فتاوى فقهاء السوء هي انكر الاصوات
منقول من كتاب (الأمثال في القرآن) من فكر السيد القحطاني
إن كل كلمة ( حمار + حمير + حمر ) في كتاب الله سبحانه جاءت وصفاً منه سبحانه لفقهاء السوء سواءً كانوا يهوداً أم نصارى أم مسلمين فقد وصف الله سبحانه الرهبان والأحبار بالحمار الذي يحمل أسفارا تشبيهاً لحالهم بحال الحمار، لأن الحمار حين يحمل الأثقال لا يعرف ما حمّل عليه اذهباً كان أم تراباً , فهو يحمل ما لا يعلم وكذلك الأحبار والرهبان فقد حملوا التوراة والإنجيل فلم يعرفوها ولم يعملوا بها بل هجروها واستبدلوها بغيرها من البدع التي اخترعوها ليؤسسوا لهم دين يتيح لهم التسلق إلى مقام الأرباب ليسيطروا على رقاب العباد وكان لهم ذلك فبعد أن غيبوا الحجج تارة بإصدار الفتاوى لمقليدهم بقتلهم وتارة بالتكذيب لدعوتهم , ففرغت الساحة لهم بعد ذلك فادعوا أنهم نواب الحجج وهم ابوابهم في غيابهم , وما كان من الناس اتباع التقليد الأعمى إلا أن صدقوهم فوقعت الكارثة، واندرس دين الله بسبب فقهاء السوء, وهذا الأمر ينسحب على كل فقيه حارب الحجة المنصب من قبل الله سبحانه , وجلس مجلسه واستولى على أمواله والقابه وما اعطاه الله سبحانه , والقرآن جزم بأن فقهاء المسلمين لابد ان يسيروا على ما سار عليه الأحبار والرهبان بقوله تعالى { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا*عَن*طَبَقٍ } فقال الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ولاتخطئون طريقتهم شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع حتى ان لو كان من قبلكم دخل حجر ضب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى تعني يا رسول الله قال فمن اعني )(تفسير الصافي ج5 ص306).
وعن سلمان أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) يقول: ( لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباعاً بباع حتى لو دخلوا جحراً لدخلوا فيه معهم ان التوراة والقرآن كتبته يد واحدة في رق واحدة بقلم واحد وجرت الأمثال والسنن سواء)(مجموع النورين ص103).
فكما غير الأحبار والرهبان الأديان بعد غياب انبيائهم (عليهم السلام) فكذلك جرت السنة حذو النعل بالنعل من تغير فقهاء الشيعة دينهم بعد غيبة الإمام المهدي (عليه السلام).
وتنبأ الائمة (عليهم السلام) أيضا بركوب فقهاء الشيعة مراكب فقهاء اليهود والنصارى وقد قارن الإمام الصادق (عليه السلام) بين المجموعتين (الفقهاء والأحبار والرهبان ) من حيث الأفعال والأقوال , فقد ورد أن رجلاً قال للامام الصادق (عليه السلام): (فإذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره فكيف ذمهم بتقليد هم والقبول من علمائهم ؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم ؟ فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم ، فقال (عليه السلام) : بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة أما من حيث استووا فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم ، وأما من حيث افترقوا فلا . قال : بين لي يا ابن رسول الله قال (عليه السلام) : إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصريح ، وبأكل الحرام والرشاء ، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات ، وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم ، وظلموهم من أجلهم ، وعرفوهم يقارفون المحرمات ، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ، ولا تصديقه في حكاياته ، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى ، وأشهر من أن لا تظهر لهم ، وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة ، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقا والترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقا . فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم ).
وقد اثبتنا فيما مر بأن الفقهاء هجروا القرآن وهجروا السنة وابتدعوا في الدين وغيروا أحكام رب العالمين وتكلمنا عن المشتركات المبتدعة بين فقهاء الشيعة وفقهاء اليهود والنصارى مع تركنا لكثير من البدع التي ابتدعها الأحبار والرهبان والفقهاء, وهنا سنكشف عن العلاقة بين فتوى الفقيه وقوله تعالى:{ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }.
إن كل من نصبه الناس في مقام الحجة فهو سارق يريد أن يستولى على منصب الحجة الحقيقي المنصب من قبل الله سبحانه، وهذه السرقة تحتاج إلى أمر مهم لكي تتم بنجاح, فالأمر المهم الذي يجب أن يتوفر بالحجة المزيف هو نفس ما يتوفر بالحجة الحقيقي وهو أن يعطي ما يعطيه الحجة الحقيقي لكي يضيف المقبولية على ترشيح نفسه لملاء الفراغ الحاصل من تغييب الحجة الحقيقي, ونحن نعلم من خلال ما جاء عن الائمة (عليهم السلام), بأن الحجة الحقيقي يتميز عن باقي الناس بخاصية النيابة عن الله في الأرض فهو منصوص عليه ومختار من قبل الله سبحانه.
وكل من له اتصال بالسماء (نبي أو وصي نبي ) مخصوص من قبل الله سبحانه , بالاطلاع على أخبار السماء من حلال وحرام وعلوم أخرى , وهذا ما يفتقر إليه الحجة المزيف , فاول عقبة يواجهها الحجة المزيف عند اغتصاب منصب الحجة الحقيقي , هي إثبات صلة فتواه بالسماء , فالعبرة ليس بالشخص أو اسمه أو شكله , أو نسبه بل غاية الأمر مدى ارتباط الفتوى بالسماء.
فاحتاج الحجة المزيف أن يفتي الناس - وان كانت الفتوى محض اجتهاد وظن من قبله - كما الحجة الحقيقي يفتي للناس , لكي يوهمهم أنه الحجة الحقيقي أو أنه هو من سيكمل الطريق بدل الحجة إلى أن يرجع بعد غيابه .
وأوهمهم بأن تصدره للزعامة أمر شرعي موافق لما يريده الله سبحانه , فبهذه الخدعة استطاع المزيف أن يقنع من منعه الكسل والعجز عن طلب معارف الأنبياء والائمة (عليهم السلام) .
وبما أن المزيف محجوب عنه أخبار السماء لأنه غاصب وظالم, لجأ إلى مصدر آخر يمده بالعلم وإن كان علماً باطلاً، لكي يستمر بالجلوس في مجلس الحجة الحقيقي , ومن خلال هذا المصدر الباطل يفتى الناس, ويوهمهم أن فتواه هو ما تريده السماء بالضبط , فهنا استحكمت الخدعة الكبرى وغوى أكثر الخلائق , فقد اختلط الحابل بالنابل والحق بالباطل فكثير من الأمم عندما استبدلوا الحجة الحقيقي بالحجة المزيف سقطوا في هذا الفخ , فلا تتصور أخي القارئ أن الناس تستبدل حجج الله بغيرهم وهم يعلمون أنهم حجج مزيفون , بل الشيطان وأولياءه يضعون الخطة المحكمة ويطلوها بطلاء الحق لكي تمرر على الناس ويرضون بها.
فالأحبار والرهبان كان محجوب عنهم أخبار السماء عكس أنبياء بني اسرائيل (عليهم السلام) فلجأوا الى الاعتماد على اجتهادهم ونتائج عقولهم فلهذا وقع التناقض بين فتاواهم وكلام الأنبياء (عليهم السلام).
إن كل من اخذ تفسير هذه الآية – مثل الحمار - عن غير الحجة الحقيقي فمن المستحيل ان يعرف حقيقة معنى صوت الحمار , بل سيتصور ان صوت الحمار - هذا الحيوان - هو أنكر الأصوات وينتهي الأمر عنده , أما من له اتصال بالسماء فإنه يرى ظاهر وباطن الآيات فالقرآن له ظاهر وباطن وله ما يمده من بعده سبعة ابحر وتنفد هذه الأبحر ولا تنفد كلمات الله تعالى .
فعن جابر الأنصاري قال : ( سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن شيء في تفسير القرآن فأجابني ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر .فقلت :جعلت فداك كنت اجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا من قبل اليوم ؟ فقال (عليه السلام) لي يا جابر :إن للقران بطنا وللبطن بطن وله ظهر وللظهر ظهر يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن )(المحاسن ج2 ص300).
وقد جاء عن الباقر (عليه السلام) أنه قال : ( قال الله تعالى في ليلة القدر فيها يفرق كل امر حكيم يقول ينزل فيها كل أمر حكيم - إلى أن قال - إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيه في أمر نفسه بكذا وكذا وفي أمر الناس بكذا وكذا وأنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله عز وجل الخاص والمكنون العجيب والمخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثم قرأ { وَلَوْ أَنَّمَا*فِي*الْأَرْضِ*مِنْ*شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ*مِنْ*بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا*نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ })(تفسير الصافي ج4 ص404).
فالكلمة في القرآن لها وجوه كثيرة ومعاني اكثر. ومن المستغرب أن يظن أحد بأن المقصود من قوله تعالى { إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } هو صوت الحمار ذلك الحيوان , لأن صوت الحمار ليس مهم إلى درجة أن الله تعالى يتكلم عنه في كتابه , والخطأ الفادح الذي وقع به الناس ممن لا يأخذون معالم الدين من الحجة الحقيقي أن تصوروا أن الله استنكر صوت الحمار نفسه وغفلوا عن الحقيقة التي أرادها الله من ذلك الاستنكار.
فكيف يخلق الله شيئاً ثم يستنكره , فهذا ما لا يليق به سبحانه ولا يتوافق مع عدالته , فالامر في الحقيقة مهم جداً وفي غاية الأهمية بل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحجة المزيف وما يتلفظ به من كلام يؤدي إلى خراب الدين والدنيا, والإمام علي (عليه السلام) بين أن الصوت الذي استنكره الله سبحانه ليس صوت الحيوان بل الصوت المستنكر من قبل الله سبحانه هو صوت الحجة المزيف الذي ما ان نطق به حتى امات الدين وامات الحق , وغصبت الخلافة الحقة بسبب هذا الصوت , ففتاوى الحجج المزيفين هو ما استنكره الله سبحانه لأن فتاواهم تعارض ما يريده.
وهذا الأمر طبيعي، فالمعصوم ينطق عن الله سبحانه والفقيه المغتصب ينطق عن ابليس.
وبما أن القرآن كتاب متجدد ونزل بأسلوب إياك أعني فاسمعي يا جارة فكل حادثة في القرآن وإن حدثت في أمم سابقة لناس فهي تتحدث عن حالة مشابهة لها اليوم.
فعن علي بن محمد بن الجهم عن أبي الحسن (عليه السلام) مما سأله المأمون : فقال : ( أخبرني عن قول الله عز وجل {عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم } قال الرضا (عليه السلام) : هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب الله عز وجل بذلك نبيه صلى الله عليه وآله وأراد به أمته ، وكذلك قوله تعالى { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } وقوله تعالى { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً } قال : صدقت يا بن رسول الله)(تفسير نور الثقلين ج2 ص224).
فان الله تعالى اذا وصف أمرا في كتابه فإن هذا الوصف ينسب إلى ما يشابهه في كل زمان لأن القرآن حادث متجدد فيه خبر من قبلنا وخبر من بعدنا وخبر حالنا حتى قال الباري عز وجل { لَقَدْ أَنزَلْنَا*إِلَيْكُمْ*كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
إن فتاوى الفقهاء هي المقصود بأنكر الاصوات وليس صوت الحيوان هو المستنكر , لأن الله سبحانه لا يخلق شيء ثم ينكره كما قال الإمام علي (عليه السلام) , بقوله للرجل الذي سأله عن الحمار فقال: (ما معنى هذه الحمير فقال الإمام (عليه السلام) :الله أكرم من أن يخلق شيئا ثم ينكره...... )(بحار الانوار ج30 ص227).
وبسبب هذا الصوت المنكر غير أديان الله سبحانه في الأرض وحرفت ودُرِست معالمها , فكان الحمير في بني إسرائيل (الأحبار والرهبان ) حملهم الله وانبياءه التوراة والإنجيل , لكنهم لم يعملوا بها , بل هجروا الكتاب وحرفوا الدين وصنعوا دين مخالف لدين الله الذي انزله إليهم على يد أنبياءهم, فكانت السنتهم تصف الكذب وتنسبه إلى الله سبحانه فكل فتوى يفتوها يقولون إنها موافقة لكلام الله سبحانه , والمولى كذبهم , وبين ظلالهم وزيف ادعائهم, والقرآن شاهد على ما نقول , فكانت فتاواهم التي غيرت الدين هي صوت الحمار الذي استنكره الله في كتابه , وقد جاء تشبيههم بالحمير بشكل صريح قال تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ*يَحْمِلُ أَسْفَارًا }.
يتبع..
منقول من كتاب (الأمثال في القرآن) من فكر السيد القحطاني
إن كل كلمة ( حمار + حمير + حمر ) في كتاب الله سبحانه جاءت وصفاً منه سبحانه لفقهاء السوء سواءً كانوا يهوداً أم نصارى أم مسلمين فقد وصف الله سبحانه الرهبان والأحبار بالحمار الذي يحمل أسفارا تشبيهاً لحالهم بحال الحمار، لأن الحمار حين يحمل الأثقال لا يعرف ما حمّل عليه اذهباً كان أم تراباً , فهو يحمل ما لا يعلم وكذلك الأحبار والرهبان فقد حملوا التوراة والإنجيل فلم يعرفوها ولم يعملوا بها بل هجروها واستبدلوها بغيرها من البدع التي اخترعوها ليؤسسوا لهم دين يتيح لهم التسلق إلى مقام الأرباب ليسيطروا على رقاب العباد وكان لهم ذلك فبعد أن غيبوا الحجج تارة بإصدار الفتاوى لمقليدهم بقتلهم وتارة بالتكذيب لدعوتهم , ففرغت الساحة لهم بعد ذلك فادعوا أنهم نواب الحجج وهم ابوابهم في غيابهم , وما كان من الناس اتباع التقليد الأعمى إلا أن صدقوهم فوقعت الكارثة، واندرس دين الله بسبب فقهاء السوء, وهذا الأمر ينسحب على كل فقيه حارب الحجة المنصب من قبل الله سبحانه , وجلس مجلسه واستولى على أمواله والقابه وما اعطاه الله سبحانه , والقرآن جزم بأن فقهاء المسلمين لابد ان يسيروا على ما سار عليه الأحبار والرهبان بقوله تعالى { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا*عَن*طَبَقٍ } فقال الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ولاتخطئون طريقتهم شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع حتى ان لو كان من قبلكم دخل حجر ضب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى تعني يا رسول الله قال فمن اعني )(تفسير الصافي ج5 ص306).
وعن سلمان أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) يقول: ( لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباعاً بباع حتى لو دخلوا جحراً لدخلوا فيه معهم ان التوراة والقرآن كتبته يد واحدة في رق واحدة بقلم واحد وجرت الأمثال والسنن سواء)(مجموع النورين ص103).
فكما غير الأحبار والرهبان الأديان بعد غياب انبيائهم (عليهم السلام) فكذلك جرت السنة حذو النعل بالنعل من تغير فقهاء الشيعة دينهم بعد غيبة الإمام المهدي (عليه السلام).
وتنبأ الائمة (عليهم السلام) أيضا بركوب فقهاء الشيعة مراكب فقهاء اليهود والنصارى وقد قارن الإمام الصادق (عليه السلام) بين المجموعتين (الفقهاء والأحبار والرهبان ) من حيث الأفعال والأقوال , فقد ورد أن رجلاً قال للامام الصادق (عليه السلام): (فإذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره فكيف ذمهم بتقليد هم والقبول من علمائهم ؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم ؟ فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم ، فقال (عليه السلام) : بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة أما من حيث استووا فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم ، وأما من حيث افترقوا فلا . قال : بين لي يا ابن رسول الله قال (عليه السلام) : إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصريح ، وبأكل الحرام والرشاء ، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات ، وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم ، وظلموهم من أجلهم ، وعرفوهم يقارفون المحرمات ، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ، ولا تصديقه في حكاياته ، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى ، وأشهر من أن لا تظهر لهم ، وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة ، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقا والترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقا . فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم ).
وقد اثبتنا فيما مر بأن الفقهاء هجروا القرآن وهجروا السنة وابتدعوا في الدين وغيروا أحكام رب العالمين وتكلمنا عن المشتركات المبتدعة بين فقهاء الشيعة وفقهاء اليهود والنصارى مع تركنا لكثير من البدع التي ابتدعها الأحبار والرهبان والفقهاء, وهنا سنكشف عن العلاقة بين فتوى الفقيه وقوله تعالى:{ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }.
إن كل من نصبه الناس في مقام الحجة فهو سارق يريد أن يستولى على منصب الحجة الحقيقي المنصب من قبل الله سبحانه، وهذه السرقة تحتاج إلى أمر مهم لكي تتم بنجاح, فالأمر المهم الذي يجب أن يتوفر بالحجة المزيف هو نفس ما يتوفر بالحجة الحقيقي وهو أن يعطي ما يعطيه الحجة الحقيقي لكي يضيف المقبولية على ترشيح نفسه لملاء الفراغ الحاصل من تغييب الحجة الحقيقي, ونحن نعلم من خلال ما جاء عن الائمة (عليهم السلام), بأن الحجة الحقيقي يتميز عن باقي الناس بخاصية النيابة عن الله في الأرض فهو منصوص عليه ومختار من قبل الله سبحانه.
وكل من له اتصال بالسماء (نبي أو وصي نبي ) مخصوص من قبل الله سبحانه , بالاطلاع على أخبار السماء من حلال وحرام وعلوم أخرى , وهذا ما يفتقر إليه الحجة المزيف , فاول عقبة يواجهها الحجة المزيف عند اغتصاب منصب الحجة الحقيقي , هي إثبات صلة فتواه بالسماء , فالعبرة ليس بالشخص أو اسمه أو شكله , أو نسبه بل غاية الأمر مدى ارتباط الفتوى بالسماء.
فاحتاج الحجة المزيف أن يفتي الناس - وان كانت الفتوى محض اجتهاد وظن من قبله - كما الحجة الحقيقي يفتي للناس , لكي يوهمهم أنه الحجة الحقيقي أو أنه هو من سيكمل الطريق بدل الحجة إلى أن يرجع بعد غيابه .
وأوهمهم بأن تصدره للزعامة أمر شرعي موافق لما يريده الله سبحانه , فبهذه الخدعة استطاع المزيف أن يقنع من منعه الكسل والعجز عن طلب معارف الأنبياء والائمة (عليهم السلام) .
وبما أن المزيف محجوب عنه أخبار السماء لأنه غاصب وظالم, لجأ إلى مصدر آخر يمده بالعلم وإن كان علماً باطلاً، لكي يستمر بالجلوس في مجلس الحجة الحقيقي , ومن خلال هذا المصدر الباطل يفتى الناس, ويوهمهم أن فتواه هو ما تريده السماء بالضبط , فهنا استحكمت الخدعة الكبرى وغوى أكثر الخلائق , فقد اختلط الحابل بالنابل والحق بالباطل فكثير من الأمم عندما استبدلوا الحجة الحقيقي بالحجة المزيف سقطوا في هذا الفخ , فلا تتصور أخي القارئ أن الناس تستبدل حجج الله بغيرهم وهم يعلمون أنهم حجج مزيفون , بل الشيطان وأولياءه يضعون الخطة المحكمة ويطلوها بطلاء الحق لكي تمرر على الناس ويرضون بها.
فالأحبار والرهبان كان محجوب عنهم أخبار السماء عكس أنبياء بني اسرائيل (عليهم السلام) فلجأوا الى الاعتماد على اجتهادهم ونتائج عقولهم فلهذا وقع التناقض بين فتاواهم وكلام الأنبياء (عليهم السلام).
إن كل من اخذ تفسير هذه الآية – مثل الحمار - عن غير الحجة الحقيقي فمن المستحيل ان يعرف حقيقة معنى صوت الحمار , بل سيتصور ان صوت الحمار - هذا الحيوان - هو أنكر الأصوات وينتهي الأمر عنده , أما من له اتصال بالسماء فإنه يرى ظاهر وباطن الآيات فالقرآن له ظاهر وباطن وله ما يمده من بعده سبعة ابحر وتنفد هذه الأبحر ولا تنفد كلمات الله تعالى .
فعن جابر الأنصاري قال : ( سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن شيء في تفسير القرآن فأجابني ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر .فقلت :جعلت فداك كنت اجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا من قبل اليوم ؟ فقال (عليه السلام) لي يا جابر :إن للقران بطنا وللبطن بطن وله ظهر وللظهر ظهر يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن )(المحاسن ج2 ص300).
وقد جاء عن الباقر (عليه السلام) أنه قال : ( قال الله تعالى في ليلة القدر فيها يفرق كل امر حكيم يقول ينزل فيها كل أمر حكيم - إلى أن قال - إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيه في أمر نفسه بكذا وكذا وفي أمر الناس بكذا وكذا وأنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله عز وجل الخاص والمكنون العجيب والمخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثم قرأ { وَلَوْ أَنَّمَا*فِي*الْأَرْضِ*مِنْ*شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ*مِنْ*بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا*نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ })(تفسير الصافي ج4 ص404).
فالكلمة في القرآن لها وجوه كثيرة ومعاني اكثر. ومن المستغرب أن يظن أحد بأن المقصود من قوله تعالى { إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } هو صوت الحمار ذلك الحيوان , لأن صوت الحمار ليس مهم إلى درجة أن الله تعالى يتكلم عنه في كتابه , والخطأ الفادح الذي وقع به الناس ممن لا يأخذون معالم الدين من الحجة الحقيقي أن تصوروا أن الله استنكر صوت الحمار نفسه وغفلوا عن الحقيقة التي أرادها الله من ذلك الاستنكار.
فكيف يخلق الله شيئاً ثم يستنكره , فهذا ما لا يليق به سبحانه ولا يتوافق مع عدالته , فالامر في الحقيقة مهم جداً وفي غاية الأهمية بل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحجة المزيف وما يتلفظ به من كلام يؤدي إلى خراب الدين والدنيا, والإمام علي (عليه السلام) بين أن الصوت الذي استنكره الله سبحانه ليس صوت الحيوان بل الصوت المستنكر من قبل الله سبحانه هو صوت الحجة المزيف الذي ما ان نطق به حتى امات الدين وامات الحق , وغصبت الخلافة الحقة بسبب هذا الصوت , ففتاوى الحجج المزيفين هو ما استنكره الله سبحانه لأن فتاواهم تعارض ما يريده.
وهذا الأمر طبيعي، فالمعصوم ينطق عن الله سبحانه والفقيه المغتصب ينطق عن ابليس.
وبما أن القرآن كتاب متجدد ونزل بأسلوب إياك أعني فاسمعي يا جارة فكل حادثة في القرآن وإن حدثت في أمم سابقة لناس فهي تتحدث عن حالة مشابهة لها اليوم.
فعن علي بن محمد بن الجهم عن أبي الحسن (عليه السلام) مما سأله المأمون : فقال : ( أخبرني عن قول الله عز وجل {عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم } قال الرضا (عليه السلام) : هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب الله عز وجل بذلك نبيه صلى الله عليه وآله وأراد به أمته ، وكذلك قوله تعالى { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } وقوله تعالى { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً } قال : صدقت يا بن رسول الله)(تفسير نور الثقلين ج2 ص224).
فان الله تعالى اذا وصف أمرا في كتابه فإن هذا الوصف ينسب إلى ما يشابهه في كل زمان لأن القرآن حادث متجدد فيه خبر من قبلنا وخبر من بعدنا وخبر حالنا حتى قال الباري عز وجل { لَقَدْ أَنزَلْنَا*إِلَيْكُمْ*كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
إن فتاوى الفقهاء هي المقصود بأنكر الاصوات وليس صوت الحيوان هو المستنكر , لأن الله سبحانه لا يخلق شيء ثم ينكره كما قال الإمام علي (عليه السلام) , بقوله للرجل الذي سأله عن الحمار فقال: (ما معنى هذه الحمير فقال الإمام (عليه السلام) :الله أكرم من أن يخلق شيئا ثم ينكره...... )(بحار الانوار ج30 ص227).
وبسبب هذا الصوت المنكر غير أديان الله سبحانه في الأرض وحرفت ودُرِست معالمها , فكان الحمير في بني إسرائيل (الأحبار والرهبان ) حملهم الله وانبياءه التوراة والإنجيل , لكنهم لم يعملوا بها , بل هجروا الكتاب وحرفوا الدين وصنعوا دين مخالف لدين الله الذي انزله إليهم على يد أنبياءهم, فكانت السنتهم تصف الكذب وتنسبه إلى الله سبحانه فكل فتوى يفتوها يقولون إنها موافقة لكلام الله سبحانه , والمولى كذبهم , وبين ظلالهم وزيف ادعائهم, والقرآن شاهد على ما نقول , فكانت فتاواهم التي غيرت الدين هي صوت الحمار الذي استنكره الله في كتابه , وقد جاء تشبيههم بالحمير بشكل صريح قال تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ*يَحْمِلُ أَسْفَارًا }.
يتبع..
تعليق