وقد ذكر جملة من الباحثين منهم عباس الزيدي بعدم التعامل مع كتب الاديان السابقة بحساسية تجعلنا ننفر منها كل النفور فلا بد من وجود مشترك بين هذه الاديان وعلى مستويات مختلفه وذلك في قوله : (وعلى اية حال فليس علينا ان نتعامل كمسلمين بحساسية مفرطة تجاه الكتب السماوية بل علينا ان نقبل على الارث الديني لدى الديانات الاخرى ونتعامل معه (طولياً بصرف النظر عن التحريف في النص او التأويل فلا يمكن ان تكون هذه الاديان سماوية ولا يكون بينهما مشترك على مستوى التأريخ او العقائد او الفقه ..)(عباس الزيدي /المسيح المنتظر ص7)
اننا نرى في تأريخنا الاسلامي الكثير من المحاججات بين الائمة (عليهم السلام) وبين اهل الديانات ولم تكن هذه المحاججات مبنية على الفكر الاسلامي فحسب ولكنها كانت تدور في دائرة كتب هذه الديانات انفسها وهذا يدلنا على ان هذه الكتب حاوية على الكثير من الحقائق والتي بقيت بعيدة عن ايدي المحرفين ولو كانت هذه الكتب كما يزعم البعض قد مسها التحريف الكلي لما كان لآل الرسول (عليهم السلام) المحاججة بها على اهل هذه الديانات ومن هذه المناظرات ما ينقل في كتب الاخبار من محاججة الامام الرضا(عليه السلام) مع الجاثليق في احد مجالس المأمون العباسي حين سأل جاثليق النصارى الخليفة العباسي قائلاًً: (يا امير المؤمنين كيف احاج رجلاً يحتج علي بكتاب انا منكره ونبي لا اومن به؟، فقال له الرضا(عليه السلام) :يا نصراني ، فأن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به ؟، قال الجاثليق :وهل اقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم والله اقر به رغم انفي..)(عيون اخبار الرضا ج1 ص 156) ، بالأضافة الى ما قاله امير المؤمنين(عليه السلام) حول الحكم بين الاديان بقولهاما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بأنجيلهم وبين اهل الزبور بزبورهم وبين اهل الفرقان بفرقانهم..)البحار ج40 ص 144.
ان اسلوب الكتاب الذي بين ايدينا ليس هو المحاججة او المناظرة لكنني اوردت هذه الروايات التي تؤكد ان اهل البيت(عليه السلام) وهم الثقل الثاني بعد القرآن كما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هم ورثة الانبياء والرسل ويقيناً لذلك عندهم مواريث الانبياء ومنها الكتب السماوية كما انزلت ، لكنهم لم يديروا ظهورهم لما بين ايدي اهل الملل من الاسفار والكتب ، هذا يعني ان هذه الكتب لا تخلو من حق واضح كان الائمة(عليه السلام) يحتجون من خلاله ، فالكتب السماوية التي انزلها الله تعالى على رسله الذين اصطفاهم فيها الكثير من الاسرار والحقائق الالهية التي ربما لا تزال عذراء لم يفتضها بشر حتى اليوم نحتاج يقيناً الى المرور على اسفارها وفصولها وخصوصاً في قضية المخلص الذي وعدت به الاديان لكي ينقذ العالم والمظلومين من الشر والفساد في آخر الزمان ، ولقد بقيت اكثر معالم تلك القضية المفصلية من مستقبل البشرية مكتسية بثوب الغيبية والغموض وليس ذلك الا لحفظها من الأعداء ولكي يتم وعد الله عز وجل لعباده الصالحين من تمكينهم في الارض بعد ان كانوا مستضعفين .
واخيراً لا املك ان اقول سوى ان اي عمل بشري لا يخلو من السهو والنسيان والخطأ فأطلب المعذرة من الله والامام الحجة(عجل الله فرجه الشريف) والمؤمنين اذا ما كان البحث فيه شيء من التقصير والقصور واسأل الله تعالى ان يمكننا من خدمة مولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) بكل ما اوتينا من مقدرة وامكانية حتى تكتحل عيون المؤمنين بالطلعة الغراء للولي الطاهر(عليه السلام) .يحيى ام يوحنا ؟ اسم (يوحنا) هو اللفظ العبري لأسم نبي الله يحيى بن زكريا(عليه السلام) وكما ورد في الانجيل ، ومعنى اسم (يوحنا) هو (الرب حنان)⁽¹⁾وقد انفرد النبي يحيى(عليه السلام) بالحنان اللدني الذي خصه الله تعالى له في القرآن بقولهوحناناً من لدنا وزكاةً وكان تقياً)مريم الآية13 ،كما انفرد العبد الصالح (الخضر-ع-) بالعلم اللدني وكما انفرد القائم(عجل الله فرجه الشريف) في آخر الزمان بالحرب اللدنية(راجع موسوعة القائم)سمي بالمعمدان لانه كان يعمد اليهود بالماء في نهر الاردن /قبيل دعوة السيد المسيح(عليه السلام) في اورشليم (القدس)، وهو يعتبر احد أنبياء العهد القديم ويحظى بقدسية غير مسبوقة لدى المسيحيين وبمحبة وتبجيل عظيمين والسبب يعود الى كونه هو من عمد السيد المسيح(عليه السلام) وكان صاحب البشارة العظيمة في أوساط المجتمع اليهودي يومئذ بظهور المسيح المخلص لليهود والعالم على حد سواء. ارتبط اسمه بشكل كبير بما سماه (معمودية التوبة) على الرغم من ان التعميد² لم يكن جديداً في الديانة اليهودية حيث كان اليهود يعمدون كل من يدخل الى ديانتهم ، وكان الغريب والمفاجئ ان يقوم رجل دين و(كاهن) يهودي يتبع ناموس موسى –أي شريعة موسى- بتعميد الذين هم في أوساط الديانة اليهودية وهذا ما فعله يحيى(يوحنا) ، رجل بدا كل شيء فيه غريباً بدءاً من مولده من ابيه النبي زكريا(عليه السلام) وامه(اليصابات) بعد ان بلغا الكبر مروراً بالحياة الصوفية الخشنة التي قضاها في اروقة المعابد صغيراً والبرية او الصحراء كبيراً انتهاءاً بمقتله المأساوي على يد طاغية زمانه (هيرودس) الحاكم الروماني لتكون له سنة من سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين(عليه السلام) فكلاهما ذبيح قد قطع رأسه.
بعد كل تلك القرون التي مضت على زمن ذلك الرجل العظيم في تأريخ الإنسانية يقف التأريخ اجلالاً له ليس لسبب تضحيته بالذات فحسب ، بل للبشارة العظيمة التي ما زال صداها حتى اليوم يصدح في مسامع البشرية ...(اعدوا الطريق للرب) متي 3: 3 ..هو من تنبأ بظهوره النبي (اشعياء) ⁽³⁾ في كتاب العهد القديم بقولهصوت صارخ في البرية ينادي اعدوا الطريق للرب الهنا) ، وهو من وصفه القرآن انه صدق بالسيد المسيح في قوله تعالى ومصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين)⁽⁴⁾ لاقى النبي يحيى (عليه السلام) اشد العداء من قبل رجال الدين آنذاك بسبب اعماله وبشارته بالمسيح (عليه السلام) على الرغم من انتماءه مبدئياً للمعبد اليهودي كما كان أبوه زكريا(عليه السلام) من قبل ، الا ان المسار الذي اختطه لنفسه ومن خلفه وحي السماء ونور النبوة خلق له تلك الجبهة المعارضة من شبكة رجال الدين المنتفعين من حكم الرومان و سلطة المعبد ليقودوا بشكل او بآخر إستراتيجية مقتله المؤلم ليلاقي مصيره الذي لم يكن ببعيد عن مشهد مقتل أبيه زكريا(عليه السلام) في جذع شجرة بين المذبح والهيكل.
اي جرم عظيم وأي وجه قبيح وأيادي ملوثة لأولئك الذين جلسوا على كراسي الأنبياء وخدعوا الناس باسم أولاد إبراهيم وأنهم أحق أناس بخلافة الأنبياء والرسل فلم يكفهم اكل السحت وملأ البطون حراماً من ارث الرسل واموال الفقراء بل تعدوه الى الذنب الاكبر الذي بكته السماوات والارض حيث اسالوا دماء الصديقين الزاكية ، لكنها سنة الله التي خلت في الامم من قبل ان يقتل اطهر الخلق على يد اشر الناس ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً.
يوحنا او يحيى..هو الشاهد للحق كما يذكر الإنجيل انه شهد لعيسى (عليه السلام) بأكثر من شهادة :--شهد بانه جاء ليهيء الطريق للمسيح المنتظر اذ كان دوماً ما يردد نبوة النبي اشعياء : (صوت مناد في البرية ينادي : اعدوا طريق الرب واجعله سبله مستقيمة)⁽⁵⁾(1) التفسير التطبيقي للعهد الجديد ص 200
(2) التعميد : هو التغطيس بالماء ، والكلمة اليونانية للمعمودية فى العهد الجديد هي Baptisma والتي تعني ً غمر- تغطيس ً الفعل لهذه الكلمة يعنى ً يغمس- يغرق ً. أمر ملفت للنظر بخصوص هذه الكلمة عندما بحثت عنها فى قاموس Viens اليوناني. اليونان استخدموا هذه الكلمة فى صبغ القماش بلون مختلف ( بتغطيس القماش فى الصبغة). كما استخدمت هذه الكلمة فى الإشارة إلى غمر إناء فى الماء فى إناء آخر لملئه بالماء ( إناء فى إناء آخر مليء بالماء). كلمة يعمد تعني ًغمرًعلامة التطهير وهو طقس قديم يرجع الى ايام العهد القديم الذي سبق ظهور النبي يحيى(عليه السلام)( حيث كان اليهود كثيراً ما يعمدون الأمميين المهتدين الى اليهودية ، اما تعميد اليهودي كعلامة على التوبة فكان ابتعاداً جذرياً عن العادة اليهودية ،وقد اخذ يوحنا عادة معروفة واظفى عليها معنى جديداً..) انظر التفسير التطبيقي للعهد الجديد ص 121 .
(3)اشعياء:احد انبياء العهد القديم العظام ويخصص النصف الثاني من سفر اشعياء لوعد الخلاص حيث تنبا اشعيا بمجيء المسيح وبمجيء الرجل الذي سيقدمهوهو يوحنا المعمدان.(التفسير التطبيقي للعهد الجديد –ص120)
(4)آل عمران الآية 39
(5)مرقس 1: 3-4
-شهد بانه عبد وخادم للسيد المسيح (عليه السلام) ً: (ولكن الذي يأتي بعدي هو اقوى مني الذي لست اهلاً ان احل رباط حذائه)⁽¹⁾
-شهد للمسيح بانه سيرفع الخطايا عن العالم : (هو ذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم)⁽²⁾لقد كان ابرز معالم حركته هو تزامنها مع حركة النبي عيسى(عليه السلام) فكلاهما نشا في عصر واحد معا لالتفات الى أسبقية يحيى (عليه السلام) في الظهور والدعوة ، وقد سبق في تأريخ أنبياء العهد القديم تزامن نبؤتان في وقت واحد مثل نبوءة إبراهيم ولوط ونبوة موسى وهارون ونبوءة يعقوب ويوسف(عليهم جمعين السلام) وغيرهما كثير ، وغالباً ما تكون النبوءات المتزامنة ملتحمة فيما بينها من حيث النشوء والترتيب والأهداف والنتائج بحسب ما يقتضيه التخطيط الالهي ولعل نبوءة يحيى وعيسى المسيح(عليه السلام) من اكثرهن تميزاً وتأثيراً في النفوس اذ كانت حركة يوحنا بمثابة الاعلان عن قرب ظهور المخلص الذي ينتظره اليهود منذ فترة ليست بقليلة ، ومن يتصفح فصول الانجيل يجد عبارة سبق لها ان استوقفت العديد من الباحثين وهي تخص اللحظة التي يرسل بها يحيى –وهو في داخل السجن- تلاميذه المقربين منه ليوجهوا رسالة للسيد المسيح(عليه السلام) تضم بين طياتها سؤال مهم انت هو الآتي؟ام ننتظر آخر؟)⁽³⁾ فيكون ذلكم الاستفهام غريباً نوعاً ما على اعتبار ان يحيى(عليه السلام) هو نبي مؤيد من السماء فكيف لا يمكنه ان يتعرف على شخص السيد المسيح!..وهو نفسه قد شهد لعيسى بن مريم (عليه السلام) من قبل بكل تلك الشهادات امام الجموع وامام التلاميذ!..وهو اول من سجد للمسيح(عليه السلام) وصدق به وكان لا يزال في بطن امه قبل ان يبصرعالم الدنيا!⁽⁴⁾، هل كان يقصد اختبار تلاميذه في طريقة التعرف على الحجة من غيره؟...انها اسئلة كانت ولا زالت في اذهان الكثير ممن قرأ صفحات الانجيل.
من بين كل تلك الاسئلة العديدة والوقفات اللافتة من سيرة حياة ذلك القديس هنالك اكثر من رحلة تستحق ان نمضي فيها بهدف الاحاطة ولو النسبية بشخصية البحث لنصل في النهاية الى مقاصدنا الرامية لتوعية القاريء اللبيب واستسقاء المعين النظر من صفحات التأريخ الذي لا تزال اسفاره تكشف لنا الحقائق المجهولة وتنير اذهاننا المتعطشة لتقفي اثر خطى الولي الطاهر منجي البشرية ومخلصها من التيه والضلال بقية الله في ارضه-روحي فداه-، ونحن في الفصول القادمة من هذا الكتاب سنحاول قدر المستطاع تفصيل ملامح هذه الشخصية الفذة مع تعذر ذلك الا بتوفيق من الله ورسوله وأهل البيت (عليه السلام) لا سيما صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف).
اننا نرى في تأريخنا الاسلامي الكثير من المحاججات بين الائمة (عليهم السلام) وبين اهل الديانات ولم تكن هذه المحاججات مبنية على الفكر الاسلامي فحسب ولكنها كانت تدور في دائرة كتب هذه الديانات انفسها وهذا يدلنا على ان هذه الكتب حاوية على الكثير من الحقائق والتي بقيت بعيدة عن ايدي المحرفين ولو كانت هذه الكتب كما يزعم البعض قد مسها التحريف الكلي لما كان لآل الرسول (عليهم السلام) المحاججة بها على اهل هذه الديانات ومن هذه المناظرات ما ينقل في كتب الاخبار من محاججة الامام الرضا(عليه السلام) مع الجاثليق في احد مجالس المأمون العباسي حين سأل جاثليق النصارى الخليفة العباسي قائلاًً: (يا امير المؤمنين كيف احاج رجلاً يحتج علي بكتاب انا منكره ونبي لا اومن به؟، فقال له الرضا(عليه السلام) :يا نصراني ، فأن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به ؟، قال الجاثليق :وهل اقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم والله اقر به رغم انفي..)(عيون اخبار الرضا ج1 ص 156) ، بالأضافة الى ما قاله امير المؤمنين(عليه السلام) حول الحكم بين الاديان بقولهاما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بأنجيلهم وبين اهل الزبور بزبورهم وبين اهل الفرقان بفرقانهم..)البحار ج40 ص 144.
ان اسلوب الكتاب الذي بين ايدينا ليس هو المحاججة او المناظرة لكنني اوردت هذه الروايات التي تؤكد ان اهل البيت(عليه السلام) وهم الثقل الثاني بعد القرآن كما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هم ورثة الانبياء والرسل ويقيناً لذلك عندهم مواريث الانبياء ومنها الكتب السماوية كما انزلت ، لكنهم لم يديروا ظهورهم لما بين ايدي اهل الملل من الاسفار والكتب ، هذا يعني ان هذه الكتب لا تخلو من حق واضح كان الائمة(عليه السلام) يحتجون من خلاله ، فالكتب السماوية التي انزلها الله تعالى على رسله الذين اصطفاهم فيها الكثير من الاسرار والحقائق الالهية التي ربما لا تزال عذراء لم يفتضها بشر حتى اليوم نحتاج يقيناً الى المرور على اسفارها وفصولها وخصوصاً في قضية المخلص الذي وعدت به الاديان لكي ينقذ العالم والمظلومين من الشر والفساد في آخر الزمان ، ولقد بقيت اكثر معالم تلك القضية المفصلية من مستقبل البشرية مكتسية بثوب الغيبية والغموض وليس ذلك الا لحفظها من الأعداء ولكي يتم وعد الله عز وجل لعباده الصالحين من تمكينهم في الارض بعد ان كانوا مستضعفين .
واخيراً لا املك ان اقول سوى ان اي عمل بشري لا يخلو من السهو والنسيان والخطأ فأطلب المعذرة من الله والامام الحجة(عجل الله فرجه الشريف) والمؤمنين اذا ما كان البحث فيه شيء من التقصير والقصور واسأل الله تعالى ان يمكننا من خدمة مولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) بكل ما اوتينا من مقدرة وامكانية حتى تكتحل عيون المؤمنين بالطلعة الغراء للولي الطاهر(عليه السلام) .يحيى ام يوحنا ؟ اسم (يوحنا) هو اللفظ العبري لأسم نبي الله يحيى بن زكريا(عليه السلام) وكما ورد في الانجيل ، ومعنى اسم (يوحنا) هو (الرب حنان)⁽¹⁾وقد انفرد النبي يحيى(عليه السلام) بالحنان اللدني الذي خصه الله تعالى له في القرآن بقولهوحناناً من لدنا وزكاةً وكان تقياً)مريم الآية13 ،كما انفرد العبد الصالح (الخضر-ع-) بالعلم اللدني وكما انفرد القائم(عجل الله فرجه الشريف) في آخر الزمان بالحرب اللدنية(راجع موسوعة القائم)سمي بالمعمدان لانه كان يعمد اليهود بالماء في نهر الاردن /قبيل دعوة السيد المسيح(عليه السلام) في اورشليم (القدس)، وهو يعتبر احد أنبياء العهد القديم ويحظى بقدسية غير مسبوقة لدى المسيحيين وبمحبة وتبجيل عظيمين والسبب يعود الى كونه هو من عمد السيد المسيح(عليه السلام) وكان صاحب البشارة العظيمة في أوساط المجتمع اليهودي يومئذ بظهور المسيح المخلص لليهود والعالم على حد سواء. ارتبط اسمه بشكل كبير بما سماه (معمودية التوبة) على الرغم من ان التعميد² لم يكن جديداً في الديانة اليهودية حيث كان اليهود يعمدون كل من يدخل الى ديانتهم ، وكان الغريب والمفاجئ ان يقوم رجل دين و(كاهن) يهودي يتبع ناموس موسى –أي شريعة موسى- بتعميد الذين هم في أوساط الديانة اليهودية وهذا ما فعله يحيى(يوحنا) ، رجل بدا كل شيء فيه غريباً بدءاً من مولده من ابيه النبي زكريا(عليه السلام) وامه(اليصابات) بعد ان بلغا الكبر مروراً بالحياة الصوفية الخشنة التي قضاها في اروقة المعابد صغيراً والبرية او الصحراء كبيراً انتهاءاً بمقتله المأساوي على يد طاغية زمانه (هيرودس) الحاكم الروماني لتكون له سنة من سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين(عليه السلام) فكلاهما ذبيح قد قطع رأسه.
بعد كل تلك القرون التي مضت على زمن ذلك الرجل العظيم في تأريخ الإنسانية يقف التأريخ اجلالاً له ليس لسبب تضحيته بالذات فحسب ، بل للبشارة العظيمة التي ما زال صداها حتى اليوم يصدح في مسامع البشرية ...(اعدوا الطريق للرب) متي 3: 3 ..هو من تنبأ بظهوره النبي (اشعياء) ⁽³⁾ في كتاب العهد القديم بقولهصوت صارخ في البرية ينادي اعدوا الطريق للرب الهنا) ، وهو من وصفه القرآن انه صدق بالسيد المسيح في قوله تعالى ومصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين)⁽⁴⁾ لاقى النبي يحيى (عليه السلام) اشد العداء من قبل رجال الدين آنذاك بسبب اعماله وبشارته بالمسيح (عليه السلام) على الرغم من انتماءه مبدئياً للمعبد اليهودي كما كان أبوه زكريا(عليه السلام) من قبل ، الا ان المسار الذي اختطه لنفسه ومن خلفه وحي السماء ونور النبوة خلق له تلك الجبهة المعارضة من شبكة رجال الدين المنتفعين من حكم الرومان و سلطة المعبد ليقودوا بشكل او بآخر إستراتيجية مقتله المؤلم ليلاقي مصيره الذي لم يكن ببعيد عن مشهد مقتل أبيه زكريا(عليه السلام) في جذع شجرة بين المذبح والهيكل.
اي جرم عظيم وأي وجه قبيح وأيادي ملوثة لأولئك الذين جلسوا على كراسي الأنبياء وخدعوا الناس باسم أولاد إبراهيم وأنهم أحق أناس بخلافة الأنبياء والرسل فلم يكفهم اكل السحت وملأ البطون حراماً من ارث الرسل واموال الفقراء بل تعدوه الى الذنب الاكبر الذي بكته السماوات والارض حيث اسالوا دماء الصديقين الزاكية ، لكنها سنة الله التي خلت في الامم من قبل ان يقتل اطهر الخلق على يد اشر الناس ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً.
يوحنا او يحيى..هو الشاهد للحق كما يذكر الإنجيل انه شهد لعيسى (عليه السلام) بأكثر من شهادة :--شهد بانه جاء ليهيء الطريق للمسيح المنتظر اذ كان دوماً ما يردد نبوة النبي اشعياء : (صوت مناد في البرية ينادي : اعدوا طريق الرب واجعله سبله مستقيمة)⁽⁵⁾(1) التفسير التطبيقي للعهد الجديد ص 200
(2) التعميد : هو التغطيس بالماء ، والكلمة اليونانية للمعمودية فى العهد الجديد هي Baptisma والتي تعني ً غمر- تغطيس ً الفعل لهذه الكلمة يعنى ً يغمس- يغرق ً. أمر ملفت للنظر بخصوص هذه الكلمة عندما بحثت عنها فى قاموس Viens اليوناني. اليونان استخدموا هذه الكلمة فى صبغ القماش بلون مختلف ( بتغطيس القماش فى الصبغة). كما استخدمت هذه الكلمة فى الإشارة إلى غمر إناء فى الماء فى إناء آخر لملئه بالماء ( إناء فى إناء آخر مليء بالماء). كلمة يعمد تعني ًغمرًعلامة التطهير وهو طقس قديم يرجع الى ايام العهد القديم الذي سبق ظهور النبي يحيى(عليه السلام)( حيث كان اليهود كثيراً ما يعمدون الأمميين المهتدين الى اليهودية ، اما تعميد اليهودي كعلامة على التوبة فكان ابتعاداً جذرياً عن العادة اليهودية ،وقد اخذ يوحنا عادة معروفة واظفى عليها معنى جديداً..) انظر التفسير التطبيقي للعهد الجديد ص 121 .
(3)اشعياء:احد انبياء العهد القديم العظام ويخصص النصف الثاني من سفر اشعياء لوعد الخلاص حيث تنبا اشعيا بمجيء المسيح وبمجيء الرجل الذي سيقدمهوهو يوحنا المعمدان.(التفسير التطبيقي للعهد الجديد –ص120)
(4)آل عمران الآية 39
(5)مرقس 1: 3-4
-شهد بانه عبد وخادم للسيد المسيح (عليه السلام) ً: (ولكن الذي يأتي بعدي هو اقوى مني الذي لست اهلاً ان احل رباط حذائه)⁽¹⁾
-شهد للمسيح بانه سيرفع الخطايا عن العالم : (هو ذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم)⁽²⁾لقد كان ابرز معالم حركته هو تزامنها مع حركة النبي عيسى(عليه السلام) فكلاهما نشا في عصر واحد معا لالتفات الى أسبقية يحيى (عليه السلام) في الظهور والدعوة ، وقد سبق في تأريخ أنبياء العهد القديم تزامن نبؤتان في وقت واحد مثل نبوءة إبراهيم ولوط ونبوة موسى وهارون ونبوءة يعقوب ويوسف(عليهم جمعين السلام) وغيرهما كثير ، وغالباً ما تكون النبوءات المتزامنة ملتحمة فيما بينها من حيث النشوء والترتيب والأهداف والنتائج بحسب ما يقتضيه التخطيط الالهي ولعل نبوءة يحيى وعيسى المسيح(عليه السلام) من اكثرهن تميزاً وتأثيراً في النفوس اذ كانت حركة يوحنا بمثابة الاعلان عن قرب ظهور المخلص الذي ينتظره اليهود منذ فترة ليست بقليلة ، ومن يتصفح فصول الانجيل يجد عبارة سبق لها ان استوقفت العديد من الباحثين وهي تخص اللحظة التي يرسل بها يحيى –وهو في داخل السجن- تلاميذه المقربين منه ليوجهوا رسالة للسيد المسيح(عليه السلام) تضم بين طياتها سؤال مهم انت هو الآتي؟ام ننتظر آخر؟)⁽³⁾ فيكون ذلكم الاستفهام غريباً نوعاً ما على اعتبار ان يحيى(عليه السلام) هو نبي مؤيد من السماء فكيف لا يمكنه ان يتعرف على شخص السيد المسيح!..وهو نفسه قد شهد لعيسى بن مريم (عليه السلام) من قبل بكل تلك الشهادات امام الجموع وامام التلاميذ!..وهو اول من سجد للمسيح(عليه السلام) وصدق به وكان لا يزال في بطن امه قبل ان يبصرعالم الدنيا!⁽⁴⁾، هل كان يقصد اختبار تلاميذه في طريقة التعرف على الحجة من غيره؟...انها اسئلة كانت ولا زالت في اذهان الكثير ممن قرأ صفحات الانجيل.
من بين كل تلك الاسئلة العديدة والوقفات اللافتة من سيرة حياة ذلك القديس هنالك اكثر من رحلة تستحق ان نمضي فيها بهدف الاحاطة ولو النسبية بشخصية البحث لنصل في النهاية الى مقاصدنا الرامية لتوعية القاريء اللبيب واستسقاء المعين النظر من صفحات التأريخ الذي لا تزال اسفاره تكشف لنا الحقائق المجهولة وتنير اذهاننا المتعطشة لتقفي اثر خطى الولي الطاهر منجي البشرية ومخلصها من التيه والضلال بقية الله في ارضه-روحي فداه-، ونحن في الفصول القادمة من هذا الكتاب سنحاول قدر المستطاع تفصيل ملامح هذه الشخصية الفذة مع تعذر ذلك الا بتوفيق من الله ورسوله وأهل البيت (عليه السلام) لا سيما صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف).