مدى صحة عبارة (الرب ملك على خشبة) !
عندما تصفحت موقع الانبا شنودة فيما يخص موضوع ملك المسيح ، وجدته استدل بآية من الكتاب يفترض انها مقتبسة من المزمور 96 او 95 على اختلاف الترتيب بين الطبعات ، وقد وجدنا ان كلمة (خشبة) ليس لها وجود اصلا" في طبعات الكتاب المقدس اليوم ، وانا كمسيحي عراقي املك نسخة من الكتاب المقدس طبعة مصر الصادرة عن دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط لعام 2003 ولدي نسخة اضافية الكترونية على جهاز الآيباد ، المفارقة اني لم اجد في الكتابين او النسختين اي وجود لكلمة "خشبة" مما دفعني للبحث والتنقيب، في الشبكة العنكبويتة لأصدم ان هذه المسالة معروفة ومشهورة على الأقل في الوسط الديني وليس بين جميع عوام الناس وبسطائهم امثالنا ، لكن الانبا شنودة يصرح بها ويذكرها " الخشبة" وكانها من المسلمات ، مع انها بعد البحث تبين انها مسالة خلافية بين الوسط الديني ، ويرجع اصل الخلاف الى ادعاء آباء الكنيسة القدامى وجوها في الترجمة السبعينية الأصلية ، ولكن ما هي الترجمة السبعينية ؟..لمن لا يعرفها من قراءنا نعطيه نبذة مختصرة ، نقول إن الترجمة السبعينية لكتب العهد القديم من العبرية إلى اليونانية وثيقة تاريخية مهمة ليست كغيرها من ترجمات العهد القديم لأنها بمثابة "الأصل" لكل النسخ المعتمدة في الكنيسة الكاثوليكية، أكبر كنائس الديانية المسيحية، بل هي الأصل المباشر للترجمة اللاتينية اللاحقة المعروفة باسم Vulgata والتي منها ترجمت أسفار العهد القديم إلى لغات الأمم التي تدين بالكاثوليكية.
وأُبسِّط في تقديم المادة إفادةً للإخوان غير المتخصصين:
أولاً: كانت العبرية التوراتية مستعملة حتى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد. بادت العبرية التوراتية كلغة محكية، وأصبحت لغة دينية فقط لا يفهمها إلا الأحبار، وحلّت الآرامية محلها بالتدريج، وبقي الحال هكذا حتى قام الإسكندر المقدوني باحتلال المشرق وبناء الإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد. سكن الاسكندرية، فيمن سكنها، طائفة من اليهود الذين أصبحوا يتحدثون باليونانية. استعجم كتاب العهد القديم على هذه الطائفة اليهودية الساكنة في الإسكندرية لأن أفرادها صاروا يتحدثون اليونانية في وقت أصبحت العبرية فيه لغة دينية فقط لا يفهمها إلا الأحبار. قام هؤلاء الأحبار بترجمة أسفار العهد القديم إلى اليونانية. تسمى هذه الترجمة بالترجمة السبعينية (Septuaginta)، وهي أقدم ترجمة لكتاب العهد القديم إلى لغة أخرى.
إذاً ترجم اليهود كتاب العهد القديم إلى اليونانية لاستعمالهم الديني المخصوص بهم وذلك قبل ظهور الديانة المسيحية. فالترجمة إذاً حرفية وشملت كل الكتب التي كان كتاب العهد القديم يحتوي عليها آنذاك. وعليه فإن الترجمة السبعينية هي ترجمة يونانية للنص العبري للعهد القديم كما كان اليهود قنَّنوه واعتمدوه في القرن الثالث قبل الميلاد. ويحتوي هذا النص المعتمد لديهم على 47 سفراً.
ثانياً: نشأت الديانة المسيحية التي ترى في كتاب العهد القديم البعد التاريخي واللاهوتي لها، وأدّى هذا المعتقد إلى تشويش الأمر الديني لدى اليهود، لأن الديانة المسيحية تقسم التاريخ البشري إلى عهدين كبيرين: العهد القديم وهو عند المسيحيين العهد الذي اصطفى الله فيه آل إسرائيل والذي كان بمثابة التمهيد لمجيء المسيح عليه السلام، الذي افتتح بمجيئه عهداً جديداً للبشرية أنهى العهد العهد القديم وألغى اصطفاء الله آل إسرائيل ... وأضافت العقيدة المسيحية المتعلقة بالخطيئة الأزلية بعداً دينياً عميقاً لهذا الفصل ين العهدين. وغني عن التعريف أن اليهود لا يسمون كتب العهد القديم بالعهد القديم لأنهم لا يؤمنون بالتصنيف المسيحي لديانتهم أو كتبهم ولا يؤمنون بمبدأ النسخ على الإطلاق، بل يسمونه بأسماء كثيرة أشهرها "تاناخ" (كلمة مكونة من أحرف أجزاء العهد القديم الثلاثة: التوراة، الأنبياء، الكتب) أو "مِقرأ" (اسم الآلة من "قرأ"). وقد مر معنا في مداخلة سابقة أن اليهود المستعربين كانوا يسمون كتاب العهد القديم "بالقرآن". ومن الجدير بالذكر أن الديانة المسيحية ركّزت على تلك الأسفار من العهد القديم التي ارتأت فيها تبشيراً بمجيء المسيح عليه السلام، مثل كتاب "نبوءة عيسى بن سيراخ" وغيره مما اصطلح فيما بعد على تسميته أو تسمية بعضه بالأبوكريفا أي "الأسفار الزائفة".
ثالثاً: سبب نشوء ديانة جديدة هي المسيحية واعتبارها أسفار اليهود المقدسة عهداً قديماً يمهد لعهد قديم ورطة كبيرة لليهود جعلتهم يراجعون أنفسهم. وأدت هذه المراجعة للذات التي أتت نتيجة للتطورات الدينية والسياسية الحاصلة آنذاك إلى إعادة تقنين كتب العهد القديم. أدت هذه العملية التي تمت في القرن الثاني للميلاد في اجتماع مشهور لأحبار اليهودية في مدينة يامنة في آسية الصغرى إلى إسقاط مجموعة من أسفار العهد القديم بحيث أصبح عدد أسفاره 36 سفراً بدلاً من 47 سفراً.
إذاً صار عندنا من الآن فصاعداً نصان للعهد القديم: واحد باليونانية، هو الترجمة السبعينية، مكون من 47 سفراً، وواحد بالعبرية، قُنِّنَ في القرن الثاني للميلاد، مكون من 36 سفراً.
رابعاً: اتخذ البروتستانت النص العبري للعهد القديم المكون من 36 سفراً نصاً معتمداً لهم، بينما اتخذ الكاثوليك النص اليوناني للعهد القديم المكون من 47 سفراً نصاً معتمداً لهم.
النتيجة المنطقية لحالة لاهوتية كهذه هي اتهام المسيحيين (ماعدا البروتستانت الذين أتوا متأخرين) لليهود بإسقاط الأسفار التي تنبأت بظهور المسيح عليه السلام من نصهم المعتمد من جهة، وتبرؤ اليهود التام من تلك الأسفار ورد الاتهام على المسيحين واتهام المسيحين بنحل تلك الأسفار وفبركتها ونسبتها إلى اليهود من جهة أخرى! وأتحفظ في هذا المجال على نسبة تلك الأسفار الزائدة أو المحذوفة بالأبوكريفا لأن الأبوكريفا مصطلح ديني أُدخِل في الاستعمال بعد ظهور المسيحية ولا ينطبق بحال على أسفار الترجمة السبعينية لأنها تمت قبل ظهور المسيحية بثلاثة قرون ولأن الأسباب العقائدية التي تدعو لاستعمال هذا المصطلح وتبرره كانت غير موجودة آنذاك .
ان نشوب الخلاف بين اليهود وبين المسيحيين من جهة ، وبين المسيحيين الآرذدوكس والكاثوليك وبين البروتستانت من جهة اخرى حول هذا الموضوع ، جعل العديد من المفاهيم الكتابية تصبح متباينة بين الطوائف المسيحية بشكل عام والديانتين بشكل اعم ، وبما ان كلامنا ليس عن عقيدة اليهود بل عن المسيحيين انفسهم ، فنقول ان عبارة (ملك على خشبة) ليست موجودة ضمن النسخ المتداولة للكتاب المقدس اليوم ، وهذا يثبت ان العبارة تلك ليست ثابتة ولا متثبت من صحتها لدى اكثر الطوائف ، ويبقى ان نقول انه لو كانت العبارة كما قراها الانبا هي من صميم الكتاب المقدس لما اقدمت دار الطباعة في مصر او لبنان او غيرها من دور النشر المسيحية على طباعة نسخة الكتاب كما هي اليوم وليس وفق الترجمة السبعينية محور الخلاف ، ومن حقنا ان نتسآءل عن سر عدم تغيير الطبعات المتداولة اليوم والتي توزع في الكنائس وتباع في المكتبات والمعارض الدولية بأتجاه الترجمة السبعينية الحقة كما يصرح الآباء ؟!...ولماذا تدع الكنيسة الراعية للمسيحية في العالم اليوم مجالا" او منفذا" يدخل من خلاله التشكيك والطعن في اصالة فكر الكنيسة ورجالاتها المقدسين لينخر ويضعف جسدها وهي تمثل ملكوت الله في الأرض كما يصورون لنا ؟!...كل هذه الأستفهامات بحاجة الى اجابة من قبل آباء الكنيسة من الطائفتين ، ويبقى الترجيح ان كلمة " خشبة" ليست موجودة اصلا" في المزمور ، وحتى لو كانت موجودة كما يقولون فلماذا ابني عقيدتي على نص مختلف فيه وغير ثابت بالكلية ؟...وهذه الطريقة في التفكير هي نفسها التي يستدل بها القس عبد المسيح بسيط ابو الخير في تضعيفه للحكم الألفي حيث قال هذه العبارة التي اوردناها مسبقا" لكن فقط للتذكير نقتبسها مرة ثانية : ( وسفر الرؤيا بطبيعته سفر رؤى يستخدم التعبيرات الرمزية والمجازية ، بل هو أكثر أسفار الكتاب المقدس في رمزيته وأسلوبه المجازى ، حيث يعتمد على الرمز والمجاز ، ويُفسر معظم ما جاء به بصورة رمزية ، وهذه الفقرة ، الخاصة بالملك الألفي ، بالذات من أكثر الفقرات التى أختلف حولها المفسرون عبر تاريخ الكنيسة ! فكيف تُبنى عقيدة على فقرة واحدة لا توجد أية آية أخرى تؤيدها ، بل على العكس تماما ، فكل ما جاء بالكتاب المقدس عن المجيء الثاني يناقضها تماماً ..) كتاب ابو الخير ص 162 ، ونحن بدورنا نقول للقس وللانبا شنودة ومن يتبنى فكرة الحكم الروحي : كيف تبنى عقيدة خطيرة ومفصلية مثل عقيدة ملك المسيح على نص واحد وهو غير موجود في النسخ المترجمة والمتداولة بيننا وفي داخل الكنائس والمدارس اليوم بل هو نص خلافي ، كيف تؤسس عليه فكرة حساسة من شانها ان تغير وجهة الأيمان المسيحي بالمجيء الثاني للمسيح ؟...اترك الاجابة للاخوة الاقراء الأعزاء .
عن كتاب (المسيح قادم في العراق) / بقلم تلامذة السيد المسيح
تعليق