مرحلة التقليد :
مرحلة التقليد أو ما يسمى في مصطلح الفقهاء بعصر الركود والذي امتد من وفاة الشيخ الطوسي سنة 460 هـ إلى سنة 600 هـ تقريباً .
يعد هذا العصر عصر التقليد لأصول الشيخ الطوسي وفتاويه بعد العلم بأن الشيخ كان لا يرضى بالتقليد وكما مر ذكره إلا أن جميع الفقهاء الذين كانوا بتلك الحقبة الزمنية كانوا عاكفين على فتاوى الشيخ وأصوله وكانوا يعتبرون أصول الطوسي أصلاً مسلّماً لا يحتمل النقاش فضلاً عن الافتاء بعكسها بل ان الأكثر من هذا انهم كانوا يعتبرون التأليف في قبال مؤلفات الشيخ تجاسرا عليه وإهانة له كما يذكر هذا الشيخ آغا بزرگ الطهراني قائلاً : ﴿ مضت على علماء الشيعة سنون متطاولة، وأجيال متعاقبة، ولم يكن من الهين على أحد منهم أن يعدو نظريات شيخ الطائفة في الفتاوى، وكانوا يعدون أحاديثه أصلاً مسلماً ويكتفون بها، ويعدون التأليف في قبالها وإصدار الفتوى مع وجودها تجاسراً على الشيخ وإهانة له ﴾﴿التبيان - الشيخ الطوسي - ج 1 - المقدمة ص 8
وعن هذه الحقبة يقول الشيخ جعفر السبحاني : ﴿وقد استأثر الشيخ بعواطف تلاميذه ومعاصريه واستطاع أن يحتل في قلوبهم مكانة رفيعة أهالت عليه حالة من القداسة جعلت مخالفته ونقاش آرائه إهانة لشخصيته الفذة﴾﴿ - ادوار الفقه الإمامي – جعفر السبحاني – ص140
ويقول الشهيد الثاني : ﴿ أن أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له ، لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به . فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه ، فحسبوها شهرة بين العلماء وما دروا أن مرجعها إلى الشيخ وأن الشهرة إنما حصلت بمتاب ﴾﴿ - معالم الدين وملاذ المجتهدين - أبن الشهيد الثاني - ص 176 - 177
وقال الحمصي : ﴿ أنه لم يبق للإمامية مفت على التحقيق بل كلهم حاك﴾﴿ - نفس المصدر السابق
لقد جعل رجال تلك الحقبة للشيخ الطوسي القدسية التامة واجلسوه محل الأئمة (ع) فلا يمكن نقاش آرائه وأصوله إطلاقاً وكأنهم لم يقرأوا ما جاء عن أبان حين قال قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ﴿... لا تتخذوا الرجال ولائج من دون الله ، إنا والله خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده إلى صدره ﴾﴿ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
﴾. ﴾.﴾. ﴾.
كان الاحرى بهم ان يتمسكوا بكلام الأئمة (ع) في هذا الصدد وابعاد العصمة عن آراء الشيخ الطوسي وأصوله ولكن ما حصل كان العكس تماماً فلم يتجرأ شخص ان يناقش آراء الطوسي وأصوله فضلاً عن ردها.
وكان من جملة رجال تلك الحقبة وهو أبن براج الطرابلسي حيث كان زميلا للشيخ الطوسي عند المرتضى وتلميذا له أيضاً وكان الطرابلسي من غلمان المرتضى وصار خليفة للشيخ الطوسي﴿ مقابس الأنوار – التستري - ص7
﴾.
ويذكر أبن براج في كتابه المهذب انه كان دائم الإشكال على آراء الشيخ الطوسي بل ومفحما له وقد ذكر مناقشاته للشيخ منها قوله : ﴿كان الشيخ أبو جعفر الطوسي قد قال لي يوما في الدرس : إن أكلها على جهتها حنث ، وإن أكلها دقيقا أو سويقا لم يحنث .
فقلت له : ولم ذلك ؟ وعين الدقيق هي عين الحنطة ، وإنما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن .
فقال : قد تغيرت عما كانت عليه . وإن كانت العين واحدة ، وهو حلف أن لا يأكل ما هو مسمى بحنطة لا ما يسمى دقيقا.
فقلت له : هذا لم يجز في اليمين ، فلو حلف : لا أكلت هذه الحنطة ما دامت تسمى حنطة ، كان الأمر على ما ذكرت ، فإنما حلف أن لا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة .
فقال : على كل حال قد حلف أن لا يأكلها وهي على صفة ، وقد تغيرت عن تلك الصفة ، فلم يحنث .
فقال : الجواب ها هنا مثل ما ذكرته أولا ، وذلك : إن كنت تريد أنه حلف أن لا يأكلها وهي على صفة . أنه أراد على تلك الصفة ، فقد تقدم ما فيه ، فإن كنت لم ترد ذلك فلا حجة فيه . ثم يلزم على ما ذكرته أنه لو حلف أن لا يأكل هذا الخيار وهذا التفاح ، ثم قشره وقطعه وأكله لم يحنث ولا شبهة في أنه يحنث .
فقال : من قال في الحنطة ما تقدم ، يقول في الخيار والتفاح مثله .
فقلت له : إذا قال في هذا مثل ما قاله في الحنطة علم فساد قوله بما ذكرته من أن العين واحدة ، اللهم إلا أن شرط في يمينه أن لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح وهو على ما هو عليه ، فإن الأمر يكون على ما ذكرت ، وقد قلنا إن اليمين لم يتناول ذلك.
ثم قلت : إن الاحتياط يتناول ما ذكرته ، فأمسك ﴾﴿ - المهذب - كتاب الكفارات - ج 2 - ص 419 - 420 ﴾.
إننا لسنا في محل بيان من هو المصيب ومن هو المخطئ من هذه المناقشة إلا أن ما يهمنا ان هذه المناقشات قد حصلت بالفعل بين الشيخ الطوسي وتلاميذه وكانت بعض هذه المناقشات تنحاز إلى جانب التلاميذ فيكون السؤال هو كيف نشأ التقليد له بعد ذلك ؟ وكيف أصبحت له هذه القدسية التي اضحت سدا بوجه كل من يجرؤ على مناقشة آرائه وأصوله .
إن هذا التقليد لم يكن كالتقليد الموجود في زماننا بل كان تقليد المجتهدين لمجتهد معين كما هو الحال في مجتهدي المذاهب الاربعة فإنهم يقلدون أئمة مذاهبهم وهؤلاء الأئمة مجتهدون أيضاً، وكانت هذه الحالة أي حالة التقليد بعد الطوسي قد اخذت تقليداً لمجتهدي المذاهب الاربعة وهذا مما لا يلتفت لخلافه.
ومن رجال هذه الحقبة الشيخ أبو علي الطوسي وهو أبن الشيخ الطوسي سار على ما سار عليه أبيه . ثم تلاه الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن اهتم الطبرسي بالتفسير أكثر من اهتمامه بغيره حتى ذاغ صيته بذلك .
ثم تلاه قطب الدين الراوندي صاحب كتاب ﴿فقه القرآن في بيان آيات الأحكام﴾ وله كتاب ﴿أسباب النزول﴾ وجاء بعده جمال الدين أبو الفتوح الرازي ثم أبو جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بـ﴿أبن حمزة﴾ ثم جاء أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي وغيرهم من الرجال الذي عاشوا في تلك الفترة إلا أن جميعهم يجتمعون على قول واحد وهو المحافظة على أصول الشيخ الطوسي وعدم الخروج على آرائه الفقهية وأصوله تقديسا لمقامه وقد بينا بطلان التقديس لغير المعصوم وان الأئمة (ع) قد نهوا عن إتخاذ الرجال ولائج من دون الله وهذا مما تواترت به الأخبار والأحاديث الشريفة .
مرحلة التقليد أو ما يسمى في مصطلح الفقهاء بعصر الركود والذي امتد من وفاة الشيخ الطوسي سنة 460 هـ إلى سنة 600 هـ تقريباً .
يعد هذا العصر عصر التقليد لأصول الشيخ الطوسي وفتاويه بعد العلم بأن الشيخ كان لا يرضى بالتقليد وكما مر ذكره إلا أن جميع الفقهاء الذين كانوا بتلك الحقبة الزمنية كانوا عاكفين على فتاوى الشيخ وأصوله وكانوا يعتبرون أصول الطوسي أصلاً مسلّماً لا يحتمل النقاش فضلاً عن الافتاء بعكسها بل ان الأكثر من هذا انهم كانوا يعتبرون التأليف في قبال مؤلفات الشيخ تجاسرا عليه وإهانة له كما يذكر هذا الشيخ آغا بزرگ الطهراني قائلاً : ﴿ مضت على علماء الشيعة سنون متطاولة، وأجيال متعاقبة، ولم يكن من الهين على أحد منهم أن يعدو نظريات شيخ الطائفة في الفتاوى، وكانوا يعدون أحاديثه أصلاً مسلماً ويكتفون بها، ويعدون التأليف في قبالها وإصدار الفتوى مع وجودها تجاسراً على الشيخ وإهانة له ﴾﴿التبيان - الشيخ الطوسي - ج 1 - المقدمة ص 8
وعن هذه الحقبة يقول الشيخ جعفر السبحاني : ﴿وقد استأثر الشيخ بعواطف تلاميذه ومعاصريه واستطاع أن يحتل في قلوبهم مكانة رفيعة أهالت عليه حالة من القداسة جعلت مخالفته ونقاش آرائه إهانة لشخصيته الفذة﴾﴿ - ادوار الفقه الإمامي – جعفر السبحاني – ص140
ويقول الشهيد الثاني : ﴿ أن أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له ، لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به . فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه ، فحسبوها شهرة بين العلماء وما دروا أن مرجعها إلى الشيخ وأن الشهرة إنما حصلت بمتاب ﴾﴿ - معالم الدين وملاذ المجتهدين - أبن الشهيد الثاني - ص 176 - 177
وقال الحمصي : ﴿ أنه لم يبق للإمامية مفت على التحقيق بل كلهم حاك﴾﴿ - نفس المصدر السابق
لقد جعل رجال تلك الحقبة للشيخ الطوسي القدسية التامة واجلسوه محل الأئمة (ع) فلا يمكن نقاش آرائه وأصوله إطلاقاً وكأنهم لم يقرأوا ما جاء عن أبان حين قال قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ﴿... لا تتخذوا الرجال ولائج من دون الله ، إنا والله خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده إلى صدره ﴾﴿ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 133
﴾. ﴾.﴾. ﴾.
كان الاحرى بهم ان يتمسكوا بكلام الأئمة (ع) في هذا الصدد وابعاد العصمة عن آراء الشيخ الطوسي وأصوله ولكن ما حصل كان العكس تماماً فلم يتجرأ شخص ان يناقش آراء الطوسي وأصوله فضلاً عن ردها.
وكان من جملة رجال تلك الحقبة وهو أبن براج الطرابلسي حيث كان زميلا للشيخ الطوسي عند المرتضى وتلميذا له أيضاً وكان الطرابلسي من غلمان المرتضى وصار خليفة للشيخ الطوسي﴿ مقابس الأنوار – التستري - ص7
﴾.
ويذكر أبن براج في كتابه المهذب انه كان دائم الإشكال على آراء الشيخ الطوسي بل ومفحما له وقد ذكر مناقشاته للشيخ منها قوله : ﴿كان الشيخ أبو جعفر الطوسي قد قال لي يوما في الدرس : إن أكلها على جهتها حنث ، وإن أكلها دقيقا أو سويقا لم يحنث .
فقلت له : ولم ذلك ؟ وعين الدقيق هي عين الحنطة ، وإنما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن .
فقال : قد تغيرت عما كانت عليه . وإن كانت العين واحدة ، وهو حلف أن لا يأكل ما هو مسمى بحنطة لا ما يسمى دقيقا.
فقلت له : هذا لم يجز في اليمين ، فلو حلف : لا أكلت هذه الحنطة ما دامت تسمى حنطة ، كان الأمر على ما ذكرت ، فإنما حلف أن لا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة .
فقال : على كل حال قد حلف أن لا يأكلها وهي على صفة ، وقد تغيرت عن تلك الصفة ، فلم يحنث .
فقال : الجواب ها هنا مثل ما ذكرته أولا ، وذلك : إن كنت تريد أنه حلف أن لا يأكلها وهي على صفة . أنه أراد على تلك الصفة ، فقد تقدم ما فيه ، فإن كنت لم ترد ذلك فلا حجة فيه . ثم يلزم على ما ذكرته أنه لو حلف أن لا يأكل هذا الخيار وهذا التفاح ، ثم قشره وقطعه وأكله لم يحنث ولا شبهة في أنه يحنث .
فقال : من قال في الحنطة ما تقدم ، يقول في الخيار والتفاح مثله .
فقلت له : إذا قال في هذا مثل ما قاله في الحنطة علم فساد قوله بما ذكرته من أن العين واحدة ، اللهم إلا أن شرط في يمينه أن لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح وهو على ما هو عليه ، فإن الأمر يكون على ما ذكرت ، وقد قلنا إن اليمين لم يتناول ذلك.
ثم قلت : إن الاحتياط يتناول ما ذكرته ، فأمسك ﴾﴿ - المهذب - كتاب الكفارات - ج 2 - ص 419 - 420 ﴾.
إننا لسنا في محل بيان من هو المصيب ومن هو المخطئ من هذه المناقشة إلا أن ما يهمنا ان هذه المناقشات قد حصلت بالفعل بين الشيخ الطوسي وتلاميذه وكانت بعض هذه المناقشات تنحاز إلى جانب التلاميذ فيكون السؤال هو كيف نشأ التقليد له بعد ذلك ؟ وكيف أصبحت له هذه القدسية التي اضحت سدا بوجه كل من يجرؤ على مناقشة آرائه وأصوله .
إن هذا التقليد لم يكن كالتقليد الموجود في زماننا بل كان تقليد المجتهدين لمجتهد معين كما هو الحال في مجتهدي المذاهب الاربعة فإنهم يقلدون أئمة مذاهبهم وهؤلاء الأئمة مجتهدون أيضاً، وكانت هذه الحالة أي حالة التقليد بعد الطوسي قد اخذت تقليداً لمجتهدي المذاهب الاربعة وهذا مما لا يلتفت لخلافه.
ومن رجال هذه الحقبة الشيخ أبو علي الطوسي وهو أبن الشيخ الطوسي سار على ما سار عليه أبيه . ثم تلاه الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن اهتم الطبرسي بالتفسير أكثر من اهتمامه بغيره حتى ذاغ صيته بذلك .
ثم تلاه قطب الدين الراوندي صاحب كتاب ﴿فقه القرآن في بيان آيات الأحكام﴾ وله كتاب ﴿أسباب النزول﴾ وجاء بعده جمال الدين أبو الفتوح الرازي ثم أبو جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بـ﴿أبن حمزة﴾ ثم جاء أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي وغيرهم من الرجال الذي عاشوا في تلك الفترة إلا أن جميعهم يجتمعون على قول واحد وهو المحافظة على أصول الشيخ الطوسي وعدم الخروج على آرائه الفقهية وأصوله تقديسا لمقامه وقد بينا بطلان التقديس لغير المعصوم وان الأئمة (ع) قد نهوا عن إتخاذ الرجال ولائج من دون الله وهذا مما تواترت به الأخبار والأحاديث الشريفة .
تعليق