شخصية الداعي
من فكر السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني
إن المتتبع لروايات أهل البيت (عليهم السلام) يجد حقيقة واضحة وهي أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم حينما يقوم بالسيف مقاتلا ولا يقبل بتوبة احد ممن لم يرتضيه في غيبته وأنه سلام الله عليه لا يقوم ولا يخرج حتى يجتمع له جيش وأنصار وكل ذلك قد بينته الروايات الأخبار الكثيرة.
فقد ورد عن المعصوم (عليه السلام) أن مع الإمام (عليه السلام) عهدا بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط أمير المؤمنين (عليه السلام) مكتوب فيه ( اقتل اقتل ولاتستتيب أحدا ) .
ولما كان من الثابت أن للإمام المهدي (عليه السلام) دعوة قبل قيامه إلى التوحيد وإتباع الحق والهداية .
وأن الإمام (عليه السلام) لا يقوم بتلك الدعوة بنفسه وذلك لأسباب عديدة أهمها أن الإمام (عليه السلام) لا يقوم إلا بعدة وعدد ولا يظهر قبل أن يجتمع إليه أنصاره وجيشه الذين لا يجتمعون إلا بعد الدعوة إلى نصرة الإمام وأتباع القادة ودعاته .
وذلك عن طريق أحد الدعاة كما أنه قد ورد عن الإمام المهدي (عليه السلام) إنه لا يقبل توبة احد وهذا مما يتنافى ويتعارض مع الدعوة فإن صاحب الدعوة لابد أن تتوفر فيه صفات كثيرة ومنها قبول العذر وقبول توبة التائب وغير ذلك بما يتناسب وصفات الداعي .
فقد ورد عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) :
( يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلا السيف ولا يستتيب أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم )(الأحزاب (33) ) .
كما أن جميع الدعوات الإلهية كدعوات الأنبياء والأوصياء والصالحين لا تقوم على اساس السيف أو المال .
فإن الداعي لابد أن تتوفر فيه صفتين مهمتين وهما إنه لا يدعو إلا أن يكون مستضعف ليس لديه شوكه أو جيش .
كما أنه لابد أن يكون فقيرا وليس صاحب مال وكل ذلك لأجل أن مريدي الدعوة ومعتنقيها لا يدخلون في تلك الدعوة ويعتنقوها نتيجة لحب المال أو طمعا فيه أو خوفا من السيف والقوة بل لأجل الاعتقاد بصحة الدعوة والإيمان بها لا بطمع في مال ولا خوفا من قتل .
فإن الإمام (عليه السلام) كما ذكرت الروايات الشريفة الواردة عن آبائه (عليه السلام) لا يقوم كما قلنا حتى يكون له جيشا وتقوى شوكته.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( ما يخرج إلا في أولي قوة وما يكون أولي القوة أقل من عشرة آلاف ) .
وعنه (عليه السلام) قال : ( لا يخرج القائم من مكة حتى تكمل الحلقة .
قال الراوي : وكم الحلقة ؟
فقال (عليه السلام) : عشرة آلاف ) .
كما أن الأرض تخرج بركاتها وكنوزها للإمام (عليه السلام) كما جاء في الروايات عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم .
ففي الرواية عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس - إلى أن قال - وتظهر الأرض كنوزها حتى ترى الناس عن وجهها ...) .
ثم أن الإمام المهدي (عليه السلام) كما جاء في الأخبار والروايات الكثيرة عن أهل بيت العصمة يقوم من مكة المكرمة والدعوة والتمهيد (عليه السلام) تبدأ من الكوفة المقدسة .
ثم أنه قد ورد أن من جملة الأسباب التي أدت إلى الغيبة هو أن لا يكون لأحد في عنق الإمام (عليه السلام) بيعة .
فلو خرج (عليه السلام) لوحده من دون جيش وبدأ بالدعوة على خلاف ما هو المفروض من القيام بالسيف والتحرك العسكري منذ أول إطلالته الشريفة لكان لابد أن تكون في عنقه بيعه لأحد وهذا ما لايريده الإمام (عليه السلام) أن يقع .
فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :
( يقوم القائم وليس في عنقه بيعة لأحد ) .
وعن صادق العترة الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال :
( يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولاعقد ولا بيعة ) .
وبهذا يتبين لنا أن الإمام (عليه السلام) لا يقوم بالدعوة بنفسه وشخصه أنما هناك داعي آخر غير الإمام (عليه السلام) هو من يتكفل بهذا الأمر ويقوم بهذه المهمة .
وقبل الخوض في البحث عمن يكون هو الداعي لابد لنا من معرفة الظروف التي تحيط بدعوة الإمام (عليه السلام) .
فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال :
( الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء .
فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله .
فقال : يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ) .
ومن هذه الرواية الشريفة وغيرها من الروايات التي اعرضنا عنها مراعاة للاختصار والتي سبق أن ذكرناها في الأبحاث الماضية يتبين لنا أن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) تكون مشابهة لدعوة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وقد بينا وجوه الشبه بين الدعوتين من جانب الحق وبقي أن نبين لقرائنا الأعزاء وجه الشبه من الجانب الآخر جانب الباطل والأعداء فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج حينما خرج والناس كلها جاهلية قال تعالى :
{ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة...}( تفسير الميزان ج9 ) .
ومن هذه الآية الكريمة يتبين لنا واضحا أن هناك جاهليتين بالنظر إلى قوله تعالى : { تبرج الجاهلية الأولى } فالجاهلية الأولى عند خروج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعثته حيث كانت الجاهلية قد شملت كل مكان والجاهلية الثانية تكون عند قيام الإمام (عليه السلام) .
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس اشد مما استقبله رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهالة الجاهلية...) .
وهذا يعني أنه هناك جاهلية اشد من تلك الجاهلية التي كانت في عصر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وإضافة إلى وجود الجاهلية فإنه يوجد أيضا قريش حيث أن من المعلوم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حاربه قومه من قريش وكذبوه واتهموه.
فقد كانت قريش سادة العرب آنذاك وكبرائهم وفي زمن دعوة الإمام(عليه السلام) لابد وأن يكونوا أمثالا لقريش فإنهم سوف يكذبون بدعوة الإمام (عليه السلام) ويتهمونها بمختلف التهم .
وقد بينا أن هناك مكة بحسب التأويل وهي الكوفة ولابد أن يوجد في الكوفة قريش وهم سادتها وكبراء القوم فيها وهؤلاء هم كما ليخفى من سلالة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث هم من سلالة قريش أهل مكة الأصليين .
فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) : (إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف ) .
وعن محمد بن مسلم قال : ( سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن يروه مما يقتل من الناس، أما أنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف ...) .
وعن بشر بن غالب الاسدي قال : ( قال لي الحسين بن علي (عليه السلام) : ( يابشر مابقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبرا ثم قدم خمسمائة فضرب أعناقهم صبرا ، ثم خمسمائة فضرب أعناقهم صبرا .
قال : فقلت له : أصلحك الله ، أيبلغون ذلك ؟
فقال : الحسين بن علي (عليه السلام) إن مولى القوم منهم .
قال : فقال لي بشير بن غالب اخو بشر بن غالب : اشهد أن الحسين بن علي (عليه السلام) عد على أخي ست عدات أو قال : ست عدات . على اختلاف الرواية ) .
ومن هذه الروايات يؤكد جليا ماقلناه .
كما أن الداعي لابد ن يكون أميا كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس معنى ذلك أنه لا يقرأ ولا يكتب فإن الحال قد تغير وأصبح الأمي اليوم هو من لا يجيد بعض العلوم .
كما أن في الغرب اليوم من لا يستطيع العمل على الحاسوب يسمى أمي والظاهر أنه يكون من عامة الناس لا من خاصتهم أي أن الداعي لا يكون عالما من العلماء .
كما أن من دواعي المشابهة بين الدعوتين أنه لابد أن توجد أصناما تعبد كما كان على عهد الرسول الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فقد وردت الروايات التي تؤكد ذلك .
فعن الصادق (عليه السلام) قال : ( إن القائم يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأن رسول الله أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشب المنحوتة ، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه ) .
حيث أن الإمام الصادق (عليه السلام) جعل في مثال تلك الأصنام أولئك العلماء الذين يتأولون القرآن على الإمام فهم كما يفهم من الرواية كالأصنام حيث أن الناس يطيعونهم في كل شيء فيعبدونهم بذلك من حيث لا يشعرون .
فقد ورد في تفسير قوله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } ، قال أبي عبد الله (عليه السلام) : ( أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم ولكن احلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون ) .
كما أنه قد اشتهر في مكة الشعر والشعراء والبلاغة والأدب وقد كان ابرز الناس هناك هم شعراء مكة حتى أنهم علقوا قصائدهم على جداران الكعبة حتى عرفت بالمعلقات.
وكانت القبائل تفتخر بشعرائها وتقتدي بكلامهم وقصائدهم ولابد أن يكون في الكوفة التي هي مكة بالتأويل أناس يكونون قادة للمجتمع والناس تتبعهم وتأخذ بكلامهم .
ولكنهم ليسوا شعراء كما قد يتصور البعض فإن الشعر هو الذي كان سائدا آنذاك في مكة لذا فقد تسيد الشعراء آنذاك ولكن وبمرور الزمن برزت بعض العلوم كعلم الفقه والأصول وأصبح اليوم سادة مكة هم من قد عرفوا واشتهروا بهذه العلوم .
فقد ورد عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل { والشعراء يتبعهم الغاوون } ، قال :
( هل رأيت شاعرا يتبعه احد ؟ وإنما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا ) .
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل :
{ والشعراء يتبعهم الغاوون } ، فقال : ( من رأيتم من الشعراء يتبع ؟ إنما عنا هؤلاء الفقهاء الذين يشعرون قلوب الناس بالباطل فهم الشعراء الذين يتبعون )( تفسير القمي) .
وبالعودة إلى الأخبار والروايات الواردة عن سادتنا وأئمتنا أئمة الهدى صلوات الله عليهم يتبين لنا أن صاحب دعوة الإمام (عليه السلام) هو السيد اليماني .
حيث أكدت الروايات على أن رأيته أهدى الرايات وأنه يأخذ توجيهاته من الإمام المهدي (عليه السلام) وقد حث الأئمة على الالتحاق بدعوته وعدم التخلف عنها .
فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : ( وليس في الرايات أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعوا إلى صاحبكم فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على (الناس) وكل مسلم وإذا خرج اليماني فإنهض إليه فإن رايته راية هدى ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار لأنه يدعوا إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) .
فيظهر بوضوح أن اليماني هو من يقوم بالدعوة للإمام (عليه السلام) وذلك بين من خلال قول الإمام الباقر (عليه السلام) في الرواية حيث وردت لفظة (يدعو) مرتين .
وقال الإمام أبي جعفر (عليه السلام) إن اليماني يدعوا إلى نصرة الإمام (عليه السلام) حيث قال(يدعو إلى صاحبكم) كما أنه قال ( يدعو إلى الحق ) فإن اليماني كما واضح يدعو إلى الله قال تعالى : {ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير } ، وقال تعالى : { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى } .
ومن خلال هذه الآيتين يتبين لنا أن اليماني هو أحق شخص للإتباع وذلك بالعودة إلى كلام الإمام الباقر (عليه السلام) وقوله (يدعوا إلى الحق) فإن من يهدي إلى الحق هو أحق بالإتباع.
ومن الرواية الشريفة للإمام الباقر (عليه السلام) يظهر أن أهدى الدعوات هي دعوة اليماني بدليل قول الإمام : ( وليس في الرايات أهدى من راية اليماني ) .
والمقصود بالراية هي الدعوة كما ذهب إلى ذلك السيد الشهيد الصدر (قدس سره) في كتابه الموسوعة حيث قال : ( والمقصود من راية الحق دعوة المهدي (عليه السلام) العامة ) .
ومن خلال الرواية أيضا يظهر لنا أن الإمام (عليه السلام) يوصي ويؤكد على الالتحاق بدعوة اليماني ( وإذا خرج اليماني فإنهض إليه) وقوله : ( ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل فهو من أهل النار ) .
فإنظر عزيزي القارئ كيف يصف الإمام (عليه السلام) حال من يتخلف عن نصرة اليماني الداعي إلى الحق وإلى نصرة الإمام المهدي (عليه السلام) وكل ذلك لأن اليماني متصل بالإمام المهدي (عليه السلام) وأنه يتشرف بلقائه في غيبته فيقوم بالدعوة له بتوجيه من الإمام (عليه السلام) .
فقد ذكر الشيخ الكوراني في كتابه عصر الظهور تعليقا وتحليلا لراية اليماني وكيف أنها أهدى الرايات . فقد قال :
( إن ثورة اليماني أهدى لأنها تحضى بشرف التوجيه المباشر من الإمام المهدي (عليه السلام) وتكون جزءا مباشرا من خطة حركته (عليه السلام) وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه ) .
فإن اليماني يهدي إلى طريق مستقيم أي أنه يهدي إلى الإسلام أي إسلام إبراهيم (عليه السلام) الذي قام على المعرفة الحقيقية ونفي الأنداد الباطنية والظاهرية وتحطيم الأصنام الحجرية والبشرية .
ولما كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يدور مع الحق أينما دار كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه أينما دار) ، فإن اليماني يهدي إلى الحق أي أنه يهدي إلى إسلام علي (عليه السلام) القائم على التوحيد وتحطيم الأصنام فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) كما هو معلوم هو من حطم الأصنام وأزالها عن بيت الله عند فتح مكة .
وكذلك يفعل اليماني حيث أنه من يحطم الأصنام ويزيلها من مكة المهدي (عليه السلام) وبذلك تتضح لنا الرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) :
( لا يخرج القائم حتى يقرا كتابان كتاب بالبصرة وكتاب بالكوفة بالبراءة من علي (عليه السلام) ) .
من المعلوم أن البلدتين هما من بلاد الشيعة ويسكنهما الشيعة ولا يمكن أن نتصور أن أهلهما يبرؤن من علي (عليه السلام) إلا أن يكون المقصود البراءة ممن يحمل إسلام علي (عليه السلام) وسيرته وهو داعي الحق اليماني صاحب دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) .
من فكر السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني
إن المتتبع لروايات أهل البيت (عليهم السلام) يجد حقيقة واضحة وهي أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم حينما يقوم بالسيف مقاتلا ولا يقبل بتوبة احد ممن لم يرتضيه في غيبته وأنه سلام الله عليه لا يقوم ولا يخرج حتى يجتمع له جيش وأنصار وكل ذلك قد بينته الروايات الأخبار الكثيرة.
فقد ورد عن المعصوم (عليه السلام) أن مع الإمام (عليه السلام) عهدا بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط أمير المؤمنين (عليه السلام) مكتوب فيه ( اقتل اقتل ولاتستتيب أحدا ) .
ولما كان من الثابت أن للإمام المهدي (عليه السلام) دعوة قبل قيامه إلى التوحيد وإتباع الحق والهداية .
وأن الإمام (عليه السلام) لا يقوم بتلك الدعوة بنفسه وذلك لأسباب عديدة أهمها أن الإمام (عليه السلام) لا يقوم إلا بعدة وعدد ولا يظهر قبل أن يجتمع إليه أنصاره وجيشه الذين لا يجتمعون إلا بعد الدعوة إلى نصرة الإمام وأتباع القادة ودعاته .
وذلك عن طريق أحد الدعاة كما أنه قد ورد عن الإمام المهدي (عليه السلام) إنه لا يقبل توبة احد وهذا مما يتنافى ويتعارض مع الدعوة فإن صاحب الدعوة لابد أن تتوفر فيه صفات كثيرة ومنها قبول العذر وقبول توبة التائب وغير ذلك بما يتناسب وصفات الداعي .
فقد ورد عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) :
( يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلا السيف ولا يستتيب أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم )(الأحزاب (33) ) .
كما أن جميع الدعوات الإلهية كدعوات الأنبياء والأوصياء والصالحين لا تقوم على اساس السيف أو المال .
فإن الداعي لابد أن تتوفر فيه صفتين مهمتين وهما إنه لا يدعو إلا أن يكون مستضعف ليس لديه شوكه أو جيش .
كما أنه لابد أن يكون فقيرا وليس صاحب مال وكل ذلك لأجل أن مريدي الدعوة ومعتنقيها لا يدخلون في تلك الدعوة ويعتنقوها نتيجة لحب المال أو طمعا فيه أو خوفا من السيف والقوة بل لأجل الاعتقاد بصحة الدعوة والإيمان بها لا بطمع في مال ولا خوفا من قتل .
فإن الإمام (عليه السلام) كما ذكرت الروايات الشريفة الواردة عن آبائه (عليه السلام) لا يقوم كما قلنا حتى يكون له جيشا وتقوى شوكته.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( ما يخرج إلا في أولي قوة وما يكون أولي القوة أقل من عشرة آلاف ) .
وعنه (عليه السلام) قال : ( لا يخرج القائم من مكة حتى تكمل الحلقة .
قال الراوي : وكم الحلقة ؟
فقال (عليه السلام) : عشرة آلاف ) .
كما أن الأرض تخرج بركاتها وكنوزها للإمام (عليه السلام) كما جاء في الروايات عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم .
ففي الرواية عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس - إلى أن قال - وتظهر الأرض كنوزها حتى ترى الناس عن وجهها ...) .
ثم أن الإمام المهدي (عليه السلام) كما جاء في الأخبار والروايات الكثيرة عن أهل بيت العصمة يقوم من مكة المكرمة والدعوة والتمهيد (عليه السلام) تبدأ من الكوفة المقدسة .
ثم أنه قد ورد أن من جملة الأسباب التي أدت إلى الغيبة هو أن لا يكون لأحد في عنق الإمام (عليه السلام) بيعة .
فلو خرج (عليه السلام) لوحده من دون جيش وبدأ بالدعوة على خلاف ما هو المفروض من القيام بالسيف والتحرك العسكري منذ أول إطلالته الشريفة لكان لابد أن تكون في عنقه بيعه لأحد وهذا ما لايريده الإمام (عليه السلام) أن يقع .
فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :
( يقوم القائم وليس في عنقه بيعة لأحد ) .
وعن صادق العترة الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال :
( يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولاعقد ولا بيعة ) .
وبهذا يتبين لنا أن الإمام (عليه السلام) لا يقوم بالدعوة بنفسه وشخصه أنما هناك داعي آخر غير الإمام (عليه السلام) هو من يتكفل بهذا الأمر ويقوم بهذه المهمة .
وقبل الخوض في البحث عمن يكون هو الداعي لابد لنا من معرفة الظروف التي تحيط بدعوة الإمام (عليه السلام) .
فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال :
( الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء .
فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله .
فقال : يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ) .
ومن هذه الرواية الشريفة وغيرها من الروايات التي اعرضنا عنها مراعاة للاختصار والتي سبق أن ذكرناها في الأبحاث الماضية يتبين لنا أن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) تكون مشابهة لدعوة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وقد بينا وجوه الشبه بين الدعوتين من جانب الحق وبقي أن نبين لقرائنا الأعزاء وجه الشبه من الجانب الآخر جانب الباطل والأعداء فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج حينما خرج والناس كلها جاهلية قال تعالى :
{ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة...}( تفسير الميزان ج9 ) .
ومن هذه الآية الكريمة يتبين لنا واضحا أن هناك جاهليتين بالنظر إلى قوله تعالى : { تبرج الجاهلية الأولى } فالجاهلية الأولى عند خروج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعثته حيث كانت الجاهلية قد شملت كل مكان والجاهلية الثانية تكون عند قيام الإمام (عليه السلام) .
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس اشد مما استقبله رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهالة الجاهلية...) .
وهذا يعني أنه هناك جاهلية اشد من تلك الجاهلية التي كانت في عصر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وإضافة إلى وجود الجاهلية فإنه يوجد أيضا قريش حيث أن من المعلوم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حاربه قومه من قريش وكذبوه واتهموه.
فقد كانت قريش سادة العرب آنذاك وكبرائهم وفي زمن دعوة الإمام(عليه السلام) لابد وأن يكونوا أمثالا لقريش فإنهم سوف يكذبون بدعوة الإمام (عليه السلام) ويتهمونها بمختلف التهم .
وقد بينا أن هناك مكة بحسب التأويل وهي الكوفة ولابد أن يوجد في الكوفة قريش وهم سادتها وكبراء القوم فيها وهؤلاء هم كما ليخفى من سلالة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث هم من سلالة قريش أهل مكة الأصليين .
فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) : (إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف ) .
وعن محمد بن مسلم قال : ( سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن يروه مما يقتل من الناس، أما أنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف ...) .
وعن بشر بن غالب الاسدي قال : ( قال لي الحسين بن علي (عليه السلام) : ( يابشر مابقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبرا ثم قدم خمسمائة فضرب أعناقهم صبرا ، ثم خمسمائة فضرب أعناقهم صبرا .
قال : فقلت له : أصلحك الله ، أيبلغون ذلك ؟
فقال : الحسين بن علي (عليه السلام) إن مولى القوم منهم .
قال : فقال لي بشير بن غالب اخو بشر بن غالب : اشهد أن الحسين بن علي (عليه السلام) عد على أخي ست عدات أو قال : ست عدات . على اختلاف الرواية ) .
ومن هذه الروايات يؤكد جليا ماقلناه .
كما أن الداعي لابد ن يكون أميا كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس معنى ذلك أنه لا يقرأ ولا يكتب فإن الحال قد تغير وأصبح الأمي اليوم هو من لا يجيد بعض العلوم .
كما أن في الغرب اليوم من لا يستطيع العمل على الحاسوب يسمى أمي والظاهر أنه يكون من عامة الناس لا من خاصتهم أي أن الداعي لا يكون عالما من العلماء .
كما أن من دواعي المشابهة بين الدعوتين أنه لابد أن توجد أصناما تعبد كما كان على عهد الرسول الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فقد وردت الروايات التي تؤكد ذلك .
فعن الصادق (عليه السلام) قال : ( إن القائم يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأن رسول الله أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشب المنحوتة ، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه ) .
حيث أن الإمام الصادق (عليه السلام) جعل في مثال تلك الأصنام أولئك العلماء الذين يتأولون القرآن على الإمام فهم كما يفهم من الرواية كالأصنام حيث أن الناس يطيعونهم في كل شيء فيعبدونهم بذلك من حيث لا يشعرون .
فقد ورد في تفسير قوله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } ، قال أبي عبد الله (عليه السلام) : ( أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم ولكن احلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون ) .
كما أنه قد اشتهر في مكة الشعر والشعراء والبلاغة والأدب وقد كان ابرز الناس هناك هم شعراء مكة حتى أنهم علقوا قصائدهم على جداران الكعبة حتى عرفت بالمعلقات.
وكانت القبائل تفتخر بشعرائها وتقتدي بكلامهم وقصائدهم ولابد أن يكون في الكوفة التي هي مكة بالتأويل أناس يكونون قادة للمجتمع والناس تتبعهم وتأخذ بكلامهم .
ولكنهم ليسوا شعراء كما قد يتصور البعض فإن الشعر هو الذي كان سائدا آنذاك في مكة لذا فقد تسيد الشعراء آنذاك ولكن وبمرور الزمن برزت بعض العلوم كعلم الفقه والأصول وأصبح اليوم سادة مكة هم من قد عرفوا واشتهروا بهذه العلوم .
فقد ورد عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل { والشعراء يتبعهم الغاوون } ، قال :
( هل رأيت شاعرا يتبعه احد ؟ وإنما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا ) .
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل :
{ والشعراء يتبعهم الغاوون } ، فقال : ( من رأيتم من الشعراء يتبع ؟ إنما عنا هؤلاء الفقهاء الذين يشعرون قلوب الناس بالباطل فهم الشعراء الذين يتبعون )( تفسير القمي) .
وبالعودة إلى الأخبار والروايات الواردة عن سادتنا وأئمتنا أئمة الهدى صلوات الله عليهم يتبين لنا أن صاحب دعوة الإمام (عليه السلام) هو السيد اليماني .
حيث أكدت الروايات على أن رأيته أهدى الرايات وأنه يأخذ توجيهاته من الإمام المهدي (عليه السلام) وقد حث الأئمة على الالتحاق بدعوته وعدم التخلف عنها .
فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : ( وليس في الرايات أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعوا إلى صاحبكم فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على (الناس) وكل مسلم وإذا خرج اليماني فإنهض إليه فإن رايته راية هدى ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار لأنه يدعوا إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) .
فيظهر بوضوح أن اليماني هو من يقوم بالدعوة للإمام (عليه السلام) وذلك بين من خلال قول الإمام الباقر (عليه السلام) في الرواية حيث وردت لفظة (يدعو) مرتين .
وقال الإمام أبي جعفر (عليه السلام) إن اليماني يدعوا إلى نصرة الإمام (عليه السلام) حيث قال(يدعو إلى صاحبكم) كما أنه قال ( يدعو إلى الحق ) فإن اليماني كما واضح يدعو إلى الله قال تعالى : {ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير } ، وقال تعالى : { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى } .
ومن خلال هذه الآيتين يتبين لنا أن اليماني هو أحق شخص للإتباع وذلك بالعودة إلى كلام الإمام الباقر (عليه السلام) وقوله (يدعوا إلى الحق) فإن من يهدي إلى الحق هو أحق بالإتباع.
ومن الرواية الشريفة للإمام الباقر (عليه السلام) يظهر أن أهدى الدعوات هي دعوة اليماني بدليل قول الإمام : ( وليس في الرايات أهدى من راية اليماني ) .
والمقصود بالراية هي الدعوة كما ذهب إلى ذلك السيد الشهيد الصدر (قدس سره) في كتابه الموسوعة حيث قال : ( والمقصود من راية الحق دعوة المهدي (عليه السلام) العامة ) .
ومن خلال الرواية أيضا يظهر لنا أن الإمام (عليه السلام) يوصي ويؤكد على الالتحاق بدعوة اليماني ( وإذا خرج اليماني فإنهض إليه) وقوله : ( ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل فهو من أهل النار ) .
فإنظر عزيزي القارئ كيف يصف الإمام (عليه السلام) حال من يتخلف عن نصرة اليماني الداعي إلى الحق وإلى نصرة الإمام المهدي (عليه السلام) وكل ذلك لأن اليماني متصل بالإمام المهدي (عليه السلام) وأنه يتشرف بلقائه في غيبته فيقوم بالدعوة له بتوجيه من الإمام (عليه السلام) .
فقد ذكر الشيخ الكوراني في كتابه عصر الظهور تعليقا وتحليلا لراية اليماني وكيف أنها أهدى الرايات . فقد قال :
( إن ثورة اليماني أهدى لأنها تحضى بشرف التوجيه المباشر من الإمام المهدي (عليه السلام) وتكون جزءا مباشرا من خطة حركته (عليه السلام) وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه ) .
فإن اليماني يهدي إلى طريق مستقيم أي أنه يهدي إلى الإسلام أي إسلام إبراهيم (عليه السلام) الذي قام على المعرفة الحقيقية ونفي الأنداد الباطنية والظاهرية وتحطيم الأصنام الحجرية والبشرية .
ولما كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يدور مع الحق أينما دار كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه أينما دار) ، فإن اليماني يهدي إلى الحق أي أنه يهدي إلى إسلام علي (عليه السلام) القائم على التوحيد وتحطيم الأصنام فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) كما هو معلوم هو من حطم الأصنام وأزالها عن بيت الله عند فتح مكة .
وكذلك يفعل اليماني حيث أنه من يحطم الأصنام ويزيلها من مكة المهدي (عليه السلام) وبذلك تتضح لنا الرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) :
( لا يخرج القائم حتى يقرا كتابان كتاب بالبصرة وكتاب بالكوفة بالبراءة من علي (عليه السلام) ) .
من المعلوم أن البلدتين هما من بلاد الشيعة ويسكنهما الشيعة ولا يمكن أن نتصور أن أهلهما يبرؤن من علي (عليه السلام) إلا أن يكون المقصود البراءة ممن يحمل إسلام علي (عليه السلام) وسيرته وهو داعي الحق اليماني صاحب دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) .
تعليق