أنواع الإجماع عند فقهاء العامة :
قسم فقهاء العامة الإجماع إلى أنواع وأشكال مختلفة ولم يتفقوا في حجية جميع هذه الأنواع وسنبدأ إن شاء الله تعالى ببيان بعض هذه الأنواع وقولنا بعض هذه الأنواع لأن الفقهاء قسموا الإجماع إلى اقسام عديدة وأنواع مختلفة، قد لا نتمكن من عرضها في بحثنا هذا بشكل مفصل، وهذا الاختلاف والتقسيم هو مما أعتاد عليه الفقهاء فقد اعتادوا على التفريعات التي تزيد المواضيع والمسائل تعقيداً وتبعد الموضوع عن روح الشريعة الإسلامية كما انها تصعب الدين على المسلمين وتنفرهم منه .
لقد قسم الفقهاء الإجماع في البدء إلى إجماع قطعي وإجماع ظني وسماه آخرون بالإجماع التام والإجماع الناقص :
الإجماع التـام :
هو ما تحقق ركنه تاماً، أي هو ما تحقق فيه اتفاق جميع المجتهدين في العصر الواحد دون إستثناء مع تحقق سائر شروطه سواءً في المجتهدين أو في المسألة محل الإجماع أو عصر الإجماع وعليه فالإجماع التام هو الكامل في ركنه وشروطه ويكون قطعياً في دلالته وهو المراد عند الإطلاق .
الإجماع الناقص :
وهو ما لم يكتمل فيه ركن الإجماع، بأن اتفق أكثر المجتهدين وخالف الأقل. أو اختل فيه شرط من شروطه المعتبرة عندهم، وفي هذه الحالة يطلق على هذا الإجماع إجماعاً تساهلاً أو تجاوزاً، ويكون ظني الدلالة، وينطبق على سائر أنواع الإجماع المختلف فيها، كاتفاق الشيخين ﴿أبي بكر وعمر﴾ على أمر معين ، أو اتفاق بعض التابعين أو إجماع أهل المدينة أو اتفاق المذاهب الأربعة وغيره من الاتفاق الذي زعم بعض الفقهاء حجيته وعارضهم آخرون .
وعن هذين النوعين من الإجماع قال أبن قُدامة ما هذا نصه : ﴿ الإجماع ينقسم إلى مقطوع ومظنون. فالمقطوع ما وجد فيه الاتفاق مع الشروط التي لا تختلف فيه مع وجودها، ونقله أهل التواتر. والمظنون ما اختلف فيه أحد القيدين؛ بأن توجد شروطه مع الاختلاف فيه، كالاتفاق في بعض العصر، وإجماع التابعين على أحد قَوْلَي الصحابة، أو يوجد القولُ من البعض والسكوت من الباقين، أو توجد شروطه ولكن ينقله الآحاد﴾﴿ - روضة الناظر وجُنّة المُناظر - عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي - ص 132﴾.
ومن التقسيمات الأخرى للإجماع هو ما أطلق عليه الفقهاء بالإجماع الصريح والإجماع السكوتي :
الإجماع الصريح :
هو الإجماع الذي يتم بتصريح كل مجتهد برأيه في المسألة المعروضة، مع اتفاق جميع الآراء على حكم واحد. وهذا لا خلاف في حجيته عند جميع فقهاء العامة .
الإجماع السـكوتي :
وهو أن يصرح بعض المجتهدين بالحكم نطقاً وينتشر ذلك بين بقية المجتهدين فيسكتوا عن الإنكار، ولا يكون سكوتهم عن خوف وإكراه ، ويكون هذا القول قد بلغهم وليست هناك قرينة تدل على الرضا أو الرفض وهذا النوع من الإجماع اختلف الفقهاء من المذاهب الاربعة في حجيته اختلافاً شديداً ، بلغت الأقوال فيه اثنى عشر قولاً﴿ البحر المحيط - الزركشي - ج4 ص 494- 502 . والراجح عند أغلب الفقهاء أنه حجة وإجماع ، بشروط أشترطوها دون دليل ، وهو قول جمهور الحنفية وأكثر الشافعية﴿ - البحر المحيط - ج4 - ص495-497 / التقرير والتحبير - أبن أمير الحاج - ج3 - ص102 ط2 /الإحكام في أصول الأحكام – الآمدي - ج3 – ص 192 .﴾ والراجح عند أحمد بن حنبل﴿ - روضة الناظر وجُنّة المُناظر - عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي - ص 135 .
وعن الإجماع السكوتي قال أبن قُدامة ما هذا نصه : ﴿إذا قال بعض الصحابة قولاً فانتشر في بقية الصحابة فسكتوا فإن لم يكن قولاً في تكليف فليس بإجماع وإن كان فعن أحمد رضي الله عنه ما يدل على أنه إجماع وبه قال أكثر الشافعية وقال بعضهم يكون حجة ولا يكون جماعا وقال جماعة آخرون لا يكون حجة ولا إجماعاً ولا ننسب إلى ساكت قولاً إلا أن تدل قرائن الأحوال على أنهم سكتوا مضمرين للرضا وتجويز الأخذ به وقد يسكت من غير إضمار الرضا ...- روضة الناظر وجُنّة المُناظر - عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي - ج1-ص151 .
وقالوا أيضاً : ﴿أن الكرخي من الحنفية والآمدي من الشافعية يعتبرانه حجة ظنية فيما يراه أكثر الحنفية والحنابلة حجة قطعية﴾﴿ - شرح المعتمد – ج1- ص50﴾ ﴾
نلاحظ مما تقدم حجم الاختلاف الذي نشب بين الفقهاء في حجية الإجماع السكوتي، وهذا الإجماع لو تنزلنا جدلا وناقشناه فهو ضرب من الظن والظن لا يغني من الحق شيئا، علاوة على ان كبار فقهاء المذاهب كانوا من أصحاب السطوة إذ كان لهم شأن كبير في بلاط السلاطين فكم من مذهب قد أزدهر بفضل سيوف الحكام وأموالهم فلا يتصور الإنسان ان الخوف لم يكن موجوداً عند بعض الفقهاء وخصوصاً أولئك الذين كانوا بعيدين عن بلاط السلاطين فكيف يستطيع مثل هؤلاء البسطاء الاعتراض على أصحاب السطوة من فقهاء البلاط الاموي أو العباسي، علما اننا قد ذكرنا الأحداث التي حدثت بين فقهاء تلك الحقبة الزمنية ومدى تأثر ساحة الفقهاء بقوة السلطان وأمواله .
تقييد حجية الإجماع بالزمان والمكان :
الإجماع الزماني :
أختلف الفقهاء في مسألة زمان ومكان إنعقاد الإجماع فذهب بعضهم إلى القول بحجية الإجماع في عصر الصحابة والتابعين وهذا الإجماع زماني كما هو معلوم وقد اختلفوا في هذه المسألة إلى قولين :
القول الأول : إن الإجماع خاص بعصر الصحابة والتابعين، لإستحالة وقوعه ومعرفته فيمن بعدهم ، وهو قول الظاهرية وقد ذكره الغزالي في قوله : ﴿ذهب داود وشيعته من أهل الظاهر إلى أنه لا حجة في إجماع من بعد الصحابة﴾﴿ المستصفى - الغزالي - ص –149 . / شرح المعتمد – ج1- ص50﴾ والى هذا القول ذهب أيضاً أحمد بن حنبل وقال به بعض الشافعية . وذهب آخرون إلى القول بحجية إجماع الشيخين أبي بكر وعمر فقط ويجعلون قولهما إجماعاً ذا حجة قطعية﴿ - شرح المعتمد – ج1- ص50
القول الثاني: إن الإجماع حجة في كل عصر من العصور، وهو قول جمهور الفقهاء .
ذكر الغزالي اختلاف الفقهاء في القولين السابقين وذلك في قوله : ﴿قال قوم ، لا يعتد بإجماع غير الصحابة وقال قوم : يعتد بإجماع التابعين بعد الصحابة ، ولكن لا يعتد بخلاف التابعي في زمان الصحابة ولا يندفع إجماع الصحابة بخلافه ، وهذا فاسد مهما بلغ التابعي رتبة الإجتهاد قبل تمام الإجماع ، لأنه من الأمة ، فإجماع غيره لا يكون إجماع جميع الأمة ، بل إجماع البعض ، والحجة في إجماع الكل﴾﴿ - المستصفى - الغزالي - ص –146﴾ ﴾
إن الفقهاء الذين قالوا بحجية إجماع أهل كل عصر وقعوا في الاختلاف أيضاً فقد تنازع الفقهاء تنازعاً كبيراً في تحديدهم لضابط العصر هل يتحقق بعد مدة البحث والتأمل والنظر في المسألة بحيث إذا اتفقوا بعده ولو للحظة يكون هذا إجماعا ام لا وهل يكون الإجماع ساري المفعول بعد وفاة آخر المجتهدين الذين نظروا في المسألة .
إن هذه المسائل كانت وما زالت محلا للاختلاف بين الفقهاء مع ملاحظة أن جميعهم يقول: ﴿الماضي لا يعتبر، والمستقبل لا ينتظر﴾ أي ان جميع الإجماعات التي حدثت في كل العصور الماضية والإجماعات المستقبلية غير ملزمة للمعاصرين وحصل في هذه المسألة مناقشات عديدة وبحوث متفرعة غاية التفريع حتى أختلف الفقهاء في مسألة انقراض عصر المجمعين هل هو شرط في الإجماع ام لا ؟ أختلفوا إلى قولين :
القول الأول : إن العصمة تشمل الفقهاء المجتهدين عند اتفاقهم على مسألة ما بعد أنتهاء فترة البحث والدارسة فيها فإذا ما انتهى المجتهدون من النظر في القضية فإن نظرية العصمة تطبق هاهنا ، وإن أجمعوا على قول فهو الحق الذي لا حق سواه وان كان للحظة فقط وهذا قول جمهور الفقهاء .
القول الثاني : إن العصر المشترط في الإجماع هو من بعد النظر في المسألة ودراستها ويمتد إلى وفاة آخر المجتهدين الذين نظروا في تلك القضية ، وهذا ما يعبر عنه بـ﴿انقراض عصر المجتهدين﴾ .
إن هذين القولين لا يتناسبان مع أدلة الإجماع من الأساس فإن الأحاديث قد اشارت إلى وقوع الأمة في دائرة العصمة عند إجماعها وان تنزلنا جدلا وقلنا بأن الأمة تعني الفقهاء فقط فإن العصمة الواردة في الأحاديث لم تقيد الإجماع لا بأنقراض العصر ولا باتفاق محدود بلحظات بل ان الإجماع لا بد من ان يقع على مر العصور والازمنة فلم تشهد الأحاديث تقييد للإجماع أبداً.
الإجماع المكاني : ذهب إلى القول بحجية الإجماع بشرط مكان انعقاده بعض الفقهاء منهم مالك بن انس إمام المالكية حيث ذهب إلى حجية إجماع أهل المدينة فقط وذهب آخرون إلى حجية إجماع أهل الحرمين مكة والمدينة وغيرها من البلدان وهذا الإجماع يحدد حجيته مكان وقوعه، وقد ذكر الغزالى هذه الأقوال قائلاً : ﴿ قال مالك : الحجة في إجماع أهل المدينة فقط ، وقال قوم : المعتبر إجماع أهل الحرمين مكة والمدينة والمصرين الكوفة والبصرة﴾﴿المستصفى - الغزالي - ص – 147 -148 ﴾
وقد وقع الخلاف أيضاً بين الفقهاء على حجية هذا النوع من الإجماع حيث أنكر الشافعي على المالكية قولهم أن المعتبر هو إجماع أهل المدينة كلهم بحجة ان المدينة هي موطن النبي (ص) وأصحابه وألزمهم بالمخالفات الكثيرة التي خالفوا فيها الصحابة كأبي بكر وعمر وكان يرى الشافعي أن الإجماع المعتبر هو إجماع جميع الفقهاء في البلدان كلها﴿ - تاريخ الفقه الإسلامي - ص 240 - 248﴾ .
نقول : إن هذين النوعين من الإجماع أي المكاني والزماني ليسا من الإجماع الشرعي الذي ورد ذكره في أحاديث النبي (ص) حيث لم تحدد الأحاديث زمانية أو مكانية الإجماع بل ان الإجماع الذي ذكر في أقوال النبي (ص) تحدث عن إجماع الأمة كلها على أمر واحد وهذا المعنى غير منطبق مع كل التفريعات التي ذهب إليها الفقهاء وكما قرأنا .
سنتطرق فيما يلي لبيان بعض المسائل المتعلقة بالإجماع والتي اثارها الفقهاء في بحوثهم وأختلفوا فيها غاية الاختلاف وسوف نقتصر على بعض منها فيما يلي :
مسألة إجماع الأكثر هل هو حجة أم لا ؟ :
أختلف الفقهاء في مسألة إجماع الأكثرية هل هو حجة ام لا ؟ انقسم الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : ليس بحجة وهو قول جمهور الفقهاء واحتجوا بأحاديث الإجماع وقالوا بأن الحجية إنما تقع لإجماع الأمة – أي جميع فقهاء الأمة - وقد يكون الصواب أحياناً مع القلة فليست العبرة بالكثرة كيف لا وقد ذم الشرع الكثرة في عدد من النصوص .
إن هذا القول ملتبس بين الحق والباطل حيث ان الكثرة ليست حجة على احقية أي مسألة كانت وهذا أمر لا خلاف فيه إلا أن الفقهاء بجملتهم هم قلة في الأمة فإجماعهم يعني إجماع القلة وهذا أيضاً ان تحقق فهو ليس بالإجماع المقصود في الأحاديث الشريفة لأن الأحاديث وكما ذكرناها قد ذكرت إجماع الأمة ولم تذكر إجماع الفقهاء .
القول الثاني : أنه حجة ، وهو قول أبن جرير الطبري وأبن خويز منداد من المالكية وأبو بكر الرازي وأبو الحسين الخياط من المعتزلة وأحمد بن حنبل وغيرهم وقد ذكر الآمدي اختلاف الفقهاء في هذه المسألة في قوله : ﴿اختلفوا في انعقاد إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينعقد وذهب محمد بن جرير الطبري وأبو بكر الرازي وأبو الحسين الخياط من المعتزلة، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، إلى انعقاده . وذهب قوم إلى أن عدد الأقل إن بلغ التواتر لم يعتد بالإجماع دونه، وإلا كان معتدا به﴾﴿ الاحكام – الآمدي – ج1 – ص235﴾
إن مسألة الكثرة والقلة من المسائل التي وردت بكثرة في آيات الكتاب وأحاديث السُنة الشريفة وقد شهدت العديد من الآيات الكريمة بذم الكثرة منها قوله تعالى : ﴿أكثرهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾﴿ - سورة العنكبوت آية 63﴾ وقوله تعالى : ﴿أكثرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾﴿ سورة الانعام آية 111
- المستصفى - الغزالي - ص 137﴾ وقوله تعالى : ﴿أكثرهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾وقوله تعالى : ﴿أكثرهُمْ يَجْهَلُونَ﴾والآيات بهذا المعنى كثيرة .
إن الذي يبطل قول من أدعى عصمة إجماع الأكثر هو أن أكثر الفقهاء قد أجمعوا على القول بعدم حجية إجماع الأكثرية فيلزم على من تمسك بحجية إجماع الأكثرية الأخذ برأي أكثر الفقهاء القاضي بعدم اعتبار إجماع الأكثرية حجة .
لم يكتفِ بعض الفقهاء بأدعاء حجية إجماع الأكثر بل قد أدعى النظام المعتزلي ان قول الواحد إذا اقيمت حجيته فهو إجماع كما نقل الغزالي ذلك في قوله : ﴿وذهب النظام إلى أن الإجماع عبارة عن كل قول قامت حجته ، وإن كان قول واحد﴾﴿ - المستصفى - الغزالي - ص 137 ﴾
وهذا القول غاية في الشذوذ والغرابة إذ كيف يمكن لاي إنسان ان يقول قولاً ثم ينسبه إلى الإجماع فهل الإجماع هو قول الواحد !!
إجماع الفقهاء أم إجماع الأمة :
لقد دلت الأحاديث التي استدل بها الفقهاء على حجية إجماع الأمة فإذا تحقق إجماع الأمة الإسلامية بكل مكوناتها على شيء ما فإن العصمة لا تغادر ذلك الإجماع ولهذا الإجماع شواهد عديدة منها ان الأمة مجمعة على صدق نبوة محمد (ص) والأمة مجمعة على وجوب الصلوات الخمسة والحج والصيام والزكاة وبر الوالدين وغيرها من الامور وان كانت المسائل المجمع عليها من قبل الأمة قليلة إلا أن ما يهمنا هو تحقق العصمة عند تحقق إجماع الأمة كلها كما دلت الأحاديث على ذلك .
إن الملاحظ من الأخبار ورود لفظ الأمة في مسألة الإجماع حيث اتفقت كل الأحاديث على لفظ الأمة ولم يخصص ولا حديث واحد لفظا خاصاً بالفقهاء فقط ولذلك فإن هذه المسألة كانت محلا للنزاع بين الفقهاء وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بحجية إجماع الفقهاء فقط لأنهم أهل الحل والعقد وعَدّو باقي الناس كالمجانين والصبيان كما سيأتي ذكره .
في قبال هذا القول ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الإجماع إنما يكون حجة عند إجماع الأمة كلها وبجميع مكوناتها ومن الذين صرح بهذا القول هو الآمدي في كتابه الأحكام حيث قال ما هذا نصه : ﴿أن الاحتجاج بالإجماع عند دخول العوام فيه يكون قطعيا ، وبدونهم يكون ظنيا﴾﴿ الاحكام – الآمدي – ج1 -ص 228﴾
وقد أستدل الآمدي بنفس الأدلة التي استدل بها جمهور الفقهاء إلا أن الآمدي ذهب إلى القول بأن العوام من الأمة وبدونهم لا يكون الإجماع الا ظنياً وهو ليس بحجة إذا لم يتحقق إجماع الأمة كلها وكما ذكرنا ذلك، إذ لو استثنينا العوام كما يسميهم الفقهاء فإن ذلك يعني إستثناء أكثر من 99% من الأمة فهل يعقل ان يتحقق الإجماع مع هذا الإستثناء ؟؟!!
إن قول الآمدي هذا يعد خرقاً لأصل الإجماع القاضي بإستثناء العوام من الإجماع وعليه لا يصبح القول بإجماع الفقهاء دون الأمة حجة لأنه قد أصبح إجماعا للأكثر وإجماع الأكثر ليس بحجة عندهم وعليه يسقط احتجاج الفقهاء بكون الإجماع مخصوصاً بهم دون الأمة لكون هذا الإجماع أصبح إجماعا ناقصاً بخروج الآمدي منه والإجماع الناقص ليس بحجة عند الفقهاء.
إن الفقهاء بعد أن استثنوا عامة الأمة من الإجماع راحوا لإستثناء فرق بأكملها من المسلمين كما قال صاحب فواتح الرحموت : ﴿أن الإجماع حجة قطعاً، ويفيد العلم الجازم عند الجميع من أهل القبلة، ولا يعتد بشرذمة من الحمقى الخوارج، والشيعة، والنظام من المعتزلة﴾﴿- فواتح الرحموت ج2 – ص 213 بتصريف بسيط / المحصول - الرازى ج2 - ص8 / الإبهاج فى شرح المنهاج ج2 – ص 352 / المستصفى – الغزالي ج1 – ص 173 / أصول السرخسى ج1 - ص295 /البحر المحيط للزركشى ج4 – ص 440-441 / الرسالة للشافعى فقرات رقم1102، 1105، 1309، 1320 / وإرشاد الفحول ج1 – ص 292 / التقرير والتحبير - أبن أمير الحاج - ج3 - ص80
و قال الآمدى : ﴿أتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم خلافا للشيعة والخوارج والنظام من المعتزلة﴾﴿ - الاحكام – الآمدي – ج1 – ص200 ﴾. ﴾ .
يتبع
قسم فقهاء العامة الإجماع إلى أنواع وأشكال مختلفة ولم يتفقوا في حجية جميع هذه الأنواع وسنبدأ إن شاء الله تعالى ببيان بعض هذه الأنواع وقولنا بعض هذه الأنواع لأن الفقهاء قسموا الإجماع إلى اقسام عديدة وأنواع مختلفة، قد لا نتمكن من عرضها في بحثنا هذا بشكل مفصل، وهذا الاختلاف والتقسيم هو مما أعتاد عليه الفقهاء فقد اعتادوا على التفريعات التي تزيد المواضيع والمسائل تعقيداً وتبعد الموضوع عن روح الشريعة الإسلامية كما انها تصعب الدين على المسلمين وتنفرهم منه .
لقد قسم الفقهاء الإجماع في البدء إلى إجماع قطعي وإجماع ظني وسماه آخرون بالإجماع التام والإجماع الناقص :
الإجماع التـام :
هو ما تحقق ركنه تاماً، أي هو ما تحقق فيه اتفاق جميع المجتهدين في العصر الواحد دون إستثناء مع تحقق سائر شروطه سواءً في المجتهدين أو في المسألة محل الإجماع أو عصر الإجماع وعليه فالإجماع التام هو الكامل في ركنه وشروطه ويكون قطعياً في دلالته وهو المراد عند الإطلاق .
الإجماع الناقص :
وهو ما لم يكتمل فيه ركن الإجماع، بأن اتفق أكثر المجتهدين وخالف الأقل. أو اختل فيه شرط من شروطه المعتبرة عندهم، وفي هذه الحالة يطلق على هذا الإجماع إجماعاً تساهلاً أو تجاوزاً، ويكون ظني الدلالة، وينطبق على سائر أنواع الإجماع المختلف فيها، كاتفاق الشيخين ﴿أبي بكر وعمر﴾ على أمر معين ، أو اتفاق بعض التابعين أو إجماع أهل المدينة أو اتفاق المذاهب الأربعة وغيره من الاتفاق الذي زعم بعض الفقهاء حجيته وعارضهم آخرون .
وعن هذين النوعين من الإجماع قال أبن قُدامة ما هذا نصه : ﴿ الإجماع ينقسم إلى مقطوع ومظنون. فالمقطوع ما وجد فيه الاتفاق مع الشروط التي لا تختلف فيه مع وجودها، ونقله أهل التواتر. والمظنون ما اختلف فيه أحد القيدين؛ بأن توجد شروطه مع الاختلاف فيه، كالاتفاق في بعض العصر، وإجماع التابعين على أحد قَوْلَي الصحابة، أو يوجد القولُ من البعض والسكوت من الباقين، أو توجد شروطه ولكن ينقله الآحاد﴾﴿ - روضة الناظر وجُنّة المُناظر - عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي - ص 132﴾.
ومن التقسيمات الأخرى للإجماع هو ما أطلق عليه الفقهاء بالإجماع الصريح والإجماع السكوتي :
الإجماع الصريح :
هو الإجماع الذي يتم بتصريح كل مجتهد برأيه في المسألة المعروضة، مع اتفاق جميع الآراء على حكم واحد. وهذا لا خلاف في حجيته عند جميع فقهاء العامة .
الإجماع السـكوتي :
وهو أن يصرح بعض المجتهدين بالحكم نطقاً وينتشر ذلك بين بقية المجتهدين فيسكتوا عن الإنكار، ولا يكون سكوتهم عن خوف وإكراه ، ويكون هذا القول قد بلغهم وليست هناك قرينة تدل على الرضا أو الرفض وهذا النوع من الإجماع اختلف الفقهاء من المذاهب الاربعة في حجيته اختلافاً شديداً ، بلغت الأقوال فيه اثنى عشر قولاً﴿ البحر المحيط - الزركشي - ج4 ص 494- 502 . والراجح عند أغلب الفقهاء أنه حجة وإجماع ، بشروط أشترطوها دون دليل ، وهو قول جمهور الحنفية وأكثر الشافعية﴿ - البحر المحيط - ج4 - ص495-497 / التقرير والتحبير - أبن أمير الحاج - ج3 - ص102 ط2 /الإحكام في أصول الأحكام – الآمدي - ج3 – ص 192 .﴾ والراجح عند أحمد بن حنبل﴿ - روضة الناظر وجُنّة المُناظر - عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي - ص 135 .
وعن الإجماع السكوتي قال أبن قُدامة ما هذا نصه : ﴿إذا قال بعض الصحابة قولاً فانتشر في بقية الصحابة فسكتوا فإن لم يكن قولاً في تكليف فليس بإجماع وإن كان فعن أحمد رضي الله عنه ما يدل على أنه إجماع وبه قال أكثر الشافعية وقال بعضهم يكون حجة ولا يكون جماعا وقال جماعة آخرون لا يكون حجة ولا إجماعاً ولا ننسب إلى ساكت قولاً إلا أن تدل قرائن الأحوال على أنهم سكتوا مضمرين للرضا وتجويز الأخذ به وقد يسكت من غير إضمار الرضا ...- روضة الناظر وجُنّة المُناظر - عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي - ج1-ص151 .
وقالوا أيضاً : ﴿أن الكرخي من الحنفية والآمدي من الشافعية يعتبرانه حجة ظنية فيما يراه أكثر الحنفية والحنابلة حجة قطعية﴾﴿ - شرح المعتمد – ج1- ص50﴾ ﴾
نلاحظ مما تقدم حجم الاختلاف الذي نشب بين الفقهاء في حجية الإجماع السكوتي، وهذا الإجماع لو تنزلنا جدلا وناقشناه فهو ضرب من الظن والظن لا يغني من الحق شيئا، علاوة على ان كبار فقهاء المذاهب كانوا من أصحاب السطوة إذ كان لهم شأن كبير في بلاط السلاطين فكم من مذهب قد أزدهر بفضل سيوف الحكام وأموالهم فلا يتصور الإنسان ان الخوف لم يكن موجوداً عند بعض الفقهاء وخصوصاً أولئك الذين كانوا بعيدين عن بلاط السلاطين فكيف يستطيع مثل هؤلاء البسطاء الاعتراض على أصحاب السطوة من فقهاء البلاط الاموي أو العباسي، علما اننا قد ذكرنا الأحداث التي حدثت بين فقهاء تلك الحقبة الزمنية ومدى تأثر ساحة الفقهاء بقوة السلطان وأمواله .
تقييد حجية الإجماع بالزمان والمكان :
الإجماع الزماني :
أختلف الفقهاء في مسألة زمان ومكان إنعقاد الإجماع فذهب بعضهم إلى القول بحجية الإجماع في عصر الصحابة والتابعين وهذا الإجماع زماني كما هو معلوم وقد اختلفوا في هذه المسألة إلى قولين :
القول الأول : إن الإجماع خاص بعصر الصحابة والتابعين، لإستحالة وقوعه ومعرفته فيمن بعدهم ، وهو قول الظاهرية وقد ذكره الغزالي في قوله : ﴿ذهب داود وشيعته من أهل الظاهر إلى أنه لا حجة في إجماع من بعد الصحابة﴾﴿ المستصفى - الغزالي - ص –149 . / شرح المعتمد – ج1- ص50﴾ والى هذا القول ذهب أيضاً أحمد بن حنبل وقال به بعض الشافعية . وذهب آخرون إلى القول بحجية إجماع الشيخين أبي بكر وعمر فقط ويجعلون قولهما إجماعاً ذا حجة قطعية﴿ - شرح المعتمد – ج1- ص50
القول الثاني: إن الإجماع حجة في كل عصر من العصور، وهو قول جمهور الفقهاء .
ذكر الغزالي اختلاف الفقهاء في القولين السابقين وذلك في قوله : ﴿قال قوم ، لا يعتد بإجماع غير الصحابة وقال قوم : يعتد بإجماع التابعين بعد الصحابة ، ولكن لا يعتد بخلاف التابعي في زمان الصحابة ولا يندفع إجماع الصحابة بخلافه ، وهذا فاسد مهما بلغ التابعي رتبة الإجتهاد قبل تمام الإجماع ، لأنه من الأمة ، فإجماع غيره لا يكون إجماع جميع الأمة ، بل إجماع البعض ، والحجة في إجماع الكل﴾﴿ - المستصفى - الغزالي - ص –146﴾ ﴾
إن الفقهاء الذين قالوا بحجية إجماع أهل كل عصر وقعوا في الاختلاف أيضاً فقد تنازع الفقهاء تنازعاً كبيراً في تحديدهم لضابط العصر هل يتحقق بعد مدة البحث والتأمل والنظر في المسألة بحيث إذا اتفقوا بعده ولو للحظة يكون هذا إجماعا ام لا وهل يكون الإجماع ساري المفعول بعد وفاة آخر المجتهدين الذين نظروا في المسألة .
إن هذه المسائل كانت وما زالت محلا للاختلاف بين الفقهاء مع ملاحظة أن جميعهم يقول: ﴿الماضي لا يعتبر، والمستقبل لا ينتظر﴾ أي ان جميع الإجماعات التي حدثت في كل العصور الماضية والإجماعات المستقبلية غير ملزمة للمعاصرين وحصل في هذه المسألة مناقشات عديدة وبحوث متفرعة غاية التفريع حتى أختلف الفقهاء في مسألة انقراض عصر المجمعين هل هو شرط في الإجماع ام لا ؟ أختلفوا إلى قولين :
القول الأول : إن العصمة تشمل الفقهاء المجتهدين عند اتفاقهم على مسألة ما بعد أنتهاء فترة البحث والدارسة فيها فإذا ما انتهى المجتهدون من النظر في القضية فإن نظرية العصمة تطبق هاهنا ، وإن أجمعوا على قول فهو الحق الذي لا حق سواه وان كان للحظة فقط وهذا قول جمهور الفقهاء .
القول الثاني : إن العصر المشترط في الإجماع هو من بعد النظر في المسألة ودراستها ويمتد إلى وفاة آخر المجتهدين الذين نظروا في تلك القضية ، وهذا ما يعبر عنه بـ﴿انقراض عصر المجتهدين﴾ .
إن هذين القولين لا يتناسبان مع أدلة الإجماع من الأساس فإن الأحاديث قد اشارت إلى وقوع الأمة في دائرة العصمة عند إجماعها وان تنزلنا جدلا وقلنا بأن الأمة تعني الفقهاء فقط فإن العصمة الواردة في الأحاديث لم تقيد الإجماع لا بأنقراض العصر ولا باتفاق محدود بلحظات بل ان الإجماع لا بد من ان يقع على مر العصور والازمنة فلم تشهد الأحاديث تقييد للإجماع أبداً.
الإجماع المكاني : ذهب إلى القول بحجية الإجماع بشرط مكان انعقاده بعض الفقهاء منهم مالك بن انس إمام المالكية حيث ذهب إلى حجية إجماع أهل المدينة فقط وذهب آخرون إلى حجية إجماع أهل الحرمين مكة والمدينة وغيرها من البلدان وهذا الإجماع يحدد حجيته مكان وقوعه، وقد ذكر الغزالى هذه الأقوال قائلاً : ﴿ قال مالك : الحجة في إجماع أهل المدينة فقط ، وقال قوم : المعتبر إجماع أهل الحرمين مكة والمدينة والمصرين الكوفة والبصرة﴾﴿المستصفى - الغزالي - ص – 147 -148 ﴾
وقد وقع الخلاف أيضاً بين الفقهاء على حجية هذا النوع من الإجماع حيث أنكر الشافعي على المالكية قولهم أن المعتبر هو إجماع أهل المدينة كلهم بحجة ان المدينة هي موطن النبي (ص) وأصحابه وألزمهم بالمخالفات الكثيرة التي خالفوا فيها الصحابة كأبي بكر وعمر وكان يرى الشافعي أن الإجماع المعتبر هو إجماع جميع الفقهاء في البلدان كلها﴿ - تاريخ الفقه الإسلامي - ص 240 - 248﴾ .
نقول : إن هذين النوعين من الإجماع أي المكاني والزماني ليسا من الإجماع الشرعي الذي ورد ذكره في أحاديث النبي (ص) حيث لم تحدد الأحاديث زمانية أو مكانية الإجماع بل ان الإجماع الذي ذكر في أقوال النبي (ص) تحدث عن إجماع الأمة كلها على أمر واحد وهذا المعنى غير منطبق مع كل التفريعات التي ذهب إليها الفقهاء وكما قرأنا .
سنتطرق فيما يلي لبيان بعض المسائل المتعلقة بالإجماع والتي اثارها الفقهاء في بحوثهم وأختلفوا فيها غاية الاختلاف وسوف نقتصر على بعض منها فيما يلي :
مسألة إجماع الأكثر هل هو حجة أم لا ؟ :
أختلف الفقهاء في مسألة إجماع الأكثرية هل هو حجة ام لا ؟ انقسم الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : ليس بحجة وهو قول جمهور الفقهاء واحتجوا بأحاديث الإجماع وقالوا بأن الحجية إنما تقع لإجماع الأمة – أي جميع فقهاء الأمة - وقد يكون الصواب أحياناً مع القلة فليست العبرة بالكثرة كيف لا وقد ذم الشرع الكثرة في عدد من النصوص .
إن هذا القول ملتبس بين الحق والباطل حيث ان الكثرة ليست حجة على احقية أي مسألة كانت وهذا أمر لا خلاف فيه إلا أن الفقهاء بجملتهم هم قلة في الأمة فإجماعهم يعني إجماع القلة وهذا أيضاً ان تحقق فهو ليس بالإجماع المقصود في الأحاديث الشريفة لأن الأحاديث وكما ذكرناها قد ذكرت إجماع الأمة ولم تذكر إجماع الفقهاء .
القول الثاني : أنه حجة ، وهو قول أبن جرير الطبري وأبن خويز منداد من المالكية وأبو بكر الرازي وأبو الحسين الخياط من المعتزلة وأحمد بن حنبل وغيرهم وقد ذكر الآمدي اختلاف الفقهاء في هذه المسألة في قوله : ﴿اختلفوا في انعقاد إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينعقد وذهب محمد بن جرير الطبري وأبو بكر الرازي وأبو الحسين الخياط من المعتزلة، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، إلى انعقاده . وذهب قوم إلى أن عدد الأقل إن بلغ التواتر لم يعتد بالإجماع دونه، وإلا كان معتدا به﴾﴿ الاحكام – الآمدي – ج1 – ص235﴾
إن مسألة الكثرة والقلة من المسائل التي وردت بكثرة في آيات الكتاب وأحاديث السُنة الشريفة وقد شهدت العديد من الآيات الكريمة بذم الكثرة منها قوله تعالى : ﴿أكثرهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾﴿ - سورة العنكبوت آية 63﴾ وقوله تعالى : ﴿أكثرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾﴿ سورة الانعام آية 111
- المستصفى - الغزالي - ص 137﴾ وقوله تعالى : ﴿أكثرهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾وقوله تعالى : ﴿أكثرهُمْ يَجْهَلُونَ﴾والآيات بهذا المعنى كثيرة .
إن الذي يبطل قول من أدعى عصمة إجماع الأكثر هو أن أكثر الفقهاء قد أجمعوا على القول بعدم حجية إجماع الأكثرية فيلزم على من تمسك بحجية إجماع الأكثرية الأخذ برأي أكثر الفقهاء القاضي بعدم اعتبار إجماع الأكثرية حجة .
لم يكتفِ بعض الفقهاء بأدعاء حجية إجماع الأكثر بل قد أدعى النظام المعتزلي ان قول الواحد إذا اقيمت حجيته فهو إجماع كما نقل الغزالي ذلك في قوله : ﴿وذهب النظام إلى أن الإجماع عبارة عن كل قول قامت حجته ، وإن كان قول واحد﴾﴿ - المستصفى - الغزالي - ص 137 ﴾
وهذا القول غاية في الشذوذ والغرابة إذ كيف يمكن لاي إنسان ان يقول قولاً ثم ينسبه إلى الإجماع فهل الإجماع هو قول الواحد !!
إجماع الفقهاء أم إجماع الأمة :
لقد دلت الأحاديث التي استدل بها الفقهاء على حجية إجماع الأمة فإذا تحقق إجماع الأمة الإسلامية بكل مكوناتها على شيء ما فإن العصمة لا تغادر ذلك الإجماع ولهذا الإجماع شواهد عديدة منها ان الأمة مجمعة على صدق نبوة محمد (ص) والأمة مجمعة على وجوب الصلوات الخمسة والحج والصيام والزكاة وبر الوالدين وغيرها من الامور وان كانت المسائل المجمع عليها من قبل الأمة قليلة إلا أن ما يهمنا هو تحقق العصمة عند تحقق إجماع الأمة كلها كما دلت الأحاديث على ذلك .
إن الملاحظ من الأخبار ورود لفظ الأمة في مسألة الإجماع حيث اتفقت كل الأحاديث على لفظ الأمة ولم يخصص ولا حديث واحد لفظا خاصاً بالفقهاء فقط ولذلك فإن هذه المسألة كانت محلا للنزاع بين الفقهاء وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بحجية إجماع الفقهاء فقط لأنهم أهل الحل والعقد وعَدّو باقي الناس كالمجانين والصبيان كما سيأتي ذكره .
في قبال هذا القول ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الإجماع إنما يكون حجة عند إجماع الأمة كلها وبجميع مكوناتها ومن الذين صرح بهذا القول هو الآمدي في كتابه الأحكام حيث قال ما هذا نصه : ﴿أن الاحتجاج بالإجماع عند دخول العوام فيه يكون قطعيا ، وبدونهم يكون ظنيا﴾﴿ الاحكام – الآمدي – ج1 -ص 228﴾
وقد أستدل الآمدي بنفس الأدلة التي استدل بها جمهور الفقهاء إلا أن الآمدي ذهب إلى القول بأن العوام من الأمة وبدونهم لا يكون الإجماع الا ظنياً وهو ليس بحجة إذا لم يتحقق إجماع الأمة كلها وكما ذكرنا ذلك، إذ لو استثنينا العوام كما يسميهم الفقهاء فإن ذلك يعني إستثناء أكثر من 99% من الأمة فهل يعقل ان يتحقق الإجماع مع هذا الإستثناء ؟؟!!
إن قول الآمدي هذا يعد خرقاً لأصل الإجماع القاضي بإستثناء العوام من الإجماع وعليه لا يصبح القول بإجماع الفقهاء دون الأمة حجة لأنه قد أصبح إجماعا للأكثر وإجماع الأكثر ليس بحجة عندهم وعليه يسقط احتجاج الفقهاء بكون الإجماع مخصوصاً بهم دون الأمة لكون هذا الإجماع أصبح إجماعا ناقصاً بخروج الآمدي منه والإجماع الناقص ليس بحجة عند الفقهاء.
إن الفقهاء بعد أن استثنوا عامة الأمة من الإجماع راحوا لإستثناء فرق بأكملها من المسلمين كما قال صاحب فواتح الرحموت : ﴿أن الإجماع حجة قطعاً، ويفيد العلم الجازم عند الجميع من أهل القبلة، ولا يعتد بشرذمة من الحمقى الخوارج، والشيعة، والنظام من المعتزلة﴾﴿- فواتح الرحموت ج2 – ص 213 بتصريف بسيط / المحصول - الرازى ج2 - ص8 / الإبهاج فى شرح المنهاج ج2 – ص 352 / المستصفى – الغزالي ج1 – ص 173 / أصول السرخسى ج1 - ص295 /البحر المحيط للزركشى ج4 – ص 440-441 / الرسالة للشافعى فقرات رقم1102، 1105، 1309، 1320 / وإرشاد الفحول ج1 – ص 292 / التقرير والتحبير - أبن أمير الحاج - ج3 - ص80
و قال الآمدى : ﴿أتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم خلافا للشيعة والخوارج والنظام من المعتزلة﴾﴿ - الاحكام – الآمدي – ج1 – ص200 ﴾. ﴾ .
يتبع
تعليق