منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني
القياس في العصور الإسلامية
بدأ بعض الأصحاب بالسير وراء القياس اللعين في زمن النبي (ص) إلا إنهم جهروا به بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) وخير دليل على ذلك هو ما بينته الروايات الشريفة والأخبار المروية عن رسول الله (ص) في ذم القياس في الشريعة، فقد جاء في الخبر عن أمير المؤمنين (ع) انه قال قال رسول الله (ص) : ﴿ قال الله عز وجل: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني﴾﴿الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 55 – 56 ﴾.
وبالرغم من ذم الرسول (ص) للقياس إلا أن الخليفة الثاني قد أجهر في إستعماله حين اوعز في كتابه إلى أبي موسى الأشعري قائلا : ﴿اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور عند ذلك بنظائرها واعمد إلى أقربها عند الله تعالى وأشبهها بالحق﴾﴿ صبح الأعشى ح 10 ص 194 بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج 7 - ص 9
ومن هذا الكتاب يتضح لنا التحريض على أستعمال القياس في القضاء والافتاء وهذا يدلنا أيضاً على أن باب الإجتهاد قد فتح في عصر الخلافة بعد وفاة الرسول الاكرم (ص) -كما بينا سابقا- وإستعماله مع القياس كأداة لوضع الأحكام الشرعية بغياب النص أو في قبال النص مما دفع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) للتصدي لهذه البدعة منذ ذلك الوقت قائلاً : ﴿من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 57 – 58﴾. ﴾.
إن النتيجة المتوقعة من إستعمال القياس وأبداء الآراء هو الاختلاف لا محالة فإن من يستخدم القياس سيقع في خلاف مع اقرانه الذين يستخدمون القياس فإن القائس يقيس من جهة معينة انحاز لها فهمه وعقله، وان فهم الناس ليس متساوي فما يفهمه المرء ليس بالضرورة أن يفهمه اخيه.
ومن هنا نجد القائسين في الدين في خلاف دائم فكلا يقيس من جهة، ومن هنا جاء البيان الصادق والتعريف اللائق من أبي عبد الله الصادق (ع) للقياس قائلاً : ﴿ ... فليس من شيء يعدله القياس ، إلا والقياس يكسره﴾﴿ - وسائل الشيعة – الحر العاملي - ج27 - ص60
﴾ .
وهذه هي النتيجة التي حصلت بالضبط فقد أصبح لأغلب الصحابة آراء يخالف بها بعضهم بعضاً وقد بينا بأن الرأي قد يستند إلى دليل ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الدليل ناهض مع العلل الإلهية للتشريع، فقد شهدنا بأن إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ قد قدم دليله والذي هو في وجهة نظره وفهمه شرعيا ولكنه بطبيعة الحال كان غير شرعي في حكم الله عز وجل، واذا عرضت واقعة إبليس على رجل قد درس الفقه وأصوله في المدرسة الإجتهادية القياسية بشرط انه لم يسمع بقصة إبليس لكي لا يكون له طابع نفسي في أصدار الحكم عليه وان كان هذا من المحال ولكن فرض المحال ليس بمحال كما يقولون لقال وفق قاعدة القياس أن إبليس أجتهد فأخطأ واستنبط فلم يصل إلى حقيقة الحكم ان لم يقل ان إبليس اجتهد فأصاب وهذا هو الواقع، لذلك عبر عنه الإمام الصادق (ع) قائلاً ﴿ ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين﴾ . والأمر ليس منحصر بإبليس فكل مستعمل للقياس أو ناطق برأي يكون مع ذلك مالك لدليل شرعي وعقلي في نظره، وهذا واضح في المجتهدين مع اختلافاتهم الكثيرة فكل يدعي وصلا بليلى أي كلا يدعي دليلاً مختلفاً .
وعلى العموم فقد شن الأئمة (ع) حرباً أشهروا فيها سلاح الدليل القرآني والرسالي الخالد بوجه من تعدى حدود الله واستعمل القياس الشيطاني بكل أنواعه وأصنافه التي صنفها إبليس لأتباعه فكانت الخطب والمناظرات بين الأئمة (ع) ومخالفيهم أشهر من ان تخفى فأقرها المخالف قبل الموالى وسمع بها الاصم قبل الصحيح ولعل من المناسب ذكر جملة من مناظرات الإمام الصادق (ع) مع أصحاب القياس والرأي والإجتهادات فمنها ما روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ﴿صلوات الله عليه﴾ أنه قال لأبي حنيفة وقد دخل عليه، قال له : ﴿ يا نعمان، ما الذي تعتمد عليه فيما لم تجد فيه نصا من كتاب الله ولا خبراً عن الرسول (ص) ؟ قال: أقيسه على ما وجدت من ذلك، قال له: إن أول من قاس إبليس فأخطأ إذ أمره الله عز وجل بالسجود لآدم، فقال: أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين، فرأى أن النار أشرف عنصرا من الطين، فخلده ذلك في العذاب المهين، أي نعمان، أيهما أطهر المنى أم البول ؟ قال المنى ، قال : فقد جعل الله عز وجل في البول الوضوء وفى المنى الغسل ، ولو كان يحمل على القياس لكان الغسل في البول ، وأيهما أعظم عند الله ، الزنا أم قتل النفس ؟ قال : قتل النفس، قال: فقد جعل الله عز وجل في قتل النفس شاهدين وفى الزنا أربعة ، ولو كان على القياس لكان الأربعة الشهداء في القتل ، لأنه أعظم ، وأيهما أعظم عند الله ، الصلاة أم الصوم ؟ قال : الصلاة ، قال : فقد أمر رسول الله (ص) الحائض أن تقضى الصوم ، ولا تقضى الصلاة ، ولو كان على القياس لكان الواجب أن تقضى الصلاة ، فاتق الله يا نعمان ، ولا تقس ، فإنا نقف غدا ، نحن وأنت ومن خالفنا ، بين يدي الله ، فيسألنا عن قولنا ، ويسألكم عن قولكم، فنقول: قلنا: قال الله وقال رسول الله، وتقول أنت وأصحابك: رأينا وقسنا، فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء﴾﴿ - دعائم الإسلام - القاضي النعمان المغربي - ج 1 - ص 91 ﴾.
وجاء أيضاً عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال لأبي حنيفة النعمان : ﴿أقائل بالرأي والقياس يا نعمان ؟ . بلغني أنك تعمل بالقياس، فأخبرني إن كنت مصيبا لم جعلت العين مالحة والمنخران رطبين والاذن مرة واللسان عذبا ؟ قال : لا أدرى ، فأخبرني جعلت فداك ، قال الصادق (ع): العين مالحة لأنها شحمة ولا تصلحها إلا الملوحة وجعل الانف رطبا لأنه مجرى الدماغ والنفس ، والاذن مرة لتقتل الدواب متى دخلتها ، وجعل اللسان عذبا لتعرف به طعوم الأشياء ، يا نعمان إذا لم تعرف ما جعل الله في بنيتك وأحكمه في صورتك لتمام منافعك فكيف تقيس على دين الله عز وجل فقال أخبرني ، جعلت فداك لم تقضى الحائض الصوم دون الصلاة ؟ فقال (ع): لأن الصلاة تتكرر . قال : أخبرني ، لم وجب الغسل من الجنابة والوضوء من الغائط ؟ قال : لأن الجنابة تخرج من سائر الجسد والغائط من مكان واحد ، قال : فأخبرني لم فضل الرجل في الفرائض على المرأة مع ضعفها وقوته ؟ قال : لأن الله سبحانه جعل الرجال قوامين على النساء ينفقون عليهن ، فقال أبو حنيفة : الله أعلم حيث يجعل رسالته ﴾﴿ - دعائم الإسلام - القاضي النعمان المغربي - ج 1 - هامش ص 91 ﴾ .
إن الروايات التي جاءت بهذا المعنى كثيرة أخذنا منها ما يفي بالغرض لتبيان معنى الاعتراض المعصومي لمن سلك مسلك القياس، ومما تقدم من الكلام يتضح مبدأ رسول الله (ص) وآله الاطهار الرافض لكل أنواع القياس والرأي في الشريعة ولكن ما الذي حدث لأتباع أهل البيت (ع) بعد غيبة ولي الله المهدي (ع) هذا ما سنتعرف عليه في المباحث التالية إن شاء الله تعالى .
القياس في العصور الإسلامية
بدأ بعض الأصحاب بالسير وراء القياس اللعين في زمن النبي (ص) إلا إنهم جهروا به بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) وخير دليل على ذلك هو ما بينته الروايات الشريفة والأخبار المروية عن رسول الله (ص) في ذم القياس في الشريعة، فقد جاء في الخبر عن أمير المؤمنين (ع) انه قال قال رسول الله (ص) : ﴿ قال الله عز وجل: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني﴾﴿الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 55 – 56 ﴾.
وبالرغم من ذم الرسول (ص) للقياس إلا أن الخليفة الثاني قد أجهر في إستعماله حين اوعز في كتابه إلى أبي موسى الأشعري قائلا : ﴿اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور عند ذلك بنظائرها واعمد إلى أقربها عند الله تعالى وأشبهها بالحق﴾﴿ صبح الأعشى ح 10 ص 194 بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج 7 - ص 9
ومن هذا الكتاب يتضح لنا التحريض على أستعمال القياس في القضاء والافتاء وهذا يدلنا أيضاً على أن باب الإجتهاد قد فتح في عصر الخلافة بعد وفاة الرسول الاكرم (ص) -كما بينا سابقا- وإستعماله مع القياس كأداة لوضع الأحكام الشرعية بغياب النص أو في قبال النص مما دفع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) للتصدي لهذه البدعة منذ ذلك الوقت قائلاً : ﴿من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 57 – 58﴾. ﴾.
إن النتيجة المتوقعة من إستعمال القياس وأبداء الآراء هو الاختلاف لا محالة فإن من يستخدم القياس سيقع في خلاف مع اقرانه الذين يستخدمون القياس فإن القائس يقيس من جهة معينة انحاز لها فهمه وعقله، وان فهم الناس ليس متساوي فما يفهمه المرء ليس بالضرورة أن يفهمه اخيه.
ومن هنا نجد القائسين في الدين في خلاف دائم فكلا يقيس من جهة، ومن هنا جاء البيان الصادق والتعريف اللائق من أبي عبد الله الصادق (ع) للقياس قائلاً : ﴿ ... فليس من شيء يعدله القياس ، إلا والقياس يكسره﴾﴿ - وسائل الشيعة – الحر العاملي - ج27 - ص60
﴾ .
وهذه هي النتيجة التي حصلت بالضبط فقد أصبح لأغلب الصحابة آراء يخالف بها بعضهم بعضاً وقد بينا بأن الرأي قد يستند إلى دليل ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الدليل ناهض مع العلل الإلهية للتشريع، فقد شهدنا بأن إبليس ﴿عليه اللعنة﴾ قد قدم دليله والذي هو في وجهة نظره وفهمه شرعيا ولكنه بطبيعة الحال كان غير شرعي في حكم الله عز وجل، واذا عرضت واقعة إبليس على رجل قد درس الفقه وأصوله في المدرسة الإجتهادية القياسية بشرط انه لم يسمع بقصة إبليس لكي لا يكون له طابع نفسي في أصدار الحكم عليه وان كان هذا من المحال ولكن فرض المحال ليس بمحال كما يقولون لقال وفق قاعدة القياس أن إبليس أجتهد فأخطأ واستنبط فلم يصل إلى حقيقة الحكم ان لم يقل ان إبليس اجتهد فأصاب وهذا هو الواقع، لذلك عبر عنه الإمام الصادق (ع) قائلاً ﴿ ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين﴾ . والأمر ليس منحصر بإبليس فكل مستعمل للقياس أو ناطق برأي يكون مع ذلك مالك لدليل شرعي وعقلي في نظره، وهذا واضح في المجتهدين مع اختلافاتهم الكثيرة فكل يدعي وصلا بليلى أي كلا يدعي دليلاً مختلفاً .
وعلى العموم فقد شن الأئمة (ع) حرباً أشهروا فيها سلاح الدليل القرآني والرسالي الخالد بوجه من تعدى حدود الله واستعمل القياس الشيطاني بكل أنواعه وأصنافه التي صنفها إبليس لأتباعه فكانت الخطب والمناظرات بين الأئمة (ع) ومخالفيهم أشهر من ان تخفى فأقرها المخالف قبل الموالى وسمع بها الاصم قبل الصحيح ولعل من المناسب ذكر جملة من مناظرات الإمام الصادق (ع) مع أصحاب القياس والرأي والإجتهادات فمنها ما روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ﴿صلوات الله عليه﴾ أنه قال لأبي حنيفة وقد دخل عليه، قال له : ﴿ يا نعمان، ما الذي تعتمد عليه فيما لم تجد فيه نصا من كتاب الله ولا خبراً عن الرسول (ص) ؟ قال: أقيسه على ما وجدت من ذلك، قال له: إن أول من قاس إبليس فأخطأ إذ أمره الله عز وجل بالسجود لآدم، فقال: أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين، فرأى أن النار أشرف عنصرا من الطين، فخلده ذلك في العذاب المهين، أي نعمان، أيهما أطهر المنى أم البول ؟ قال المنى ، قال : فقد جعل الله عز وجل في البول الوضوء وفى المنى الغسل ، ولو كان يحمل على القياس لكان الغسل في البول ، وأيهما أعظم عند الله ، الزنا أم قتل النفس ؟ قال : قتل النفس، قال: فقد جعل الله عز وجل في قتل النفس شاهدين وفى الزنا أربعة ، ولو كان على القياس لكان الأربعة الشهداء في القتل ، لأنه أعظم ، وأيهما أعظم عند الله ، الصلاة أم الصوم ؟ قال : الصلاة ، قال : فقد أمر رسول الله (ص) الحائض أن تقضى الصوم ، ولا تقضى الصلاة ، ولو كان على القياس لكان الواجب أن تقضى الصلاة ، فاتق الله يا نعمان ، ولا تقس ، فإنا نقف غدا ، نحن وأنت ومن خالفنا ، بين يدي الله ، فيسألنا عن قولنا ، ويسألكم عن قولكم، فنقول: قلنا: قال الله وقال رسول الله، وتقول أنت وأصحابك: رأينا وقسنا، فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء﴾﴿ - دعائم الإسلام - القاضي النعمان المغربي - ج 1 - ص 91 ﴾.
وجاء أيضاً عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال لأبي حنيفة النعمان : ﴿أقائل بالرأي والقياس يا نعمان ؟ . بلغني أنك تعمل بالقياس، فأخبرني إن كنت مصيبا لم جعلت العين مالحة والمنخران رطبين والاذن مرة واللسان عذبا ؟ قال : لا أدرى ، فأخبرني جعلت فداك ، قال الصادق (ع): العين مالحة لأنها شحمة ولا تصلحها إلا الملوحة وجعل الانف رطبا لأنه مجرى الدماغ والنفس ، والاذن مرة لتقتل الدواب متى دخلتها ، وجعل اللسان عذبا لتعرف به طعوم الأشياء ، يا نعمان إذا لم تعرف ما جعل الله في بنيتك وأحكمه في صورتك لتمام منافعك فكيف تقيس على دين الله عز وجل فقال أخبرني ، جعلت فداك لم تقضى الحائض الصوم دون الصلاة ؟ فقال (ع): لأن الصلاة تتكرر . قال : أخبرني ، لم وجب الغسل من الجنابة والوضوء من الغائط ؟ قال : لأن الجنابة تخرج من سائر الجسد والغائط من مكان واحد ، قال : فأخبرني لم فضل الرجل في الفرائض على المرأة مع ضعفها وقوته ؟ قال : لأن الله سبحانه جعل الرجال قوامين على النساء ينفقون عليهن ، فقال أبو حنيفة : الله أعلم حيث يجعل رسالته ﴾﴿ - دعائم الإسلام - القاضي النعمان المغربي - ج 1 - هامش ص 91 ﴾ .
إن الروايات التي جاءت بهذا المعنى كثيرة أخذنا منها ما يفي بالغرض لتبيان معنى الاعتراض المعصومي لمن سلك مسلك القياس، ومما تقدم من الكلام يتضح مبدأ رسول الله (ص) وآله الاطهار الرافض لكل أنواع القياس والرأي في الشريعة ولكن ما الذي حدث لأتباع أهل البيت (ع) بعد غيبة ولي الله المهدي (ع) هذا ما سنتعرف عليه في المباحث التالية إن شاء الله تعالى .