إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التقليد عند النصارى (المسيحيون)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التقليد عند النصارى (المسيحيون)

    منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني


    التقليد عند النصارى ﴿المسيحيين﴾ :
    ذكرنا بأن الديانة المسيحية واحدة من أكثر الديانات اعتناقاً في تأريخ البشرية، وتعرف على انها الديانة المرتبطة بنبوة أو رسالة عيسى المسيح (ع) والمسمى بيسوع الناصري في تأريخ المسيحية واليهودية على حد سواء، هذه الرسالة التي بدات عام 30 للميلاد حين بدأ يسوع دعوته في اورشليم ﴿القدس﴾ المدينة المقدسة عند اليهود حين كانت فلسطين محتلة من قبل الرومان .
    انتشرت الديانة النصرانية بفضل تضحيات وجهود تلاميذ السيد المسيح (ع) الذين يسمون الحواريون في المصطلح الإسلامي ، حيث امتثلوا لوصية معلمهم عيسى (ع) حين خاطبهم قائلاً : ﴿وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها . من امن واعتمد خلص . ومن لم يؤمن يدن ﴾﴿ - مرقس 16 : 15-16﴾ .
    يستند النصارى على الاناجيل الاربعة التي كتبت من قبل التلاميذ اضافةً إلى كتابات رجالات المسيحية أو ﴿آباء الكنيسة﴾ كما يصطلح عليهم في القرون التي تلت دعوة النبي عيسى(ع).
    اعتمد النصارى في عقيدتهم وكما ذكرنا على ﴿المجامع﴾ وهي المؤتمرات التي يجتمع فيها رجال الدين لكي يقرروا إجتهاداتهم تلك المجامع كان لها اكبر الاثر في تحديد عقائد النصارى المختلفة .
    لقد نتج عن هذه المجامع نتائج عديدة كان لها اكبر الاثر في استمرار مسلسل تحريف الديانة المسيحية اضافةً إلى تاصيل عقيدة رئيسية وهي عقيدة اطاعة آباء الكنيسة – أي الاساقف والبابوات - كما يطاع المسيح نفسه ، حيث صرح بذلك أحد المجامع وهو مجمع نيقية الأول سنة 325م والذي قرر ان تعاليم الدين لا يمكن تلقيها من الكتب رأساً بل من افواه العلماء ورجال الكهنوت ، وان أقوالهم حجة .
    ومن قبله ما كتبه الاسقف اجناسيوس اسقف انطاكية سنة 107م إلى النصارى في سميرنا : ﴿عليكم جميعاً ان تطيعوا آباء السماء كما اطاع عيسى اباه ، اطيعوا ائمتكم الروحانيين كما تطيعون الرسل ، ولا يباشر أحد منكم شأن من الشؤون التي تقوم بها الكنيسة كالتعميد والزواج وحضور الموت والصلاة بدون حضور آباء الكنيسة ، وانى يوجد الاسقف فإن حضوره يعد حضوراً للمسيح نفسه تبعاً لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية. ﴾ . وكذلك قال : ﴿الاب والأئمة الروحانيون لهم سلطان لقيادتنا وارشادنا بأسم المسيح ، فمن ايديهم نتلقى حياة الطهر عن طريق التعميد ، وهم الذين يعطوننا الخبز المقدس في العشاء الرباني ، وهم الذين يربون أبناءنا ليصبحوا أبناء الله ، وهم عوض عيسى وآباؤنا الروحانيون ، فعلينا ان نتعمق في احترامهم وحبهم وطاعتهم﴾ . وكذلك قال : ﴿وكل رجال الكنيسة العظام من الاب المقدس إلى الاساقفة يصدرون الأوامر لتنظيم الكنيسة ولسلامة المسيحيين من الذنوب والهموم النفسية وتشجيعهم على فهم الحياة الكنسية﴾ وقال أيضاً : ﴿والمسيحييون اعضاء يتكون منهم جسد عيسى المقدس فعليهم ان يمتثلوا لأوامر الاساقفة وان يسلموا أنفسهم للآباء الروحانييين﴾﴿ تحريف رسالة المسيح - بسمة احمد جستنية - ص335 -336 ﴾ .
    إن هذه الكلمات واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج منا إلى أدنى بيان حيث ذهب هؤلاء إلى القول بألوهيتهم وعصمتهم بالمعنى وليس بالتصريح حيث انهم ينسبون قولهم الإجتهادي العقلي إلى الله والمسيح مع اختلافهم في الفتاوى العقلية ويعتقدون أنهم آباء السماء مع أن المسيح (ع) قد قال : ﴿وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأن أباكم وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ﴾﴿ ﴾ إن كلمة الاب لها معاني عديدة ولا شك بأن المسيح (ع) لم يريد بمعنى الاب هو الوالد بل أراد معاني أخرى كالمرشد والراعي أو المربي كما يقال للرجل رب الاسرة أي بمعنى المسؤول عن الاسرة من حيث التربية والاشاد وعليه أن المسيح (ع) لم يجوز لأحد من أتباعه إتخاذ أباً له من دون الله تعالى أي ان يتخذ مرشداً له غير الله لأن الله هو المرشد وهو الهادي لا سواه وليس كما يدعي رهبان النصارى بانهم آباء السماء وطاعتهم مفروضة فإذا كانت هذه صفاتهم فليأتونا بدليل من كلام المسيح (ع) يدل على ما ذهبوا إليه وهذا مما لا يمكنهم البتة .
    إن الخلافات بين الطوائف المسيحية كان لها اكبر الاثر في تشتت أتباع المسيح على مر الازمان ، ولعل أهم نقاط الخلاف بين المدارس الثلاث الرئيسية ﴿الكاثوليك، الارذدوكس، البروتستانت﴾ هي التقليد، ويعرف التقليد على لسان الانبا شنودة زعيم الاقباط في مصر والشرق على انه : ﴿كل تعليم وصل عن طريق التسليم الرسولي والآبائي غير الكلام الذي ترك لنا كتابة في الكتاب المقدس ، في موضوعات ربما لم تذكر في الكتاب ولكنها لا تتعارض معه في شيء ما..اللاهوت المقارن - ج1 - ص 51 ﴾ ، ولما كان الانبا يعلم جيداً انها نقطة خلاف قوية بين من يعتقد بالتقليد وبين من لا يعتقد لم يجد بداً من التذكير بالموضوع قائلاً : ﴿والبروتستانت لا يؤمنون بالتقليد ولا يلتزمون الا بالكتاب المقدس وبهذا يتركون كل التراث الذي تركته الاجيال السابقة للكنيسة ، كل ما تركه الآباء والرسل ، وآباء الكنيسة الاولى والمجامع المقدسة والقوانين والنظم الكنسية ، وما في الكنيسة من طقوس ومن نظم ، وما اخذناه من تعليم شفاهي عبر هذه الاجيال الطويلة كلها ..المصدر السابق

    وبالرغم من وجود نص مقدس – كما ذكرنا سابقا - على لسان السيد المسيح (ع) نفسه يذم فيه التقليد بصريح العبارة حين قال : ﴿وأنتم لماذا تتعدون وصية الرب بسبب تقاليدكم﴾﴿متي 15 : 4-6﴾ ، إلا أن الاساقف الدهاة راحوا يضعون الأدلة العقلية وينسبون العجز والنقصان إلى كتابهم المقدس ليجدوا مخرجاً من الزاوية الضيقة التي وضعهم فيها عيسى (ع) قدحه للتقليد .
    يقول الانبا شنودة محاولاً حرف النص تفسيرياً كعادة آباء الكنيسة حيث قال في نفس كتابه : ﴿ ... ونحن لا نقصد في حديثنا عن التقليد تلك التقاليد الباطلة التي هي من صنع الناس أو التي هي ضد تعليم الكتاب أو ضد روحه أو كالتقاليد التي اظهر السيد المسيح زيفها ، إنما نقصد التقليد السليم الذي هو:
    1.تعليم الرب نفسه الذي وصل عن طريق التقليد .
    2.التقليد الرسولي الذي هو تعليم الآباء الرسل وقد وصل إلينا عن طريق التسليم جيل يسلم جيلاً.
    3.التقليد الكنسي الذي قررته مجامع الكنيسة في قوانينها ونظمها ..- - اللاهوت المقارن - ج1 – ص63
    نقول : إن هذا الكلام فيه تناقض واضح وصريح وهو أن الانبا قال في بداية كلامه بأنه لا يقصد بالتقليد ذلك الذي وضعه الناس ثم جاء في النقطة الثالثة وقال بأن التقليد الكنسي حجة ! فمن وضع هذا التقليد هل الناس ام الأنبياء ؟
    بالطبع ان وضاع هذه التعاليم هم أناس عاديين وليسوا أنبياء أو أوصياء بل هم مختلفين مع بعضهم البعض وهذا يدل على ان تعاليمهم موضوعة من عند أنفسهم وآرائهم الشخصية فهي لم تنزل من السماء أو نطق بها الروح القدس ولو كانت كذلك لم يكن اختلاف من الأساس .
    وكان هنالك وسائل عديدة لجأ إليها الآباء لكي يثبتوا صحة دعواهم في نظرية التقليد ، لعل أبرزها على الإطلاق هو ما ذكروه من عبارة كثيراً ما ترددت على أسماع أتباع الرسالات السماوية بعد موت أو رحيل النبي أو الرسول ، انها عبارة ﴿الكتاب لم يذكر كل شيء﴾ ، ولم أصدق عيني أول الأمر حين قرأت العبارة في عنوان كبير في كتاب الانبا شنودة ، ودهشت من هول الصدمة ، فكيف يعقل ان تتفق افكار وعقائد رجال الدين في الديانات السماوية الثلاثة ﴿اليهويدة والنصرانية والإسلام﴾ على الرغم من الصراع الكبير بينها على مثل هكذا عبارة يخيل إلى الناظر لأول وهلة انه تواصت به جيلاً بعد جيل أو ديناً بعد دين ومذهب بعد مذهب !!!
    لكن بعد لحظات زال الانبهار وغابت الدهشة بعد أن أسترجعت ذاكرتي الوعد الإلهي في القرآن والسُنة بأن سُنن الأمم تتكرر طبقاً عن طبق وتجري حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة !!
    إن مسألة الاختلاف في شرعية التقليد لهي من السُنن الثابتة عند أتباع الأديان فإن المسلمين من كافة المذاهب أختلفوا في مسألة حجية التقليد أو بطلانه وهذا ما سنتعرف عليه في الفصلين القادمين إن شاء الله تعالى .
    ولم يكتفِ الانبا شنودة عند هذا الحد من الأسلوب الرامي إلى استدراج الأدلة حتى وان كانت غير تامة وضعيفة بل قائمة على التصور والفهم الشخصي ، لا بل تعداه إلى القول بأقدمية التقليد على الكتاب المقدس نفسه وان هذه الفكرة كان قد صاغها صياغة لكنها واقعاً هشة وضعيفة، إذ ذكر ان قدم التقليد يرجع إلى عصر هابيل وقابيل ابني آدم وامتد إلى عصر الأنبياء التالين كنوح وابراهيم واسحق ويعقوب وغيرهم ، الذين توارثوا الشريعة والأحكام الإلهية ليس عبر كتاب مكتوب بل من خلال شريعة شفوية أو تقليد كما يعبر عنها حيث قال : ﴿...والتقليد هو اقدم من الكتاب يرجع إلى أيام أبينا آدم ، ولعل اقدم ما وصل إلينا من الشريعة المكتوبة كان على يد موسى النبي الذي عاش في القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد ، ولكن التقليد اقدم من هذا بكثير ، آلاف السنين مرت على البشرية بدون شريعة مكتوبة ، فمن الذي كان يقود تفكيرها ؟ الضمير من جهة ﴿الشريعة الادبية﴾ .. والتقليد من جهة أخرى وهو تسليم جيل لجيل آخر.. وسنحاول ان نضرب بعض الأمثلة السابقة للشريعة المكتوبة ...من اين عرف هابيل فكرة الذبيحة التي تقدم قرباناً إلى الله ؟ ومن اين اتاه هذا الإيمان ولم تكن في زمنه شريعة مكتوبة؟.. ومن اين عرف نوح فكرة تقديم الذبائح من الحيوانات الطاهرة؟.. وبنفس الوضع كيف عرف أبونا يعقوب فكرة العشور حينا قال للرب ﴿وكل ما تعطيني اعشره لك﴾؟ ﴾ ﴿اللاهوت المقارن - ج1 – ص53 ﴾.
    من الواضح ان الاستفهامات التي اوردها هنا لا تسمن ولا تغني من جوع وهي حيلة انطلت على أغلب النصارى السذج وربما الجهلة منهم الذين يتبعون التقليد فالوقوف على هذه الاستفهامات لن يطول إذا ما رجع النصراني إلى الكتاب ووجد ان كل تلك الأسماء هي من رجالات الله وأنبياءه وحججه على الناس ، وهم بدورهم يتلقون الوحي لأن دورهم هو تبليغ رسالات السماء إلى الناس فكيف يصح انهم يستخدمون التقليد ؟!... وهل يعقل ان رسول أو نبي يحتاج إلى معرفة الشريعة ممن سبقه من رجال الدين أو الكهنة كي يتم شريعة الله !؟.. فما جدوى ارساله إلى الناس واجتباءه للنبوة وحاشا لله ان يفعل عبثاً ، ولو تنزلنا جدلاً وقلنا ان مثل هابيل الصديق لم يكن نبياً أو رسولاً ، لكنه كان باراً وصديقاً على حد الوصف الكتابي فهنا يقبل العقل انه كان يستخدم التقليد لكن أي تقليد ؟! ليس بينه وبين النبوة غير جيل واحد فأبوه آدم (ع) هو من تعلم من الله الشريعة وليس هنالك اجيال شاسعة البون بينهما كي تتغير الأحكام بالنقل من زمان إلى زمان ، فهل يا ترى تتسالم الشريعة من التغيير شفاهتةً كما عبر عنها الانبا عبر آلاف السنين ؟
    لما فرغ من سرد الأدلة العقلية غير الصامدة أمام النقد عاد ورجع إلى محاولة تأويل نصوص كلام السيد المسيح (ع) بما يتلائم مع نظريته الناقصة الضعيفة مستغلاً مسألة عدم كتابة الانجيل في عهد المسيح (ع) أو تحت اشرافه في حياته ليثبت هذه المرة ان الانجيل نفسه جاء عن طريق التقليد : ﴿ان السيد المسيح لم يكتب انجيلاً ولم يترك انجيلا مكتوباً ، ولكنه كان يعظ ويعلم ويترك للناس كلامه روحاً وحياة وهذا يتناقله الناس ، وحينا بدأ تعليمه وعمله الكرازي قال للناس ﴿قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالانجيل ﴾﴿- مرقس 1: 15﴾ ، ولم يكن هناك انجيل مكتوب إنما كانت هناك كرازة وبشارة مفرحة تلك التي تماثل الانجيل الشفاهي أو التعليم الاهلي الذي يتناقلونه بالتسليم .- اللاهوت المقارن - ج1 – ص55 .
    كيف يستطيع إنسان عاقل ان يفسر كلام النبي بهذه الطريقة ؟ إذ كيف يمكن للنبي ان يأمر الناس بالإيمان بشيء غير موثق ؟ مع علمه بقرب زمان رحيله عنهم فهلا يأمرهم بأن يوثقوا الانجيل ام يتركهم هكذا ويذهب ؟! هذه أستفهامات يجب علينا ان ندركها لعلمنا بأن الأنبياء هم أحرص الناس على الشريعة من الضياع أو النسيان أو التبديل فَهُم بعثوا لاجلها فكيف يتركوها هكذا ويرحلوا ؟!
    إن الحق يقال انهم انكروا الانجيل وضعفوه لا لعلة انه من جمع التلاميذ ولا لعلة نقصانه بل لكي يكون عندهم مجال واسع للإجتهاد كما فعل المسلمون حين ضعفوا أكثر ما ورد من أخبار النبي الخاتم (ص) وكل ذلك لكي يقولوا بانهم بحاجة لفتح باب الإجتهاد ليطرحوا آرائهم المختلفة باختلافهم الذي أصبح سُنة يتناقلها رجال الدين من دين لآخر ومن مذهب لآخر جيلاً بعد جيل ثم بعد فتح باب الإجتهاد يتحزبون إلى مذاهب ثم يوجبون التقليد على الناس وكلا حسب مذهبه الذي اختاره وهذه سُنن السابقين نراها بام اعيننا قد انطبقت في أمة النبي الخاتم (ص) .
    ولم يكتفِ الانبا إلى هذا الحد فحسب بل عاد هذه المرة لكي يبحث في اتجاه آخر وهو اتجاه تراث رسل المسيح والتابعين من بعدهم خصوصاً بولس الذي كانت له اليد العليا في تثبيت مبدا التقليد هذا ، وبدأ الموضوع بمقدمة عقلية كعادة رجال الدين في كل آن ومكان قال : ﴿هل نعقل ان رسل المسيح بكل ما اودعه الرب فيهم من علم تركوا الكنيسة بلا نظم؟، ولا قوانين تدبر شؤونها ، يقيناً انهم فعلوا ذلك ولكنهم لم يكتبوها في رسائلهم ، اما لأنها ليست لعامة الناس ، واما لأنها ستكون معروفة للكل عن طريق الممارسة ، وهذه كلها بلا شك وصلت عن طريق التسليم والتقليد ، هوذا يوحنا الرسول يقول في آخر رسالته الثانية ﴿اذ كان لي كثير لأكتب إليكم لم ارد ان يكون بورق وحبر لأني ارجو أن آتي إليكم واتكلم فماً لفم﴾ ﴿2يوحنا12﴾ ، وكرر نفس الكلام في آخر رسالته الثالثة ﴿3يو13 :14﴾ فما هو هذا الكلام الذي قاله فماً لفم ولم يكتبه؟ فكيف وصل إلينا؟ نلاحظ فيما اقتبسناه من هاتين الرسالتين ان الآباء الرسل كانوا في بعض الاحيان يفضلون الكلام على الكتابة حيثما توفر لهم ذلك وتعليمهم الشفاهي كان يسلمه جيل إلى جيل حتى وصل إلى أيامنا..﴾﴿ اللاهوت المقارن - ج1 – ص57﴾.
    كان حري بالانبا ان يستفهم عقلا هل ان المسيح (ع) ترك الكنسية بلا نظم ؟ فإذا كانت هذه النظم واجبة التبليغ كان الواجب ان يبلغها النبي للناس وهو القائل بانه جاء ليكمل ما بدأه موسى (ع)ثم ان هنالك أستفهام أخرى لو ان الشريعة الشفوية كانت بهذه الأهمية لما كان الداعي ان ينزل الله الالواح والكتب من السماء إلى أنبياءه ورسله ولأكتفى الله ان ينزل شريعة شفوية يعلمها لأنبياءه ثم يبلغ الأنبياء هذه الشرائع مشافهة للناس دون ان تكتب إلا أن الذي يتتبع الأديان السماوية يرى ان الله أحتج على الناس بالمكتوب أي بالكتب السماوية المنزلة على الأنبياء وكما يرى المتتبع أيضاً ان السيد المسيح (ع)كان دائماً يقول في كلماته التي وردت في الانجيل ﴿مكتوب أن ...﴾ وذلك دليل على أن المسيح (ع) كان دائماً يحتج بالمكتوب ولم يحاجج اليهود بما سمعوه من تقاليدهم بل على العكس من ذلك فقد أنتقد السيد المسيح (ع) تلك التقاليد وتصدى لها وبين زيفها وبعدها عن الدين الإلهي لما فيها من الأقوال التي ترجع إلى رجال الدين وليس للأنبياء . .



    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

  • #2


    بولس رسخ التقليد :
    اما بالنسبة إلى بولس القديس كما يطلقون عليه فقد ثبت هذا المنهج الخطير من خلال كتاباته ورسائله إلى كل من دخل إلى الدين الجديد بعد عصر المسيح (ع)، فنجده يمتدح اولئك الذين يتمسكون بالتقاليد من خلال رسالته إلى أهل كورنثوس التي قال فيها : ﴿ فامدحكم ايها الاخوة على انكم تذكرونني في كل شيء وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم.كور 11:2 .

    وقد يصل أحياناً التوصية بالتقليد إلى الاحتياج إلى تغيير التعبير من التقليد إلى الاقتداء أو التمثيل ، لعله يوجد احتمال أن تنفر النفوس المؤمنة بالانجيل من كلمة ﴿تقليد﴾ على اعتبارها كلمة لها ماض ان صح التعبير بين طيات العهد الجديد، ووقف عندها السيد المسيح (ع) وقفة سلبية بشكل واضح لا يحتاج إلى تبيين، فلم يكن بد من استخدام تعبير من شأنه ان يحسن الصورة المشوهة للتعبير عن التقليد في المفهوم الإيماني المسيحي، ولا شك ان التعبير الجديد ﴿الاقتداء أو التمثيل﴾ قريب إلى النفس على اعتبار انه من دواعي تكميل شخصية الإنسان هو الاقتداء أو الاحتذاء بنموذج مشرف من تأريخ الديانات .
    إن هذه المسألة من السُنن الأخرى التي تضاف إلى السُنن التي سار عليها فقهاء المسلمين فقد قرأنا في مبحث الإجتهاد ان فقهاء المسلمين خاضوا أيضاً هذه التجربة أي تبديل الألفاظ والتلاعب بالكلمات حتى لا يستوحش المسلمين ما هو مذموم بالأخبار الشريفة وقد ذكرنا العديد من المسائل التي بدل لفظها إلا أن معناها بقي كما هو عليه .
    إن بولس حث على الاقتداء أو التمثيل به وبمن سواه ممن اسس مذهب التقليد احتذاءاً بمن سبقهم من اليهود من خلال كلامه في الرسالة الثانية لتسالونيكي : ﴿ثم نوصيكم ايها الاخوة بأسم ربنا يسوع المسيح ان تتجنبوا كل اخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي اخذه منا . 7 إذ أنتم تعرفون كيف يجب ان يتمثل بنا لأننا لم نسلك بلا ترتيب بينكم 8 ... ليس ان لا سلطان لنا بل لكي نعطيكم انفسنا قدوة حتى تتمثلوا بنا. تسا 3 : 6-9﴾.
    من الطبيعي ان تحصل الانشقاقات والخلافات التي هي نتيجة حتمية لتأسيس عقائد مخالفة للدين القويم ، فتبرز إلى السطح مذاهب واتجاهات وتيارات متنازعة فيما بينها والضحية هو الدين والجمهور بالطبع .
    لقد نسي بولس وتناسى انه بهذا النهج يخالف علناً وصية المسيح (ع) بعدم إتباع تقاليد الناس خلافاً للشريعة الموحاة ، وما ذكرناه في الباب الأول من تأسيسه لعقائد منحرفة كالتبتل وعدم الختان والقول بالرأي وغيرها دليل على ذلك لكننا نجده بكل جرأة يصف من يخالف المسيح (ع)انه منحرف عن الشريعة في نفس الرسالة السابقة قائلا : ﴿ان كان أحد يعلم تعليما آخر ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة والتعليم الذي هو حسب التقوى فقد تصرف وهو لا يفهم شيئاً بل هو متعلل بمباحثات ومماحكات الكلام التي منها يحصل الحسد والخصام والافتراء والظنون الردية ومنازعات أناس فاسدي الذهن وعادمي الحق يظنون ان التقوى تجارة.تجنب مثل هؤلاء﴾﴿ تيمو 6 : 3-5﴾ .

    علم اللاهوت وسلطة البابا :
    كثيرة هي الامور التي احتكرها أهل الأديان وخصوصاً رجال الدين منهم على أنفسهم وجعلوها ارثاً شرعياً لهم دون سواهم ، وحينما عرفنا ان عيسى المسيح (ع) نفسه قد وبخ الذين يحتكرون السلطة الدينية والزعامة الإلهية لأنهم بدورهم سيمنعون الناس من مشاركتهم بهذا الارث المزعوم بغير وجه حق ، لعل أبرزها هو عدم جواز التكلم في الامور الإلهية مما سوى أصحاب الاختصاص بحجة انهم هم أعلم ممن سواهم بالناموس وما يتعلق به ، فكان موقف عيسى (ع) حازماً حينها لكهنة اليهود أو معلمي الشريعة من التصرف وفق هذا المنظار وعده اشبه ما يكون بغلق الباب بوجه دولة العدل الإلهي المنتظرة ، لكن التناقض الذي وقع فيه ارباب المدارس التقليدية النصرانية خالف وصية المسيح (ع)من حيث يعلم أو لا يعلم حين غلق الباب هذه المرة بوجه كل من يحاول ان يفهم من الكتاب بطريقة أو زاوية تتقاطع مع رجال الكنيسة الاوائل ، فأعتبر علم اللاهوت هو علماً موروثاً فقط لرجال الدين ولا يجوز لأحد ان يتكلم فيه إلا إذا كان موافقاً لتقليد الآباء ، حيث يذكر الانبا شنودة : ﴿علم اللاهوت هو العلم الذي يتحدث عن الله تبارك أسمه ، ولا يجوز ان يتحدث عن الله الا الذي عرفه أو على الأقل من قد تتلمذ على الذين عرفوه﴾ وعلى الرغم من نشأة هذا العلم بعد عصر المسيح والرسل الاوائل بفترة طويلة فهو بالتالي علم ليس له أصل في المسيحية الأصلية ، ولو تنزلنا جدلاً وقلنا انه علم موصول بالمعرفة الإلهية الضرورية لفهم الناموس لكفانا لكن آباء الكنيسة يعدونه من مختصات رجالها وليس لعامة الناس ان يقتربوا من ساحله بضعة امتار، وهو على هذا الفرض مولود من رحم الكنيسة التي تؤمن بالتقليد والإتباع .
    وكان لا بد من اضفاء المزيد من القدسية على التقليد فنسب إليه –أي التقليد- الدور الاكبر في حفظ الشريعة والدين حيث يقول الانبا شنودة :
    ﴿1- بالتقليد عرفنا الكتاب المقدس نفسه ، فبالتسليم وصلت إلينا كتب الله وما كنا لنعرفها ونميزها بغير هذا الطريق ، والمجامع المقدسة هي التي حددت لنا كتب العهد الجديد
    2- بالتقليد وصل إلينا كل تراث الكنيسة وكل نظمها وكل طقوسها
    3- التقليد هو الذي حفظ لنا الإيمان السليم سلمه جيل إلى جيل ، ولو ترك كل شخص لنفسه يرى ما الذي يفهمه من آيات الكتاب ، لوجدت شيع ومذاهب متعددة لا تربطها وحدة في الإيمان ، لأن الكتاب المقدس شيء وطريقة تفسيره شيء آخر..اللاهوت المقارن - ج1 – ص 62

    إذا كان للتقليد هذا المقام الرفيع فلماذا لم يذكره المسيح (ع) بخير ولو لمرة واحدة فقط لكي يبين هذه الأهمية التي ذكرها الانبا شنودة واعتقد ان الكلمات الاخيرة للانبا شنودة لا تحتاج إلى تعليق ، فكل ما يحتاجه الباحث المنصف بشيء من التجرد والحيادية ان ينظر إلى الصراعات الدامية التي طالت النصارى على مر التأريخ ، ويتصفح الكتب المهتمة بالطوائف المسيحية ليجد انها بلغت عدداً يكفي للقول ان خلافات عديدة حصلت عبر القرون التي تلت المسيح (ع)، ونتيجة لهذه الاختلافات وتباين تلك العقائد والمذاهب التي استمدها كل مذهب من بيئته انتشر الشقاق بين النصارى وتشعبت وجهات نظرهم منذ العصور الاولى ...وهكذا كثرت الفرق والمذاهب في القرون الثلاثة الاولى بعد رفع المسيح (ع) فتكونت نتيجة لهذه الاختلافات والفرق المجامع المسكونية..- تحريف رسالة المسيح - بسمة احمد جستنيه - ص297-298
    وبعد ما تقدم من البيان نكتفي بهذا القدر ونقول : إن مسألة التقليد وتقديس رجال الدين هي من السُنن التي انتقلت من اليهودية إلى النصرانية ثم تسللت بعد ذلك إلى الأمة الإسلامية فأصبح رجل الدين متسلطاً برعاية الجاه والمال وله ما للمعصوم بأعتباره الوريث الشرعي للشريعة كما يزعمون وقد أختلف المسلمون في حجية التقليد وصوره فتفرعت بهم المسائل إلى أكثر من قول وكل هذه الأقوال سوف نتعرف عليها ونناقشها نقاشاً موضوعياً معتمدين في بيان بطلانها أو أحقيتها على ما جاء في الكتاب والسُنة الشريفة فهماً مرشدانا إلى الصواب والحمد لله رب العالمين
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

    تعليق


    • #3
      سلمت اناملك اخي ناطق سعيد بارك الله فيك

      تعليق

      يعمل...
      X