إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإجماع عند فقهاء العامة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإجماع عند فقهاء العامة

    الإجماع عند فقهاء العامة
    منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني
    الإجماع من البحوث التي نالت الاهتمام في علم أصول الفقه حيث استأثر بعناية خاصة من قبل فقهاء المسلمين بشكل عام حين اعتبروه الدليل الثالث الذي يلي النصوص في القوة والاحتجاج فإذا أراد مجتهد معرفة حكماً لواقعة ما بحث حكمها في الكتاب فإن لم يجد توجه إلى السُنة فإن اعياه الأمر نظر إلى إجماع السابقين له أو المعاصرين فإن وجد بغيته في الإجماع عمل بها ومال إليها .
    تعريف الإجماع :
    عرف الفقهاء الإجماع بتعاريف مختلفة إلا أن اشهرها عندهم هو : ﴿ اتفاق المجتهدين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصر على حكم شرعي﴾﴿- شرح التلويح على التوضيح – ج3 – ص17
    -
    إلا أن هذا التعريف لا يتوافق مع الأدلة التي أحتجوا بها لاثبات شرعية الإجماع والتي سنأتي على بيانها .
    أدلة الإجماع :
    ساق الفقهاء جملة من الأدلة أدعوا من خلالها الحجة على شرعية الإجماع وقد قسموا هذه الأدلة إلى أدلة قرآنية وأخرى روائية وسوف نأتي فيما يلي إلى بيان الأدلة التي احتج بها الفقهاء لاثبات شرعية الإجماع :
    الأدلة القرآنية :
    احتج الفقهاء ببعض الآيات مدعين بانها تدل على حجية الإجماع ومشروعيته ونحن اختصاراً للكلام سوف نناقش اقوى الأدلة القرآنية التي احتجوا بها وهي قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾﴿ سورة النساء أية 511 ﴾
    فسر الفقهاء سبيل المؤمنين في هذه الآية بانه ما أجمع عليه الفقهاء وقد تمسك الشافعي بهذه الآية وأدعى حجيتها على الإجماع وقد فند هذا الادعاء الغزالي حين ناقش اقوى أدلة الإجماع بقوله : ﴿وأقواها قوله تعالى : ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا﴾ فإن ذلك يوجب إتباع سبيل المؤمنين ، وهذا ما تمسك به الشافعي وقد أطنبنا في كتاب تهذيب الأصول في توجيه الأسئلة على الآية ودفعها ، والذي نراه أن الآية ليست نصا في الغرض ، بل الظاهر أن المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاقه ويتبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته ونصرته ودفع الأعداء عنه نوله ما تولى ، فكأنه لم يكتف بترك المشاقة حتى تنضم إليه متابعة سبيل المؤمنين في نصرته والذب عنه والإنقياد له فيما يأمر وينهي﴾﴿ - المستصفى - الغزالي - ص 138 ﴾
    لقد بين الغزالي وهو شيخ فقهاء العامة ضعف الاحتجاج بهذه الآية الكريمة وقد بين أيضاً ان المقصود من سبيل المؤمنين هو مشايعة النبي (ص) ومتابعته وقتال اعداء الإسلام تحت رايته الشريفة وهذا المعنى لا يتناسب إطلاقاً مع القول بحجية الآية على صحة الإجماع وان تنزلنا جدلاً وقلنا بحجية الآية على صحة الإجماع فإن الآية تتحدث عن المؤمنين ولم تذكر الفقهاء ولا المجتهدين فإذا كان الإجماع وفق الآية حجة، فإنها قد تحدثت عن سبيل المؤمنين ككل ولم تخصص الإجماع على فئة المجتهدين أما إذا خص الفقهاء الإيمان بالمجتهدين فقط وجب حجب أكثر من 99% من المسلمين عن ساحة الإيمان لأن الإيمان مخصوص بالمجتهدين فقط وهذا هراء محض بل انه طبقية مقيتة اعتادت عليها الأمم السالفة كما سيتبين لنا طبقية المجتهدين وأستعلائهم في طيات هذه البحث فأنتظر .
    الأدلة الروائية :
    تمسك الفقهاء بالدليل الروائي واعتبروه الاقوى من حيث المضمون وقد ساق الفقهاء جملة من الأحاديث الواردة عن النبي (ص) واعتبروها العمدة في أدلة الإجماع منها قوله (ص) : ﴿ لاتجتمع امتي على الخطأ ﴾ و﴿ لاتجتمع أمتي على الضلالة ﴾ .
    وغيرها من الأحاديث وقد اقر جملة من الفقهاء بضعف أكثر هذه الأحاديث عندهم إلا إنهم قد اعتادوا على الاحتجاج بالضعيف إذا كان مؤيداً لما ذهبوا إليه واسقاط القوي إذا عارضهم بحجج واهية وأعذار خاوية .
    لقد ذكر الغزالي الأدلة الروائية قائلاً : ﴿وهو الأقوى التمسك بقوله ﴿ص﴾ : لا تجتمع أمتي على الخطأ وهذا من حيث اللفظ أقوى وأدل على المقصود ولكن ليس بالمتواتر ، كالكتاب ، والكتاب متواتر ، لكن ليس بنص ، فطريق تقرير الدليل أن نقول تظاهرت الرواية عن رسول الله ﴿ص﴾ بألفاظ مختلفة مع اتفاق المعنى في عصمة هذه الأمة من الخطأ ، واشتهر على لسان المرموقين والثقاة من الصحابة كعمر وأبن مسعود وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وأبن عمر وأبي هريرة وحذيفة بن اليمان وغيرهم ممن يطول ذكره من نحو قوله ﴿ص﴾ : لا تجتمع أمتي على الضلالة ، ولم يكن الله ليجمع أمتي على الضلالة وسألت الله تعالى أن لا يجمع أمتي على الضلالة فأعطانيها ومن سره أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ، وإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد وقوله ﴿ص﴾ : يد الله مع الجماعة ، ولا يبالي الله بشذوذ من شذ ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم وروي : لا يضرهم خلاف من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء ومن خرج عن الجماعة أو فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن فارق الجماعة ومات فميتته جاهلية . - المستصفى - الغزالي - ص 138- 139
    إن جميع الألفاظ التي وردت في أحاديث النبي (ص) تؤكد على أمر واحد وهو استحالة اجتماع أمة النبي على الخطأ وهذا المعنى حق لا ريب فيه ولا ينكره أحد أبداً. إلا أننا نجد الامور التي أجمعت الأمة الإسلامية عليها قليلة جداً كالاقرار بنبوة النبي ﴿صلى الله عيه وآله وسلم تسليما﴾ وأنه خاتم النبيين والاقرار بوجوب الصلاة والصوم والحج وغيرها من المسائل التي أجمع المسلمون عليها ولهذا نجد الفقهاء في بداية الكلام حول الإجماع يعطون هذا المعنى كقول الغزالي : ﴿أما تفهيم لفظ الإجماع : فإنما نعني به اتفاق أمة محمد ﴿ص﴾ خاصة على أمر من الأمور الدينية﴾﴿ - المستصفى - الغزالي - ص 137

    هذا هو الإجماع في بداية الكلام وهو لهذه اللحظة صحيح وفق ألفاظ الأدلة التي اعتمدها الفقهاء إلا أن الفقهاء تأولوا الأحاديث وسندع التفصيل في أقوالهم لما سيأتي من الكلام فأنتظر .
    إن الأحاديث التي ذكرها الفقهاء لإثبات حجية الإجماع كلها ضعيفة عندهم كما ذكر ذلك فقهاء الحديث ، فحديث ﴿لا تجتمع أمتي على ضلالة﴾ وفي رواية : ﴿على الخطأ ﴾ قد علق عليه محقق كتاب ﴿سُنن أبن ماجة﴾ ، نقلاً عن كتاب ﴿مجمع الزوائد﴾ ، للهيثمي قائلاً : في إسناده أبو خلف الأعمي ، وأسمه حازم بن عطا ، وهو ضعيف ، وقد جاء الحديث بطرق في كلّها نظر﴿ - سنن أبن ماجة –ج2 - ص 1303 –باب السواد الاعظم ﴾ وقال أبو عيسي الترمذي : ﴿هذا حديث غريب من هذا الوجه﴾﴿ - سنن الترمذي -ج 4 - ص466 – رقم الحديث 2167﴾ وقال النووي في شرح صحيح مسلم : ﴿وَأَمَّا حَدِيث " لَا تَجْتَمِع أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَة " فَضَعِيف﴾﴿ - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - يحيى بن شرف بن مري النووي – ج6 - ص400 . وقال الحاكم : ﴿لو كان محفوظاً حكمت بصحته على شرط الصحيح، لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة فذكرها، وذلك مقتضي للاضطراب والمضطرب من أقسام الضعيف﴾﴿ فيض القدير - ج 2- ص271 . وقال العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي : ﴿جاء الحديث بطرق في كلها نظر﴾﴿ حاشية السندي على سنن أبن ماجه - ج2 - ص464 . وقال أبن حجر: ﴿له طرق لا يخلو واحد منها من مقال﴾﴿ فيض القدير - ج 2 - ص200
    وأما حديث : ﴿لَا تَجْتَمِع أمتِي عَلَى خطأ﴾ . فقد ذكره أبن الملقن في الحديث الحادي والخمسون قائلاً : ﴿«لَا تَجْتَمِع أمتِي عَلَى خطأ».هَذَا الحَدِيث لم أره بِهَذَا اللَّفْظ . نعم هُوَ مَشْهُور بِلَفْظ : «عَلَى ضَلَالَة» بدل «عَلَى خطأ» - تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج - بن الملقن سراج الدين الشافعي المصري –ج1 –ص 51﴾ .

    أما حديث : ﴿ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن﴾ . فقد قال عنه العلائي : ﴿لم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث أصلاً ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال وإنما هو من قول أبن مسعود موقوفا عليه أخرجه أحمد في " مسنده " - موطأ مالك - رواية محمد بن الحسن - مالك بن أنس – ج1 - ص355.
    تبين لنا مما تقدم ضعف الأحاديث التي استند إليها الفقهاء في احتجاجهم على صحة الإجماع علما بأن الضعف الذي اشرنا إليه ناتج من الطرق التي اعتمدها الفقهاء في تصنيف الأحاديث وهذا هو شأنهم فانهم دائماً ما يحتجون بالأحاديث الضعيفة إذا وافقت آرائهم ويطرحون الأحاديث القوية إذا عارضت ما ذهبوا إليه في أصولهم، وبهذا يتبين لنا بأن الأحاديث التي اتخذها الفقهاء كدليل على صحة الإجماع ضعيفة عندهم إلا إننا سنتنزل لهم جدلا ونقبل بكل هذه الأحاديث الضعيف بشرط التمسك بمدلوها اللغوي ولا نقبل أي تأويل أو تبديل لمعنى هذه الأحاديث وسوف يتبين للقارئ فيما يلي سبب قبولنا لهذه الأحاديث .

    أركان الإجماع : وله ركنان ﴿المجمعون ونفس الإجماع﴾ :
    الركن الأول : المجمعون : وهم أمة محمد (ص) وهذا ما شهدت به الأخبار والأحاديث التي احتج بها الفقهاء على شرعية الإجماع حيث أنساق المعنى في جميع الأحاديث على حجية إجماع أمة النبي (ص) فالظاهر من جميع ألفاظ الأحاديث حجية إجماع جميع المسلمين إلا أن فقهاء العامة تأولوا هذه الأحاديث إلى تأويلات مختلفة مما بدل المعنى بالكلية وأصبح الإجماع لا ينساق مع المعنى الذي ورد في أحاديث النبي (ص) بل إلى معنى اجنبي وهو إجماع الفقهاء دون الأمة وهذه المسألة هي بحد ذاتها تعارض الأدلة التي احتج بها الفقهاء من قبل حيث دلت الأخبار على حجية إجماع الأمة ولم يقل النبي (ص) بحجية إجماع فقهاء الأمة ولم يقل بانه لا يجتمع فقهاء امتي على ضلالة بل قال لا تجتمع امتي على ضلالة، وهذا من حيث اللفظ مختلف لأن لفظ الأمة بطبيعة الحال يحكي عن جميع مكونات المجتمع والفقهاء مكون من هذه المكونات، إلا أن الفقهاء جعلوا الحجة في إجماعهم دون النظر في إجماع باقي مكونات المجتمع وهذه المسألة بحد ذاتها توحي إلى العنصرية والاستعلاء كما سيأتي !
    الركن الثاني : في نفس الإجماع : وفي هذا الركن يتفرع الفقهاء إلى تفريعات كثيرة جداً ويتطرقون إلى قضايا غير متوافقة مع الأحاديث التي تحدثت عن الإجماع فمن هذه التفريعات هو دراستهم لمسألة أنقراض عصر المجمعين، فقد اختلفوا في هذه المسألة فبعضهم قال بانتهاء حجية الإجماع حين موت اخر فقيه أجمع مع المجمعين، وقال بعضهم بعدم انتهاء الحجية، وقال آخرون إذا كان العصر هو عصر الصحابة فلا تنتهي حجية الإجماع، وقالت طائفة أخرى بأنتهاء الحجية وغيرها من المسائل، ولنا في هذا الكلام نقاش سيأتي .
    وهنالك امور أخرى تدرس في هذا الركن أيضاً كالجهة التي صدر عنها الإجماع، فهل صدر عن إجتهاد الفقهاء أو عن نص وهل كان الإجماع سكوتياً ام لا والكثير من المسائل التي ذكرها الغزالي في المستصفى﴿ - المستصفى - الغزالي - ص 151﴾.
    إن الغريب عند فقهاء العامة هو قولهم بصحة الإجماع الذي يبتنى على النصوص وهذه مفارقة عجيبة إذ كيف يمكن ان نلجأ إلى الإجماع مع توفر النصوص!!
    لقد بين الفقهاء ان الإجماع المبني على النصوص هو بمعنى الإجماع على تفسير النصوص فقد أجمعوا على تفسير العديد من النصوص كإجماعهم على إستثناء كل مكونات الأمة ما عدا الفقهاء من حجية الإجماع ! فهذا تفسير للنص أجمع عليه الفقهاء المجتهدون وأعتبروا إجماعهم هذا حجة !
    لقد وضع فقهاء العامة شروطاً في نفس الإجماع وقد اختلفوا فيها منها ان الإجماع لا يقع إذا عارضه نص من القرآن أو السُنة وهذا كلام جميل إلا إنهم زادوا في المقالة بشرطهم ان لا يعارض الإجماع إجماع سابق وهذه المسألة تدعونا إلى التوقف فإن الإجماع إذا صح بحيث تحقق إجماع الأمة الإسلامية كلها فإن إجماعهم مرة أخرى على النقيض يؤدي بنا إلى اضطراب القانون الذي بني عليه عصمة هذه الأمة عند إجماعها .
    إن هذا التناقض لم يحصل على مر التأريخ حيث لم يشهد التأريخ إجماع الأمة الإسلامية كلها على مسألة ما ثم أجمعوا بعد ذلك على النقيض بل ان الذي شهدناه قد تحقق بالفعل هو إجماع الفقهاء على بعض المسائل ثم تلى إجماعهم هذا إجماع على نقيض الإجماع الأول وهذه النقطة في غاية الأهمية إذ يتبين من خلالها أستحالة كون الفقهاء هم الأمة التي وصفت في أحاديث النبي (ص) بالعصمة عند إجماعها فإن العصمة لا تتوافق مع التناقض وهذا التناقض قد وقع فيه الفقهاء حين أجمعوا على مسألة ما ثم أجمعوا مرة أخرى على النقيض فأين العصمة في إجماعهم وحلال الله واحد وحرامه واحد وعلى مر السنين إلى قيام يوم الدين وبهذا يتبين لنا ان العصمة تشمل الأمة الإسلامية كلها إذا تحقق إجماعها على أمر واحد دون تمييز أو إستثناء بين الفرق الإسلامية أو مكونات المجتمع المسلم .
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى
يعمل...
X