إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التقليد عند اليهود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التقليد عند اليهود




    منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني

    التقليد عند اليهود

    يعتبر الخوض في مضمار تأريخ الأديان السابقة مبحثاً شائكاً ومعقداً، لأنه عبارة عن تنقيب لتأريخ البشرية القديم والحديث، وسيعتقد الباحث انه سيبتلى بالملل وضمور العزيمة وخفوت الاصرار بمجرد ان يلقى نظرة عن كثب على قوائم الكتب والمراجع التي كتبت في تأريخ الأديان فيجد انها بالمئات ان لم نقل بالآلاف ، لكن الهمة لا تلبث ان تشحذ من جديد بعد أن يعرف الإنسان هدفه الذي يصبو إليه ، وهو هدف مقدس ونبيل إذ يرتبط بمسألة هداية الناس واقتباس العبر والمواعظ من تأريخ الأديان خصوصاً المرتبطة بالرسالات السماوية ، كيف لا ؟ ونحن نعلم ان الأنبياء والرسل (ع) جميعاً كان لهم وحدة الهدف والغاية المشتركة ألا وهي تطبيق الشريعة الإلهية .
    ولا زلت اتذكر حادثة كانت هي السبب الرئيسي في اختياري ان اقرأ وابحث في المشتركات بين أهل الملل والأديان ، وكانت قد صادفتني حين كنت أمام شاشة التلفاز يوماً اتصفح بعض القنوات الفضائية فوقع بالصدفة المتصفح على قناة بدت انها إحدى القنوات المسيحية التي تعنى بالتبشير النصراني ، وكانت القناة تعرض مشهد أحد رجال الدين المسيحيين يتهافت الناس على تقبيل الصليب في يده بطريقة غريبة إلى الدرجة التي تزاحم فيها الحشود على ذلك الرجل المسن فلم يكن امام الحاشية التي بدت انها تنتمي للسلك الديني كذلك إلا أن تزيح الحشود والجمهور محاولة تقليل الضغط على ذلك القس الكبير ، علمت بعدها انه أحد أبرز الشخصيات المهمة للأقباط في العالم ، هذا المشهد جعلني اطيل النظر في مسألة تقديس الناس للأشخاص في كل دين ومذهب حتى كانها أصبحت عادة موروثة بين الملل والشعوب فلا يكاد يخلو دين من الأديان من ذلك، علما انهم ليسوا أنبياء أو رسل أو أي شيء من ذلك ، فيفرض السؤال ذاته ملحا : ما السبب وراء كل تلك القدسية ؟ ...
    بعدها بدأت بحثي وقراءاتي في كتب الديانتين اليهودية والنصرانية لأجد ما يروي ضمأي ويحقق غايتي في ما اصبو إليه من المقاربة في البحث بين ما وصلت إليه الأديان الثلاثة الرئيسية ﴿اليهودية والنصرانية والإسلام﴾ من تغييرات جمة ومنعطفات خطيرة ادت بشكل كبير إلى تغيير معالم الرسالات السماوية لدى الاجيال اللاحقة والتي لم تفتح عينها على الحجة أو الرسول بين اظهرها بل وجدت تراثاً دينياً مختلطا بآخر ارضي مخترع من قبل الإنسان نفسه فكانت النتيجة عقائد مغايرة إلى حد كبير لتلك التي نزلت على قلوب النبيين (ع) والتي لازال أثرها موجودا وشاهداً عليها ولكن أغلب هذا الاثر ليس بين الناس بل هي مكنوزة في بطون الكتب .
    لقد كانت المعلومات تتركز في ذاكرتي وتحضر ابأن كل نقاش ديني يطرح بين الأهل والاصدقاء فاجد لساني ينطق بتلك الحقائق التي غفل عنها أكثر الناس أو لنقل انهم نسوها أو تناسوها عمدا أو سهوا ، ولا يستطيع أي إنسان ان يتمالك نفسه من بث كلام الأنبياء والأئمة (ع) بين الناس لما في ذلك الكلام من عذب الحلاوة وطيب الرائحة التي يتركها في النفس لأنه نابع من كلام الله تعالى ذكره وبكلامه تطمئن القلوب .
    إن الأحاديث الشريفة التي وردت عن النبي وآله (ع) تحدثت عن جريان سُنن الأمم السابقة على أمة محمد (ص) هذه الأحاديث الشريفة حاضرة أمام العين غائبة عن الذهن ، فكم منا مر عليها مرور الكرام دونما وقفة حقيقية للتأمل والتفكر ، كيف ستجري السُنن على أمة الخاتم (ص) وقد بينا في الباب الأول الكثير من هذه السُنن كالتيه والغيبة وتغيير الأحكام وسيتبين في هذا الباب سُنة غاية في الأهمية ألا وهي سُنة عبادة الأصنام تحت مسمى التقليد، وقد بينا في بداية الباب الأول هذه السُنة وقلنا ان الأصنام ليست بالضرورة ان تكون حجرية، بل ان إبليس قد أستخدم البشر كأصنام تعبد من دون الله أيضاً عن طريق التقليد المزعوم كما هو الحال في أغلب أحبار اليهود ورهبان النصارى حيث أتخذهم الناس أرباباً من دون الله فأحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فعبدهم الناس من حيث لا يشعرون وكما تقدم جزء من البيان في مبحث السُنن في الباب الأول وسياتي الجزء الاكبر في هذا الباب إن شاء الله تعالى .
    لقد ادهشني التطابق الكبير بين العقائد التي دخلت إلى جوف الديانات الثلاث من خلال رجال اختاروا إعمال العقل والفكر أمام شريعة الله وعلى مر العصور، في مخالفة صريحة وواضحة للتعاليم الإلهية التي جاء بها الأنبياء (ع) في تلكم القرون .
    إن ما حصل في أمة محمد (ص) في أمر التقليد على وجه الخصوص كان تتمة لإنطباق السُنن التي أراد البشر بأيديهم ان تجري عليهم كما يجري الليل والنهار حتى يرث الله الارض ومن عليها، بقي ان نقول: ان هذا البحث لم نتوسع فيه لنحيط بكل اتجاهات الأديان الثلاث ﴿اليهودية والنصرانية والإسلامية﴾ لكن اكتفينا بالذي يهمنا في المقام وهو ايراد نقاط الاشتراك فيما يخص مسألة التقليد خصوصاً ولعل البحث لو أراد ان يتوسع لأندرج تحت إطار مقارنة الأديان ولخرجنا عن عنوان البحث إلى عنوان آخر، وقد نجد مناسبة أخرى مستقبلاً إن شاء الله فنقف مطولاً عند نقاط التشابه والاختلاف فيما بين طوائف ومذاهب تلك الأديان السماوية وحتى ذلك الحين نطلب من الله ان يكحل العيون برؤية الذي يرفع المذاهب عن الارض ويقضي على الاختلاف والتناحر فتنعم البشرية والكون كله بالوفاق الابدي حتى طي الارض والسماوات .

    أولاً : التقليد عند اليهود :
    تحتل الديانة اليهودية مكانة مهمة في تأريخ الأديان فهي اقدم الديانات التوحيدية ، ولها دور كبير في فهم طبيعة ديانات الشرق الاقصى القديم ، كما ان لها علاقة دينية قوية بكل من المسيحية والإسلام .

    وقد ذكرنا في الباب الأول ان اليهود يستندون في معرفة تعاليم دينهم على مصدرين رئيسيين هما ﴿التوراة﴾ و ﴿التلمود﴾ وذكرنا بأن التلمود ينقسم إلى ﴿ المشنا والجمارا﴾ وبينا ان هذه التقسيمات هي عبارة عن إجتهادات الأحبار وآرائهم الشخصية التي زعموا انها تعود إلى زمان موسى (ع) وقد أبطلنا هذه المزاعم في حينها .
    إن لجوء حاخامات اليهود أو الكهنة إلى ﴿الإجتهاد﴾ أو ﴿النظر﴾ في مسألة تحصيل الأحكام الشرعية يعني انهم قد قاموا بعملية ﴿الاستنباط﴾ كما يصطلح عليها عند المسلمين وبعد ممارسة هذه العملية لا بد من نشوء الاختلاف بين الممارسين للاستنباط لأن هؤلاء المستنبطون ليسوا من أنبياء الله تعالى بل أنهم أناس عاديين متفاوتين بالفهم والإدراك .
    إن أي ديانة تستخدم الإجتهاد لا بد أن تعقب الإجتهاد بالتقليد وهذان الأمران من السُنن التأريخية التي انطبقت على اليهودية والمسيحية والإسلام والانطباق بينهما شبه تام كما لا يخفى على المتتبع المنصف .
    بعد غياب وصي موسى يوشع بن نون ﴿عليهما السلام﴾ عن الساحة حيث بدأت واحدة من اخطر المراحل التي مرت على الناموس اليهودي من خلال تولي الأحبار للقيادة الدينية في مجتمع بني إسرائيل فبدات بعد مرور تلك الفترة الزمنية عملية تكوين وتدوين ما يسمى بالشريعة الشفوية وتشير معظم المصادر التأريخية إلى ان علميات تحرير وتدوين الكتب الدينية اليهودية ﴿التوراة - التلمود﴾ بدأت في بابل بعد السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد وانها استمرت حتى القرن الخامس الميلادي ، وبعد عودة اليهود من السبي إلى اورشليم تابع الكهنة تحرير وتدوين شريعتهم وتحديداً خلال الحكم الفارسي الاخميني الذي تمتعوا فيه بامتيازات كثيرة 538 – 330 ق م .
    وفي زمن الاغريق والرومان ونتيجة للأضطرابات كثرت التقليد وازداد عدد المجتهدين الناظرين في الشريعة، وكثرت الأحكام الصادرة عن المجامع اليهودية المختلفة ، كما أن أحوال اليهود إزدادت إضطراباً بظهور السيد المسيح (ع) وما قدم من تعاليم إنسانية شمولية ، وكانت إلى ذلك الوقت كل شروح التوراة تلقن للتلاميذ شفوياً حتى اوآخر القرن الثالث الميلادي ، فخشي فقهاء اليهود ان يطغى النسيان على هذه الشروح وتطغى عليها تعاليم السيد المسيح (ع) وشروحه التي انتشرت وقتئذ فأخذ الأحبار يدونون كل تفاسيرهم للتوراة ، واشهر هؤلاء الأحبار هو ﴿بارنحماني﴾ الذي قام بجمع هذه الشروح وتبويبها والف منها سفراً ضخماً أسماه ﴿مدراش ربا﴾ ، وراح أحبار اليهود يدونون هذه الشروح التي عدوها فلسفة التوراة والشريعة اليهودية﴿ اليهودية بين النظرية والتطبيق - علي خليل - ص18﴾ .
    يذكر التأريخ هنا أن السيد المسيح (ع) قد بعثه الله تعالى في تلك الفترة التي عاصرت دخول التعاليم الشفوية أو الإجتهادية إلى جسد الناموس اليهودي فوجدها متغلغلة بشكل واسع في المجتمع الديني وسيطرت على عقول شعب بني إسرائيل، فكانت المجامع اليهودية تدرس تلك التقاليد الدينية المصطبغة بلون القداسة المزيف لكل أبناء الشعب المعتنقين لدين موسى (ع)، وقد ذم السيد المسيح (ع) هذه الظاهرة التي من شأنها تحريف رسالات الأنبياء والرسل بشكل غير محسوس ربما لدى العامة لكنها لا تخفى على رجالات السماء أمثال عيسى المسيح (ع)، حيث قال موبخاً حالة التعاليم التي يقلدها الناس اباً عن جد من دون دليل وفيها مخالفة صريحة لجوهر الشريعة السمحاء كان هذا عندما اعترض على تبني اولئك طريقة تقاليد وتعاليم رجال الدين دون تعاليم السماء .
    كانت هنالك طوائف عديدة يهودية تتبنى في الظاهر شريعة موسى (ع) لكن لديها الكثير من نقاط الخلاف فيما بينها إلى درجة التناحر والتباغض وهذه مسألة مألوفة في ما بين الجماعات الدينية المتنافرة على مر العصور، فالفريسيون والصدوقيون كانوا أبرز تلك الطوائف في عهد السيد المسيح (ع) ودعوته المباركة، وكلاهما رفع شعار محاربة المسيح (ع) بكل قوة على اعتباره صاحب النهج المغاير والمنتقد للناموس المقدس – بزعمهم – والموبخ للشعب المتمسك بتقاليد بشرية تلك التقاليد التي لا تمت إلى الدين الصحيح بأي صلة .
    الفريسيون كانوا يتصرفون كما لو أن لقواعدهم – أي تقاليدهم- الدينية نفس الأهمية التي لكلمة الله -التوراة- وكانت تستحوذ عليهم فكرة طاعة تفسيراتهم الناموسية بكل تفصيلاتها، وسبق ان اضافوا مئات التقاليد لشرائع الله﴿التفسير التطبيقي للعهد الجديد ص 16 و 63) وكانوا يتحينون الفرص للنيل من رسالة المسيح (ع) والحوار التالي الذي جرى بينه وبينهم يمثل حقيقة ذلك العداء الواضح من قبل اولئك ولنقرأ النص الانجيلي التالي لنفهم القضية أكثر : ﴿ جاء إلى يسوع كتبة وفريسيون الذين من اورشليم قائلين. لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ . فإنهم لا يغسلون ايديهم حينما ياكلون خبزا . فاجاب وقال لهم وأنتم أيضاً لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم. فإن الله أوصى قائلا اكرم اباك وامك . ومن يشتم ابا أو اما فليمت موتا. واما أنتم فتقولون من قال لأبيه أو أمه قربان هو الذي تنتفع به مني . فلا يكرم اباه أو امه . فقد ابطلتم وصية الله بسبب تقليدكم. يا مراؤون حسنا تنبا عنكم اشعياء قائلا . يقترب الي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيداً . وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس﴾﴿ - متى 15: 1-10 ﴾ .
    لقد ذكر السيد المسيح (ع) في النص السابق مجموعة من المثالب في تقليد اليهود لشيوخهم المتسالمة لعصور منها ما كان يعنى بأكرام أو شتم الآباء والوالدين وهي عينة صغيرة من تقليدهم البالي المخالف لصراحة الشريعة، ولا تعد هذه الوقفة هي الاولى والاخيرة من جهة نقد المسيح (ع) للتقليد اليهودي ، لا بل يسجل لنا العهد الجديد ذاته مرات عديدة من وقفات السيد المسيح (ع) مع تقليد الكهنة المزيف حيث كانت كلمات المسيح (ع) مدوية وذات توبيخ مرير للذين جلسوا على كرسي موسى (ع) حيث حرض السيد المسيح (ع) الشعب اليهودي إلى عدم الإنقياد والتقليد لتعاليم الكهنة والأحبار المخترعة وحذرهم من تقليدهم لفقهاء اليهود في أكثر من خطاب تأريخي مزلزل نطق به السيد المسيح (ع) حيث جاء في الانجيل حين خاطب المسيح الجموع وتلامِيذه قائلا : ﴿ عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ 3فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ وَلَكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا لأنهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ. 4فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ 5 وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ 6وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ 7 وَﭐلتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي! 8 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي لأن مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ. 9وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى الأَرْضِ لأن أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 10وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ لأن مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ. 11وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِماً لَكُمْ. 12فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ ﴾﴿ - أنجيل متى - الاصحاح 23 ﴾.


    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

  • #2
    وكذلك جاء تحذير السيد المسيح (ع) للكتبة والفريسيون حيث قال : ﴿ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأنكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ! 14وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأنكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذَلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. 15وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأنكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِداً وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْناً لِجَهَنَّمَ أكثر مِنْكُمْ مُضَاعَفاً! 16وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَبِ الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ! 17أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ 18وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبان الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ! 19أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبان أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ 20فإن مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ 21وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ 22وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللَّهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ! 23وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأنكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. 24أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ! 25وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأنكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اخْتِطَافاً وَدَعَارَةً! 26أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضاً نَقِيّاً. 27وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأنكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُوراً مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً وَهِيَ مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. 28هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَاراً وَلَكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِلٍ مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْماً! 29وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأنكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأنبياء وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ 30وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأنبياء! 31فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأنبياء. 32فَامْلَأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ. 33أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ 34لِذَلِكَ هَا أَنَا أرسل إِلَيْكُمْ أنبياء وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إلى مَدِينَةٍ 35لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إلى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ ﴾﴿ أنجيل متى - الاصحاح 23﴾.
    ولا يخفى على من تمعن كلام السيد المسيح (ع) أن يدرك ما كان عليه الأحبار قبل قدومه وكيف كانوا يجلسون على كرسي موسى (ع) وكيف أنهم يقولون ما لا يفعلون محبين للرياء مولعين بتقديم أنفسهم بين الناس متكأين على موائد الطعام يحبون مدح الناس لهم يأكلون أموال الأرامل والأيتام ظلما وأنهم يبنون قبور الأنبياء ويقولون ياليتنا كنا معكم لما شاركنا أبائنا في قتالكم ولنصرناكم وهم يشهدون بأنهم أولاد قتلة الأنبياء وذراري المفسدين في الأرض .
    إن الصفات التي اتصف بها أحبار اليهود خصوصاً صفة القول دون العمل وصفة تمنيهم ان يكونوا مع الأنبياء وصفات أخرى يجدها المنصف المطلع منطبقة في فقهاء الضلالة من المسلمين جرياً على سُنن الماضين فقد وصف الكتاب فقهاء السوء والضلالة بصفة القول دون العمل وهي نفس الصفة التي وصفها السيد المسيح (ع) لأحبار اليهود قال تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾﴿ - سورة الشعراء أية 224 - 227 ﴾.
    وقد جاء تفسير هذه الآية الكريمة عن الصادقين (ع) ما نقله علي بن إبراهيم في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾﴿ سورة الشعراء آية 224﴾ قال: قال أبو عبد الله (ع): ﴿ نزلت في الذين غيروا دين الله وتركوا ما أمر الله ، ولكن هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد ، إنما عنى بهم : الذين وضعوا ديناً بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك - إلى أن قال : - ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ وهم أمير المؤمنين (ع)وولده (ع)﴾﴿ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 132 - 133﴾ وجاء أيضاً عن أبي عبد الله (ع)، في قوله عز وجل : ﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ قال : ﴿من رأيتم من الشعراء يتبع ! إنما عنى بهذا الفقهاء الذين يشعرون قلوب الناس الباطل ، وهم الشعراء الذين يتبعون﴾﴿ - تأويل الآيات - شرف الدين الحسيني - ج 1 - ص 399﴾ وجاء عن الفضل بن الحسن الطبرسي في ﴿مجمع البيان﴾ قال : روى العياشي بالاسناد عن أبي عبد الله (ع) قال : في الشعراء: ﴿هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا﴾﴿- وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 133 ﴾.
    ومن هنا يتضح لنا اوجه الشبه بين المفسدين في أول الزمان واللاحقين بهم في زمن الإسلام إلى يومنا هذا وكذلك مدى تشابه الوصف لهم بين ما ذكره الانجيل وما تحدث به كتاب الله القرآن فَهُم قد وصفوا بانهم يقولون مالا يفعلون وقد ذكر في الانجيل وكذلك في أقوال الأئمة (ع) صفاتهم الأخرى والتي ذكرناها فيما تقدم.
    قدسية التقاليد الشفهية :
    عندما تمر سنوات بل قرون على رحيل الاب الروحي للدين كالنبي أو الوصي فإن هنالك حفنة من الناس تتصيد مثل هكذا فرص لتضع نفسها كوريث شرعي لذلك الدين أو المذهب، وفي تلك المرحلة لا بد من أنهم سيحتاجون إلى اقناع الناس بسلطتهم المزعومة ، إلا إنهم وجدوا الارضية المناسبة والبيئة المثالية في انفس الناس من خلال عدة عوامل أهمها حاجة الناس إلى رؤيا من يلبس ثوب النبي أو الوصي ، اضافةً إلى ميول النفس البشرية خصوصاً في غيبة الخليفة الإلهي إلى الاتكال على من يكون حافظاً للشريعة والناموس من غير اختبار ولا تمحيص لأمانة ذلك القيم على الشريعة ، ولا ننسى ان مسألة النسب تعد وظيفة غاية في التأثير عند كل الأديان بما فيهم المسلمون إذ أن أغلب من يتصدى للمسائل الدينية التي تخص مجتمع ما ان يكون من نسل الأنبياء والأوصياء ، واليهود وكهنتهم هم مثال حي على هذه المسألة ، فقد اعتمد الكهنة اليهود على جهة انتسابهم إلى النبي ابراهيم الخليل (ع) وكان من الشواهد التأريخية هو حادثة اصطدام نبي الله يحيى (ع) مع طائفة الفريسيين والصدوقيين الذين مررنا على ذكرهم حيث خاطبهم بكلمات عنيفة قائلاً : ﴿فلما راى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين ياتون إلى معموديته قال لهم: «يا اولاد الافاعي من اراكم ان تهربوا من الغضب الاتي. 8 فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة 9 . ولا تفتكروا ان تقولوا في انفسكم لنا ابراهيم ابا . لأني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم. 10 والآن قد وضعت الفاس على أصل الشجر . فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيداً تقطع وتلقى في النار.متي 3: 7-10

    لقد صدم اولئك اليهود حين سمعوا يوحنا يقول ان بنوتهم لإبراهيم غير كافية أمام الله ، فقد كان القادة الدينيون يتكلون على سلسلة انسابهم أكثر من اتكالهم على إيمانهم في موقفهم مع الله ، فالدين بالنسبة لهم شيء موروث ، وكان هنالك رئيس كهنة واحد في نظام الشريعة اليهودية يقيمه الله بزعمهم من نسل هارون ويظل في منصبه طيلة حياته﴿ - التفسير التطبيقي للعهد الجديد - ص214﴾ .
    إن هذه الاتكالية النسبية ان صح التعبير هي واحدة من دعائم بنيان الأحبار على مر الازمان ولهذه الأسباب المذكورة كانت تعاليمهم الشفوية أو التقاليد المقدسة عند اليهود الارذدوكس وغيرهم ايما تقديس إلى الدرجة التي جاء في احدى نصوص التلمود : ﴿ إنّ من درس التوراة فعل فضيلة لا يستحق المكافأة عليها ، ومن درس المِشنا فعل فضيلة استحق أنْ يُكافأ عليها ، ومن درس الجمارا فعل أعظم فضيلة﴾﴿ - الكنز المرصود في قواعد التلمود - يوسف نصر الله - ص50﴾ وجاء في موضع آخر: ﴿من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت أكثر ممن احتقر أقوال التوراة ، ولا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط ، لأن أقوال علماء التلمود أفضل مما جاء في شريعة موسى﴾﴿ - نفس المصدر السابق﴾ .
    لم يقفوا عند هذا الحد بل اعتبروا تعاليمهم التقليدية هي سبب بقاء البشرية كما هي منذ عصر موسى (ع) حيث جاء عن إسرائيل أبراهامز: ﴿بقي اليهودي بسبب التلمود، بينما بقي التلمود في اليهودي﴾﴿ - التلمود ﴿تاريخه وتعاليمه﴾ - ظفر الإسلام خان - ص35﴾ .
    كل هذا دعا السيد المسيح (ع) ومن قبله يحيى بن زكريا ﴿عليهما السلام﴾ إلى الوقوف بكل قوة وصرامة تجاه هذه البدع الدخيلة على الدين من قبل هؤلاء ، ولكن هذه المرة كان الموقف لا يقتصر على التنديد والتوبيخ ، لا بل تعداه إلى إتخاذ الاجراء الحازم والفعل العملي في حادثة رواق إلهيكل الشهيرة في الانجيل، حيث صادف أن المسيح (ع) مر فيه فرأى وضع مزري وحالة يرثى لها للهيكل المقدس، فهل هذا هو المعبد الذي يجب ان يكون محل دعوة الأمم من غير اليهود إلى دين موسى (ع)؟!..
    لا شك ان منظر الباعة في رواقه والاسواق والبهائم وغيرها مما يدنس المنظر القدسي المهيب لهيكل الله ، كل هذا دعا عيسى المسيح (ع) ان يقوم بحركة غير مسبوقة أو متوقعة حيث قلب موائد الصيارفة وطرد باعة الحمام معلناً ان الهيكل هو بيت الرب ولا يجب ان يدنس بهذه الشاكلة حيث جاء في النص الانجيلي : ﴿ ودخل يسوع إلى هيكل الله واخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم . مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص﴾﴿ متى 21 : 12-13﴾ .
    وقد يتسائل القارئ الكريم ما الذي دعا المسيح (ع) إلى ان يغضب إلى تلك الدرجة ؟.. هل هو مشهد السوق داخل الهيكل ؟ ام ان هنالك أسباب ودوافع أخرى لهذا التصرف ؟
    إن الجواب على هذا الاستفهام يجبرنا أن نرجع إلى تلك الحقبة الزمنية لنرى ماهي ممارسات الكهنة ومن لف لفهم حتى يستطيع القارئ فهم تلك الاجواء والظروف أكثر .
    وجاء فعل السيد المسيح (ع) كردة فعل على أفعال الأحبار التي كان منها أنهم كانوا يجبرون كل ذكر يهودي يصل إلى سن التاسع عشرة ان يدفع ما يسمى ضريبة الهيكل وكانت نصف شاقل وهو مبلغ ليس بقليل في ذلك الوقت كما أن الكهنة كانوا يشترطون ان توفى هذه الضريبة بعملة الشاقل الجليلي أو شاقل القدس ، وكان هذا الشاقل غير متداول حيث كان الناس يتداولون العملات الفضية السائدة في ذلك الوقت ولكن الكهنة لم يكونوا يقبلون مثل هذه العملات لأنها عملات مدنسة على حسب زعمهم ويجب استبدالها بالشاقل المقدس ، وهذه حجة من الكهنة لكي يعطوا الصيارفة اماكن في اروقة الهيكل لأستبدال العملة ، وكانت هذه تبدو كخدمة للجمهور لكن الحقيقة ان هؤلاء الصيارفة كانوا يدفعون للكهنة عمولات باهضة جداً ، وكان هذا التصرف سببا من الأسباب التي دعت عيسى المسيح (ع) لكي يثور عليهم .
    وكان هنالك سببا آخر أو قل أسباب عديدة منها أن اليهود عندما كانوا ياتون في العيد إلى الهيكل كان عليهم أن يقدموا اضاحي سواءً اكانت ذبائح شكر أو خلافه ، ولذلك قرر الكهنة ان تباع هذه الذبائح على مقربة من الهيكل وقد عينت ادارة الهيكل مفتشين على الذبائح ليكشفوا على الذبيحة قبل أن تذبح ليتأكدوا من سلامتها وكان هنالك اتفاق ضمني بين التجار ولجنة التفتيش على انه إذا جاء من يقدم الاضحية بذبيحة من بيته ، أو اشتراها من مكان بعيد فعلى اللجنة ان ترفضها وتقر بعدم سلامتها ، فيضطر إلى بيعها أو استبدالها بذبيحة أخرى من التي تباع بجوار الهيكل ، وفي هذه الحالة يبيع ذبيحته بثمن بخس ويشتري الأخرى بثمن غالي ومرتفع.
    هذه المسائل وغيرها كثير هي التي رآها عيسى المسيح (ع) في الهيكل مما اثارت في نفسه الكثير من الالم على حال الدين والعبادة ، فلقد تدنس الهيكل بعبادة شكلية باطلة وبالتالي غير مقبولة عند الله ، لا شك ان هؤلاء الكنهة – في الظاهر- كانوا يلبسون ثوب الحرص على عبادة الله وتقديم الذبائح لكنهم كانوا يستغلون الشعب ويتاجرون بالدين ، ورغم ذلك كانوا يظنون انهم اقرب إلى الله من غيرهم ، ونحن نرى المظاهر نفسها تتكرر اليوم مع اولئك الذين يجمعون أموالاً بأسم الدين تحت عنوان الزكاة أو الخمس أو غيرها ثم ياخذون عمولاتهم من هذه الأموال مستخدمين الدين للشهرة أو الربح المادي ، فما زال الدين إلى الآن من أكثر الوسائل جلباً للربح لأولئك الذين يتاجرون به ، ولكي يتأكد لك ذلك انظر إلى الزعماء الدينيين في جميع الأديان فتجد انهم أكثر الناس ثراءً وامتلاكاً للسلطة.
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرآ اخينا ناطق سعيد
      له كنوز في الطالقان كنوز واي كنوز لا من ذهب ولا من فضة ولكن رجال قلوبهم كزبر الحديد

      تعليق

      يعمل...
      X