إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حقيقة الحركة الشيخية أو الكشفية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حقيقة الحركة الشيخية أو الكشفية

    منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستفاد من فكر السيد القحطاني
    الحركة الشيخية أو الكشفية :
    إن الصراع الذي نشب بين الأصوليين والأخباريين انتهى نسبيا بعد ظهور الحركة الجديدة والمتمثلة بالشيخية وهذه الحركة كان لها فكراً جديداً عما عليه الأخباريين والأصوليين فتوجهت الانظار إليها بين متبع لها وعدو باع ثوابت اعتقاده من اجل الاطاحة بزعيم هذه الحركة الا وهو الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي المطيرفي الملقب بالشيخ الاوحد المولود في عام ﴿1166هـ﴾ ويعد الاحسائي مؤسس مذهب الكشفية ﴿ أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 589

    للاحسائي عدد كبير من المصنفات وفي مختلف العلوم والمعارف وقد ورد ذكر مؤلفاته في فهرست تصانيف الشيخ أحمد الأحسائي لرياض طاهر وهو خاص بفهرسة مؤلفاته المطبوعة التي بلغت "104مؤلفاً". وفيه إن مجموع ما صدر عن الشيخ الاحسائي من رسائل وكتب وخطب وفوائد وقصائد "154" ومجموع جوابات المسائل "555 مسألة"، من مخطوطة ومطبوعة على الأقل ومن أشهر تلك المؤلفات شرح الزيارة الجامعة الكبيرة وغيرها.
    كانت كتابات الشيخ تمتاز بالتنوع والموسوعية فقد كتب في الأدب بفروعه من نحو وصرف وبلاغة ولغة وعروض كما كتب في المنطق ، وفي الرياضيات من حساب وهندسة وفلك وفي الفقه والأصول والتفسير والحديث وكذلك في الاخلاق والتاريخ والحكمة الإلهية والكلام والعقائد والعلوم الغريبة كالرمل والجفر والكيمياء وغيرها ﴿ - دليل المتحيرين – السيد كاظم الرشتي -ص135-138﴾
    وذُكر أسم الاحسائي في كلمات أصحاب التراجم والرجال فأثنى عليه الكثير منهم كالخوانساري الذي بالغ في وصفه والدفاع عنه حتى قال فيمن قال عنه بانه من أصحاب الغلو ما هذا نصه : ﴿يرمى عند بعض أهل الظاهر من علمائنا بالافراط والغلو مع أنه لا شك من أهل الجلالة والعلو﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 591 / روضات الجنات - ج1 - ص94﴾.
    وذكر صاحب الروضات إنه كان شديد الإنكار لطريقة الصوفية الموهونة ، بل ولطريقة ملا محسن الكاشي الملقب بالفيض في العرفان بحيث أنه قد ينسب إليه تكفيره .
    وممن ذكر الاحسائي وكتب عنه محمد كاشف الغطاء في حاشية انوار البدرين حيث قال في حقه : ﴿والحق أنه من أكابر علماء الإمامية ... إلخ ﴾﴿ حاشية أنوار البدرين – ج 34 - ص408

    وقال الشيخ آقا بزرك الطهراني : ﴿أحد رؤساء الطائفة ومحققي الإمامية المؤسسين في هذا القرن ﴿ القرن الثالث عشر ﴾ . فاز بدرجة عالية من العلم والعمل ، معقولاً ومنقولاً فقهاً وأصولاً . وقد حظي هذا الكتاب ﴿حاشية المعالم﴾ بالقبول ، ولاقى استحسان الأكابر والفحول من المحققين والأعلام﴾﴿ - الكرام البررة - ص 215

    وفريق آخر غالى في مدحة كثيراً حتى قال: ﴿الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي فخر الاعلام وذخر الأيام، تاج الدهر وناموس العصر، العلامة الأوحد، والفاضل الفهامة الأمجد، العالم الرباني والفاضل الكبريائي الصمداني﴾﴿ - مرآة الكتب - التبريزي - ص 260

    وفريق آخر تناقض قوله في سطور كالسيد علي البروجردي حيث قال ما هذا نصه: ﴿الشيخ المحدث العلامة الفيلسوف الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، وهذا الشيخ على ما سمعت من الوالد كان مرتاضا ، كثير الذكر والتفكر ، مدرسا متكلما ، فهو بنفسه ثقة معتمد ، إلا أن أهل العصر يذمونه ، بل حكم بعضهم بكفره ، كالسيد الصدر ﴾﴿ - طرائف المقال - السيد علي البروجردي - ج 1 - ص 61 ﴾.
    وهذه التناقضات لم تكن بجديدة على أصحاب الرجال فقد ذكرنا ترجمة أبن الجنيد وكيف وقع المترجمون له بالتناقض من حيث انه ثقة إلا إنه كان يعمل بالقياس ونسب الرأي إلى أهل بيت العصمة !!
    والحق ان من تعجبه افكار الاحسائي وكتبه يبالغ في مدحه وأطرائه والعكس ما قرأناه قبل قليل .
    وعلى العموم يعتبر المحققون وأصحاب التراجم الشيخ الاحسائي مؤسس الحركة الشيخية أو الكشفية وعن هذه الحركة يتحدث محسن الامين في اعيان الشيعة قائلاً : ﴿فيسمون بالشيخية أي أتباع الشيخ أحمد .. كما يسمون بالكشفية نسبه إلى الكشف والالهام الذي يدعيه هو ويدعيه له أتباعه﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 589﴾.
    فمن ناحية منهج الشيخ الاحسائي فإنه كان يدعي العلم عن طريق المكاشفة والشهود ولذلك سمي أتباع الشيخ بالكشفية نسبة إلى القول بالمكاشفة وذكروا بأن الاحسائي قال انه شاهد في المنام الأئمة الاثني عشر مجتمعين ، فتعلق بأذيال الإمام الحسن (ع) وسأله ان يعلمه شيئاً يحل به المشاكل التي تعترضه والتي يجهلها وكان يرى أحد الأئمة (ع) في المنام بشكل دائم حتى يسأله فيجيبه فعلمه الإمام أبياتا من الشعر ، لكنه نسيها عندما استيقظ ، وتأسف لذلك ، ثم شاهد المنظر في الليلة التالية وحفظ الأشعار.. وكان يقرأها كلما أراد ان يشاهد أحد الأئمة (ع) ويجالسه ويسائله ، ويحل عبره المشاكل والغامض من المسائل .
    وقال : انه رأى في منامه ذات ليلة الإمام الحسن بن علي فأجابه عن مسائل كانت غامضة ، ثم وضع فمه الشريف على فمه وأخذ يمج فيه من ريقه ، وإنه علمه بيتا من الشعر كلما قرأه قبل النوم رأى في منامه أحد الأئمة وأتيحت له فرصة التعلم منه﴿ راجع سيرة الإحسائي التي كتبها بقلمه وحققها حسين محفوظ - طبع بغداد 1957

    وينقل عن السيد كاظم الرشتي وهو أحد طلاب الشيخ الاحسائي انه بين طريقة استاذه في قوله : ﴿وكان يدأب في التدريس وتلقين الناس وبث الدعوة إلى طريقته الروحانية التي ترمي في النظر إلى الأشياء إلى ما لم يكن مألوفا يومئذ من الشذوذ عن الظاهر والتمسك بالباطن ونحو ذلك مما حمل كثيراً من القوم على استغراب تلك الطريقة﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 590﴾.
    وقال أيضاً : ﴿أن تحصيله وانشراح صدره على هذه الصورة إنما هو من بعض أنواع الالهامات والنفث في الروع أو من مثل الكشف والاشراق ونحو ذلك من العنايات الخاصة ، مما هو خارج عن مألوف عادات البشر﴾﴿ - نفس المصدر السابق﴾.
    وذكر الرشتي بأن استاذه لم يدرس عند أحدٍ قط وليس له شيخ أو استاذاً معروف مع أنه حصل أكثر العلوم العقلية والنقلية ، وله في أكثرها آراء وأنظار!!
    إن هذا القول مخالف لما عليه الشيخ الاحسائي فللشيخ اساتذه معروفين قد اخذ عنهم أغلب العلوم فكان يروي عن جماعة من الفقهاء المعروفين ، منهم :
    السيد محمد مهدى الطباطبائي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي والسيد علي الطباطبائي، صاحب ﴿الرياض﴾ والسيد ميرزا مهدي الشهرستاني والشيخ حسين آل عصفور البحراني والشيخ أحمد بن الشيخ حسن الدمستاني البحراني وهؤلاء المشائخ الستة، طبعت إجازتهم -للمترجم- ضمن كتاب "ترجمة الشيخ أحمد الأحسائي"، ثم طبعت هذه الإجازات مستقلة في النجف عام: ﴿1390هـ﴾ .
    كما ان جملة من أصحاب الرجال ذكروا اساتذة الشيخ الاحسائي في مصنفاتهم ووصفوا الاحسائي بالجد والسعي لتحصيل العلوم واكتساب الفضائل أيام الدراسة فإنه كان يختار أشهر المدرسين ورجال العلم المتقدمين في التدريس ، ولو أدى ذلك إلى المشقة والتنقل في البلدان لتحصيل تلك العلوم﴿ هداية المسترشدين - الشيخ محمد تقي الرازي - ج 1 - ص 36

    إن الذي ذكره السيد الرشتي وأمثاله من طلبة الشيخ فيه غلو واضح في حق الاحسائي ولعل هذه الكلمات جعلت البعض يأخذ موقف من الشيخية وأتباعها.
    ولم يقف الرشتي عند هذا الحد فحسب بل ذهب إلى القول عن استاذه ما هذا نصه : ﴿وقد سئل عن أغلب العلوم بل كلها ، فأجاب بما لم يوجد في كتاب ولم يذكر في خطاب بل بما تجده منطويا على الفطرة تقبله الطبيعة كأنه مستمع ذلك وعالم بما هنالك﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 591﴾.
    إن هذه المواصفات التي ادعاها الرشتي لاستاذه ما هي الا من خصائص ومواصفات المعصومين (ع) فقط دون غيرهم بل كان النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم تسليما﴾ كثيراً ما يسال فينتظر الوحي ليجيب وعلى حد مزاعم الرشتي فإن الاحسائي قد تفوق على أنبياء الله في صفاته لأنه كان يعطي جواباً لاي سؤال يُسأل عنه وهذه الصفة لم تكن في رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم تسليما﴾ فتأمل .
    كما ان السيد الرشتي بأدعائه هذا أراد المدح لاستاذه فذمه من حيث لا يشعر لأنه قد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : ﴿ إن من أجاب في كل ما يسأل عنه لمجنون ﴾﴿ - ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - ص 442﴾.
    والرشتي يقول في حق استاذه بأنه قد سُئل عن أغلب العلوم بل كلها فأجاب . وهذا من جانب اما الجانب الآخر وهو ادعاء المكاشفة واللجوء إلى الطريق الروحانية والتي ترمي إلى تفسير الأشياء إلى ما لم يكن مألوفا يومئذ من الشذوذ عن الظاهر والتمسك بالباطن، فيرد على هذا الجانب بأن الركون إلى مكاشفة الفقهاء غير صحيحة مالم تخضع هذه الكشوفات إلى البرهان العلمي أي خضوع هذه الكشوفات إلى الدليل النصي الوارد عن الثقلين، كما ان نفس هذه الطريقة مما لم تخضع للدليل فلم يرد بها نص معين يدل على حجية الكشف في معرفة الأحكام كما ان عوالم الكشف والرؤيا تختلف عن عالمنا، وقوانينها تختلف عن قوانيننا، والحق فإن هذه الطريقة غير معصومة فتوقع صاحبها في مزالق ومأخذ، كما ان حجة الله هي الحجة الواضحة وليست الحجج الغيبية والتي يمكن ان يدعيها أي شخص ويقول رأيت الإمام فقال كذا وياتي شخص آخر ويقول رايت الإمام وقال بالنقيض كما ان التفسير لهذه الكشوفات والرؤى قد يتباين من شخص لآخر وقد يختلف وبالنتيجة فإننا خرجنا من اختلاف الفقهاء الأصوليين وغيرهم فوقعنا باختلافاً آخر وبطريقة أخرى .
    ومن جملة أقوال المعارضين للشيخ الأحسائي انهم قالوا بأن الشيخ يدعي العصمة حيث انه يعلن أن كلامه معصوم عن الخطأ وذلك في قوله : ﴿وأخذت تحقيقات ما علمتُ عن أئمة الهدى عليهم السلام لم يتطرق على كلماتي الخطأ لأني ما أثبتُّ في كتبي فهو عنهم وهم عليهم السلام معصومون عن الخطأ والغفلة والزلل ومن أخذ عنهم لا يُخطيء من حيث هو تابع ﴾﴿ - شرح فوائد الحكمة - ص 4 - حجري﴾.
    ولنا في كلام المعارضين لهذا القول وقفة فنقول : إن الشيخ لم يدع العصمة إلا لأهل البيت (ع)، نعم من تمسك بكلام المعصومين ولم يخرج عنه فهو معصوم بالتبعية وان كان هذا نادرا .


    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

  • #2
    ومما يؤكد عدم ادعاء الشيخ للعصمة هو أن الشيخ نفسه كان يستخدم بعض العبارات الظنية كقوله : الظاهر ، ولعل . ومما يشهد بعدم عصمة الشيخ مخالفة بعض تلامذته له وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن هؤلاء الطلاب لم يكونوا يتعاملون مع الشيخ على أنه معصوم أو يفرغ عن لسان الأئمة في جميع مطالبة ، بل هو كغيره من الفقهاء .
    إن دراسة مرحلة الشيخ الاحسائي تحتاج منا إلى البحث في محورين :

    المحور الأول :
    هو طريقة الشيخ في معرفة الأحكام فمن هذه الناحية كان الشيخ فقيها أصولياً كسائر الأصوليين لا فرق بينه وبينهم في استنباط الأحكام فالأدلة عنده أربعة كما عند غيره من الأصوليين ﴿ الكتاب والسُنة والعقل والإجماع﴾.
    إلا أن للشيخ الاحسائي طريقة خاصة في معرفة المسائل العالقة لديه فكان يستعين بالكشف والرؤيا لتحصيل العلم بما يجهله وكما تقدم ذكره .
    إن للشيخية امور عديدة تدعوا إلى التوقف والاستشكال واني لما رجعت إليهم في معرفة أحوالهم وعقائدهم رجعت بنية حسنة محاولاً إهمال كل ما سمعته من غيرهم من التهم والأقوال ، ومن المستغرب إنهم في مسألة التقليد قالوا بمقولة لم يقلها أحد من قبل حيث ادعوا بوجوب إتباع شخص خاص في كل زمان يسمون هذا الشخص بالشيعي الخالص ويقولون بانه مرآة صفات المعصوم وهو الركن الرابع أي بعد الله ورسوله والإمام، وذكر هذه الاعتقادات جملة من منتقديهم منهم ميرزا محمد تقي الأصفهاني في قوله : ﴿وكذا فساد ما يدعيه الشيخية من وجوب إتباع شخص خاص في كل زمان ، يسمونه بالشيعي الخالص ويزعمون أنه مرآة صفات الإمام ، وأن معرفة ذلك الشخص هو الركن الرابع للإيمان إذ لا دليل على هذه الأقاويل بل الدليل قائم على بطلانها﴾﴿مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج 2 - ص 337 ﴾.
    والحق بأن الدليل على بطلان هذا الادعاء من الشيخية أكثر من أن يحصى ويُذكر فقد اطبقت كتب الحديث بنقل الأخبار الدالة على نفي ذلك منها ما ورد عن عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو عبد الله (ع): ﴿... إياك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال﴾﴿ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 126
    ﴾.
    إن الشيخية قد قدسوا رجالهم أكثر من كل فرق الإمامية وقلدوهم اللالقاب والكنى العجيبة الغريبة كالصمداني والفاضل الكبريائي والاوحد والامجد وفخر الاعلام وذخر الأيام وتاج الدهر وناموس العصر والفهامة الأمجد وغيرها كثير حتى انهم اليوم يرجعون إلى شيخ من مواليد 1963م ويطلقون عليه لقب روح الشريعة، كما هو معلوم على من تتبع أخبارهم وأحوالهم .
    وهذا التقديس الذي يعطى لغير المعصوم لهو من الامور المحدثة في الدين ومما لم نجد ما يؤيده في أي دليل غير الإجتهاد الشخصي كما ان هؤلاء الرجال قد اعجبتهم هذه الألقاب التي لقبهم بها أتباعهم بشكل خاص فغضوا عنها النظر وعن مناقشتها أيضاً وليس هذا الأمر مقتصرا بالشيخية حتى لا نظلمهم فقد تعدى هذه الفرقة ووصل إلى جميع الفرق ولم يكن هنالك فرق بينهم وبين غيرهم إذا احل عنان النظر والتحقيق في هذه الالقاب عند رجال الدين بشكل خاص .

    المحور الثاني :
    وهو محور العقائد عند الشيخية بشكل عام والشيخ الاحسائي على وجه الخصوص وهذا الجانب الأهم من حيث ان الاحسائي تفرد بأقوال لم يذكرها غيره.
    إن المتتبع لأحوال أهل الكشف والرؤى من الشيخية والصوفية وبعض أهل العرفان يجد عندهم شطحات وعبارات معميات من خرافات وأمور تلحق بالسخافات وهذا نتيجة طبيعية لمن ياخذ بظاهر الكشف والرؤيا أو يفسرها بتفسير مخالف لحقيقتها والتي لا يعلمها بشكل مطلق إلا المعصوم .
    ومن هذه الامور ما ينقله الامين من بعض رسائل الاحسائي والتي سأله فيها سائل عن الدليل على وجود الإمام المهدي (ع) وذكر الامين جوابها قائلاً : ﴿فاجابه بعبارات لا تفهم تشبه هذه العبارة : إذا التقى كاف الكينونة مع باء البينونة مع كثير من أمثال هذا التعبير ظهر ما سالت عنه ثم قال له : ابعث بهذا الجواب إلى المعترض فإن فهمه فقد أخزاه الله وإن لم يفهمه فقد أخزاه الله فقلت لما رأيت ذلك : إن كان بعث إليه بهذا الجواب فلا شك أنه لم يفهمه وقد أخزاه الله ﴾﴿ أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 590

    إن الشيخ الاحسائي خالف باقي فقهاء الإمامية في الحكمة والفلسفة فانفرد في رأيه وخالف حكماء القوم فأخذ الحكمة من بعض ظواهر النصوص وانكر العقل في فروع الأصول ، وعلى هذا خالف الشيخ الاحسائي باقي الفقهاء في مسألة الحكمة والفلسفة فهي عند الشيخ منحصرة فيما جاء من النصوص المروية على خلاف سائر الحكماء فإنهم اعتمدوا على عقولهم وآرائهم أكثر من اعتمادهم على الآيات والأحاديث .
    ويرد على هذا القول بأن العقل هو العمدة في معرفة أصول الدين فبالعقل يعرف الخالق ويصدق النبي ويعرف الإمام وبالعقل يعرف الثواب والعقاب وقد بين الإمام موسى بن جعفر (ع) لهشام بن الحكم فضل العقل ومكانته وقد نقل ذلك المحدث الكليني في الكافي كما انه قد ورد عن أبي عبد الله (ع) قال : ﴿العقل دليل المؤمن﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 25

    وورد عنه (ع) قال : ﴿حجة الله على العباد النبي ، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل﴾﴿ - نفس المصدر السابق ﴾.
    ومما تقدم نقول : إن بالعقل تفهم أصول الدين بل ان عمدة الأدلة فيها هو دليل العقل فبالعقل عرفنا خالقنا وبالعقل نستدل على الأنبياء والأوصياء وبالعقل نفهم العقاب والثواب فهو الحجة علينا يوم نلقى خالقنا وقد ورد عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل قال : ﴿أن أول الأمور ومبدأها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شيء إلا به ، العقل الذي جعله الله زينة لخلقه ونورا لهم ، فبالعقل عرف العباد خالقهم ، وأنهم مخلوقون ، وأنه المدبر لهم ، وأنهم المدبرون ، وأنه الباقي وهم الفانون ، واستدلوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه ، من سمائه وأرضه ، وشمسه وقمره ، وليلة ونهاره ، وبأن له ولهم خالقا ومدبرا لم يزل ولا يزول.. - نفس المصدر السابق - ص 29.
    ومما تقدم نفهم بأن العقل هو دليل المؤمن في أصول دينه لا في فروعه كما ان العقل يحتاج إلى العلم كما ورد عن أهل بيت النبوة (ع) والعلم يكون من خلالهم (ع) وبهذا يجب التوفيق بين المعقول والمنقول في مسائل أصول الدين وبهذا نفهم الفرق بين الشيخ الاحسائي وبين باقي القوم فإن الشيخ قد التزم بالنصوص ولم يعر للعقل أهمية والباقي التزموا بالعقل ولم يلتفتوا إلى عبارات الأئمة (ع) وكلامهم فالعقل كما بينا يحتاج إلى العلم لكي يصل إلى الكمال اما العقل بمفرده فهو ناقص.
    وأما نظريات الاحسائي الخاصة في الأئمة المعصومين (ع) وان كانت نظرياته معتمدة عند البعض من الفقهاء إلا أن اعداءه اتخذوا هذه النظريات عنوانا لعداوته ومحاربته فرموه بالغلو والتفويض .
    قال أتباع الاحسائي دفاعاً عن نظريات شيخهم بأن هذه المقامات والفضائل والكرامات والمعاجز التي ذكرها الشيخ الاحسائي إنما هي مقامات الأئمة (ع) وقد اعطيت إليهم باذن الله وهذا ليس بغلو بل هو مقامهم كما ذكر الله تعالى في حق نبيه عيسى المسيح (ع): ﴿ وَرَسُولاً إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ...﴾﴿ ﴾.
    وقالوا بأن هذه الأفعال التي قام بها المسيح (ع) هي بعينها عند الأئمة (ع) لأن المسيح تلميذ من تلامذة أمير المؤمنين (ع) لأن هذا الروح الذي جعل المسيح روح الله شعاع من أشعة أنوار أمير المؤمنين (ع) فعلي (ع) يخلق ويرزق ويحيي ويميت ولكن كل ذلك بأذن الله كما في الآية التي تتحدث عن المسيح (ع).
    ان هذه النظريات في حقيقة الأمر لم يتفرد بها الشيخية بل ان أغلب رجال الدين من الأصوليين والأخباريين وكذلك أغلب المحاضريين اليوم على منابر الوعظ والارشاد يذكرون هذه المسائل بكثرة ، كما ان كبار فقهاء الإمامية تجد في كتبهم ومصنفاتهم هذه النظريات ، ولكن المعاصرين للشيخ الاحسائي والى يومنا هذا من المعارضين له اتخذوها عنوانا لمحاربة الاحسائي والشيخية بشكل عام فكان الأمر إذا خرج من هؤلاء الفقهاء يعتبر حقاً أما إذا خرج من غيرهم يعتبر كفرا وهذا ما حدث بالفعل .
    وبفعل هذه النظريات خالف الشيخ بعض الفقهاء في مسألة العقيدة بمقامات المعصومين (ع) ولهذا السبب فإن الشيخية يعتقدون في مسألة التقليد ان يكون مرجع التقليد مساويا لهم في العقيدة أو ارقى منهم والا فلا يجوز عندهم تقليد مجتهد في الفقه وهو ناقص في العقيدة على حسب قولهم .
    ومن جملة المؤاخذات التي أتخذها الفقهاء في ذلك الزمان عنوانا لمحاربة الاحسائي هو قول الاحسائي بإنكار المعاد الجسماني حيث يعتقد الشيخ بأن الجسد الإنساني يحضر في المعاد ولكن بعد التصفية لأن في هذه الدنيا دخل في هذا الجسد بعض الإضافات والعوارض مثل الهواء والتراب والنار والماء فالشيخ الاحسائي يذهب إلى ان هذا الجسد المصفى بلا عوارض بلا أشياء خارجية يحشر يوم القيامة أما العوارض يلحق كل واحد منها بأصله فالنبات يلحق بالنبات والماء إلى الماء والتراب إلى التراب .. أما الجسد الأصلي المركب من العناصر الأصلية أي الجسم الذي يقوم به يوم القيامة لا يتكون الا من الاجزاء السماوية واما الطبائع الاربعة فإنها تعود إلى أصلها بمجرد الوفاة وذكر الاحسائي هذا التفسير في قوله : ﴿إعلم ان الذي يلحق بالجنّة جنّة الدنيا هو الذي يقبضه الملك وهو الإنسان الحقيقي وأصل وجوده مركب من خمسة اشياء عقل ونفس وطبيعة ومادة ومثال فالعقل في النفس والنفس بما فيها في الطبيعة والكل في المادة والمادة بما فيها إذا تعلق بها المثال تحقق الجسم الأصلي وهو الغائب في العنصري المركب من العناصر الاربعة النار والهواء والماء والتراب وهذا العنصري هو الذي يبقي في الارض ويفنى ظاهره فيها وهو ينمو من لطائف الاغذية وإنما قلت يفني ظاهره في الارض لأن باطنه يبقي وهو الجسد الثاني وهو من عناصر هُورقِلْيا الاربعة وهي اشرف من عناصر الدنيا سبعين مرّة وهذا هو الذي يتنعم ... وهو في باطن الجسد الأول الظاهري الذي هو من العناصر المعروفة وامّا الذي يخرج مع الروح فهو الجسم الحقيقي المركب من الهيولي﴾﴿ رسالة في جواب السلطان فتح شاه - الشيخ الاحسائي﴾.
    واخذ أتباع الاحسائي يفسرون معنى هذه العوارض فقالوا بأن الجسم الأصلي للإنسان هو الذي يدخل الجنة فالشيبة والمشيب مثلاً من العوارض اما الإنسان الأصلي فهو شباب وان الإمام المهدي (ع) حين ظهوره يكون في صورة شاب لأن عوارضه أقل وأقل وأقل ما يكون .
    وقد عارض جمع غفير من فقهاء الإمامية انكار الاحسائي للمعراج الجسماني وقالوا بأن المعراج النبوي كان ببدن النبي (ص) ولم يكن بروحه فقط بل عد الاصفهاني ذلك من ضروريات الدين في قوله : ﴿أن المعراج الجسماني من ضروريات المذهب بل الدين﴾﴿ - مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج 2 - ص 92﴾.
    ويرد على هذا القول بأن العوالم التي خلقها الله تعالى خاضعة للقوانين والانظمة الإلهية ولكل عالم خصائصه وصفاته ونحن على علم باننا قد خلقنا قبل أن تلحق ارواحنا باجسامنا وكنا في عالم الذر فهل كان في عالم الذر اجسام كهذه الاجسام ؟ بالطبع ان الأخبار الدالة على عالم الذر لم تذكر هذه الاجسام أساساً.
    كما طرح السيد ابو عبد الله الحسين القحطاني إشكالاً كَثُر حوله الكلام واليكم نص الاشكال والجواب : ( إن الإنسان كان بمقدار الذرة فكيف أوجد الله عنده عقلا وكيف أقر لله بالربوبية وحفظ العهد أو نطق به، كل هذا يعتمد على معرفة الإنسان بأي صورة كان أو ما هي حقيقته، الصحيح إن عالم الذر لم يكن الإنسان فيه بحجم الذرة لأنه يلزم كل هذه الأمور لكن تشبيها لهم لكثرتهم بالذر وليس كما توهم أو زعم بعضهم بأنهم كانوا بمقدار الذرة، فهذا مردود لان العالم الذي كانوا يعيشون فيه منزه عن المادة أي انه عالم روحي ليس فيه مادة والذرة من صنف المادة لذلك يحمل على المجاز، وليسوا في الحقيقة كالذر لذلك يرفض تفسير عالم الذر على أساس النظرة المادية ((- كتاب عالم الذر ص 9 ).
    اما معراج النبي (ص) فيرد على من يدعي عروج النبي بجسمه الشريف فيما ورد في دعاء الندبة المروي عن صاحب الزمان (ع) والذي جاء فيه : ﴿وسخرت له البراق ، وعرجت بروحه إلى سمائك﴾﴿ - إقبال الأعمال - السيد أبن طاووس - ج 1 - ص 505 / بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 99 - ص 105
    ﴾.
    ويعتبر ما جاء في دعاء الندبة الشريف خير مثال لمن يقول بالمعراج الجسدي
    نكتفي بما تقدم ونقول : إن الشيخية هي فرقة من فرق الإمامية الاثني عشرية ظهرت في اواخر النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري وقد سميت بهذه التسمية نسبة إلى شيخ مدرستها ورئيسها الشيخ أحمد الاحسائي الملقب بالشيخ الاوحد وهذه الفرقة أصولية كما هو حال الأصوليين إلا إنهم يخالفون باقي فقهاء الإمامية ببعض النظريات العقائدية واتهموا على اثر تلك النظريات بالغلو في مقام أهل البيت (ع) والتفويض.
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

    تعليق

    يعمل...
    X