منقول من الموسوعة القرآنية للسيد القحطاني
من النحل إلى النمل
حقيقة الخير والشر
خلق الله الخلق وجعل أسرار علمه عنده جل وعلا ، وعند من حباه برحمته وقرّبه بكرمه فضرب الامثال في كتابه بمخلوقاتة صغرت أم كبرت في أعين الناس ، وخاطب بأمثاله من له قلب ولب ليتأمل خلقه ويتمعن بصنعه وقد تحدثَ الكتاب المنزل على نبينا الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عن كل شيء سواء كان جماداً أو نباتاً أو حيواناً أو انساناً قال تعالى:
{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } الانعام38
وكان كثيراً ما يضرب الأمثلة بالحيوانات والحشرات ، وقبل ان يهتمّ العلم الحديث بالحيوان ويخصّص له الدراسات المستقلة والمعاهد المتفرّغة لدراسته ، نجد ان القران الكريم يسبقه بأربعة عشر قرناً من الزمن بدعوة الناس إلى دراسة الحيوان ، وتوجيه النظر لملاحظته ومتابعته ومراقبته للوقوف على بعض أسرار معيشته وعلى اليسير من بدائع حياته .
وفي هذا السياق أكّد القران الكريم اهتمامه بالحيوان بان أطلق أسماء بعض أصنافه على بعض سوره الشريفة مثل : سورة البقرة ، وسورة الانعام ، وسور النحل والنمل والعنكبوت ، وسورة العلق، وسورة العاديات، وسورة الفيل .
وقد ذَكَرَ القران الكريم عدة انواع مختلفة من الحشرات تشمل كلاً من: النحل والنمل والذباب والبعوض والقمّل والجراد والعنكبوت .
وقال تعالى{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} .
ولم يكن التعرّض لذكر الحيوانات مراراً وتكراراً إلا لتبيين الضلال ودفع الغفلة واستلال العبرة وصرف الانتباه إلى التفكير في الخلق والتأمّل في حياة المخلوقات جميعها دون تفريقٍ بين الكواكب والجبال والبحار من جانبٍ . . والنحل والنمل والذباب من جانبٍ آخر .
أي ان كلّ ما في الكون جلّ أو حقر في أعين الناس موضوع بحثٍ وتأمّلٍ وتدبّرٍ لا يصحّ من وجهة النظر الإسلامية إهماله ، ولا غنى عن إيلائه أقصى ما يستطاع من درسٍ وإعمال فكرٍ ، لما ينجم عن هذين - الدرس والتفكير – من ترسيخٍ للإيمان بالله وحكمته وقدرته ، ومن ثم عودة فوائده على الانسان نفسه في حياته وتدبير معاشه .
بيد ان العبرة الكبرى التي لم يحسن تبيينها الأقدمون إجمالاً والمعاصرون على العموم انما هي أوجه التشابه الأساسية أو الفطرية بين كل انسان وحيوان يشابهه في تصرفاته وان كان التشابه نسبي حيث قال تعالى في الاية السالفة الذكر أمم أمثالكم .
فالمخلوقات التي خلقها الله تعالى بانواعها تشابه الكثير من تصرفات وعادات ونزعات الانسان ، فكثيراً ما يمر بنا انه يقارن بين حيوان أو حشرة وبين انسان فمثلاً على أعلى المستويات نقارن بين الحجة في الأرض واليعسوب كما جاء عن لسانهم في الزيارات المروية عن العترة الطاهرة حيث ورد في الزيارة (أشهد انك يعسوب الدين ) وهذا وجه الشبه بين الحجة ويعسوب النحل هذا من ناحية الخير ، أما من ناحية الشر نجد ان القران ضرب عدة أمثلة في القران بتشبيه بعض الشخصيات بالحمير قال تعالى { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } الجمعة 5
أو بالكلب قال تعالى { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ان تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} الأعراف 176
.
وقد ثبّت كتاب الله قاعدة عامة وهي ان كل انسان له مثل من المخلوقات قال تعالى { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم}
فقد وبخ الله الكلب في كتابه ولكنه أراد بذلك التبويخ تبويخ الانسان الذي شابهت أفعاله أفعال الكلب من حيث ان تحمل عليه يلهث أو تتركة يلهث .
ورفع من شان النحلة قاصدا الانسان الذي شابه بأفعاله النحل فقد أستخدم كتاب الله العزيز لغة الامثال ( إياك أعني واسمعي ياجارة) ، واستخدم لغة التاويل اللفظي والتأويل المعنوي حيث يتحدث عن الحيوان تارة ويوبخه تارة اخرى والمقصود منه الانسان المشابه في سلوكه سلوك لذلك الحيوان ، وهو بذلك عاص لله مخالفاً لاوامره والامثلة على ذلك كثير نتركها مراعاةً للإختصار .
أما موضع بحثنا هنا هو النحل والنمل ودراسة الترابط والفرق بينهما واقترانهما بالانسان ترقياً وتسافلاً وما المقصود من تسمية السورتين بالنحل والنمل ، حيث ان النحل يمثل الخير وأهله وذلك واضح في أكثر تصرفاته والنمل الذي يمثل الشر وأهله وهو أيضاً له صفات تشابه صفات أهل الشر ، ولكل مخلوق من هذه المخلوقات معيشة وتصرفات خاصة أيضاً هي موضع بحثنا هذا .
الصفات المشتركة بين النحل والمؤمنين
بعد ان تعرفنا على القليل من أسرار النحل في تعامله داخل الخليه وخارجها بقي لدينا سؤالين مهمين جدا ، وهو هل لهذا المخلوق مدد إلهي يضاهي ماتقوم به من أعمال وتصرفات عجيبه ؟ وهل هذه الاعمال والتصرفات لها شبه بالمؤمنين ؟
الجواب يأتي من القران والعترة الطاهرة حيث أشار القران إلى النحل بسورة النحل قال تعالى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ان اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } النحل68
ان النحل يوحى إليه ليلاً ونهاراً ـ فهو لا يخطأ المسير ولا يظل الطريق ويسير بخطوط مستقيمة فهو لا يخالف إيحاء ربه بل يسير بهداه وهو مطيع ، واقتران ذلك بالمؤمنين في قول الله تعالى {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ ان آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِاننَا مُسْلِمُونَ } المائدة111
فالحوايون في أمة عيسى (عليه السلام) أما في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فهم انصار محمد وآل محمد وبالاخص انصار الإمام المهدي (عليه السلام) الذين هم حزب الله الحقيقي قال تعالى { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَان وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْانهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا ان حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } المجادلة22.
وقد سمي قائدهم وإمامهم بتسمية رئيس النحل وهو اليعسوب أي (( يعسوب الدين)) وهي من التسميات المختصة بالائمة الأطهار وخصوصاً أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والإمام المهدي (عليه السلام).
وورد في الروايات ان المهدي (عليه السلام) تأوي إليه أصحابه كما تأوي النحل إلى يعسوبها كما في الرواية المروية عن الإمام علي (عليه السلام) في وصف أحداث الظهور المقدس وألتحاق الانصار بإمامهم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فإذا كان ذلك بعث الله يعسوب الدين ، فضرب بذنبه ، فيجتمعون إليه قزع الخريف ، اني لأعلم اسم أميرهم ، ومتاخر رجالهم) شرح الأخبار ص361
.
والروايات بهذا الصدد كثيرة نتركها مراعاة للاختصار .
قد ذكرنا ان للنحل من التصرفات والأفعال ماهي مشابهة لتصرفات المؤمنين وسنلخص بعض منها في النقاط التالية :-
1- ان الانتفاع من النحل كثيراً جداً لانه ينتج العسل وهو علاج لكثير من الأمراض وهو غذاء لا ضرر فيه ولا محذور منه قال تعالى: { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ان فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} النحل69
.
ان العسل في التأويل معناه الحكمة والموعظة الحسنة و هذا الشيء مشابه لأولياء الله العابدين المتمسكين بشرعه حيث تخرج منهم الحكمة والنصيحة الطيبة وهي مستودعة في بطونهم فهي تخرج من بطونهم إلى الناس كي تشفي قلوبهم مما فيها وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انه قال : (ان مثل المؤمن كمثل النحلة ان صاحبته نفعك وان شاورته نفعك وان جالسته نفعك وكل شانه منافع وكذلك النحلة كل شانها منافع) بحار الانوار - للمجلسي - ج 61 - ص 238.
2- ان النحل مشابهة للمؤمنين من حيث المحافظة على نظافة الشوارع والأماكن العامة في الخلية وهذا الشيء مشابه لما أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) المؤمنون في الحديث المشهور (النظافة من الإيمان).
3- ان النحل لا يعرف التبذير في عملة ومعيشتة من خلال ما توصل العلماء بتجاربهم التي أكدت على ان للنحل من المهارة بحيث انه في عملية صنعه للعسل لم يبذر فيما تحويه النباتات والأوراد من خواص علاجية ، فالنحل ينقل تلك الخواص بالكامل ويجعلها في العسل !
وقد صرح العلماء بكثير من تلك الخواص الوقائية والعلاجية والمقوية التي ينتقيها من النباتات ويجعلها في العسل ، دون ان يخسر أي شيء مهم منها أثناء عملية صنعة للعسل ، ان هذا العمل الذي يقوم به النحل لهو في صميم المؤمن الحق فقد أكد القران على ان المبذرين أخوان الشياطين قال تعالى {ان الْمُبَذِّرِينَ كَانواْ إِخْوَان الشَّيَاطِينِ وَكَان الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُوراً } الإسراء27
.
كما ذم المولى أبي عبد الله (عليه السلام) الإسراف قائلاً : ( ان القصد أمر يحبه الله ، وان السرف أمر يبغضه الله ، حتى طرحك النواة ، فانها تصلح لشئ ، وحتى صبك فضل شرابك ) عوائد الأيام - المحقق النراقي - ص 616 - 617
.
4- ان لخلية النحل حارسات على باب الخلية يراقبن من دخل إليها ومن خرج .. يطردن الدخلاء أو من أراد العبث بأمن الخلية , وهذا حال المؤمنين في دينهم يراقبون الأفكار الداخلة إلى سرائرهم ويطردون أي شيء يحاول العبث بأمن يقينهم بالله وقادتهم اللأئمة الاطهار (عليهم السلام) .
5- تستطيع النحلة معرفة موقع الشمس في الأفق وتتذكره ، أي معرفة زاوية الميل التي يصنعها طريقها مع الشمس ، فهي تميّز خط مسارها من الخلية إلى موارد الرحيق عن طريق موقع الشمس في الأفق وهذا حال المؤمنين المنتظرين للإمام المهدي (عليه السلام) أيضا فالإمام هو الذي يمثل الشمس في التأويل وانصاره يعملون وينظرون له ويسمعون لأوامره ونواهيه وهم متمسكين به لانه حبل الله الذي يؤدي بهم إلى الصراط المستقيم كتمسك النحل بالشمس لمعرفة طريقها .
يتبع يتبع
من النحل إلى النمل
حقيقة الخير والشر
خلق الله الخلق وجعل أسرار علمه عنده جل وعلا ، وعند من حباه برحمته وقرّبه بكرمه فضرب الامثال في كتابه بمخلوقاتة صغرت أم كبرت في أعين الناس ، وخاطب بأمثاله من له قلب ولب ليتأمل خلقه ويتمعن بصنعه وقد تحدثَ الكتاب المنزل على نبينا الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عن كل شيء سواء كان جماداً أو نباتاً أو حيواناً أو انساناً قال تعالى:
{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } الانعام38
وكان كثيراً ما يضرب الأمثلة بالحيوانات والحشرات ، وقبل ان يهتمّ العلم الحديث بالحيوان ويخصّص له الدراسات المستقلة والمعاهد المتفرّغة لدراسته ، نجد ان القران الكريم يسبقه بأربعة عشر قرناً من الزمن بدعوة الناس إلى دراسة الحيوان ، وتوجيه النظر لملاحظته ومتابعته ومراقبته للوقوف على بعض أسرار معيشته وعلى اليسير من بدائع حياته .
وفي هذا السياق أكّد القران الكريم اهتمامه بالحيوان بان أطلق أسماء بعض أصنافه على بعض سوره الشريفة مثل : سورة البقرة ، وسورة الانعام ، وسور النحل والنمل والعنكبوت ، وسورة العلق، وسورة العاديات، وسورة الفيل .
وقد ذَكَرَ القران الكريم عدة انواع مختلفة من الحشرات تشمل كلاً من: النحل والنمل والذباب والبعوض والقمّل والجراد والعنكبوت .
وقال تعالى{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} .
ولم يكن التعرّض لذكر الحيوانات مراراً وتكراراً إلا لتبيين الضلال ودفع الغفلة واستلال العبرة وصرف الانتباه إلى التفكير في الخلق والتأمّل في حياة المخلوقات جميعها دون تفريقٍ بين الكواكب والجبال والبحار من جانبٍ . . والنحل والنمل والذباب من جانبٍ آخر .
أي ان كلّ ما في الكون جلّ أو حقر في أعين الناس موضوع بحثٍ وتأمّلٍ وتدبّرٍ لا يصحّ من وجهة النظر الإسلامية إهماله ، ولا غنى عن إيلائه أقصى ما يستطاع من درسٍ وإعمال فكرٍ ، لما ينجم عن هذين - الدرس والتفكير – من ترسيخٍ للإيمان بالله وحكمته وقدرته ، ومن ثم عودة فوائده على الانسان نفسه في حياته وتدبير معاشه .
بيد ان العبرة الكبرى التي لم يحسن تبيينها الأقدمون إجمالاً والمعاصرون على العموم انما هي أوجه التشابه الأساسية أو الفطرية بين كل انسان وحيوان يشابهه في تصرفاته وان كان التشابه نسبي حيث قال تعالى في الاية السالفة الذكر أمم أمثالكم .
فالمخلوقات التي خلقها الله تعالى بانواعها تشابه الكثير من تصرفات وعادات ونزعات الانسان ، فكثيراً ما يمر بنا انه يقارن بين حيوان أو حشرة وبين انسان فمثلاً على أعلى المستويات نقارن بين الحجة في الأرض واليعسوب كما جاء عن لسانهم في الزيارات المروية عن العترة الطاهرة حيث ورد في الزيارة (أشهد انك يعسوب الدين ) وهذا وجه الشبه بين الحجة ويعسوب النحل هذا من ناحية الخير ، أما من ناحية الشر نجد ان القران ضرب عدة أمثلة في القران بتشبيه بعض الشخصيات بالحمير قال تعالى { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } الجمعة 5
أو بالكلب قال تعالى { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ان تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} الأعراف 176
.
وقد ثبّت كتاب الله قاعدة عامة وهي ان كل انسان له مثل من المخلوقات قال تعالى { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم}
فقد وبخ الله الكلب في كتابه ولكنه أراد بذلك التبويخ تبويخ الانسان الذي شابهت أفعاله أفعال الكلب من حيث ان تحمل عليه يلهث أو تتركة يلهث .
ورفع من شان النحلة قاصدا الانسان الذي شابه بأفعاله النحل فقد أستخدم كتاب الله العزيز لغة الامثال ( إياك أعني واسمعي ياجارة) ، واستخدم لغة التاويل اللفظي والتأويل المعنوي حيث يتحدث عن الحيوان تارة ويوبخه تارة اخرى والمقصود منه الانسان المشابه في سلوكه سلوك لذلك الحيوان ، وهو بذلك عاص لله مخالفاً لاوامره والامثلة على ذلك كثير نتركها مراعاةً للإختصار .
أما موضع بحثنا هنا هو النحل والنمل ودراسة الترابط والفرق بينهما واقترانهما بالانسان ترقياً وتسافلاً وما المقصود من تسمية السورتين بالنحل والنمل ، حيث ان النحل يمثل الخير وأهله وذلك واضح في أكثر تصرفاته والنمل الذي يمثل الشر وأهله وهو أيضاً له صفات تشابه صفات أهل الشر ، ولكل مخلوق من هذه المخلوقات معيشة وتصرفات خاصة أيضاً هي موضع بحثنا هذا .
الصفات المشتركة بين النحل والمؤمنين
بعد ان تعرفنا على القليل من أسرار النحل في تعامله داخل الخليه وخارجها بقي لدينا سؤالين مهمين جدا ، وهو هل لهذا المخلوق مدد إلهي يضاهي ماتقوم به من أعمال وتصرفات عجيبه ؟ وهل هذه الاعمال والتصرفات لها شبه بالمؤمنين ؟
الجواب يأتي من القران والعترة الطاهرة حيث أشار القران إلى النحل بسورة النحل قال تعالى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ان اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } النحل68
ان النحل يوحى إليه ليلاً ونهاراً ـ فهو لا يخطأ المسير ولا يظل الطريق ويسير بخطوط مستقيمة فهو لا يخالف إيحاء ربه بل يسير بهداه وهو مطيع ، واقتران ذلك بالمؤمنين في قول الله تعالى {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ ان آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِاننَا مُسْلِمُونَ } المائدة111
فالحوايون في أمة عيسى (عليه السلام) أما في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فهم انصار محمد وآل محمد وبالاخص انصار الإمام المهدي (عليه السلام) الذين هم حزب الله الحقيقي قال تعالى { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَان وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْانهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا ان حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } المجادلة22.
وقد سمي قائدهم وإمامهم بتسمية رئيس النحل وهو اليعسوب أي (( يعسوب الدين)) وهي من التسميات المختصة بالائمة الأطهار وخصوصاً أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والإمام المهدي (عليه السلام).
وورد في الروايات ان المهدي (عليه السلام) تأوي إليه أصحابه كما تأوي النحل إلى يعسوبها كما في الرواية المروية عن الإمام علي (عليه السلام) في وصف أحداث الظهور المقدس وألتحاق الانصار بإمامهم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فإذا كان ذلك بعث الله يعسوب الدين ، فضرب بذنبه ، فيجتمعون إليه قزع الخريف ، اني لأعلم اسم أميرهم ، ومتاخر رجالهم) شرح الأخبار ص361
.
والروايات بهذا الصدد كثيرة نتركها مراعاة للاختصار .
قد ذكرنا ان للنحل من التصرفات والأفعال ماهي مشابهة لتصرفات المؤمنين وسنلخص بعض منها في النقاط التالية :-
1- ان الانتفاع من النحل كثيراً جداً لانه ينتج العسل وهو علاج لكثير من الأمراض وهو غذاء لا ضرر فيه ولا محذور منه قال تعالى: { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ان فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} النحل69
.
ان العسل في التأويل معناه الحكمة والموعظة الحسنة و هذا الشيء مشابه لأولياء الله العابدين المتمسكين بشرعه حيث تخرج منهم الحكمة والنصيحة الطيبة وهي مستودعة في بطونهم فهي تخرج من بطونهم إلى الناس كي تشفي قلوبهم مما فيها وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انه قال : (ان مثل المؤمن كمثل النحلة ان صاحبته نفعك وان شاورته نفعك وان جالسته نفعك وكل شانه منافع وكذلك النحلة كل شانها منافع) بحار الانوار - للمجلسي - ج 61 - ص 238.
2- ان النحل مشابهة للمؤمنين من حيث المحافظة على نظافة الشوارع والأماكن العامة في الخلية وهذا الشيء مشابه لما أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) المؤمنون في الحديث المشهور (النظافة من الإيمان).
3- ان النحل لا يعرف التبذير في عملة ومعيشتة من خلال ما توصل العلماء بتجاربهم التي أكدت على ان للنحل من المهارة بحيث انه في عملية صنعه للعسل لم يبذر فيما تحويه النباتات والأوراد من خواص علاجية ، فالنحل ينقل تلك الخواص بالكامل ويجعلها في العسل !
وقد صرح العلماء بكثير من تلك الخواص الوقائية والعلاجية والمقوية التي ينتقيها من النباتات ويجعلها في العسل ، دون ان يخسر أي شيء مهم منها أثناء عملية صنعة للعسل ، ان هذا العمل الذي يقوم به النحل لهو في صميم المؤمن الحق فقد أكد القران على ان المبذرين أخوان الشياطين قال تعالى {ان الْمُبَذِّرِينَ كَانواْ إِخْوَان الشَّيَاطِينِ وَكَان الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُوراً } الإسراء27
.
كما ذم المولى أبي عبد الله (عليه السلام) الإسراف قائلاً : ( ان القصد أمر يحبه الله ، وان السرف أمر يبغضه الله ، حتى طرحك النواة ، فانها تصلح لشئ ، وحتى صبك فضل شرابك ) عوائد الأيام - المحقق النراقي - ص 616 - 617
.
4- ان لخلية النحل حارسات على باب الخلية يراقبن من دخل إليها ومن خرج .. يطردن الدخلاء أو من أراد العبث بأمن الخلية , وهذا حال المؤمنين في دينهم يراقبون الأفكار الداخلة إلى سرائرهم ويطردون أي شيء يحاول العبث بأمن يقينهم بالله وقادتهم اللأئمة الاطهار (عليهم السلام) .
5- تستطيع النحلة معرفة موقع الشمس في الأفق وتتذكره ، أي معرفة زاوية الميل التي يصنعها طريقها مع الشمس ، فهي تميّز خط مسارها من الخلية إلى موارد الرحيق عن طريق موقع الشمس في الأفق وهذا حال المؤمنين المنتظرين للإمام المهدي (عليه السلام) أيضا فالإمام هو الذي يمثل الشمس في التأويل وانصاره يعملون وينظرون له ويسمعون لأوامره ونواهيه وهم متمسكين به لانه حبل الله الذي يؤدي بهم إلى الصراط المستقيم كتمسك النحل بالشمس لمعرفة طريقها .
يتبع يتبع
تعليق