مرحلة الشيخ المفيد :
بعد هذه المرحلة المظلمة في تأريخ الإمامية ظهر في تلك الاجواء شيخا اعاد النور إلى ظلمات الطريق ذلك الشيخ كان محمد بن محمد بن نعمان الملقب بالشيخ المفيد، ولد فى ضواحى مدينة بغداد فى عام 336 هـ وكان الشيخ المفيد من الوجوه اللامعة والشخصيات المعروفة فى العالم الإسلامي وهو متكلم وفقيه ومحدث جليل القدر لم يختلف أثنان في وثاقته مما جعله يحتل المكانة الرفيعة والمرموقة عند فقهاء المسلمين على حد سواء وهذا الشيء لا يحدث الا نادرا وهذا يدلنا على مكانة الرجل وسمو اخلاقه الدالة على تدينه العالي فكان يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعضة الحسنة حتى ذكره جملة من فقهاء المذاهب الأخرى مادحين له وممجدين لعظيم مكانته .
وقوة الرجل تظهر على لسان المخالفين له بأجلى برهان وأليك بعض الكلمات التي صدرت من فقهاء المذاهب الأخرى في الشيخ المفيد حيث قال أبن النديم : ﴿شاهدته فرأيته شديد الفطنة ماضي الخاطر بارعا في العلوم﴾﴿ ﴾. وقال الذهبي : ﴿كانت له جلالة عظيمة وتقدم في العلم مع خشوع وتعبد وتأله﴾﴿ ﴾. وقال أبن حجر العسقلاني : ﴿برع في العلوم حتى كان يقال له على كل امام منة﴾﴿ ﴾. وقال أيضاً : ﴿ كان الشيخ المفيد من أهل الزهد والتقوى والخشوع والتهجد ولم يتوقف عن تحصيل العلوم والمعارف وقد ارتوى من منهله الروى جمع كثير، والشيعة كلهم مدينون له﴾.
وقال أبن كثير : ﴿ شيخ الإمامية والمصنف لهم والمحامي عن حوزتهم يحضر مجلسه خلق كثير من العلماء﴾﴿ ﴾. وقال اليافعي : ﴿ كان بارعا في الكلام والجدل والفقه يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة ﴾﴿ ﴾. وقال أبو حيان التوحيدي: ﴿ كان أبن المعلم حسن اللسان والجدل صبورا على الخصم ضنين السر جميل العلانية﴾﴿ ﴾. ويقول عماد الحنبلى عالم سنى آخر فيه : ﴿ هو عظيم من عظماء الإمامية ورئيس قسم الفقه والكلام والمباحثة وكان يناظر ويحاجح جميع أتباع المدارس والطوائف والديانات﴾.
إلى غير ذلك من كلمات صدرت وكتابات كُتبت من فقهاء العامة في المدح والثناء على الشيخ المفيد ، وأما أقوال فقهاء الإمامية في شأنه وإطرائه لا يسع المقام الإتيان بها ومهما كثرت الأقوال وعلت الاصوات فإنها لاتهمنا في شيء ولا يعني مدح المادحين وثناء الممجدين في شيخنا المفيد شيء في تعريفه فإن حقيقة شيخنا أجلى من أن تحد وانك لتجد جمل الثناء كلها هزيلة في قبال مقامه ان علمت بأن إمام العصر وصاحب الزمان (ع) قد خاطبه في مكاتبة صدرت من الناحية المقدسة قال فيها الإمام المهدي (ع): ﴿للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد سلام عليك أيها الولي المولى المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا نبينا محمد وآله الطاهرين ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق إنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك أعزهم الله تعالى بطاعته وكفاهم المهم برعايته ... ﴾﴿ ﴾.
وقد وردت مكاتبة ثانية صدرت عن الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد قال فيها ارواحنا لمقدمة الفداء : ﴿ من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله سلام عليك أيها العبد الصالح الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق . . . وبعد فقد نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه لك من أوليائه وحرسك به من كيد أعدائه . . . ونعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين . . . هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي بإملائنا وحظ ثقتنا﴾﴿ ﴾.
بعد أن أحطنا بما جاء في رسالتي الإمام (ع) للشيخ المفيد ومقارنتها بالرسائل الصادرة عن الناحية المقدسة لشخصيات أخرى في عصر الغيبة الصغرى نرى ان الإمام لم يخاطب أحداً الا بأسمه فقط دون ثناء ولا مدح عكس ما شاهدناه في رسالتي الشيخ المفيد وانه (ع) لا ينطق إلا عين الحقيقة التي هي شرع سواءً في مدح رجل أو بيان حكم أو فصل قضاء وهكذا سبيل أهل بيت النبوة (ع) فَهُم لا ينطقون عن الهوى ونرى ذلك في كلمات الإمام (ع): ﴿إنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة﴾ .
وهنا نعرف حينئذ ان من يخاطبه إمام العصر والزمان (ع) بالأخوة ويعترف له بالولاية والرشد والأخلاق المرضية والمودة الصادقة والصفاء في النصرة لهم وللحق والصلاح وأنه ملهم الحق ودليله وكل هذا يوحي لنا بأن الإمام المهدي (ع) لم يعطيه ذلك الوسام المشرف والمحفوف بالعظمة إلا بعد أن وجده حاملا أعباء الهداية ناهضا بنشر العلم داحضا شبه المرتابين والعاملين بالقياسات الشيطانية والسالكين لطرق المخالفين المحسوبين على مدرسة أهل البيت ولم تأخذه في الله لومة لائم حتى مع أستاذه الذي عمل بالقياس صراحة فلم يسكت الشيخ المفيد على مخالفة استاذه لمنهج العترة بل راح يؤلف الكتب والرسائل في نقض آرائه ومبانيه كما أسلفنا في حقبة أبن جنيد ومن بنى على مبانيه في الفقه وأصوله إلى يومنا هذا .
وبعد أن انكر على أبن الجنيد الإجتهاد وعمله بالقياس والاستحسان وسلوكه طرق المخالفين راح يبن طريقته لمعرفة الأحكام الشرعية وقد حصر الشيخ المفيد الأحكام الشرعية في منابع ثلاثة فقط وذكرها قائلاً : ﴿ إعلم أن أصول الأحكام الشرعية ثلاثة أشياء : كتاب الله سبحانه ، وسُنة نبيه صلى الله عليه وآله ، وأقوال الأئمة الطاهرين من بعده صلوات الله عليهم وسلامه﴾﴿ ﴾.
ثم أضاف قائلاً : ﴿والطرق الموصلة إلى علم المشروع. في هذه الأصول ثلاثة: أحدها: العقل، وهو السبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار .
والثاني: اللسان، وهو السبيل إلى المعرفة بمعاني الكلام.
وثالثها: الأخبار، وهي السبيل إلى إثبات أعيان الأصول من الكتاب والسُنة، وأقوال الأئمة عليهم السلام﴾﴿ ﴾.
ولعل قائل يقول : إن الشيخ قد أستخدم العقل كما يستخدمة فقهاء اليوم ؟ فنقول : إن الشيخ المفيد لم يجعل العقل أصل من الأصول المستخدمة اليوم في التشريع كما هو معلوم بل جعله سبيلاً لمعرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار فمثلاً لو أراد شخص ان يفهم مسألة شرعية من الكتاب أو السُنة فهل سيستخدم غير العقل لفهم المسألة ؟
وهذا ما قصده الشيخ في بيانه وأما من أراد ان يدرج العقل في جملة أدوات التشريع وينسب ذلك للقدماء كالشيخ المفيد فهو واهم لأنه لم يجعل العقل من الأدلة في الأحكام وهذا ما صرح به الشيخ محمد رضا المظفر قائلاً : ﴿ لم يظهر لي بالضبط ما كان يقصد المتقدمون من علمائنا بالدليل العقلي ، حتى أن الكثير منهم لم يذكره من الأدلة ، أو لم يفسره ، أو فسره بما لا يصلح أن يكون دليلاً في قبال الكتاب والسُنة ﴾﴿ ﴾.
وقال معقباً على كلام الشيخ المفيد في باب الدليل العقلي في كتابه أصول الفقه ذاكرا ما قاله الشيخ المفيد قائلاً : ﴿ وأقدم نص وجدته ما ذكره الشيخ المفيد - المتوفى سنة 413 هـ- في رسالته الأصولية التي لخصها الشيخ الكراجكي فإنه لم يذكر الدليل العقلي من جملة أدلة الأحكام ، وإنما ذكر أن أصول الأحكام ثلاثة : الكتاب والسُنة النبوية وأقوال الأئمة (ع). ثم ذكر أن الطرق الموصلة إلى ما في هذه الأصول ثلاثة : اللسان ، والأخبار ، وأولها العقل ، وقال عنه : ﴿وهو سبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار﴾ . وهذا التصريح كما ترى أجنبي عما نحن في صدده﴾﴿ ﴾.
فقد بين الشيخ المظفر اجنبية القصد الذي أراده الشيخ المفيد من كلامه حول جعل العقل سبيلا للمعرفة عما عليه اليوم الفقه وأصوله في مدارس الأصوليون فقد جعل أصحاب الأصول العقل مصدرا من مصادر التشريع وأصلاً ثابتاً لمعرفة الأحكام وهذا مما لم يذكره المفيد في كلامه أصلاً .
لقد عاش الشيخ المفيد 76 عاما من العطاء الدائم فلم تاخذه في الله لومة لائم ولم يقعده عن نصرة الحق أحد فنال عظيم المدح والثناء على لسان الإمام المعصوم (ع) وهذا غاية الفخر في الدنيا والاخرة فرحمه الله وجزاه أفضل الجزاء .
بعد هذه المرحلة المظلمة في تأريخ الإمامية ظهر في تلك الاجواء شيخا اعاد النور إلى ظلمات الطريق ذلك الشيخ كان محمد بن محمد بن نعمان الملقب بالشيخ المفيد، ولد فى ضواحى مدينة بغداد فى عام 336 هـ وكان الشيخ المفيد من الوجوه اللامعة والشخصيات المعروفة فى العالم الإسلامي وهو متكلم وفقيه ومحدث جليل القدر لم يختلف أثنان في وثاقته مما جعله يحتل المكانة الرفيعة والمرموقة عند فقهاء المسلمين على حد سواء وهذا الشيء لا يحدث الا نادرا وهذا يدلنا على مكانة الرجل وسمو اخلاقه الدالة على تدينه العالي فكان يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعضة الحسنة حتى ذكره جملة من فقهاء المذاهب الأخرى مادحين له وممجدين لعظيم مكانته .
وقوة الرجل تظهر على لسان المخالفين له بأجلى برهان وأليك بعض الكلمات التي صدرت من فقهاء المذاهب الأخرى في الشيخ المفيد حيث قال أبن النديم : ﴿شاهدته فرأيته شديد الفطنة ماضي الخاطر بارعا في العلوم﴾﴿ ﴾. وقال الذهبي : ﴿كانت له جلالة عظيمة وتقدم في العلم مع خشوع وتعبد وتأله﴾﴿ ﴾. وقال أبن حجر العسقلاني : ﴿برع في العلوم حتى كان يقال له على كل امام منة﴾﴿ ﴾. وقال أيضاً : ﴿ كان الشيخ المفيد من أهل الزهد والتقوى والخشوع والتهجد ولم يتوقف عن تحصيل العلوم والمعارف وقد ارتوى من منهله الروى جمع كثير، والشيعة كلهم مدينون له﴾.
وقال أبن كثير : ﴿ شيخ الإمامية والمصنف لهم والمحامي عن حوزتهم يحضر مجلسه خلق كثير من العلماء﴾﴿ ﴾. وقال اليافعي : ﴿ كان بارعا في الكلام والجدل والفقه يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة ﴾﴿ ﴾. وقال أبو حيان التوحيدي: ﴿ كان أبن المعلم حسن اللسان والجدل صبورا على الخصم ضنين السر جميل العلانية﴾﴿ ﴾. ويقول عماد الحنبلى عالم سنى آخر فيه : ﴿ هو عظيم من عظماء الإمامية ورئيس قسم الفقه والكلام والمباحثة وكان يناظر ويحاجح جميع أتباع المدارس والطوائف والديانات﴾.
إلى غير ذلك من كلمات صدرت وكتابات كُتبت من فقهاء العامة في المدح والثناء على الشيخ المفيد ، وأما أقوال فقهاء الإمامية في شأنه وإطرائه لا يسع المقام الإتيان بها ومهما كثرت الأقوال وعلت الاصوات فإنها لاتهمنا في شيء ولا يعني مدح المادحين وثناء الممجدين في شيخنا المفيد شيء في تعريفه فإن حقيقة شيخنا أجلى من أن تحد وانك لتجد جمل الثناء كلها هزيلة في قبال مقامه ان علمت بأن إمام العصر وصاحب الزمان (ع) قد خاطبه في مكاتبة صدرت من الناحية المقدسة قال فيها الإمام المهدي (ع): ﴿للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد سلام عليك أيها الولي المولى المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا نبينا محمد وآله الطاهرين ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق إنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك أعزهم الله تعالى بطاعته وكفاهم المهم برعايته ... ﴾﴿ ﴾.
وقد وردت مكاتبة ثانية صدرت عن الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد قال فيها ارواحنا لمقدمة الفداء : ﴿ من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله سلام عليك أيها العبد الصالح الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق . . . وبعد فقد نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه لك من أوليائه وحرسك به من كيد أعدائه . . . ونعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين . . . هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي بإملائنا وحظ ثقتنا﴾﴿ ﴾.
بعد أن أحطنا بما جاء في رسالتي الإمام (ع) للشيخ المفيد ومقارنتها بالرسائل الصادرة عن الناحية المقدسة لشخصيات أخرى في عصر الغيبة الصغرى نرى ان الإمام لم يخاطب أحداً الا بأسمه فقط دون ثناء ولا مدح عكس ما شاهدناه في رسالتي الشيخ المفيد وانه (ع) لا ينطق إلا عين الحقيقة التي هي شرع سواءً في مدح رجل أو بيان حكم أو فصل قضاء وهكذا سبيل أهل بيت النبوة (ع) فَهُم لا ينطقون عن الهوى ونرى ذلك في كلمات الإمام (ع): ﴿إنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة﴾ .
وهنا نعرف حينئذ ان من يخاطبه إمام العصر والزمان (ع) بالأخوة ويعترف له بالولاية والرشد والأخلاق المرضية والمودة الصادقة والصفاء في النصرة لهم وللحق والصلاح وأنه ملهم الحق ودليله وكل هذا يوحي لنا بأن الإمام المهدي (ع) لم يعطيه ذلك الوسام المشرف والمحفوف بالعظمة إلا بعد أن وجده حاملا أعباء الهداية ناهضا بنشر العلم داحضا شبه المرتابين والعاملين بالقياسات الشيطانية والسالكين لطرق المخالفين المحسوبين على مدرسة أهل البيت ولم تأخذه في الله لومة لائم حتى مع أستاذه الذي عمل بالقياس صراحة فلم يسكت الشيخ المفيد على مخالفة استاذه لمنهج العترة بل راح يؤلف الكتب والرسائل في نقض آرائه ومبانيه كما أسلفنا في حقبة أبن جنيد ومن بنى على مبانيه في الفقه وأصوله إلى يومنا هذا .
وبعد أن انكر على أبن الجنيد الإجتهاد وعمله بالقياس والاستحسان وسلوكه طرق المخالفين راح يبن طريقته لمعرفة الأحكام الشرعية وقد حصر الشيخ المفيد الأحكام الشرعية في منابع ثلاثة فقط وذكرها قائلاً : ﴿ إعلم أن أصول الأحكام الشرعية ثلاثة أشياء : كتاب الله سبحانه ، وسُنة نبيه صلى الله عليه وآله ، وأقوال الأئمة الطاهرين من بعده صلوات الله عليهم وسلامه﴾﴿ ﴾.
ثم أضاف قائلاً : ﴿والطرق الموصلة إلى علم المشروع. في هذه الأصول ثلاثة: أحدها: العقل، وهو السبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار .
والثاني: اللسان، وهو السبيل إلى المعرفة بمعاني الكلام.
وثالثها: الأخبار، وهي السبيل إلى إثبات أعيان الأصول من الكتاب والسُنة، وأقوال الأئمة عليهم السلام﴾﴿ ﴾.
ولعل قائل يقول : إن الشيخ قد أستخدم العقل كما يستخدمة فقهاء اليوم ؟ فنقول : إن الشيخ المفيد لم يجعل العقل أصل من الأصول المستخدمة اليوم في التشريع كما هو معلوم بل جعله سبيلاً لمعرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار فمثلاً لو أراد شخص ان يفهم مسألة شرعية من الكتاب أو السُنة فهل سيستخدم غير العقل لفهم المسألة ؟
وهذا ما قصده الشيخ في بيانه وأما من أراد ان يدرج العقل في جملة أدوات التشريع وينسب ذلك للقدماء كالشيخ المفيد فهو واهم لأنه لم يجعل العقل من الأدلة في الأحكام وهذا ما صرح به الشيخ محمد رضا المظفر قائلاً : ﴿ لم يظهر لي بالضبط ما كان يقصد المتقدمون من علمائنا بالدليل العقلي ، حتى أن الكثير منهم لم يذكره من الأدلة ، أو لم يفسره ، أو فسره بما لا يصلح أن يكون دليلاً في قبال الكتاب والسُنة ﴾﴿ ﴾.
وقال معقباً على كلام الشيخ المفيد في باب الدليل العقلي في كتابه أصول الفقه ذاكرا ما قاله الشيخ المفيد قائلاً : ﴿ وأقدم نص وجدته ما ذكره الشيخ المفيد - المتوفى سنة 413 هـ- في رسالته الأصولية التي لخصها الشيخ الكراجكي فإنه لم يذكر الدليل العقلي من جملة أدلة الأحكام ، وإنما ذكر أن أصول الأحكام ثلاثة : الكتاب والسُنة النبوية وأقوال الأئمة (ع). ثم ذكر أن الطرق الموصلة إلى ما في هذه الأصول ثلاثة : اللسان ، والأخبار ، وأولها العقل ، وقال عنه : ﴿وهو سبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار﴾ . وهذا التصريح كما ترى أجنبي عما نحن في صدده﴾﴿ ﴾.
فقد بين الشيخ المظفر اجنبية القصد الذي أراده الشيخ المفيد من كلامه حول جعل العقل سبيلا للمعرفة عما عليه اليوم الفقه وأصوله في مدارس الأصوليون فقد جعل أصحاب الأصول العقل مصدرا من مصادر التشريع وأصلاً ثابتاً لمعرفة الأحكام وهذا مما لم يذكره المفيد في كلامه أصلاً .
لقد عاش الشيخ المفيد 76 عاما من العطاء الدائم فلم تاخذه في الله لومة لائم ولم يقعده عن نصرة الحق أحد فنال عظيم المدح والثناء على لسان الإمام المعصوم (ع) وهذا غاية الفخر في الدنيا والاخرة فرحمه الله وجزاه أفضل الجزاء .