مرحلة الشيخ الطوسي :
وهو الشيخ أبو جعفر، محمّد بن الحسن الطوسي ولد الشيخ الطوسي في سنة 385 هـ بمدينة طوس في خراسان وكانت أول دراسته في مدارس خراسان ثم شدَّ الرحال إلى بغداد في عام 408 هـ وهو أبن ثلاثة وعشرين عاماً وكان سبب هجرة الشيخ وغيره من الطلاب إلى بغداد بسبب أشتهار اساتذة بغداد انذاك بالعلوم العقلية ، والفلسفية ، المعبر عنها بـ ﴿العلوم الدخيلة﴾ والتي دخلت للدين في العصور العباسية لأول مرة في الإسلام وخصوصاً على مستوى الفقه الإمامي ، حيث وضع حجرها الأساسي في تلك الفترة ، واستحكمت دعائمها في بغداد فاستجلب من أجلها كبار العلماء والمترجمين من أطراف الأرض وأكناف البلاد .
وعلى العموم فقد أشتهر عند من تناول حياة الشيخ الطوسي أنه لازم الشيخ المفيد مدة خمس سنوات أي اخر خمس سنوات من عمر الشيخ المفيد وبعد وفاة الشيخ المفيد أصبح يعد من أبرز طلاب السيد المرتضى فقد أولاه عناية خاصة وقرر له مبلغ 12 دينارا شهريا في ذلك الزمن إلى ان تخرج على يديه فأمضى معه 23 عاما تقريبا .
وبقي في بغداد بعد وفاة أستاذه المرتضى حتى عام 448 هـ أي مدة 12 سنة .
ذاع صيت الشيخ الطوسي وانثنت له وسادة الزعامة وتفرد بها بعد وفاة السيد المرتضى، فأخذ الفقهاء يشدّون إليه الرحال من كل حدب وصوب على اختلاف مسالكهم ومذاهبهم ، حتّى بلغ عدد تلامذته الذين اجتهدوا على يديه أي حازوا على درجة الإجتهاد أكثر من ثلاثمائة مجتهد من الإمامية، ومن الغريب ان هنالك عددا من مجتهدي العامة لا يمكن حصرهم وعدهم كانوا يحضرون دروس الشيخ الطوسي فقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في مقدمة كتاب التبيان ما هذا نصه : ﴿فقد كان يحضر درس الشيخ الطوسي حوالي ثلاثمائة مجتهد من الشيعة. ومن العامة ما لا يحصى﴾﴿ - راجع مقدمة الشيخ آغا بزرك الطهراني على التبيان ﴾.
وهذه من الامور الغريبة والتي لم تحدث على يد أيٍ من الفقهاء السابقين فلم نشهد فقيها شيعيا قام بتدريس طرق الإجتهاد على النحو المعمول بها عند المخالفين قد سبق الشيخ الطوسي حيث تفرد الطوسي بهذه المسألة وهي بحد ذاتها تحتاج للتوقف والبحث فإن قلنا ببطلان أصول المخالفين وفقههم كان لزاما علينا تركه ونبذه إلا إذا ذهبنا على غير هذا المسلك فقلنا بأن هذه الأصول صحيحة وجب علينا في هذه الحال ايلائها العناية والاهتمام من حيث التدريس والتاليف وهذا ما حصل بالفعل فالذين كانوا يحضرون دروس الطوسي كانوا يرون موافقتها لمناهجهم فمتى اصبحت مناهج الامامية موافقة لمناهج المخالفين!!.
نال الشيخ الطوسي درجة عالية من الاهتمام عند الخليفة القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد فقد اعطى للشيخ الطوسي كرسي الكلام _ وهو مقام يعطيه الخليفة لرجل من رجال الدين فيجلس في بغداد يخطب بالناس _ ولم يكن هذا الكرسي ليُمنح إلاّ لمن اشار إليه الخليفة فبقي الشيخ الطوسي على هذا المنوال اثنتي عشرة سنة .
وبعد ذلك وعلى أثر حدوث الاختلافات الشديدة بين العامة والإمامية وتبدل الأوضاع السياسية وانتقال الحكم من البويهيين الذين كانوا يدعون التشيع إلى السلاجقة الذين كانوا على مذهب المخالفين شن ﴿طغرل بيك﴾ أوّل ملوك السلجوقيين حملة شديدة على الإمامية ورجال دينهم عند دخوله بغداد عام 447 هـ ، إذ قام بإحراق مكتبة الشيخ الطوسي تلك المكتبة التي بذل أبو نصر سابور ـ وزير بهاء الدولة البويهي ـ جهده بأمر من الخليفة بإنشائها في الكرخ ببغداد عام 381 هـ ، على غرار بيت الحكمة التي بناها هارون الرشيد العباسي .
وفي خضم تلك الأحداث التي حدثت ببغداد سنة 447 هـ أي بعد دخول السلاجقة إليها وعلى آثر ذلك هاجر الشيخ الطوسي إلى مدينة النجف الأشرف ليبقى بعيداً عن المعمعات الطائفية التي حدثت ببغداد وبعد إستقراره في مدينة النجف قرب مرقد الإمام علي (ع) قصده الطلاب للدراسة ونيل الإجتهاد على يديه فوضع بذلك اللبنة الأُولى للحوزة التي شيدها بنفسه في مدينة النجف الأشرف بعد أن كان طلب العلم مقتصرا على بغداد أيام الشيخ المفيد والسيد المرتضى وكذلك في زمن السفراء من قبل .
أختلف أصحاب المصنفات الرجالية في تحديد مذهب الشيخ الطوسي قبل دراسته على يد الشيخ المفيد ببغداد فقال مصنفي الإمامية انه كان أمامياً منذ دخوله بغداد إلا أن بعضاً من أهل السُنة نسبوه إلى المذهب الشافعي على اختلاف تعابيرهم في ذلك .
ومن جملة من قال بذلك هو تاج الدين السبكي في " طبقات الشافعية " فيقول ما هذا نصه : ﴿أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة ومصنفهم كان ينتسب إلى مذهب الشافعي . . . ورد بغداد ، وتفقه على مذهب الشافعي ﴾﴿ ﴾.
وبعد السبكي قال العلامة السيوطي في كتابه " طبقات المفسرين " : ﴿ محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر شيخ الشيعة وعالمهم . . . ورد بغداد ، وتفقه في فنون الفقه على مذهب الشافعي ، فلازم الشيخ المفيد فصار على أثره رافضيا ﴾﴿ ﴾. وممن صرح أخيرا بذلك الكاتب الشلبي في " كشف الظنون " فقال : ﴿كان ينتمي إلى مذهب الشافعي﴾ .
إن ما يؤكد كون الشيخ الطوسي قد تفقه على مذهب الشافعي أو انه كان فعلا شافعياً هو اشاعته لطريقة الإجتهاد بين الإمامية على النحو المعمول به عند أهل السُنة واقتباسه عبارات من كتب الشافعي على وجه الخصوص وقد ذكر ذلك العديد من الكتّاب الذين كتبوا عن حياة الشيخ الطوسي ومن هؤلاء محمد الخراساني فقد كتب في مقدمة كتاب الرسائل العشرة للشيخ الطوسي على ان سبب قول مصنفي أبناء العامة انه كان شافعيا موعزا سبب ذلك إلى ان الشيخ الطوسي كان يعمل بالإجتهاد وأشاع طريقته بين الإمامية على النحو المعمول بها عند مذاهب السُنة وذلك في قوله : ﴿ ترويجه للفقه التفريعي وإشاعته طريقة " الإجتهاد " بين الشيعة على النحو المعمول به عند أهل السُنة ... واقتباسه عباراتهم وخصوصاً من كتب الإمام الشافعي ولا سيما في كتابه " المبسوط " ، وإيراده للروايات من طرقهم . وتصميمه على جمع روايات الفريقين في كتابه " تهذيب الأحكام " في بدء العمل - وإن انصرف عنه فيما بعد - وأمثال هذه الأمور ﴾﴿طبقات الشافعية - ج3 - ص51 ﴾.
إن الشيخ الطوسي يعد من اوائل الفقهاء الذين اشاعوا طريقة الإجتهاد السني في المجتمع الشيعي وهذا ما يؤكد تأثره بطرق القوم وأصولهم ولهذا فقد ذكر بعض المعاصرين من أهل السُنة طريقة الشيخ الطوسي الإجتهادية في قولهم : ﴿ كان عالما على المنهاجين الإمامي والسني ﴾﴿ - طبقات المفسرين - ص29﴾.
وهذا ما يؤكد تأثر الشيخ الطوسي بطرق العامة اضافة لذلك إذا علمنا بأن الشيخ قد درس ولسنوات عند عدد ليس بقليل من فقهاء العامة منهم على سبيل المثال :
1- القاضي أبو القاسم علي التنوخي أبن القاضي أبي علي المحسن أبن القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم القحطاني من تلامذته السيد المرتضى وأصحابه ، وقد عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
1-أبو الحسين بن سوار المغربي . عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
2-أبو علي بن شاذان المتكلم . وقد عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة أيضاً .
3-محمد بن سنان . عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة أيضاً .
4-أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعروف بأبن بشران المعدل ، المتوفى سنة 411 هـ ، وقد عده العلامة الحلي في ﴿الاجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه العامة .
5-محمد بن علي بن خشيش بن نضر بن جعفر بن إبراهيم التميمي المتوفى بعد سنة 408 هـ " روى عنه الشيخ الطوسي أخبار كثيرة في أماليه ، وعده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
6-أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز ، المولود سنة 329 ه ، والمتوفى سنة 419 هـ ، قرأ عليه الشيخ الطوسي ببغداد في ذي الحجة سنة 417 هـ ، وقد ذكره الخطيب البغدادي في ﴿ تأريخ بغداد ﴾ ج 3 - ص 331 وعده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
7-السيد أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار المولود سنة 322 ه والمتوفى سنة 414 هـ " ذكره الشيخ الطوسي في رجاله ضمن ترجمة إسماعيل بن علي بن علي بن رزين أبن أخي دعبل الخزاعي ﴿ ص 452 ﴾ وعده العلامة الحلي في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ من مشايخه من العامة .
8-أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ المتوفى بعد سنة 411 ه ، سمع منه إملاء في مسجد الرصافة الجانب الشرقي ببغداد في ذي القعدة سنة 411 هـ ، وقد عده العلامة الحلي في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ من مشائخه من العامة .
9-محمد بن سنن . عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشائخه من العامة .
10-أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي بن خشنام " المتوفى سنة 410 هـ " وكانت ولادته سنة 318 هـ ، سمع منه ببغداد في درب الزعفراني رحبة أبن مهدي ، عده العلامة الحلي في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ من مشايخه من العامة .
11-أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحام المعروف بأبن الفحام السر من رائي ﴿السامرائي﴾ المتوفى بعد سنة 408 هـ وضبط وفاته بعض أرباب المعاجم سنة 408 هـ عده العلامة الحلي من مشائخه من العامة في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ .
12-أبو منصور الكرى ، يظهر من أمالي الشيخ الطوسي أنه من مشايخه ، قال صاحب ﴿رياض العلماء﴾ . يحتمل أن يكون من العامة.
وبهذا فإن الشيخ الطوسي لا بد أن يتأثر بهؤلاء الفقهاء وبطرقهم الأصولية وهذا ما حدث بالفعل فقد اشاع طريقة الإجتهاد بين الإمامية على النحو المعمول به عند السنة وهذا مما يؤكد تاثره بفقهاء العامة وخصوصاً عندما نعلم بانه كان يقتبس عبارات العامة وخصوصاً من كتب الشافعي في كتابه ﴿المبسوط﴾ فضلاً عن ايراده للروايات من طرقهم .
إن مسألة النشوء في مجتمعات العامة والتفقه على يديهم وتعلم أصولهم لها تبعات كبيرة عند الفقيه الإمامي حيث انه سيتأثر بما درس وسمع فينقل أفكار المخالفين إلى الإمامية من حيث لا يشعر والطلاب لحسن ظنهم بأستاذهم فإنهم يأخذون ما يقوله على أنه من أقوال العترة الطاهرة (ع) وعن هذه المسألة تحدث المحدث الكاشاني قائلاً : ﴿أقول والسبب الأصلي في وقوع هؤلاء في الورطات ليس إلا أنهم نشأوا في بلاد المخالفين وبين أظهرهم في بلاد التقية وسمعوا منهم كلمات عقلية استحسنوها وأوقعت في نفوسهم محلا ومزجوا قليلا قليلا بينها وبين النصوص المعصومية وأخذوا في الاستنباطات الظنية من المتشابهات ومن قوانين وضعوها وقواعد أخذوا أكثرها من كتب العامة وأصولهم تشحيذا للأذهان وترويحا للأفكار ... فاتسعت بينهم دائرة الخلاف في الآراء ووسع لهم ميدان الأفكار والأهواء ويسر لهم بسبب ذلك الدخول في عدة أمور ورد النهي عنها بخصوصها في الشرع في ألفاظ لا تحصى من حيث لا يشعرون منها القول بالإجماع كما عرفت. ومنها القول بالإجتهاد والرأي في الشرائع كما تقوله العامة مع تعسر ضبط ذلك وتعسر المعرفة بأبه ومنها إتباع الظن والتعويل عليه في الحكم والفتوى . ومنها موت القول بموت قائله إلى غير ذلك من الأمور المخالفة لأصول الإمامية المتواترة عن أهل البيت عليهم السلام﴾﴿ - - الشهاب الثاقب في وجوب صلاة الجمعة العيني – المحدث الكاشاني - ص 93
-
إن المطلع على مصنفات الشيخ الطوسي يمكنه معرفة طريقة الشيخ الطوسي من جانبين الجانب الأول أهتمامة بالأخبار والروايات الشريفة وهذا مما استفاده من استاذه الشيخ المفيد حيث كتب الشيخ الطوسي تهذيب الأحكام وهو أحد الكتب الأربعة المعروفة وهو شرح كتاب المقنعة للشيخ المفيد بدء به في حياة أستاذه ، وبإشارة من الشيخ المفيد نفسه﴿ - قاله الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الإمام الصادق ، كما رواه عنه السيد محمد صادق آل بحر العلوم في مقدمته على رجال الشيخ الطوسي ص 27
﴾.
كما كتب الشيخ الطوسي كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، وهو أيضاً من جملة الكتب الأربعة ، استخرجها الشيخ من روايات التهذيب ﴿ الرسائل العشر - الشيخ الطوسي - ص 41
﴾﴾ والذي كما قلنا استفاده من استاذه المفيد .
ولا يخفى في هذا الجانب أي الجانب الروائي وجمع الأخبار فقد استفاد الشيخ الطوسي من استاذه المفيد الاستفادة العظمى وذلك في قول الشيخ الطوسي نفسه فقد ذكر الطوسي في ترجمة المفيد بعد سرد مؤلفاته قوله : ﴿سمعنا منه هذه الكتب بعضها قراءة عليه وبعضها يقرأ عليه غير مرة وهو يسمع﴾﴿ - نفس المصدر السابق
لقد قضى الشيخ الطوسي مدة خمس سنوات في ملازمة للشيخ المفيد وعده من رجال الحديث والرواية فتزود منهم كثيراً وسمع منهم ونقل عنهم العديد من الروايات والأحاديث الشريفة ولم يستفد من الشريف المرتضى في الحديث والرواية كما استفاد من مشايخة السابقين وهذا على حد ما وجدناه في ترجمة الرجال وما أقره مقدم كتاب الرسائل العشرة للشيخ الطوسي فقال : ﴿وفي رأيي أنا أن الشيخ الطوسي لم يكن بحاجة ماسة إلى علم السيد في الرواية والحديث ، لأنه في السنوات الخمس التي قضاها مع المفيد وغيره من الأساتذة والمشايخ الكبار الذين سمينا بعضهم كان قد تزود بأكبر قدر ممكن من المنقولات والروايات عنهم مباشرة من غير حاجة إلى توسيط السيد وغيره ممن يعتبرون من تلامذة هؤلاء المشايخ ... ولهذا لم نجد السيد ﴿أي المرتضى﴾ في طريق شيء من روايات كتابي التهذيب والاستبصار الذين هما أهم كتبه الحديثية﴾﴿ - الرسائل العشرة الشيخ الطوسي - ص 30﴾.
وبهذا نعرف بأن الفضل في كتابي التهذيب والاستبصار كان للشيخ المفيد فقد اشار للطوسي في كتابة الحديث والرواية إلا أن الشيخ الطوسي لم تخلوا كتاباته في الحديث من السهو والغفلة والتحريف والنقصان في متون الأخبار وأسانيدها كما سياتي ولعل ذلك راجع إلى قصر الفترة التي قضاها مع استاذه المفيد .
اما الجانب الثاني وهو اهتمامه بأصول الفقه فإننا نجد الشيخ الطوسي قد استفاد من طريقة السيد المرتضى الأصولية في الفقه والأصول إلى حدٍ كبير فقد نقل الشيخ الطوسي العديد من آراء المرتضى الأصولية في كتابه عدة الأصول وكذلك في كتبه الكلامية كما انتقد العديد من آراء السيد المرتضى في كتابه عدة الأصول.
إن ما يؤكد استفادة الشيخ الطوسي من طريقة المرتضى الأصولية هو كتابه العدة أو عدة الأصول ، وهذا الكتاب يشابه كتاب " الذريعة إلى أصول الشريعة " للسيد المرتضى . كما كتب الشيخ الطوسي تمهيد الأصول أو التمهيد في الأصول ، شرح قسم الكلام من كتاب جمل العلم والعمل للسيد المرتضى .
إن المطلع على أصول الشيخ الطوسي يجدها مطابقة إلى حدا كبير لأصول استاذه المرتضى وطريقته في الأصول الفقهية فقد ذهب الشيخ الطوسي في كتابه العدة في أصول الفقه إلى القول بالقياس والظن كما ذهب استاذه من قبل بل ان الشيخ الطوسي قد اقتبس نفس العبارات والأمثلة التي تبناها المرتضى من قبل حيث ذكر في صحة معرفة الأحكام بالقياس ما هذا نصه : ﴿والذي يدل على صحة معرفة الأحكام به : انه لا فرق في صحة معرفتنا بتحريم النبيذ المسكر بين أن ينص الله على تحريم المسكر من الأنبذة ، وبين أن ينص على تحريم الخمر وينص على أن العلة في تحريمها شدتها ، أو يدلنا بدليل غير النص على أنه حرم الخمر لهذه العلة ، أو ينصب لنا امارة تغلب عند نظرنا فيها ظننا ان تحريمها لهذه العلة ، مع ايجاب القياس علينا في الوجوه كلها﴾﴿ - عدة الأصول - الشيخ الطوسي - ج 2 - ص 653
﴾.
إن المطلع على ما نقلناه في مرحلة المرتضى يجد كيف ان الشيخ الطوسي قد اقتبس عبارات المرتضى الأصولية كما هي فقد ذكر حال القياس وضرب لصحة العمل به نفس المثال الذي ضربه المرتضى في كتابه الذريعة .
كما ان الشيخ الطوسي قد دافع عن الظن بالأحكام بنفس الطريقة التي استخدمها استاذه المرتضى فقد نقض قول القائل بأن القياس يتعلق بالظنون وبنفس طريقة استاذه حيث قال ما هذا نصه : ﴿ فاما من أحاله ﴿أي القياس﴾ من حيث تعلق بالظن الذي يخطئ ويصيب ، فينقض قوله بكثير من الأحكام في العقل والشرع يتعلق بالظن ، الا ترى انا نعلم في العقل حسن التجارة عند ظن الربح ، ونعلم قبحها عند الظن للخسران﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 654﴾.
إن المطلع على أصول الطوسي يرى قربها لأصول استاذه المرتضى كما انها قريبة جداً لأصول العامة كما ذكرنا ولذلك فقد اعاب على هذا الشيخ جملة من فقهاء الإمامية لسلوكه طريق المخالفين في القياس والاستحسان في كثير من المسائل التي ذكرها كما ان بعض العلماء قد اعتذر لذلك وكان وجه اعتذارهم بأن الشيخ الطوسي كان يسلك طرق المخالفين تقية ومماشاة لهم حيث كان العامة يشنعون على الإمامية بانهم ليسوا من أهل الإجتهاد والاستنباط وليس لهم قدرة على الاستدلال ولذلك فإن الشيخ الطوسي قام بمماشاة هؤلاء !!
يتبع
وهو الشيخ أبو جعفر، محمّد بن الحسن الطوسي ولد الشيخ الطوسي في سنة 385 هـ بمدينة طوس في خراسان وكانت أول دراسته في مدارس خراسان ثم شدَّ الرحال إلى بغداد في عام 408 هـ وهو أبن ثلاثة وعشرين عاماً وكان سبب هجرة الشيخ وغيره من الطلاب إلى بغداد بسبب أشتهار اساتذة بغداد انذاك بالعلوم العقلية ، والفلسفية ، المعبر عنها بـ ﴿العلوم الدخيلة﴾ والتي دخلت للدين في العصور العباسية لأول مرة في الإسلام وخصوصاً على مستوى الفقه الإمامي ، حيث وضع حجرها الأساسي في تلك الفترة ، واستحكمت دعائمها في بغداد فاستجلب من أجلها كبار العلماء والمترجمين من أطراف الأرض وأكناف البلاد .
وعلى العموم فقد أشتهر عند من تناول حياة الشيخ الطوسي أنه لازم الشيخ المفيد مدة خمس سنوات أي اخر خمس سنوات من عمر الشيخ المفيد وبعد وفاة الشيخ المفيد أصبح يعد من أبرز طلاب السيد المرتضى فقد أولاه عناية خاصة وقرر له مبلغ 12 دينارا شهريا في ذلك الزمن إلى ان تخرج على يديه فأمضى معه 23 عاما تقريبا .
وبقي في بغداد بعد وفاة أستاذه المرتضى حتى عام 448 هـ أي مدة 12 سنة .
ذاع صيت الشيخ الطوسي وانثنت له وسادة الزعامة وتفرد بها بعد وفاة السيد المرتضى، فأخذ الفقهاء يشدّون إليه الرحال من كل حدب وصوب على اختلاف مسالكهم ومذاهبهم ، حتّى بلغ عدد تلامذته الذين اجتهدوا على يديه أي حازوا على درجة الإجتهاد أكثر من ثلاثمائة مجتهد من الإمامية، ومن الغريب ان هنالك عددا من مجتهدي العامة لا يمكن حصرهم وعدهم كانوا يحضرون دروس الشيخ الطوسي فقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في مقدمة كتاب التبيان ما هذا نصه : ﴿فقد كان يحضر درس الشيخ الطوسي حوالي ثلاثمائة مجتهد من الشيعة. ومن العامة ما لا يحصى﴾﴿ - راجع مقدمة الشيخ آغا بزرك الطهراني على التبيان ﴾.
وهذه من الامور الغريبة والتي لم تحدث على يد أيٍ من الفقهاء السابقين فلم نشهد فقيها شيعيا قام بتدريس طرق الإجتهاد على النحو المعمول بها عند المخالفين قد سبق الشيخ الطوسي حيث تفرد الطوسي بهذه المسألة وهي بحد ذاتها تحتاج للتوقف والبحث فإن قلنا ببطلان أصول المخالفين وفقههم كان لزاما علينا تركه ونبذه إلا إذا ذهبنا على غير هذا المسلك فقلنا بأن هذه الأصول صحيحة وجب علينا في هذه الحال ايلائها العناية والاهتمام من حيث التدريس والتاليف وهذا ما حصل بالفعل فالذين كانوا يحضرون دروس الطوسي كانوا يرون موافقتها لمناهجهم فمتى اصبحت مناهج الامامية موافقة لمناهج المخالفين!!.
نال الشيخ الطوسي درجة عالية من الاهتمام عند الخليفة القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد فقد اعطى للشيخ الطوسي كرسي الكلام _ وهو مقام يعطيه الخليفة لرجل من رجال الدين فيجلس في بغداد يخطب بالناس _ ولم يكن هذا الكرسي ليُمنح إلاّ لمن اشار إليه الخليفة فبقي الشيخ الطوسي على هذا المنوال اثنتي عشرة سنة .
وبعد ذلك وعلى أثر حدوث الاختلافات الشديدة بين العامة والإمامية وتبدل الأوضاع السياسية وانتقال الحكم من البويهيين الذين كانوا يدعون التشيع إلى السلاجقة الذين كانوا على مذهب المخالفين شن ﴿طغرل بيك﴾ أوّل ملوك السلجوقيين حملة شديدة على الإمامية ورجال دينهم عند دخوله بغداد عام 447 هـ ، إذ قام بإحراق مكتبة الشيخ الطوسي تلك المكتبة التي بذل أبو نصر سابور ـ وزير بهاء الدولة البويهي ـ جهده بأمر من الخليفة بإنشائها في الكرخ ببغداد عام 381 هـ ، على غرار بيت الحكمة التي بناها هارون الرشيد العباسي .
وفي خضم تلك الأحداث التي حدثت ببغداد سنة 447 هـ أي بعد دخول السلاجقة إليها وعلى آثر ذلك هاجر الشيخ الطوسي إلى مدينة النجف الأشرف ليبقى بعيداً عن المعمعات الطائفية التي حدثت ببغداد وبعد إستقراره في مدينة النجف قرب مرقد الإمام علي (ع) قصده الطلاب للدراسة ونيل الإجتهاد على يديه فوضع بذلك اللبنة الأُولى للحوزة التي شيدها بنفسه في مدينة النجف الأشرف بعد أن كان طلب العلم مقتصرا على بغداد أيام الشيخ المفيد والسيد المرتضى وكذلك في زمن السفراء من قبل .
أختلف أصحاب المصنفات الرجالية في تحديد مذهب الشيخ الطوسي قبل دراسته على يد الشيخ المفيد ببغداد فقال مصنفي الإمامية انه كان أمامياً منذ دخوله بغداد إلا أن بعضاً من أهل السُنة نسبوه إلى المذهب الشافعي على اختلاف تعابيرهم في ذلك .
ومن جملة من قال بذلك هو تاج الدين السبكي في " طبقات الشافعية " فيقول ما هذا نصه : ﴿أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة ومصنفهم كان ينتسب إلى مذهب الشافعي . . . ورد بغداد ، وتفقه على مذهب الشافعي ﴾﴿ ﴾.
وبعد السبكي قال العلامة السيوطي في كتابه " طبقات المفسرين " : ﴿ محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر شيخ الشيعة وعالمهم . . . ورد بغداد ، وتفقه في فنون الفقه على مذهب الشافعي ، فلازم الشيخ المفيد فصار على أثره رافضيا ﴾﴿ ﴾. وممن صرح أخيرا بذلك الكاتب الشلبي في " كشف الظنون " فقال : ﴿كان ينتمي إلى مذهب الشافعي﴾ .
إن ما يؤكد كون الشيخ الطوسي قد تفقه على مذهب الشافعي أو انه كان فعلا شافعياً هو اشاعته لطريقة الإجتهاد بين الإمامية على النحو المعمول به عند أهل السُنة واقتباسه عبارات من كتب الشافعي على وجه الخصوص وقد ذكر ذلك العديد من الكتّاب الذين كتبوا عن حياة الشيخ الطوسي ومن هؤلاء محمد الخراساني فقد كتب في مقدمة كتاب الرسائل العشرة للشيخ الطوسي على ان سبب قول مصنفي أبناء العامة انه كان شافعيا موعزا سبب ذلك إلى ان الشيخ الطوسي كان يعمل بالإجتهاد وأشاع طريقته بين الإمامية على النحو المعمول بها عند مذاهب السُنة وذلك في قوله : ﴿ ترويجه للفقه التفريعي وإشاعته طريقة " الإجتهاد " بين الشيعة على النحو المعمول به عند أهل السُنة ... واقتباسه عباراتهم وخصوصاً من كتب الإمام الشافعي ولا سيما في كتابه " المبسوط " ، وإيراده للروايات من طرقهم . وتصميمه على جمع روايات الفريقين في كتابه " تهذيب الأحكام " في بدء العمل - وإن انصرف عنه فيما بعد - وأمثال هذه الأمور ﴾﴿طبقات الشافعية - ج3 - ص51 ﴾.
إن الشيخ الطوسي يعد من اوائل الفقهاء الذين اشاعوا طريقة الإجتهاد السني في المجتمع الشيعي وهذا ما يؤكد تأثره بطرق القوم وأصولهم ولهذا فقد ذكر بعض المعاصرين من أهل السُنة طريقة الشيخ الطوسي الإجتهادية في قولهم : ﴿ كان عالما على المنهاجين الإمامي والسني ﴾﴿ - طبقات المفسرين - ص29﴾.
وهذا ما يؤكد تأثر الشيخ الطوسي بطرق العامة اضافة لذلك إذا علمنا بأن الشيخ قد درس ولسنوات عند عدد ليس بقليل من فقهاء العامة منهم على سبيل المثال :
1- القاضي أبو القاسم علي التنوخي أبن القاضي أبي علي المحسن أبن القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم القحطاني من تلامذته السيد المرتضى وأصحابه ، وقد عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
1-أبو الحسين بن سوار المغربي . عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
2-أبو علي بن شاذان المتكلم . وقد عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة أيضاً .
3-محمد بن سنان . عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة أيضاً .
4-أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعروف بأبن بشران المعدل ، المتوفى سنة 411 هـ ، وقد عده العلامة الحلي في ﴿الاجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه العامة .
5-محمد بن علي بن خشيش بن نضر بن جعفر بن إبراهيم التميمي المتوفى بعد سنة 408 هـ " روى عنه الشيخ الطوسي أخبار كثيرة في أماليه ، وعده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
6-أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز ، المولود سنة 329 ه ، والمتوفى سنة 419 هـ ، قرأ عليه الشيخ الطوسي ببغداد في ذي الحجة سنة 417 هـ ، وقد ذكره الخطيب البغدادي في ﴿ تأريخ بغداد ﴾ ج 3 - ص 331 وعده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
7-السيد أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار المولود سنة 322 ه والمتوفى سنة 414 هـ " ذكره الشيخ الطوسي في رجاله ضمن ترجمة إسماعيل بن علي بن علي بن رزين أبن أخي دعبل الخزاعي ﴿ ص 452 ﴾ وعده العلامة الحلي في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ من مشايخه من العامة .
8-أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ المتوفى بعد سنة 411 ه ، سمع منه إملاء في مسجد الرصافة الجانب الشرقي ببغداد في ذي القعدة سنة 411 هـ ، وقد عده العلامة الحلي في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ من مشائخه من العامة .
9-محمد بن سنن . عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشائخه من العامة .
10-أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي بن خشنام " المتوفى سنة 410 هـ " وكانت ولادته سنة 318 هـ ، سمع منه ببغداد في درب الزعفراني رحبة أبن مهدي ، عده العلامة الحلي في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ من مشايخه من العامة .
11-أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحام المعروف بأبن الفحام السر من رائي ﴿السامرائي﴾ المتوفى بعد سنة 408 هـ وضبط وفاته بعض أرباب المعاجم سنة 408 هـ عده العلامة الحلي من مشائخه من العامة في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ .
12-أبو منصور الكرى ، يظهر من أمالي الشيخ الطوسي أنه من مشايخه ، قال صاحب ﴿رياض العلماء﴾ . يحتمل أن يكون من العامة.
وبهذا فإن الشيخ الطوسي لا بد أن يتأثر بهؤلاء الفقهاء وبطرقهم الأصولية وهذا ما حدث بالفعل فقد اشاع طريقة الإجتهاد بين الإمامية على النحو المعمول به عند السنة وهذا مما يؤكد تاثره بفقهاء العامة وخصوصاً عندما نعلم بانه كان يقتبس عبارات العامة وخصوصاً من كتب الشافعي في كتابه ﴿المبسوط﴾ فضلاً عن ايراده للروايات من طرقهم .
إن مسألة النشوء في مجتمعات العامة والتفقه على يديهم وتعلم أصولهم لها تبعات كبيرة عند الفقيه الإمامي حيث انه سيتأثر بما درس وسمع فينقل أفكار المخالفين إلى الإمامية من حيث لا يشعر والطلاب لحسن ظنهم بأستاذهم فإنهم يأخذون ما يقوله على أنه من أقوال العترة الطاهرة (ع) وعن هذه المسألة تحدث المحدث الكاشاني قائلاً : ﴿أقول والسبب الأصلي في وقوع هؤلاء في الورطات ليس إلا أنهم نشأوا في بلاد المخالفين وبين أظهرهم في بلاد التقية وسمعوا منهم كلمات عقلية استحسنوها وأوقعت في نفوسهم محلا ومزجوا قليلا قليلا بينها وبين النصوص المعصومية وأخذوا في الاستنباطات الظنية من المتشابهات ومن قوانين وضعوها وقواعد أخذوا أكثرها من كتب العامة وأصولهم تشحيذا للأذهان وترويحا للأفكار ... فاتسعت بينهم دائرة الخلاف في الآراء ووسع لهم ميدان الأفكار والأهواء ويسر لهم بسبب ذلك الدخول في عدة أمور ورد النهي عنها بخصوصها في الشرع في ألفاظ لا تحصى من حيث لا يشعرون منها القول بالإجماع كما عرفت. ومنها القول بالإجتهاد والرأي في الشرائع كما تقوله العامة مع تعسر ضبط ذلك وتعسر المعرفة بأبه ومنها إتباع الظن والتعويل عليه في الحكم والفتوى . ومنها موت القول بموت قائله إلى غير ذلك من الأمور المخالفة لأصول الإمامية المتواترة عن أهل البيت عليهم السلام﴾﴿ - - الشهاب الثاقب في وجوب صلاة الجمعة العيني – المحدث الكاشاني - ص 93
-
إن المطلع على مصنفات الشيخ الطوسي يمكنه معرفة طريقة الشيخ الطوسي من جانبين الجانب الأول أهتمامة بالأخبار والروايات الشريفة وهذا مما استفاده من استاذه الشيخ المفيد حيث كتب الشيخ الطوسي تهذيب الأحكام وهو أحد الكتب الأربعة المعروفة وهو شرح كتاب المقنعة للشيخ المفيد بدء به في حياة أستاذه ، وبإشارة من الشيخ المفيد نفسه﴿ - قاله الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الإمام الصادق ، كما رواه عنه السيد محمد صادق آل بحر العلوم في مقدمته على رجال الشيخ الطوسي ص 27
﴾.
كما كتب الشيخ الطوسي كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، وهو أيضاً من جملة الكتب الأربعة ، استخرجها الشيخ من روايات التهذيب ﴿ الرسائل العشر - الشيخ الطوسي - ص 41
﴾﴾ والذي كما قلنا استفاده من استاذه المفيد .
ولا يخفى في هذا الجانب أي الجانب الروائي وجمع الأخبار فقد استفاد الشيخ الطوسي من استاذه المفيد الاستفادة العظمى وذلك في قول الشيخ الطوسي نفسه فقد ذكر الطوسي في ترجمة المفيد بعد سرد مؤلفاته قوله : ﴿سمعنا منه هذه الكتب بعضها قراءة عليه وبعضها يقرأ عليه غير مرة وهو يسمع﴾﴿ - نفس المصدر السابق
لقد قضى الشيخ الطوسي مدة خمس سنوات في ملازمة للشيخ المفيد وعده من رجال الحديث والرواية فتزود منهم كثيراً وسمع منهم ونقل عنهم العديد من الروايات والأحاديث الشريفة ولم يستفد من الشريف المرتضى في الحديث والرواية كما استفاد من مشايخة السابقين وهذا على حد ما وجدناه في ترجمة الرجال وما أقره مقدم كتاب الرسائل العشرة للشيخ الطوسي فقال : ﴿وفي رأيي أنا أن الشيخ الطوسي لم يكن بحاجة ماسة إلى علم السيد في الرواية والحديث ، لأنه في السنوات الخمس التي قضاها مع المفيد وغيره من الأساتذة والمشايخ الكبار الذين سمينا بعضهم كان قد تزود بأكبر قدر ممكن من المنقولات والروايات عنهم مباشرة من غير حاجة إلى توسيط السيد وغيره ممن يعتبرون من تلامذة هؤلاء المشايخ ... ولهذا لم نجد السيد ﴿أي المرتضى﴾ في طريق شيء من روايات كتابي التهذيب والاستبصار الذين هما أهم كتبه الحديثية﴾﴿ - الرسائل العشرة الشيخ الطوسي - ص 30﴾.
وبهذا نعرف بأن الفضل في كتابي التهذيب والاستبصار كان للشيخ المفيد فقد اشار للطوسي في كتابة الحديث والرواية إلا أن الشيخ الطوسي لم تخلوا كتاباته في الحديث من السهو والغفلة والتحريف والنقصان في متون الأخبار وأسانيدها كما سياتي ولعل ذلك راجع إلى قصر الفترة التي قضاها مع استاذه المفيد .
اما الجانب الثاني وهو اهتمامه بأصول الفقه فإننا نجد الشيخ الطوسي قد استفاد من طريقة السيد المرتضى الأصولية في الفقه والأصول إلى حدٍ كبير فقد نقل الشيخ الطوسي العديد من آراء المرتضى الأصولية في كتابه عدة الأصول وكذلك في كتبه الكلامية كما انتقد العديد من آراء السيد المرتضى في كتابه عدة الأصول.
إن ما يؤكد استفادة الشيخ الطوسي من طريقة المرتضى الأصولية هو كتابه العدة أو عدة الأصول ، وهذا الكتاب يشابه كتاب " الذريعة إلى أصول الشريعة " للسيد المرتضى . كما كتب الشيخ الطوسي تمهيد الأصول أو التمهيد في الأصول ، شرح قسم الكلام من كتاب جمل العلم والعمل للسيد المرتضى .
إن المطلع على أصول الشيخ الطوسي يجدها مطابقة إلى حدا كبير لأصول استاذه المرتضى وطريقته في الأصول الفقهية فقد ذهب الشيخ الطوسي في كتابه العدة في أصول الفقه إلى القول بالقياس والظن كما ذهب استاذه من قبل بل ان الشيخ الطوسي قد اقتبس نفس العبارات والأمثلة التي تبناها المرتضى من قبل حيث ذكر في صحة معرفة الأحكام بالقياس ما هذا نصه : ﴿والذي يدل على صحة معرفة الأحكام به : انه لا فرق في صحة معرفتنا بتحريم النبيذ المسكر بين أن ينص الله على تحريم المسكر من الأنبذة ، وبين أن ينص على تحريم الخمر وينص على أن العلة في تحريمها شدتها ، أو يدلنا بدليل غير النص على أنه حرم الخمر لهذه العلة ، أو ينصب لنا امارة تغلب عند نظرنا فيها ظننا ان تحريمها لهذه العلة ، مع ايجاب القياس علينا في الوجوه كلها﴾﴿ - عدة الأصول - الشيخ الطوسي - ج 2 - ص 653
﴾.
إن المطلع على ما نقلناه في مرحلة المرتضى يجد كيف ان الشيخ الطوسي قد اقتبس عبارات المرتضى الأصولية كما هي فقد ذكر حال القياس وضرب لصحة العمل به نفس المثال الذي ضربه المرتضى في كتابه الذريعة .
كما ان الشيخ الطوسي قد دافع عن الظن بالأحكام بنفس الطريقة التي استخدمها استاذه المرتضى فقد نقض قول القائل بأن القياس يتعلق بالظنون وبنفس طريقة استاذه حيث قال ما هذا نصه : ﴿ فاما من أحاله ﴿أي القياس﴾ من حيث تعلق بالظن الذي يخطئ ويصيب ، فينقض قوله بكثير من الأحكام في العقل والشرع يتعلق بالظن ، الا ترى انا نعلم في العقل حسن التجارة عند ظن الربح ، ونعلم قبحها عند الظن للخسران﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 654﴾.
إن المطلع على أصول الطوسي يرى قربها لأصول استاذه المرتضى كما انها قريبة جداً لأصول العامة كما ذكرنا ولذلك فقد اعاب على هذا الشيخ جملة من فقهاء الإمامية لسلوكه طريق المخالفين في القياس والاستحسان في كثير من المسائل التي ذكرها كما ان بعض العلماء قد اعتذر لذلك وكان وجه اعتذارهم بأن الشيخ الطوسي كان يسلك طرق المخالفين تقية ومماشاة لهم حيث كان العامة يشنعون على الإمامية بانهم ليسوا من أهل الإجتهاد والاستنباط وليس لهم قدرة على الاستدلال ولذلك فإن الشيخ الطوسي قام بمماشاة هؤلاء !!
يتبع
تعليق