نقلا عن كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني
التقليـد عند الإماميـة :
لم تكن الإمامية كفرقة من فرق المسلمين في مأمن من السير على سُنن السابقين حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة في مسألة التقليد على وجه الخصوص فقد أختلفوا فيما بينهم في حجية التقليد ووجوبه بعد غيبة ولي الله (ع)، كما أختلف الذين من قبلهم إلا أن السُنن لا بد أن تنطبق كما كانت عند السابقين، فبعد أن انتشرت المدرسة الأصولية الإمامية شاع التقليد بشكل غير مسبوق حتى تغلغل في المجتمع الإمامي فوصل الحال إلى أن أي نقاش ديني يحدث تجد أولى الأسئلة التي تتوجه إليك هي سؤالك عن مرجع تقليدك بعد أن كان السؤال فيما سبق عن المذهب الذي تنتمي إليه.
إن لمسألة التقليد ابعاد خطيرة في واقعنا الحالي فقد أنتجت صراعات حتى في البيت الواحد بل وحتى بين الرجل وزوجته فهذا يُقلد فلان وهذا يقلد فلاناً آخر. وهذا ما لا يرتضيه مولانا الإمام المهدي (ع) فأصبح الدين مرماً لسهام الاعداء من كل حدب وصوب وذلك بسبب اختلاف أبنائه المُقلدين فيما بينهم الناتج من اختلاف مراجعهم في الدين.
لقد تحدث الكثيرون عن هذه المشكلة التي أنصبت على المجتمع فمزقته إلى قطع متناثرة يقول السيد محمد حسين فضل الله : ﴿إن تعدد المرجعيات قد يخلق لنا مشاكل وتمزقات في داخل الواقع الإسلامي، سواءً كان ذلك على مستوى تعدد النظريات الفقهية التي تلزم الزوج برأي مرجع وتلزم الزوجة برأي مرجع آخر، ويحصل التنافر حتى داخل البيت الواحد، أو في طبيعة الاتجاهات العامة في هذا الموقع أو ذاك الموقع﴾﴿- المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية – محمد حسين فضل الله - ص117
وإذا رجعنا إلى الكتب الفقهية لمراجع التقليد نجد العديد من الشواهد على هذه المسألة منها ما سُئل به السيد محمد محمد صادق الصدر عن فتاة بالغة رشيدة تقلد ﴿س﴾ من الفقهاء يجيز زواجها من الكفو دون إذن الولي، ووالد تلك الفتاة يقلد ﴿ص﴾ من الفقهاء لا يجيز ذلك إلا بإذن الولي . فما هو موقف الفتاة من ناحية الشرع أو ناحية تقليدها ؟ وما هو تكليف الأب من ناحية تقليده ؟ فأجاب السيد قائلاً : ﴿بسمه تعالى : تستطيع أن تتزوج من الكفو بدون إذن والدها إذا كان تقليدها حجة ﴾﴿ - مسائل وردود – السيد محمد الصدر- ج4 - ص42 – مسألة رقم 184 ﴾.
إن هذه الاختلافات بين المرجعيات تشابه إلى حد كبير الاختلافات التي حصلت بين المذاهب الإسلامية وهذا أمر لا يخفى على أحد حتى ان كثير من الفقهاء قد شكى من هذه الحالة التي أصبحت وبمرور الزمن أمراً واقعا لامحيص عنه، وفي هذا المقام قال السيد محمد حسين فضل الله : ﴿ إن المشكلة التي نواجهها في تعدد المرجعيات هي المشكلة التي نواجهها في تعدد المذاهب الفقهية لأن المرجعيات هي مذاهب فقهية متعددة من خلال طبيعة تنوع الفتاوى﴾﴿ - المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية – محمد حسين فضل الله - ص117﴾.
إن هذه الاختلافات بين الفقهاء لم تحبس في حيز المدارس الفقهية بل وصل الاختلاف إلى المُقلدين أنفسهم وكما حدث بين المذاهب الإسلامية بالضبط حتى وصل الحال بالمُقلدين إلى حد التشكيك في عدالة من يُقلد غير المرجع الذي يقلده، إذ وصل بهم الحال إلى التحزب حتى في صلاة الجماعة إذ لا يصلي أحدهم خلف من يُقلد غير مرجعه في التقليد .
وهذا واضح خصوصاً في المراقد المقدسة فحين تذهب إلى أي منها تجد ما لا يقل عن ثلاث فأكثر من صلوات الجماعة كلاً حسب مرجع تقليده.
والمراجع أيضاً هم كالناس إذ انهم يشككون في عدالة غيرهم أو تأخذهم الانانية وحب النفس حتى في الصلاة فلا يرضى أحدهم بأن يصلي مأموماً يقول السيد محمد محمد صادق الصدر : ﴿فمن هو من المراجع يرضى ان يصلي وراء مرجع آخر؟! ليس الآن فقط، بل في تأريخ النجف منذ تأريخ الشيخ الأنصاري وقبله وبعده. أي اثنين من المراجع قبل كل منهما ان يصلي كل منهما وراء الآخر، هذا يصلي اولا ثم يصلي الآخر بعده، هل حدث هكذا شيء ؟ لم يصل ولا واحد إطلاقاً ، نقسم من الان﴾﴿ الجمعة العشرون - بتاريخ 5 جمادي الاولى 1419 -الخطبة الثانية﴾ .
وبعد هذا التصريح من السيد نرفع العتب عن الناس بل ان الناس قد اعتادت أن ترى تحزب الفقهاء فَهُم يقلدونهم حتى في التحزب والفرقة .
ومنوجوه ﴿الانا﴾ الأخرى هو إدعاء الاعلمية فالمراجع مختلفون في هذه المسألة إلى حد أن كل واحد منهم يقول بأنه الأعلم، وأنه لا يجوز تقليد سواه وهذا واضح في الرسائل العملية لأن كل منهم – إلا ما ندر - قد أصدر رسالة عملية قال فيها بعدم جواز تقليد غير الأعلم وبما إنه قد أصدر رسالته العملية إذن فهو يدعوا الناس إلى تقليده لأنه الأعلم .
علماً بانهم مختلفون حتى في ضوابط تحديد الأعلم فلم يقروا قواعد ثابتة لتحديد مصداق الأعلم ولا عجب من هذا فكل من رأى انه تمكن من علم محدد فرض على الباقين أن يكونوا علماء بذلك التخصص فمنهم من قال ان الأعلم أعلم بالأصول ومنهم من قال بالفقه ومنهم من قال بالعقائد والى غير ذلك .
إن مسألة تقليد الأعلم جلبت إلى الإمامية الويلات ثم الويلات خصوصاً ما حدث في العراق في أوآخر التسعينيات من القرن الماضي حيث شب نزاع بين المقلدين ربما هو الاقوى على مر التأريخ وقد شاهدت بأم عيني هذه النزاعات التي أستمرت إلى يومنا هذا وقد سالت بسببها الدماء وانتهكت المحرمات كل هذا بسبب ان المقلدين كلا يدعي بأن مرجعه هو الأعلم !
فإن الناس مولعة بالتفرق والتحزب فليس الأمر متعلق بالفقهاء فحسب نعم ان على الفقهاء جزء كبير من المسؤلية إلا أن الناس أيضاً تتحمل جزء ليس بقليل، ولنضرب مثالاً وهو ما قاله السيد محمد محمد صادق الصدر حين أوصى الناس بأن المطلوب منهم هو إتباع تعاليم الله وليس المطلوب هو إتباع السيد محمد الصدر وذلك في قوله : ﴿وانا اكرر كما قلت أكثر من مرة انكم ليس المطلوب منكم إتباع السيد محمد الصدر ولا الاقتراب منه ولا حسن الظن به وإنما المطلوب في القرآن والإسلام هو إتباع تعاليم الله والتقرب إليه بالطاعات وحسن الظن به جل جلاله وهذا يكفي جداً وليذهب سيد محمد الصدر إلى الجحيم﴾﴿ - الجمعة الحادية والثلاثون - 23 رجب 1419 ﴾
وقد بين السيد الصدر أيضاً في الجمعة الاخيرة قبل استشهادة بأن الحوزة التي طالما حث الناس لإتباعها إنما هي حوزة الرسول والأئمة (ع) وليست هذه الحوزة التي نشأة بعد الغيبة وذلك في قوله : ﴿إن النبي ﴿صلى الله عليه واله﴾ والمعصومين ﴿سلام الله عليهم﴾ من الحوزة الناطقة المجاهدة وليس فقط مع الحوزة وإنما هم من الحوزة الناطقة المجاهدة . فإننا لا نعني -لاحظوا- فإننا لا نعني بالحوزة الدينية الشريفة الحوزة غير المعصومة -يعني الحوزة الموجودة الآن -هوايه ضيّق بالتفكير حبيبي! ارتقي عن هذا المستوى حبيبي - الحوزة غير المعصومة أو الحوزة المؤسسة في عصر الغيبة الكبرى؟ لا نعني ذلك لا . بل نعني بها ما هو أوسع من ذلك بالمعنى الشامل للمعصومين وأصحابهم وطلابهم وأنصارهم -گول لا !- بطبيعة الحال أكيد مئة بالمئة وكلهم ناطقون مجاهدون بالمقدار الذي يجدون فيه المصلحة والحكمة -گول لا !- - الجمعة الخامسة والاربعون - 3 ذو القعدة 1419
ربما كان للسيد الصدر كلام آخر لم يسعفه الوقت لكي يدلي به إلا إنه بين في آخر جمعة أن الحوزة التي طالما حث الناس لإتباعها إنما هي حوزة الرسول والأئمة (ع) إلا أن أتباعه لم يطبقوا هذه المسألة كما اوصاهم بها السيد محمد الصدر واستمروا على ما هم عليه بل أكثر.
إن مسألة الاختلاف التي تشهده الحوزة -على طول تأريخها- سواءً في الفتوى ام في الفكر والمنهج هذا الاختلاف لا يرضي الله تبارك وتعالى فلو كان الفقهاء يتبعون في الواقع ما قاله الثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة (ع) لما اختلفوا فيما بينهم في مسألة فقهية واحدة أو في المنهج والفكر فضلاً عن هذا الاختلاف الكبير وقد نسب القرآن الاختلاف إلى غير الله في قوله تعالى : ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾﴿ - سورة النساء آية 82﴾ وقال الصادق (ع): ﴿الحكم حكمان : حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 407 ﴾ .
لو أطلع أحدنا اليوم على الرسائل العملية للفقهاء لوجد الاختلاف فيها واضح جداً ولنأخذ مثال بسيط وهو ما كتبه السيد السيستاني في بداية المسائل المنتخبه حيث قال ما هذا نصه : ﴿إن رسالة المسائل المنتخبة للسيد الأستاذ آية الله العظمى المغفور له السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره لما كانت مشتملة على أهم ما يبلى به المكلف من المسائل الشرعية في العبادات والمعاملات فقد استجبت لطلب جمع من المؤمنين أيدهم الله تعالى في تغيير موارد الخلاف منها بما يؤدي إليه نظري ... فالعمل بهذه الرسالة الشريفة مجزء ومبرئ للذمة والعامل بها مأجور إن شاء الله تعالى﴾﴿- المسائل المنتخبة - السيد السيستاني - ص 2
لقد أمرنا أهل البيت (ع) باجتناب النظر في أحكام الله تعالى وقد نهى الإمام الصادق (ع)أبو بصير من النظر في الشريعة بل لا بد للمؤمن ان يكون تابع لآل محمد (ع)لا يتقدم ولا يتأخر وكما مر بيانه في الباب الأول .
إننا هنا أمام قولين وردا في المسائل المنتخبة فأما ان تكون الفتاوى التي قالها السيد السيستاني صحيحة والعامل بها مأجور، أو أن تكون فتاوى السيد الخوئي صحيحة والعامل بها مأجور والحق أن الناس لا تعلم من هو المأجور عند الله هل من قلد السيد الخوئي أم السيد السيستاني ؟ ونحن على يقين بأن المصيب واحد كما لا يخالفنا عاقل في ذلك، فلا يمكن أن يكون الاثنين على صواب وهذا من بديهيات المنطق الذي عكفوا على تدريسه .
إن الأحكام الصادرة من رجال الدين لو كانت مطابقة لحكم الله لما كان اختلاف في الدين من الأساس بل يؤخذ من الحق ضغث ومن الباطل ضغث فيمزجهما الرجال بعضها ببعض فيجيئان معا لاغواء عباد الله ولذلك قال الأئمة (ع) في علامات الفتن فإن أول الفتن إتباع الهوى وثانيها ابتداع الأحكام التي يخالف بها كتاب الله وثالثها التقليد حيث يقلد فيها الرجال رجالا فقد جاء عن أبي جعفر (ع) قال خطب علي أمير المؤمنين (ع) الناس فقال: ﴿ أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يقلد فيها رجال رجالا، ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى﴾﴿ - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 315 - 316﴾.
إن مسألة التقليد ووجوبه اللذان نحن بصدد مناقشتهما لم نجدهما في كتب قدماء الإمامية ولعل أبرز من تناول وجوب التقليد وفصل له باباً مستقلاً من المتأخرين هو السيد محمد كاظم الطباطبائي المتوفي سنة 1337هـ في كتابه العروة الوثقى، وهذا الكتاب يعبر رسالته العملية في ذلك الوقت، وهو من اشهر الكتب من حيث تعليقات الفقهاء فقد علق عليه أغلب الفقهاء وعلى العموم قال السيد في المسألة السابعة ما هذا نصه: ﴿عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل﴾﴿ - العروة الوثقى- اليزدي - ج 1 - ص 13﴾.
قد يتفاجأ البعض من هذا التصريح حين ياخذ بين يديه إحدى المصنفات لقدماء الإمامية كأمثال الشيخ الكليني والعلامة المجلسي والحر العاملي وغيرهم من كبار رجال الإمامية وثقاتهم ﴿رحمهم الله﴾ ليجد بين كتاباتهم ما يذم التقليد ذما مبرحا، وليس على لسانهم فحسب بل قد اوردوا العديد من روايات أهل البيت (ع) ما يجعلك تشمئز من هذه الكلمة، ولعلك لا تنظر بوجه من يقول بها إن قرأت ما قاله أهل بيت النبوة (ع) ،فهذا الشيخ الكليني قد أفرد باباً كاملاً في كتابه الكافي وسماه باب التقليد أورد فيه العديد من الروايات الناهية عن تقليد غير المعصوم (ع)، ولم يتطرق لاي رواية تقول بتقليد الفقهاء لا من قريب ولا من بعيد وسنورد لكم هذه الرواية التي نقلها الشيخ في باب التقليد في كتابه الكافي:
عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: ﴿ " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ " ؟ فقال: أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون ﴾﴿الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 53 /﴿باب التقليد﴾ ﴾ .
يتبع
التقليـد عند الإماميـة :
لم تكن الإمامية كفرقة من فرق المسلمين في مأمن من السير على سُنن السابقين حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة في مسألة التقليد على وجه الخصوص فقد أختلفوا فيما بينهم في حجية التقليد ووجوبه بعد غيبة ولي الله (ع)، كما أختلف الذين من قبلهم إلا أن السُنن لا بد أن تنطبق كما كانت عند السابقين، فبعد أن انتشرت المدرسة الأصولية الإمامية شاع التقليد بشكل غير مسبوق حتى تغلغل في المجتمع الإمامي فوصل الحال إلى أن أي نقاش ديني يحدث تجد أولى الأسئلة التي تتوجه إليك هي سؤالك عن مرجع تقليدك بعد أن كان السؤال فيما سبق عن المذهب الذي تنتمي إليه.
إن لمسألة التقليد ابعاد خطيرة في واقعنا الحالي فقد أنتجت صراعات حتى في البيت الواحد بل وحتى بين الرجل وزوجته فهذا يُقلد فلان وهذا يقلد فلاناً آخر. وهذا ما لا يرتضيه مولانا الإمام المهدي (ع) فأصبح الدين مرماً لسهام الاعداء من كل حدب وصوب وذلك بسبب اختلاف أبنائه المُقلدين فيما بينهم الناتج من اختلاف مراجعهم في الدين.
لقد تحدث الكثيرون عن هذه المشكلة التي أنصبت على المجتمع فمزقته إلى قطع متناثرة يقول السيد محمد حسين فضل الله : ﴿إن تعدد المرجعيات قد يخلق لنا مشاكل وتمزقات في داخل الواقع الإسلامي، سواءً كان ذلك على مستوى تعدد النظريات الفقهية التي تلزم الزوج برأي مرجع وتلزم الزوجة برأي مرجع آخر، ويحصل التنافر حتى داخل البيت الواحد، أو في طبيعة الاتجاهات العامة في هذا الموقع أو ذاك الموقع﴾﴿- المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية – محمد حسين فضل الله - ص117
وإذا رجعنا إلى الكتب الفقهية لمراجع التقليد نجد العديد من الشواهد على هذه المسألة منها ما سُئل به السيد محمد محمد صادق الصدر عن فتاة بالغة رشيدة تقلد ﴿س﴾ من الفقهاء يجيز زواجها من الكفو دون إذن الولي، ووالد تلك الفتاة يقلد ﴿ص﴾ من الفقهاء لا يجيز ذلك إلا بإذن الولي . فما هو موقف الفتاة من ناحية الشرع أو ناحية تقليدها ؟ وما هو تكليف الأب من ناحية تقليده ؟ فأجاب السيد قائلاً : ﴿بسمه تعالى : تستطيع أن تتزوج من الكفو بدون إذن والدها إذا كان تقليدها حجة ﴾﴿ - مسائل وردود – السيد محمد الصدر- ج4 - ص42 – مسألة رقم 184 ﴾.
إن هذه الاختلافات بين المرجعيات تشابه إلى حد كبير الاختلافات التي حصلت بين المذاهب الإسلامية وهذا أمر لا يخفى على أحد حتى ان كثير من الفقهاء قد شكى من هذه الحالة التي أصبحت وبمرور الزمن أمراً واقعا لامحيص عنه، وفي هذا المقام قال السيد محمد حسين فضل الله : ﴿ إن المشكلة التي نواجهها في تعدد المرجعيات هي المشكلة التي نواجهها في تعدد المذاهب الفقهية لأن المرجعيات هي مذاهب فقهية متعددة من خلال طبيعة تنوع الفتاوى﴾﴿ - المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية – محمد حسين فضل الله - ص117﴾.
إن هذه الاختلافات بين الفقهاء لم تحبس في حيز المدارس الفقهية بل وصل الاختلاف إلى المُقلدين أنفسهم وكما حدث بين المذاهب الإسلامية بالضبط حتى وصل الحال بالمُقلدين إلى حد التشكيك في عدالة من يُقلد غير المرجع الذي يقلده، إذ وصل بهم الحال إلى التحزب حتى في صلاة الجماعة إذ لا يصلي أحدهم خلف من يُقلد غير مرجعه في التقليد .
وهذا واضح خصوصاً في المراقد المقدسة فحين تذهب إلى أي منها تجد ما لا يقل عن ثلاث فأكثر من صلوات الجماعة كلاً حسب مرجع تقليده.
والمراجع أيضاً هم كالناس إذ انهم يشككون في عدالة غيرهم أو تأخذهم الانانية وحب النفس حتى في الصلاة فلا يرضى أحدهم بأن يصلي مأموماً يقول السيد محمد محمد صادق الصدر : ﴿فمن هو من المراجع يرضى ان يصلي وراء مرجع آخر؟! ليس الآن فقط، بل في تأريخ النجف منذ تأريخ الشيخ الأنصاري وقبله وبعده. أي اثنين من المراجع قبل كل منهما ان يصلي كل منهما وراء الآخر، هذا يصلي اولا ثم يصلي الآخر بعده، هل حدث هكذا شيء ؟ لم يصل ولا واحد إطلاقاً ، نقسم من الان﴾﴿ الجمعة العشرون - بتاريخ 5 جمادي الاولى 1419 -الخطبة الثانية﴾ .
وبعد هذا التصريح من السيد نرفع العتب عن الناس بل ان الناس قد اعتادت أن ترى تحزب الفقهاء فَهُم يقلدونهم حتى في التحزب والفرقة .
ومنوجوه ﴿الانا﴾ الأخرى هو إدعاء الاعلمية فالمراجع مختلفون في هذه المسألة إلى حد أن كل واحد منهم يقول بأنه الأعلم، وأنه لا يجوز تقليد سواه وهذا واضح في الرسائل العملية لأن كل منهم – إلا ما ندر - قد أصدر رسالة عملية قال فيها بعدم جواز تقليد غير الأعلم وبما إنه قد أصدر رسالته العملية إذن فهو يدعوا الناس إلى تقليده لأنه الأعلم .
علماً بانهم مختلفون حتى في ضوابط تحديد الأعلم فلم يقروا قواعد ثابتة لتحديد مصداق الأعلم ولا عجب من هذا فكل من رأى انه تمكن من علم محدد فرض على الباقين أن يكونوا علماء بذلك التخصص فمنهم من قال ان الأعلم أعلم بالأصول ومنهم من قال بالفقه ومنهم من قال بالعقائد والى غير ذلك .
إن مسألة تقليد الأعلم جلبت إلى الإمامية الويلات ثم الويلات خصوصاً ما حدث في العراق في أوآخر التسعينيات من القرن الماضي حيث شب نزاع بين المقلدين ربما هو الاقوى على مر التأريخ وقد شاهدت بأم عيني هذه النزاعات التي أستمرت إلى يومنا هذا وقد سالت بسببها الدماء وانتهكت المحرمات كل هذا بسبب ان المقلدين كلا يدعي بأن مرجعه هو الأعلم !
فإن الناس مولعة بالتفرق والتحزب فليس الأمر متعلق بالفقهاء فحسب نعم ان على الفقهاء جزء كبير من المسؤلية إلا أن الناس أيضاً تتحمل جزء ليس بقليل، ولنضرب مثالاً وهو ما قاله السيد محمد محمد صادق الصدر حين أوصى الناس بأن المطلوب منهم هو إتباع تعاليم الله وليس المطلوب هو إتباع السيد محمد الصدر وذلك في قوله : ﴿وانا اكرر كما قلت أكثر من مرة انكم ليس المطلوب منكم إتباع السيد محمد الصدر ولا الاقتراب منه ولا حسن الظن به وإنما المطلوب في القرآن والإسلام هو إتباع تعاليم الله والتقرب إليه بالطاعات وحسن الظن به جل جلاله وهذا يكفي جداً وليذهب سيد محمد الصدر إلى الجحيم﴾﴿ - الجمعة الحادية والثلاثون - 23 رجب 1419 ﴾
وقد بين السيد الصدر أيضاً في الجمعة الاخيرة قبل استشهادة بأن الحوزة التي طالما حث الناس لإتباعها إنما هي حوزة الرسول والأئمة (ع) وليست هذه الحوزة التي نشأة بعد الغيبة وذلك في قوله : ﴿إن النبي ﴿صلى الله عليه واله﴾ والمعصومين ﴿سلام الله عليهم﴾ من الحوزة الناطقة المجاهدة وليس فقط مع الحوزة وإنما هم من الحوزة الناطقة المجاهدة . فإننا لا نعني -لاحظوا- فإننا لا نعني بالحوزة الدينية الشريفة الحوزة غير المعصومة -يعني الحوزة الموجودة الآن -هوايه ضيّق بالتفكير حبيبي! ارتقي عن هذا المستوى حبيبي - الحوزة غير المعصومة أو الحوزة المؤسسة في عصر الغيبة الكبرى؟ لا نعني ذلك لا . بل نعني بها ما هو أوسع من ذلك بالمعنى الشامل للمعصومين وأصحابهم وطلابهم وأنصارهم -گول لا !- بطبيعة الحال أكيد مئة بالمئة وكلهم ناطقون مجاهدون بالمقدار الذي يجدون فيه المصلحة والحكمة -گول لا !- - الجمعة الخامسة والاربعون - 3 ذو القعدة 1419
ربما كان للسيد الصدر كلام آخر لم يسعفه الوقت لكي يدلي به إلا إنه بين في آخر جمعة أن الحوزة التي طالما حث الناس لإتباعها إنما هي حوزة الرسول والأئمة (ع) إلا أن أتباعه لم يطبقوا هذه المسألة كما اوصاهم بها السيد محمد الصدر واستمروا على ما هم عليه بل أكثر.
إن مسألة الاختلاف التي تشهده الحوزة -على طول تأريخها- سواءً في الفتوى ام في الفكر والمنهج هذا الاختلاف لا يرضي الله تبارك وتعالى فلو كان الفقهاء يتبعون في الواقع ما قاله الثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة (ع) لما اختلفوا فيما بينهم في مسألة فقهية واحدة أو في المنهج والفكر فضلاً عن هذا الاختلاف الكبير وقد نسب القرآن الاختلاف إلى غير الله في قوله تعالى : ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾﴿ - سورة النساء آية 82﴾ وقال الصادق (ع): ﴿الحكم حكمان : حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 407 ﴾ .
لو أطلع أحدنا اليوم على الرسائل العملية للفقهاء لوجد الاختلاف فيها واضح جداً ولنأخذ مثال بسيط وهو ما كتبه السيد السيستاني في بداية المسائل المنتخبه حيث قال ما هذا نصه : ﴿إن رسالة المسائل المنتخبة للسيد الأستاذ آية الله العظمى المغفور له السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره لما كانت مشتملة على أهم ما يبلى به المكلف من المسائل الشرعية في العبادات والمعاملات فقد استجبت لطلب جمع من المؤمنين أيدهم الله تعالى في تغيير موارد الخلاف منها بما يؤدي إليه نظري ... فالعمل بهذه الرسالة الشريفة مجزء ومبرئ للذمة والعامل بها مأجور إن شاء الله تعالى﴾﴿- المسائل المنتخبة - السيد السيستاني - ص 2
لقد أمرنا أهل البيت (ع) باجتناب النظر في أحكام الله تعالى وقد نهى الإمام الصادق (ع)أبو بصير من النظر في الشريعة بل لا بد للمؤمن ان يكون تابع لآل محمد (ع)لا يتقدم ولا يتأخر وكما مر بيانه في الباب الأول .
إننا هنا أمام قولين وردا في المسائل المنتخبة فأما ان تكون الفتاوى التي قالها السيد السيستاني صحيحة والعامل بها مأجور، أو أن تكون فتاوى السيد الخوئي صحيحة والعامل بها مأجور والحق أن الناس لا تعلم من هو المأجور عند الله هل من قلد السيد الخوئي أم السيد السيستاني ؟ ونحن على يقين بأن المصيب واحد كما لا يخالفنا عاقل في ذلك، فلا يمكن أن يكون الاثنين على صواب وهذا من بديهيات المنطق الذي عكفوا على تدريسه .
إن الأحكام الصادرة من رجال الدين لو كانت مطابقة لحكم الله لما كان اختلاف في الدين من الأساس بل يؤخذ من الحق ضغث ومن الباطل ضغث فيمزجهما الرجال بعضها ببعض فيجيئان معا لاغواء عباد الله ولذلك قال الأئمة (ع) في علامات الفتن فإن أول الفتن إتباع الهوى وثانيها ابتداع الأحكام التي يخالف بها كتاب الله وثالثها التقليد حيث يقلد فيها الرجال رجالا فقد جاء عن أبي جعفر (ع) قال خطب علي أمير المؤمنين (ع) الناس فقال: ﴿ أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يقلد فيها رجال رجالا، ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى﴾﴿ - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 315 - 316﴾.
إن مسألة التقليد ووجوبه اللذان نحن بصدد مناقشتهما لم نجدهما في كتب قدماء الإمامية ولعل أبرز من تناول وجوب التقليد وفصل له باباً مستقلاً من المتأخرين هو السيد محمد كاظم الطباطبائي المتوفي سنة 1337هـ في كتابه العروة الوثقى، وهذا الكتاب يعبر رسالته العملية في ذلك الوقت، وهو من اشهر الكتب من حيث تعليقات الفقهاء فقد علق عليه أغلب الفقهاء وعلى العموم قال السيد في المسألة السابعة ما هذا نصه: ﴿عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل﴾﴿ - العروة الوثقى- اليزدي - ج 1 - ص 13﴾.
قد يتفاجأ البعض من هذا التصريح حين ياخذ بين يديه إحدى المصنفات لقدماء الإمامية كأمثال الشيخ الكليني والعلامة المجلسي والحر العاملي وغيرهم من كبار رجال الإمامية وثقاتهم ﴿رحمهم الله﴾ ليجد بين كتاباتهم ما يذم التقليد ذما مبرحا، وليس على لسانهم فحسب بل قد اوردوا العديد من روايات أهل البيت (ع) ما يجعلك تشمئز من هذه الكلمة، ولعلك لا تنظر بوجه من يقول بها إن قرأت ما قاله أهل بيت النبوة (ع) ،فهذا الشيخ الكليني قد أفرد باباً كاملاً في كتابه الكافي وسماه باب التقليد أورد فيه العديد من الروايات الناهية عن تقليد غير المعصوم (ع)، ولم يتطرق لاي رواية تقول بتقليد الفقهاء لا من قريب ولا من بعيد وسنورد لكم هذه الرواية التي نقلها الشيخ في باب التقليد في كتابه الكافي:
عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: ﴿ " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ " ؟ فقال: أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون ﴾﴿الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 53 /﴿باب التقليد﴾ ﴾ .
يتبع
تعليق