القياس عند الإمامية :
1- حال القياس في مدرسة آل محمد (ع):
إن المدرسة الإمامية القديمة كانت أيضاً من أشد المعارضين لاستعمال القياس كأداة خارج النصوص، مع وجود المحاولات العديدة من أصحاب الأئمة (ع) للعمل بالإجتهاد القياسي ولكنها جوبهت من قبل أهل البيت (ع) بالرفض والانكار وكما ذكرنا في مبحث الإجتهاد من أن محمد بن حكيم جاء يريد الرخصة بالقياس فنهاه الإمام (ع) عنه قائلاً : ï´؟ هيهات هيهات، في ذلك والله هلك من هلك يا بن حكيم، قال محمد بن حكيم: والله ما أردت إلا أن يرخص لي في القياسï´¾ï´؟ - الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 532 ï´¾.
وكذلك سماعة بن مهران جاء إلى أبي الحسن الكاظم (ع) يستأذنه في القياس فنهاه الإمام (ع) أيضاً قائلاً : ï´؟ ما لكم وللقياس، إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس، ثم قال: إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها وأومى بيده إلى فيهï´¾ï´؟ - الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 532ï´¾.
إن هذا الرفض والانكار الذي شهده الأصحاب من الأئمة (ع) طيلة تلك السنين دعى بعض الموالين إلى تأليف الكتب في الرد على من عمل بالرأي أو القياس قبل الغيبة الصغرى وبعدها، فقد صنف عبد الله بن عبد الرحمن الزبيري كتابا أسماه: ï´؟ الاستفادة في الطعون على الأوائل والرد على أصحاب الإجتهاد والقياس ï´¾ وصنف هلال بن أبي الفتح المدني كتابا في الموضوع بأسم: ï´؟ الرد على من رد آثار الرسول واعتمد على نتائج العقولï´¾.
وكان جملة من ثقاة الفقهاء ينكرون الإجتهاد والرأي والقياس والاستحسان وأن هذه الأمور ليست من مذهب الإمامية بشيء، ولهذا أنكروا على أبن أبي عقيل العماني وأبن الجنيد عملهم بالقياس إلى حد رفضوا أقوالهم مع أنهم من كبار فقهاء الإمامية إلا أن تلك الفترة كانت تتسم بموالاة والتسليم لآل محمد (ع) إلى حد رفض أي فقيه أن يتجرأ ويفتي على طريقة المخالفين، وظل الحال على ما هو عليه إلى فترة ما بعد الغيبة، وكما ذكرنا في مبحث الإجتهاد عند الإمامية.
2- القياس بعد الغيبة
بعد أن ذكرنا الرفض الرادع من أئمة الهدى (ع) لكل أنواع القياس في شريعة رب العالمين وما أن غيب القوم أمامهم حتى ظهر لساحة الفقهاء ما يعرف بالشيخين وهما أبن أبي عقيل العماني وأبن جنيد ويعد العماني كما ذكرنا في مبحث الإجتهاد عند الإمامية صاحب الانقلاب الفقهي الأول في عصر الغيبة ثم تبعه بعد ذلك أبن الجنيد، وقد سايرهم العديد من الفقهاء في أستعمال الرأي والقياس في نفس الأحكام الشرعية، كما أنه قد تصدى لهم العديد من الفقهاء وعلى رأسهم الشيخ المفيد ï´؟رحمه اللهï´¾ .
لقد أصبح اليوم قياس إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ قاعدة أصولية تدرس في مدارس الفقه والأصول مع قولهم بأن الأئمة (ع) قد حرموا القياس ولكنهم استثنوا أنواعاً من القياس منها ما يعرف بقياس منصوص العلة وقياس الاولوية والقياس المنطقي وما يعرف أيضاً بتنقيح المناط، والتي أعتبرها الفقهاء عندهم ولقبوها بالقياس الشرعي كما انكر جملة من الفقهاء الماضين هذه الأنواع من القياس .
إن الأخبار الشريفة لم تستثني أي نوع من أنواع القياس، بل على العكس فقد جاءت عدة روايات تذم المقاييس بالجملة منها ما روي عن أبي شيبة الخراساني قال : سمعت أبا عبد الله (ع)يقول : ï´؟ إن أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق إلا بعدا وإن دين الله لا يصاب بالمقاييسï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 43 ï´¾
إن الإمام (ع)قد ذكر في هذه الرواية المقاييس وهي جمع قياس كما هو بين وبهذا فإن الإمام (ع)يعلم بانه هنالك عدة أنواع للقياس ومع ذلك قد ذمها كلها بقوله : ï´؟وإن دين الله لا يصاب بالمقاييسï´¾ .
إن قول الإمام (ع) لم يعمل به مع شديد الاسف وهذا ما سنلاحظه فيما يلي:
القياس عند الأصوليين من الإمامية :
أجمع جمهور الأصوليين على حجية قياس الأولوية وقياس منصوص العلة وقياس تنقيح المناط ، وكذلك القياس المنطقي أو ما يعرف بالاستقراء وسوف ناتي الآن على بيان معنى كل من أنواع المقاييس التي اقروها وما قال فيها الأصوليين :
1- قياس الاولوية
نشأ هذا القياس وتربى في مدرسة إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ كما استدل بذلك جملة من الفقهاء ومنهم السيد نعمة الله الجزائري حين استدل على بطلان قياس الاولوية وشبهه بقياس إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ قائلا : ï´؟ مباحثة جرت بيني وبين بعض علماء العامة، فكان من جملتها: أنه سألني عن مذهب الشيطان في الأصول والفروع ، لأنه من أهل العلم. فقلت له: مذهبه في الأصول مذهب الأشعري وفي الفروع مذهب الحنفية ، فأخذه الغضب . فقلت له : لا تعجل لأن كتاب الله الصادق أخبر به ، أما في الأصول : فقوله تعالى : ï´؟فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيمï´¾ فقد نسب الاغواء إلى الله تعالى . وأما في الفروع : فإباؤه عن السجود لقوله : ï´؟خلقتني من نار وخلقته من طينï´¾ حيث إنه عمل بالقياس ، نعم الفرق بين القياسين أن قياس الشيطان كان من باب قياس الأولوية وقياس أبي حنيفة من باب قياس المساواة ، وكم بينهما من التفاوت ، وإن اشتركا في عدم الحجيةï´¾ï´؟زهر الربيع – السيد نعمة الله الجزائري - ص 30
نعم إن قياس إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ هو قياس الاولوية بعينه فكان إبليس يرى ان السجود لادم (ع) منقصة له، لأنه اولى بالسجود فقاس قياس اولوية بين ناريته وطينية ادم (ع) وهذا ما ذكره الكتاب حين قال إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ : ï´؟... أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍï´¾ï´؟- سورة الاعراف آية 12 ï´¾ فقاس ناريته بطينية أدم (ع) فلم يستطع النظر إلى الفرق الشاسع بين نورية النار ونورية نبي الله أدم (ع) وكما ذكرنا .
إن أول من وضع لهذا القياس حجة في الدين هم فقهاء العامة على اختلاف مشاربهم فقد جعلوا للقياس أنواعاً واقساماً ومن أنواعه ما ذكره صاحب البحر المحيط في النوع السادس : ï´؟مَا هُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَنْصُوصِï´¾ï´؟ - البحر المحيط - ج6- ص239
إننا قد ناقشنا حجية القياس عند فقهاء العامة فيما تقدم من الكلام ولا يسعنا هنا إلا القول بأن هذا النوع من القياس قد نشأ وتربى بين شفتي إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ ثم بعد ذلك دخل في مدارس المخالفين لآل محمد (ع)، وما ان كبر وأشتد عوده حتى دخل في مدارس الأصوليين من الإمامية بعد غيبة ولي الله (ع) وأصبح اليوم قاعدة يعتمد عليها ولا تجد فقيها إلا ويذكر ï´؟الاولىï´¾ في كلامة سواءً في منبر الدرس أو في أي مكان آخر حيث نجدهم يقولون دائماً ï´؟ كان من باب الاولىï´¾ وï´؟كان الاولى بكï´¾ وما إلى ذلك من البيان الذي يسحر السامعين .
مناقشة حجية قياس الاولوية :
إن حجية هذا النوع من القياس وضعت بدلالة قوله تعالى : ï´؟لاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماًï´¾ï´؟ - سورة الإسراء آية 23 ï´¾ . فأستدل الفقهاء بالقياس على تحريم أنواع الأذى الزائدة على الـï´؟افï´¾ أي من قبيل الضرب والشتم وغيرها فوضعوا قاعدة أصولية سموها بـï´؟قياس الاولويةï´¾ واخذوا يعتمدونها في المسائل الفقهية كافة .
كما انكر جملة من الفقهاء هذا النوع من القياس وقال به آخرون والذي انكره قال فيه إنه منقول عن موضوعه اللغوي إلى المنع من أنواع الأذى لاستفادة ذلك المعنى من اللفظ من غير توقف على استحضار القياس حيث جاء عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : ï´؟ أدنى العقوق أف ، ولو علم الله عز وجل شيئاً أهون منه لنهى عنهï´¾ï´؟- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 348
والذي يدل على عدم حجيته بل وبطلان الاعتماد عليه هو ما جاء في الأخبار الشريفة منها ما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه كتاب الديات وكذلك الكليني في الكافي والطوسي في تهذيب الأحكام عن أبان أبن تغلب أنه قال : ï´؟ قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال عشرة من الإبل. قلت: قطع اثنين ؟ قال: عشرون. قلت: قطع ثلاثا ؟ قال: ثلاثون. قلت: قطع أربعا ؟ قال: عشرون. قلت: سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون، ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون ؟ إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنتبرأ ممن قاله ، ونقول : الذي قاله شيطان .
فقال : مهلا يا أبان إن هذا حكم رسول الله ï´؟ صلى الله عليه وآله ï´¾ إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت المرأة إلى النصف ، يا أبأن إنك أخذتني بالقياس ، والسُنة إذا قيست محق الدينï´¾ï´؟ - من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 4 - ص 118 – 119 \ الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 299 – 300 \ تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 10 - ص 184ï´¾ ورواه البرقي في كتاب المحاسن ، وزاد - بعد قوله : ï´؟ إنك أخذتني بالقياسï´¾ – ï´؟ إن السُنة لا تقاس ، ألا ترى أنها تؤمر بقضاء صومها ولا تؤمر بقضاء صلاتها ï´¾ï´؟- المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقي - ج 1 - ص 214ï´¾ .
ولا يخفى ما في الخبر المذكور من الصراحة في حرمة هذا النوع من القياس وذلك واضح في دية الاصابع الاربعة فكان الاولى وفق قياس الاولوية ان تكون الدية على الاصابع الاربعة المقطوعة من المرأة اربعون من الإبل وليس عشرون وهذا ما أشكل حتى على ابأن أبن تغلب.
ومن الأخبار الدالة على بطلان هذا القياس بالتحديد بل كل أنواع القياس التي تستخدم في نفس الأحكام الشرعية، ما نقله الميرزا النوري في المستدرك عن القطب الراوندي في لب اللباب عن أمير المؤمنين (ع) في حديث أنه قال: ï´؟ اما لو كان الدين بالقياس، لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهماï´¾ï´؟- مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 17 - ص 264 - ï´¾ وكذلك ما نقله العلامة المجلسي والمحقق البحراني عن تفسير العسكري (ع) عن أمير المؤمنين (ع): ï´؟ يا معشر شيعتنا والمنتحلين مودتنا ، إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السُنن ، تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها ، وأعيتهم السُنة أن يعوها ، فاتخذوا عباد الله خولا ، وماله دولا ، فذلت لهم الرقاب ، وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب ، ونازعوا الحق أهله ، وتمثلوا بالأئمة الصادقين وهم من الكفار الملاعين ، فسئلوا عما لا يعلمون فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعلمون ، فعارضوا الدين بآرائهم فضلوا وأضلوا . أما لو كان الدين بالقياس لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهماï´¾ï´؟بحار الأنوار - العلامة المجلسي-ج 2 - ص84\ الحدائق الناضرة - المحقق البحراني- ج 1 - ص 62
والملاحظ من قول أمير المؤمنين (ع) الصراحة في تحريم العمل بقياس الاولوية فقد ذكر بأن الدين لو عمل بالقياس كان ï´؟الاولىï´¾ مسح باطن القدمين ومسح الباطن ï´؟أولىï´¾ من مسح الظاهر، لما يتعرض باطن القدم للنجاسة أكثر من ظاهره . وهذا الحديث فيه دلالة صريحة على النهي عن العمل بقياس الاولوية .
ومن الروايات التي جاءت بهذا الخصوص ما ورد من قول الصادق (ع) لأبي حنيفة : ï´؟ اتق الله ولا تقس الدين برأيك ، فإن أول من قاس إبليس ، إلى أن قال : ويحك أيهما أعظم ، قتل النفس أو الزنا ؟ قال : قتل النفس . قال : فإن الله عز وجل قد قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة . ثم قال : أيهما أعظم ، الصلاة أو الصوم ؟ قال : الصلاة . قال : فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، فكيف يقوم لك قياس ؟ فاتق الله ولا تقس ï´¾ï´؟ - علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 87
والملاحظ أيضاً من قول الصادق (ع) وأحتجاجه مع النعمان بأن الاولى ان يكون في قتل النفس اربعة شهود بدلا من اثنين ولكن الشرع أمر باثنين فسقط هذا القياس وكذلك في الصوم والصلاة فإن الاولى ان تقضي المرأة صلاتها لأنها اوجب من الصوم ولكن الشرع أمر بالعكس فأنكسر قياس الاولوية وضرب به عرض الجدار.
إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع وقد دلت على كون ذلك قياسا ممنوعا في الشرع الإتيان به، مع أنه قد استفاضت الأخبار عنهم (ع) بالمنع عن العمل بالمقاييس بقول مطلق من غير تخصيص بفرد بل صار ذلك من ضروريات مذهب أهل البيت (ع) وكما بينا فيما تقدم قول أبا عبد الله (ع) والذي فيه : ï´؟ وإن دين الله لا يصاب بالمقاييس ï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 45 ï´¾وكذلك جاء عنه (ع)انه قال : ï´؟ إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس ، ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك ، إن أول معصية ظهرت من إبليس اللعين حين أمر الله ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا وأبى إبليس أن يسجد فقال : أنا خير منه فكان أو كفره قوله : أنا خير منه ثم قياسه بقوله : خلقتني من نار وخلقته من طين ، فطرده الله عن جواره ولعنه وسماه رجيما وأقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النارï´¾ï´؟ المصدر السابق - ص 45 – 46ï´¾.
إن هاتين الروايتين وفي أمثالهما المتكاثرة دلالة على بطلان كل أنواع المقاييس . فما يظهر من بعض فقهاء الإمامية من كون قياس الاولوية ليس من باب القياس فإن الأخبار كافلة بردهم وابطال ما اعتقدوا صحته كيف لا ؟ وان قياس الاولوية هو قياس نفس قياس إبليس الذي اخرجه من رحمة الله وادخله في غضبه وسخطه .
إن القول بحجية هذا النوع من القياس إنما هو إجتهاد في مقابل النصوص، أو غفلة عن ملاحظة ما هو في الأخبار ثابت ومنصوص على أنه يمكن الجواب عما ذكروه من الأخذ بهذا القياس بأن الحكم إنما ثبت أولا وبالذات بمنطوق الكلام للتأفيف، لمنافاته لوجوب البر للوالدين حيث جاء عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: ï´؟أدنى العقوق أف، ولو علم الله عز وجل شيئاً أهون منه لنهى عنهï´¾ï´؟ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 348
إذا علمنا بأن الله قد نهى عن ما هو أكثر من الاف فلماذا القياس إذن ؟ ولماذا هذه القاعدة الشيطانية تكرم ويدافع عنها وتدخل في جملة أدوات الفقيه وقد يتساءل البعض بأن هذه القاعدة ليس بها شيء على حسب المثال ؟
نقول: إن هذا المثال اخذه الفقهاء لاثبات حجية هذا النوع من القياس، وقد ادخلوه في عملية استنباط الأحكام الشرعية، فاثبتوا العديد من المسائل الفقهيه مستعينين به فلا يغرك المثال ولا يستدرجك الشيطان بحباله فمنها ما يُرى ومنها ما لا يراه إلا من انعم الله عليه وجعل له نوراً يستضيء به .
ومن جملة من انكر هذا القياس هو الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة حيث ذكر قول الإمام الصادق (ع) حين قال: ï´؟إن السُنة لا تقاس، ألا ترى أن المرأة تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها ، يا أبأن ان السُنة إذا قيست محق الدينï´¾.
فعقب على هذه الروايه قائلاً : ï´؟أقول : فيه وفي أمثاله - وهي كثيرة جداً - دلالة على بطلان قياس الأولويةï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 41 ï´¾. ï´¾ . كما انكر الحر العاملي قياس الاولوية في كتابه الفصول المهمة في أصول الأئمة أيضاً وعقد له باب سماه ï´؟عدم جواز العمل بشيء من أنواع القياس في نفس الأحكام الشرعية حتى قياس الأولوية ï´¾ فذكر فيه عدة روايات استدل بها على بطلان جميع أنواع القياس منها ما جاء عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن موسى (ع) في حديث أنه قال له: ï´؟ يرد علينا الشيء الصغير ليس عندنا فيه شيء ، فينظر بعضنا إلى بعض وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه ؟ فقال: ما لكم وللقياس، إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس، ثم قال: إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا ، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها وأومى بيده إلى فيهï´¾ï´؟الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 454
إن كلام الإمام الكاظم (ع) إنما هو ترسيخ لقانون التسليم لآل محمد (ع) والقياس وغيره من الأصول العقلية لا تتناسب مع هذا القانون الإلهي بل هي تقدم واضح على المعصوم وتجاوز لحدود الله .
الى هنا نكتفي بهذا البيان ونذكر أقوال القائلين بحجية قياس الاولوية من الفقهاء الإمامية .
يتبع
1- حال القياس في مدرسة آل محمد (ع):
إن المدرسة الإمامية القديمة كانت أيضاً من أشد المعارضين لاستعمال القياس كأداة خارج النصوص، مع وجود المحاولات العديدة من أصحاب الأئمة (ع) للعمل بالإجتهاد القياسي ولكنها جوبهت من قبل أهل البيت (ع) بالرفض والانكار وكما ذكرنا في مبحث الإجتهاد من أن محمد بن حكيم جاء يريد الرخصة بالقياس فنهاه الإمام (ع) عنه قائلاً : ï´؟ هيهات هيهات، في ذلك والله هلك من هلك يا بن حكيم، قال محمد بن حكيم: والله ما أردت إلا أن يرخص لي في القياسï´¾ï´؟ - الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 532 ï´¾.
وكذلك سماعة بن مهران جاء إلى أبي الحسن الكاظم (ع) يستأذنه في القياس فنهاه الإمام (ع) أيضاً قائلاً : ï´؟ ما لكم وللقياس، إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس، ثم قال: إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها وأومى بيده إلى فيهï´¾ï´؟ - الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 532ï´¾.
إن هذا الرفض والانكار الذي شهده الأصحاب من الأئمة (ع) طيلة تلك السنين دعى بعض الموالين إلى تأليف الكتب في الرد على من عمل بالرأي أو القياس قبل الغيبة الصغرى وبعدها، فقد صنف عبد الله بن عبد الرحمن الزبيري كتابا أسماه: ï´؟ الاستفادة في الطعون على الأوائل والرد على أصحاب الإجتهاد والقياس ï´¾ وصنف هلال بن أبي الفتح المدني كتابا في الموضوع بأسم: ï´؟ الرد على من رد آثار الرسول واعتمد على نتائج العقولï´¾.
وكان جملة من ثقاة الفقهاء ينكرون الإجتهاد والرأي والقياس والاستحسان وأن هذه الأمور ليست من مذهب الإمامية بشيء، ولهذا أنكروا على أبن أبي عقيل العماني وأبن الجنيد عملهم بالقياس إلى حد رفضوا أقوالهم مع أنهم من كبار فقهاء الإمامية إلا أن تلك الفترة كانت تتسم بموالاة والتسليم لآل محمد (ع) إلى حد رفض أي فقيه أن يتجرأ ويفتي على طريقة المخالفين، وظل الحال على ما هو عليه إلى فترة ما بعد الغيبة، وكما ذكرنا في مبحث الإجتهاد عند الإمامية.
2- القياس بعد الغيبة
بعد أن ذكرنا الرفض الرادع من أئمة الهدى (ع) لكل أنواع القياس في شريعة رب العالمين وما أن غيب القوم أمامهم حتى ظهر لساحة الفقهاء ما يعرف بالشيخين وهما أبن أبي عقيل العماني وأبن جنيد ويعد العماني كما ذكرنا في مبحث الإجتهاد عند الإمامية صاحب الانقلاب الفقهي الأول في عصر الغيبة ثم تبعه بعد ذلك أبن الجنيد، وقد سايرهم العديد من الفقهاء في أستعمال الرأي والقياس في نفس الأحكام الشرعية، كما أنه قد تصدى لهم العديد من الفقهاء وعلى رأسهم الشيخ المفيد ï´؟رحمه اللهï´¾ .
لقد أصبح اليوم قياس إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ قاعدة أصولية تدرس في مدارس الفقه والأصول مع قولهم بأن الأئمة (ع) قد حرموا القياس ولكنهم استثنوا أنواعاً من القياس منها ما يعرف بقياس منصوص العلة وقياس الاولوية والقياس المنطقي وما يعرف أيضاً بتنقيح المناط، والتي أعتبرها الفقهاء عندهم ولقبوها بالقياس الشرعي كما انكر جملة من الفقهاء الماضين هذه الأنواع من القياس .
إن الأخبار الشريفة لم تستثني أي نوع من أنواع القياس، بل على العكس فقد جاءت عدة روايات تذم المقاييس بالجملة منها ما روي عن أبي شيبة الخراساني قال : سمعت أبا عبد الله (ع)يقول : ï´؟ إن أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق إلا بعدا وإن دين الله لا يصاب بالمقاييسï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 43 ï´¾
إن الإمام (ع)قد ذكر في هذه الرواية المقاييس وهي جمع قياس كما هو بين وبهذا فإن الإمام (ع)يعلم بانه هنالك عدة أنواع للقياس ومع ذلك قد ذمها كلها بقوله : ï´؟وإن دين الله لا يصاب بالمقاييسï´¾ .
إن قول الإمام (ع) لم يعمل به مع شديد الاسف وهذا ما سنلاحظه فيما يلي:
القياس عند الأصوليين من الإمامية :
أجمع جمهور الأصوليين على حجية قياس الأولوية وقياس منصوص العلة وقياس تنقيح المناط ، وكذلك القياس المنطقي أو ما يعرف بالاستقراء وسوف ناتي الآن على بيان معنى كل من أنواع المقاييس التي اقروها وما قال فيها الأصوليين :
1- قياس الاولوية
نشأ هذا القياس وتربى في مدرسة إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ كما استدل بذلك جملة من الفقهاء ومنهم السيد نعمة الله الجزائري حين استدل على بطلان قياس الاولوية وشبهه بقياس إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ قائلا : ï´؟ مباحثة جرت بيني وبين بعض علماء العامة، فكان من جملتها: أنه سألني عن مذهب الشيطان في الأصول والفروع ، لأنه من أهل العلم. فقلت له: مذهبه في الأصول مذهب الأشعري وفي الفروع مذهب الحنفية ، فأخذه الغضب . فقلت له : لا تعجل لأن كتاب الله الصادق أخبر به ، أما في الأصول : فقوله تعالى : ï´؟فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيمï´¾ فقد نسب الاغواء إلى الله تعالى . وأما في الفروع : فإباؤه عن السجود لقوله : ï´؟خلقتني من نار وخلقته من طينï´¾ حيث إنه عمل بالقياس ، نعم الفرق بين القياسين أن قياس الشيطان كان من باب قياس الأولوية وقياس أبي حنيفة من باب قياس المساواة ، وكم بينهما من التفاوت ، وإن اشتركا في عدم الحجيةï´¾ï´؟زهر الربيع – السيد نعمة الله الجزائري - ص 30
نعم إن قياس إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ هو قياس الاولوية بعينه فكان إبليس يرى ان السجود لادم (ع) منقصة له، لأنه اولى بالسجود فقاس قياس اولوية بين ناريته وطينية ادم (ع) وهذا ما ذكره الكتاب حين قال إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ : ï´؟... أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍï´¾ï´؟- سورة الاعراف آية 12 ï´¾ فقاس ناريته بطينية أدم (ع) فلم يستطع النظر إلى الفرق الشاسع بين نورية النار ونورية نبي الله أدم (ع) وكما ذكرنا .
إن أول من وضع لهذا القياس حجة في الدين هم فقهاء العامة على اختلاف مشاربهم فقد جعلوا للقياس أنواعاً واقساماً ومن أنواعه ما ذكره صاحب البحر المحيط في النوع السادس : ï´؟مَا هُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَنْصُوصِï´¾ï´؟ - البحر المحيط - ج6- ص239
إننا قد ناقشنا حجية القياس عند فقهاء العامة فيما تقدم من الكلام ولا يسعنا هنا إلا القول بأن هذا النوع من القياس قد نشأ وتربى بين شفتي إبليس ï´؟عليه اللعنةï´¾ ثم بعد ذلك دخل في مدارس المخالفين لآل محمد (ع)، وما ان كبر وأشتد عوده حتى دخل في مدارس الأصوليين من الإمامية بعد غيبة ولي الله (ع) وأصبح اليوم قاعدة يعتمد عليها ولا تجد فقيها إلا ويذكر ï´؟الاولىï´¾ في كلامة سواءً في منبر الدرس أو في أي مكان آخر حيث نجدهم يقولون دائماً ï´؟ كان من باب الاولىï´¾ وï´؟كان الاولى بكï´¾ وما إلى ذلك من البيان الذي يسحر السامعين .
مناقشة حجية قياس الاولوية :
إن حجية هذا النوع من القياس وضعت بدلالة قوله تعالى : ï´؟لاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماًï´¾ï´؟ - سورة الإسراء آية 23 ï´¾ . فأستدل الفقهاء بالقياس على تحريم أنواع الأذى الزائدة على الـï´؟افï´¾ أي من قبيل الضرب والشتم وغيرها فوضعوا قاعدة أصولية سموها بـï´؟قياس الاولويةï´¾ واخذوا يعتمدونها في المسائل الفقهية كافة .
كما انكر جملة من الفقهاء هذا النوع من القياس وقال به آخرون والذي انكره قال فيه إنه منقول عن موضوعه اللغوي إلى المنع من أنواع الأذى لاستفادة ذلك المعنى من اللفظ من غير توقف على استحضار القياس حيث جاء عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : ï´؟ أدنى العقوق أف ، ولو علم الله عز وجل شيئاً أهون منه لنهى عنهï´¾ï´؟- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 348
والذي يدل على عدم حجيته بل وبطلان الاعتماد عليه هو ما جاء في الأخبار الشريفة منها ما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه كتاب الديات وكذلك الكليني في الكافي والطوسي في تهذيب الأحكام عن أبان أبن تغلب أنه قال : ï´؟ قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال عشرة من الإبل. قلت: قطع اثنين ؟ قال: عشرون. قلت: قطع ثلاثا ؟ قال: ثلاثون. قلت: قطع أربعا ؟ قال: عشرون. قلت: سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون، ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون ؟ إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنتبرأ ممن قاله ، ونقول : الذي قاله شيطان .
فقال : مهلا يا أبان إن هذا حكم رسول الله ï´؟ صلى الله عليه وآله ï´¾ إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت المرأة إلى النصف ، يا أبأن إنك أخذتني بالقياس ، والسُنة إذا قيست محق الدينï´¾ï´؟ - من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 4 - ص 118 – 119 \ الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 299 – 300 \ تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 10 - ص 184ï´¾ ورواه البرقي في كتاب المحاسن ، وزاد - بعد قوله : ï´؟ إنك أخذتني بالقياسï´¾ – ï´؟ إن السُنة لا تقاس ، ألا ترى أنها تؤمر بقضاء صومها ولا تؤمر بقضاء صلاتها ï´¾ï´؟- المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقي - ج 1 - ص 214ï´¾ .
ولا يخفى ما في الخبر المذكور من الصراحة في حرمة هذا النوع من القياس وذلك واضح في دية الاصابع الاربعة فكان الاولى وفق قياس الاولوية ان تكون الدية على الاصابع الاربعة المقطوعة من المرأة اربعون من الإبل وليس عشرون وهذا ما أشكل حتى على ابأن أبن تغلب.
ومن الأخبار الدالة على بطلان هذا القياس بالتحديد بل كل أنواع القياس التي تستخدم في نفس الأحكام الشرعية، ما نقله الميرزا النوري في المستدرك عن القطب الراوندي في لب اللباب عن أمير المؤمنين (ع) في حديث أنه قال: ï´؟ اما لو كان الدين بالقياس، لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهماï´¾ï´؟- مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 17 - ص 264 - ï´¾ وكذلك ما نقله العلامة المجلسي والمحقق البحراني عن تفسير العسكري (ع) عن أمير المؤمنين (ع): ï´؟ يا معشر شيعتنا والمنتحلين مودتنا ، إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السُنن ، تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها ، وأعيتهم السُنة أن يعوها ، فاتخذوا عباد الله خولا ، وماله دولا ، فذلت لهم الرقاب ، وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب ، ونازعوا الحق أهله ، وتمثلوا بالأئمة الصادقين وهم من الكفار الملاعين ، فسئلوا عما لا يعلمون فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعلمون ، فعارضوا الدين بآرائهم فضلوا وأضلوا . أما لو كان الدين بالقياس لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهماï´¾ï´؟بحار الأنوار - العلامة المجلسي-ج 2 - ص84\ الحدائق الناضرة - المحقق البحراني- ج 1 - ص 62
والملاحظ من قول أمير المؤمنين (ع) الصراحة في تحريم العمل بقياس الاولوية فقد ذكر بأن الدين لو عمل بالقياس كان ï´؟الاولىï´¾ مسح باطن القدمين ومسح الباطن ï´؟أولىï´¾ من مسح الظاهر، لما يتعرض باطن القدم للنجاسة أكثر من ظاهره . وهذا الحديث فيه دلالة صريحة على النهي عن العمل بقياس الاولوية .
ومن الروايات التي جاءت بهذا الخصوص ما ورد من قول الصادق (ع) لأبي حنيفة : ï´؟ اتق الله ولا تقس الدين برأيك ، فإن أول من قاس إبليس ، إلى أن قال : ويحك أيهما أعظم ، قتل النفس أو الزنا ؟ قال : قتل النفس . قال : فإن الله عز وجل قد قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة . ثم قال : أيهما أعظم ، الصلاة أو الصوم ؟ قال : الصلاة . قال : فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، فكيف يقوم لك قياس ؟ فاتق الله ولا تقس ï´¾ï´؟ - علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 87
والملاحظ أيضاً من قول الصادق (ع) وأحتجاجه مع النعمان بأن الاولى ان يكون في قتل النفس اربعة شهود بدلا من اثنين ولكن الشرع أمر باثنين فسقط هذا القياس وكذلك في الصوم والصلاة فإن الاولى ان تقضي المرأة صلاتها لأنها اوجب من الصوم ولكن الشرع أمر بالعكس فأنكسر قياس الاولوية وضرب به عرض الجدار.
إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع وقد دلت على كون ذلك قياسا ممنوعا في الشرع الإتيان به، مع أنه قد استفاضت الأخبار عنهم (ع) بالمنع عن العمل بالمقاييس بقول مطلق من غير تخصيص بفرد بل صار ذلك من ضروريات مذهب أهل البيت (ع) وكما بينا فيما تقدم قول أبا عبد الله (ع) والذي فيه : ï´؟ وإن دين الله لا يصاب بالمقاييس ï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 45 ï´¾وكذلك جاء عنه (ع)انه قال : ï´؟ إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس ، ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك ، إن أول معصية ظهرت من إبليس اللعين حين أمر الله ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا وأبى إبليس أن يسجد فقال : أنا خير منه فكان أو كفره قوله : أنا خير منه ثم قياسه بقوله : خلقتني من نار وخلقته من طين ، فطرده الله عن جواره ولعنه وسماه رجيما وأقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النارï´¾ï´؟ المصدر السابق - ص 45 – 46ï´¾.
إن هاتين الروايتين وفي أمثالهما المتكاثرة دلالة على بطلان كل أنواع المقاييس . فما يظهر من بعض فقهاء الإمامية من كون قياس الاولوية ليس من باب القياس فإن الأخبار كافلة بردهم وابطال ما اعتقدوا صحته كيف لا ؟ وان قياس الاولوية هو قياس نفس قياس إبليس الذي اخرجه من رحمة الله وادخله في غضبه وسخطه .
إن القول بحجية هذا النوع من القياس إنما هو إجتهاد في مقابل النصوص، أو غفلة عن ملاحظة ما هو في الأخبار ثابت ومنصوص على أنه يمكن الجواب عما ذكروه من الأخذ بهذا القياس بأن الحكم إنما ثبت أولا وبالذات بمنطوق الكلام للتأفيف، لمنافاته لوجوب البر للوالدين حيث جاء عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: ï´؟أدنى العقوق أف، ولو علم الله عز وجل شيئاً أهون منه لنهى عنهï´¾ï´؟ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 348
إذا علمنا بأن الله قد نهى عن ما هو أكثر من الاف فلماذا القياس إذن ؟ ولماذا هذه القاعدة الشيطانية تكرم ويدافع عنها وتدخل في جملة أدوات الفقيه وقد يتساءل البعض بأن هذه القاعدة ليس بها شيء على حسب المثال ؟
نقول: إن هذا المثال اخذه الفقهاء لاثبات حجية هذا النوع من القياس، وقد ادخلوه في عملية استنباط الأحكام الشرعية، فاثبتوا العديد من المسائل الفقهيه مستعينين به فلا يغرك المثال ولا يستدرجك الشيطان بحباله فمنها ما يُرى ومنها ما لا يراه إلا من انعم الله عليه وجعل له نوراً يستضيء به .
ومن جملة من انكر هذا القياس هو الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة حيث ذكر قول الإمام الصادق (ع) حين قال: ï´؟إن السُنة لا تقاس، ألا ترى أن المرأة تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها ، يا أبأن ان السُنة إذا قيست محق الدينï´¾.
فعقب على هذه الروايه قائلاً : ï´؟أقول : فيه وفي أمثاله - وهي كثيرة جداً - دلالة على بطلان قياس الأولويةï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 41 ï´¾. ï´¾ . كما انكر الحر العاملي قياس الاولوية في كتابه الفصول المهمة في أصول الأئمة أيضاً وعقد له باب سماه ï´؟عدم جواز العمل بشيء من أنواع القياس في نفس الأحكام الشرعية حتى قياس الأولوية ï´¾ فذكر فيه عدة روايات استدل بها على بطلان جميع أنواع القياس منها ما جاء عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن موسى (ع) في حديث أنه قال له: ï´؟ يرد علينا الشيء الصغير ليس عندنا فيه شيء ، فينظر بعضنا إلى بعض وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه ؟ فقال: ما لكم وللقياس، إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس، ثم قال: إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا ، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها وأومى بيده إلى فيهï´¾ï´؟الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 454
إن كلام الإمام الكاظم (ع) إنما هو ترسيخ لقانون التسليم لآل محمد (ع) والقياس وغيره من الأصول العقلية لا تتناسب مع هذا القانون الإلهي بل هي تقدم واضح على المعصوم وتجاوز لحدود الله .
الى هنا نكتفي بهذا البيان ونذكر أقوال القائلين بحجية قياس الاولوية من الفقهاء الإمامية .
يتبع
تعليق