نظرية الحكم الألفي او الملك الأرضي للمسيح
هي النظرية القائلة بضرورة وحتمية مجيء المسيح الثاني ليملك ويقيم دولته ومملكته على الأرض وذلك بعد الاختطاف والضيقة العظيمة لمدة الف سنة حرفية على الأرض يعم فيها السلام والرخاء ولا يكون فيها اي نوع من الحروب ، وتكون هذه الفترة هي العصر الذهبي الذي يدوم فيه السلام على الأرض فيسكن فيها الذئب مع الخروف ويعيش فيها الانسان مع الحيوان دون ان يخاف احدهما من الآخر ، بل يلعب الطفل مع شبل الأسد ، وتنتج الأثمار والفواكه بمثل احجامهما الحالية عشرات المرات ، وهي فكرة مستمدة في الأساس وفق فهم نصوص الكتاب المقدس بشقيه القدديم والجديد ، وسنستعرض هذه النصوص لكي نناقش اصل هذه النظرية ن لكن قبلها نحب ان ننوه اننا وجدنا ان اصل هذه النظرية او الفكرة والعقيدة انما يعود الى القرن الاول الميلادي على يد آباء الكنيسة القدامى من امثال (بابياس واريناؤس و يوستينوس الشهيد و ترتليان و هيبوليتوس و ميثوديوس و كودميانوس و لاكتانيوس ، حيث يقول بابياس (60-130 م) اسقف هيرابوليس انه سيكون هناك الف سنة بعد القيامة من الاموات يملك فيها السيد المسيح على الأرض مع قديسيه لمدة الف سنة ، وقد ركز فيها على الملاذ الحسية والجسدية فقال " ستأتي ايام تنمو فيها الكروم ، وعلى كل كرمة عشرة آلاف غصن ، وعلى كل غصن عشرة آلاف غصن صغير ، وفي كل غصن صغير حقيقي عشرة آلاف نصل ، وعلى كل قمحة ستنتج عشرة آلاف سنبلة ، وكل سنبلة ستنتج عشرة آلاف حبة قمح ن وكل حبة ستنتج عشرة آلاف رطل من الدقيق الفاخر " ، وكتب يوستينوس الشهيد يقول " نحن واثقون أنا والآخرون الذين لنا فكر سليم في كل الأمور كمسيحيين - من أنه سيكون هناك قيامة من الأموات وألف سنة في أورشليم التي ستبنى آنذاك وتزين وتتسع " . ولكنه عاد وقال أيضا " أن كثيرا من المسيحيين المعتبرين لا يأخذون بهذا التعليم ولا يقرونه " ، وقال ترتليان ( 150 - 225م ) " نعترف بأن لنا وعدا بمملكة على الأرض ، في حين أنها قبل السماء ، وإنما في حالة أخرى من الوجود ، بقدر ما ستكون بعد القيامة لمدة ألف عام في مدينة أورشليم التي يبنيها الله " ، كما ربط اريناؤس أسقف ليون (130 -202م ) ، وتبعه فيما بعد كل من كوموديانوس ( حوالي 250م ) وفيكتورينوس الذي كتب أقدم تفسير لسفر الرؤيا (حوالي 280م) وكذلك أيضا معاصره لاكتانيوس ، بين الملك الألفي للسيد المسيح وبين الرأي القائل بأن عمر العالم سبعة آلاف سنة فقط على أساس أن الله خلق الأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع ، واليوم عند الله يساوى ألف سنة ، لذا فالمسيح سيأتي بعد خليقة آدم بستة آلاف سنة ويكون اليوم السابع أو الألف السابع هو يوم الراحة أو الملك الألفي السعيد . ويرى المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري المعاصر لمجمع نيقية أن هذه الأفكار انتقلت إلى الأباء عن طريق بابياس أسقف هيرابوليس الذي يصفه بأنه " محدود الإدراك " فيقول " ويدون نفس الكاتب ( أي بابياس ) روايات أخرى يقول أنها وصلته من التقليد غير المكتوب وأمثالا وتعاليم غريبة للمخلص ، وأمور أخرى خرافية . ومن ضمن هذه الأقوال انه ستكون فترة ألف سنة بعد قيامة الأموات ، وأن ملكوت المسيح سوف يؤسس على نفس هذه الأرض بكيفية مادية . وأظن أنه وصل إلى هذه الآراء بسبب إساءة فهمه للكتابات الرسولية ، غير مدرك أن أقوالهم كانت مجازية . إذ يبدو أنه كان محدود الإدراك جداً كما يتبين من أبحاثه . وإليه يرجع السبب في أن الكثيرين من آباء الكنيسة من بعده اعتنقوا نفس الآراء مستندين في ذلك على أقدمية الزمن الذي عاش فيه ، كإريناؤس مثلا وغيره ممن نادوا بآراء مماثلة " ( ك39:3 ) .
وقد ذكرنا مسبقا" ان نظرية الحكم الروحي على الصليب انما نشطت بعد ظهور هذه النظرية الألفية ، بمعنى ان نظرية الحكم الأرضي المادي كان مولودا" قبيل ولادة نظرية الحكم الروحي بحوالي قرنين من الزمان ، غير ان ظهور النظرية الأخيرة ادى الى انتشارها بشكل اكبر من نظرية الحكم الأرضي المادي ، لكن سرعان ما عادت مرة اخرى بالظهور من جديد بعد ظهور حركة مارتن لوثر الأصلاحية ابان القرن السادس عشر وانتشرت بقوة في المانيا وباقي دول اوربا في القرنين السابع والثامن عشر ، وتوسعت النظرية والفكرة اكثر مع دخول القرن التاسع عشر حيث ظهرت حركة الاخوة(البليموث) ووصلت الى امريكا وباقي الدول ، هذه الحركة سميت بال(الحركة التدبيرية) ، يرجع تاريخ هذه المدرسة التفسيرية التدبيرية إلى " حركة الأخوة البليموث " كما قلنا، والتي نهضت في إنجلترا وأيرلندا حوالي سنة 1830م ، أي في الفترة التي حدد فيها الكثيرون تواريخ محددة للمجيء الثاني ونهاية العالم . وغالبا ما يؤرخ لتاريخ هذه الحركة بمقال نشره جون نيلسون - 1882م ) بعنوان " اعتبارات لطبيعة وحدة كنيسة المسيح " . وعرف أتباع هذه الحركة غالبا ب " الأخوة البليموث " لأن مدينة بليموث في إنجلترا كانت من أقوى مراكزهم . كما دعيت الحركة أيضا بالداربية ، وقد ركزت هذه الحركة على الكنيسة والنبوة ، وخاصة المجيء الثاني للسيد المسيح والذي توقعوا أن يأتي في لحظات قريبة جداً ، في أيامهم ، وفسروا نبوات ورؤى العهد القديم ، الخاصة بإسرائيل ، وسفر الرؤيا تفسيرا حرفيا دون أن يضعوا في الاعتبار الأسلوب الرمزي والمجازى الذي تتصف به معظم النبوات والرؤى ، بل وطبقوا الكثير من النبوات التي تمت بالفعل على إسرائيل بعد سبى بابل وقبل تجسد السيد المسيح على إسرائيل في المجيء الثاني ، وطبقوا بعض الأحداث التي تمت تاريخيا مثل دمار الآشوريين لمملكة إسرائيل أو الأسباط العشرة تطبيقا نبويا وخرجوا منها بشخصية ما يسمى بالآشوري الذي سيحاول تدمير إسرائيل قبل الملك الألفي مباشرة !! وصوروا الأحداث السابقة للمجيء الثاني بمنظور إسرائيلي بحت وبصورة أقرب ما تكون لما كان يحدث بين إسرائيل وجيرانها في فترة الأنبياء عندما كان الله يتدخل لنجدتهم عندما يحيط بهم الأعداء . كما اعتبروا أن كل تاريخ الكتاب المقدس ، بل والتاريخ البشرى كله ، مرتبط بإسرائيل كشعب الله إلى الأبد ، وأن المسيح لابد أن يأتي ليحكم العالم من خلال اليهود ، وأن الكنيسة ما هي إلا فترة عارضة في التاريخ ، ظهرت عندما فشل اليهود في قبول المسيح ورفضوه فرفضهم الله إلى حين " إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله " (يو11:1-13) . كانت " فترة الكنيسة ، في نظرهم ، فترة عارضه لا علاقة لها بالأزمنة النبوية 000 إن النبوات الكتابية مرتبطة بالأرض والشعب الأرضي وليس بالسماء والسماويين ، لأن الكنيسة دعوتها سماوية وليست أرضية " كانت المواعيد لإسرائيل بحسب الجسد أما الكنيسة فمواعيدها سمائية بدأت بحلول الروح القدس بعد الصعود مباشرة وستنتهي بارتفاع الروح القدس في الاختطاف قبل الضيقة العظيمة والملك الألفي ، لتعود السيادة والريادة لإسرائيل من جديد ، في نهاية " أزمنة الأمم "وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم " (لو21 : 24) أو " ملء الأمم " أن القساوة قد حصلت جزئيا لإسرائيل إلي أن يدخل ملؤ الأمم " (رو25:11) . وفيما يلي جوهر عقائد هذه المدرسة المنتشرة في عده مذاهب بروتستانتية مثل الأخوة البليموث ، كنائس الأخوة المختلفة ، والكنائس الخمسينية والمعمدانية والرسولية ونهضة القداسة وبيت عنيا ومن تأثر بكتبهم وغيرهم .
يتبع ...
تعليق