الإجماع عند الشيعة الإمامية :
نقلا عن كتاب سقيفة الغيبة المستلهم من فكر السيد القحطاني
تحدثنا في مبحث الإجتهاد عند الإمامية وبالتحديد في مرحلة السيد المرتضى عن الإجماع الذي تبناه فقهاء الإمامية وجعلوه حجة في معرفة الأحكام، حيث قال المرتضى: ﴿الإجماع حجة في كل حكم ليس له دليل﴾﴿ رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 - ص 16﴾ إلا إنهم قد ذهبوا إلى ان حجية الإجماع إنما هي لدخول قول المعصوم في جملة الأقوال وقد ابطلنا هذا الادعاء في حينه، إلا إننا هنا سوف نفصل الكلام بشكل اوسع ونطلع على أقوال العديد من الفقهاء في الإجماع كما اننا سوف نستعرض التطور الذي حدث في إجماع الإمامية مما جعل له أنواعاً وأشكالاً مختلفة وسوف نبين أقوالهم في هذه الأنواع وقبل أن نبدأ في الكلام نحب أن نبين بأن الإجماع الذي تبناه الإمامية لم يكن له اثر في أخبار أهل البيت (ع)على الإطلاق بل استنسخه القوم من أقوال فقهاء العامة مع تغيير بسيط في معناه مما جعله مقبولا وفق عقائد الإمامية التي نصت على وجوب وجود معصوم في كل زمان وقبل أن نبدأ بالنقاش نحب أن نبين بأن الإجماع الذي ورد ذكره في الأحاديث التي صنفها فقهاء العامة قد ورد أيضاً في خبر واحد ينقل عن الإمام الهادي (ع) وهو ما جاء في رسالته (ع) إلى أهل الأهواز حيث قال فيها : ﴿اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك : أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها ، فَهُم في حالة الإجماع عليه مصيبون ، وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون ، ولقول النبي صلى الله عليه وآله : ﴿لا تجتمع أمتي على ضلالة﴾ فأخبر (ع) أن ما اجتمعت عليه الأمة ولم يخالف بعضها بعضاً هو الحق ، فهذا معنى الحديث لا ما تأوله الجاهلون ، ولا ما قاله المعاندون...﴾ ﴿ - الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 2 - ص 251 - 252
إن معنى الحديث الذي ورد عن الإمام الهادي (ع) عن جده رسول الله (ص) هو بنفس المعنى الذي ورد نقله في كتب فقهاء العامة. وقد بينا فيما تقدم بأن الحديث يحكي عن إجماع الأمة قاطبة على شيء واحد وهذا الإجماع حق إلا إنه متعذر الا في بعض المسائل القليلة والتي ذكرناها في حينها، وقد أيد هذا الكلام الشيخ محمد جواد مغنية في قوله : ﴿أن إجماع علماء عصر أو عصرين لا يجعل الحكم قطعيا ، وضرورة دينية أو مذهبية ، بل يكون إجتهاديا ظنيا يقبل الجدال والنقاش ، ومن خالفه لا يكون خارجا عن الأصول الشرعية . والإجماع الذي يجب العمل به ، ولا يكون محلا للإجتهاد هو إجماع الأمة في كل عصر ومصر من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا العهد، وعليه يكون الحكم ضرورة من ضرورات الدين﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص326﴾.﴾.
إلا أن بعض من فقهاء الإمامية لم يعملوا وفق هذا الكلام بل ذهبوا إلى القول بأن الإجماع دليلاً مستقلاً أعتماداً منهم على الخبر الذي ذكرناه أعلاه فقد ذكر الميرزا أبو الحسن الشعراني في تعليقه على كتاب شرح أصول الكافي للمازندراني ما هذا نصه : ﴿وهو يدل على حجية الإجماع وكونه دليلاً مستقلاً وإمكان العلم به وتصديق لصحة الحديث المشهور « لا تجتمع امتي على ضلالة »﴾﴿ شرح اصول الكافي – المازندراني – ج2 – هامش ص 340
إن هذا الخبر فضلاً على كونه خبر واحد لم يؤيده خبر آخر في أي مصدر من مصادر الإمامية فهو خبر مرسل لا سند له يُذكر إطلاقاً وهذه النوعية من الأخبار لا يعمل بها عند الأصوليين من فقهاء الإمامية، وعليه فلا يمكن الاحتجاج به لصالحهم إلا إنهم مع هذا الوضع قد احتجوا به وزعموا من خلاله بكون الإجماع دليلاً مستقلاً في معرفة الأحكام وان كان هذا القول لبعضهم إلا إنه قد ذكر بالفعل وهذه هي طريقة أغلب الفقهاء حيث اعتادوا على الاحتجاج بالضعيف إذا كان موافقا لما ذهبوا إليه حتى وان كان الخبر بلا سند وكما هو الحال في الخبر الآنف الذكر .
أصل الإجماع :
نشأ الإجماع في احضان مدارس العامة ولم يكن له ذكر في أحاديث أهل البيت (ع) بالمعنى الذي ذهب إليه العامة – أي اتفاق جميع الفقهاء - إلا إنه تسلل إلى كتب الإمامية بعد غيبة ولي الله (ع) كما تسللت غيره من المسائل، وقد بين فقهاء الإمامية في أكثر من قول بأن الإجماع هو أصل من أصول العامة وقد تبناه الإمامية مجاراة لفقهاء العامة ! كما ذكر الشيخ محمد رضا المظفر وهو يتحدث عن الإجماع ما هذا نصه : ﴿أما الإمامية فقد جعلوه أيضاً أحد الأدلة على الحكم الشرعي ... مجاراة للنهج الدراسي في أصول الفقه عند السنيين﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 103
وقد ذكر الشيخ الأنصاري بأن الإجماع هو أصل العامة وهم أصل له وذلك في قوله : ﴿ان الإجماع في مصطلح الخاصة، بل العامة -الذين هم الأصل له، وهو الأصل لهم،- هو : اتفاق جميع العلماء في عصر، كما ينادي بذلك تعريفات كثير من الفريقين﴾﴿ - فرائد الأصول-الشيخ الانصاري –ج1 - ص 184.﴾ .
وقال الحر العاملي : ﴿ولا يخفى أن أدلة حجية الإجماع غير تامة وتحققه خصوصاً في زمان الغيبة متعذر والاطلاع عليه محال ، وتخصيصه بأهل عصر لا دليل عليه لدخول الأولين والآخرين من الجن والإنس في الأمة ، وتخصيصه بأهل الحل والعقد أعجب وأغرب . وكل ما هو مذكور في هذا البحث في كتب الأصول ، فهو من العامة لا دليل عليه ولا وجه له أصلا﴾﴿ الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 553
وعن الشريف المرتضى أنه قال: ﴿ أنا لسنا بادئين بالحكم بحجية الإجماع حتى يرد كونه لغوا وإنما بدأ بذلك المخالفون وعرضوه علينا فلم نجد بدا من موافقتهم عليه﴾﴿ - الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - ص 243
وقال الشيخ محمد مهدي شمس الدين : ﴿ أنَّ الشيعة الإمامية أدخلوا مصطلح الإجماع في أصولهم التي تأخر تدوينها ـ وربما تأسيسها ـ عن أصول أهل السُنة، متأثرين بمنهج البحث الأصولي عند أهل السُنة ، وربما استجابة لمقتضيات الحوار والجدل الكلامي﴾﴿ الاجتهاد والتقليد – الشيخ محمد مهدي شمس الدين - ص 28
وقال السيد الخميني أيضاً : ﴿ان إنسلاك الإجماع في سلك الأدلة وعدَّة في مقابلها إنما نشأ من العامة﴾﴿ - انوار الهداية في التعليقة على الكفاية – السيد الخميني - ج1- ص253﴾ .﴾. ﴾.
وبهذا يتبين لنا وبشكل جلي وواضح بأن الأصل في الإجماع هم العامة وقد تدحرج شيئاً فشيئاً حتى وصل وبالتدريج إلى كتب الإمامية حتى أصبح وبمرور الزمن أصلاً ثابتاً كثر مدعوه والمعتمدون عليه في معرفة أحكام الشريعة .
إن ظاهرة الاستنساخ لأقوال العامة وأصولهم كثرت وبشكل واضح بعد غيبة ولي الله المهدي (ع) نتيجة للحاجة إلى المعرفة كما يقول فقهاء الإمامية وقد استفادوا غاية الفائدة من العامة حيث انهم –أي العامة- قد مروا بنفس التجربة بعد رحيل النبي (ص) وحيث انهم لم يرجعوا إلى أئمة أهل البيت (ع) للمعرفة مما جعلهم في حاجة دائمة إلى الإجتهاد والابتكار حتى لا يتهموا بالجهل، وهذه التجربة قد استفاد منها أغلب فقهاء الإمامية بعد غيبة المهدي (ع) إلا أن الوضع مختلف بعض الشيء فإن فقهاء الإمامية لم يجهدوا أنفسهم بابتكار الأصول أبداً فكل ما فعلوه هو الاستنساخ لأقوال فقهاء العامة لأنهم أصحاب تجربة سابقة قد مروا بها.
إن هذه المسألة من المسائل المؤلمة صرحةً، فبعد أن أوصى الأئمة (ع) بالابتعاد عن أصول المخالفين وقواعدهم واجتنابها راح فقهاء الإمامية إلى استنساخها وزجها في كتبهم على انها من علوم أهل البيت (ع) والناس قد قبلوا هذه الاستنساخات على انها فعلا من القواعد المشروعة والصحيحة لحسن ظنهم بالمؤلفين وإنا لله وإنا إليه راجعون.
كيفية تحقق الإجماع عند الإمامية :
قسم الفقهاء وقوع الإجماع إلى قسمين واختلفوا في حجيتهما وسنأتي الآن لبيان هذين القسمين :
الأول : الإجماع في زمان حظور الأئمة (ع):
أجمع الفقهاء على صحة هذا الإجماع مع قولهم بأن الحجة في قول المعصوم دون قول غيره وقد ذكروا بانه لو أجمع جميع فقهاء العصر على مسألة واحدة وكان الإمام (ع) من جملة المجمعين فإن الحجة ليست للإجماع بل لقول المعصوم وهذا واضح في قول المحقق الحلي حين ذكر الإجماع قائلاً : ﴿وأما الإجماع : فعندنا هو حجة بانضمام ﴿المعصوم﴾ فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة ، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجة لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله عليه السلام﴾﴿ - المعتبر – المحقق الحلي – ج1 - ص 31 / معالم الدين - ص405 ﴾
وبهذا يتبين سقوط أقوال جميع الفقهاء لأن العبرة من الحجية إنما هي لقول المعصوم وهل يسمى هذا إجماع !! ام انه يسمى قول المعصوم ؟؟ فإذا كانت الحجية ساقطة عن أقوال الفقهاء فما العبرة من ذكر أقوالهم والاحتجاج بها إذا كانت الحجية فقط لقول المعصوم ؟ فاللازم ان يُذكر قول المعصوم فقط لعدم اعتبار أقوال غيره في الحجية، وبهذا يتبين لنا أن الحجية والاعتبار إنما هي للمعصوم دون غيره فإن قال وعُلم قوله كانت الحجة في قوله وإن خالفة الفقهاء أو وافقوه فلا عبرة ولا حجية في موافقتهم لقوله أو مخالفتهم له للجزم بأن ما يقوله الفقهاء قد يكون حقاً أو باطلاً، لأن قولهم مبني على الإجتهاد لا محالة، لأن اللجوء إلى الإجماع عند الفقهاء لا يكون الا بفقدان النص وعند الفقدان يلجأ الفقيه إلى الإجتهاد المبني على الخطأ والصواب، وعليه فإن إجماع الفقهاء مبني في أغلب الاحيان على إجتهادهم الذي يخطئ ويصيب، بينما قول المعصوم مختلف كلياً حيث انه يعطي الحكم بشكل قطعي بعيد عن الإجتهاد كل البعد وعليه فإن الحجية لقول المعصوم لعلة القطع في قوله دون الظن.
وبهذا يتبين سخافة ادعاء الإجماع في زمان الأئمة (ع) لعلمنا بأن الحجة في قول المعصوم وحده دون جميع الفقهاء إلا أن الفقهاء قد اقروا بوجود الإجماع وحجيته حال حظور الأئمة (ع) وممن ذكر هذا الأمر هو المحقق الحلي : ﴿أن الإجماع إنما كان حجة لدخول الإمام عليه السلام فيه ، فالمعتبر حينئذ ﴿قوله﴾ فعلى هذا ، يعلم قول المعصوم عليه السلام بعينه بأمرين : أحدهما : السماع منه مع المعرفة به والثاني النقل المتواتر﴾﴿ - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 132﴾.
إننا إذا سمعنا قول المعصوم بأنفسنا أو نقل قوله لنا نقلاً متواتراً فهل يسمى هذا القول والذي نقطع بصدوره من المعصوم إجماع !! وما هو وجه الصحة في تسميته إجماعا مع علمنا وقولنا بأن الحق في قول المعصوم دون سواه .
إن هذه الأقوال التي صدرت من الفقهاء والتي زعموا تحقق الإجماع بها في زمن الأئمة (ع) ما هي إلا مقدمة قدمها الفقهاء لاعطاء غطاء الشرعية على حجية الإجماع فإنهم حين يزعمون تحقق الإجماع في زمن الأئمة (ع) فذلك يجعلهم يتكلمون بفضاء واسع عن باقي مسائل الإجماع أما إذا انتفى وقوع الإجماع وتحققه في زمن الأئمة (ع) فُقد في ذلك الغطاء الشرعي الداعي إلى صحته وجعله مصدرا من مصادر التشريع.
وقبل أن ننهي الكلام في هذا الموضوع نحب أن نبين بإنه إذا أجمع الفقهاء وسكت المعصوم عن القول فلا حجية أيضاً لأقوال الفقهاء ولا يعد سكوت المعصوم موافقاً لهم لعلمنا بانهم (ع) كانوا في تقية مكثفة بل انهم كانوا يفتون في بعض الاحيان بما يوافق العامة تقية من الظالمين، فهل يعقل ان يعتبر سكوت الإمام (ع) موافقة وهم في تلك الظروف الصعبة وقد بين التأريخ بأن أغلب الأئمة (ع) كانوا ساكتين بسبب الظروف التي مرو بها، وبهذا يتبين لنا بأن سكوت المعصوم لا يدل على موافقته أبداً كما أنه لا يدل على رفضه وهذه المسألة من الشبهات التي يلزم التوقف عندها .
الثاني : الإجماع في زمن الغيبة:
نشأ الإجماع بشكل فعلي بعد الغيبة بل حتى ادعاء الإجماع في زمن الحظور لم يُذكر في كتب الإمامية الا بعد الغيبة وهذه المسألة بحد ذاتها تدعونا إلى البحث والسؤال عن حجية الإجماع بالجملة، فإذا كان حجة لزم على الأئمة (ع) الذين نصبهم الله لهداية الانام ان يبينوا قواعده للمسلمين، إلا أن هذا الأمر لم يحدث أبداً فلم يبلغ أي معصوم بحجية إجماع الفقهاء على مسألة ما ولم يبلغ الأئمة (ع) بانهم إذا دخلوا بالإجماع صار الإجماع حجة فلا عبرة أساساً في إجماع الفقهاء بل إننا قد بينا بأن الحجة في قولهم (ع) ان دخل في الإجماع وإن لم يدخل، بل حتى وان كان المعصوم متفرداً في القول فإن الحجة في قوله دون غيره لعلة العصمة التي انعم الله بها عليه وإذا كان الحال هذا فما هي الحاجة لمعرفة الإجماع إذا كان فاقداً للشرعية من الأساس فإن الحاجة كل الحاجة هي معرفة أقوال الأئمة (ع)لأننا مأمورين بإتباعهم دون غيرهم .
لقد بين السيد المرتضى فيما ذكرناه بأن الإجماع إنما هو حجة لدخول قول المعصوم في جملة المجمعين وقال بانه إذا أجمعت الأمة كلها فإن الإمام قد أجمع مع الأمة لأنه منها وإذا أجمع المؤمنون على شيء فإن الإمام قد أجمع معهم لأنه سيد المؤمنين وإذا أجمع الفقهاء فإن الإمام قد أجمع معهم أيضاً لأنه سيد الفقهاء وقد بينا قول المرتضى﴿ - راجع مرحلة السيد المرتضى - المبحث الخامس من الفصل الثالث من الباب الاول في كتابنا هذا ﴾ وقد وافقه جمهور فقهاء الإمامية﴿ - ذهب جمهور الاصوليين إلى هذا القول وقد عارضه اغلب الأخبارية كما سياتي بيانه﴾ منهم الشيخ أبو الصلاح الحلبي حيث قال : ﴿وإجماع العلماء من الإمامية يقتضي دخول الحجة المعصوم في جملتهم ، لكونه واحدا منهم﴾﴿ - الكافي في الفقه - ص 507﴾.
وقال الشيخ قطب الدين الراوندي : ﴿في إجماع هذه الطائفة حجة قاطعة ودلالة موجبة للعلم بكون المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ فيه ﴾﴿ فقه القرآن - ج1 - ص 4 ﴾.
أما صاحب تقريب المعارف فإنه قال بأن اعتبار الإمامية لدخول قول المعصوم في جملة المجمعين هو كإعتبار العامة لوجوب دخول كل الفقهاء في جملة الإجماع وإليكم نص الكلام : ﴿ فإن اعتبارنا دخول المعصوم في الإجماع كاعتبارهم دخول كل عالم في كل إجماع ﴾﴿ تقريب المعارف - ص 118﴾.
إن هذا الكلام مما يؤسف ان يتلفظ به فقيه أمامي كيف وقد جعل الإمام كسائر الفقهاء فإن الإجماع عند العامة لا ينعقد إذا خالفه فقيه وكما مر بيانه والإجماع عند الإمامية على حد قوله لا ينعقد إذا خالفه الإمام لأنه كسائر الفقهاء في الإجماع حيث لا بد من دخوله في الإجماع وعدم دخول الإمام كعدم دخول أي فقيه في الإجماع .
إن الإمام هو سيد الخلق ولا يقاس به أحد من الناس بل هو في علوا وترفع عن كل الإجماعات التي ادعاها المسلمون وتناقضوا فيما بينهم فيها والإمامية كفرقة أيضاً لم تسلم من التناقض في الإجماعات المزعومة عندهم وكما سياتي والتناقض ليس من الدين في شيء وحاشا قول المعصوم ان يدخل في المتناقضات .
لقد بين المحقق الحلي فيما تقدم من الكلام ان العلم بدخول المعصوم في الإجماع يحصل بأمرين وهما اما السماع منه أو النقل المتواتر عنه أما إذا فقد الأمران والحال هذه في زمن الغيبة كما لا يخفى فقد ذهب المحقق إلى القول: ﴿ فإن فقد الأمران، وأجمعت الإمامية على أمر من الأمور على وجه يعلم أنه لا عالم من الإمامية الا وهو قائل به ، فإنه يعلم دخول المعصوم عليه السلام فيه ، لقيام الدليل القاطع على حقية مذهبهم ، والامن على المعصوم من ارتكاب الباطل ﴾﴿ معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 133
إننا لا نعلم علم اليقين بأن الإمام (ع) موافق على إجماع فقهاء الإمامية لوجوه قد ذكرناها﴿ - راجع مرحلة السيد المرتضى ﴿المبحث الخامس من الفصل الثالث من الباب الاول في كتابنا هذا)
﴾ .﴾ وان ما يؤكد فقدان ذلك العلم بقول الإمام في حال غيبته هو ما جاء عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي ﴿عليهما السلام﴾ في تأويل قوله تعالى : ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾﴿- سورة الملك آية 30
- أنه قال: ﴿ نزلت في الإمام ، فقال إن أصبح إمامكم غائبا عنكم فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وبحلال الله تعالى وحرامه ﴾﴿ الغيبة - الشيخ الطوسي - ص 158
فكيف يستقيم فقداننا للماء المعين الذي يأتينا بحلال الله وحرامه مع علمنا بدخول قول المعصوم (ع) في جملة أقوال الفقهاء المجمعين ؟؟ فإننا إذا حصل لنا العلم بقول المعصوم في أي مسألة في حال غيبته ففي هذه الحالة لا يتحقق فقدان الماء المعين الذي يأتينا بحلال الله وحرامة بل العكس تماماً وهذه المسألة متعارضة مع كتاب الله وقول الباقر (ع)، وكل ما ثبت تعارضه مع القرآن والسُنة فهو باطل بضرورة الدين، وقد بين الحر العاملي وغيره من الفقهاء تعذر الوصول لقول المعصوم بعد غيبته ، وبالتالي لا يثبت الإجماع ، لأنه لا يمكن تحصيل العلم بدخوله فيهم ولا يظن به بعد غيبته، فلا يدرى في البر أم في البحر، في المغرب أم في المشرق﴿ نقلا عن مقتبس الأثر – الحائري - ص 63
وقد ذكر محمد جواد مغنية أيضاً تعذر كشف قول المعصوم في زمان الغيبة بالإجماع وقد ذكر أيضاً عدم حجية الإجماع في زمن الحظور وذلك في قوله : ﴿ويلاحظ على قول الشيعة أن الإجماع إذا حصل في زمن المعصوم يمكن أن يكشف عن قوله ، ولكن لا يكون الإجماع هو الدليل ، بل الدليل قول المعصوم ، وفي زمن غيابه لا يمكن أن يكشف الإجماع عن قول المعصوم بحال ، إذن لا يكون الإجماع دليلاً في كلتا الحالتين﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص324 ﴾﴾ .﴾.﴾
وبهذا يتبين لنا بأن الفقهاء قد علموا ضعف الاحتجاج بالإجماع سواءً في زمن الحظور ام في زمن الغيبة لكونه ليس بدليل معتبر في الشريعة ولم يبلغ بحجيته إمام معصوم أبداً .
نرجع الآن إلى قول المحقق الحلي الانف الذكر والذي قال فيه بأن المعصوم (ع) في مأمن من ارتكاب الباطل وهذا قول حق إلا أن القول بدخول المعصوم في جملة المجمعين لا يعد إلا ضرب من الظن - كما سياتي بيان ذلك – والظن لا يغني من الحق شيء علاوة على وجود الأدلة على ان الإمام قد هجر القوم لغضب الله عليهم ولم يعد قوله في جملة أقوال الأمة بالكلية .
بعد ما تقدم من الكلام نحب أن نبين بأن للإجماع عند الإمامية أنواع وأشكال تعتمد وبشكل أساسي على طريقة معرفة دخول قول المعصوم في جملة المجمعين وسوف نأتي الآن لبيان هذه الأنواع .
نقلا عن كتاب سقيفة الغيبة المستلهم من فكر السيد القحطاني
تحدثنا في مبحث الإجتهاد عند الإمامية وبالتحديد في مرحلة السيد المرتضى عن الإجماع الذي تبناه فقهاء الإمامية وجعلوه حجة في معرفة الأحكام، حيث قال المرتضى: ﴿الإجماع حجة في كل حكم ليس له دليل﴾﴿ رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 - ص 16﴾ إلا إنهم قد ذهبوا إلى ان حجية الإجماع إنما هي لدخول قول المعصوم في جملة الأقوال وقد ابطلنا هذا الادعاء في حينه، إلا إننا هنا سوف نفصل الكلام بشكل اوسع ونطلع على أقوال العديد من الفقهاء في الإجماع كما اننا سوف نستعرض التطور الذي حدث في إجماع الإمامية مما جعل له أنواعاً وأشكالاً مختلفة وسوف نبين أقوالهم في هذه الأنواع وقبل أن نبدأ في الكلام نحب أن نبين بأن الإجماع الذي تبناه الإمامية لم يكن له اثر في أخبار أهل البيت (ع)على الإطلاق بل استنسخه القوم من أقوال فقهاء العامة مع تغيير بسيط في معناه مما جعله مقبولا وفق عقائد الإمامية التي نصت على وجوب وجود معصوم في كل زمان وقبل أن نبدأ بالنقاش نحب أن نبين بأن الإجماع الذي ورد ذكره في الأحاديث التي صنفها فقهاء العامة قد ورد أيضاً في خبر واحد ينقل عن الإمام الهادي (ع) وهو ما جاء في رسالته (ع) إلى أهل الأهواز حيث قال فيها : ﴿اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك : أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها ، فَهُم في حالة الإجماع عليه مصيبون ، وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون ، ولقول النبي صلى الله عليه وآله : ﴿لا تجتمع أمتي على ضلالة﴾ فأخبر (ع) أن ما اجتمعت عليه الأمة ولم يخالف بعضها بعضاً هو الحق ، فهذا معنى الحديث لا ما تأوله الجاهلون ، ولا ما قاله المعاندون...﴾ ﴿ - الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 2 - ص 251 - 252
إن معنى الحديث الذي ورد عن الإمام الهادي (ع) عن جده رسول الله (ص) هو بنفس المعنى الذي ورد نقله في كتب فقهاء العامة. وقد بينا فيما تقدم بأن الحديث يحكي عن إجماع الأمة قاطبة على شيء واحد وهذا الإجماع حق إلا إنه متعذر الا في بعض المسائل القليلة والتي ذكرناها في حينها، وقد أيد هذا الكلام الشيخ محمد جواد مغنية في قوله : ﴿أن إجماع علماء عصر أو عصرين لا يجعل الحكم قطعيا ، وضرورة دينية أو مذهبية ، بل يكون إجتهاديا ظنيا يقبل الجدال والنقاش ، ومن خالفه لا يكون خارجا عن الأصول الشرعية . والإجماع الذي يجب العمل به ، ولا يكون محلا للإجتهاد هو إجماع الأمة في كل عصر ومصر من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا العهد، وعليه يكون الحكم ضرورة من ضرورات الدين﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص326﴾.﴾.
إلا أن بعض من فقهاء الإمامية لم يعملوا وفق هذا الكلام بل ذهبوا إلى القول بأن الإجماع دليلاً مستقلاً أعتماداً منهم على الخبر الذي ذكرناه أعلاه فقد ذكر الميرزا أبو الحسن الشعراني في تعليقه على كتاب شرح أصول الكافي للمازندراني ما هذا نصه : ﴿وهو يدل على حجية الإجماع وكونه دليلاً مستقلاً وإمكان العلم به وتصديق لصحة الحديث المشهور « لا تجتمع امتي على ضلالة »﴾﴿ شرح اصول الكافي – المازندراني – ج2 – هامش ص 340
إن هذا الخبر فضلاً على كونه خبر واحد لم يؤيده خبر آخر في أي مصدر من مصادر الإمامية فهو خبر مرسل لا سند له يُذكر إطلاقاً وهذه النوعية من الأخبار لا يعمل بها عند الأصوليين من فقهاء الإمامية، وعليه فلا يمكن الاحتجاج به لصالحهم إلا إنهم مع هذا الوضع قد احتجوا به وزعموا من خلاله بكون الإجماع دليلاً مستقلاً في معرفة الأحكام وان كان هذا القول لبعضهم إلا إنه قد ذكر بالفعل وهذه هي طريقة أغلب الفقهاء حيث اعتادوا على الاحتجاج بالضعيف إذا كان موافقا لما ذهبوا إليه حتى وان كان الخبر بلا سند وكما هو الحال في الخبر الآنف الذكر .
أصل الإجماع :
نشأ الإجماع في احضان مدارس العامة ولم يكن له ذكر في أحاديث أهل البيت (ع) بالمعنى الذي ذهب إليه العامة – أي اتفاق جميع الفقهاء - إلا إنه تسلل إلى كتب الإمامية بعد غيبة ولي الله (ع) كما تسللت غيره من المسائل، وقد بين فقهاء الإمامية في أكثر من قول بأن الإجماع هو أصل من أصول العامة وقد تبناه الإمامية مجاراة لفقهاء العامة ! كما ذكر الشيخ محمد رضا المظفر وهو يتحدث عن الإجماع ما هذا نصه : ﴿أما الإمامية فقد جعلوه أيضاً أحد الأدلة على الحكم الشرعي ... مجاراة للنهج الدراسي في أصول الفقه عند السنيين﴾﴿ - أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 103
وقد ذكر الشيخ الأنصاري بأن الإجماع هو أصل العامة وهم أصل له وذلك في قوله : ﴿ان الإجماع في مصطلح الخاصة، بل العامة -الذين هم الأصل له، وهو الأصل لهم،- هو : اتفاق جميع العلماء في عصر، كما ينادي بذلك تعريفات كثير من الفريقين﴾﴿ - فرائد الأصول-الشيخ الانصاري –ج1 - ص 184.﴾ .
وقال الحر العاملي : ﴿ولا يخفى أن أدلة حجية الإجماع غير تامة وتحققه خصوصاً في زمان الغيبة متعذر والاطلاع عليه محال ، وتخصيصه بأهل عصر لا دليل عليه لدخول الأولين والآخرين من الجن والإنس في الأمة ، وتخصيصه بأهل الحل والعقد أعجب وأغرب . وكل ما هو مذكور في هذا البحث في كتب الأصول ، فهو من العامة لا دليل عليه ولا وجه له أصلا﴾﴿ الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 553
وعن الشريف المرتضى أنه قال: ﴿ أنا لسنا بادئين بالحكم بحجية الإجماع حتى يرد كونه لغوا وإنما بدأ بذلك المخالفون وعرضوه علينا فلم نجد بدا من موافقتهم عليه﴾﴿ - الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - ص 243
وقال الشيخ محمد مهدي شمس الدين : ﴿ أنَّ الشيعة الإمامية أدخلوا مصطلح الإجماع في أصولهم التي تأخر تدوينها ـ وربما تأسيسها ـ عن أصول أهل السُنة، متأثرين بمنهج البحث الأصولي عند أهل السُنة ، وربما استجابة لمقتضيات الحوار والجدل الكلامي﴾﴿ الاجتهاد والتقليد – الشيخ محمد مهدي شمس الدين - ص 28
وقال السيد الخميني أيضاً : ﴿ان إنسلاك الإجماع في سلك الأدلة وعدَّة في مقابلها إنما نشأ من العامة﴾﴿ - انوار الهداية في التعليقة على الكفاية – السيد الخميني - ج1- ص253﴾ .﴾. ﴾.
وبهذا يتبين لنا وبشكل جلي وواضح بأن الأصل في الإجماع هم العامة وقد تدحرج شيئاً فشيئاً حتى وصل وبالتدريج إلى كتب الإمامية حتى أصبح وبمرور الزمن أصلاً ثابتاً كثر مدعوه والمعتمدون عليه في معرفة أحكام الشريعة .
إن ظاهرة الاستنساخ لأقوال العامة وأصولهم كثرت وبشكل واضح بعد غيبة ولي الله المهدي (ع) نتيجة للحاجة إلى المعرفة كما يقول فقهاء الإمامية وقد استفادوا غاية الفائدة من العامة حيث انهم –أي العامة- قد مروا بنفس التجربة بعد رحيل النبي (ص) وحيث انهم لم يرجعوا إلى أئمة أهل البيت (ع) للمعرفة مما جعلهم في حاجة دائمة إلى الإجتهاد والابتكار حتى لا يتهموا بالجهل، وهذه التجربة قد استفاد منها أغلب فقهاء الإمامية بعد غيبة المهدي (ع) إلا أن الوضع مختلف بعض الشيء فإن فقهاء الإمامية لم يجهدوا أنفسهم بابتكار الأصول أبداً فكل ما فعلوه هو الاستنساخ لأقوال فقهاء العامة لأنهم أصحاب تجربة سابقة قد مروا بها.
إن هذه المسألة من المسائل المؤلمة صرحةً، فبعد أن أوصى الأئمة (ع) بالابتعاد عن أصول المخالفين وقواعدهم واجتنابها راح فقهاء الإمامية إلى استنساخها وزجها في كتبهم على انها من علوم أهل البيت (ع) والناس قد قبلوا هذه الاستنساخات على انها فعلا من القواعد المشروعة والصحيحة لحسن ظنهم بالمؤلفين وإنا لله وإنا إليه راجعون.
كيفية تحقق الإجماع عند الإمامية :
قسم الفقهاء وقوع الإجماع إلى قسمين واختلفوا في حجيتهما وسنأتي الآن لبيان هذين القسمين :
الأول : الإجماع في زمان حظور الأئمة (ع):
أجمع الفقهاء على صحة هذا الإجماع مع قولهم بأن الحجة في قول المعصوم دون قول غيره وقد ذكروا بانه لو أجمع جميع فقهاء العصر على مسألة واحدة وكان الإمام (ع) من جملة المجمعين فإن الحجة ليست للإجماع بل لقول المعصوم وهذا واضح في قول المحقق الحلي حين ذكر الإجماع قائلاً : ﴿وأما الإجماع : فعندنا هو حجة بانضمام ﴿المعصوم﴾ فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة ، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجة لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله عليه السلام﴾﴿ - المعتبر – المحقق الحلي – ج1 - ص 31 / معالم الدين - ص405 ﴾
وبهذا يتبين سقوط أقوال جميع الفقهاء لأن العبرة من الحجية إنما هي لقول المعصوم وهل يسمى هذا إجماع !! ام انه يسمى قول المعصوم ؟؟ فإذا كانت الحجية ساقطة عن أقوال الفقهاء فما العبرة من ذكر أقوالهم والاحتجاج بها إذا كانت الحجية فقط لقول المعصوم ؟ فاللازم ان يُذكر قول المعصوم فقط لعدم اعتبار أقوال غيره في الحجية، وبهذا يتبين لنا أن الحجية والاعتبار إنما هي للمعصوم دون غيره فإن قال وعُلم قوله كانت الحجة في قوله وإن خالفة الفقهاء أو وافقوه فلا عبرة ولا حجية في موافقتهم لقوله أو مخالفتهم له للجزم بأن ما يقوله الفقهاء قد يكون حقاً أو باطلاً، لأن قولهم مبني على الإجتهاد لا محالة، لأن اللجوء إلى الإجماع عند الفقهاء لا يكون الا بفقدان النص وعند الفقدان يلجأ الفقيه إلى الإجتهاد المبني على الخطأ والصواب، وعليه فإن إجماع الفقهاء مبني في أغلب الاحيان على إجتهادهم الذي يخطئ ويصيب، بينما قول المعصوم مختلف كلياً حيث انه يعطي الحكم بشكل قطعي بعيد عن الإجتهاد كل البعد وعليه فإن الحجية لقول المعصوم لعلة القطع في قوله دون الظن.
وبهذا يتبين سخافة ادعاء الإجماع في زمان الأئمة (ع) لعلمنا بأن الحجة في قول المعصوم وحده دون جميع الفقهاء إلا أن الفقهاء قد اقروا بوجود الإجماع وحجيته حال حظور الأئمة (ع) وممن ذكر هذا الأمر هو المحقق الحلي : ﴿أن الإجماع إنما كان حجة لدخول الإمام عليه السلام فيه ، فالمعتبر حينئذ ﴿قوله﴾ فعلى هذا ، يعلم قول المعصوم عليه السلام بعينه بأمرين : أحدهما : السماع منه مع المعرفة به والثاني النقل المتواتر﴾﴿ - معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 132﴾.
إننا إذا سمعنا قول المعصوم بأنفسنا أو نقل قوله لنا نقلاً متواتراً فهل يسمى هذا القول والذي نقطع بصدوره من المعصوم إجماع !! وما هو وجه الصحة في تسميته إجماعا مع علمنا وقولنا بأن الحق في قول المعصوم دون سواه .
إن هذه الأقوال التي صدرت من الفقهاء والتي زعموا تحقق الإجماع بها في زمن الأئمة (ع) ما هي إلا مقدمة قدمها الفقهاء لاعطاء غطاء الشرعية على حجية الإجماع فإنهم حين يزعمون تحقق الإجماع في زمن الأئمة (ع) فذلك يجعلهم يتكلمون بفضاء واسع عن باقي مسائل الإجماع أما إذا انتفى وقوع الإجماع وتحققه في زمن الأئمة (ع) فُقد في ذلك الغطاء الشرعي الداعي إلى صحته وجعله مصدرا من مصادر التشريع.
وقبل أن ننهي الكلام في هذا الموضوع نحب أن نبين بإنه إذا أجمع الفقهاء وسكت المعصوم عن القول فلا حجية أيضاً لأقوال الفقهاء ولا يعد سكوت المعصوم موافقاً لهم لعلمنا بانهم (ع) كانوا في تقية مكثفة بل انهم كانوا يفتون في بعض الاحيان بما يوافق العامة تقية من الظالمين، فهل يعقل ان يعتبر سكوت الإمام (ع) موافقة وهم في تلك الظروف الصعبة وقد بين التأريخ بأن أغلب الأئمة (ع) كانوا ساكتين بسبب الظروف التي مرو بها، وبهذا يتبين لنا بأن سكوت المعصوم لا يدل على موافقته أبداً كما أنه لا يدل على رفضه وهذه المسألة من الشبهات التي يلزم التوقف عندها .
الثاني : الإجماع في زمن الغيبة:
نشأ الإجماع بشكل فعلي بعد الغيبة بل حتى ادعاء الإجماع في زمن الحظور لم يُذكر في كتب الإمامية الا بعد الغيبة وهذه المسألة بحد ذاتها تدعونا إلى البحث والسؤال عن حجية الإجماع بالجملة، فإذا كان حجة لزم على الأئمة (ع) الذين نصبهم الله لهداية الانام ان يبينوا قواعده للمسلمين، إلا أن هذا الأمر لم يحدث أبداً فلم يبلغ أي معصوم بحجية إجماع الفقهاء على مسألة ما ولم يبلغ الأئمة (ع) بانهم إذا دخلوا بالإجماع صار الإجماع حجة فلا عبرة أساساً في إجماع الفقهاء بل إننا قد بينا بأن الحجة في قولهم (ع) ان دخل في الإجماع وإن لم يدخل، بل حتى وان كان المعصوم متفرداً في القول فإن الحجة في قوله دون غيره لعلة العصمة التي انعم الله بها عليه وإذا كان الحال هذا فما هي الحاجة لمعرفة الإجماع إذا كان فاقداً للشرعية من الأساس فإن الحاجة كل الحاجة هي معرفة أقوال الأئمة (ع)لأننا مأمورين بإتباعهم دون غيرهم .
لقد بين السيد المرتضى فيما ذكرناه بأن الإجماع إنما هو حجة لدخول قول المعصوم في جملة المجمعين وقال بانه إذا أجمعت الأمة كلها فإن الإمام قد أجمع مع الأمة لأنه منها وإذا أجمع المؤمنون على شيء فإن الإمام قد أجمع معهم لأنه سيد المؤمنين وإذا أجمع الفقهاء فإن الإمام قد أجمع معهم أيضاً لأنه سيد الفقهاء وقد بينا قول المرتضى﴿ - راجع مرحلة السيد المرتضى - المبحث الخامس من الفصل الثالث من الباب الاول في كتابنا هذا ﴾ وقد وافقه جمهور فقهاء الإمامية﴿ - ذهب جمهور الاصوليين إلى هذا القول وقد عارضه اغلب الأخبارية كما سياتي بيانه﴾ منهم الشيخ أبو الصلاح الحلبي حيث قال : ﴿وإجماع العلماء من الإمامية يقتضي دخول الحجة المعصوم في جملتهم ، لكونه واحدا منهم﴾﴿ - الكافي في الفقه - ص 507﴾.
وقال الشيخ قطب الدين الراوندي : ﴿في إجماع هذه الطائفة حجة قاطعة ودلالة موجبة للعلم بكون المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ فيه ﴾﴿ فقه القرآن - ج1 - ص 4 ﴾.
أما صاحب تقريب المعارف فإنه قال بأن اعتبار الإمامية لدخول قول المعصوم في جملة المجمعين هو كإعتبار العامة لوجوب دخول كل الفقهاء في جملة الإجماع وإليكم نص الكلام : ﴿ فإن اعتبارنا دخول المعصوم في الإجماع كاعتبارهم دخول كل عالم في كل إجماع ﴾﴿ تقريب المعارف - ص 118﴾.
إن هذا الكلام مما يؤسف ان يتلفظ به فقيه أمامي كيف وقد جعل الإمام كسائر الفقهاء فإن الإجماع عند العامة لا ينعقد إذا خالفه فقيه وكما مر بيانه والإجماع عند الإمامية على حد قوله لا ينعقد إذا خالفه الإمام لأنه كسائر الفقهاء في الإجماع حيث لا بد من دخوله في الإجماع وعدم دخول الإمام كعدم دخول أي فقيه في الإجماع .
إن الإمام هو سيد الخلق ولا يقاس به أحد من الناس بل هو في علوا وترفع عن كل الإجماعات التي ادعاها المسلمون وتناقضوا فيما بينهم فيها والإمامية كفرقة أيضاً لم تسلم من التناقض في الإجماعات المزعومة عندهم وكما سياتي والتناقض ليس من الدين في شيء وحاشا قول المعصوم ان يدخل في المتناقضات .
لقد بين المحقق الحلي فيما تقدم من الكلام ان العلم بدخول المعصوم في الإجماع يحصل بأمرين وهما اما السماع منه أو النقل المتواتر عنه أما إذا فقد الأمران والحال هذه في زمن الغيبة كما لا يخفى فقد ذهب المحقق إلى القول: ﴿ فإن فقد الأمران، وأجمعت الإمامية على أمر من الأمور على وجه يعلم أنه لا عالم من الإمامية الا وهو قائل به ، فإنه يعلم دخول المعصوم عليه السلام فيه ، لقيام الدليل القاطع على حقية مذهبهم ، والامن على المعصوم من ارتكاب الباطل ﴾﴿ معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 133
إننا لا نعلم علم اليقين بأن الإمام (ع) موافق على إجماع فقهاء الإمامية لوجوه قد ذكرناها﴿ - راجع مرحلة السيد المرتضى ﴿المبحث الخامس من الفصل الثالث من الباب الاول في كتابنا هذا)
﴾ .﴾ وان ما يؤكد فقدان ذلك العلم بقول الإمام في حال غيبته هو ما جاء عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي ﴿عليهما السلام﴾ في تأويل قوله تعالى : ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾﴿- سورة الملك آية 30
- أنه قال: ﴿ نزلت في الإمام ، فقال إن أصبح إمامكم غائبا عنكم فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وبحلال الله تعالى وحرامه ﴾﴿ الغيبة - الشيخ الطوسي - ص 158
فكيف يستقيم فقداننا للماء المعين الذي يأتينا بحلال الله وحرامه مع علمنا بدخول قول المعصوم (ع) في جملة أقوال الفقهاء المجمعين ؟؟ فإننا إذا حصل لنا العلم بقول المعصوم في أي مسألة في حال غيبته ففي هذه الحالة لا يتحقق فقدان الماء المعين الذي يأتينا بحلال الله وحرامة بل العكس تماماً وهذه المسألة متعارضة مع كتاب الله وقول الباقر (ع)، وكل ما ثبت تعارضه مع القرآن والسُنة فهو باطل بضرورة الدين، وقد بين الحر العاملي وغيره من الفقهاء تعذر الوصول لقول المعصوم بعد غيبته ، وبالتالي لا يثبت الإجماع ، لأنه لا يمكن تحصيل العلم بدخوله فيهم ولا يظن به بعد غيبته، فلا يدرى في البر أم في البحر، في المغرب أم في المشرق﴿ نقلا عن مقتبس الأثر – الحائري - ص 63
وقد ذكر محمد جواد مغنية أيضاً تعذر كشف قول المعصوم في زمان الغيبة بالإجماع وقد ذكر أيضاً عدم حجية الإجماع في زمن الحظور وذلك في قوله : ﴿ويلاحظ على قول الشيعة أن الإجماع إذا حصل في زمن المعصوم يمكن أن يكشف عن قوله ، ولكن لا يكون الإجماع هو الدليل ، بل الدليل قول المعصوم ، وفي زمن غيابه لا يمكن أن يكشف الإجماع عن قول المعصوم بحال ، إذن لا يكون الإجماع دليلاً في كلتا الحالتين﴾﴿ - الشيعة في الميزان – محمد جواد مغنية – ص324 ﴾﴾ .﴾.﴾
وبهذا يتبين لنا بأن الفقهاء قد علموا ضعف الاحتجاج بالإجماع سواءً في زمن الحظور ام في زمن الغيبة لكونه ليس بدليل معتبر في الشريعة ولم يبلغ بحجيته إمام معصوم أبداً .
نرجع الآن إلى قول المحقق الحلي الانف الذكر والذي قال فيه بأن المعصوم (ع) في مأمن من ارتكاب الباطل وهذا قول حق إلا أن القول بدخول المعصوم في جملة المجمعين لا يعد إلا ضرب من الظن - كما سياتي بيان ذلك – والظن لا يغني من الحق شيء علاوة على وجود الأدلة على ان الإمام قد هجر القوم لغضب الله عليهم ولم يعد قوله في جملة أقوال الأمة بالكلية .
بعد ما تقدم من الكلام نحب أن نبين بأن للإجماع عند الإمامية أنواع وأشكال تعتمد وبشكل أساسي على طريقة معرفة دخول قول المعصوم في جملة المجمعين وسوف نأتي الآن لبيان هذه الأنواع .