من فكر السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني
خلق الله الخلق وجعل أسرار علمه عنده جل وعلا ، وعند من حباه برحمته وقرّبه بكرمه فضرب الامثال في كتابه بمخلوقاتة صغرت أم كبرت في أعين الناس ، وخاطب بأمثاله من له قلب ولب ليتأمل خلقه ويتمعن بصنعه وقد تحدثَ الكتاب المنزل على نبينا الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عن كل شيء سواء كان جماداً أو نباتاً أو حيواناً أو انساناً قال تعالى:
{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } ( )
وكان كثيراً ما يضرب الأمثلة بالحيوانات والحشرات ، وقبل ان يهتمّ العلم الحديث بالحيوان ويخصّص له الدراسات المستقلة والمعاهد المتفرّغة لدراسته ، نجد ان القران الكريم يسبقه بأربعة عشر قرناً من الزمن بدعوة الناس إلى دراسة الحيوان ، وتوجيه النظر لملاحظته ومتابعته ومراقبته للوقوف على بعض أسرار معيشته وعلى اليسير من بدائع حياته .
وفي هذا السياق أكّد القران الكريم اهتمامه بالحيوان بان أطلق أسماء بعض أصنافه على بعض سوره الشريفة مثل : سورة البقرة ، وسورة الانعام ، وسور النحل والنمل والعنكبوت ، وسورة العلق، وسورة العاديات، وسورة الفيل .
وقد ذَكَرَ القران الكريم عدة انواع مختلفة من الحشرات تشمل كلاً من: النحل والنمل والذباب والبعوض والقمّل والجراد والعنكبوت .
وقال تعالى{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} .
ولم يكن التعرّض لذكر الحيوانات مراراً وتكراراً إلا لتبيين الضلال ودفع الغفلة واستلال العبرة وصرف الانتباه إلى التفكير في الخلق والتأمّل في حياة المخلوقات جميعها دون تفريقٍ بين الكواكب والجبال والبحار من جانبٍ . . والنحل والنمل والذباب من جانبٍ آخر .
أي ان كلّ ما في الكون جلّ أو حقر في أعين الناس موضوع بحثٍ وتأمّلٍ وتدبّرٍ لا يصحّ من وجهة النظر الإسلامية إهماله ، ولا غنى عن إيلائه أقصى ما يستطاع من درسٍ وإعمال فكرٍ ، لما ينجم عن هذين - الدرس والتفكير – من ترسيخٍ للإيمان بالله وحكمته وقدرته ، ومن ثم عودة فوائده على الانسان نفسه في حياته وتدبير معاشه .
بيد ان العبرة الكبرى التي لم يحسن تبيينها الأقدمون إجمالاً والمعاصرون على العموم انما هي أوجه التشابه الأساسية أو الفطرية بين كل انسان وحيوان يشابهه في تصرفاته وان كان التشابه نسبي حيث قال تعالى في الاية السالفة الذكر أمم أمثالكم .
فالمخلوقات التي خلقها الله تعالى بانواعها تشابه الكثير من تصرفات وعادات ونزعات الانسان ، فكثيراً ما يمر بنا انه يقارن بين حيوان أو حشرة وبين انسان فمثلاً على أعلى المستويات نقارن بين الحجة في الأرض واليعسوب كما جاء عن لسانهم في الزيارات المروية عن العترة الطاهرة حيث ورد في الزيارة (أشهد انك يعسوب الدين ) وهذا وجه الشبه بين الحجة ويعسوب النحل هذا من ناحية الخير ، أما من ناحية الشر نجد ان القران ضرب عدة أمثلة في القران بتشبيه بعض الشخصيات بالحمير قال تعالى { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً }( ) أو بالكلب قال تعالى { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ان تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث}( ) .
وقد ثبّت كتاب الله قاعدة عامة وهي ان كل انسان له مثل من المخلوقات قال تعالى { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم}
فقد وبخ الله الكلب في كتابه ولكنه أراد بذلك التبويخ تبويخ الانسان الذي شابهت أفعاله أفعال الكلب من حيث ان تحمل عليه يلهث أو تتركة يلهث .
ورفع من شان النحلة قاصدا الانسان الذي شابه بأفعاله النحل فقد أستخدم كتاب الله العزيز لغة الامثال ( إياك أعني واسمعي ياجارة) ، واستخدم لغة التاويل اللفظي والتأويل المعنوي حيث يتحدث عن الحيوان تارة ويوبخه تارة اخرى والمقصود منه الانسان المشابه في سلوكه سلوك لذلك الحيوان ، وهو بذلك عاص لله مخالفاً لاوامره والامثلة على ذلك كثير نتركها مراعاةً للإختصار .
أما موضع بحثنا هنا هو النحل والنمل ودراسة الترابط والفرق بينهما واقترانهما بالانسان ترقياً وتسافلاً وما المقصود من تسمية السورتين بالنحل والنمل ، حيث ان النحل يمثل الخير وأهله وذلك واضح في أكثر تصرفاته والنمل الذي يمثل الشر وأهله وهو أيضاً له صفات تشابه صفات أهل الشر ، ولكل مخلوق من هذه المخلوقات معيشة وتصرفات خاصة أيضاً هي موضع بحثنا هذا .
ماذا تعرف عن النحل
سوف نورد بعض المعلومات عن هذا المخلوق من أجل ترابط البحث وإيضاح الحقائق ليس إلا .
يحتل النحل المقام الأول في عالم الحشرات من ناحية الانواع التي تزيد على 928000 وفي مجال الحياة الاجتماعية وفي تحديد الواجبات والمسؤوليات ، وفي تصميم البيوت ، وفي ترتيب حُجر النحل ، وفي تربية الملكات والخادمات ، وفي الأخلاق والسلوك ، ولقد تعرّف علماء الحشرات على أكثر من 12000 نوع من انواع النحل منها حوالي 600 نوع أي (5%) من أعداد هذه الانواع يحيون حياة اجتماعية في مستعمرات متباينة الأحجام، والباقي يحيون حياة فردية.
ويعتبر النحل إحدى المخلوقات المباركة، التي أودع الله فيها من الأسرار مالم يودع في غيرها ، وتتجلى فيها قدرته تعالى وحكمته وطلاقة مشيئته ، وفضله الكبير على الانسان بان جعل مما يخرج من بطون هذه المخلوقات الصغيرة شفاء لأسقام بني آدم وغذاء لجسده إضافة إلى جعله ما يخرج من بطونها آيات يتدبرها المؤمنون اناء الليل وأطراف النهار.
ان خلية النحل المنتجة للعسل تحتوي بين 40000 – 80000 شغالة من اناث النحل اللواتي يشكلن 80% من مجموع أفراد الخلية، وحوالي200 من ذكور النحل ، وملكة واحدة تبيض حوالي 1500 بيضة في اليوم ، وما يلقح من هذا البيض ينتج اناثاً وملكات ، ومالا يلقح ينتج الذكور، ووظيفة ذكر النحل منحصرة في إخصاب الملكة بينما تقوم الشغالات بجميع أعمال الخلية.
ان انتاج كيلوغرام واحد من العسل يتطلب من النحل القيام بـ 600.000 – 800.000 طلعة والوقوف على 6 – 8 مليون زهرة ، تقطع خلالها النحلات مسافة 1/2 مليون كيلومتر أي أكثر من 10 أضعاف محيط الكرة الأرضية، وتختزن الرحيق في معدة غير المعدة التي تختزن فيها الطعام ، وتطير النحلة بسرعة 24- 60 كم في الساعة وهي سرعة مذهلة، وتطير على ارتفاع 1 – 8 أمتار متجاوزة فيها الأشجار والأبنية والهضاب.
وقد زوّد الله تعالى أجنحتها بعضلات مذهلة تضرب الهواء بسرعة تتجاوز 500 ذبذبة في الدقيقة الواحدة.
هذا وعندما تعود النحلة الجامعة محملة بالرحيق تتلقاها النحلات الشابة الصانعة للعسل، فتأخذ منها الرحيق وتتقاسم هذا الحِمل من الرحيق ثلاث نحلات أو أكثر، ثم تخرج النحلة الجامعة ثانية إلى الأزهار.
وقد زوّد الخالق العظيم شغالات النحل فقط بأربع مجموعات من الغدد التي تنتقي من غذائها : العسل ، والغذاء الملكي ، والشمع ، والخمائر ، والسموم .
انظر عزيزي المسلم الى آية الله وحكمتة الذي جعلها في النحل إذ كيف تصنع لنا العسل ؟ وكيف تبني بيوتها ؟ وكيف تقسّم البيت إلى غرفٍ في نظامٍ هندسيٍّ عجيبٍ ؟ منها الصغيرة للعمال ، ومنها الكبيرة لليعاسب ، ومنها غرفٌ للملكه الحامل !
وانظر كيف يتقاسمن الأعمال كما يتقاسمن المساكن ، فمنها ما يقوم بِجَنيِ الرحيق من كؤوس الأزهار ، ومنها ما يقوم بإعداد الغذاء للأطفال فيمضغ لها العسل ليسهل عليها هضمه ، فإذا بلغ الأطفال الحدّ الذي تستغني به عن هذه المساعدة كفّت العاملات الطابخات عن المضغ ، ويستمرّ هذا التعاون الجماعيّ من دون ان يختلّ أو يتبدّل على مرّ الأيام والسنين بدقّةٍ لا يتيسّر لنا ان نراى مثلها عند اي مجتمع يعمل فيه 10 أشخاص فقط بدون مشاكل .
كيف بنا إذا علمنا ان خلية النحل الواحدة تحتوي على 40000 – 80000 شغالة فقط تعمل بدون أي مشكلة لانستطيع ان نرى مثل هذا المثل إلا عند المؤمنين الحقيقيين المتمثلين بسلسلة الحجج وانصارهم وخصوصاً عند خاتم الحجج الامام المهدي (عليه السلام) .
يتبع
تعليق