأنبياء محمد (ص) من ذريته، وكذلك الحال مع سيد الموحدين وهو الإمام علي (ع) فقد رزقه الله ولدين هما الحسن والحسين ( عليهما السلام ) فجعل الإمامة في ذرية الإمام الحسين (ع) ولم يجعل من ذرية الإمام الحسن إماماً، وعليه فإكراماً للإمام الحسن (ع) وعوضاً له جعل من ذريته المهدي اليماني الداعي إلى الإمام المهدي (ع) وإلى الإسلام الجديد، كما دعا رسول الله (ص) إلى الإسلام وكان من ذرية إسماعيل.
ومما يجدر الإشارة إليه إن الروايات التي تذكر صفات الإمام الحسن (ع) لها شبه كبير بالروايات التي تذكر صفة اليماني حفيد الإمام الحسن (ع)، فالإمام الحسن كما ذكر المؤرخون وأهل السير في صفته وشمائله إنه: ( أبيض مشرب بحمرة دعج العينين سهل الخدين رقيق المشربة كث اللحية ذا وقرة وكأن عنقه أبريق فضة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ربعة من الرجال ليس بالطويل ولا بالقصير ملجأ من أحسن الناس وجهاً )( ذخائر العقبى ص12 )
وإذا تابعنا الروايات الخاصة بصفة اليماني وشمائله نلاحظ وجود شبه بينهما وهذا ما سنذكره مفصلاً في وقت آخر، ونكتفي هنا بنقل ما جاء عن أمير المؤمنين (ع) قوله) : يخرج رجل مني في آخر الزمان أبيض مشرب بحمرة...)( بحار الأنوار ج51 ص35 ، منتخب الأنوار ص27(
وبهذا يتبين لنا إن حفيد الإمام الحسن (ع) اليماني الموعود يكون فيه شبه كبير من الإمام الحسن (ع)
وهو الذي ذكر في المصادر السنية وإنه من ذرية فاطمة (عليها السلام ) ، ولكن الاختلاف بين رواياتهم وبين روايات الشيعة هو أن اهل السنة يعتقدون بان الإمام المهدي (ع) هو من ذرية الإمام الحسن (ع) بينما الشيعة يعتقدون بأنه من ذرية الإمام الحسين (ع)، والحقيقة إن من السهولة بمكان الجمع بين هذين الرأيين ورفع التناقض الظاهري الموجود بين ما يعتقده السنة وبين ما يعتقده الشيعة في قضية الإمام المهدي (ع)
أما ما يثبت إن المهدي (ع) عند أهل السنة من ذرية الإمام الحسن (ع) ما ورد عن ابن حجر العسقلاني قوله
(إن للحسن في المهدي الولادة العظمى لأن أحاديث كونه من ذريته أكثر...)( معجم أحاديث الإمام المهدي ج1 ص185
كما ورد هذا المعنى عن ابن القيم الجوزية وهو من علماء أهل السنة حيث قال) :إنه رجل من أهل بيت النبي (ص) من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً وأكثر الأحاديث على هذا تدل في كونه من ولد الحسن سر لطيف، وهو الحسن ( رضي الله عنه ) ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة بالحق المتضمن للعدل الذي يملئ الأرض وهذه سنة الله في عباده إنه من ترك لأجله شيئاً، أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه...)( المنار المنيف ج1 ص389)
ويعتقد أهل السنة إن المهدي (ع) لم يولد بعد وإنه سيولد في آخر الزمان من ذلك ما أورده أبن أبي الحديد المعتزلي حيث قال :
أما أصحابنا فيزعمون إنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد وليس بموجود الآن) شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج7 ص58
والمتتبع لروايات أهل السنة الذين يعتقد قسم كبير منهم إن المهدي (ع) من ذرية الإمام الحسن (ع) وإنه لم يولد بعد بل وسيولد في آخر الزمان.
وذلك مرده إلى سببين، السبب الأول هو ورود روايات عن رسول الله (ص) تشير إلى هذا المعنى والسبب الثاني هو لإثبات صحة ادعائهم ودعم حجتهم المستندة على إن ليس هنالك نص على إمامة الأئمة الإثنا عشر من أهل البيت (عليهم السلام) وإن العصمة بذلك تكون منقطعة الاتصال فيها وهذا ما يخالفون به الشيعة الذين يعتقدون إن الرسول (ص) نص على إن الإمامة من بعده في الأئمة الإثنا عشر (عليهم السلام) الذين أولهم علي بن أبي طالب (ع) وأخرهم المهدي (ع) الذي هو من نسل الإمام الحسين (ع) وهو التاسع من ولده.
ويمكن الجمع بين روايات اهل السنة وروايات الشيعة وذلك لأن روايات كلا الطرفين لا تتحدثان عن مهدي واحد بل هي تتحدث عن مهديين اثنين.
المهدي الأول وهو الذي ورد في روايات اهل السنة هو المهدي الحسني اليماني الموعود، وزير الإمام المهدي (ع) وصاحب دعوته والممهد الرئيسي للإمام المهدي والذي يولد في آخر الزمان وهو من ذرية الإمام الحسن السبط (ع)
أما المهدي الثاني وهو المهدي الحسيني الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والذي ولد عام 255هـ وهو من ذرية الإمام الحسين الشهيد (ع)
وبذلك ويرفع التناقض والاختلاف.
وكأن العناية الإلهية ويد الغيب الإلهي ومشيئة الله تعالى وحكمته اقتضت ذلك ولإحقاق الحق ودحض الباطل وإثبات أن الأئمة هم الإثنا عشر المنصوص عليهم من قبل جدهم المصطفى محمد (ص) من جهة، ومن جهة ثانية فإن المهدي الحسني صاحب دعوة الإمام المهدي (ع) في حال إعلان دعوته المباركة ورفعه راية التمهيد للإمام المهدي (ع) سيكون حجة على أهل السنة بمقتضى الروايات الواردة عندهم، ولعله سيكون سبباً في إيمان العديد من أهل السنة به وبدعوته، ويدخلون في عداد أنصار الإمام المهدي (ع) تحت قيادته.
وفي نفس الوقت يكون ذلك حجة على الشيعة أيضاً في قبول تلك الروايات والاهتداء إلى دعوة السيد اليماني المباركة، ويكون ذلك من أعظم الإمتحانات التي سيمر بها المسلمون، ليؤمن به من آمن على بينة وهدى من أمره وليكفر بذلك من كفر على بينة وضلال من أمره.
من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني
كانت ولا تزال فكرة المهدي (ع) التي يؤمن بها جميع المذاهب والديانات محط خلاف في الكثير من جوانبها ولم يكن هذا الخلاف ناشئ من الله تعالى او النبي الخاتم (ص) بل منشأه من الناس ومن الفهم الخاطئ للنصوص وهناك امر اخر كان سببا في ذلك وهو احاطة الروايات والاحاديث الخاصة بقضية المهدي بالرمزية والسرية لتفويت الفرصة على من يسعى للنيل من هذه القضية الالهية ومن ضمن اهم نقاط الخلاف بين السنة والشيعة هي نسب المهدي هل هو حسيني النسب ام هو حسني النسب فقد قال اهل السنة بانه حسني النسب وأنه يولد في أخر الزمان وقال الشيعة بانه حسيني النسب وقد ولد في القرن الثالث للهجرة وهو ابن الامام الحادي عشر من ائمة المسلمين وقد استدل كل فرق على قوله بالروايات والاحاديث ليثبت مطلبه ونحن بغية كشف النقاب عن هذه المسالة المهمة والحساسة سنقوم بعون الله تعالى بفك رموز الروايات واسرارها لنثبت بعونه تعالى بان الطرفين اصاب من جانب واخطأ من جانب اخر فقضية الامام المهدي (ع) مبتنية على شخصيتين وليس شخصية واحدة أحدهما حسيني والاخر حسني .
وقبل ان نبين هذه الحقيقة لابد ان نسال سؤال.. ما معنى كلمة المهدي ولما سمي المهدي مهدياً ؟ ثم هل يجوز إطلاق تسمية المهدي على غير الإمام المهدي (ع)؟ لا سيما إن هذه التسمية هي من التسميات التي عرف وأشتهر بها الإمام الحجة بن الحسن (ع) بين الناس ماضياً وحاضراً.
وللإجابة عن هذا السؤال نقول إن المهدي في اللغة مأخوذ من الفعل هدى يهدي هدياً وهدية وهداية يقال هداه أي أرشده وهو ضد الضلالة، أي إن كلمة المهدي مأخوذة من الهداية، يقال هداه الله إلى الإيمان أرشده إليه. والمهدي الذي قد هداه الله إلى الحق المنجد ق1 ص859
أما أهل البيت (عليهم السلام) فإنهم أجابوا على تسمية المهدي وما المقصود منها، فقد ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: ( إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي ما في صدور الناس ) دلائل الإمامة ص249
وفي رواية ثانية عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: ( إذا قام القائم دعى الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر وظل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى أمر مظلول عنه وسمي بالقائم لقيامه بالحق) بحار الأنوار ج51 ص30 .
من هذه الأخبار نستشف السبب الذي أدى إلى إطلاق لقب المهدي، فالروايات هذه تشير إلى أن سبب تسميته بالمهدي لأنه يهدي إلى أمر مظلول عنه أي إن الشخص الذي يطلق عليه هذا اللقب يقوم بهداية الناس إلى أمر قد ضل عنه الناس فكل من يفعل ذلك يسمى مهدياً.
والحقيقة ان في زمن ظهور الامام (ع) يكون هناك مهديين اثنين وهما المهدي الحسيني وهو الامام محمد بن الحسن العسكري (ع) حيث انه التاسع من ذرية الحسين (ع) والمهدي الحسني الذي يعود نسبه الى الامام الحسن السبط فقد ورد عن الطفيل عامر بن وائلة عن سلمان الفارسي في حديث طويل جاء في آخره: ( والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ومن ذريتهما المهدي يملأ الله عز وجل به الأرض عدلاً كما ملئت قبله جوراً ) - فاطمة والمفضلات من النساء –عبد اللطيف البغدادي ص191
وكذلك ما ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): ( كاني بالحسني والحسيني قد قاداها فيسلمها الحسني للحسيني) غيبة الطوسي ص468، منتخب الأنوار ص191.
فكما يتضح من الخبرين الشريفين ان في قضية المهدي شخصين وليس شخصا واحدا فمهدي من ذرية الامام الحسن(ع) ومهدي من ذرية الامام الحسين(ع) بقرينة قول الرسول (ص) في الخبر الثاني (فيسلمها الحسني للحسيني) لكن الحسني هو الممهد الرئيسي للإمام المهدي(ع) وهو الذي يسلم الامر للإمام المهدي (ع) وهو مهدي ايضا .
فان الامام امير المؤمنين وولديه الحسن والحسين (ع) شبه كبير من ابراهيم وولديه اسماعيل واسحاق (ع) فان الله سبحانه وتعالى قد جعل النبوة في ذرية اسحاق فكان الانبياء منه اما اسماعيل فلم يخرج من ذريته نبي الا النبي محمد (ص) وكذلك جعل الله الامامة في ذرية الحسين (ع) ولم يكن من ذرية الحسن اي امام لذا فان الله سبحانه وتعالى قد جعل المهدي الممهد للإمام المهدي (ع) ووزيره من ذرية الامام الحسن الذي يقوم بالإعداد والتمهيد للإمام المهدي (ع) ثم يبايعه ويسلم الراية والجيش له ويكون على مقدمة قواته ويكون وزيره وساعده الايمن وقد ورد في كتب اهل السنة ان المهدي من ذرية الحسن(ع) وانه يولد في اخر الزمان وهذا صحيح باعتبار ما ذكرناه من ان من ولد الحسن سيكون مهدي يمهد ويعد ويدعو الى الحق والهدى وفي ذلك حكمة بالغة من المولى سبحانه وتعالى حيث كان في علمه ان اهل السنة سيذهبون في هذا الاعتقاد لذا فان من مقتضى رحمته تعالى جعل في ذرية الحسن مهديا يولد في اخر الزمان ليقيم به الحجة على اهل السنة وبعد ان يؤمن به هؤلاء الناس يسلم الامر للمهدي الحسيني (ع)
وهنا يوجد ترابط عجيب بين الروايات التي تذكر المهدي الحسني وتلك التي تذكر المهدي الحسيني فطائفة تذكره بلفظ ( من ولد علي ) وتثبت له الشبه بينه وبين عيسى (ع)، في حين إن طائفة أخرى تذكره بلفظ ( من ولد فاطمة ) وتعطي وصفاً يناقض الوصف الأول، وبعض يثبت له شبهاً بجده رسول الله (ص) وهذا مما يوقع الباحث أو القارئ في تناقض وحيرة، فهل المهدي من ولد فاطمة أم من ولد علي (ع) وما هو السبب في ذكر هذين اللفظين
ومن خلال البحث يتضح لنا إن المهدي الذي تذكره الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) وتتكلم عنه، إنما هما مهديان وليس مهدياً واحداً كما يتصور البعض.
ونأتي الآن إلى الطائفة الأولى من الروايات التي تذكر إن المهدي (ع) من ولد علي (ع)، فقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: ( خروج المهدي وهو رجل من ولد هذا وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب (ع))( بحار الأنوار ج51 ص75، غيبة الطوسي ص 185(
وفي الرواية الثانية: (...إن القائم من ولد علي له غيبة كغيبة يوسف ورجعة كرجعة عيسى بن مريم...)( بحار الأنوار ج52 ص225، غيبة النعماني ص145)
أما الطائفة الثانية من الروايات التي تذكر إن المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام) فقد ورد فيها عن أم سلمة قالت: ( سمعت رسول الله (ص) يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة )( غيبة الطوسي ص185، السنن الواردة في الفتن ج5 ص1057)
وورد عن سعيد بن المسيب قال: (المهدي حق هو، قال حق، قال قلت: فمن هو؟ قال: من قريش قلت: من أي قريش ؟ قال:من بني هاشم، قلت: من أي بني هاشم ؟ قال: من بني عبد المطلب، قلت من أي عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة )( الفتن لأبن حماد ج1 ص382، السنن الواردة في الفتن ج5 ص1057)
كما ورد عن أحمد بن إدريس، عن ابن قتيبة، عن الفضل، عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان، عن المنهل، عن جابر، عن أبي جعفر (ع) قال: (المهدي رجل من ولد فاطمة )( بحار الأنوار ج 51 - ص 43)
وفي رواية عن جابر عن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: ( المهدي من ولد فاطمة...)( بحار الأنوار ج51 ص43، غيبة الطوسي ص187)
وفي رواية أخرى عن أبن حمران عن كعب قال: ( المهدي من ولد فاطمة )( الفتن لأبن حماد ج1 ص374)
أما الروايات التي تثبت إن للمهدي (ع) شبه من عيسى بن مريم (ع) فسنذكر منها رواية واحدة وهي: ( إن القائم المهدي من نسل علي أشبه الناس بعيسى بن مريم...)( بحار الأنوار ج52 ص225 ، غيبة النعماني ص145)
أما الروايات التي تذكره بوصف آخر مناقض لما هو عليه في الطائفة الأولى من الروايات فنذكر منها ما ورد عن جابر الأنصاري عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: ( المهدي رجل من ولد فاطمة وهو رجل آدم )( بحار الأنوار ج51 ص43، غيبة الطوسي ص187)
وهذا يعني وجود مهديين أثنين أحدهما شبيه عيسى بن مريم (ع) والآخر شبيه موسى بن عمران (ع).
أما الروايات التي تذكر الامام المهدي (ع) مرة بأنه من ولد علي وأخرى من ولد فاطمة فهي ما ورد في الحديث المروي عن معاذ بن جبل عن رسول الله (ص) أنه قال: ( إن الله خلقني وعلي وفاطمة والحسن والحسين من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة ألاف عام قلت فأين كنتم يا رسول الله ؟ قال قدام العرش نسبح الله ونحمده ونقدسه ونمجده. قلت على أي مثال ؟ قال: أشباح نور، حتى إذا أراد الله عز وجل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ثم قذفنا في صلب آدم ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون، فلما صيرنا في صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور وشقه نصفين فجعل نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب، ثم أخرج الذي لي إلى آمنة والنصف إلى فاطمة بنت أسد فأخرجتني آمنة وأخرجت فاطمة علياً، ثم أعاد الله عز وجل العمود إلي فخرجت مني فاطمة ثم أعاده عز وجل إلى علي فخرج منه الحسن والحسين يعني من النصفين جميعاً فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن وما كان من نوري صار في ولد الحسين فهو ينتقل في الأئمة من ولده إلى يوم القيامة )( بحار الأنوار ج51 ص7)
وعليه فالمعبر عنه في الروايات (بابن فاطمة ) هو الإمام المهدي الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الآدم اللون وذلك لأن نور النبي محمد (ص) الذي هو نور فاطمة ( ع) انتقل إلى الإمام الحسين (ع).
أما المعبر عنه في الروايات بأنه ( من ولد علي ) وفي أخرى ( من ذريتي ) والذي يكون شبيه عيسى (ع) فهو اليماني الموعود، لأن نور الإمام علي (ع) أنتقل إلى الإمام الحسن (ع)
وهذا يعني إن الإمام المهدي (ع) ووزيره اليماني كلاهما ينتسبان إلى الإمام علي وإلى فاطمة الزهراء ( عليهما السلام)، وبالتالي فإنهما ينتسبان إلى رسول الله (ص) وعبر عن الأول بابن فاطمة لوجود نور الزهراء (عليها السلام ) الذي هو نور الرسول (ص) في صلب أبيه الإمام الحسين (ع) وعبر عن الثاني ( من ولد علي ) لوجود نور الإمام علي (ع) في صلب أبيه الإمام الحسن (ع).
وعليه فإن الإمام المهدي (ع) وهو المهدي الأول هو من نسل الإمام الحسين (ع)، أما المهدي الثاني وهو اليماني الموعود فهو من نسل الإمام الحسن (ع)، ولرب سائل يسأل لماذا يكون الإمام المهدي (ع) حسيني ويكون السيد اليماني حسني فما الحكمة والعلة من ذلك ؟
إن الله تعالى عادل ورحيم بعباده وله سنن وقوانين في هذا الكون يسيّر بها خلقه، فمن المعلوم كما أشرنا سابقاً إن إبراهيم (ع) وهو أول الموحدين وسيدهم، ولد له ابنان هما إسحاق وإسماعيل وقد جعل الله عز وجل النبوة في إسحاق فالأنبياء منذ زمن إبراهيم (ع) إلى ما قبل محمد (ص) في ذرية إسحاق.
ولكن الله عز وجل إكراماً لإسماعيل وعوضاً له جعل خاتم الأنبياء محمد (ص) من ذريته، وكذلك الحال مع سيد الموحدين وهو الإمام علي (ع) فقد رزقه الله ولدين هما الحسن والحسين ( عليهما السلام ) فجعل الإمامة في ذرية الإمام الحسين (ع) ولم يجعل من ذرية الإمام الحسن إماماً، وعليه فإكراماً للإمام الحسن (ع) وعوضاً له جعل من ذريته المهدي اليماني الداعي إلى الإمام المهدي (ع) وإلى الإسلام الجديد، كما دعا رسول الله (ص) إلى الإسلام وكان من ذرية إسماعيل.
ومما يجدر الإشارة إليه إن الروايات التي تذكر صفات الإمام الحسن (ع) لها شبه كبير بالروايات التي تذكر صفة اليماني حفيد الإمام الحسن (ع)، فالإمام الحسن كما ذكر المؤرخون وأهل السير في صفته وشمائله إنه: ( أبيض مشرب بحمرة دعج العينين سهل الخدين رقيق المشربة كث اللحية ذا وقرة وكأن عنقه أبريق فضة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ربعة من الرجال ليس بالطويل ولا بالقصير ملجأ من أحسن الناس وجهاً )( ذخائر العقبى ص12 )
وإذا تابعنا الروايات الخاصة بصفة اليماني وشمائله نلاحظ وجود شبه بينهما وهذا ما سنذكره مفصلاً في وقت آخر، ونكتفي هنا بنقل ما جاء عن أمير المؤمنين (ع) قوله) : يخرج رجل مني في آخر الزمان أبيض مشرب بحمرة...)( بحار الأنوار ج51 ص35 ، منتخب الأنوار ص27(
وبهذا يتبين لنا إن حفيد الإمام الحسن (ع) اليماني الموعود يكون فيه شبه كبير من الإمام الحسن (ع)
وهو الذي ذكر في المصادر السنية وإنه من ذرية فاطمة (عليها السلام ) ، ولكن الاختلاف بين رواياتهم وبين روايات الشيعة هو أن اهل السنة يعتقدون بان الإمام المهدي (ع) هو من ذرية الإمام الحسن (ع) بينما الشيعة يعتقدون بأنه من ذرية الإمام الحسين (ع)، والحقيقة إن من السهولة بمكان الجمع بين هذين الرأيين ورفع التناقض الظاهري الموجود بين ما يعتقده السنة وبين ما يعتقده الشيعة في قضية الإمام المهدي (ع)
أما ما يثبت إن المهدي (ع) عند أهل السنة من ذرية الإمام الحسن (ع) ما ورد عن ابن حجر العسقلاني قوله
(إن للحسن في المهدي الولادة العظمى لأن أحاديث كونه من ذريته أكثر...)( معجم أحاديث الإمام المهدي ج1 ص185
كما ورد هذا المعنى عن ابن القيم الجوزية وهو من علماء أهل السنة حيث قال) :إنه رجل من أهل بيت النبي (ص) من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً وأكثر الأحاديث على هذا تدل في كونه من ولد الحسن سر لطيف، وهو الحسن ( رضي الله عنه ) ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة بالحق المتضمن للعدل الذي يملئ الأرض وهذه سنة الله في عباده إنه من ترك لأجله شيئاً، أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه...)( المنار المنيف ج1 ص389)
ويعتقد أهل السنة إن المهدي (ع) لم يولد بعد وإنه سيولد في آخر الزمان من ذلك ما أورده أبن أبي الحديد المعتزلي حيث قال :
أما أصحابنا فيزعمون إنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد وليس بموجود الآن) شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج7 ص58
والمتتبع لروايات أهل السنة الذين يعتقد قسم كبير منهم إن المهدي (ع) من ذرية الإمام الحسن (ع) وإنه لم يولد بعد بل وسيولد في آخر الزمان.
وذلك مرده إلى سببين، السبب الأول هو ورود روايات عن رسول الله (ص) تشير إلى هذا المعنى والسبب الثاني هو لإثبات صحة ادعائهم ودعم حجتهم المستندة على إن ليس هنالك نص على إمامة الأئمة الإثنا عشر من أهل البيت (عليهم السلام) وإن العصمة بذلك تكون منقطعة الاتصال فيها وهذا ما يخالفون به الشيعة الذين يعتقدون إن الرسول (ص) نص على إن الإمامة من بعده في الأئمة الإثنا عشر (عليهم السلام) الذين أولهم علي بن أبي طالب (ع) وأخرهم المهدي (ع) الذي هو من نسل الإمام الحسين (ع) وهو التاسع من ولده.
ويمكن الجمع بين روايات اهل السنة وروايات الشيعة وذلك لأن روايات كلا الطرفين لا تتحدثان عن مهدي واحد بل هي تتحدث عن مهديين اثنين.
المهدي الأول وهو الذي ورد في روايات اهل السنة هو المهدي الحسني اليماني الموعود، وزير الإمام المهدي (ع) وصاحب دعوته والممهد الرئيسي للإمام المهدي والذي يولد في آخر الزمان وهو من ذرية الإمام الحسن السبط (ع)
أما المهدي الثاني وهو المهدي الحسيني الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والذي ولد عام 255هـ وهو من ذرية الإمام الحسين الشهيد (ع)
وبذلك ويرفع التناقض والاختلاف.
وكأن العناية الإلهية ويد الغيب الإلهي ومشيئة الله تعالى وحكمته اقتضت ذلك ولإحقاق الحق ودحض الباطل وإثبات أن الأئمة هم الإثنا عشر المنصوص عليهم من قبل جدهم المصطفى محمد (ص) من جهة، ومن جهة ثانية فإن المهدي الحسني صاحب دعوة الإمام المهدي (ع) في حال إعلان دعوته المباركة ورفعه راية التمهيد للإمام المهدي (ع) سيكون حجة على أهل السنة بمقتضى الروايات الواردة عندهم، ولعله سيكون سبباً في إيمان العديد من أهل السنة به وبدعوته، ويدخلون في عداد أنصار الإمام المهدي (ع) تحت قيادته.
وفي نفس الوقت يكون ذلك حجة على الشيعة أيضاً في قبول تلك الروايات والاهتداء إلى دعوة السيد اليماني المباركة، ويكون ذلك من أعظم الإمتحانات التي سيمر بها المسلمون، ليؤمن به من آمن على بينة وهدى من أمره وليكفر بذلك من كفر على بينة وضلال من أمره.
من فكر السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني
تعليق