الفصل الأول
علامات الأزمنة وتحقق بعضا" منها
يقصد بعلامات الأزمنة هي الأحداث والأشارات والوقائع التي يتوقع حصولها قبيل مجيء المسيح في آخر الأيام ، وقد ورد ذكرها على لسان يسوع المسيح في اكثر من موضع من الاناجيل الأربعة ، اضافة" الى ذكرها في اسفار العهد القديم مثل اشعياء ودانيال وغيرهما ، وكذلك في سفر الرؤيا المعروف والمنقول عن يوحنا التلميذ ، ومن خلال قراءة اجمالية لهذه العلامات في تلك الأسفار المقدسة نستطيع القول بان علامات اقتراب النهاية ومجيء المسيح الثاني تنقسم الى ثلاث اقسام رئيسية :-
اولا" : علامات كونية : وهي التي تخص حركة الأفلاك واحداث معين تقع على الشمس والقمر والكواكب بشكل عام يصاحبها تغييرات مناخية مثل حدوث فيضانات في البحار في مختلف انحاء العالم وزلازل او هزات ارضية وهذا المعنى مستقى من كلام المسيح - له المجد – في النص التالي : ( وتكون زلازل عظيمة في اماكن ...وعلامات عظيمة في السماء ..) لقوا 21 : 11 ، وكذلك قوله في نفس الأصحاح : ( وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم وعلى الأرض كرب امم بحيرة ، البحر والامواج تضج ..) لوقا 21 : 25 . وفي سفر الرؤيا يتحدث يوحنا اللاهوتي عن الختوم السبعة التي يفتحها الخروف – ويشير هنا للمسيح – وجزء من هذه الختوم هي علامات واحادث كونية مثل التي ذكرها المسيح في الأنجيل لتلاميذه ،وخصوصا" الختم السابع الذي تميز عن باقي الختوم التي ذكرها يوحنا يضم عدد من الأبواق التي ينفخ بها الملائكة في ذاك الزمان الصعب ، وهذه الأبواق تتوافق مع كل نفخة بوق ما هو حدوث حديث كوني عظيم ، لنستمع الى ما ذكره يوحنا في سفره : ( ثم ان السبعة ملائكة الذين معهم سبعة ابواق تهيئوا لكلي يبوقوا ، فبوق الملاك الأول فحدث برد ونار مخلوطان بدم والقيا الى الأرض فأحترق ثلث الأشجار واحترق كل عشب اخضر ، ثم بوق الملاك الثاني فكان جبلا" عظيما" متقدا" بالنار القي الى البحر فصار ثلث البحر دما" ومات ثلث الخلائق التي في البحر التي لها حياة واهلك ثلث السفن ثم بوق الملاك الثالث فسقط من السماء كوكب عظيم متقد كمصباح ووقع على ثلث الانهار وعلى ينابع المياه ، واسم الكوكب يدعى الأفسنتين فصار ثلث المياه افسنتينا" ومات كثيرون من الناس من المياه لانها صارت مرة ، ثم بوق الملاك الرابع فضرب ثلث الشمس وثلث القمر وثلث النجوم حتى يظلم ثلثهن والنهار لا يضيء ثلثه والليل كذلك ...) رؤ 8 : 6-12 ، ويلاحظ من مجمل تلك العلامات انها تتكلم عن ما سيحدث من امور كونية وحركة الكواكب والنيازك وقد يحدث ما تنبا به العلماء في السنوات الأخيرة عن ظاهرة توقع سقوط كوكب او كويكب او نيزك ما يقدم فيضرب الأرض لكن ليس جميع الأرض ستتأثر بهذا الحدث بل جزء منها ولكن تأثيره حتما" سيكون عظيما" ومؤثرا" الى حد ما ، والدليل هو تأثر مياه البحار والانهار بسقوط هذا الكوكب ، وقد توقع الفلكيون ان تظلم مساحة كبيرة من الأرض بسبب الدخان المتصاعد على اثر هذا الأصطدام الكويكبي بين الأرض وذلك النيزك الغريب ، وهو بدوره سينتج حجب جزء منت نور الشمس والقمر وسائر النجوم المضيئة لأهل الأرض ، تبقى هي احتمالات عديدة يمكن ان تطرح بين تفسير وفك رموز النبوءة وبين العلم الحديث وما يتوصل اليه الباحثون في مجال الفك وحركة الأجرام والكواكب المحيطة ، وعلى اية حال فأن نصوص هذا السفر انتما تؤكد ما تحدث عنه المسيح قبل سنوات من رؤيا يوحنا لهذه الأحداث لاهوتيا" ، والمحصلة هي توقع حدوث امور كونية خارجة عن سيطرة البشر مع اقتراب الزمان الأخير .
ثانيا" : علامات عامة : ويقصد بها حوادث ووقائع تقع وتحدث في مختلف انحاء الكرة الأرضية دون تخصيص ، وهي تشمل حدوث حروب في اصقاع الأرض بين دول وامم مختلفة فيما بينها ،وعلى الأرجح هي ازمات سياسية تؤدي الى عدم الأستقرار في مساحات ما من الأرض بل وسقوط حكومات عبر عنها المسيح ب(القلاقل) ، وكذلك امراض واوبئة تنتشر فتعم بلدان معينة اضافة" الى المجاعات والازمات الأقتصادية التي تصيب الشعوب ربما الفقيرة منها ، لننظر الأصحاح التالي لتتضح الصورة : ( فأذا سمعتم بحروب وقلاقل ...تقوم امة على امة ومملكة على مملكة ..ومجاعات واوبئة ..) لوقا 21 : 9-12 ، وكذلك في نص آخر يذكر الخوف الذي يعم ارجاء الأرض والظاهر انه بسبب تلك الأزمات السياسية بين الدول وعدم الأستقرار : ( والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما ياتي عليه من المسكونة لأن قوات السماوات تتزعزع ..) لوقا 21 : 26 ، وتحدث عن ضيق يضيب اهل الأرض عموما" : ( ويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض ) لوقا 21 : 23 ، هذا بالنسبة لكلام المسيح ، اما في سفر الرؤيا ليوحنا الذي اسلفنا الحديث عنه فقد ذكرت جملة من العلامات العامة وتحديدا" في المقطع الذي يفك فيه الخروف الختوم السبعة ختما" بعد ختم ، والختوم الثلاثة من الثاني الى الرابع وكلها تخص علامات عامة ستحدث في قادم الزمان كالحروب والجوع والانهيار الأقتصادي : ( ولما فتح الختم الثاني سمعت الحيوان الثاني قائلا" هلم وأنظر فخرج فرس آخر أحمر وللجالس عليه اعطي ان ينزع السلام من الأرض وأن يقتل بعضهم بعضا" واعطي سيفا" عظيما" ، ولما فتح الختم الثالث سمعت الحيوان الثالث قائلا" هلم وانظر ، فنظرت واذا فرس اسود والجالس عليه معه ميزان في يده ، وسمعت صوتا" في الأربعة حيوانات قائلا" ثمنية قمح بدينار وثلاث ثماني شعير بدينار واما الزيت والخمر فلا تضرهما ، ولما فتح الختم الرابع سمعت صوت الحيوان الرابع قائلا" هلم وانظر ، فنظرت واذا فرس اخضر والجالس عليه اسمه الموت والهاوية تتبعه واعطيا سلطانا على ربع الأرض ان يقتلا بالسيف والجوع والموت وبوحوش الأرض ..) رؤ 6 : 3-8 ، ومن خلال ما قرانا نستشف ان هناك العديد من الحوادث والوقائع التي اصطلحنا عليها بالعلامات العامة والتي سيشهدها معظم او جزء من سكان الأرض بين جوع وحروب وقتال وامراض وموت وكلها تندرج تحت مسمى علامات عامة لما قبل المجيء الحتمي للمسيح .
وذكر ايضا" ظهور المسحاء الكذبة ومن يدعون النبوة في تلك الازمنة ، وهم على ما يبدو رجال سوف يستغلون حدوث تلك الأحداث ووقوعها في العالم وترقب الناس لظهور المسيح ليخلصهم فيقومون بأستغلال هذه الحالة ليدعوا لأنفسهم مقامات ليست لهم ومنها ان واحدهم هو المسيح او المخلص او المنقذ المنتظر : ( فأن كثيرين سياتون بأسمي قائلين أني انا هو والزمان قد قرب فلا تذهبوا ورائهم ) لوقا 21 : 8 ، وورد ما يشابه هذا المفهوم في انجيل متى ما نصه : ( ويقوم انبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرون..) متى 24 : 11 ، وقال ايضا" في ذات الأصحاح : ( لأنه سيقوم مسحاء كذبة وانبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو امكن المختارين ايضا" ..) متى 24 : 24 .
ثالثا" : علامات خاصة : ونقصد بها الحوادث التي تخص دولة معين من الدول او منطقة محددة من العالم ذكره المسيح والكتاب على وجه التخصيص لا العموم ومنها حديثه عن مدينة اورشليم واليهودية ما ستشهدانه من حوادث خاصة وتكليف الناس الساكنين فيهما تكاليف خاصة تختلف عن باقي السكان في الدول الاخرى ، فالهيكل مثلا" سيتهدم كما وعد المسي بقوله : ( هذه التي ترونها ستأتي ايام لا يترك فيها حجر على حجر لا ينقض ) لوقا 21 : 6 ، ومدينة اورشليم او القدس كما تسمى اليوم سوف تحاصر من قبل الجيوش ويصيبها الخراب : ( ومتى رأيتم اورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا انه قد اقترب خرابها ، حينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال والذين في وسطها فليفروا خارجا" والذين في الكور فلا يدخلوها ..وتكن اورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل ازمنة الامم ) لوقا 21 : 21-24 ، وقال ايضا" : ( فمتى نظرتم رجسة الخراب التي تحدث عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال ..) متى 24 : 15 ، اما الخراب نفسه الذي تحدث عنه النبي دانيال فننقل نص من السفر الذي يخص النبي وهو : ( وبعد اثنين وستين اسبوعا" بقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة والى النهياة حرب وخرب قضي بها..) دانيال 9 : 26 ، لو متقتصر العلامات على مدين اورشليم او القدس وحدها لا بل ان لمدينة بابل وبلاد مصر كان لهما نصيب كذلك في تلك الازمنة التي تسبق مجيء المسيح ، حيث اشار يوحنا اللاهوتي في سفر الرؤيا الى علامة مهمة من علامات المجيء وهي سقوط مدينة (بابل) حيث قال : ( ورفع ملاك واحد قوي حجرا" كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلا" هكذا بدفع سترمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد فيما بعد ..) رؤ 18 : 21 ، وقال في موضع ايضا" : ( ويل ويل المدينة العظيمة بابل المدينة القوية لأنه في ساعة واحدة جئت دينونتك ..) رؤ 18 : 10 ، اما بالنسبة لبلاد مصر فقد تحدث الكتاب في اسفار حزقيل واشعياء حول احداث تقع فيها يفهم منها انها في آخر الأزمنة وانها من علامات قدوم الرب ، وذكرت بشيء من التفصيل منها : ( واهيج مصريين على مصريين فيحاربون كل واحد اخاه وكل واحد صاحبه مدينة مدين ومملكة مملكة) اشع 19 : 2 ، وقال ايضا" : ( وأشتت المصريين بين الأمم واذريهم في الأراضي ..) حزقيل 30 : 23 .
تعليق