نقلا عن كتاب سقيفة الغبية المستوحى من فكر السيد القحطاني
الروايات والأحاديث الدالة على بطلان القياس :
نحب في بداية الكلام أن نرد على ضوابط القياس التي اخترعها الفقهاء حيث تقدم في كلام الشافعي أنه يقدم الإجماع ثم يلجأ إلى القياس في حالة فقدان النص الشرعي، والذي يدفع قوله أنه لو كان صحيحاً ما ذهب إليه لما أمرنا رسول الله بالتوقف في الشبهات فقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال: ﴿ حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك من ترك الشبهات فهو للحرام أترك ومحارم الله حمى فمن أرتع حول الحمى كان قمنا أن يرتع فيه﴾﴿مسند احمد - احمد بن حنبل - ج 4 - ص 267 ﴾.
فلو كانت هذه الضابطة صحيحة من الأساس لأمرنا رسول الله (ص) بالقياس ووضح لنا ضوابطه وحدوده، وهو القائل باكمال الدين واتمام النعمة علينا، فلماذا لم يُذكر القياس بخير في أحاديثه الشريفة بل لم يأتِ ذكر القياس في كاتب الله كما قال الفقهاء فمن اين جئتم به أذن ؟
أما الضابط الثاني هو أن يصدر القياس من فقيه مؤهل، قد استجمع شروط الإجتهاد فالذي يدفع هذه الضابطة هو اختلاف الفقهاء المؤهلين في قياسهم فمنهم من قاس على وجه ومنهم من قاس على وجهاً آخر فأختلفوا في قياسهم وبالتالي اختلفوا في حكمهم الصادر فأصبحت أقوالهم مختلفة والأمثلة على ذلك كثيرة جداً قد ضجت بها كتبهم الفقهية وهذا ما لا يرضاه الله للمسلمين جميعاً، فقد ذم الله الاختلاف في كتابه وذم المختلفين في دينهم في أكثر من آية منها قوله تعالى : ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾﴿ ﴾ وقوله عز وجل : ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ وقوله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾﴿ ﴾ وقوله تعالى : ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ وقال تعالى : ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.
فهل بقي أوضح من هذا البرهان أو أشفى من هذا البيان، وقد أخبرنا الله تعالى إن من خلقه من هم أهلاً للاختلاف ووقودا للفرقة والتحزب ، وحذرنا أن نكون منهم، واستثنى أهل رحمته لنواضب على المسألة أن يجعلنا الله منهم فقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ .
وجاء عن أبن عباس انه قال: ﴿ أمر الله تعالى المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ﴾ وروي عن مرة الهمداني انه ذكر حال فضيل قائلا : ﴿ بكى فضيل ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : أخاف أن يكون الله منكم بريئا إني أسمع الله يقول: ﴿ إن الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعا لست منهم في شيء ﴾، فأخاف أن لا يكون الله منا في شيء﴾ . وقال أبو هريرة : نزلت هذه الآية في هذه الأمة﴾﴿ - الإبانة الكبرى - أبن بطة - ج1 - ص 152
فلو كان القياس صحيحاً من الأساس لما كانت نتيجته مذمومة فنتيجة القياس الاختلاف لا محالة والاختلاف مذموم بنص القرآن فإذا كان القياس هو الوسيلة إلى غاية خلاف الأمة كان ذمه والتبرء منه واجب على كل مسلم اعتنق الإسلام، فإن الخلاف والمختلفين في دينهم من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ولهم العذاب العظيم جزاء بما كانوا يعملون، فكيف نرضى على أنفسنا أن نسير في طريق قد وبخ الله سالكيه وتوعدهم بجهنم .
إن أمر القياس قد ذكر في كتب المتون بمواضيع ومقامات كثيرة منها ما ذكره البخاري في صحيحه فقد ذكر باباً تحت عنوان : ﴿باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري أولم يجب حتى ينزل عليه الوحي ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى بما أراك الله﴾ وهذا كله عنوان الباب الذي ذكر فيه ما جاء عن أبن مسعود قال : سُئل النبي (ص) عن الروح فسكت حتى نزلت الآية﴿-- صحيح البخاري ص 149
﴾ فإذا كان رسول الله (ص) لم يقل برأي ولا قياس فكيف جاز لكم ان تقولوا بالرأي والقياس ؟
وروى البخاري أيضاً عن علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت أبن المنكدر يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول : ﴿ مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فأتاني وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت فقلت يا رسول الله وربما قال سفيان فقلت أي رسول الله كيف اقضي في مالي كيف اصنع في مالي قال فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث﴾﴿ صحيح البخاري - ص149﴾.
فإذا كان رسول الله (ص) لم يجز له العمل بالقياس والرأي في معرفة الميراث فكيف جاز لنا العمل بالقياس في معرفة الأحكام، فهل عقل رسول الله (ص) قاصر عن إدراك القياس ام لم يدرك أنواع القياس وأقسامه التي وضعها الفقهاء بعقولهم القاصرة.
إن البخاري قد صرح في صحيحة وفي أبواب مختلفة بالنهي عن الرأي والعمل بالقياس ، فلا يمكن أن يراد بها إلا الطعن على أهل الرأي والقياس ومن هذه الأبواب :
1 - باب ما يكره من كثرة السؤال والتكلف بما لا يعنيه ، ولقوله تعالى : ﴿ ولا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ﴾ .
2 - باب الاقتداء بأفعال النبي (ص).
3 - باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم، والغلو في الدين، والبدع، لقوله تعالى: ﴿ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق﴾.
4 - باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس، ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾.
5 - ما كان النبي (ص) يسأل به مما لم ينزل عليه الوحي، فيقول: ﴿ لا أدري ﴾! ولم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل بالرأي والقياس، لقوله تعالى: ﴿ بما أراك الله ﴾. وقال أبن مسعود: « سُئل النبي (ص) عن الروح، فسكت حتى نزلت الآية».
6 - باب تعليم النبي (ص) أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل .
وإلى غير ذلك من الأبواب التي تظهر منها مخالفته لأهل الرأي والقياس .
وذكر البخاري في صحيحه باب الحائض تترك الصوم والصلاة قال أبو الزناد : ﴿ إن السُنن ووجوه الحق لتأتي كثيراً على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من إتباعها من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة حدثنا أبن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر قال حدثني زيد عن عياض عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال النبي (ص) أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك نقصان دينها﴾﴿ - صحيح البخاري - البخاري - ج 2 - ص 239
﴾ . وروى البخاري في صحيحه قائلا : حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ حَدَّثَنِي أبن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ أبن شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ (ص) فَقَالَ : ﴿ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا قَالَ فَأَنَّى تُرَى ذَلِكَ جَاءَهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِرْقٌ نَزَعَهَا قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ ﴾﴿ صحيح مسلم - مسلم النيسابوري - ج 4 - ص 212 \ صحيح البخاري - البخاري - ج 8 - ص 150
فأين القياس من هذه المسألة التي طرحت على رسول الله (ص) ؟
وروى البخاري ومسلم أيضاً عن عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ : ﴿بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ (ص) فِي حَرْثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَقَالَ مَا رَأْيُكُمْ إِلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ (ص) فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقُمْتُ مَقَامِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾﴿ - صحيح مسلم - مسلم النيسابوري - ج 8 - ص 128\ صحيح البخاري - البخاري - ج 5 - ص 228 - 229
ومن هذا الحديث وغيره من الوقائع التي تصف لنا حال رسول الله (ص) حين تأتيه مسألة فيسكت حتى يأتيه الوحي، فلم يستخدم القياس ولم يقل برأي عن نفسه.
وجاء عن رسول الله (ص) أنه قال: ﴿ تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب ، وبرهة بالسُنة وبرهة بالقياس ، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا﴾﴿ - المستصفى - الغزالي - ص 295 / المحصول
﴾ .﴾. ﴾ وهذا خير شاهد على ان هذه الأمة إذا عملت بالقياس أصبحت في عداد الضالين عن دينهم كما وصف رسول الله (ص) حال أمته وتفرقها وذكر حال الفرقة صاحبة الفتنة العظمى الا وهم أصحاب القياس فقد جاء عن رسول الله (ص) أنه قال : ﴿ تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمهم فتنة قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحللون الحرام﴾﴿ - المحصول - الرازي-ج 5 - ص 104 – 105/ المنتخب من علل الخلال-أبن قدامة المقدسي ج1ص13
﴾ وجاء في الخبر عن أبن مسعود انه ذكر ما سيتخذه الناس من جهلاء يستخدمون القياس في قوله: ﴿قراؤكم وصلحاؤكم يذهبون ، ويتخذ الناس رؤساء جهالا يقيسون ما لم يكن بما كان ﴾﴿ المستصفى - الغزالي - ص 289﴾ وجاء أيضاً عن أبن مسعود أنه قال : ﴿ ليس عام إلا الذي بعده شر منه ولا عام خير من عام ولا أمة خير من أمة ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ويحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فينهدم الإسلام وينثلم ﴾﴿رواه الطبراني ﴿المعجم الكبير - ج9 -ص105﴾ / وكذلك الدارمي ﴿السنن -ج1- ص65﴾ وأبن عبد البر﴿جامع بيان العلم -ج2 - ص165﴾ . وإسناد كل من الطبراني والدارمي جيد
﴾ وجاء عن أبن مسعود أنه قال : ﴿ لا تقيسوا شيئاً بشيء فتزل قدم بعد ثبوتها﴾﴿ اعلام الموقعين - أبن القيم - ج1 - ص 57
. وجاء عن عبد العزيز بن المطلب عن أبن مسعود أنه قال : ﴿ إنكم إن عملتم في دينكم بالقياس أحللتم كثيراً مما حرم عليكم وحرمتم كثيراً مما أحل لكم﴾﴿ - اعلام الموقعين - أبن القيم - ج1 - ص347 ﴾ .
ومما تقدم نجد بأن أبن مسعود قد وصف القياس بانه يزل القدم بعد ثبوتها كما وصف أصحاب القياس بالجهلاء الذين يهدمون الإسلام ويثلمونه بجهلهم الذي يحكومون به ويقيسون ما لم يكن بما قد كان . ومنه نفهم ان تحريم القياس قد ظهر على لسان صحابة رسول الله (ص) كما سنرى التحريم قد صدر من أكثر الصحابة والتابعين فقد جاء عن أبن عباس حبر الأمة انه قال : ﴿إن الله لم يجعل لأحد أن يحكم في دينه برأيه ، وقال الله تعالى لنبيه (ص) : ﴿ لتحكم بين الناس بما أراك الله ﴾﴿ ﴾ ولم يقل : بما رأيت . وقال أبن عباس أيضاً : ﴿إياكم والمقاييس ، فما عبدت الشمس إلا بالمقاييس ﴾﴿المستصفى - الغزالي - ص 289
﴾ وعن مسروق انه قال : ﴿لا أقيس شيئاً بشيء أخاف أن تزل قدمي بعد ثبوتها ﴾ وكان أبن سيرين يذم القياس ويقول : ﴿أول من قاس إبليس﴾ وقال الشعبي لرجل : ﴿لعلك من القياسيين﴾ وقال : ﴿إن أخذتم بالقياس أحللتم الحرام وحرمتم الحلال﴾﴿- المحصول - الرازي - ج 5 - ص 75 - 78
﴾ فثبت بهذه الروايات تصريح الصحابة والتابعين بإنكار الرأي والقياس.
وجاء عن أبو بكر الهذلي عن الشعبي انه قال: ﴿سمعت شريحا جاءه رجل من مراد، فقال : يا أبا أميد كم دية الأصابع ؟ قال: عشر عشر . قال : يا سبحان الله أسواء هاتان - وجمع بين الخنصر والابهام - ؟
فقال شريح : يا سبحان الله أسواء أذنك ويدك ؟ فإن الاذن تواريها العمامة ، والشعر والكمة فيها نصف الدية ، وفي اليد نصف الدية ، ويحك إن السُنة سبقت قياسكم فاتبع ولا تبتدع ، فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر .
قال أبو بكر : قال لي الشعبي : يا هذلي لو أن أحنفكم﴿- يريد الأحنف بن قيس التميمي ، شيخ بني تميم في البصرة﴾ قتل وهذا الصبي في مهده أكان ديتهما سواء ؟ قلت : نعم . قال : فأين القياس ﴾﴿ تهذيب الكمال - المزي - ج 12 - ص 442 ﴾.
ومن هنا نقول : إن الأحكام الشرعية وقعت على وجوه لا يمكن معها دخول القياس، فالذين يقولون بالقياس ويعولون عليه يقولون وجدنا الشرع وارداً باختلاف المتفقين واتفاق المختلفين بوجوب القضاء على الحائض في الصوم واسقاطه عنها في الصلاة وهي أوكد من الصوم، والوجوب على المسافر القضاء فيما قصر في الصوم واسقاطه عنه فيما قصر من الصلاة وكذلك وجوب الغسل بخروج المني وهو أنظف من البول والغايط اللذين يوجبان الطهارة فقط دون الغسل وكذلك إباحة النظر إلى الأمة الحسناء وإلى محاسنها وحظر ذلك من الحرة وإن كانت شوهاء فنقول : كيف يسوغ القياس وهذه حال الشريعة ؟ فإن كان القياس صحيحاً وجب تغيير ما ذكرناه وما تركناه، وإن كان القياس يخالف الشريعة وأحكامها وجب تركه والتبرء منه، وإذا كان القياس متصف بهذه الصفات كان بعيداً عن إدراك المصالح والمفاسد الإلهية التي أعتمدها المشرع في أصدار أحكامه وقوانينه. وإن كان أستخدامه جائز لأمرنا الله به.
لقد استدل أهل القياس بأحاديث قالوا بأنها تجوز العمل بالقياس في الشريعة، كحديث معاذ في إجتهاد الرأي ، فجعلوا القياس داخل تحت الإجتهاد ، فقالوا ما دام النص أجاز الإجتهاد فالقياس جائز أيضاً ! وقد بينا في مبحث الإجتهاد بطلان هذا الحديث الموضوع كما ان هذا الحديث متعارض مع حديث آخر وعن معاذ نفسه قد نقله أهل الحديث وقد بيناه في حينه.
أما ما استدل به الفقهاء على حجية القياس وهو قولهم بإجماع الصحابة على العمل به وهذا إجماع باطل، ولم يحصل أصلاً لأن الصحابة صح عنهم التحذير من القول على الله تعالى ورسوله (ص) بغير علم، والعلم هو اليقين، وما عداه ظن، والقياس ظن، فيكون القياس الفقهي داخلاً فيما أجمعوا على تحريمه، على أنهم قد صرحوا بالنهي عن العمل بالقياس فلو ثبت أن واحدا منهم قد نهى عن القياس بطل الإجماع فكيف وان الناهين عن العمل به كُثر فكيف يكون إجماعاً وقد صح نص فيه عن أبن مسعود والتحذير منه، وكيف يكون إجماعاً والشعبي يلقي القياس بالحش !! فأي إجماع هو ؟! ألا ينكر عليه أحد من الصحابة أو التابعين قوله هذا ؟ والذي يثبت من أقوال أكثر الصحابة أن القياس ليس بشرع ولا يلتفت إليه في الدين .
ولو صح إجماع الصحابة وفرض المحال ليس بمحال فواجب أن يصح عنهم أيضاً كيفية القياس وشروطه وأركانه ومسالكه وأنواعه فإن لم يكن بالنص فبالمعنى والشرح ولم نر صحابياً يشرحه لنا ولم نجد تابعياً يبينه لنا فكيف يكون معلوماً عندهم ويجمعون عليه ويتركون الأمة بلا بيان له حتى جاء الفقهاء بعد سنين عديدة ليبنوا لنا هذا البيان المفقود !
الروايات والأحاديث الدالة على بطلان القياس :
نحب في بداية الكلام أن نرد على ضوابط القياس التي اخترعها الفقهاء حيث تقدم في كلام الشافعي أنه يقدم الإجماع ثم يلجأ إلى القياس في حالة فقدان النص الشرعي، والذي يدفع قوله أنه لو كان صحيحاً ما ذهب إليه لما أمرنا رسول الله بالتوقف في الشبهات فقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال: ﴿ حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك من ترك الشبهات فهو للحرام أترك ومحارم الله حمى فمن أرتع حول الحمى كان قمنا أن يرتع فيه﴾﴿مسند احمد - احمد بن حنبل - ج 4 - ص 267 ﴾.
فلو كانت هذه الضابطة صحيحة من الأساس لأمرنا رسول الله (ص) بالقياس ووضح لنا ضوابطه وحدوده، وهو القائل باكمال الدين واتمام النعمة علينا، فلماذا لم يُذكر القياس بخير في أحاديثه الشريفة بل لم يأتِ ذكر القياس في كاتب الله كما قال الفقهاء فمن اين جئتم به أذن ؟
أما الضابط الثاني هو أن يصدر القياس من فقيه مؤهل، قد استجمع شروط الإجتهاد فالذي يدفع هذه الضابطة هو اختلاف الفقهاء المؤهلين في قياسهم فمنهم من قاس على وجه ومنهم من قاس على وجهاً آخر فأختلفوا في قياسهم وبالتالي اختلفوا في حكمهم الصادر فأصبحت أقوالهم مختلفة والأمثلة على ذلك كثيرة جداً قد ضجت بها كتبهم الفقهية وهذا ما لا يرضاه الله للمسلمين جميعاً، فقد ذم الله الاختلاف في كتابه وذم المختلفين في دينهم في أكثر من آية منها قوله تعالى : ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾﴿ ﴾ وقوله عز وجل : ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ وقوله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾﴿ ﴾ وقوله تعالى : ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ وقال تعالى : ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.
فهل بقي أوضح من هذا البرهان أو أشفى من هذا البيان، وقد أخبرنا الله تعالى إن من خلقه من هم أهلاً للاختلاف ووقودا للفرقة والتحزب ، وحذرنا أن نكون منهم، واستثنى أهل رحمته لنواضب على المسألة أن يجعلنا الله منهم فقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ .
وجاء عن أبن عباس انه قال: ﴿ أمر الله تعالى المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ﴾ وروي عن مرة الهمداني انه ذكر حال فضيل قائلا : ﴿ بكى فضيل ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : أخاف أن يكون الله منكم بريئا إني أسمع الله يقول: ﴿ إن الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعا لست منهم في شيء ﴾، فأخاف أن لا يكون الله منا في شيء﴾ . وقال أبو هريرة : نزلت هذه الآية في هذه الأمة﴾﴿ - الإبانة الكبرى - أبن بطة - ج1 - ص 152
فلو كان القياس صحيحاً من الأساس لما كانت نتيجته مذمومة فنتيجة القياس الاختلاف لا محالة والاختلاف مذموم بنص القرآن فإذا كان القياس هو الوسيلة إلى غاية خلاف الأمة كان ذمه والتبرء منه واجب على كل مسلم اعتنق الإسلام، فإن الخلاف والمختلفين في دينهم من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ولهم العذاب العظيم جزاء بما كانوا يعملون، فكيف نرضى على أنفسنا أن نسير في طريق قد وبخ الله سالكيه وتوعدهم بجهنم .
إن أمر القياس قد ذكر في كتب المتون بمواضيع ومقامات كثيرة منها ما ذكره البخاري في صحيحه فقد ذكر باباً تحت عنوان : ﴿باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري أولم يجب حتى ينزل عليه الوحي ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى بما أراك الله﴾ وهذا كله عنوان الباب الذي ذكر فيه ما جاء عن أبن مسعود قال : سُئل النبي (ص) عن الروح فسكت حتى نزلت الآية﴿-- صحيح البخاري ص 149
﴾ فإذا كان رسول الله (ص) لم يقل برأي ولا قياس فكيف جاز لكم ان تقولوا بالرأي والقياس ؟
وروى البخاري أيضاً عن علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت أبن المنكدر يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول : ﴿ مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فأتاني وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت فقلت يا رسول الله وربما قال سفيان فقلت أي رسول الله كيف اقضي في مالي كيف اصنع في مالي قال فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث﴾﴿ صحيح البخاري - ص149﴾.
فإذا كان رسول الله (ص) لم يجز له العمل بالقياس والرأي في معرفة الميراث فكيف جاز لنا العمل بالقياس في معرفة الأحكام، فهل عقل رسول الله (ص) قاصر عن إدراك القياس ام لم يدرك أنواع القياس وأقسامه التي وضعها الفقهاء بعقولهم القاصرة.
إن البخاري قد صرح في صحيحة وفي أبواب مختلفة بالنهي عن الرأي والعمل بالقياس ، فلا يمكن أن يراد بها إلا الطعن على أهل الرأي والقياس ومن هذه الأبواب :
1 - باب ما يكره من كثرة السؤال والتكلف بما لا يعنيه ، ولقوله تعالى : ﴿ ولا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ﴾ .
2 - باب الاقتداء بأفعال النبي (ص).
3 - باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم، والغلو في الدين، والبدع، لقوله تعالى: ﴿ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق﴾.
4 - باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس، ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾.
5 - ما كان النبي (ص) يسأل به مما لم ينزل عليه الوحي، فيقول: ﴿ لا أدري ﴾! ولم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل بالرأي والقياس، لقوله تعالى: ﴿ بما أراك الله ﴾. وقال أبن مسعود: « سُئل النبي (ص) عن الروح، فسكت حتى نزلت الآية».
6 - باب تعليم النبي (ص) أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل .
وإلى غير ذلك من الأبواب التي تظهر منها مخالفته لأهل الرأي والقياس .
وذكر البخاري في صحيحه باب الحائض تترك الصوم والصلاة قال أبو الزناد : ﴿ إن السُنن ووجوه الحق لتأتي كثيراً على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من إتباعها من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة حدثنا أبن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر قال حدثني زيد عن عياض عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال النبي (ص) أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك نقصان دينها﴾﴿ - صحيح البخاري - البخاري - ج 2 - ص 239
﴾ . وروى البخاري في صحيحه قائلا : حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ حَدَّثَنِي أبن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ أبن شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ (ص) فَقَالَ : ﴿ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا قَالَ فَأَنَّى تُرَى ذَلِكَ جَاءَهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِرْقٌ نَزَعَهَا قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ ﴾﴿ صحيح مسلم - مسلم النيسابوري - ج 4 - ص 212 \ صحيح البخاري - البخاري - ج 8 - ص 150
فأين القياس من هذه المسألة التي طرحت على رسول الله (ص) ؟
وروى البخاري ومسلم أيضاً عن عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ : ﴿بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ (ص) فِي حَرْثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَقَالَ مَا رَأْيُكُمْ إِلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ (ص) فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقُمْتُ مَقَامِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾﴿ - صحيح مسلم - مسلم النيسابوري - ج 8 - ص 128\ صحيح البخاري - البخاري - ج 5 - ص 228 - 229
ومن هذا الحديث وغيره من الوقائع التي تصف لنا حال رسول الله (ص) حين تأتيه مسألة فيسكت حتى يأتيه الوحي، فلم يستخدم القياس ولم يقل برأي عن نفسه.
وجاء عن رسول الله (ص) أنه قال: ﴿ تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب ، وبرهة بالسُنة وبرهة بالقياس ، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا﴾﴿ - المستصفى - الغزالي - ص 295 / المحصول
﴾ .﴾. ﴾ وهذا خير شاهد على ان هذه الأمة إذا عملت بالقياس أصبحت في عداد الضالين عن دينهم كما وصف رسول الله (ص) حال أمته وتفرقها وذكر حال الفرقة صاحبة الفتنة العظمى الا وهم أصحاب القياس فقد جاء عن رسول الله (ص) أنه قال : ﴿ تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمهم فتنة قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحللون الحرام﴾﴿ - المحصول - الرازي-ج 5 - ص 104 – 105/ المنتخب من علل الخلال-أبن قدامة المقدسي ج1ص13
﴾ وجاء في الخبر عن أبن مسعود انه ذكر ما سيتخذه الناس من جهلاء يستخدمون القياس في قوله: ﴿قراؤكم وصلحاؤكم يذهبون ، ويتخذ الناس رؤساء جهالا يقيسون ما لم يكن بما كان ﴾﴿ المستصفى - الغزالي - ص 289﴾ وجاء أيضاً عن أبن مسعود أنه قال : ﴿ ليس عام إلا الذي بعده شر منه ولا عام خير من عام ولا أمة خير من أمة ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ويحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فينهدم الإسلام وينثلم ﴾﴿رواه الطبراني ﴿المعجم الكبير - ج9 -ص105﴾ / وكذلك الدارمي ﴿السنن -ج1- ص65﴾ وأبن عبد البر﴿جامع بيان العلم -ج2 - ص165﴾ . وإسناد كل من الطبراني والدارمي جيد
﴾ وجاء عن أبن مسعود أنه قال : ﴿ لا تقيسوا شيئاً بشيء فتزل قدم بعد ثبوتها﴾﴿ اعلام الموقعين - أبن القيم - ج1 - ص 57
. وجاء عن عبد العزيز بن المطلب عن أبن مسعود أنه قال : ﴿ إنكم إن عملتم في دينكم بالقياس أحللتم كثيراً مما حرم عليكم وحرمتم كثيراً مما أحل لكم﴾﴿ - اعلام الموقعين - أبن القيم - ج1 - ص347 ﴾ .
ومما تقدم نجد بأن أبن مسعود قد وصف القياس بانه يزل القدم بعد ثبوتها كما وصف أصحاب القياس بالجهلاء الذين يهدمون الإسلام ويثلمونه بجهلهم الذي يحكومون به ويقيسون ما لم يكن بما قد كان . ومنه نفهم ان تحريم القياس قد ظهر على لسان صحابة رسول الله (ص) كما سنرى التحريم قد صدر من أكثر الصحابة والتابعين فقد جاء عن أبن عباس حبر الأمة انه قال : ﴿إن الله لم يجعل لأحد أن يحكم في دينه برأيه ، وقال الله تعالى لنبيه (ص) : ﴿ لتحكم بين الناس بما أراك الله ﴾﴿ ﴾ ولم يقل : بما رأيت . وقال أبن عباس أيضاً : ﴿إياكم والمقاييس ، فما عبدت الشمس إلا بالمقاييس ﴾﴿المستصفى - الغزالي - ص 289
﴾ وعن مسروق انه قال : ﴿لا أقيس شيئاً بشيء أخاف أن تزل قدمي بعد ثبوتها ﴾ وكان أبن سيرين يذم القياس ويقول : ﴿أول من قاس إبليس﴾ وقال الشعبي لرجل : ﴿لعلك من القياسيين﴾ وقال : ﴿إن أخذتم بالقياس أحللتم الحرام وحرمتم الحلال﴾﴿- المحصول - الرازي - ج 5 - ص 75 - 78
﴾ فثبت بهذه الروايات تصريح الصحابة والتابعين بإنكار الرأي والقياس.
وجاء عن أبو بكر الهذلي عن الشعبي انه قال: ﴿سمعت شريحا جاءه رجل من مراد، فقال : يا أبا أميد كم دية الأصابع ؟ قال: عشر عشر . قال : يا سبحان الله أسواء هاتان - وجمع بين الخنصر والابهام - ؟
فقال شريح : يا سبحان الله أسواء أذنك ويدك ؟ فإن الاذن تواريها العمامة ، والشعر والكمة فيها نصف الدية ، وفي اليد نصف الدية ، ويحك إن السُنة سبقت قياسكم فاتبع ولا تبتدع ، فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر .
قال أبو بكر : قال لي الشعبي : يا هذلي لو أن أحنفكم﴿- يريد الأحنف بن قيس التميمي ، شيخ بني تميم في البصرة﴾ قتل وهذا الصبي في مهده أكان ديتهما سواء ؟ قلت : نعم . قال : فأين القياس ﴾﴿ تهذيب الكمال - المزي - ج 12 - ص 442 ﴾.
ومن هنا نقول : إن الأحكام الشرعية وقعت على وجوه لا يمكن معها دخول القياس، فالذين يقولون بالقياس ويعولون عليه يقولون وجدنا الشرع وارداً باختلاف المتفقين واتفاق المختلفين بوجوب القضاء على الحائض في الصوم واسقاطه عنها في الصلاة وهي أوكد من الصوم، والوجوب على المسافر القضاء فيما قصر في الصوم واسقاطه عنه فيما قصر من الصلاة وكذلك وجوب الغسل بخروج المني وهو أنظف من البول والغايط اللذين يوجبان الطهارة فقط دون الغسل وكذلك إباحة النظر إلى الأمة الحسناء وإلى محاسنها وحظر ذلك من الحرة وإن كانت شوهاء فنقول : كيف يسوغ القياس وهذه حال الشريعة ؟ فإن كان القياس صحيحاً وجب تغيير ما ذكرناه وما تركناه، وإن كان القياس يخالف الشريعة وأحكامها وجب تركه والتبرء منه، وإذا كان القياس متصف بهذه الصفات كان بعيداً عن إدراك المصالح والمفاسد الإلهية التي أعتمدها المشرع في أصدار أحكامه وقوانينه. وإن كان أستخدامه جائز لأمرنا الله به.
لقد استدل أهل القياس بأحاديث قالوا بأنها تجوز العمل بالقياس في الشريعة، كحديث معاذ في إجتهاد الرأي ، فجعلوا القياس داخل تحت الإجتهاد ، فقالوا ما دام النص أجاز الإجتهاد فالقياس جائز أيضاً ! وقد بينا في مبحث الإجتهاد بطلان هذا الحديث الموضوع كما ان هذا الحديث متعارض مع حديث آخر وعن معاذ نفسه قد نقله أهل الحديث وقد بيناه في حينه.
أما ما استدل به الفقهاء على حجية القياس وهو قولهم بإجماع الصحابة على العمل به وهذا إجماع باطل، ولم يحصل أصلاً لأن الصحابة صح عنهم التحذير من القول على الله تعالى ورسوله (ص) بغير علم، والعلم هو اليقين، وما عداه ظن، والقياس ظن، فيكون القياس الفقهي داخلاً فيما أجمعوا على تحريمه، على أنهم قد صرحوا بالنهي عن العمل بالقياس فلو ثبت أن واحدا منهم قد نهى عن القياس بطل الإجماع فكيف وان الناهين عن العمل به كُثر فكيف يكون إجماعاً وقد صح نص فيه عن أبن مسعود والتحذير منه، وكيف يكون إجماعاً والشعبي يلقي القياس بالحش !! فأي إجماع هو ؟! ألا ينكر عليه أحد من الصحابة أو التابعين قوله هذا ؟ والذي يثبت من أقوال أكثر الصحابة أن القياس ليس بشرع ولا يلتفت إليه في الدين .
ولو صح إجماع الصحابة وفرض المحال ليس بمحال فواجب أن يصح عنهم أيضاً كيفية القياس وشروطه وأركانه ومسالكه وأنواعه فإن لم يكن بالنص فبالمعنى والشرح ولم نر صحابياً يشرحه لنا ولم نجد تابعياً يبينه لنا فكيف يكون معلوماً عندهم ويجمعون عليه ويتركون الأمة بلا بيان له حتى جاء الفقهاء بعد سنين عديدة ليبنوا لنا هذا البيان المفقود !