نقلا عن كتاب سقيفة الغيبة
التحسين والتقبيح العقليين عند فقهاء العامة
شغلت مسألة التحسين والتقبيح العقلي مساحة واسعة عند الفلاسفة والمتكلمين ثم بدأت هذه المسألة تدخل في ابحاث الأصوليين فيما بعد حتى احتلت مساحة واسعة من الكتب الأصولية تحديداً في الدليل العقلي لارتباط هاتين المسألتين بالعقل الإنساني .
بعد أن دخلت مسألة التحسين والتقبيح في الكتب الأصولية ثم الفقهية بدأ النزاع بين الفقهاء في حجيتهما حتى أختلف الفقهاء فيهما إلى أقوال كثيرة وآراء متباينة فذهب قدماء المعتزلة إلى القول : ﴿أن الأفعال: حسنها، وقبحها لذاتها﴾ والمتأخرون منهم قالوا : ﴿ليس القبح والحسن لذاته بل لصفة موجبة لأحدهما﴾﴿ - نظرية التكليف - ص 439.
وذهب الجبائي، وابنه والقاضي، وهم جميعاً من المعتزلة إلى : ﴿نفي الوصف الحقيقي للفعل بالحسن، والقبح ، وقالوا : ليس قبح الأفعال ، وحسنها لصفات حقيقية بل لوجوه اعتبارية وأوصاف إضافية بحسب الاعتبار، ومثل ذلك لطم اليتيم ، فإنه إذا كان تأديباً ، فهو حسن ، وإذا كان ظلماً ، فهو قبيح﴾﴿ - نفس المصدر السابق
وقال أبو الحسين البصري : ﴿إذا ثبت صفة في القبيح تقتضي قبحة، ولم يثبت ذلك في الحسن ، وقال يكفي لحسنه انتفاء صورة القبح عنه﴾﴿ - نفس المصدر السابق
واستدل على مذهبه بالقول : ﴿إنّ الحسن، والقبح لو لم يكونا عقليين ، لجاز الكذب على الله ، وأنبيائه لأن الكذب ليس قبيحاً في ذاته وإنما صفة القبح ثبتت له بالشرع ، وهذا باطل ويترتب عليه فساد الرسالات والأحكام﴾﴿- مباحث الحكم - ج 1 - ص 173 - نقلاً عن كتاب الأصول العامة - ص 295
أما الأشاعرة فقد قالوا : ﴿إنّ الحسن والقبح إنّما يستفادان من الشرع ، فكلما أمر الشرع به ، فهو حسن ، وكلما نهى عنه ، فهو قبيح ، ولولا الشرع لم يكن حسن ، ولا قبيح ، ولو أمر الله تعالى بما نهى عنه لأنقلب القبيح إلى الحسن﴾﴿- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - ص 327 ﴾.
إن الاشاعرة لم يجوزوا الحكم بالحسن والقبح على أي من الأفعال الإنسانية قبل أن يرد حكم هذه الأفعال من الشرع﴿ - نظرية التكليف - ص 437 ﴾ فإذا أمر الشرع بفعل كان ذلك الفعل حسن وإذا نهى الشرع عن أي فعل كان ذلك الفعل قبيح فليس للفعل حسن ولا قبح ذاتيان إنما الحسن ما ورد به الشرع والقبيح كذلك، فإذا قال الشرع ان الفعل كذا واجب أو مندوب أو مباح علمنا بانه حسن وإذا قال الشرع ان الفعل كذا محرم أو مكروه علمنا بأنه قبيح وعليه فإن وصف الأفعال لا يتم بالعقل بل بالشرع وهذا على حد مزاعم الاشاعرة .
وقد ذهب أبو حامد الغزالي إلى ما يشبه قول الاشاعرة في الحسن والقبح بل زاد في قوله حتى خلط وتعارض كلامه مع القرآن حيث قال ما هذا نصه : ﴿إن معرفة الله سبحانه وطاعته واجبة بإيجاب الله تعالى، وشرعه، لا بالعقل - خلافاً للمعتزلة... أن العقل لا يرشد إلى النافع، والضار من الأعمال، والأقوال، والأخلاق، والعقائد بالنسبة إلى الآخرة، ولا يدعو إلى شيء منها على سبيل الوجوب، ولا يفرق بين المشقى والمسعد كما لا يستقل بدرك خواص العقاقير، والأدوية﴾﴿ الاقتصاد في الاعتقاد: ص 197 نقلا عن منهج البحث عن المعرفة عند الغزالي ص 196
وقال أيضاً : ﴿الله وراء الحسن، والقبح، والخير، والشر، فليس الخير، والشر قيماً عقلية مطلقة كما يرى المعتزلة يضطر حتّى الله أن يتقيد بها، وإنّما إرادة الله المتمثلة بالشرع هي التي تعطيها الإطلاق، وتوجب على الإنسان التقيد بها﴾﴿ - منهج البحث عن المعرفة عند الغزالي - ص 195 ﴾ وقال أيضاً : ﴿أن لله عز وجل أيلام الخلق، وتعذبيهم من غير جرم سابق، ومن غير ثواب لاحق خلافا للمعتزلة". "وانه تعالى يفعل بعباده، ما يشاء، فلا يجب عليه رعاية الاصلح لعباده﴾﴿- أحياء علوم الدين – ج1 – ص 133 ﴾ كما أن الاشاعرة قالوا بأن الله تعالى قد فعل القبايح بأسرها من أنواع الظلم والشرك والجور والعدوان ورضي بها وأحبها ﴿ - شرح التجريد – القوشجي - ص 373
إن الكلام المتقدم فيه تجاسر كبير على الله تعالى حيث ان قوله الأول والذي فيه ان معرفة الله سبحانه واجبة بإيجاب الله تعالى ، وشرعه ، لا بالعقل والذي يبطل قوله هو قوله تعالى : ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾﴿ - سورة البقرة آية 164﴾. ﴾.
إن هذه الآيات عقلها الكثير من الناس وقد ذكرنا بأن أصل العبادة سواءً أكانت لله عز وجل أو للأصنام على اختلاف أنواعها كانت بسبب فطرة الانسان لعبادة الها خالقا له، وهذا كله ناشئ من إدراك العقل بأن وراء هذا الخلق العظيم خالق عظيم، والا ما تمسك البشر بالعبادة من الأساس سواءً كانت للأصنام ام لله وعليه ان العقل الإنساني يدرك بأن للكون خالق وإذا كان العقل لا يدرك ذلك فلماذا قدم الله الآيات التي تدل على وجوده مخاطبا الذين يعقلون ؟ بل أن الذي يؤكد بأن العقل يدرك وجود الله هو قوله تعالى : ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾.
أما قوله بأن الله وراء القبح والشر فالذي يبطل قوله العديد من الآيات التي تدل على ان الخير من الله والشر والقبح من نفوس العباد كقوله تعالى : ﴿ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ ﴾﴿ ﴾ وقوله تعالى : ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ﴾ وقوله تعالى : ﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾﴿وقوله تعالى : ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ وقوله تعالى : ﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأرسلنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً ﴾
قال القرطبي في تفسير الآية الاخيرة ما هذا نصه : ﴿والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته. أي ما أصابكم يا معشر الناس من خصب واتساع رزق فمن تفضل الله عليكم، وما أصابكم من جدب وضيق رزق فمن أنفسكم ، أي من أجل ذنوبكم وقع ذلك بكم﴾﴿ - تفسير القرطبي - القرطبي - ج 5 - ص 285﴾.
كما أن النعم كلها من الله كما قال تعالى : ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾فالسوء والشر لا ينسب إليه تعالى عن ذلك والشاهد قوله تعالى : ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
إن الآيات بهذا المعنى كثيرة جداً زيادة على الأحاديث الشريفة التي تنص على ان الخير من الله والشر من العباد وتعالى الله عن صدور الشر والقبيح منه .
ومما تقدم نفهم بأن فقهاء العامة أختلفوا فيما بينهم في مسألة التحسين والتقبيح العقليين فالمعتزلة ومن سار في ركبهم من الفرق الأخرى قد أقروا بأن العقل يمكنه ان يدرك الحسن والقبح من الأفعال إما الاشاعرة ومن سار في ركبهم أيضاً فقد أنكروا قدرة العقل على إدراك الحسن والقبح في الأفعال وسندع أكثر النقاش في هذه المسألة بعد أن نعرف آراء الإمامية في هذه المسألة .
التحسين والتقبيح العقليين عند فقهاء العامة
شغلت مسألة التحسين والتقبيح العقلي مساحة واسعة عند الفلاسفة والمتكلمين ثم بدأت هذه المسألة تدخل في ابحاث الأصوليين فيما بعد حتى احتلت مساحة واسعة من الكتب الأصولية تحديداً في الدليل العقلي لارتباط هاتين المسألتين بالعقل الإنساني .
بعد أن دخلت مسألة التحسين والتقبيح في الكتب الأصولية ثم الفقهية بدأ النزاع بين الفقهاء في حجيتهما حتى أختلف الفقهاء فيهما إلى أقوال كثيرة وآراء متباينة فذهب قدماء المعتزلة إلى القول : ﴿أن الأفعال: حسنها، وقبحها لذاتها﴾ والمتأخرون منهم قالوا : ﴿ليس القبح والحسن لذاته بل لصفة موجبة لأحدهما﴾﴿ - نظرية التكليف - ص 439.
وذهب الجبائي، وابنه والقاضي، وهم جميعاً من المعتزلة إلى : ﴿نفي الوصف الحقيقي للفعل بالحسن، والقبح ، وقالوا : ليس قبح الأفعال ، وحسنها لصفات حقيقية بل لوجوه اعتبارية وأوصاف إضافية بحسب الاعتبار، ومثل ذلك لطم اليتيم ، فإنه إذا كان تأديباً ، فهو حسن ، وإذا كان ظلماً ، فهو قبيح﴾﴿ - نفس المصدر السابق
وقال أبو الحسين البصري : ﴿إذا ثبت صفة في القبيح تقتضي قبحة، ولم يثبت ذلك في الحسن ، وقال يكفي لحسنه انتفاء صورة القبح عنه﴾﴿ - نفس المصدر السابق
واستدل على مذهبه بالقول : ﴿إنّ الحسن، والقبح لو لم يكونا عقليين ، لجاز الكذب على الله ، وأنبيائه لأن الكذب ليس قبيحاً في ذاته وإنما صفة القبح ثبتت له بالشرع ، وهذا باطل ويترتب عليه فساد الرسالات والأحكام﴾﴿- مباحث الحكم - ج 1 - ص 173 - نقلاً عن كتاب الأصول العامة - ص 295
أما الأشاعرة فقد قالوا : ﴿إنّ الحسن والقبح إنّما يستفادان من الشرع ، فكلما أمر الشرع به ، فهو حسن ، وكلما نهى عنه ، فهو قبيح ، ولولا الشرع لم يكن حسن ، ولا قبيح ، ولو أمر الله تعالى بما نهى عنه لأنقلب القبيح إلى الحسن﴾﴿- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - ص 327 ﴾.
إن الاشاعرة لم يجوزوا الحكم بالحسن والقبح على أي من الأفعال الإنسانية قبل أن يرد حكم هذه الأفعال من الشرع﴿ - نظرية التكليف - ص 437 ﴾ فإذا أمر الشرع بفعل كان ذلك الفعل حسن وإذا نهى الشرع عن أي فعل كان ذلك الفعل قبيح فليس للفعل حسن ولا قبح ذاتيان إنما الحسن ما ورد به الشرع والقبيح كذلك، فإذا قال الشرع ان الفعل كذا واجب أو مندوب أو مباح علمنا بانه حسن وإذا قال الشرع ان الفعل كذا محرم أو مكروه علمنا بأنه قبيح وعليه فإن وصف الأفعال لا يتم بالعقل بل بالشرع وهذا على حد مزاعم الاشاعرة .
وقد ذهب أبو حامد الغزالي إلى ما يشبه قول الاشاعرة في الحسن والقبح بل زاد في قوله حتى خلط وتعارض كلامه مع القرآن حيث قال ما هذا نصه : ﴿إن معرفة الله سبحانه وطاعته واجبة بإيجاب الله تعالى، وشرعه، لا بالعقل - خلافاً للمعتزلة... أن العقل لا يرشد إلى النافع، والضار من الأعمال، والأقوال، والأخلاق، والعقائد بالنسبة إلى الآخرة، ولا يدعو إلى شيء منها على سبيل الوجوب، ولا يفرق بين المشقى والمسعد كما لا يستقل بدرك خواص العقاقير، والأدوية﴾﴿ الاقتصاد في الاعتقاد: ص 197 نقلا عن منهج البحث عن المعرفة عند الغزالي ص 196
وقال أيضاً : ﴿الله وراء الحسن، والقبح، والخير، والشر، فليس الخير، والشر قيماً عقلية مطلقة كما يرى المعتزلة يضطر حتّى الله أن يتقيد بها، وإنّما إرادة الله المتمثلة بالشرع هي التي تعطيها الإطلاق، وتوجب على الإنسان التقيد بها﴾﴿ - منهج البحث عن المعرفة عند الغزالي - ص 195 ﴾ وقال أيضاً : ﴿أن لله عز وجل أيلام الخلق، وتعذبيهم من غير جرم سابق، ومن غير ثواب لاحق خلافا للمعتزلة". "وانه تعالى يفعل بعباده، ما يشاء، فلا يجب عليه رعاية الاصلح لعباده﴾﴿- أحياء علوم الدين – ج1 – ص 133 ﴾ كما أن الاشاعرة قالوا بأن الله تعالى قد فعل القبايح بأسرها من أنواع الظلم والشرك والجور والعدوان ورضي بها وأحبها ﴿ - شرح التجريد – القوشجي - ص 373
إن الكلام المتقدم فيه تجاسر كبير على الله تعالى حيث ان قوله الأول والذي فيه ان معرفة الله سبحانه واجبة بإيجاب الله تعالى ، وشرعه ، لا بالعقل والذي يبطل قوله هو قوله تعالى : ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾﴿ - سورة البقرة آية 164﴾. ﴾.
إن هذه الآيات عقلها الكثير من الناس وقد ذكرنا بأن أصل العبادة سواءً أكانت لله عز وجل أو للأصنام على اختلاف أنواعها كانت بسبب فطرة الانسان لعبادة الها خالقا له، وهذا كله ناشئ من إدراك العقل بأن وراء هذا الخلق العظيم خالق عظيم، والا ما تمسك البشر بالعبادة من الأساس سواءً كانت للأصنام ام لله وعليه ان العقل الإنساني يدرك بأن للكون خالق وإذا كان العقل لا يدرك ذلك فلماذا قدم الله الآيات التي تدل على وجوده مخاطبا الذين يعقلون ؟ بل أن الذي يؤكد بأن العقل يدرك وجود الله هو قوله تعالى : ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾.
أما قوله بأن الله وراء القبح والشر فالذي يبطل قوله العديد من الآيات التي تدل على ان الخير من الله والشر والقبح من نفوس العباد كقوله تعالى : ﴿ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ ﴾﴿ ﴾ وقوله تعالى : ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ﴾ وقوله تعالى : ﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾﴿وقوله تعالى : ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ وقوله تعالى : ﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأرسلنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً ﴾
قال القرطبي في تفسير الآية الاخيرة ما هذا نصه : ﴿والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته. أي ما أصابكم يا معشر الناس من خصب واتساع رزق فمن تفضل الله عليكم، وما أصابكم من جدب وضيق رزق فمن أنفسكم ، أي من أجل ذنوبكم وقع ذلك بكم﴾﴿ - تفسير القرطبي - القرطبي - ج 5 - ص 285﴾.
كما أن النعم كلها من الله كما قال تعالى : ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾فالسوء والشر لا ينسب إليه تعالى عن ذلك والشاهد قوله تعالى : ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
إن الآيات بهذا المعنى كثيرة جداً زيادة على الأحاديث الشريفة التي تنص على ان الخير من الله والشر من العباد وتعالى الله عن صدور الشر والقبيح منه .
ومما تقدم نفهم بأن فقهاء العامة أختلفوا فيما بينهم في مسألة التحسين والتقبيح العقليين فالمعتزلة ومن سار في ركبهم من الفرق الأخرى قد أقروا بأن العقل يمكنه ان يدرك الحسن والقبح من الأفعال إما الاشاعرة ومن سار في ركبهم أيضاً فقد أنكروا قدرة العقل على إدراك الحسن والقبح في الأفعال وسندع أكثر النقاش في هذه المسألة بعد أن نعرف آراء الإمامية في هذه المسألة .