إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رابع مصادر التشريع في علم الاصول هو العقل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رابع مصادر التشريع في علم الاصول هو العقل

    نقلا عن كتاب سقيفة الغيبة


    رابعاً : دليل العقل
    فضل العقل : العقل هو نعمة الله التي انعم بها على بني ادم فبالعقل يعبد الله تعالى وبالعقل يتبع النبي (ص) وبالعقل تعرف اصوال الدين وقد ورد عن النبي (ص) الكثير من الأحاديث التي تشير وبشكل واضح إلى دور العقل عند الإنسان فلا يسعنا الا التمسك بما ورد في السُنة الشريفة، وسنقتصر في بادئ الأمر على الأخبار التي رواها فقهاء العامة ومحدثيهم ثم نبين ما جاء من أقوال أهل البيت (ع) في دور العقل عند الإنسان .
    روى أغلب المحدثين من فقهاء العامة الكثير من الأحاديث التي تبين دور العقل عند المؤمن منها ما جاء عن سعيد بن المسيب أن عمر وأبا هريرة وأبي بن كعب دخلوا على رسول اللّه (ص) فقالوا: ﴿يا رسول اللّه ، من أعلم الناس ؟ قال : العاقل . قالوا : فمن أعبد الناس ؟ قال : العاقل . قالوا: فمن أفضل الناس؟ قال: العاقل . فقالوا: يا رسول اللّه، أليس العاقل من تمت مروءته وظهرت فصاحته وعظمت منزلته؟ فقال رسول اللّه (ص) : "وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين " وإن العاقل المتقي وإن كان في الدنيا خسيساً قصياً دنياً ﴾﴿اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة -أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري – ج6- الحديث رقم 5221

    وبهذا الحديث الشريف يتبين لنا ان العاقل هو المتقي وبتقواه يكون أعلم الناس وأعبد الناس وأفضل الناس وان كان في نظر أهل الدنيا دنيّاً، ونفس هذا المعنى قد جاء عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال : قال رسول اللّه (ص) : ﴿إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القانت، ولا يتم لرجل حسن خلق حتى يتم عقله، فعند ذلك تتم أمانته وإيمانه، وأطاع ربه وعصى عدوه- يعني: إبليس﴾﴿ - المصدر السابق - الحديث رقم 5223

    إن العاقل هو الطائع لله تعالى وقد ينغر الناس ببعض الاشخاص الذين يظهرون بانهم العقلاء فقد جاء عن أبن عمر قال : ﴿قدم رجل نصراني من أهل جرش تاجر، فكان له بيان ووقار فقيل : يا رسول اللّه ، ما أعقل هذا النصراني . فزجر القائل فقال : مه ، إن العاقل من عمل بطاعة اللّه﴾﴿ - المصدر السابق - الحديث رقم 5226

    ومن هذه الواقعة يتبين لنا ان الناس قد تـنغر بالظاهر فتعطي صفة العقل لاشخاص لما تراه من ظاهر أمرهم فتصفهم بانهم العقلاء إلا أن الحق عند الله ورسوله هو ان العاقل من عمل بطاعة الله وأجتـنب معصيته، ومما يؤكد هذا المعنى هو ما جاء عن أبي هريرة ، عن النبي (ص) أنه قال : ﴿يا أيها الناس، اعقلوا عن ربكم، وتواضعوا بالعقل بما أمرتم به وما نهيتم عنه، واعلموا أنه محذركم عند ربكم، واعلموا أن العاقل من أطاع اللّه وإن كان دميم المنظر، حقير الخطر، دني المنزلة، رث الهيئة، وإن الجاهل من عصى الله، وإن كان جميل المنظر، عظيم الخطر، شريف المنزلة، حسن الهيئة، فصيحاً نطوقاً، والقردة والخنازير أعقل عند اللّه ممن عصاه، ولا تغتروا بتعظيم أهل الدنيا إياكم؟ فإنهم غداً من الخاسرين﴾﴿ - المصدر السابق - الحديث رقم 5230﴾.
    ومما يؤكد هذا المعنى أيضاً ما جاء عن أبن عمر ان النبي (ص) قال : ﴿كم من عاقل عقل عن الله أمره وهو حقير عند الناس ذميم المنظر ينجو غدا وكم من طريف اللسان جميل المنظر عند الناس يهلك غدا في القيامة ﴾﴿ - مسند الحارث - زوائد الهيثمي- ج2 - حديث رقم 812 ﴾ .
    إن ما جاء في الحديثين المتقدمين يكفي البيان وسرد الكلام فإن العاقل عند الله هو المطيع لأوامر الله المتقي لسخط الله وقد جاء عن النبي (ص) أيضاً أنه قال : ﴿... يا أبن آدم، أطع ربك تسمى عاقلاً، ولا تعص ربك فتسمى جاهلاً﴾﴿اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة -أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري – ج6- الحديث رقم 5240

    وبهذا نفهم ان كمال العقل هو طاعة الله واجتناب معصيته ومن اطاع الله وأجتنب معصيته هو العاقل عند الله ورسوله .
    وجاء عن أبي سعيد، قال: سمعت النبي (ص) يقول : ﴿قسم الله العقل على ثلاثة أجزاء فمن كن فيه كمل عقله ومن لم يكن فيه فلا عقل له حسن المعرفة بالله وحسن الطاعة له وحسن الصبر على أمره﴾﴿ - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث بن أبي أسامة - نور الدين الهيثمي – ج2 - باب ما جاء في العقل – حديث رقم 810
    وجاء عن عمر أن النبي (ص) قال : ﴿ما اكتسب رجل ما اكتسب مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى وما تم إيمان عبد ، ولا استقام دينه حتى يكمل عقله ﴾﴿ - نفس المصدر السابق - حديث رقم 813 ﴾.
    بعد ما تقدم من الأحاديث نقول : إن العاقل هو من أطاع الله واجتنب معصيته ومن أعظم صور الطاعة هو الإنقياد لشريعة رب العالمين دون الابتداع والتصدي للتشريع، فلا يمكننا القول بأن العقل وحده يكفينا لنعلم من خلاله أوامر الشرع أو ان نجعله مصدراً للتشريع بحسب استحساناتنا أو استقباحاتنا بل لا بد أن ينقاد العقل إلى الشريعة وان يكون تابعا لها لا قائداً عليها، إلا إننا مع شديد الاسف نجد أغلب الفقهاء قد استخدموا العقل في موارد قد نهى الشرع عنها واقبح ما استخدم به العقل هو التشريع، أي جعله مصدرا من مصادر التشريع في الإسلام دون دليل يُذكر وقد علمنا في مبحث الإجتهاد ان الأنبياء (ع) لم يستخدموا العقل في معرفة الشرع وخير مثال ما حصل مع سيد الأنبياء والمرسلين محمد (ص) من السكوت في بعض الموارد حتى يعلم الوحي وقد اتفق كل المسلمين على كمال عقل النبي (ص) فلماذا لم يجز لرسول الله (ص) -مع كمال عقله- التشريع وهو سيد العقلاء ؟
    والحق يقال إن العقل قاصر عن إدراك العلل الإلهية للتشريع وقد يفهم العقل من خلال الشرع طبعاً بعض العلل لا كلها إلا إنه لا يمكنه القياس ولا الاستحسان ولا غيرها من الامور التي سنذكرها بالتفصيل إن شاء الله تعالى .
    أما الإمامية فقد نقلوا أيضاً الأحاديث والأخبار عن رسول الله (ص) وأهل البيت (ع) وقد أعطت أحاديث الإمامية نفس المعاني التي وردت في أحاديث العامة والتي ذكرناها قبل قليل ومن هذه الأحاديث ما جاء عن أبي عبد الله (ع) أنه سُئل : ﴿ما العقل ؟ قال (ع): ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان...﴾﴿ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 11
    وعنه (ع) أيضاً انه قال : ﴿من كان عاقلا " كان له دين ، ومن كان له دين دخل الجنة﴾﴿- المصدر السابق

    ولا يتصور الإنسان بأن عقله وحده يكفي لكي يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان، ولا يتصور أيضاً بأن العقل بمفرده يستطيع ان يكسب صاحبه الدين ويدخله الجنة، بل لا بد من ان يكون مع العقل علم يكتسبه من أبواب الله أي أنبيائه وأوليائه (ع) فقد سُئل أبي عبد الله (ع) من قِبل أحد الأصحاب قائلاً : ﴿فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره ؟ ﴾ فقال (ع): ﴿إن العاقل لدلالة عقله الذي جعله الله قوامه وزينته وهدايته ، علم أن الله هو الحق ، وأنه هو ربه ، وعلم أن لخالقه محبة ، وأن له كراهية ، وأن له طاعة ، وأن له معصية ، فلم يجد عقله يدله على ذلك وعلم أنه لا يوصل إليه إلا بالعلم وطلبه ، وأنه لا ينتفع بعقله ، إن لم يصب ذلك بعلمه ، فوجب على العاقل طلب العلم والأدب الذي لا قوام له إلا به﴾﴿ - المصدر السابق - ص 29

    وقال أبي الحسن موسى (ع) لهشام أبن الحكم : ﴿ يا هشام إن العقل مع العلم فقال : " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"- المصدر السابق- ص 14

    ومما تقدم نفهم بأن العقل بمفرده لا يستطيع ان يعمل شيء أي بمعنى ان العقل إذا كان يجهل الامور لا يستطيع مع جهله ان يسلك السبيل الصحيح أما إذا ملئ العقل بالعلم وليس كل علم بل العلم الصحيح الذي جاء به أنبياء الله وأوليائه ﴿عليهم السلام﴾﴿ - راجع الباب الاول - الفصل الثالث مبحث ﴿وجوب معرفة مصدر العلم﴾ فعند ذلك يستطيع العقل مع العلم الذي فيه ان يكون دليل المؤمن وهو خير دليل وان يكون هو الحجة بين العباد وبين الله وان يكون عالم بمن يصدق على الله فيصدقه ومن يكذب على الله فيكذبه وهذه معاني كلها قد جاءت عن أهل بيت النبوة (ع) منها ما جاء عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : ﴿العقل دليل المؤمن﴾﴿ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 25﴾ وعنه (ع) أيضاً أنه قال: ﴿حجة الله على العباد النبي، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل﴾﴿ المصدر السابق﴾ وعنه (ع) أيضاً أنه قال: ﴿العقل ، يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه﴾﴿ - المصدر السابق
    إن الأحاديث الشريفة بهذا المعنى أكثر من أن تحصى وقد اتفقت كلها على ان العقل لا بد أن يكون طائعاً للشريعة الإسلامية منقاداً لأوامرها ونواهيها لا ان يكون قائداً عليها، وقد بينا في مبحث الإجتهاد عند الإمامية بأن العقل لا يمكن أن يكون مصدرا من مصادر التشريع لعجزه عن تبيان الكثير من علل التشريع الإسلامية، وقد صرح الفقهاء بهذا الموضوع في أكثر من مقام ولعل خير شاهداً على هذا الأمر وجود الكثير من الأحكام التعبدية والمقصود من التعبد هو عدم العلم بعلة الحكم فيكون تنفيذ الأوامر تعبداً وقد ذكر الدكتور أحمد فتح الله في معجم ألفاظ الفقه الجعفري التعبد قائلاً : ﴿ ﴿ التعبدي ﴾ ما لا تدرك علته من الأمور العبادية ، ولكن يؤتى به لأنه تكليف، مثل عدد الصلوات، أو عدد الركعات، أو الطواف سبعة أشواط ، وغيرها﴾﴿ - معجم ألفاظ الفقه الجعفري - الدكتور أحمد فتح الله - ص 115﴾. ﴾.
    إن مسألة التعبد من المسائل الموجودة بكثرة في التشريع الإسلامي وعليه فإذا كان العقل عاجز عن إدراك الكثير من علل الشريعة الإسلامية وينفذ الأحكام تعبداً لا علماً بعلتها فكيف يمكن مع هذا العجز أن يكون مصدراً للتشريع في الإسلام ؟!
    بل الأكثر من هذا كيف يمكن ان يستنبط العقل العلة أو يفترضها أستحساناً منه مع عدم تصريح الشريعة الإسلامية بها كما هو الحال في قياس تنقيح المناط أو الاستحسان وغيرها من الامور التي سوف نأتي على بيانها بالتفصيل فيما يأتي إن شاء الله تعالى .

    شبهة لا بد من أزاحتها :
    لم يُسمِ أغلب فقهاء العامة بشكل صريح الدليل العقلي بانه مصدر كاشف عن التشريع إذ لم يفرد له باباً في أصول الفقه عند الاعم الأغلب من فقهاء العامة خلافاً للإمامية وبعض المعتزلة، وقولنا الأعم الأغلب لأن منهم من صرح به إلا إنهم لا يشكلون إلا نسبة قليلة كما سيأتي في محله .
    إن مصادر التشريع أو ما يسمى عند الفقهاء بأدلة الشرع تنحصر بأبواب كثيرة منها الكتاب والسُنة النبوية والإجماع والقياس، والمصالح المرسلة والإستصحاب والبراءة الأصلية والعوائد -أي العادات- والإستقراء وسد الذرائع والإستحسان والأخذ بالأخف وغيرها﴿ رسالة في رعاية المصلحة - نجم الدين الطوفي - ضمن كتاب مصادر التشريع الإسلامي في ما لا نص فيه لعبد الوهاب - ص109ـ110﴾ وقد أختلف الفقهاء في حجية هذه الأدلة غاية الاختلاف إلا أن الغريب انهم لم يفردوا باباً بعنوان الدليل العقلي كما فعل الإمامية وغيرهم .
    إن الدليل العقلي قد ورد ضمن أنواع الأدلة عند فقهاء العامة كالاستصحاب والبراءة والاستحسان وغيرها وقد يضم الدليل العقلي أكثر من مصدر من مصادر التشريع - إن لم نقل أغلبها - عندهم أي بمعنى ادق إن الدليل العقلي عند فقهاء العامة هو عبارة عن مجموعة من مصادر التشريع، إذ لم يَفردوا له باباً مستقلاً في أصول الفقه الا من شذ منهم، ولذلك قد يجد القارئ الكريم إستدلالاً لفقيه من فقهاء العامة تحت عنوان الدليل العقلي وهذا يعني عندهم إما استصحاب أو براءة أو تحسين أو تقبيح عقلي أو استحسان أو غيرها من المصادر التي تندرج تحت عنوان الدليل العقلي .
    إن الحق يقال بأن فقهاء العامة قد أستخدموا الدليل العقلي أكثر من غيرهم باضعاف ولكن دون ان يعطوه في أغلب الاحيان هذا العنوان، بل أعطوه عناوين أخرى للتمويه وهذه هي الشبهة التي أردنا ازاحتها وقد تمسك بها أغلب الكُتاب وسيعلم القارئ الكريم فيما يلي المقدار الكبير لاستخدام العقل عن فقهاء العامة .

    أول من صرح بتحكيم العقل :
    لا يسع الباحث أن يحدد وبشكل صريح أول من أستعمل الدليل العقلي في التشريع بشكل مستقل عن النصوص والأخبار. إلا إننا يمكن ان نذكر اقدم هذه التصريحات وهو ما ينسب لواصل بن عطاء المتوفي سنة131 هـ مؤسس مذهب المعتزلة حيث قال ما هذا نصه : ﴿الحق يعرف من وجوه أربعة؛ كتاب ناطق، وخبر مجمع عليه، وحجة عقل، وإجماع من الأمة﴾﴿ - نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام - علي سامي النشار- ج1- ص395

    وقد ذكر أبو بكر الباقلاني المتوفي سنة 402 هـ أيضاً العقل كأصل من مصادر التشريع حيث حصر مصادر التشريع بخمسة وهي الكتاب والسُنة والإجماع والقياس والإجتهاد والعقل﴿ - الانصاف في ما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به - ابو بكر الباقلاني - ص19ـ20
    وقد ذكر الرازي قول الغزالي المتوفى سنة 505 هـ في كتابه الأصولي المسمى بالمحصول حيث قال : ﴿قال الغزالي رحمه الله مدارك الأحكام أربعة الكتاب والسُنة والإجماع والعقل ﴾﴿ - المحصول - الرازي - ج 6 - ص 23﴾.
    وقال أبن قدامة المقدسي المتوفي سنة 620هـ : ﴿ مهما علم الإنسان أنه قد بلغ وسعه فلم يجد فله الرجوع إلى دليل العقل ﴾﴿ روضة الناضر وجنة المناظر - بن قدامة المقدسي – ص 156

    وقال العز بن عبد السلام ﴿المتوفى سنة 660هـ﴾ : ﴿من أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحها ومرجوحها فليعرض ذلك على عقله، بتقدير ان الشرع لم يرد به ثم يبني عليه الأحكام، فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك الا ما تعبد الله به عباده ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته﴾﴿ - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - العز بن عبد السلام - فصل في بيان جلب مصالح الدارين ودرء مفاسدهما على الظنون وقد نقل الشاطبي قول العز بن عبد السلام دون ذكر اسمه، وعلّق عليه عبد الله دراز معتبراً رأيه اشبه بمذهب المعتزلة ﴿الموافقات، ج2، ص48﴾

    إن قول العز بن عبد السلام فيه تناقض كبير حيث انه قد أرجع كل الأحكام إلى العقل مع اعترافه بأن العقل عاجز عن معرفة علة الأحكام التي لم يخبر الله بها عباده، فكيف يستقيم المعنيين ؟ فإذا كان العقل قادر على تعيين المصلحة والمفسدة في جميع الأحكام كان من الطبيعي ان يعرف العلة من الأحكام التعبدية، إلا أن العز بن عبد السلام عاجز بعقله - كما هو الحال عند كل الفقهاء - ان يعرف العلة من هذه الأحكام وهذا تناقض واضح .
    إن العز بن عبد السلام اعتاد هو وغيره على التناقض في القول وهذا هو سبيل من يتخذ العقل القاصر كحجة دون علم مسبق، فقد قرأنا ما صرح به قبل قليل إلا أن هذا القول قد ناقضه بقول ثاني وهو قوله : ﴿أما مصالح الدارين وأسبابها ومفاسدها فلا تعرف الا بالشرع﴾﴿ - نفس المصدر السابق

    إن مصادر التشريع عند فقهاء العامة تندرج بشكل عام تحت عنوان ﴿الكتاب والسُنة والإجماع والعقل﴾ أما التفريع فإن أغلب المصادر الأخرى بل كلها يندرج تحت دليل العقل كما أن القدرية والمعتزلة وغيرهم من فرق العامة قد أنكروا أخبار الآحاد غاية الانكار وعولوا على دليل العقل﴿ - صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام - جلال الدين السيوطي -ص149 ﴾ فكيف يستقيم القولين ؟؟﴾، حتى قدموا الدليل العقلي على أخبار السُنة الشريفة إذا كانت من جهة الاحاد، وقد بينا بأن جل أخبار السُنة هي أخبار آحاد، وقد أنكر عليهم الشافعي هذا الاتجاه في كتابه ﴿الأم﴾ ورسالة ﴿جماع العلم﴾﴿ - الأم – الشافعي – ج7 / جماع العلم - الشافعي﴾.

    تناقض الأقوال :
    بعد أن بينا بشكل موجز إعتماد أغلب الفقهاء على الدليل العقلي نحب أن نبين أقوال أخرى تناقضت مع ما قرأنا قبل قليل، وقبل أن ندخل بتفاصيل الدليل العقلي عند الفقهاء نحب أن نبين هذه الأقوال لكي يكتشف القارى زيفها بعد أن يقرأ البحث كاملاً .
    قال يس سويلم طه في كتابه ﴿مختصر صفوة البيان في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول﴾ بأن العقل لا يمكنه إدراك أدلة الأحكام بذاته، وان الفقهاء يحصرون التشريع في النصوص دون العقل﴿مختصر صفوة البيان في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول - يس سويلم طه - ج1- ص29 ﴾ وقال محمد سلام مذكور بانه لم يكن للعقل البشري صلاحية الاستقلال بالحكم عند جميع المسلمين بما في ذلك المعتزلة إذ لم يثبت عنهم اعتبار العقل حاكماً في المقام﴿ - مباحث الحكم عند الاصوليين - محمد سلام مدكور - ج1 - ص 162 ﴾ .
    إن هذه الأقوال وأقوال أخرى تركناها مراعاة للاختصار لا تتناسب مع الواقع الذي عليه كتب الأصول عند فقهاء العامة إطلاقاً وعليه اما ان يكون هؤلاء الكُتاب جاهلين بأصول أئمتهم أو انهم يريدون تضليل الناس بأن أئمة الفقه والأصول عندهم لا يقولون الا بالكتاب والسُنة، وهذا خلاف الواقع عند فقهاء العامة على وجه الخصوص كما سيتبين للقارئ الكريم إن شاء الله تعالى .
    بعد ما تقدم من البيان نقول : سوف نطرح الآن أختصاراً للبيان، ثلاثة مصادر فقط وهي ﴿الاستحسان التحسين والتقبيح العقليين القياس﴾.
    هذه المصادر أعتمدها الفقهاء الأصوليون والتي تعتمد وبشكل كبير على عقل الفقيه بالدرجة الأساس وسنبين الآراء في كل أصل اعتمدوه مع مراعاة ما ذهب إليه فقهاء الإمامية أيضاً من موافقتهم لآراء فقهاء العامة في هذه المصادر التي اعتمدوها في ممارستهم لما يسمونه بعملية الاستنباط، ولكي يكون الأمر واضح عند القارئ الكريم سنفصل الكلام بما يستوعبه المقام مع الاختصار إن شاء الله تعالى .
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى
يعمل...
X