اكبر جريمة حصلت بعد غصب حق امير المؤمنين
هي إدعاء الفقهاء النيابة عن الإمام المهدي (ع) زورا وكذبا
ان هذه الحركة الإجتهادية التي تزعم زمامها المحقق والعلامة استمرت بالتطور شيئاً فشيئاً على يد الفقهاء الذين تلو العلامة وكان من اشهر هؤلاء فخر الدين ï´؟أبن العلامة الحليï´¾ المتوفى سنة 771 هـ والشهيد الأول المتوفى سنة 876 هـ والفاضل المقداد المتوفى سنة 826 هـ وأبن فهد الحلي المتوفى سنة 841 هـ وغيرهم ممن كانوا في هذه العصور والذين ساهموا بشكل فعال في تغيير العديد من القواعد والإتيان بقواعد جديدة على الفكر الإمامي من خلال قراءة الأحاديث والأخبار بقراءة أخرى وكان هذا هو السبب الرئيسي في اختلافهم في الأصول، فكان كل فقيه يقرأ النص من زاوية فهمه ورأيه ولم تكن هنالك ضوابط لفهم النصوص ولعل أكثر التغيير الذي بدى واضحا في قراءة النصوص كان في زمن المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي المتوفى سنة 940 ه فقد بدأ هذا الشيخ بتفسير النصوص تفسيرا مغايرا لما عليه ثوابت السابقين حيث لم نشهد فقيهاً شيعياً أدعى النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ بالمعنى المتعارف عليه سبق الشيخ الكركي ولم تكن هذه الدعوى بالأساس من الشيخ وإنما هي عبارة عن منصب حكومي منحه الشاه طهماسب للشيخ الكركي سنة 930 هـ .
ذكر المحقق البحراني في كتابه لؤلؤة البحرين المحقق الكركي في قوله : ï´؟كان " المحقق " من علماء دولة الشاه طهماسب الصفوي ، جعل أمور المملكة بيده ، وكتب رقما إلى جميع الممالك بامتثال ما يأمر به الشيخ المذكور ، وأن أصل الملك إنما هو له ، لأنه نائب الإمام عليه السلام ، فكان الشيخ يكتب إلى جميع البلدان كتبا بدستور العمل في الخراج ، وما ينبغي تدبيره في شؤون الرعيةï´¾ï´؟ لؤلؤ البحرين - ص 152ï´¾.
وكما ذكر ذلك محقق كتاب رسائل الكركي في قوله : ï´؟ولما تولى الشاه طهماسب سنة 930 ه ، قرب المحقق الكركي ، ومنحه لقب نائب الإمامï´¾ï´؟ - جامع المقاصد - المحقق الكركي - ج 1 - تكملة مقدمة التحقيق- ص 31 - 32
وذكر الشيخ محمد الحسون محقق كتاب رسائل الكركي المناصب الحساسة التي كان يتقلدها المحقق الكركي منها : ï´؟الأمير ، وشيخ الإسلام في أصفهان ، ونائب الإمام ، والمفتي ، ومروج المذهب ، وشيخ الإسلام في طهران . وشغل الكركي منصب شيخ الإسلام في أصفهان زمن الشاه إسماعيل الصفوي وعند تولي الشاه طهماسب سنة 930 ه تولى الكركي منصب نائب الإمامï´¾ï´؟ - رسائل الكركي - المحقق الكركي - ج 1 - ص 28 ï´¾ .
وقبل أن نناقش هذه المسائل نحب أن نبين بعض معالم رجال الدولة الصفوية فقد تبدلت الاوضاع في زمن الشاه إسماعيل الصفوي وأصبحت الدولة تحاول تقمص الشرعية الدينية فقد أدعى الشاه إسماعيل الصفوي بانه التقى بالإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ واخذ الاجازة منه بالحرب ضد التركمان الذين كانوا حكاما لايران آنذاكï´؟ - تاريخ الشاه إسماعيل - ص 88 ï´¾.
ولم يتوقف الشاه إسماعيل بهذه الدعوى فقط بل زاد في قوله حتى أدعى بانه نائب الله وخليفة الرسول والأئمة الاثني عشر وممثل الإمام المهدي في غيبتهï´؟ - إيران في العصر الصفوي - راجر سيوري - ص 26ï´¾.
وبعد أن تولى الشاه طهماسب أبن الشاه إسماعيل زمام الحكم تخلى عن منصب نائب الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ الذي كان يدعيه والده ومنحه إلى الشيخ الكركي، والمحقق الكركي من جهته تقبل المنصب بكل رحابة صدر والعجيب انه أدعى بأن هذا المنصب متفق عليه عند الأصحاب وذلك في قوله : ï´؟اتفق أصحابنا رضوان الله عليهم على أن الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى ، المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية نائب من قبل أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل - وربما استثنى الأصحاب القتل والحدود مطلقا - فيجب التحاكم إليه ، والإنقياد إلى حكمه ، وله أن يبيع مال الممتنع من أداء الحق إن احتيج إليه ، ويلي أموال الغياب والأطفال والسفهاء والمفلسين ، ويتصرف على المحجور عليهم ، إلى آخر ما يثبت للحاكم المنصوب من قبل الإمام عليه السلام ï´¾ï´؟رسائل الكركي - المحقق الكركي - ج 1 - ص 142 ï´¾.
نقول : إن هذا الاتفاق لا ينفع في شيء ان لم يكن هنالك نص معتبر على ما قالوا به وقد احتج المحقق الكركي برواية عمر بن حنظلة والتي اقتطع منها ما يفيد اثبات ما يدعيه حيث قال ما هذا نصه : ï´؟والأصل فيه ما رواه الشيخ في التهذيب باسناد إلى عمر بن حنظلة ، عن مولانا الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال : ï´؟ أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا فارضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا ولم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد ، وهو راد على الله ، وهو على حد الشرك بالله ï´¾ï´؟- نفس المصدر السابق - ص 143 ï´¾.
قبل أن نناقش متن الرواية نحب أن نبين بأن هذه الرواية ضعيفة عند الأصولين لمجهولية عمر بن حنظلة حيث قال أصحاب الرجال عنه ما هذا نصه : ï´؟عمر بن حنظلة : العجلي يكنى أبا صخر كوفي - مجهول - من أصحاب الباقر والصادق ï´؟ ع ï´¾ ï´¾ï´؟ - المفيد من معجم رجال الحديث - محمد الجواهري - ص 425ï´¾.
وقالوا أيضاً : ï´؟ نسب للمشهور من الأصحاب عدم توثيق عمر بن حنظلة ولا الاعتداد بهï´¾ï´؟ - بحوث في فقه الرجال - تقرير بحث الفاني لمكي - ص 213
هذا من حيث السند علما بأن الأصوليون لا يقبلون الروايات الضعيفة في باب الطهارة والنجاسة فكيف قبلوا هذه الرواية ولقبوها بالمقبولة ؟!
أما إذا ناقشنا متنها فنقول : ان المحقق قد اقتطع صدر الرواية وإليكم النص الذي رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام عن عمر بن حنظلة قال : ï´؟سألت أبا عبد الله ï´؟عليه السلامï´¾ عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك ؟ فقال ï´؟عليه السلامï´¾ : من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتاً لأنه اخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله عز وجل ان يكفر بها ، قلت : كيف يصنعان ؟ قال : انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد ، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله عز وجلï´¾ï´؟ - تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 6 - ص 218ï´¾.
.
نقول : إن الراوي قد حدد نقطة النزاع بين الطرفين وهي ï´؟الدَين والميراثï´¾ والدَين هنا بفتح الدال وجمعه ديون وليس دين أي بمعنى الاعتقاد كما توهم البعض والذي جمعه أديان فالامور التي وكل بها الراوي لحديث أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ حل الخلافات فيما يتعلق بالدَين والميراث والدليل على ذلك هو بقية الرواية فإننا حين نتأمل ألفاظها وهو قوله ï´؟عليه السلامï´¾ : ï´؟من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتاًï´¾.
وهذا ما يؤكد بأن النزاع يتعلق بأموال اما دَين أو ميراث كما ان قول الإمام ï´؟عليه السلامï´¾ يؤكد على مسألة الرجوع إلى راوي الحديث العالم بحلال أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ وحرامهم وليس إلى المجتهد في الأحكام الشرعية كما يقول المحقق الكركي فإن المجتهد يخطئ ويصيب في أحكامه ولذلك فإن قوله لا يمكن الوثوق به ولا يمكن اعتباره من أقوال العترة الطاهرة ï´؟عليهم السلامï´¾ لأن قول المجتهد في الأحكام الشرعية متأرجح بين الخطأ والصواب والشرط الذي وضعه الإمام الصادق ï´؟عليه السلامï´¾ للرجوع إلى الفقيه هو ان يكون ذلك الفقيه ممن قد روى حديث أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ وعلم حلالهم وحرامهم وعرف أحكامهم وفي هذه الحالة يكون الرد على قوله رد على أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ لأن قوله في حقيقة الأمر هو قول الأئمة ï´؟عليهم السلامï´¾ لأنه راوي لحديثهم ï´؟عليهم السلامï´¾ وليس قوله نابع من إجتهاده الشخصي فيجب التفريق بين المعنيين .
وبعد ما تقدم نحب أن نقول : إن مسألة النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ لم يدعيها الفقهاء في بادئ الأمر ولكن صدرت عن بلاط السلاطين واهديت بعدها إلى الفقهاء كما تهدى الهدايا والعطايا وبعد أن تقلدها الفقهاء من السلاطين قاموا بتأويل المعاني لكي يضيفوا إليها شيئاً من الشرعية الدينية وهذا ما حصل بالضبط في زمن المحقق الكركي فقد تقلد منصب نائب الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ من الشاه طهماسب بعد أن كان قد ادعاه الشاه إسماعيل والد الشاه طهماسب وكما مر ذكره .
إن هذا التغير الجوهري الذي حدث في زمن الدولة الصفوية لهو من المهازل الكبرى في تأريخنا الإسلامي فكيف يمكن ان يدعي شخصا النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ معتمدا على رواية ضعيفة السند في الأصول الرجالية الذي يعتمدها هو علاوة على كونها تتحدث عن نزاعات مالية بين شخصين وفيها تخصيص لحادثة معينة هي الدَين والميراث فكيف جاز لهم التعميم على غير هذا التخصيص، كما ان هذه الرواية بعيدة كل البعد عن ما يدعيه المحقق الكركي بل ان الفقهاء السابقين لم يذهبوا إلى ما ذهب إليه فهذا العلامة الحلي حين تعرض إلى مسألة صرف الزكاة في كتابه تحرير الأحكام قال : ï´؟يجوز للمالك أن يتولى التفرقة بنفسه ، ويستحب صرفها إلى الإمام أو نائبه ، ولو تعذر ، صرفت إلى الفقيه المأمون من الإمامية ï´¾ï´؟ تحرير الأحكام - العلامة الحلي - ج 1 - ص 430ï´¾.
وقول العلامة يفهم منه أن منصب النائب لم يكن موجودا بدليل قوله يستحب صرفها إلى الإمام أو نائبه ولو تعذر ذلك صرفت إلى الفقيه المامون فلم يعطي للفقيه النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ فتأمل.
لقد أصبحت نيابة الإمام سلعة يهديها من يشاء لمن يشاء فبعد أن قبلها المحقق الكركي قام باعطاء الشاه طهماسب اجازة بحكم البلاد نيابة عن نائب الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ كما يقول السيد نعمة الله الجزائري في كتابه شرح غوالي اللئالئ ما هذا نصه : ï´؟ لما قدم الشيخ الكركي إلى اصفهان وقزوين في عصر السلطان العادل طهماسب مكّنه من الملك والسلطان وقال له: أنت أحق بالملك لأنك النائب عن الإمام، وإنما أكون من عمالك، أقوم بأوامرك ونواهيك وقد أعطى الكركي الشاه طهماسب إجازة لحكم البلاد بالوكالة عن نفسه باعتباره نائبا عن الإمام المهدي، ولقبه الشاه بنائب الإمام وعينه ï´؟شيخا للإسلامï´¾ ï´¾
وذكر صاحب رياض العلماء حال المحقق الكركي عند الشاه طهماسب ما هذا نصه : ï´؟ واتصل بصحبة السلطان ï´؟الشاه طهماسب الصفوي ثاني سلاطين الصفويةï´¾ فكان معظما مبجلا في الغاية عند ذلك السلطان وقد عين له وظائف وادارات كثيرة ، حتى أنه قرر له سبعمائة تومانا في كل سنة بعنوان " السيور غال " في بلاد عراق العرب ، وكتب في ذلك حكماً وذكر فيه أسمه في نهاية الإجلال والإعظام ï´¾ï´؟ - رياض العلماء - ج 3 - ص 441 ï´¾.
إننا حين نقرأ هذا الكلام ننعصر حرقةً لمظلومية أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ بشكل عام والإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ بشكل خاص فكيف يمكن ان يتصور العقل هذا الاستخفاف بمنصب النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ حتى أصبحت بهذا الشكل المخزي الرخيص الذي يعطى كما تعطى المناصب الأخرى لمن يتقرب للسلاطين ، وكيف سكتت الإمامية على هذا الأمر وهم لم يشاهدوا أحداً من قدماء فقهاء الإمامية قد قال بهذا الكلام أو أدعى هكذا منصب .
وقد نقلنا ما ورد من الناحية المقدسة بحق الشيخ المفيد من الاطراء والمدح ولكنه رحمه الله لم يقل بهكذا أقوال ولم تنسب إليه أياً مما قاله المحقق الكركي وليس الأمر منحصرا بالشيخ المفيد بل لم يتجرأ أحد من الفقهاء على القول بانه نائب عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ بالمعنى الذي ذهب إليه المحقق كما ان موقف المحقق من السلاطين والرؤساء وتقربه إليهم فيه معارضة للنصوص الصريحة الوارد عن أئمة أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ والتي تتحدث عن عدم إتباع السلاطين والتقرب إليهم، كما انها قد خصت الفقهاء على وجه الخصوص فقد ورد عن السكوني ، عن أبي عبد الله ï´؟عليه السلامï´¾ قال : قال رسول الله ï´؟صلى الله عليه وآله وسلم تسليماï´¾ : ï´؟الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله : وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : إتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم ï´¾ï´؟ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 46ï´¾.
وجاء عن أبأن قال : سمعت أبا عبد الله ï´؟عليه السلامï´¾ يقول : ï´؟يا معشر الأحداث ! اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء وغيرهم حتى يصيروا أذنابا ، لا تتخذوا الرجال ولائج من دون الله ، انا - والله - خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده إلى صدره ï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
وجاء عن عبد الله بن مسكان قال : سمعت أبا عبد الله ï´؟عليه السلامï´¾ يقول : ï´؟إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك ï´¾ï´؟ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 297
والروايات بهذا المعنى كثيرة جداً فكيف جاز لنا مخالفة النص الصريح والعمل بما يعارض أخبار أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ ووصاياهم والتي ملئها الخير والصواب لأتباعهم والانجرار وراء ما أتبعه السلاطين بل وموافقتهم على ظلمهم وأي ظلم أعظم من إدعاء النيابة عن خاتم الأوصياء دون دليل معتبر .
إننا حين نراجع هذه الحقبة الزمنية نجد ان التأريخ قد اعاد نفسه في ذلك الزمان وقد حصل ما يشبه الذي حصل في زمن الشيخ المفيد فقد ذكرنا ان الشيخ المفيد كان تليمذا لأبن الجنيد وكان من اشد المعارضين لإجتهادات أبن الجنيد وقياسه في أحكام الله وكتب في معرض الرد على استاذه الكتب والرسائل والحال هي في زمن المحقق الكركي فقد انتفض في ذلك الزمن جملة من الفقهاء لرد آراء الكركي وكان من اشهر هؤلاء المنتفضين تلميذه الفاضل الشيخ إبراهيم القطيفي والذي ذكره المجلسي في قوله : ï´؟الشيخ إبراهيم القطيفي ï´؟رحمه الله ï´¾ كان في غاية الفضل ، وكان معاصرا للشيخ نور الدين المروج " الكركي " وكانت بينهما مناظرات ومباحثات كثيرة"ï´¾ï´؟ - بحار الأنوار – العلامة المجلسي - ج 1 ص 46ï´¾.ï´¾.
بعد تقرب الشيخ الكركي إلى بلاط السلاطين قام بتاليف كتابه المعروف بأسم ï´؟قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراجï´¾ وانتهى منه سنة 916هـ كما يقول العلامة الطهراني ويحتمل ان تكون فكرة هذا الكتاب قد جاءت من بلاط السلاطين أيضاً لما يتحقق لهم من فوائد مادية من الخراجات التي تجلب لصالح الدولة الصفوية .
وبعد أن انتهى المحقق الكركي من تاليف كتابه في السنة المذكورة عرض هذا الكتاب على تلميذهï´؟- الخراجيات - المحقق الكركي - ص 16) الشيخ الفاضل القطيفي فقال بانها اوهى من نسيج العنكبوت ودمع الشريعة الإسلامية على ما فيها ساكب وإليكم نص ما قاله الفاضل القطيفي بحق كتاب استاذه الكركي : ï´؟وإن بعض إخواننا في الدين ï´؟يعني المحقق الكركيï´¾ قد ألف رسالة في حل الخراج وسماها " قاطعة اللجاج " وأولى بأسمها أن يقال : مثيرة العجاج كثيرة الاعوجاج ! ولم أكن ظفرت بها مند ألفها إلا مرة واحدة في بلد " سمنان " وما تأملتها إلا كجلسة العجلان . وأشار إلى من يجب طاعته بنقضها ليتخلق من رآها من الناس برفضها ، فاعتذرت بأعذار لا نذكر الآن . وما بلغت منها حقيقة تعريضية بل تصريحية بأنواع التشنيع ومخالفته في ذلك . فلما تأملته الآن مع علمي بأن ما فيها أوهى من نسج العناكب ، فدمع الشريعة على ما فيها من مضادها ساكب ، وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض بل التصريح بما يكاد يخفى مقصده فيه على أهل البصائر ، ومن هو على حقائق أعوار المقاصد عائر . . فاستخرت الله تعالى على نقضها وإبانة ما فيها من الخلل والزلل ، ليعرف أرباب النظر من أهل العلم والعمل الحق فيتبعوه ، والباطل فيجتنبوه ، فخرج الأمر بذلك . . فألفت هذه الرسالة وجعلتها واضحة الدلالة ، وسميتها " السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج " . ومن الله تقدس أسمه أسأل العصمة في المقاصد والمصادر والمواردï´¾ï´؟ السراج الوهاج - الفاضل القطيفي - ص 12 - 13
وفي هذا المقام أيضاً قال القطيفي في معرض الرد رسالة المحقق الخراجية ما هذا نصه : ï´؟وإذا فرغت من هذه فأنا مشتغل بنقض رسالته " الخراجية " وكشف لبس ما رتبه فيها من المباحث الإقناعية " وهو مما يقضى منه العجب العجيب ، كما لا يخفى ذلك على الموفق الأريب ï´¾ï´؟ - نفس المصدر السابق - لؤلؤة البحرين :ص 162-161 ï´¾.
هي إدعاء الفقهاء النيابة عن الإمام المهدي (ع) زورا وكذبا
ان هذه الحركة الإجتهادية التي تزعم زمامها المحقق والعلامة استمرت بالتطور شيئاً فشيئاً على يد الفقهاء الذين تلو العلامة وكان من اشهر هؤلاء فخر الدين ï´؟أبن العلامة الحليï´¾ المتوفى سنة 771 هـ والشهيد الأول المتوفى سنة 876 هـ والفاضل المقداد المتوفى سنة 826 هـ وأبن فهد الحلي المتوفى سنة 841 هـ وغيرهم ممن كانوا في هذه العصور والذين ساهموا بشكل فعال في تغيير العديد من القواعد والإتيان بقواعد جديدة على الفكر الإمامي من خلال قراءة الأحاديث والأخبار بقراءة أخرى وكان هذا هو السبب الرئيسي في اختلافهم في الأصول، فكان كل فقيه يقرأ النص من زاوية فهمه ورأيه ولم تكن هنالك ضوابط لفهم النصوص ولعل أكثر التغيير الذي بدى واضحا في قراءة النصوص كان في زمن المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي المتوفى سنة 940 ه فقد بدأ هذا الشيخ بتفسير النصوص تفسيرا مغايرا لما عليه ثوابت السابقين حيث لم نشهد فقيهاً شيعياً أدعى النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ بالمعنى المتعارف عليه سبق الشيخ الكركي ولم تكن هذه الدعوى بالأساس من الشيخ وإنما هي عبارة عن منصب حكومي منحه الشاه طهماسب للشيخ الكركي سنة 930 هـ .
ذكر المحقق البحراني في كتابه لؤلؤة البحرين المحقق الكركي في قوله : ï´؟كان " المحقق " من علماء دولة الشاه طهماسب الصفوي ، جعل أمور المملكة بيده ، وكتب رقما إلى جميع الممالك بامتثال ما يأمر به الشيخ المذكور ، وأن أصل الملك إنما هو له ، لأنه نائب الإمام عليه السلام ، فكان الشيخ يكتب إلى جميع البلدان كتبا بدستور العمل في الخراج ، وما ينبغي تدبيره في شؤون الرعيةï´¾ï´؟ لؤلؤ البحرين - ص 152ï´¾.
وكما ذكر ذلك محقق كتاب رسائل الكركي في قوله : ï´؟ولما تولى الشاه طهماسب سنة 930 ه ، قرب المحقق الكركي ، ومنحه لقب نائب الإمامï´¾ï´؟ - جامع المقاصد - المحقق الكركي - ج 1 - تكملة مقدمة التحقيق- ص 31 - 32
وذكر الشيخ محمد الحسون محقق كتاب رسائل الكركي المناصب الحساسة التي كان يتقلدها المحقق الكركي منها : ï´؟الأمير ، وشيخ الإسلام في أصفهان ، ونائب الإمام ، والمفتي ، ومروج المذهب ، وشيخ الإسلام في طهران . وشغل الكركي منصب شيخ الإسلام في أصفهان زمن الشاه إسماعيل الصفوي وعند تولي الشاه طهماسب سنة 930 ه تولى الكركي منصب نائب الإمامï´¾ï´؟ - رسائل الكركي - المحقق الكركي - ج 1 - ص 28 ï´¾ .
وقبل أن نناقش هذه المسائل نحب أن نبين بعض معالم رجال الدولة الصفوية فقد تبدلت الاوضاع في زمن الشاه إسماعيل الصفوي وأصبحت الدولة تحاول تقمص الشرعية الدينية فقد أدعى الشاه إسماعيل الصفوي بانه التقى بالإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ واخذ الاجازة منه بالحرب ضد التركمان الذين كانوا حكاما لايران آنذاكï´؟ - تاريخ الشاه إسماعيل - ص 88 ï´¾.
ولم يتوقف الشاه إسماعيل بهذه الدعوى فقط بل زاد في قوله حتى أدعى بانه نائب الله وخليفة الرسول والأئمة الاثني عشر وممثل الإمام المهدي في غيبتهï´؟ - إيران في العصر الصفوي - راجر سيوري - ص 26ï´¾.
وبعد أن تولى الشاه طهماسب أبن الشاه إسماعيل زمام الحكم تخلى عن منصب نائب الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ الذي كان يدعيه والده ومنحه إلى الشيخ الكركي، والمحقق الكركي من جهته تقبل المنصب بكل رحابة صدر والعجيب انه أدعى بأن هذا المنصب متفق عليه عند الأصحاب وذلك في قوله : ï´؟اتفق أصحابنا رضوان الله عليهم على أن الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى ، المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية نائب من قبل أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل - وربما استثنى الأصحاب القتل والحدود مطلقا - فيجب التحاكم إليه ، والإنقياد إلى حكمه ، وله أن يبيع مال الممتنع من أداء الحق إن احتيج إليه ، ويلي أموال الغياب والأطفال والسفهاء والمفلسين ، ويتصرف على المحجور عليهم ، إلى آخر ما يثبت للحاكم المنصوب من قبل الإمام عليه السلام ï´¾ï´؟رسائل الكركي - المحقق الكركي - ج 1 - ص 142 ï´¾.
نقول : إن هذا الاتفاق لا ينفع في شيء ان لم يكن هنالك نص معتبر على ما قالوا به وقد احتج المحقق الكركي برواية عمر بن حنظلة والتي اقتطع منها ما يفيد اثبات ما يدعيه حيث قال ما هذا نصه : ï´؟والأصل فيه ما رواه الشيخ في التهذيب باسناد إلى عمر بن حنظلة ، عن مولانا الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال : ï´؟ أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا فارضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا ولم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد ، وهو راد على الله ، وهو على حد الشرك بالله ï´¾ï´؟- نفس المصدر السابق - ص 143 ï´¾.
قبل أن نناقش متن الرواية نحب أن نبين بأن هذه الرواية ضعيفة عند الأصولين لمجهولية عمر بن حنظلة حيث قال أصحاب الرجال عنه ما هذا نصه : ï´؟عمر بن حنظلة : العجلي يكنى أبا صخر كوفي - مجهول - من أصحاب الباقر والصادق ï´؟ ع ï´¾ ï´¾ï´؟ - المفيد من معجم رجال الحديث - محمد الجواهري - ص 425ï´¾.
وقالوا أيضاً : ï´؟ نسب للمشهور من الأصحاب عدم توثيق عمر بن حنظلة ولا الاعتداد بهï´¾ï´؟ - بحوث في فقه الرجال - تقرير بحث الفاني لمكي - ص 213
هذا من حيث السند علما بأن الأصوليون لا يقبلون الروايات الضعيفة في باب الطهارة والنجاسة فكيف قبلوا هذه الرواية ولقبوها بالمقبولة ؟!
أما إذا ناقشنا متنها فنقول : ان المحقق قد اقتطع صدر الرواية وإليكم النص الذي رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام عن عمر بن حنظلة قال : ï´؟سألت أبا عبد الله ï´؟عليه السلامï´¾ عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك ؟ فقال ï´؟عليه السلامï´¾ : من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتاً لأنه اخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله عز وجل ان يكفر بها ، قلت : كيف يصنعان ؟ قال : انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد ، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله عز وجلï´¾ï´؟ - تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 6 - ص 218ï´¾.
.
نقول : إن الراوي قد حدد نقطة النزاع بين الطرفين وهي ï´؟الدَين والميراثï´¾ والدَين هنا بفتح الدال وجمعه ديون وليس دين أي بمعنى الاعتقاد كما توهم البعض والذي جمعه أديان فالامور التي وكل بها الراوي لحديث أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ حل الخلافات فيما يتعلق بالدَين والميراث والدليل على ذلك هو بقية الرواية فإننا حين نتأمل ألفاظها وهو قوله ï´؟عليه السلامï´¾ : ï´؟من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتاًï´¾.
وهذا ما يؤكد بأن النزاع يتعلق بأموال اما دَين أو ميراث كما ان قول الإمام ï´؟عليه السلامï´¾ يؤكد على مسألة الرجوع إلى راوي الحديث العالم بحلال أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ وحرامهم وليس إلى المجتهد في الأحكام الشرعية كما يقول المحقق الكركي فإن المجتهد يخطئ ويصيب في أحكامه ولذلك فإن قوله لا يمكن الوثوق به ولا يمكن اعتباره من أقوال العترة الطاهرة ï´؟عليهم السلامï´¾ لأن قول المجتهد في الأحكام الشرعية متأرجح بين الخطأ والصواب والشرط الذي وضعه الإمام الصادق ï´؟عليه السلامï´¾ للرجوع إلى الفقيه هو ان يكون ذلك الفقيه ممن قد روى حديث أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ وعلم حلالهم وحرامهم وعرف أحكامهم وفي هذه الحالة يكون الرد على قوله رد على أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ لأن قوله في حقيقة الأمر هو قول الأئمة ï´؟عليهم السلامï´¾ لأنه راوي لحديثهم ï´؟عليهم السلامï´¾ وليس قوله نابع من إجتهاده الشخصي فيجب التفريق بين المعنيين .
وبعد ما تقدم نحب أن نقول : إن مسألة النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ لم يدعيها الفقهاء في بادئ الأمر ولكن صدرت عن بلاط السلاطين واهديت بعدها إلى الفقهاء كما تهدى الهدايا والعطايا وبعد أن تقلدها الفقهاء من السلاطين قاموا بتأويل المعاني لكي يضيفوا إليها شيئاً من الشرعية الدينية وهذا ما حصل بالضبط في زمن المحقق الكركي فقد تقلد منصب نائب الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ من الشاه طهماسب بعد أن كان قد ادعاه الشاه إسماعيل والد الشاه طهماسب وكما مر ذكره .
إن هذا التغير الجوهري الذي حدث في زمن الدولة الصفوية لهو من المهازل الكبرى في تأريخنا الإسلامي فكيف يمكن ان يدعي شخصا النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ معتمدا على رواية ضعيفة السند في الأصول الرجالية الذي يعتمدها هو علاوة على كونها تتحدث عن نزاعات مالية بين شخصين وفيها تخصيص لحادثة معينة هي الدَين والميراث فكيف جاز لهم التعميم على غير هذا التخصيص، كما ان هذه الرواية بعيدة كل البعد عن ما يدعيه المحقق الكركي بل ان الفقهاء السابقين لم يذهبوا إلى ما ذهب إليه فهذا العلامة الحلي حين تعرض إلى مسألة صرف الزكاة في كتابه تحرير الأحكام قال : ï´؟يجوز للمالك أن يتولى التفرقة بنفسه ، ويستحب صرفها إلى الإمام أو نائبه ، ولو تعذر ، صرفت إلى الفقيه المأمون من الإمامية ï´¾ï´؟ تحرير الأحكام - العلامة الحلي - ج 1 - ص 430ï´¾.
وقول العلامة يفهم منه أن منصب النائب لم يكن موجودا بدليل قوله يستحب صرفها إلى الإمام أو نائبه ولو تعذر ذلك صرفت إلى الفقيه المامون فلم يعطي للفقيه النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ فتأمل.
لقد أصبحت نيابة الإمام سلعة يهديها من يشاء لمن يشاء فبعد أن قبلها المحقق الكركي قام باعطاء الشاه طهماسب اجازة بحكم البلاد نيابة عن نائب الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ كما يقول السيد نعمة الله الجزائري في كتابه شرح غوالي اللئالئ ما هذا نصه : ï´؟ لما قدم الشيخ الكركي إلى اصفهان وقزوين في عصر السلطان العادل طهماسب مكّنه من الملك والسلطان وقال له: أنت أحق بالملك لأنك النائب عن الإمام، وإنما أكون من عمالك، أقوم بأوامرك ونواهيك وقد أعطى الكركي الشاه طهماسب إجازة لحكم البلاد بالوكالة عن نفسه باعتباره نائبا عن الإمام المهدي، ولقبه الشاه بنائب الإمام وعينه ï´؟شيخا للإسلامï´¾ ï´¾
وذكر صاحب رياض العلماء حال المحقق الكركي عند الشاه طهماسب ما هذا نصه : ï´؟ واتصل بصحبة السلطان ï´؟الشاه طهماسب الصفوي ثاني سلاطين الصفويةï´¾ فكان معظما مبجلا في الغاية عند ذلك السلطان وقد عين له وظائف وادارات كثيرة ، حتى أنه قرر له سبعمائة تومانا في كل سنة بعنوان " السيور غال " في بلاد عراق العرب ، وكتب في ذلك حكماً وذكر فيه أسمه في نهاية الإجلال والإعظام ï´¾ï´؟ - رياض العلماء - ج 3 - ص 441 ï´¾.
إننا حين نقرأ هذا الكلام ننعصر حرقةً لمظلومية أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ بشكل عام والإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ بشكل خاص فكيف يمكن ان يتصور العقل هذا الاستخفاف بمنصب النيابة عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ حتى أصبحت بهذا الشكل المخزي الرخيص الذي يعطى كما تعطى المناصب الأخرى لمن يتقرب للسلاطين ، وكيف سكتت الإمامية على هذا الأمر وهم لم يشاهدوا أحداً من قدماء فقهاء الإمامية قد قال بهذا الكلام أو أدعى هكذا منصب .
وقد نقلنا ما ورد من الناحية المقدسة بحق الشيخ المفيد من الاطراء والمدح ولكنه رحمه الله لم يقل بهكذا أقوال ولم تنسب إليه أياً مما قاله المحقق الكركي وليس الأمر منحصرا بالشيخ المفيد بل لم يتجرأ أحد من الفقهاء على القول بانه نائب عن الإمام المهدي ï´؟عليه السلامï´¾ بالمعنى الذي ذهب إليه المحقق كما ان موقف المحقق من السلاطين والرؤساء وتقربه إليهم فيه معارضة للنصوص الصريحة الوارد عن أئمة أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ والتي تتحدث عن عدم إتباع السلاطين والتقرب إليهم، كما انها قد خصت الفقهاء على وجه الخصوص فقد ورد عن السكوني ، عن أبي عبد الله ï´؟عليه السلامï´¾ قال : قال رسول الله ï´؟صلى الله عليه وآله وسلم تسليماï´¾ : ï´؟الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله : وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : إتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم ï´¾ï´؟ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 46ï´¾.
وجاء عن أبأن قال : سمعت أبا عبد الله ï´؟عليه السلامï´¾ يقول : ï´؟يا معشر الأحداث ! اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء وغيرهم حتى يصيروا أذنابا ، لا تتخذوا الرجال ولائج من دون الله ، انا - والله - خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده إلى صدره ï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
وجاء عن عبد الله بن مسكان قال : سمعت أبا عبد الله ï´؟عليه السلامï´¾ يقول : ï´؟إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك ï´¾ï´؟ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 297
والروايات بهذا المعنى كثيرة جداً فكيف جاز لنا مخالفة النص الصريح والعمل بما يعارض أخبار أهل البيت ï´؟عليهم السلامï´¾ ووصاياهم والتي ملئها الخير والصواب لأتباعهم والانجرار وراء ما أتبعه السلاطين بل وموافقتهم على ظلمهم وأي ظلم أعظم من إدعاء النيابة عن خاتم الأوصياء دون دليل معتبر .
إننا حين نراجع هذه الحقبة الزمنية نجد ان التأريخ قد اعاد نفسه في ذلك الزمان وقد حصل ما يشبه الذي حصل في زمن الشيخ المفيد فقد ذكرنا ان الشيخ المفيد كان تليمذا لأبن الجنيد وكان من اشد المعارضين لإجتهادات أبن الجنيد وقياسه في أحكام الله وكتب في معرض الرد على استاذه الكتب والرسائل والحال هي في زمن المحقق الكركي فقد انتفض في ذلك الزمن جملة من الفقهاء لرد آراء الكركي وكان من اشهر هؤلاء المنتفضين تلميذه الفاضل الشيخ إبراهيم القطيفي والذي ذكره المجلسي في قوله : ï´؟الشيخ إبراهيم القطيفي ï´؟رحمه الله ï´¾ كان في غاية الفضل ، وكان معاصرا للشيخ نور الدين المروج " الكركي " وكانت بينهما مناظرات ومباحثات كثيرة"ï´¾ï´؟ - بحار الأنوار – العلامة المجلسي - ج 1 ص 46ï´¾.ï´¾.
بعد تقرب الشيخ الكركي إلى بلاط السلاطين قام بتاليف كتابه المعروف بأسم ï´؟قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراجï´¾ وانتهى منه سنة 916هـ كما يقول العلامة الطهراني ويحتمل ان تكون فكرة هذا الكتاب قد جاءت من بلاط السلاطين أيضاً لما يتحقق لهم من فوائد مادية من الخراجات التي تجلب لصالح الدولة الصفوية .
وبعد أن انتهى المحقق الكركي من تاليف كتابه في السنة المذكورة عرض هذا الكتاب على تلميذهï´؟- الخراجيات - المحقق الكركي - ص 16) الشيخ الفاضل القطيفي فقال بانها اوهى من نسيج العنكبوت ودمع الشريعة الإسلامية على ما فيها ساكب وإليكم نص ما قاله الفاضل القطيفي بحق كتاب استاذه الكركي : ï´؟وإن بعض إخواننا في الدين ï´؟يعني المحقق الكركيï´¾ قد ألف رسالة في حل الخراج وسماها " قاطعة اللجاج " وأولى بأسمها أن يقال : مثيرة العجاج كثيرة الاعوجاج ! ولم أكن ظفرت بها مند ألفها إلا مرة واحدة في بلد " سمنان " وما تأملتها إلا كجلسة العجلان . وأشار إلى من يجب طاعته بنقضها ليتخلق من رآها من الناس برفضها ، فاعتذرت بأعذار لا نذكر الآن . وما بلغت منها حقيقة تعريضية بل تصريحية بأنواع التشنيع ومخالفته في ذلك . فلما تأملته الآن مع علمي بأن ما فيها أوهى من نسج العناكب ، فدمع الشريعة على ما فيها من مضادها ساكب ، وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض بل التصريح بما يكاد يخفى مقصده فيه على أهل البصائر ، ومن هو على حقائق أعوار المقاصد عائر . . فاستخرت الله تعالى على نقضها وإبانة ما فيها من الخلل والزلل ، ليعرف أرباب النظر من أهل العلم والعمل الحق فيتبعوه ، والباطل فيجتنبوه ، فخرج الأمر بذلك . . فألفت هذه الرسالة وجعلتها واضحة الدلالة ، وسميتها " السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج " . ومن الله تقدس أسمه أسأل العصمة في المقاصد والمصادر والمواردï´¾ï´؟ السراج الوهاج - الفاضل القطيفي - ص 12 - 13
وفي هذا المقام أيضاً قال القطيفي في معرض الرد رسالة المحقق الخراجية ما هذا نصه : ï´؟وإذا فرغت من هذه فأنا مشتغل بنقض رسالته " الخراجية " وكشف لبس ما رتبه فيها من المباحث الإقناعية " وهو مما يقضى منه العجب العجيب ، كما لا يخفى ذلك على الموفق الأريب ï´¾ï´؟ - نفس المصدر السابق - لؤلؤة البحرين :ص 162-161 ï´¾.