المرض وأسبابه وعلاجه قديماً وحديثاً
من فكر السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني
أثبتنا آنفاً التطابق الثلاثي بين الكتب الثلاثة القرآن والإنسان والكون .
وإن الكتب المتشابهة متداخلة فيما بينها وان المفردات الموجودة في الإنسان موجودة في القرآن والكون .
وإن هذه المفردات مرتبطة بعضها ببعض وهذا الارتباط يؤدي إلى ان هذه الكتب الثلاثة تؤثر بعضها على بعض سلباً أو إيجاباً ، وإن التأثير السلبي عادة يكون من الإنسان فهو الذي يؤثر على الكون والقرآن :
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(لروم 41. ) ، لأنه هو الخليفة والقائد في الأرض وقد سخر الله المخلوقات كلها لخدمته وهو الكائن الوحيد الذي طور نفسه وغير أساليب وأنماط حياته دون باقي الكائنات الحية التي لم تتغير في شكلها أو تصرفاتها منذ خلقها الله .
فخلية النحل سداسية الشكل منذ خلق الله النحل ....والنحل لم يغير هذا الشكل أبداً وكذلك باقي الحيوانات هي ثابتة لا تتغير في عملها أو أكلها أو حياتها .
فالإنسان هو الذي قتل ودمّر وخرب الأرض .. وصنع الخمر ، وأوجد الزنا ، وعمل المصانع التي لوثت البيئة وأضرت بالكائنات .
وأدّى إلى تلوث الأرض والبحر والسماء ، وثقب الأوزون أكبر دليل على ذلك الخراب .
فالمفسد الحقيقي هو الإنسان . لأن الإنسان هو سيد الكون ، وهو الخليفة في الأرض فصلاحها من صلاح الخليفة وفسادها بفساد الخليفة .
وإن القرآن ... هو شفاء وخير ، قال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}( الإسراء 92 ) .
وكلنا يعلم إن أول إنسان في الأرض كان آدم (عليه السلام) وهو نبي الله الأول ... وعصى ربه في الجنة وتاب عليه في الأرض .
وحصل الإفساد الأول في الأرض من ابن آدم (عليه السلام) قابيل ، قال تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ}( - المائدة 27 ) .
الذي قتل أخاه هابيل ، قال تعالى {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}( - المائدة 30 ) ، وكانت جريمة القتل هي أول جريمة على الأرض ، وكان القتل بوسوسة من الشيطان لقابيل حسداً منه لهابيل.
فبدأ الفساد يدب بين المخلوقات عندما شاهدت هذه الجريمة ، وتغير طعم الماء فصار مرّاً ، وحمضت الفواكه ونفرت الحيوانات التي كانت تعيش بسلام ، حيث كانت الشاة ترعى مع الذئب لا يؤذيها إلا أن ذلك لم يستمر ، فبعد أن وقعت تلك الجريمة بدأ الذئب بأكل الشاة وراحت الشاة تفرّ منه وتغيرت طبيعة الأرض .
فالفساد من الإنسان الذي كان قرينة الشيطان العدو الأول له ، الذي يوسوس له ليعمل السوء والفواحش وليجعله عبداً له لا عبداً للخالق جل وعلا ، ونرى شياطين الأنس عاثت في الأرض فساداً ، فقتل وارتكاب المحرمات والفواحش وشرب الخمر والحروب واستعمال الأسلحة النووية والكيمياوية وغيرها ، قد غيرت طبيعة المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات ، بسبب جهل الإنسان تارة ..وبسبب عناده وعلمه بأن أعماله صالحة لا فساد فيها .
قال تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}( البقرة 11 ) .
المرض : المرض في اللغة السقم وهو نقيض الصحة ومرض فلاناً مرضاً فهو مارِض ومِرَض ومريض . والأنثى مريضة .
والممراض : الرجل المِسقام ، والجمع مرضى ، ومَراض ومِراض.
أول مرض :
قد يتساءل البعض فيقول : ما هو أول مرض ؟ ولماذا مَرِض الإنسان ؟ وكيف مَرِض الإنسان ؟ والله سبحانه وتعالى خلقه ليكون خليفة في الأرض ، فهل يخلق الله خليفة ثم يصيبه بالمرض أم إن الإنسان هو الذي سبب المرض لنفسه ؟
لأن الله خلق الإنسان ليكون سيد المخلوقات وجعله كامل الخلق وليس به نقص {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} .
وأعطى الإنسان العقل دون باقي المخلوقات وأعطاه فترة طفولة طويلة وهي أكثر فترة طفولة بالنسبة لباقي المخلوقات ، وسخر الكون كله لخدمته.
ولكن الإنسان هو الذي أساء استخدام هذه النعمة .. وخالف القوانين التي وضعها الخالق له ، فإن الخروج عن قوانين الله يؤدي إلى المفسدة والتهلكة لا محالة . لأن الله عزّ وجل هو خالق الإنسان ومصوّره ويعرف ما ينفعه وما يضره وأعطاه حقوقاً وطلب منه واجبات ، وحرم عليه الأشياء التي تؤذيه .
وكان التحريم دقيقاً جداً .. فلم يحرم الله شيء فيه نفع للإنسان فهو خالقه ويعرف ما يصلحه وما يفسده ..
وإن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا لا يقبلون أن يتداوى المريض بما حرم الله من أشياء .
حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : (إن الله لم يجعل دواء في ما حرّم من الأشياء من الطعام والشراب)( كشف اللثام ج9 ص283).
وورد في رواية إن رجل سأل أبي عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن بالخمر ، نكتحل منها ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : (ما يجعل الله عزّ وجل فيما حرّم شفاء)( الكافي ج6 ) .
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : (ليس لأحد أن يشفي بالحرام)( الكافي ج6 ) .
وقال تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(الكافي ج6 ) .
وقال تعالى {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القرآن لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنسان أكثرشَيْءٍ جَدَلاً}( المائدة 91 ) .
فإن أول جريمة ارتكبها قابيل كانت قتله هابيل أخوه غيرة منه وحسداً ... وهو ابن نبي .
فلماذا قتل قابيل هابيل ؟
فهل كان قابيل مريضاً عندما قتل هابيل ؟
ولماذا يقتل الإنسان أخيه ؟
نعم ، إنه كان مريض في نفسه وروحه وليس في جسده لأنه كان حاسداً حاقداً على أخيه فقتله . أي نفسه الأمارة بالسوء هي التي طوعت له قتل أخيه .
وإن الخلائق عندما شاهدت قتل الأخ لأخيه نفرت وتباعدت وبدأت سلوكياتها تتغير بعدما شاهدت الإفساد في الأرض .
عن ابن عباس قال : ( لما قتل قابيل أخاه هابيل .. أشاك الشجر ( ظهر له شوك ) وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه وأمر الماء (صار مراً ) واغبرّت الأرض)( بحار الأنوار ج11 ص219.) .
وقد كان هابيل يعرف إن قابيل ينوي قتله بعد أن تقبل الله قربانه ولم يتقبل قربان أخيه .
( ولم يدر قابيل كيف يقتل أخيه ..فجاءه إبليس وعلمه كيف يقتل أخيه فقتله بضرب رأسه بالحجارة...)( بحار الأنوار ج11 ص242 ) .
وبدأت تتغير طبيعة الأرض والكائنات الأخرى من حيوان ونبات بعد هذا الحادث العظيم ... الذي كان سببه الإنسان ... فكانت بداية الأمراض ..
قال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}( الروم 41 ) .
إثبات الحسد مرض
في تصنيفنا للأمراض .. كان التصنيف على أساس إن الأمراض روحاني وجسماني ..وإليكم ما يثبت إن الحسد أحد الأمراض الروحية :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : ( ألا إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد وليس بحالق الشعر ولكن حالق الدين ..)( بحار الأنوار ج70 ص253 ) .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) :
(إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)( المصدر نفسه ) .
قال أبو جعفر (عليه السلام) : (واعلم إن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل والعلم النافع لمرض الحسد .. هو تعرف تحقيقاً إن الحسد حزر عليك في الدنيا والدين وإنه لا ضرر على المحسود في الدين والدنيا بل يستطيع بها في الدنيا والدين ومهما عرفت هذا عن بصيرة ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك فارقت الحسد لا محالة)(بحار الأنوار ج70 ص 241 ) .
قال أبو جعفر (عليه السلام) : (إن الحسد يوجب علل في الأبدان وضعف فيها ويمنع الإتيان بالطاعات على وجهها فينقص بل يفسد الإيمان على أي معنى كان) .
وقال (عليه السلام) : (يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب)( المصدر نفسه ) .
قال أبو جعفر (عليه السلام) يصف الحسد :
(وأما كونه ضرراً في الدنيا عليك فهو إنه تتألم بجسدك وتتعذب به ولا تزال في كدر وغم وأعدائك لا يخليهم الله عن نعيم يفيض عليهم ، فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها عليهم فتتأذى وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم فتبقى مغموماً محزوناً متشعب القلب ضيق النفس مما تشتهيه لأعدائك وكما يشتهي أعداءك لك فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقد)(المصدر نفسه ) .
ومما قال علي (عليه السلام) : (صحة الجسد في قلة الحسد).
أي إن الحسد يؤذي الإنسان .. ويمرضه بل هو مرض بحد ذاته وإن الحسد فعل من أفعال الإنسان وهو صفة القلب والحاسد آثم حتى لو كتم حسده .
والحسد في القلب ، قال الإمام الصادق (عليه السلام) :
(محل الحسد القلب دون الجوارح والحسد معصية بينك وبين الله)(بحار الأنوار ج70 ص243 ) .
وعنه (عليه السلام) : (لا يطمعن الحسود في راحة القلب).
أي إن الحسد مرض .. والعياذ بالله من الحسد ..
إذن أثبتنا بالروايات الواردة عن أهل البيت بأن الحسد مرض نفسي ويؤدي إلى أمراض عضوية جسمانية . . والحسد يكون في القلب .. والحسد يضر بصاحبه فيضعف روحه وجسده وان الحاسد لا راحة في قلبه وجسده ..
قال تعالى {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}( البقرة 10) .
وقال تعالى {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فإن اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}( الأنفال 49
) .
وبعد هذه الآيات البينات ثبت بالدليل .. إن القلب مصدر للمرض الروحاني والآيات تخاطب المنافقين والذين في قلوبهم مرض أي ربط النفاق بالمرض .. والمنافق حاسد .. والحاسد مريض .. والمرض في قلبه .
وسنذكر العلاج للحاسد حسب نظرية المشابهة بين الداء والدواء .
إذ ثبت بالدليل إن أول الأمراض هو روحاني (نفسي) وليس جسدي ومن ثم يتحول إلى جسدي وان أول من حسد هو إبليس ومن ثم قابيل .
من فكر السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني
أثبتنا آنفاً التطابق الثلاثي بين الكتب الثلاثة القرآن والإنسان والكون .
وإن الكتب المتشابهة متداخلة فيما بينها وان المفردات الموجودة في الإنسان موجودة في القرآن والكون .
وإن هذه المفردات مرتبطة بعضها ببعض وهذا الارتباط يؤدي إلى ان هذه الكتب الثلاثة تؤثر بعضها على بعض سلباً أو إيجاباً ، وإن التأثير السلبي عادة يكون من الإنسان فهو الذي يؤثر على الكون والقرآن :
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(لروم 41. ) ، لأنه هو الخليفة والقائد في الأرض وقد سخر الله المخلوقات كلها لخدمته وهو الكائن الوحيد الذي طور نفسه وغير أساليب وأنماط حياته دون باقي الكائنات الحية التي لم تتغير في شكلها أو تصرفاتها منذ خلقها الله .
فخلية النحل سداسية الشكل منذ خلق الله النحل ....والنحل لم يغير هذا الشكل أبداً وكذلك باقي الحيوانات هي ثابتة لا تتغير في عملها أو أكلها أو حياتها .
فالإنسان هو الذي قتل ودمّر وخرب الأرض .. وصنع الخمر ، وأوجد الزنا ، وعمل المصانع التي لوثت البيئة وأضرت بالكائنات .
وأدّى إلى تلوث الأرض والبحر والسماء ، وثقب الأوزون أكبر دليل على ذلك الخراب .
فالمفسد الحقيقي هو الإنسان . لأن الإنسان هو سيد الكون ، وهو الخليفة في الأرض فصلاحها من صلاح الخليفة وفسادها بفساد الخليفة .
وإن القرآن ... هو شفاء وخير ، قال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}( الإسراء 92 ) .
وكلنا يعلم إن أول إنسان في الأرض كان آدم (عليه السلام) وهو نبي الله الأول ... وعصى ربه في الجنة وتاب عليه في الأرض .
وحصل الإفساد الأول في الأرض من ابن آدم (عليه السلام) قابيل ، قال تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ}( - المائدة 27 ) .
الذي قتل أخاه هابيل ، قال تعالى {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}( - المائدة 30 ) ، وكانت جريمة القتل هي أول جريمة على الأرض ، وكان القتل بوسوسة من الشيطان لقابيل حسداً منه لهابيل.
فبدأ الفساد يدب بين المخلوقات عندما شاهدت هذه الجريمة ، وتغير طعم الماء فصار مرّاً ، وحمضت الفواكه ونفرت الحيوانات التي كانت تعيش بسلام ، حيث كانت الشاة ترعى مع الذئب لا يؤذيها إلا أن ذلك لم يستمر ، فبعد أن وقعت تلك الجريمة بدأ الذئب بأكل الشاة وراحت الشاة تفرّ منه وتغيرت طبيعة الأرض .
فالفساد من الإنسان الذي كان قرينة الشيطان العدو الأول له ، الذي يوسوس له ليعمل السوء والفواحش وليجعله عبداً له لا عبداً للخالق جل وعلا ، ونرى شياطين الأنس عاثت في الأرض فساداً ، فقتل وارتكاب المحرمات والفواحش وشرب الخمر والحروب واستعمال الأسلحة النووية والكيمياوية وغيرها ، قد غيرت طبيعة المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات ، بسبب جهل الإنسان تارة ..وبسبب عناده وعلمه بأن أعماله صالحة لا فساد فيها .
قال تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}( البقرة 11 ) .
المرض : المرض في اللغة السقم وهو نقيض الصحة ومرض فلاناً مرضاً فهو مارِض ومِرَض ومريض . والأنثى مريضة .
والممراض : الرجل المِسقام ، والجمع مرضى ، ومَراض ومِراض.
أول مرض :
قد يتساءل البعض فيقول : ما هو أول مرض ؟ ولماذا مَرِض الإنسان ؟ وكيف مَرِض الإنسان ؟ والله سبحانه وتعالى خلقه ليكون خليفة في الأرض ، فهل يخلق الله خليفة ثم يصيبه بالمرض أم إن الإنسان هو الذي سبب المرض لنفسه ؟
لأن الله خلق الإنسان ليكون سيد المخلوقات وجعله كامل الخلق وليس به نقص {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} .
وأعطى الإنسان العقل دون باقي المخلوقات وأعطاه فترة طفولة طويلة وهي أكثر فترة طفولة بالنسبة لباقي المخلوقات ، وسخر الكون كله لخدمته.
ولكن الإنسان هو الذي أساء استخدام هذه النعمة .. وخالف القوانين التي وضعها الخالق له ، فإن الخروج عن قوانين الله يؤدي إلى المفسدة والتهلكة لا محالة . لأن الله عزّ وجل هو خالق الإنسان ومصوّره ويعرف ما ينفعه وما يضره وأعطاه حقوقاً وطلب منه واجبات ، وحرم عليه الأشياء التي تؤذيه .
وكان التحريم دقيقاً جداً .. فلم يحرم الله شيء فيه نفع للإنسان فهو خالقه ويعرف ما يصلحه وما يفسده ..
وإن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا لا يقبلون أن يتداوى المريض بما حرم الله من أشياء .
حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : (إن الله لم يجعل دواء في ما حرّم من الأشياء من الطعام والشراب)( كشف اللثام ج9 ص283).
وورد في رواية إن رجل سأل أبي عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن بالخمر ، نكتحل منها ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : (ما يجعل الله عزّ وجل فيما حرّم شفاء)( الكافي ج6 ) .
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : (ليس لأحد أن يشفي بالحرام)( الكافي ج6 ) .
وقال تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(الكافي ج6 ) .
وقال تعالى {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القرآن لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنسان أكثرشَيْءٍ جَدَلاً}( المائدة 91 ) .
فإن أول جريمة ارتكبها قابيل كانت قتله هابيل أخوه غيرة منه وحسداً ... وهو ابن نبي .
فلماذا قتل قابيل هابيل ؟
فهل كان قابيل مريضاً عندما قتل هابيل ؟
ولماذا يقتل الإنسان أخيه ؟
نعم ، إنه كان مريض في نفسه وروحه وليس في جسده لأنه كان حاسداً حاقداً على أخيه فقتله . أي نفسه الأمارة بالسوء هي التي طوعت له قتل أخيه .
وإن الخلائق عندما شاهدت قتل الأخ لأخيه نفرت وتباعدت وبدأت سلوكياتها تتغير بعدما شاهدت الإفساد في الأرض .
عن ابن عباس قال : ( لما قتل قابيل أخاه هابيل .. أشاك الشجر ( ظهر له شوك ) وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه وأمر الماء (صار مراً ) واغبرّت الأرض)( بحار الأنوار ج11 ص219.) .
وقد كان هابيل يعرف إن قابيل ينوي قتله بعد أن تقبل الله قربانه ولم يتقبل قربان أخيه .
( ولم يدر قابيل كيف يقتل أخيه ..فجاءه إبليس وعلمه كيف يقتل أخيه فقتله بضرب رأسه بالحجارة...)( بحار الأنوار ج11 ص242 ) .
وبدأت تتغير طبيعة الأرض والكائنات الأخرى من حيوان ونبات بعد هذا الحادث العظيم ... الذي كان سببه الإنسان ... فكانت بداية الأمراض ..
قال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}( الروم 41 ) .
إثبات الحسد مرض
في تصنيفنا للأمراض .. كان التصنيف على أساس إن الأمراض روحاني وجسماني ..وإليكم ما يثبت إن الحسد أحد الأمراض الروحية :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : ( ألا إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد وليس بحالق الشعر ولكن حالق الدين ..)( بحار الأنوار ج70 ص253 ) .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) :
(إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)( المصدر نفسه ) .
قال أبو جعفر (عليه السلام) : (واعلم إن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل والعلم النافع لمرض الحسد .. هو تعرف تحقيقاً إن الحسد حزر عليك في الدنيا والدين وإنه لا ضرر على المحسود في الدين والدنيا بل يستطيع بها في الدنيا والدين ومهما عرفت هذا عن بصيرة ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك فارقت الحسد لا محالة)(بحار الأنوار ج70 ص 241 ) .
قال أبو جعفر (عليه السلام) : (إن الحسد يوجب علل في الأبدان وضعف فيها ويمنع الإتيان بالطاعات على وجهها فينقص بل يفسد الإيمان على أي معنى كان) .
وقال (عليه السلام) : (يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب)( المصدر نفسه ) .
قال أبو جعفر (عليه السلام) يصف الحسد :
(وأما كونه ضرراً في الدنيا عليك فهو إنه تتألم بجسدك وتتعذب به ولا تزال في كدر وغم وأعدائك لا يخليهم الله عن نعيم يفيض عليهم ، فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها عليهم فتتأذى وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم فتبقى مغموماً محزوناً متشعب القلب ضيق النفس مما تشتهيه لأعدائك وكما يشتهي أعداءك لك فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقد)(المصدر نفسه ) .
ومما قال علي (عليه السلام) : (صحة الجسد في قلة الحسد).
أي إن الحسد يؤذي الإنسان .. ويمرضه بل هو مرض بحد ذاته وإن الحسد فعل من أفعال الإنسان وهو صفة القلب والحاسد آثم حتى لو كتم حسده .
والحسد في القلب ، قال الإمام الصادق (عليه السلام) :
(محل الحسد القلب دون الجوارح والحسد معصية بينك وبين الله)(بحار الأنوار ج70 ص243 ) .
وعنه (عليه السلام) : (لا يطمعن الحسود في راحة القلب).
أي إن الحسد مرض .. والعياذ بالله من الحسد ..
إذن أثبتنا بالروايات الواردة عن أهل البيت بأن الحسد مرض نفسي ويؤدي إلى أمراض عضوية جسمانية . . والحسد يكون في القلب .. والحسد يضر بصاحبه فيضعف روحه وجسده وان الحاسد لا راحة في قلبه وجسده ..
قال تعالى {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}( البقرة 10) .
وقال تعالى {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فإن اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}( الأنفال 49
) .
وبعد هذه الآيات البينات ثبت بالدليل .. إن القلب مصدر للمرض الروحاني والآيات تخاطب المنافقين والذين في قلوبهم مرض أي ربط النفاق بالمرض .. والمنافق حاسد .. والحاسد مريض .. والمرض في قلبه .
وسنذكر العلاج للحاسد حسب نظرية المشابهة بين الداء والدواء .
إذ ثبت بالدليل إن أول الأمراض هو روحاني (نفسي) وليس جسدي ومن ثم يتحول إلى جسدي وان أول من حسد هو إبليس ومن ثم قابيل .
تعليق