منقول من الموسوعة القرآنية للسيد القحطاني(الجزء الثالث)
الفصل الثالث
أقسام المتوسمين
1- الرسول والائمة الاثنا عشر (ع)
بعد أن تعرفنا على موارد التوسم وماهيتها وكيفية ادراكها بواسطة علامة دالة عليها ، نأتي الآن إلى بيان أقسام المتوسمين وتصنيفهم حسب مراتبهم ، وذلك كون التوسم على درجات فمنه ما هو شامل مطلق عند طبقة معينة من المتوسمين ومنه ما هو جزئي متآتي عن علم ومعرفة ، وآخر متأتي من الفراسة وبعد النظر والتفكر في الاشياء .
وكل هذا جاء تبعاً لدرجة النورانية التي يحملها المتوسمون ، و سبق أن أشرنا إن المتوسم عند توسمه فهو ينظر بنور الله الذي يرتكز بدوره على مقدار ايمان الشخص واستبصاره وعلمه .
فعلى هذا الأساس يكون الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والائمة الإثنا عشر (عليهم السلام) من ذريته هم أول أقسام المتوسمين ، بل هم المتوسمون الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه العزيز بقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} الحجر75
فقد روي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إنها نزلت فيهم وذلك حسب الرواية المروية عن الباقر (عليه السلام) والتي جاء فيها : إنه سُئل عن قوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} قال : نزلت في أهل البيت) تصحيح الاعتقاد ص127
ومن الواضح هنا إن علة التوسم هو النظر بنور الله ، وذلك لأن النور الذي يعود إليه أصل خلق الإنسان من ذلك النور بصورة مباشرة والمتمثلة بنور آل محمد (عليهم السلام) أو بصورة غير مباشرة كما هو حال المؤمنين ، فكلما كان العبد أقرب إلى الله كان أخذه من ذلك النور أكثر فيكون توسمه أعم وأشمل . هذا مضافاً إلى درجة إيمان الشخص واستبصاره وعلمه لإنها تؤثر في مقدار النور المكتسب من ذلك النور الإلهي وبالتالي درجة توسمه .
وبالنسبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) فمن البديهي القول بأنهم هم سادة المؤمنين بل هم الإيمان كله كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) للإمام علي (عليه السلام) يوم الخندق برز الإيمان كله إلى الشرك كله .
وهم سادة العلماء الذين استودعهم الله علمه ودينه منذ عالم الذر وشهد لهم القرآن بالولاية والإيمان والعلم لذلك فهم في قمة المتوسمين لنظرهم بنور الله ولإيمانهم وعلمهم الذي يفوق جميع الخلائق .
ولو ذهبنا إلى الأحاديث والروايات الواردة عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) التي تثبت علم التوسم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأئمة (عليهم السلام) فنجدها كثيرة للغاية ، وسنأتي على ذكر بعضها تجنباً للتكرار ولعدم إثقال البحث ، محاولين تقسيمها إلى أقسام حسب المواضيع التي تتناولها .
القسم الأول : من الروايات تشير إلى إن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأئمة الإثنا عشر (عليهم السلام) هم المتوسمون وإن هذا العلم يكون فيهم خصوصاً دون غيرهم إلى يوم القيامة .
فورد عن الحسن بن الجهم عن المأمون سأل الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن وجه إخبار الأئمة (عليهم السلام) بما في قلوب الناس ؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) فقال : ( أما بلغك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله . قال بلى . قال : فما من مؤمن إلا وله فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع الله للأئمة ما فرقه في جميع المؤمنين وقال عز وجل في كتابه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} فأول المتوسمين هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ثم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بعده الحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين (عليهم السلام) إلى يوم القيامة ) بحار الأنوار ج17 ص147 ، بصائر الدرجات ص357.
والقسم الثاني من الروايات حددت بأن أهل البيت (عليهم السلام) هم المتوسمون بشكل مجمل فورد عن جابر بن عبد الله عن الإمام الباقر (عليه السلام) إنه قال : ( قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إن الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأبدان ... وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأنا بعده والأئمة من ذريته هم المتوسمون ) - بحار الأنوار ج58 ص132، الأختصاص ص302.
وهنا نود أن نشير إلى إن الله عز وجل افتتح القرآن بآية بسم الله الرحمن الرحيم ، ومن جملة الأشياء التي يمكن الاستفادة منها من هذه الآية هو تأكيد الترابط بين علم التوسم وأهل البيت (عليهم السلام) .
حيث نجد إن أولى كلمات البسملة هي ( بسم ) وكما هو معلوم إن الاسم مأخوذ من السمة أي العلامة ، وهذا مما يشير إلى التوسم ضمناً ، كون أهل البيت (عليهم السلام) هم العلامة الدالة إلى الله عز وجل وهم بدورهم متوسمون وآيات للمتوسمين بعدهم .
أما نقطة الباء في كلمة ( بسم ) فهي نقطة النور والفيض الإلهي التي أوجدها الله عز وجل ليفيض من خلالها من نوره على الموجودات ، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى إذا تكلم أوجد ، والتي ظاهرها أي النقطة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وباطنها الإمام علي (عليه السلام) القائل بأنه هو نقطة الباء في بسم الله الرحمن الرحيم .
وهذه النقطة بطبيعة الحال تفيض إلى نقاط ثلاثة أخرى هي فاطمة (عليها السلام) والإمام الحسن الإمام الحسين (عليهما السلام) ، ثم تفيض هذه النقاط إلى تسعة نقاط أخرى وهي الأئمة التسعة المعصومين من ذرية الحسين (عليهم أفضل الصلاة والسلام) ، ثم إن هذه النقاط التسعة تفيض إلى الوجود كله .
فالنقطة هنا إذن تشير إلى أول المتوسمين من أهل البيت (عليهم السلام) والذين ينظرون بنور الله إلى كل ما في عالم الملك والملكوت ، وتعني بهم ظاهر النقطة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وباطنها الإمام علي (عليه السلام) ، ثم تأتي بعدهم الزهراء (عليها السلام) والتي تتمثل فيهم بكلمة (الرحيم) في البسملة أي الرحيمية بشيعتها خصوصاً والتي تتوسم فيهم وتعرفهم يوم القيامة كما أشرنا إلى ذلك آنفاً ، ثم يأتي الإمام الحسن والحسين (عليهم السلام) متوسمون بأجمعهم واحد تلو الآخر .
وهذا كله مما يؤكد ترابط التوسم بأهل البيت (عليهم السلام) واختصاصه بهم بشكل عام دون غيرهم من الناس .
2- الأنبياء (عليهم السلام)
لقد سبقت الإشارة إلى إن علم التوسم هو من العلوم المختصة بأولياء الله الذين حباهم الله تعالى به وبغيره من العلوم لأنهم خيرة عباده من خلقه وعلى رأس هؤلاء هم الأنبياء (عليهم السلام) .
جاء عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) إنه قال : ( إن الله فضل أولي العزم من الرسل بالعلم على الأنبياء وورثنا علمهم وفضلنا عليهم في فضلهم وعَلِمَ رسول الله ما لا يعلمون وعلمنا علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فروينا لشيعتنا فمن قبل منهم أفضلهم وأينما نكون فشيعتنا معنا) بحار الأنوار ج2 ص205.
فأهل البيت هم ورثة علم الأنبياء وإن علم الأنبياء ما هو إلا قطرة في بحر علوم محمد وآل محمد ، وعليه قمنا بتقديمهم في هذا البحث لأن علم التوسم من مختصاتهم .
والآن نأتي إلى بيان ما جاء من التوسم عند الأنبياء (عليهم السلام):
أولاً: التوسم عند نبي الله آدم (عليه السلام)
تشير الروايات الشريفة لأهل البيت (عليهم السلام) إلى ما توسم به آدم (عليه السلام) ، فقد ورد في كتاب الخصائص الحسينية : ( إن آدم (عليه السلام) مرّ بكربلاء فتعثر في حجر ودمي أصبع قدمه فسأل عن معنى ذلك فنزل جبرائيل (عليه السلام) وأخبره إن في هذه الأرض يراق دم طاهر لسبط خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وهو من ذريتك يا آدم يقتل في هذه الأرض بلا ذنب ولا جرم ) وفي هذه القصة دلالة على التوسم حيث يشير إصبع القدم إلى أحد الأبناء والدم يشير إلى القتل .
ثانياً- التوسم عند نبي الله نوح (عليه السلام)
1- عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) إنه قال : ( لما أراد الله أن يهلك قوم نوح (عليه السلام) أوحى الله إليه أن شق ألواح الساج فلما شقها لم يدر ما يفعل بها فهبط جبرائيل (عليه السلام) فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت فيه ألف مسمار ... ثم ضرب يده إلى مسمار خامس فزهر وأثار وأظهر النداوة فقال جبرائيل (عليه السلام) هذا مسمار الحسين (عليه السلام) فأسمره إلى جانب مسمار أبيه فقال نوح (عليه السلام) : يا جبرائيل ما هذه النداوة فقال هذا الدم فذكر قصة الحسين (عليه السلام) وما تعمل الأمة به فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله ... ) قصص الجزائري ص78
.
وقد عَلِم نوح (عليه السلام) إن في تلك النداوة توسم إلى شيء ما ولما لم يكن يعرفه سأل جبرائيل (عليه السلام) فأخبره بأنه الدم وكان ذلك المسمار مسمار الحسين (عليه اليلام)
2- وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ( لما حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح (عليه السلام) فجزع جزعاً شديداً فاغتم بذلك فأوحى الله إليه أن كل العنب الأسود ليذهب غمك) قصص الأنبياء للجزائري ص79. وذلك لأن العنب الأسود يشير في التوسم إلى ذهاب الغم .
وكذلك من أكبر التوسمات توسم نبي الله نوح بقومه عدم الصلاح والإيمان وإنهم لن يكون منهم إلا الذرية الكافرة المنحرفة لذلك دعا الله تعالى أن يهلكهم أجمعين.
قال تعالى { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} نوح 26- 27
يتبع يتبع
تعليق