هل الناموس سفسطة فكرية ام مسالة رياضية ؟!!
قفز الى اذهاننا هذا السؤال بعد ان قرات اسطر كتبها القديس اوغسطونيوس (354 -430 م) الذي سبق ان بينا انه كان اول من وقف ضد مبدأ الحكم الألفي وابتدع نظرية الحكم الروحي في القرن الثالث الميلادي ، كانت تلك الأسطر هو عصارة فكرية لذهن القديس وصل من خلال مسالة حسابية الى بطلان نظرية الحكم الأرضي الألفي ، حيث قال في كتابه " مدينة الله " ، " الألف هو مكعب العشرة ، إذ أن حاصل العشرة مضاعفاً عشر مرات هو مائة أي المربع على مستوى مسطح . إذا أعطى المسطح ارتفاعا ليصبح مكعبا ، فالمائة تتضاعف عشر مرات ، فيكون الحاصل ألفا . زد على ذلك ، إذا كانت المائة تستعمل أحيانا كناية عن الكل كما عندما قال الرب على سبيل الوعد لمن ترك كل شئ وتبعه أنه " سيأخذ مائة ضعف " (مت29:19) . وقال الرسول وكأنه يفسر هذا : " لا شئ عندنا ، ونحن نملك كل شئ " (2كو10:6) 000 فكم بالأولى أن يستخدم ( الألف ) كناية عن الكل ، حيث أن (الألف ) هو المكعب ، بينما أن ( المائة ) مربع فقط ؟ ولهذا السبب عينه لا تجد تفسيرا لكلمات المزمور " ذكر إلى الدهر عهده كلاما أوصى به إلى ( ألف ) جيل " (مز8:104) خيرا من فهمها على أنها إلى ( كل ) الأجيال " ( مدينة الله ج 20 ف7) ، الحقيقة لا نعلم كيف يجرؤ انسان ان يضع شريعة الله في بودقة التنظير والحسابات الرياضية والتفسير والأجتهاد الشخصي ؟... وكيف يتجرأ ان يواجه الرب في يوم دينونته وعلى رقبته اطروحة او نظرية لم تخرج من اطار التنظير والمجهود الفكري الخاطيء او الصائب ؟! ... وكان الاولى به ان يقول مثل ما قال القس عبد المسيح ابو الخير في كتابه المجيء الثاني تعليقا" على عبارة الألف سنة بقوله : ( وسفر الرؤيا بطبيعته سفر رؤى يستخدم التعبيرات الرمزية والمجازية ، بل هو أكثر أسفار الكتاب المقدس في رمزيته وأسلوبه المجازى ، حيث يعتمد على الرمز والمجاز ، ويُفسر معظم ما جاء به بصورة رمزية ، وهذه الفقرة ، الخاصة بالملك الألفي ، بالذات من أكثر الفقرات التى أختلف حولها المفسرون عبر تاريخ الكنيسة ! فكيف تُبنى عقيدة على فقرة واحدة لا توجد أية آية أخرى تؤيدها ، بل على العكس تماما ، فكل ما جاء بالكتاب المقدس عن المجيء الثاني يناقضها تماماً ) كتاب المجيء لأبو الخير ص 162 . ومع ان هذا الأستدلال للقس غير تام وغير صحيح لان سفر الرؤيا سفر مقدس وهو ضمن العهد الجديد وفيه العديد من العبارات الموافقة لنصوص العهد القديم والجديد سوية ، وعليه لا يمكن ان نشكك او نضعف عبارة فيه فقط لانها لا تتفق مع نظريتنا او عقيدتنا في المجيء الثاني ، لكن طريقة تفكير القس ابو الخير اكثر رزانة من طريقة القديس اوغسطونيوس الذي يحل الموضوع رياضيا" واجتهاديا" ، والأعجب من ذلك ان هذه الطريقة الرياضية لم تندثر اوتندرس عبر التاريخ بل كانلالها نمو واستمرارية عبر العصور والقرون اللاحقة حيث وجدتها تماما" في كتاب الانبا شنودة اللاهوت المقارن ج1 بنفس الكيفية والطرح ، يقول : (كلمة (ألف سنة) هي تعبير رمزي. لا تؤخذ بالمعني الحرفي إطلاقًا. فرقم 10 يرمز إلي الكمال (انظر كتاب البابا شنوده الثالث: الوصايا العشر). ورقم ألف هو 10×10×10 أي مضاعفات هذا الرقم. والقديس بطرس الرسول يقول (لا يخفي عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء: أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد) (2بط8:3). فالألف سنة هي فترة غير محدودة، مثلها مثل أيام الخليقة الستة، والقياس مع الفارق. وهي الفترة من الصليب، حتى يحل الشيطان من سجنه (رؤ6:20)...) اللاهوت المقارن ج1 ص ؟
ومن الواضح ان وجود عبار الألف سنة قد سببت ارباكا" كبيرة للقائلين بهذه النظرية الروحية لانها عكس مجرى وتوجه الكنيسة الروحية ، اذ من الممكن ان تعطي تفسيرا" رمزيا" لكل النصوص الحاكية عن ملك المسيح على الأرض – مع خطأ ذلك- وتتعامل مع النبؤات من وجهة نظر روحية وتقنع العديد من ابناء المسيحية البسطاء وحتى المثقفين بهذه الأطروحة ، مع تعذر ذلك بوجود النص الصريح للملك الأرضي في مواضع كثيرة من الكتاب ، الا ان المراوغة في التفسير والتعامل مع النصوص ايسر بوجه من الوجوه من الأصطدام بعبارة تحديد الف سنة للحكم الموعود ، خاصة" مع مرور اكثر من الفي عام على صلب المسيح وهو ما يكون مخالف للاطروحة ، اذ يكون على هذا الأساس ان حكم المسيح يجب ان ينتهي بعد مرور الألف الأول وسيحل الشيطان من بعد انقضائها ، ولكن القول ان الألف هي كناية عن الكثرة وهي لا تعني بالضبط هذا العدد ، هي حيلة ماكرة وطريقة ذكية للتملص من حاكمية النص الأنجيلي وتحديد مدة الملك الموعود ، وقد ابدعها القديس اوغسطونيوس في القرن الثالث ومهد لها تمهيدا" متقنا" ، وثبتها الآباء اللاحقين جيلا" بعد جيل حتى اصبحت اليوم من المسلمات التي لا غبار عليها في ثقافة المسيحي المعاصر .
عن كتاب (المسيح قادم في العراق) / بقلم تلامذة السيد المسيح
تعليق