منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني
مخالفة الفقيه لنفسه :
بعد أن تحدثنا فيما تقدم عن الاختلافات الفقهية بين فقهاء الإمامية وتطرقنا كذلك إلى حجم هذه الاختلافات حتى تعددت الأقوال في المسألة الواحدة إلى عشرين أو ثلاثين قولاً أو ازيد حتى لم تخلوا مسألة الا واختلفوا فيها وهم بين محلل ومحرم وقائل بالجواز وآخر بالعدم وآخر يذهب إلى المكروه وقرينه إلى الإباحة وهكذا إلى ان وصل الاختلاف إلى الفقيه نفسه دون ان يشاركه في اختلافه أحد حيث بدل الكثير من الفقهاء فتاويهم من خلال اكتشاف الاخطاء في عملية الإجتهاد التي بنوا عليها فتواهم يقول محمد حسين فضل الله : ﴿إن المجتهد الذي ينطلق في فتواه من الأدلة الشرعية كالكتاب والسُنة على أساس فهمه الإجتهادي فيها قد يتغير رأيه إذا تغيرت لديه المعطيات الفقهية. وذلك من خلال اكتشافه وجود الخطأ في إجتهاده﴾﴿ فقه الحياة – محمد حسين فضل الله - ص35﴾.
إن مسألة أكتشاف الاخطاء في الفتوى يرجع سببها وكما ذكرنا إلى عجز الأسلوب الذي يستعمله الفقيه ويبني عليه فتواه وان من الأسباب الرئيسية هو استعمال الفقيه لفهمه الشخصي في معرفة الأحكام وان اعتمد على الكتاب والسُنة في الظاهر إلا أن مصادر التشريع عندهم ليست محصورة في الكتاب والسُنة بل زيد عليها الإجماع والعقل بل ان الفقيه الذي ينطلق لاصابة الحكم وفق فهمه الإجتهادي قد يتفاوت لأن الفهم متفاوت عند الناس كما هو معلوم، فيظن بانه فهم شيء ثم يكتشف فيما بعد عدم الفهم، وهذه مسألة طبيعية في طبيعة الإنسان ولذلك أوصانا المعصومون (ع) بالتمسك بالثقلين دون مراعاة لجانب العقل شيء فإن دين الله لا يصاب بالعقول كما هو الوارد في أحاديث أهل البيت (ع) وكما بينا ذلك مراراً وتكراراً ولذلك نجد ان الفقهاء استعملوا أصولاً لا توصلهم إلى القطع في معرفة الأحكام كما يقول الشيخ محمد اسحاق الفياض : ﴿ولما لم تكن تلك القواعد المحددة في الأصول متمتعة بطابع قطعي لم تدفع الشكوك والأوهام ـ التي تواجه النصوص ـ بشكل قطعي﴾﴿ - النظرة الخاطفة في الاجتهاد – الشيخ محمد اسحاق الفياض – ص22
ولهذا السبب كانت ولا زالت عملية الإجتهاد القائمة على أساس تلك الأصول غير امينة مما يجعل المجتهد دائم الشك فيما يفتي فيه الناس، يقول الشيخ محمد اسحاق الفياض ما هذا نصه : ﴿عملية الإجتهاد في الزمن المعاصر عملية صعبة ومعقدة ومحفوفة بالشكوك والأوهام والمخاطر﴾﴿ ﴾.
وقد بين الشيخ الفياض في نهاية كلامه في الإجتهاد نتائج منها قوله : ﴿أن عملية الإجتهاد في عصر الغيبة قد أصبحت عملية معقدة وصعبة تواجهها الشكوك والأوهام من مختلف الجهات﴾﴿ - نفس المصدر السابق – ص21﴾. ﴾.
إن هذه الشكوك والاوهام نتيجة طبيعية لمن سلك مسلك المخالفين في معرفة الأحكام وادرج العديد من مسائلهم كالعقل والإجماع ومسائل الجرح والتعديل والاعتماد على سند الأخبار كل الاعتماد وهو مما لم يرد فيه نص صريح -كما سيأتينا بيانه- وكذلك هجر القرآن والاعتماد على علوم أخرى كالفلسفة والمنطق والأصول التي كانوا ولا زالوا مختلفين فيها كل الاختلاف حتى أصبح للفقيه الواحد في خاصته فتوى وأمام العامة فتوى أخرى مغايرة وله في العراق فتوى وفي أمريكا أخرى مسايرة لهم، وكثرت عندهم الاختلاف حتى وصل إلى مخالفة الفقيه لنفسه.
وهذه الامور هي نتيجة طبيعية للشكوك والاوهام التي ملئت أدوات الإجتهاد والمتمثلة بالأصول الفقهية والتي كان انعكاسها على نفسية الفقيه مما دعته إلى الاختلاف حتى مع نفسه في تحديد الفتوى حيث يقول السيد فضل الله ما هذا نصه : ﴿وقد رأينا بعض الفقهاء المتقدمين تختلف إجتهاداته باختلاف كتبه كما ينقل ذلك عن الشهيد الأول كما اننا رأينا من بعض علمائنا المعاصرين المراجع وهو آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قد تغير رأيه من الفتوى بنجاسة أهل الكتاب إلى الفتوى بطهارتهم ، ومن الفتوى بانحصار المطاف في المساحة بين الكعبة ومقام إبراهيم إلى الفتوى باتساعه ما اتسع الطواف . وهكذا في كثير من آراء المراجع الإجتهادية لأن المرجع ليس معصوماً﴾﴿ نفس المصدر السابق – ص 91﴾.
نعم إن المرجع ليس معصوماً ولذلك أُمرنا بالتمسك بأصحاب العصمة (ع) وقد أمرونا بمخالفة مخالفيهم إلا إننا وافقناهم في العديد من الأصول والقواعد هذا من جانب ومن جانب آخر فإننا أُمرنا بإتباع المعصوم لكي لا نقع بالاثم والغلط وهذه مما عليه أصول الإمامية فإذا كان الفقيه لا يتمتع بهذه الصفة - وهو كذلك - فلا ينبغي إتباعه أصلاً لأن فتواه اما ان تكون نابعة من كلام أهل البيت (ع) وهو بذلك أهلاً لسماع كلامه وفهمه واما ان يكون كلامه مشحون بالشكوك والاوهام فإن إتباعه في هذه الحالة غير مبرئ للذمة أمام الله ورسوله وأهل البيت (ع) لأنه وبأبسط العبارات يوقع أتباعه في الغلط والاثم بسبب فقدانه للعصمة من جهة ومن جهة أخرى فإن أقواله متذبذبة ومتغيرة بتغير فهمة الإجتهادي المحضور في الشريعة وكما بينا .
إن من المسائل الأخرى التي اعتاد الفقهاء عليها هي مسألة الاحتياط المفرط وهذه المسألة من المسائل التي تعسر على المكلف اعماله فالاحتياط الزائد هو نابع لا محالة من الشكوك والاوهام التي تراود الفقيه اثناء عملية الإجتهاد فيلجأ إلى الاحتياط تحرزا من الاثم إلا أن هذه الاحتياطات تاتي بعد الافتاء فإن الفقيه يعطي الفتوى ثم يبين الاحتياط وقد علمنا مما تقدم بأن الاحتياط قد جاء في الروايات بمعنى التوقف عند الشبهات إلا أن مسألة الاحتياطات التي ترد في فتاوى الفقهاء أصبحت الآن من المسائل التي تبقي في قلب السائل الشكوك والوساوس لأنه وبطبيعة الحال لم يحصل على العلم القطعي واليقيني لما سأل عنه .
لقد شكى الفقهاء من مسألة كثرة الاحتياطات قبل شكوى العامة يقول الشيخ محمد مهدي الاصفي ما هذا نصه : ﴿ ان بعض الاحتياطات الوجوبية التي يفتي بها الفقهاء يؤدي إلى الحرج والعسر على المكلف بشكل أو بآخر وهذه الاحتياطات – بعضها وليس كلها – ان لم نقل انها تنافي قاعدة نفي العسر والحرج فهي على خلاف الاحتياط كالاحتياط بإكمال الحج وإعادته من قابل﴾﴿ - فقه الحياة – محمد حسين فضل الله ص35﴾.
ومن المسائل الأخرى التي توقع أتباع الفقهاء في الغلط هي مسألة تكلف الفقيه ما ليس بموجود في الكتاب والسُنة وهذه المسألة من المسائل الخطرة جداً بل هي في غاية الخطورة وقد تحدث عن هذه المسألة بعض الفقهاء منهم العلامة الشيخ محمد مهدي الاصفي وقد شرح هذه المسألة في قوله : ﴿ان يتخذ الفقيه بناء على مسبقات ذهنية علمية لديه فرضية معينة ثم يحاول ان يجد لهذه الفرضية إثباتاً في مصادر التشريع فيجد ذلك حيناً ويتكلفه حيناً كما لو كان الفقيه يجد في تكلف البنت في التاسعة من عمرها حرجاً ومشقة فيحاول ان يجد في الأدلة الشرعية ما يدل على ان البلوغ بالتاسعة من النصوص الشرعية من باب التشخيص المصداقي للبلوغ في ذلك العصر وليس من باب تحديد البلوغ نفسه ﴾﴿ الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص108
ولم يتوقف الفقهاء عند هذا الحد بل ان بعضهم يتخذ رأياً فقهياً محدداً قبل مراجعة الأدلة ويحاول فيما بعد اثبات فتواه إيجاد دليل يساند ما ذهب إليه تفكيره الشخصي وعن هذه الحالة يتحدث الشيخ محمد مهدي الاصفي قائلاً : ﴿يتخذ الفقيه مسبقاً رأياً فقهياً معيناً ويطمإن إليه من غير المصادر الشرعية الاربعة وليس يفترضه افتراضاً ثم يسعى ان يجد له دليلاً من مصادر التشريع فإن لم يجد ذلك تحمل له الدليل تحملاً وتكلفه تكلفاً ﴾﴿ - نفس المصدر السابق- ص110 ﴾.
إن هذه الطرق التي يستخدمها بعض الفقهاء ناتجة عن عجز الأصول التي يستخدمونها في معرفة الأحكام عن اعطاء الدقة بشكل اوسع كما ان هذه الأصول معقدة بشكلاً مفرط حتى عند الفقهاء أنفسهم يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين ما هذا نصه : ﴿لا اريد ان اقول ان علم الأصول بحسب أصل وضعه كان فيه خلل فهذا بحث آخر عظيم الأهمية ولكن علم الأصول باعتباره أساساً في مكونات الإجتهاد – يجب ان يستجيب لرؤية فقهية اوسع من الرؤية السائدة الآن وهذا يقتضي ان يفحص الفقهاء والأصوليون اوجه النقص في علم الأصول في وضعه الحاضر ﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص110
﴾.
إن هذا التكلف والاحتياطات الزائدة والشكوك والاوهام التي يواجهها الفقهاء ترجع إلى نقص الأدوات التي يستعملونها في معرفة الأحكام وقد عرفنا فيما تقدم هذا العجز الموجود في عملية الإجتهاد، ما دعت الفقهاء إلى التكلف والاحتياط بل دعتهم إلى مخالفة أنفسهم في اصدار الفتاوى من حيث اصدار الفتوى ثم التراجع عنها لاكتشاف الخطأ في عملية الاستدلال.
إن الأمثلة على مخالفة الفقيه لنفسه كثيرة وقد ذكرنا في بداية كلامنا بعضها ومن الأمثلة الأخرى على مخالفة الفقيه لنفسه هو ما ذكرة السيد محمد حسين فضل الله حيث قال : ﴿ أعطيكم الآن فتوتين للسيد الخوئي :
1- من زنى بذات بعل حرمت عليه مؤبداً على الأحوط وجوباً. وعندي رسائل للسيد الخوئي بعث بها إلي يقول فيها : إذا وجدت ضرورة في تزويج من زنى بذات بعل فلا مانع أن تزوجها له بعد أن تطلق. وأنا زوجت أناساً بهذه الطريقة.
2- الثانية : يقول : لا يجوز خروج الزوجة بغير إذنه مطلقاً على الأحوط وجوباً حتى فيما لا ينافي حقه. وأنا عندي استفتاء للسيد الخوئي نشر في أمريكا يقول : يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه إذا لم يناف ذلك حقه. لأن الخروج من بيت الرجل ليس حقاً مستقلاً، بل هو من شؤون الاستمتاع . وأنا أدري أن هناك علماء كثيرين لا يصرحون بفتواهم تحرجاً من العامة ﴾﴿الاجتهاد والحياة حوار على الورق –حوار واعداد محمد الحسيني- ص13
-
إن وصول الفقيه إلى هذه الدرجة لهو المأساة الكبرى في شريعة رب العالمين اما وصول الفقهاء إلى كتمان فتواهم تحرجاً من الناس فهو الطامة الكبرى والفاجعة العظمى فهل يكتم شرع الله – إذا كان كذلك - تحرجاً من الأتباع وخوفاً من خسرانهم فهل بعد خسران الله خسران أحد وقد ذكر رسول الله (ص) لعلي (ع) دعاء يوم عرفة وهو دعاء الأنبياء وقد جاء فيه : ﴿ماذا وجد من فقدك ، وما الذي فقد من وجدك ، لقد خاب من رضي دونك بدلا ، ولقد خسر من بغي عنك متحولا ، ... المنهج الاستدلالي – محمد حسين فضل الله - ص42 ﴾. .
إن مراعاة حق الله على عباده من الامور المهمة بل هي أول الامور واخرها إذ لا يجد في غيرها ما يضاهي أهميتها في الشريعة الإسلامية وفي كل الشرائع السماوية فإن مرضاة الله هي غاية المؤمن وهدفه في هذه الحياة الدنيا وزاد الاخرة .
إننا حين ننقل الأمثلة على مخالفة الفقهاء لأنفسهم في الفتوى إنما هو لبيان النقص وعدم الكمال الذي عليه عملية الإجتهاد وأصوله واي شيء ناقص وغير كامل فهو من عند غير الله وكل شيء من عند غير الله تجد فيه الاختلاف وهذه قاعدة قرآنية ثابتة .
إننا نجد حال المدرسة الإمامية في غاية الاختلاف والأمثلة على هذه الاختلافات كثيرة في هذا الصدد، وعلى مخالفة الفقيه لنفسه أيضاً ومن هذه الأمثلة هو ما افتى به السيد الخميني حيث افتي بحرمة أكل السمك الذي ينتج الكافيار لأنه ليس هناك قشور على جسمه ولكن بعد ذلك غير فتواه إلى الحلية وكان السيد الخميني يفتي بحرمة لعب الشطرنج ولكنه غير فتواه إلى الحلية .﴿ ﴾
والأمثلة على هذا المنوال كثيرة خصوصاً إذا راجعنا آراء الفقهاء منذ بداية الغيبة والى عصرنا الحالي فإن الأمر يحتاج إلى عشرات المجلدات بل إلى اضعاف ذلك .
لم ينته الاختلاف عند هذا الحد بل الاختلاف مستمر ومستمر بحيث صار ذلك سمة وطابعاً لا إنكار فيه بل تعدى المسائل الفقهية ليشمل مسائل الاعتقاد والعقيدة حتى قال السيد محمد حسين فضل الله : ﴿إننا نعتقد أن حركة الإجتهاد الشيعي لا بد أن تواجه مسألة التفاصيل العقيدية بنفس القوة والدرجة التي واجهت بها مسألة التفاصيل الشرعية في فروع الأحكام﴾﴿ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 95 - ص 215 ﴾.
وقال أيضاً : ﴿إن كتب الاعتقاد المؤلفة من قبل علماء المسلمين الشيعة لا تمثل الفكرة النهائية الحاسمة في اعتقادات الشيعة ، لأنها انطلقت من إجتهادات هؤلاء العلماء في فهم القواعد والنصوص التي يحفل بها التراث الشيعي﴾﴿- آراء في المرجعية الشيعية – عباس الرضوي - ص299
إننا وجدنا الكثير من الفقهاء الذين تطرقوا إلى مسألة العقيدة قد اختلفوا وعلى مر الزمن فمنهم من افرط في الاعتقاد حتى بلغ الغلو والبدع ومنهم من قلل من شأن أهل البيت (ع) في كتاباته وأقواله وكثيراً منهم لا يعطي لمقام العقيدة الأهمية ولا الاهتمام، واقتصارهم على الأصول والفلسفة وغيرها من العلوم الدخيلة يقول السيد محمد حسين فضل الله : ﴿من المؤسف أن المسائل العقيدية لا تولى الإهتمام المناسب عند العلماء انطلاقا من اقتصار تخصصهم على الفقه وأصوله ، مما يجعلهم غير ملمين بالجانب العلمي للعقائد ، فلا يملكون عمق التحليل فيه ، وربما كانت مراقبة العوام سببا لذلك لدى البعض منهم﴾﴿ - مجلة الفكر الجديد – مقالة للسيد محمد حسين فضل الله
إن مسألة الخوف من الناس أو قل من الأتباع قد تحدثنا عنها إلا أن مسألة الإلمام في جانب العقائد مسألة في غاية الأهمية خصوصاً ان الإمامية لديهم الكثير من العقائد المخالفة لباقي المسلمين وعليه يجب الالمام بالجانب العقائدي أكثر من الجانب الفقهي لكي يحصل عند المعتقدين بهذه العقائد الاطمأنان لما يعتقدون وإذا لم يحصل هذا الاطمأنان فإن العقيدة ستكون متزلزلة عند المعتقدين بها إذا لم تنبنى على علم رصين .
وكما ذكر السيد فضل الله ان الفقهاء لا يملكون عمق التحليل في العقائد والادهى من ذلك قلة الالمام بالجانب العقائدي وهذه من أعظم المؤاخذات عليهم.
إن المؤاخذات على الحوزة كثيرة جداً ولسنا الوحيدين ممن شكى هذه الحالات فمن هذه الحالات هي حالة الكبت في داخل الحوزة فقد ذكر السيد فضل الله الحاجة إلى ما يشبه الثورة على هذا الواقع المرير وذلك في قوله : ﴿فنحن لحدّ الآن لم نحصل للأسف على نقلة نوعيّة في الحوزات. وإن مسألة تغيير الحوزات تحتاج إلى ما يشبه الثورة، وأظن أن ظروف الثورة لحد الآن ليست متوفرة، لأننا نعرف أنه ليست في الحوزات حرية فكر، فلا يستطيع الطالب أن يناقش فيها حتى بعض القضايا التأريخية في الهواء الطلق. فكيف يمكن أن يناقش فيها قضايا عقيدية أو اجتماعية أو فقهية، وما إلى ذلك؟! - مجلة الفكر الجديد – مقالة للسيد محمد حسين فضل الله﴾.﴾. .
نعم إن الأمر يحتاج إلى ما يشبه الثورة الإصلاحية إلا أن هذه الثورة لا تكون إلا على يد المصلح الموعود (ع) وسوف يواجه بالرفض كما ذكرنا فيما تقدم لما يروه من تغيير الأحكام التي اعتادت عقولهم على رجحانها وحجيتها، حيث ورد انه سيأتي بإسلام جديد وكتاب جديد وهذا يعني ان الإسلام قد تغير الكثير منه والكتاب لم يبقى منه الا رسمه اما معانيه وأحكامها فقد هجرها القوم كما سيأتينا.
سوف ننتقل الآن إلى مناقشة مصادر التشريع عند الأصوليين من فقهاء العامة والإمامية لكي نعرف كيف يعطي الفقيه الفتوى اعتمادا على هذه المصادر كما اننا سنناقشها نقاشاً موضوعياً وفقاً لأقوالهم التي ذكروها ومن الله التوفيق .
مخالفة الفقيه لنفسه :
بعد أن تحدثنا فيما تقدم عن الاختلافات الفقهية بين فقهاء الإمامية وتطرقنا كذلك إلى حجم هذه الاختلافات حتى تعددت الأقوال في المسألة الواحدة إلى عشرين أو ثلاثين قولاً أو ازيد حتى لم تخلوا مسألة الا واختلفوا فيها وهم بين محلل ومحرم وقائل بالجواز وآخر بالعدم وآخر يذهب إلى المكروه وقرينه إلى الإباحة وهكذا إلى ان وصل الاختلاف إلى الفقيه نفسه دون ان يشاركه في اختلافه أحد حيث بدل الكثير من الفقهاء فتاويهم من خلال اكتشاف الاخطاء في عملية الإجتهاد التي بنوا عليها فتواهم يقول محمد حسين فضل الله : ﴿إن المجتهد الذي ينطلق في فتواه من الأدلة الشرعية كالكتاب والسُنة على أساس فهمه الإجتهادي فيها قد يتغير رأيه إذا تغيرت لديه المعطيات الفقهية. وذلك من خلال اكتشافه وجود الخطأ في إجتهاده﴾﴿ فقه الحياة – محمد حسين فضل الله - ص35﴾.
إن مسألة أكتشاف الاخطاء في الفتوى يرجع سببها وكما ذكرنا إلى عجز الأسلوب الذي يستعمله الفقيه ويبني عليه فتواه وان من الأسباب الرئيسية هو استعمال الفقيه لفهمه الشخصي في معرفة الأحكام وان اعتمد على الكتاب والسُنة في الظاهر إلا أن مصادر التشريع عندهم ليست محصورة في الكتاب والسُنة بل زيد عليها الإجماع والعقل بل ان الفقيه الذي ينطلق لاصابة الحكم وفق فهمه الإجتهادي قد يتفاوت لأن الفهم متفاوت عند الناس كما هو معلوم، فيظن بانه فهم شيء ثم يكتشف فيما بعد عدم الفهم، وهذه مسألة طبيعية في طبيعة الإنسان ولذلك أوصانا المعصومون (ع) بالتمسك بالثقلين دون مراعاة لجانب العقل شيء فإن دين الله لا يصاب بالعقول كما هو الوارد في أحاديث أهل البيت (ع) وكما بينا ذلك مراراً وتكراراً ولذلك نجد ان الفقهاء استعملوا أصولاً لا توصلهم إلى القطع في معرفة الأحكام كما يقول الشيخ محمد اسحاق الفياض : ﴿ولما لم تكن تلك القواعد المحددة في الأصول متمتعة بطابع قطعي لم تدفع الشكوك والأوهام ـ التي تواجه النصوص ـ بشكل قطعي﴾﴿ - النظرة الخاطفة في الاجتهاد – الشيخ محمد اسحاق الفياض – ص22
ولهذا السبب كانت ولا زالت عملية الإجتهاد القائمة على أساس تلك الأصول غير امينة مما يجعل المجتهد دائم الشك فيما يفتي فيه الناس، يقول الشيخ محمد اسحاق الفياض ما هذا نصه : ﴿عملية الإجتهاد في الزمن المعاصر عملية صعبة ومعقدة ومحفوفة بالشكوك والأوهام والمخاطر﴾﴿ ﴾.
وقد بين الشيخ الفياض في نهاية كلامه في الإجتهاد نتائج منها قوله : ﴿أن عملية الإجتهاد في عصر الغيبة قد أصبحت عملية معقدة وصعبة تواجهها الشكوك والأوهام من مختلف الجهات﴾﴿ - نفس المصدر السابق – ص21﴾. ﴾.
إن هذه الشكوك والاوهام نتيجة طبيعية لمن سلك مسلك المخالفين في معرفة الأحكام وادرج العديد من مسائلهم كالعقل والإجماع ومسائل الجرح والتعديل والاعتماد على سند الأخبار كل الاعتماد وهو مما لم يرد فيه نص صريح -كما سيأتينا بيانه- وكذلك هجر القرآن والاعتماد على علوم أخرى كالفلسفة والمنطق والأصول التي كانوا ولا زالوا مختلفين فيها كل الاختلاف حتى أصبح للفقيه الواحد في خاصته فتوى وأمام العامة فتوى أخرى مغايرة وله في العراق فتوى وفي أمريكا أخرى مسايرة لهم، وكثرت عندهم الاختلاف حتى وصل إلى مخالفة الفقيه لنفسه.
وهذه الامور هي نتيجة طبيعية للشكوك والاوهام التي ملئت أدوات الإجتهاد والمتمثلة بالأصول الفقهية والتي كان انعكاسها على نفسية الفقيه مما دعته إلى الاختلاف حتى مع نفسه في تحديد الفتوى حيث يقول السيد فضل الله ما هذا نصه : ﴿وقد رأينا بعض الفقهاء المتقدمين تختلف إجتهاداته باختلاف كتبه كما ينقل ذلك عن الشهيد الأول كما اننا رأينا من بعض علمائنا المعاصرين المراجع وهو آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قد تغير رأيه من الفتوى بنجاسة أهل الكتاب إلى الفتوى بطهارتهم ، ومن الفتوى بانحصار المطاف في المساحة بين الكعبة ومقام إبراهيم إلى الفتوى باتساعه ما اتسع الطواف . وهكذا في كثير من آراء المراجع الإجتهادية لأن المرجع ليس معصوماً﴾﴿ نفس المصدر السابق – ص 91﴾.
نعم إن المرجع ليس معصوماً ولذلك أُمرنا بالتمسك بأصحاب العصمة (ع) وقد أمرونا بمخالفة مخالفيهم إلا إننا وافقناهم في العديد من الأصول والقواعد هذا من جانب ومن جانب آخر فإننا أُمرنا بإتباع المعصوم لكي لا نقع بالاثم والغلط وهذه مما عليه أصول الإمامية فإذا كان الفقيه لا يتمتع بهذه الصفة - وهو كذلك - فلا ينبغي إتباعه أصلاً لأن فتواه اما ان تكون نابعة من كلام أهل البيت (ع) وهو بذلك أهلاً لسماع كلامه وفهمه واما ان يكون كلامه مشحون بالشكوك والاوهام فإن إتباعه في هذه الحالة غير مبرئ للذمة أمام الله ورسوله وأهل البيت (ع) لأنه وبأبسط العبارات يوقع أتباعه في الغلط والاثم بسبب فقدانه للعصمة من جهة ومن جهة أخرى فإن أقواله متذبذبة ومتغيرة بتغير فهمة الإجتهادي المحضور في الشريعة وكما بينا .
إن من المسائل الأخرى التي اعتاد الفقهاء عليها هي مسألة الاحتياط المفرط وهذه المسألة من المسائل التي تعسر على المكلف اعماله فالاحتياط الزائد هو نابع لا محالة من الشكوك والاوهام التي تراود الفقيه اثناء عملية الإجتهاد فيلجأ إلى الاحتياط تحرزا من الاثم إلا أن هذه الاحتياطات تاتي بعد الافتاء فإن الفقيه يعطي الفتوى ثم يبين الاحتياط وقد علمنا مما تقدم بأن الاحتياط قد جاء في الروايات بمعنى التوقف عند الشبهات إلا أن مسألة الاحتياطات التي ترد في فتاوى الفقهاء أصبحت الآن من المسائل التي تبقي في قلب السائل الشكوك والوساوس لأنه وبطبيعة الحال لم يحصل على العلم القطعي واليقيني لما سأل عنه .
لقد شكى الفقهاء من مسألة كثرة الاحتياطات قبل شكوى العامة يقول الشيخ محمد مهدي الاصفي ما هذا نصه : ﴿ ان بعض الاحتياطات الوجوبية التي يفتي بها الفقهاء يؤدي إلى الحرج والعسر على المكلف بشكل أو بآخر وهذه الاحتياطات – بعضها وليس كلها – ان لم نقل انها تنافي قاعدة نفي العسر والحرج فهي على خلاف الاحتياط كالاحتياط بإكمال الحج وإعادته من قابل﴾﴿ - فقه الحياة – محمد حسين فضل الله ص35﴾.
ومن المسائل الأخرى التي توقع أتباع الفقهاء في الغلط هي مسألة تكلف الفقيه ما ليس بموجود في الكتاب والسُنة وهذه المسألة من المسائل الخطرة جداً بل هي في غاية الخطورة وقد تحدث عن هذه المسألة بعض الفقهاء منهم العلامة الشيخ محمد مهدي الاصفي وقد شرح هذه المسألة في قوله : ﴿ان يتخذ الفقيه بناء على مسبقات ذهنية علمية لديه فرضية معينة ثم يحاول ان يجد لهذه الفرضية إثباتاً في مصادر التشريع فيجد ذلك حيناً ويتكلفه حيناً كما لو كان الفقيه يجد في تكلف البنت في التاسعة من عمرها حرجاً ومشقة فيحاول ان يجد في الأدلة الشرعية ما يدل على ان البلوغ بالتاسعة من النصوص الشرعية من باب التشخيص المصداقي للبلوغ في ذلك العصر وليس من باب تحديد البلوغ نفسه ﴾﴿ الاجتهاد والحياة حوار على الورق – حوار واعداد محمد الحسيني - ص108
ولم يتوقف الفقهاء عند هذا الحد بل ان بعضهم يتخذ رأياً فقهياً محدداً قبل مراجعة الأدلة ويحاول فيما بعد اثبات فتواه إيجاد دليل يساند ما ذهب إليه تفكيره الشخصي وعن هذه الحالة يتحدث الشيخ محمد مهدي الاصفي قائلاً : ﴿يتخذ الفقيه مسبقاً رأياً فقهياً معيناً ويطمإن إليه من غير المصادر الشرعية الاربعة وليس يفترضه افتراضاً ثم يسعى ان يجد له دليلاً من مصادر التشريع فإن لم يجد ذلك تحمل له الدليل تحملاً وتكلفه تكلفاً ﴾﴿ - نفس المصدر السابق- ص110 ﴾.
إن هذه الطرق التي يستخدمها بعض الفقهاء ناتجة عن عجز الأصول التي يستخدمونها في معرفة الأحكام عن اعطاء الدقة بشكل اوسع كما ان هذه الأصول معقدة بشكلاً مفرط حتى عند الفقهاء أنفسهم يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين ما هذا نصه : ﴿لا اريد ان اقول ان علم الأصول بحسب أصل وضعه كان فيه خلل فهذا بحث آخر عظيم الأهمية ولكن علم الأصول باعتباره أساساً في مكونات الإجتهاد – يجب ان يستجيب لرؤية فقهية اوسع من الرؤية السائدة الآن وهذا يقتضي ان يفحص الفقهاء والأصوليون اوجه النقص في علم الأصول في وضعه الحاضر ﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص110
﴾.
إن هذا التكلف والاحتياطات الزائدة والشكوك والاوهام التي يواجهها الفقهاء ترجع إلى نقص الأدوات التي يستعملونها في معرفة الأحكام وقد عرفنا فيما تقدم هذا العجز الموجود في عملية الإجتهاد، ما دعت الفقهاء إلى التكلف والاحتياط بل دعتهم إلى مخالفة أنفسهم في اصدار الفتاوى من حيث اصدار الفتوى ثم التراجع عنها لاكتشاف الخطأ في عملية الاستدلال.
إن الأمثلة على مخالفة الفقيه لنفسه كثيرة وقد ذكرنا في بداية كلامنا بعضها ومن الأمثلة الأخرى على مخالفة الفقيه لنفسه هو ما ذكرة السيد محمد حسين فضل الله حيث قال : ﴿ أعطيكم الآن فتوتين للسيد الخوئي :
1- من زنى بذات بعل حرمت عليه مؤبداً على الأحوط وجوباً. وعندي رسائل للسيد الخوئي بعث بها إلي يقول فيها : إذا وجدت ضرورة في تزويج من زنى بذات بعل فلا مانع أن تزوجها له بعد أن تطلق. وأنا زوجت أناساً بهذه الطريقة.
2- الثانية : يقول : لا يجوز خروج الزوجة بغير إذنه مطلقاً على الأحوط وجوباً حتى فيما لا ينافي حقه. وأنا عندي استفتاء للسيد الخوئي نشر في أمريكا يقول : يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه إذا لم يناف ذلك حقه. لأن الخروج من بيت الرجل ليس حقاً مستقلاً، بل هو من شؤون الاستمتاع . وأنا أدري أن هناك علماء كثيرين لا يصرحون بفتواهم تحرجاً من العامة ﴾﴿الاجتهاد والحياة حوار على الورق –حوار واعداد محمد الحسيني- ص13
-
إن وصول الفقيه إلى هذه الدرجة لهو المأساة الكبرى في شريعة رب العالمين اما وصول الفقهاء إلى كتمان فتواهم تحرجاً من الناس فهو الطامة الكبرى والفاجعة العظمى فهل يكتم شرع الله – إذا كان كذلك - تحرجاً من الأتباع وخوفاً من خسرانهم فهل بعد خسران الله خسران أحد وقد ذكر رسول الله (ص) لعلي (ع) دعاء يوم عرفة وهو دعاء الأنبياء وقد جاء فيه : ﴿ماذا وجد من فقدك ، وما الذي فقد من وجدك ، لقد خاب من رضي دونك بدلا ، ولقد خسر من بغي عنك متحولا ، ... المنهج الاستدلالي – محمد حسين فضل الله - ص42 ﴾. .
إن مراعاة حق الله على عباده من الامور المهمة بل هي أول الامور واخرها إذ لا يجد في غيرها ما يضاهي أهميتها في الشريعة الإسلامية وفي كل الشرائع السماوية فإن مرضاة الله هي غاية المؤمن وهدفه في هذه الحياة الدنيا وزاد الاخرة .
إننا حين ننقل الأمثلة على مخالفة الفقهاء لأنفسهم في الفتوى إنما هو لبيان النقص وعدم الكمال الذي عليه عملية الإجتهاد وأصوله واي شيء ناقص وغير كامل فهو من عند غير الله وكل شيء من عند غير الله تجد فيه الاختلاف وهذه قاعدة قرآنية ثابتة .
إننا نجد حال المدرسة الإمامية في غاية الاختلاف والأمثلة على هذه الاختلافات كثيرة في هذا الصدد، وعلى مخالفة الفقيه لنفسه أيضاً ومن هذه الأمثلة هو ما افتى به السيد الخميني حيث افتي بحرمة أكل السمك الذي ينتج الكافيار لأنه ليس هناك قشور على جسمه ولكن بعد ذلك غير فتواه إلى الحلية وكان السيد الخميني يفتي بحرمة لعب الشطرنج ولكنه غير فتواه إلى الحلية .﴿ ﴾
والأمثلة على هذا المنوال كثيرة خصوصاً إذا راجعنا آراء الفقهاء منذ بداية الغيبة والى عصرنا الحالي فإن الأمر يحتاج إلى عشرات المجلدات بل إلى اضعاف ذلك .
لم ينته الاختلاف عند هذا الحد بل الاختلاف مستمر ومستمر بحيث صار ذلك سمة وطابعاً لا إنكار فيه بل تعدى المسائل الفقهية ليشمل مسائل الاعتقاد والعقيدة حتى قال السيد محمد حسين فضل الله : ﴿إننا نعتقد أن حركة الإجتهاد الشيعي لا بد أن تواجه مسألة التفاصيل العقيدية بنفس القوة والدرجة التي واجهت بها مسألة التفاصيل الشرعية في فروع الأحكام﴾﴿ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 95 - ص 215 ﴾.
وقال أيضاً : ﴿إن كتب الاعتقاد المؤلفة من قبل علماء المسلمين الشيعة لا تمثل الفكرة النهائية الحاسمة في اعتقادات الشيعة ، لأنها انطلقت من إجتهادات هؤلاء العلماء في فهم القواعد والنصوص التي يحفل بها التراث الشيعي﴾﴿- آراء في المرجعية الشيعية – عباس الرضوي - ص299
إننا وجدنا الكثير من الفقهاء الذين تطرقوا إلى مسألة العقيدة قد اختلفوا وعلى مر الزمن فمنهم من افرط في الاعتقاد حتى بلغ الغلو والبدع ومنهم من قلل من شأن أهل البيت (ع) في كتاباته وأقواله وكثيراً منهم لا يعطي لمقام العقيدة الأهمية ولا الاهتمام، واقتصارهم على الأصول والفلسفة وغيرها من العلوم الدخيلة يقول السيد محمد حسين فضل الله : ﴿من المؤسف أن المسائل العقيدية لا تولى الإهتمام المناسب عند العلماء انطلاقا من اقتصار تخصصهم على الفقه وأصوله ، مما يجعلهم غير ملمين بالجانب العلمي للعقائد ، فلا يملكون عمق التحليل فيه ، وربما كانت مراقبة العوام سببا لذلك لدى البعض منهم﴾﴿ - مجلة الفكر الجديد – مقالة للسيد محمد حسين فضل الله
إن مسألة الخوف من الناس أو قل من الأتباع قد تحدثنا عنها إلا أن مسألة الإلمام في جانب العقائد مسألة في غاية الأهمية خصوصاً ان الإمامية لديهم الكثير من العقائد المخالفة لباقي المسلمين وعليه يجب الالمام بالجانب العقائدي أكثر من الجانب الفقهي لكي يحصل عند المعتقدين بهذه العقائد الاطمأنان لما يعتقدون وإذا لم يحصل هذا الاطمأنان فإن العقيدة ستكون متزلزلة عند المعتقدين بها إذا لم تنبنى على علم رصين .
وكما ذكر السيد فضل الله ان الفقهاء لا يملكون عمق التحليل في العقائد والادهى من ذلك قلة الالمام بالجانب العقائدي وهذه من أعظم المؤاخذات عليهم.
إن المؤاخذات على الحوزة كثيرة جداً ولسنا الوحيدين ممن شكى هذه الحالات فمن هذه الحالات هي حالة الكبت في داخل الحوزة فقد ذكر السيد فضل الله الحاجة إلى ما يشبه الثورة على هذا الواقع المرير وذلك في قوله : ﴿فنحن لحدّ الآن لم نحصل للأسف على نقلة نوعيّة في الحوزات. وإن مسألة تغيير الحوزات تحتاج إلى ما يشبه الثورة، وأظن أن ظروف الثورة لحد الآن ليست متوفرة، لأننا نعرف أنه ليست في الحوزات حرية فكر، فلا يستطيع الطالب أن يناقش فيها حتى بعض القضايا التأريخية في الهواء الطلق. فكيف يمكن أن يناقش فيها قضايا عقيدية أو اجتماعية أو فقهية، وما إلى ذلك؟! - مجلة الفكر الجديد – مقالة للسيد محمد حسين فضل الله﴾.﴾. .
نعم إن الأمر يحتاج إلى ما يشبه الثورة الإصلاحية إلا أن هذه الثورة لا تكون إلا على يد المصلح الموعود (ع) وسوف يواجه بالرفض كما ذكرنا فيما تقدم لما يروه من تغيير الأحكام التي اعتادت عقولهم على رجحانها وحجيتها، حيث ورد انه سيأتي بإسلام جديد وكتاب جديد وهذا يعني ان الإسلام قد تغير الكثير منه والكتاب لم يبقى منه الا رسمه اما معانيه وأحكامها فقد هجرها القوم كما سيأتينا.
سوف ننتقل الآن إلى مناقشة مصادر التشريع عند الأصوليين من فقهاء العامة والإمامية لكي نعرف كيف يعطي الفقيه الفتوى اعتمادا على هذه المصادر كما اننا سنناقشها نقاشاً موضوعياً وفقاً لأقوالهم التي ذكروها ومن الله التوفيق .