السنن الإلهيـــــّـــة
من فـكــــر الــــسيـد ابـــي عبــــد اللــه الحــــــسيــــن القــحـــطــــانــي
إن جميع الأنبياء ينتظرون رؤية (اليوم الموعود), ذلك اليوم الذي مهدوا لقيامه, وأعدوا له, فهم ينتظرون ذلك المصلح والمنقذ الذي سيكون ممثلاً لكل الأنبياء في ذلك اليوم .
وهذا المصلح تجري عليه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيبته وأثناء قيامه , وهذا ما صرحت به الروايات الواردة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) .
فعن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إن للقائم منا غيبة يطول أمدها ,
فقلت له : يا بن رسول الله ولِمَ ذلك ؟
قال : لأن الله عز وجل أبى إلا أن تجري فيه سُنن الأنبياء في غيباتهم وإنه لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله تعالى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ} أي من كان قبلكم)( - بحار الأنوار.ج52) .
واعلم - عزيزي القارئ- إنه في نفس الوقت الذي يمر به الأمام (عليه السلام) عبر مراحل يكون قائماً فيها مقام الأنبياء ويكون ممثلاً لهم .
كذلك بالنسبة لهذه الأمة حيث تمر بعدة مراحل وأدوار ، ففي نفس الوقت الذي تجري فيه سُنة آدم (عليه السلام) على الأمام (عليه السلام) فإن الأمة تمر بنفس المرحلة التي مر بها قوم آدم (عليه السلام) .
وعندما تجري على المهدي (عليه السلام) سٌنة إبراهيم (عليه السلام) فإن الأمة يكون حالها آنذاك حال قوم إبراهيم (عليه السلام) .
وعندما يكون الإمام (عليه السلام) ممثلاً لجده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وتجري سُنته عليه تعيش الأمة الإسلامية مرحلة الجاهلية الثانية وعبادة الأصنام ، ولكنها هذه المرة أصنام بشرية .
إذن فإنه كما واجه الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أولئك القوم بالسيف , فإن المهدي (عليه السلام) سوف يواجه أمته بالسيف لإحقاق الحق ونشر الديانة المحمدية البيضاء والإسلام الجديد في كل أنحاء العالم .
إن هذا المعنى يظهر واضحاً في الحديث الشريف المروي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال :
(لتركبن سٌنةَ من كان قبلكم حذو النعلِ بالنعل والقذةِ بالقذة ولا تخطئون طريقتهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباعاً بباع حتى أن لو كان من قبلكم دخَلَ جحر ضب لدخلتموه)(تفسير القمي ج2 ص413 ) .
ويظهر واضحاً من هذا الحديث الشريف إن ما يجري في الأمم السابقة يجري في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ابتداءً من أهم الأمور وأخطرها وانتهاءً بأدق التفاصيل وأقلها وكل ما قامت به الأمم من تكذيب أنبيائهم وقتلها إياهم سوف يجري في هذه الأمة من دون اختلاف .
وبما إن التاريخ يعيد نفسه فقد جاء في الأحاديث الواردة عن النبي وأهل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في ما يكون عليه حال الأمة وما يجري عليها وما يكون منها : (إن آخر الأمة يتبع أولها) .
أي إن كل ما وقع من الأمة في صدر الإسلام يقع في آخر الزمان .
إن ما حدث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من انشقاق أدى إلى اغتصاب الحق الشرعي وتحويل خلافة الرسول إلى ملكية ووراثة وتفاصيل ذلك أشهر من أن يُذكر ويكاد يكون من الواضحات ، ويُذكر في الكثير من مصادر التاريخ .
فعن حذيفة بن اليمان , في حديث طويل : (....فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير ؟
قال (أي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ) : نعم وفيه دخن .
قلت : وما دخنه ؟
قال : قوم يستنون بغير سنتي , ويهدون بغير هديي , تعرف منهم وتنكر .
فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم ، دعاةُ على أبواب جهنم , مَن أجلبهم إليها قذفوه فيها)( صحيح مسلم.ج2 ص20 ) .
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي , ولا يستنون بسنتي , وسيقوم فيهم رجال , قلوبهم قلوب الشياطين , في جثمان أنس)( صحيح مسلم ج2 ) .
وحدث ما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) , فقد تلقفها بنو أمية تلقف الكرة , فحكموا البلاد والعباد وجاروا وظلموا وقتلوا أهل البيت وأتباعهم وأهل الحق من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن دالت دولتهم وقامت بعدهم دولة بني العباس .
وكلنا يعرف ما فعل بنو العباس بأهل البيت وشيعتهم ومواليهم , فقد اتخذوه الخلافة وراثة لهم وجرى على البلاد والعباد ما جرى على أيديهم وأكثر من ذلك , ثم زالت دولتهم بتسلط هولاكو والتتار وإنهاء الدولة العباسية الجائرة .
ودارت الأيام والسنين على أمة الإسلام وسجل التاريخ ما حدث في زمان هاتين الدولتين ومُلئت الكتب بما عملوا وأحدثوا وغيروا وتفننوا في القتل والظلم والاستئثار بمال الله وحق العباد وهذا الأمر موجود في جميع الدول والملل وعلى مر التاريخ .
ولكن ما يهمنا هو ما دار ويدور في دولة الإسلام والمسلمين وما يخص شيعة أهل البيت, خاصة من بعد الإمام علي (عليه السلام) إلى يومنا هذا .
وقد قَدَّرَ الله أمر تكرار هاتين الدولتين الظالم أهلها في عصر الظهور الشريف ، فيكون فعل الدولة الأموية الثانية والعباسية الثانية كفعل الدولتين الأوليتين حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وهذه تذكرة وتحذير عن الانسياق وراء سياسات هاتين الدولتين والعمل بترك النصرة لهما وإتباع طريق الحق والهداية
تعليق