إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مناقشة أدلة التقليد عند فقهاء العامة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مناقشة أدلة التقليد عند فقهاء العامة

    منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني

    مناقشة أدلة التقليد عند فقهاء العامة :
    الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿ فَاسْأَلُواْ أهل الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾﴿ ﴾. أستدل الفقهاء بهذه الآية على وجوب التقليد وقالوا أن الله أمر الناس ان يسألوا المجتهدين ويقلدونهم فيما لا علم لهم به من المسائل الدينية وغيرها. نقول: إن هذا القول منافي لتفسير الآية التي فسرها مفسريكم حيث نقل السيوطي في تفسيره ﴿الدر المنثور في التأويل بالمأثور﴾ عن أبن عباس قال : ﴿لما بعث الله محمداً رسولاً أنكرت العرب ذلك، ومن أنكر منهم قالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد. فأنزل الله: ﴿أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم ﴾ وقال: ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ يعني فاسألوا أهل الذكر والكتب الماضية : أبشرا كانت الرسل الذين أتتهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم ، وإن كانوا بشراً فلا تنكروا أن يكون رسولاً . ثم قال : ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم من أهل القرى﴾ أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم﴾﴿ - الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج 4 - ص 118 ﴾.
    إن أكثر المفسرين من فقهاء العامة ذكروا بأن هذه الآية نزلت لرد المشركين حين أنكروا بأن الرسل من البشر فقال لهم الله تعالى في كتابه بأن اسألوا أهل الذكر أي أصحاب الديانات السابقة هل كان رسلكم من الملائكة ام من البشر وهذا التفسير أطبق عليه فقهاء العامة في تفاسيرهم وعلى حسب ما فهموه فيكف جاز لكم صرف معنى الآية بما تشتهون، وإن قالوا بأن أهل الذكر هم أهل القرآن والسُنة قلنا قد صار المعنى عليكم لا لكم، فإن الله قد أمرنا بالرجوع إلى أهل القرآن والسُنة لا الرجوع إلى أصحاب الرأي والإجتهاد المختلفين فيما بينهم وقد رد عليهم أبن حزم قائلاً : ﴿ فإن قالوا: قال الله تعالى: ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ قلنا: صدق الله تعالى، وكذب محرف قوله، أهل الذكر هم رواة السُنن عن النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء بأحكام القرآن، برهان ذلك قوله تعالى: ﴿انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ﴾ فصح أن الله تعالى إنما أمرنا بسؤالهم ليخبرونا بما عندهم من القرآن والسُنن، لا لأن يشرعوا لنا من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، بآرائهم الفاسدة وظنونهم الكاذبة﴾﴿ الاحكام - أبن حزم - ج 6 - ص 838﴾.
    والحق يقال إن المسلم إذا سأل أخاه عن مسألة فأرشده إلى ما جاء حولها من الكتاب أو السُنة فإن هذه المسألة ليست تقليداً أبداً لأن المسؤول أرجع السائل إلى الكتاب والسُنة وهذا هو عين الدين أما إذا ارجع السائل إلى إجتهاد الفقهاء وأقوالهم الظنية أو تفاسيرهم المختلفة الناتجة عن آرائهم فإن هذه الحالة هي المسماة بالتقليد والتي عزمنا على بيان بطلانها .
    إن هذه الآية مخصوصة بآل محمد (ع) فالذكر رسول الله (ص) وهم أهله والحق في إتباع أهل الذكر (ع) وكما سيأتي تفصيل ذلك في الفصل القادم .
    الدليل الثاني : أحتج الفقهاء على التقليد بأن عمر كان يستحي من الله إذا خالف أبا بكر حيث جاء عن الشعبي قال سُئل أبو بكر عن الكلالة فقال انى سأقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له وان كان خطا فمني ومن الشيطان والله منه بريء أراه ما خلا الوالد والولد، فلما استخلف عمر قال الكلالة ما عدا الولد فلما طعن عمر قال انى لأستحي من الله أن أخالف أبا بكر﴿ - الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج 2 - ص 250﴾ . وأستدلوا أيضاً على التقليد بأن أبن مسعود كان يأخذ بقول عمر والكثير من الصحابة كانوا يأخذون عن بعضهم البعض .
    أستدل الفقهاء بهذه الوقائع بأن عمر كان يقلد أبا بكر ! وأن أبن مسعود كان يقلد عمر ! والذي يبطل مزاعمهم هو أن عمر قد خالف أبا بكر في الكثير من المسائل كما خالف أبن مسعود عمر أيضاً كما أن فقهاء المذاهب الاربعة قد خالفوا عمر وأبا بكر وأبن مسعود وغيرهم من الأصحاب في الفتيا أيضاً، فإن صح تقليد عمر لأبي بكر وجب عليكم أيضاً ان تقلدوا ابا بكر لا ان تخالفوه وذلك إن صح تقليد عمر كان لزاماً عليه ان يأخذ بكل أقواله وأن لا يخالفه في شيء كما هو حال التقليد عندكم .
    لقد رد أبن حزم هذا الدليل قائلاً: ﴿إن خلاف عمر لأبي بكر أشهر من أن يجهله من له أقل علم بالروايات، فمن ذلك خلافه إياه في سبي أهل الردة، سباهم أبو بكر ، وبلغ الخلاف عن عمر له أن نقض حكمه في ذلك ، وردهن حرائر إلى أهليهن إلا من ولدت لسيدها منهن ، ومن جملتهن كانت خولة الحنفية أم محمد بن علي . وخالفه في قسمة الأرض المفتتحة ، فكان أبو بكر يرى قسمتها ، وكان عمر يرى إيقافها ولم يقسمها . وخالفه في المفاضلة أيضاً في العطاء ، فكان أبو بكر يرى التسوية ، وكان عمر يرى المفاضلة وفاضل﴾ ثم ذكر أبن حزم روايات عديدة خالف فيها عمر أبو بكر وقال بعد ذلك : ﴿إن هذا لو صح كما أوردوه وموهوا به - وهو لا يصح كذلك - لكان غير موجب لتقليد مالك وأبي حنيفة ، ولا يتمثل في عقل ذي عقل ، إن في تقليد عمر لأبي بكر ما يوجب تقليد أهل زماننا لمالك وأبي حنيفة فبطل تمويههم بما ذكروا ﴾﴿الاحكام - أبن حزم - ج 6 - ص 799 ﴾.
    إن مخالفة عمر لأبي بكر ومخالفة الصحابة بعضهم لبعض تبطل القول بأن بعضهم كان يقلد بعض منهم وبهذا ينتفي دليلهم الثاني .
    الدليل الثالث : أحتج الفقهاء على حجية التقليد بخبر يروونه عن رسول الله (ص) وهو قوله : ﴿عليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي﴾.
    نقول: إذا كان فهمكم لهذا الحديث صحيح يتوجب عليكم ان تعملوا بالمتناقضات كيف لا ؟ وأن الصحابة ككل والخلفاء الراشدين على وجه الخصوص مختلفين غاية الاختلاف فكيف يمكن لعاقل ان يتبع سُنة مختلفة وهل الاختلاف سُنة تتبع ام انه تيه للعباد، وقد صحت وفق طريقتكم الرجالية أخبار عديدة خالف فيها الصحابة والخلفاء بعضهم بعضاً، وقد رد أبن حزم هذا الدليل قائلاً : ﴿ وأما قوله صلى الله عليه وسلم : عليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين فقد علمنا أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بما لا يقدر عليه ، ووجدنا الخلفاء الراشدين بعده عليه السلام قد اختلفوا اختلافا شديداً ... إما أن نأخذ بكل ما اختلفوا فيه ، وهذا ما لا سبيل إليه ، ولا يقدر عليه ، إذ فيه الشيء وضده ولا سبيل إلى أن يورث أحد الجد دون الاخوة بقول أبي بكر وعائشة ، ويورثه الثلث فقط ، وباقي ذلك للاخوة على قول عمر ، ويورثه السدس وباقيه للاخوة على مذهب علي ... وأما أن يكون أمر باتباعهم في اقتدائهم بسنته صلى الله عليه وسلم ، فهكذا نقول ليس يحتمل هذا الحديث وجها غير هذا أصلاً ﴾﴿ - الاحكام - أبن حزم - ج 6 - ص 805 ﴾.
    ثم لو سلمنا بما فهمتموه وجب عليكم الاقتداء بالخلفاء الراشدين لا ان تخالفونهم وتذهبون على عكس ما قالوا وعملوا به وقد أنتقدكم الكثيرين لمخالفتكم إياهم كما في قول أبن حزم : ﴿لأنهم - نعني أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي - أترك الناس لأبي بكر وعمر ، وقد بينا أن أصحاب مالك خالفوا أبا بكر مما رووا في الموطأ خاصة في خمسة مواضع ، وخالفوا عمر في نحو ثلاثين قضية مما رووا في الموطأ خاصة ، وقد ذكرنا أيضاً أن عمر وأبا بكر اختلفا ، وأن اتباعهما فيما اختلفا فيه متعذر ممتنع لا يقدر عليه أحد﴾﴿ - المصدر السابق - ص 810﴾
    كيف يمكن لكم ان تخالفوا من تعتقدونه أنه العمدة في التقليد كأبي بكر وعمر وهل مخالفتهم تتناسب مع القول بالتقليد، ثم لو صح ان التقليد مخصوص بالخلفاء الراشدين على حسب فهمكم للحديث فما هو الربط بين تقليد الخلفاء الراشدين وتقليدكم لأبي حنيفة والشافعي ومالك وأبن حنبل فكل هؤلاء ليسوا من الصحابة ولم يكن وحداً منهم من الخلفاء الراشدين أبداً .
    إن الحق يقال إن الخلفاء هم آل محمد (ع) وقد أمرنا الرسول الكريم (ص) بالثقلين الكتاب والعترة وأكدها ثلاثاً كما جاء عن زيد بن ارقم قال قام فينا ذات يوم رسول الله (ص) خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال : ﴿ اما بعد ايها الناس إنما انا بشر يوشك ان يأتي رسول ربى فاجيبه وانى تارك فيكم الثقلين اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتى اذكركم الله تعالى في أهل بيتى ثلاث مرات﴾﴿ - السنن الكبرى – البيهقي ج 10 - ص 114﴾.
    فكان آل محمد (ع) المصداق الحقيقي للخلفاء الراشدين فلم يخرج عنهم اختلاف ولم يكن في قولهم تناقض وهم الاثنا عشر خليفة الذين ذكروا في أخباركم كما نقل البخاري عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال سمعت النبي (ص) يقول : ﴿لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش﴾﴿ - التاريخ الكبير - البخاري - ج 8 - ص 410 - 411 ﴾.
    وروى أحمد في مسنده عن جابر بن سمرة عن النبي (ص) أنه قال : ﴿لا يزال الدين قائما حتى يكون اثنا عشر خليفة من قريش ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة ...- مسند أحمد – حديث رقم 19875

    فالحق إن سُنة جدهم النبي (ص) عندهم محفوظة مكنوزة وقد جربهم أغلب فقهاء المذاهب كأبي حنيفة ومالك حين تتلمذوا على يد أبي عبد الله الصادق (ع) وقال أبو حنيفة ﴿ لولا السنتان لهلك لنعمان﴾﴿- التحفة الاثني عشرية للآلوسي –ص8 / نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - ص 101. ﴾.
    الدليل الرابع : قوله تعالى : ﴿ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ﴾﴿ ﴾.
    إن إبراهيم (ع) كان نبي ورسول ولم يكن مجتهداً أو فقيهاً من الفقهاء حتى يتم سرد هذه الآية كدليل على حجية تقليد الفقهاء ثم ما هو الربط بينها وبين التقليد فإن إتباع الأنبياء (ع) إنما هو إتباع لشريعة الله لا إتباع لآراء الفقهاء وأقوالهم الشخصية وقد رد أبن حزم هذا الدليل قائلاً: ﴿وهذا من القحة ما هو! لأن الشيء الذي يأمر به الله ليس تقليداً، ولكنه برهان ضروري، والتقليد إنما هو إتباع من لم يأمرنا عز وجل بإتباعه. وإنما التقليد الذي نخالفهم فيه أخذ قول رجل ممن دون النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يأمرنا ربنا بإتباعه، بلا دليل يصحح قوله ... وإن أرادوا أن يتطرقوا بذلك إلى تقليد مالك والشافعي وأبي حنيفة فذلك حرام وباطل، وليس في إتباع ملة إبراهيم ما يوجب إتباع مالك وأبي حنيفة والشافعي، لأنهم غير إبراهيم المأمور بإتباعه، ولم نؤمر قط بإتباع هؤلاء المذكورين، وإنما هذا بمنزلة من سمى الخنزير كبشا، وسمى الكبش خنزيرا فليس ذلك مما يحل الخنزير ويحرم الكبش ﴾﴿ - الاحكام - أبن حزم - ج 6 - ص 800﴾.
    نكتفي بهذا القدر من مناقشة الأدلة التي توهمها بعض الفقهاء وحسبوها انها أدلة على وجوب التقليد وقد تركنا بعضها ولمن أراد ان يراجع بطلان الأدلة المدعاة فليراجع كتاب الأحكام لأبن حزم حيث رد كل الأدلة وناقشها نقاشاً موضوعياً وأثبت بطلانها وزيفها وحسب ما يعتمدوه من طرقهم الرجالية وتفاسيرهم للقرآن كما ناقش غيره أيضاً هذه الأدلة المدعاه كأبن عبد البر في كتابه ﴿جامع بيان العلم وفضله﴾﴿ ﴾. وأثبت زيفها أيضاً وقد ناقش الكثير الكثير من الفقهاء مسألة التقليد وأثبتوا بطلانها وأكدوا لزوم الإنقياد للكتاب والسُنة وعدم إتباع الرجال الذين يخطئون ويصيبون فإن إتباعهم في كل ما يقولون لا يرضي الله تعالى أبداً بل هو مخالفة صريحة للكتاب والسُنة .
    ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك
يعمل...
X