من هم الصحابة :
إن الغريب عند أصحاب الرجال أنهم قد اعتبروا الصحبة باعتبارات مختلفة فقد عرفوا صحبة النبي (ص) بتعاريف مختلفة منها تعريف المحدثين للصحبة هو : ﴿كل مسلم رأى رسول الله ﴾صلى الله عليه وآله وسلم﴾﴿ تدريب الراوي - السيوطي – ج2 – ص210
وقال علي بن المديني : ﴿من صحب النبي ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي﴾﴿ - فتح الباري - ج8 - ص4﴾.
وقال أبن حجر : ﴿هو من لقي النبي مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة على الأصح﴾ ﴿ نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - أبن حجر العسقلاني
-
وعن سعيد بن المسيب : ﴿أنه كان لا يعد من الصحابة إلا من أقام مع النبي﴾ صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً﴾﴿ فتح الباري - ج3 - ص8 / تدريب الراوي –ج2 – ص11
-
وردّ أبن حجر هذا القول بقوله : ﴿والعمل على خلاف هذا القول وأنهم اتفقوا على عدّ جمع من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي إلا في حجة الوداع﴾﴿ تدريب الراوي – ج2 – ص 210 / الرياض المستطابة - ص12
وقالوا أيضاً : ﴿أنه من طالت مجالسته عن طريق التتبع﴾﴿ فتح الباري – ج3 – ص8
وقال أبن حجر أيضاً : ﴿وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو عنه ومن غزا معه أو لم يغز معه ومن رآه ولو لم يجالسه﴾﴿ - الإصابة في تمييز الصحابة - أبن حجر - ج1 - ص7
إن أغلب هذه التعاريف توحي لنا بأن عدد الصحابة عدد هائل بمعنى أن الصحابة هم كل المسلمين الذين شاهدوا النبي (ص) وهذا التوسع في إطلاق الصحبة لكل من شاهد النبي (ص) وأمن به يرى فيه فقهاء العامة وجهاً من وجوه الثناء على رسول الله (ص) فقد قال أبن الصلاح : ﴿ بلغنا عن أبي المظفر السمعاني المروزي أنه قال: أصحاب الحديث يطلقون أسم الصحابة على كل من روى عنه حديثاً أو كلمة ويتوسعون حتى يعدوا من رآه رؤية من الصحابة وهذا لشرف منزلة النبي أعطوا كل من رآه حكم الصحبة﴾﴿ - مقدمة أبن الصلاح - ص146﴾ . ﴾.﴾. ﴾.
قبل أن نناقش هذا الموضوع يجب معرفة عدد الصحابة التقريبي الذي توصل إليه فقهاء العامة ولا يمكن ان يتم تحديد عدد الصحابة بصورة دقيقة وذلك لكون فترة الرسالة المحمدية امتدت لثلاثة وعشرين عاما وقد أسلم في هذه الفترة خلق كثير بلا شك فمنهم من كان يقيم معه ومنهم من يرجع إلى أهله، كما ان هنالك عدد ليس بقليل قد اعلن إسلامه في زمن النبي دون ان يلتقي بالرسول (ص)، فإن تحديد كل هذه الاعداد أمر في غاية الصعوبة.
وروي عن أبي زرعة الرازي عدد الصحابة الذين شاهدوا النبي (ص) قبل وفاته في قوله : ﴿توفي رسول الله (ص) ومن رآه ومن سمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية﴾﴿ - الإصابة في تمييز الصحابة - أبن حجر - ج 1﴾.
وعليه فإن عدد الصحابة يزيد على مائة الف رجل وامرأة وكل هذا العدد قد روى عن النبي (ص) وان الغريب ان فقهاء العامة قد قالوا بانه إذا ما ثبت للشخص صحبة للنبي (ص) فهو صحابي ويجب تعديله في علم الرجال واعتبار أقواله ومروياته والأخذ بها دون عرضها على ميزان الجرح والتعديل، إلا أن هذه النتيجة لم يعمل بها أصحاب الحديث.
فإننا إذا تنزلنا جدلاً وقلنا ان كل صحابي من المائة ألف صحابي قد روى حديثاً واحداً فقط فإن الأحاديث الصحيحة يجب ان تصل إلى هذا الرقم إلا أن هذا الشيء لم يحصل عند أيٍ من المحدثين فإن أكثر من روى أحاديث في مصنفاته هو أحمد بن حنبل حيث روى أربعين ألف حديث منها عشرة آلاف حديث مكررة أي ان الأحاديث التي رواها دون تكرار تصل إلى ثلاثين الف حديث وفيها الصحيح والسقيم كما يقول أصحاب الرجال فأين ذهب الباقي يا ترى ؟
إذا التزم أصحاب الحديث بعدالة الصحابة أجمع فيجب على أقل تقدير أن يخرج من هؤلاء الصحابة حديثاً واحداً لكل شخص منهم لأنهم كما قال الرازي ﴿كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية﴾ إلا أن هذا الأمر لم يرد في كتب المحدثين بل إن الأمر عندهم نزل إلى الثلث بل أقل من ذلك ولم يكتفوا بذلك، بل أنهم قد اختلفوا في تحديد الثقة والعدل فيما بينهم فترى أغلبهم قد روى في مصنفاته أحاديث وأخبار قد صنفها غيره من المحدثين على انها من الموضوعات والضعاف فإذا كان صاحب المصنف الحديثي عالماً بأن الأحاديث التي جمعها فيها الموضوع والضعيف ومع ذلك رواها في كتبه فقد شارك في الاثم، إذ كيف يمكن لشخص كالنسائي وأحمد بن حنبل وحتى البخاري وهم من الثقاة عندهم ان يضع في أحاديثه الضعيف والموضوع أي المكذوب على رسول الله (ص) الا تعتبرون ان ذلك جرم وإثم ؟
كيف يمكن أن يشارك محدث في تصنيف الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله (ص) إلا إذا كان يعتقد بأن هذه الأحاديث صحيحة وغير موضوعة ويتم ذلك عندهم وفق القواعد الرجالية، ومن هذا نفهم بأن جميع الأحاديث المكذوبة والضعيفة في تصنيف أي محدث لا يمكن ان تكون بعلم المحدث نفسه فكيف يقبل على نفسه -أي محدث كان- ان يضع بين الأحاديث التي جمعها أحاديث موضوعة ومكذوبة على رسول الله (ص) أو على الصحابة أو التابعين، لا يمكن أن يكون ذلك إلا إذا قلنا بفسق المحدث نفسه وعدم تورعه عن ذلك، أو أن المحدث يرى بأن هذه الأحاديث صحيحة وفق قواعده الرجالية فكم من راوي قد فسقه البعض ووثقه آخرون والنتيجة أن تكون بعض الروايات صحيحة عند البعض وضعيفة عند البعض الآخر، ومما يدل على ذلك هو اختلاف الأحاديث بين كتب المحدثين إذا ان بعض المصنفات قد جمعت الكثير من الأحاديث الواردة عن النبي (ص) أو عن الصحابة التي لم ترد في مصنفات أخرى وهذا مما يؤكد الاختلاف في تحديد الثقاة والعدول في رواة الحديث .
كما أن بعض المصنفات قد سماها أصحابها بالـ﴿صحيح﴾ فكيف يمكن القول بعلم صاحب المصنف الحديثي مع وجود الضعيف في كتابه ؟ وهذا مما لا يمكن القول به فقد اقر صاحب الصحيح بأن أحاديثه كلها صحيحة وذلك واضح في عنوان كتابه ﴿كصحيح البخاري وصحح مسلم﴾ إلا أن البعض قد تعرض إلى هذه الكتب وقالوا بوجود الضعيف فيها والموضوع والحسن وغيرها من المصطلحات التي يقرونها .
إن هذه الاختلافات التي وقعت بين المحدثين نابعة من اختلافهم في علم الرجال وقواعده بل إن المسلمين اختلفوا في عدالة الصحابة أنفسهم فقد بالغ العامة في اعطاء العدالة لكل الصحابة وقد روى أحمد بن حنبل عن عبد الله بن مسعود قال : ﴿ إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه﴾﴿ مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 1 - ص 379
﴾ . وقال أحمد بن حنبل : ﴿ فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال ﴾.
إن عدالة الصحابة عند العامة من المسائل القطعية ومما هو معلوم من الدين بالضرورة إلا أن من الواضح على كل من قراء التأريخ الإسلامي يجد في الصحابة طائفة من المؤمنين المخلصين وبدرجات مختلفة ومنهم من بلغ درجة الإسلام ولم يبلغ درجة الإيمان بنص القرآن الكريم وفيهم المنافقين وهم عدد غير قليل وقد شهد القرآن بنفاقهم ونزلت سورة بحقهم، وفيهم المؤلفة قلوبهم ومنهم من نزل القرآن بفسقه ومنهم من تخلف عن جيش اسامة فلعنهم النبي (ص) وفيهم من اقيم عليه الحد الشرعي ومنهم المرتدين الذين ارتدوا بعد رسول الله (ص) ومنهم من ولى الدبر في القتال وقد ذكرهم الله في قوله : ﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾﴿ - سورة الأنفال آية 16﴾.
وقد فر الصحابة يوم احد جميعاً وولوا الدبر إلا عدد معدود وخالف بعضهم أمر النبي (ص) ولم يبقى معه الا نفر يسير منهم ام الحارث الأنصارية وكانت تستأذن النبي (ص) في قتل الفارين من ساحة المعركة وقد اعترضت الخليفة الثاني وهو فار فقالت له ياعمر ما هذا ؟ فقال أمر الله .
إن نسبة كل من رآى رسول الله (ص) إلى الصحبة فيها ذم لرسول الله وليس مدحاً وثناءً كما قال العامة فإن في هؤلاء المنافقين والفارين والملعونين على لسان النبي (ص) وغير ذلك فكيف يرضى المسلمون ان ينسبون كل هذه الاعداد إلى الصحبة ؟!
المنافقون في زمن الرسول :
إن من المؤاخذات على القواعد الرجالية التي يعتمدونها في معرفة صحة الحديث هو قولهم بوثاقة فلان وفسق فلان إلا إنهم لم يتمكنوا من تحديد المنافقين الذين يظهرون شيء ويخفون شيئاً آخر وهؤلاء من الصعب التعرف عليهم وهم عدد لا يستهان به وكان النبي ﴿صلى الله عليه وآلأه وسلم تسليما﴾ لا يعلمهم بنص القرآن قال الله تعالى: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾﴿ سورة التوبة آية 101
قال أبن كثير: ﴿ مردوا على النفاق " أي مرنوا واستمروا عليه ومنه يقال شيطان مريد ومارد ويقال تمرد فلان على الله أي عتا وتجبر﴾﴿ - تفسير أبن كثير - أبن كثير - ج 2 - ص 398
إن خير دليل على وجود المنافقين في صحابة النبي (ص) هو قوله : ﴿إن في أصحابي منافقون﴾﴿- مسند أحمد - ج 5 - ص 40 - رقم الحديث 16323
والأحاديث الدالة على وجود المنافقين في حياة النبي (ص) وبعد وفاته أيضاً كثيرة منها ما رواه البخاري عن أبن عباس قال خطب رسول الله (ص) فقال : ﴿يا أيها الناس انكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ... ألا وأنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم فيقال ان هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم﴾﴿ - صحيح البخاري - البخاري - ج 5 - ص 191 - 192﴾.
لقد وصف النبي (ص) المنافقين بصفات وعلامات منها إذا وعد اخلف وإذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وهذه الصفات ممكن ان تظهر فيعرفها الإنسان ويمكن ان يكون المنافق ماكر ويخفي هذه الصفات عن انظار الناس حتى يستغل حسن ظنهم به ليفعل ما يشاء وللمنافقين مواصفات اخبر الله بها نبيه في قوله : ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾﴿ سورة المنافقون آية 4
.
يتبع
إن الغريب عند أصحاب الرجال أنهم قد اعتبروا الصحبة باعتبارات مختلفة فقد عرفوا صحبة النبي (ص) بتعاريف مختلفة منها تعريف المحدثين للصحبة هو : ﴿كل مسلم رأى رسول الله ﴾صلى الله عليه وآله وسلم﴾﴿ تدريب الراوي - السيوطي – ج2 – ص210
وقال علي بن المديني : ﴿من صحب النبي ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي﴾﴿ - فتح الباري - ج8 - ص4﴾.
وقال أبن حجر : ﴿هو من لقي النبي مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة على الأصح﴾ ﴿ نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - أبن حجر العسقلاني
-
وعن سعيد بن المسيب : ﴿أنه كان لا يعد من الصحابة إلا من أقام مع النبي﴾ صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً﴾﴿ فتح الباري - ج3 - ص8 / تدريب الراوي –ج2 – ص11
-
وردّ أبن حجر هذا القول بقوله : ﴿والعمل على خلاف هذا القول وأنهم اتفقوا على عدّ جمع من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي إلا في حجة الوداع﴾﴿ تدريب الراوي – ج2 – ص 210 / الرياض المستطابة - ص12
وقالوا أيضاً : ﴿أنه من طالت مجالسته عن طريق التتبع﴾﴿ فتح الباري – ج3 – ص8
وقال أبن حجر أيضاً : ﴿وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو عنه ومن غزا معه أو لم يغز معه ومن رآه ولو لم يجالسه﴾﴿ - الإصابة في تمييز الصحابة - أبن حجر - ج1 - ص7
إن أغلب هذه التعاريف توحي لنا بأن عدد الصحابة عدد هائل بمعنى أن الصحابة هم كل المسلمين الذين شاهدوا النبي (ص) وهذا التوسع في إطلاق الصحبة لكل من شاهد النبي (ص) وأمن به يرى فيه فقهاء العامة وجهاً من وجوه الثناء على رسول الله (ص) فقد قال أبن الصلاح : ﴿ بلغنا عن أبي المظفر السمعاني المروزي أنه قال: أصحاب الحديث يطلقون أسم الصحابة على كل من روى عنه حديثاً أو كلمة ويتوسعون حتى يعدوا من رآه رؤية من الصحابة وهذا لشرف منزلة النبي أعطوا كل من رآه حكم الصحبة﴾﴿ - مقدمة أبن الصلاح - ص146﴾ . ﴾.﴾. ﴾.
قبل أن نناقش هذا الموضوع يجب معرفة عدد الصحابة التقريبي الذي توصل إليه فقهاء العامة ولا يمكن ان يتم تحديد عدد الصحابة بصورة دقيقة وذلك لكون فترة الرسالة المحمدية امتدت لثلاثة وعشرين عاما وقد أسلم في هذه الفترة خلق كثير بلا شك فمنهم من كان يقيم معه ومنهم من يرجع إلى أهله، كما ان هنالك عدد ليس بقليل قد اعلن إسلامه في زمن النبي دون ان يلتقي بالرسول (ص)، فإن تحديد كل هذه الاعداد أمر في غاية الصعوبة.
وروي عن أبي زرعة الرازي عدد الصحابة الذين شاهدوا النبي (ص) قبل وفاته في قوله : ﴿توفي رسول الله (ص) ومن رآه ومن سمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية﴾﴿ - الإصابة في تمييز الصحابة - أبن حجر - ج 1﴾.
وعليه فإن عدد الصحابة يزيد على مائة الف رجل وامرأة وكل هذا العدد قد روى عن النبي (ص) وان الغريب ان فقهاء العامة قد قالوا بانه إذا ما ثبت للشخص صحبة للنبي (ص) فهو صحابي ويجب تعديله في علم الرجال واعتبار أقواله ومروياته والأخذ بها دون عرضها على ميزان الجرح والتعديل، إلا أن هذه النتيجة لم يعمل بها أصحاب الحديث.
فإننا إذا تنزلنا جدلاً وقلنا ان كل صحابي من المائة ألف صحابي قد روى حديثاً واحداً فقط فإن الأحاديث الصحيحة يجب ان تصل إلى هذا الرقم إلا أن هذا الشيء لم يحصل عند أيٍ من المحدثين فإن أكثر من روى أحاديث في مصنفاته هو أحمد بن حنبل حيث روى أربعين ألف حديث منها عشرة آلاف حديث مكررة أي ان الأحاديث التي رواها دون تكرار تصل إلى ثلاثين الف حديث وفيها الصحيح والسقيم كما يقول أصحاب الرجال فأين ذهب الباقي يا ترى ؟
إذا التزم أصحاب الحديث بعدالة الصحابة أجمع فيجب على أقل تقدير أن يخرج من هؤلاء الصحابة حديثاً واحداً لكل شخص منهم لأنهم كما قال الرازي ﴿كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية﴾ إلا أن هذا الأمر لم يرد في كتب المحدثين بل إن الأمر عندهم نزل إلى الثلث بل أقل من ذلك ولم يكتفوا بذلك، بل أنهم قد اختلفوا في تحديد الثقة والعدل فيما بينهم فترى أغلبهم قد روى في مصنفاته أحاديث وأخبار قد صنفها غيره من المحدثين على انها من الموضوعات والضعاف فإذا كان صاحب المصنف الحديثي عالماً بأن الأحاديث التي جمعها فيها الموضوع والضعيف ومع ذلك رواها في كتبه فقد شارك في الاثم، إذ كيف يمكن لشخص كالنسائي وأحمد بن حنبل وحتى البخاري وهم من الثقاة عندهم ان يضع في أحاديثه الضعيف والموضوع أي المكذوب على رسول الله (ص) الا تعتبرون ان ذلك جرم وإثم ؟
كيف يمكن أن يشارك محدث في تصنيف الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله (ص) إلا إذا كان يعتقد بأن هذه الأحاديث صحيحة وغير موضوعة ويتم ذلك عندهم وفق القواعد الرجالية، ومن هذا نفهم بأن جميع الأحاديث المكذوبة والضعيفة في تصنيف أي محدث لا يمكن ان تكون بعلم المحدث نفسه فكيف يقبل على نفسه -أي محدث كان- ان يضع بين الأحاديث التي جمعها أحاديث موضوعة ومكذوبة على رسول الله (ص) أو على الصحابة أو التابعين، لا يمكن أن يكون ذلك إلا إذا قلنا بفسق المحدث نفسه وعدم تورعه عن ذلك، أو أن المحدث يرى بأن هذه الأحاديث صحيحة وفق قواعده الرجالية فكم من راوي قد فسقه البعض ووثقه آخرون والنتيجة أن تكون بعض الروايات صحيحة عند البعض وضعيفة عند البعض الآخر، ومما يدل على ذلك هو اختلاف الأحاديث بين كتب المحدثين إذا ان بعض المصنفات قد جمعت الكثير من الأحاديث الواردة عن النبي (ص) أو عن الصحابة التي لم ترد في مصنفات أخرى وهذا مما يؤكد الاختلاف في تحديد الثقاة والعدول في رواة الحديث .
كما أن بعض المصنفات قد سماها أصحابها بالـ﴿صحيح﴾ فكيف يمكن القول بعلم صاحب المصنف الحديثي مع وجود الضعيف في كتابه ؟ وهذا مما لا يمكن القول به فقد اقر صاحب الصحيح بأن أحاديثه كلها صحيحة وذلك واضح في عنوان كتابه ﴿كصحيح البخاري وصحح مسلم﴾ إلا أن البعض قد تعرض إلى هذه الكتب وقالوا بوجود الضعيف فيها والموضوع والحسن وغيرها من المصطلحات التي يقرونها .
إن هذه الاختلافات التي وقعت بين المحدثين نابعة من اختلافهم في علم الرجال وقواعده بل إن المسلمين اختلفوا في عدالة الصحابة أنفسهم فقد بالغ العامة في اعطاء العدالة لكل الصحابة وقد روى أحمد بن حنبل عن عبد الله بن مسعود قال : ﴿ إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه﴾﴿ مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 1 - ص 379
﴾ . وقال أحمد بن حنبل : ﴿ فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال ﴾.
إن عدالة الصحابة عند العامة من المسائل القطعية ومما هو معلوم من الدين بالضرورة إلا أن من الواضح على كل من قراء التأريخ الإسلامي يجد في الصحابة طائفة من المؤمنين المخلصين وبدرجات مختلفة ومنهم من بلغ درجة الإسلام ولم يبلغ درجة الإيمان بنص القرآن الكريم وفيهم المنافقين وهم عدد غير قليل وقد شهد القرآن بنفاقهم ونزلت سورة بحقهم، وفيهم المؤلفة قلوبهم ومنهم من نزل القرآن بفسقه ومنهم من تخلف عن جيش اسامة فلعنهم النبي (ص) وفيهم من اقيم عليه الحد الشرعي ومنهم المرتدين الذين ارتدوا بعد رسول الله (ص) ومنهم من ولى الدبر في القتال وقد ذكرهم الله في قوله : ﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾﴿ - سورة الأنفال آية 16﴾.
وقد فر الصحابة يوم احد جميعاً وولوا الدبر إلا عدد معدود وخالف بعضهم أمر النبي (ص) ولم يبقى معه الا نفر يسير منهم ام الحارث الأنصارية وكانت تستأذن النبي (ص) في قتل الفارين من ساحة المعركة وقد اعترضت الخليفة الثاني وهو فار فقالت له ياعمر ما هذا ؟ فقال أمر الله .
إن نسبة كل من رآى رسول الله (ص) إلى الصحبة فيها ذم لرسول الله وليس مدحاً وثناءً كما قال العامة فإن في هؤلاء المنافقين والفارين والملعونين على لسان النبي (ص) وغير ذلك فكيف يرضى المسلمون ان ينسبون كل هذه الاعداد إلى الصحبة ؟!
المنافقون في زمن الرسول :
إن من المؤاخذات على القواعد الرجالية التي يعتمدونها في معرفة صحة الحديث هو قولهم بوثاقة فلان وفسق فلان إلا إنهم لم يتمكنوا من تحديد المنافقين الذين يظهرون شيء ويخفون شيئاً آخر وهؤلاء من الصعب التعرف عليهم وهم عدد لا يستهان به وكان النبي ﴿صلى الله عليه وآلأه وسلم تسليما﴾ لا يعلمهم بنص القرآن قال الله تعالى: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾﴿ سورة التوبة آية 101
قال أبن كثير: ﴿ مردوا على النفاق " أي مرنوا واستمروا عليه ومنه يقال شيطان مريد ومارد ويقال تمرد فلان على الله أي عتا وتجبر﴾﴿ - تفسير أبن كثير - أبن كثير - ج 2 - ص 398
إن خير دليل على وجود المنافقين في صحابة النبي (ص) هو قوله : ﴿إن في أصحابي منافقون﴾﴿- مسند أحمد - ج 5 - ص 40 - رقم الحديث 16323
والأحاديث الدالة على وجود المنافقين في حياة النبي (ص) وبعد وفاته أيضاً كثيرة منها ما رواه البخاري عن أبن عباس قال خطب رسول الله (ص) فقال : ﴿يا أيها الناس انكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ... ألا وأنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم فيقال ان هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم﴾﴿ - صحيح البخاري - البخاري - ج 5 - ص 191 - 192﴾.
لقد وصف النبي (ص) المنافقين بصفات وعلامات منها إذا وعد اخلف وإذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وهذه الصفات ممكن ان تظهر فيعرفها الإنسان ويمكن ان يكون المنافق ماكر ويخفي هذه الصفات عن انظار الناس حتى يستغل حسن ظنهم به ليفعل ما يشاء وللمنافقين مواصفات اخبر الله بها نبيه في قوله : ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾﴿ سورة المنافقون آية 4
.
يتبع
تعليق