منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستوحى من فكر السيد القحطاني
مناقشة الأدلة الروائية التي اعتمدها الاصوليون لاثبات التقليد:
قال المحققون بأن مسألة التقليد لم ترد في شيء من الروايات المعتبرة عندهم وذلك واضح في قول المحقق الخوئي حين ذكر التقليد قائلاً : ï´؟ إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية اللهم إلا في النذر . وذلك لعدم وروده في شيء من الروايات ï´¾ï´؟ ï´¾ ومع هذا التصريح الذي قال به المحقق الخوئي تجد ان الفقهاء قد أستدلوا تحت عنوان ï´؟روايات وجوب التقليدï´¾ بعدد من الروايات التي اعتبروها دليلاً على التقليد وسوف يتم نقاشها نقاشاً موضوعياً حيث سيكون نقاشنا في هذا المبحث في حقلين :
الأول : مناقشة السند وحيث أن الفقهاء الأصوليين يعولون على الاسناد غاية التعويل والاعتماد، لذلك سنثبت بأن كل ما أستدلوا به من الأخبار هي أخبار ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها وفق طريقتهم الرجالية التي يعتمدونها .
الثاني : مناقشة المتن وسنثبت من خلاله بُعد المعنى الحقيقي للأخبار عن معنى التقليد الذي يعتمده الفقهاء .
وسيجدنا القارئ في أغلب نقاشنا معتنين بأقوال الفقهاء الأصوليين وجعلها مصدراً للاستدلال لنلزمهم بما الزموا به أنفسهم .
أستدل الفقهاء بعدد من الروايات على وجوب التقليد وسيتم مناقشة هذه الأدلة بالتفصيل :
مناقشة الدليل الروائي الأول :
احتج الفقهاء بما ورد في التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع): ï´؟... قال الإمام عليه السلام : ثم قال الله عز وجل : يا محمد ومن هؤلاء اليهود ï´؟ أميون ï´¾ لا يقرؤون الكتاب ولا يكتبون ، كالأمي منسوب إلى أمه أي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ ولا يكتب ï´؟ لا يعلمون الكتاب ï´¾ المنزل من السماء ولا المكذب به ، ولا يميزون بينهما ï´؟ إلا أماني ï´¾ أي إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم : إن هذا كتاب الله وكلامه ، لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه ï´؟ وإن هم إلا يظنون ï´¾ ، أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في نبوته، وإمامة علي عليه السلام سيد عترته ، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم .
قال : فقال رجل للصادق عليه السلام : فإذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره ، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم ؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم ؟ فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم ، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم . فقال عليه السلام : بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة ، أما من حيث أنهم استووا ، فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذم عوامهم . وأما من حيث أنهم افترقوا فلا . قال : بين لي ذلك يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله !
قال عليه السلام : إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح ، وبأكل الحرام وبالرشاء ، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات . وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم ، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم . وعرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات ، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق ، لا يجوز أن يصدق على الله ، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، فلذلك ذمهم الله لما قلدوا من قد عرفوا ، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ، ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى ، وأشهر من أن لا تظهر لهم .
وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر ، والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصبون عليه إن كان لإصلاح أمره مستحقاً ، وبالترفق بالبر والاحسان على من تعصبوا له ، وإن كان للاذلال والإهانة مستحقاً . فمن قلد من عوامنا من مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم .
فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه . وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ، فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ، ولا كرامة لهم ، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك ، لأن الفسقة يتحملون عنا ، فَهُم يحرفونه بأسره لجهلهم ، ويضعون الأشياء على غير مواضعها ووجوهها لقلة معرفتهم وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم . ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا ، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ، وينتقصون بنا عند نصابنا ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها ، فيتقبله المسلمون المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوهم.
وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال ، وللمسلوبين عند الله أفضل الأحوال لما لحقهم من أعدائهم . وهؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون، ولأعدائنا معادون يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب ï´¾ ï´؟ ï´¾.
مناقشة سند الرواية :
إن الاستدلال بهذه الرواية لا يفيد علماً ولا عملاً عند الأصوليين قبل غيرهم لأنها رواية ضعيفة مرسلة غير قابلة للاعتماد . إذ ان الأصوليين لا يعتمدون الروايات الضعيفة في باب الفقه والافتاء فكيف يعتمدوها في المصيريات كالتقليد الذي يبطل أو يصحح أفعال المكلف كما يقولون، فقد تقدم الحديث عن اعتقاد الأصوليين ببطلان اعمال المكلف ان لم يقلد أحد الفقهاء .
إن الاستدلال بهذه الرواية أصبح من ضروريات الأدلة إذ لا تجد فيمن كتب في أدلة التقليد الا ويذكرها كدليل أول إلا ما ندر بل جعلوها في مقدمة الأدلة الروائية ولكن الذي يخفى على الكثير من المقلدين بأن هذه الرواية لم يستدل بها المحققون على شرعية التقليد فمن المتأخرين المحقق الخوئي حين قال بضعف هذه الرواية سنداً لأنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد حيث قال : ï´؟إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية اللهم إلا في النذر . وذلك لعدم وروده في شيء من الروايات . نعم ورد في رواية الاحتجاج فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه مخالفا على هواه . مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه إلا إنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد ï´¾ï´؟ ï´¾.
وممن ذكر هذه الرواية من قدماء الإمامية هو الحر العاملي في الوسائل قائلاً : ï´؟ أن هذا الحديث لا يجوز عند الأصوليين الاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع ، لأنه خبر واحد مرسل ، ظني السند والمتن ضعيفا عندهم ï´¾ï´؟ ï´¾.
إن الفقهاء لم يوثقوا التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع) بالجملة وقالوا بأن التفسير مروي عن جملة من المجاهيل كمحمد بن القاسم الاسترآبادي ، ويوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيار وقالوا أيضاً ان في التفسير مطالب لا يمكن صدورها من معصوم وهذا على حد قولهم وبما ان الرواية قد نقلها الطبرسي في الاحتجاج عن تفسير العسكري (ع) فيكون ضعفها سندا متعلق بضعف التفسير وبذلك صرح المحققون بأن هذه الرواية غير قابلة للاعتماد ومن هؤلاء المحققون هو المحقق الخوئي قائلاً : ï´؟أن الرواية ضعيفة السند لأن التفسير المنسوب إلى العسكري - عليه السلام - لم يثبت بطريق قابل للاعتماد عليه فإن في طريقه جملة من المجاهيل كمحمد بن القاسم الاسترآبادي ، ويوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيارï´¾ï´؟ ï´¾ .
وقال الشيخ المنتظري إن ناقلي التفسير كلهم مجاهيل وزاد في ذلك حين قال لمن يعولون على هذه الرواية بحجة نقل الصدوق لها ان الشيخ الصدوق قد نقل عن غير الموثوقين في الفقيه وفي غيره كثيراً وقد قطع مجموعة من الفقهاء بكون التفسير المنسوب موضوعاً من قبل هؤلاء المجاهيل خصوصاً حين قال جمع من الفقهاء بأن في التفسير مطالب لا يمكن صدورها عن معصوم وغيرها من الامور ذكرها الشيخ المنتظري قائلاً : ï´؟ الراوي لهذا التفسير هو الصدوق - عليه الرحمة - عن أبي الحسن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي الخطيب ، قال : حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار . والثلاثة كلهم مجاهيل وإن تكلف في تنقيح المقال لتوثيقهم ومجرد رواية الصدوق عنهم لا يدل على توثيقهم ، فإنه في غير الفقيه روى عن غير الموثقين كثيراً ، بل فيه أيضاً . وقد قطع جمع من الأعلام منهم أبن الغضائري بكون التفسير موضوعا ، وقالوا إن فيه مطالب لا يناسب صدورها عن الإمام (ع)ï´¾ï´؟ ï´¾.
وذكر السيد الخميني الرواية في كتابه الرسائلï´؟ ï´¾ فقال بضعف أسنادها ودلالتها نترك مناقشة ما قاله السيد الخميني إلى مبحث مناقشة المتن .
ومما تقدم يتبين لنا ضعف الرواية بل ضعف التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع) بالجملة عند الأصوليين وانه غير قابل للاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع، والعلة في ذلك عندهم ان التفسير قد جاء عن جملة من المجاهيل والمجهول لا يمكن الاعتماد على روايته عند الأصوليين، ومع هذه التصريحات الواضحة لا تكاد تجد مبحث في أدلة التقليد الا وهذه الرواية في صدر الأدلة يقدمها الباحثين معتنين بها معولين عليها في اثبات حجية التقليد، وكذلك في الاستدلال على أحقية الفقيه بالإتباع والطاعة، وهذه من تناقضات الأصوليين في استدلالاتهم.
مناقشة متن الرواية :
ذكر الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة هذه الرواية وقال ان التقليد الذي ذكر فيها إنما هو في محل الترخيص وليس الوجوب كما هو عليه اليوم عند الفقهاء وهذا الترخيص إنما هو في قبول الروايات وليس قبول الإجتهاد والظن فأين ذهب وجوب التقليد الذي يقول به الأصوليون، والتقليد كان مرخص على قبول الرواية لا قبول الإجتهاد وإتباع الظن، وعلى العموم قال العاملي في تعليقه على رواية الاحتجاج : ï´؟ أقول : التقليد المرخص فيه هنا إنما هو قبول الرواية لا قبول الرأي والإجتهاد والظن وهذا واضح ، وذلك لا خلاف فيه، ولا ينافي ما تقدم وقد وقع التصريح بذلك فيما أوردناه من الحديث وفيما تركناه منه في عدة مواضع ....... ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية ï´¾ï´؟ ï´¾.
إن المتمعن في متن الرواية يجد ان مواصفات الفقيه الواجبة توفرها فيه ناقصة عما عليه شروط المرجعية اليوم خصوصاً حين نرى متن الرواية يتحدث عن الجانب الاخلاقي كصيانة النفس والمحفاظ على الدين ومخالفة الهوى والطاعة لأمر المعصوم (ع) ولا يخفى بأن هذه المواصفات لا تتوفر في كل فقهاء الإمامية وذلك بنص كلام المعصوم (ع) حين قال معقباً على ما تقدم من المواصفات : ï´؟ وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ï´¾ وقبل أن نسأل عن السبب في هذه القلة لنسأل عن سبب ذكر الإمام (ع) لهذه المواصفات وتركه لمواصفات أخرى اوجب أغلب الفقهاء توفرها في مرجع التقليد كالإجتهاد المطلق والأعلمية والحياة وهذه المخالفة من الفقهاء بل الزيادة التي وضعوها في شرائط المرجع تعد تجاوز لقاعدة حجية الظهورï´؟ ï´¾ التي اعطى الفقهاء الأصوليين الحجية لها، وصنفوها في مقام الحجة فكيف يمكن ان نزيد على كلام المعصوم شيء لم يقله، فما هي فائدة حجية الظهور ان لم يعمل بها .
إن السؤال الذي يتبادر إلى الاذهان وهو العلة من عدم ذكر المعصوم (ع) لهذه الشرائط أي الإجتهاد المطلق والأعلمية والحياة وغيرها فإذا كانت واجبة التوفر في الفقيه المُقلد لذكرها الإمام (ع) في جملة الشرائط أما إذا كانت واجبة ولم يذكرها المعصوم (ع) فذلك يُعد تقصيراً منه (ع) في تبليغ الناس بشروط الفقاهة –حاشاه من ذلك- وهذا ما لا يقوله أحد وإذا كان العكس كانت هذه الشروط الموضوعة سالبة بأنتفاء الموضوع -كما يحب ان يعبر الأصوليين- فلا تعد الا زيادة وتقدم على أئمة الهدى (ع) وهذا أمرا أكيد لعدم ذكر الإجتهاد بخير في أي نص روائي، كما ان المجتهد لا يُعد اميناً في نقل الأحكام للناس وهذا واضح فلو سألت اليوم عن مسألة شرعية لوجدت الفقهاء في غاية الاختلاف في حكمها فلم تبقى مسألة الا وأختلف الفقهاء فيها وهذا الاختلاف كان وما زال نتاج الإجتهاد وأدواته لا محاله وكما ذكرنا في الباب الأول .
ومن هنا نفهم عدم ورود ذكر الإجتهاد ولا الأعلمية ضمن شروط الفقيه الجائز تقليده في الرواية بل تجد التاكيد على الجانب الاخلاقي المتمثل بالورع والعدالة والإنقياد للأئمة كما في قوله (ع): ï´؟صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ï´¾ وهذه المواصفات الواجب توفرها في الفقيه الذي يكون أهلاً للائتمان على حلال الله وحرامه فيكون بهذه المواصفات أهلاً لنقل الروايات للناس وتعليمهم أحكام دينهم والتوقف عند المسائل التي لا يعلم حكمها يقينا، فقد ذكرنا بأن الإسلام هو التسليم والمواصفات التي ذكرت في الرواية تعد من مظاهر التسليم والإنقياد لآل محمد (ع) والورع عن محارم الله المتمثلة بالقول دون السماع منهم (ع) وليس كما نشاهده عند المجتهدين فإن الواحد منهم يفتي في المسائل ثم يقول بعد أفتائه الله أعلم وكما مر ذكره في الباب الأول، علما بأن الفقهاء لم يقدموا هذه المواصفات التي ذكرت بالخبر بل قدموا الأعلمية عليها والأعلمية إنما يقصدون بها الأعلمية بطرق الإجتهاد التي ثبت بطلانها بالباب الأول فإن أختلف فقيهان إلى قولين يقدم الأعلم لا الاورع والاعدل كما قال المحقق الحلي: ï´؟وان اتفق اثنان أحدهما أعلم والآخر أكثر عدالة وورعا ، قدم الأعلم ، لأن الفتوى تستفاد من العلم لا من الورعï´¾ï´؟ ï´¾ . وقال أيضاً : ï´؟ولا يكتفي العامي بمشاهدة المفتي متصدرا ، ولا داعيا إلى نفسه ، ولا مدعيا ، ولا باقبال العامة عليه ، ولا اتصافه بالزهد والتورع ï´¾ï´؟ ï´¾.
إن الزهد والورع والعدالة غير كافية في عرف الفقهاء لكي يكون صاحب هذه الصفات فقيهاً أو مفتياً بل الأهم من هذه الصفات عندهم هو صفة الأعلمية بطرق الإجتهاد أو بمصطلح المتأخرين هو الأعلمية بالأصول الفقهية، ولو تنزلنا جدلا وقلنا كما قالوا فإننا سنقع بمطب آخر وهو إذا كان العامي كما يسمونه له القدرة على تحديد الأعلم فهو بذلك يعد أعلم من الفقهاء لأنه أختبرهم فأستطاع أن يحدد الأعلم! أما إذا قالوا لا بد للعامي ان يسأل أهل الخبرة نقول : لقد وجدنا أهل الخبرةï´؟ ï´¾ مختلفين في تحديد الأعلم فكلا يقول أن أستاذه هو الأعلم !!
والحق يقال إننا لم نجد هذه الصفة من ضمن الصفات التي ذكرها الإمام المعصوم (ع) بل أن الأئمة (ع) قد ركزوا على الصفات الاخلاقية كما تقدم، وكانوا لا يعدون الفقيه فقيهاً حتى يكون محدثاً فقد ذكر الإمام الصادق (ع) ذلك في قوله : ï´؟اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا ، فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا ..ï´¾ï´؟ ï´¾.
إن الفقهاء عند أهل البيت (ع) إنما هم أهل الحديث المتسمكين بأخبار الأئمة (ع) لا العاملين بطرق العامة الإجتهادية والبعيده كل البعد عن وصايا الأئمة (ع).
ومما تقدم يكون قد تكون لدينا فهماً مجزي لقول الإمام (ع) حين قال للسائل: ï´؟وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ï´¾ . لأن هذه المواصفات التي ذكرها الإمام نادرة التوفر ان لم نقل بأنها ملحقة بالمعدوم خصوصاً في زماننا هذا الذي وصل الخلاف فيه إلى مستويات لم يصلها من قبل علما .
إلى هنا نكتفي ببيان المواصفات التي اعطاها الإمام للسائل في جواز من يقلده من الفقهاء ونركز على ان المسألة جاءت بمعنى الجواز وليس الوجوب وهذا خلاف لما عليه الفقهاء الأصوليين في مبدأ التقليد حيث أن الإمام (ع) قال : ï´؟فللعوام أن يقلدوهï´¾ ولم يقل ï´؟فعلى العوام أن يقلدوهï´¾ وهذا فرق شاسع بين التعبيرين فإن التعبير الأول يرخص في التقليد ولم يوجب أبداً كما هو عليه اليوم عند الفقهاء فلاحظ الاختلاف .
إن ما تقدم من الكلام كان تنزلا منا لمن يعتقد بصحة هذه الرواية ويعتمد عليها في مسألة التقليد إلا أن الذي يتمعن في متن الرواية يجد وبدون أدنى صعوبة بأن الرواية تخص التقليد في أصول الدين وليس في فروعه وهذا واضح في وصف حال عوام اليهود في قوله (ع) بأنهم : ï´؟ لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه ï´؟ وإن هم إلا يظنون ï´¾ ، أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في نبوته ، وإمامة علي عليه السلام سيد عترته ، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم ï´¾.
يتبع
مناقشة الأدلة الروائية التي اعتمدها الاصوليون لاثبات التقليد:
قال المحققون بأن مسألة التقليد لم ترد في شيء من الروايات المعتبرة عندهم وذلك واضح في قول المحقق الخوئي حين ذكر التقليد قائلاً : ï´؟ إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية اللهم إلا في النذر . وذلك لعدم وروده في شيء من الروايات ï´¾ï´؟ ï´¾ ومع هذا التصريح الذي قال به المحقق الخوئي تجد ان الفقهاء قد أستدلوا تحت عنوان ï´؟روايات وجوب التقليدï´¾ بعدد من الروايات التي اعتبروها دليلاً على التقليد وسوف يتم نقاشها نقاشاً موضوعياً حيث سيكون نقاشنا في هذا المبحث في حقلين :
الأول : مناقشة السند وحيث أن الفقهاء الأصوليين يعولون على الاسناد غاية التعويل والاعتماد، لذلك سنثبت بأن كل ما أستدلوا به من الأخبار هي أخبار ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها وفق طريقتهم الرجالية التي يعتمدونها .
الثاني : مناقشة المتن وسنثبت من خلاله بُعد المعنى الحقيقي للأخبار عن معنى التقليد الذي يعتمده الفقهاء .
وسيجدنا القارئ في أغلب نقاشنا معتنين بأقوال الفقهاء الأصوليين وجعلها مصدراً للاستدلال لنلزمهم بما الزموا به أنفسهم .
أستدل الفقهاء بعدد من الروايات على وجوب التقليد وسيتم مناقشة هذه الأدلة بالتفصيل :
مناقشة الدليل الروائي الأول :
احتج الفقهاء بما ورد في التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع): ï´؟... قال الإمام عليه السلام : ثم قال الله عز وجل : يا محمد ومن هؤلاء اليهود ï´؟ أميون ï´¾ لا يقرؤون الكتاب ولا يكتبون ، كالأمي منسوب إلى أمه أي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ ولا يكتب ï´؟ لا يعلمون الكتاب ï´¾ المنزل من السماء ولا المكذب به ، ولا يميزون بينهما ï´؟ إلا أماني ï´¾ أي إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم : إن هذا كتاب الله وكلامه ، لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه ï´؟ وإن هم إلا يظنون ï´¾ ، أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في نبوته، وإمامة علي عليه السلام سيد عترته ، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم .
قال : فقال رجل للصادق عليه السلام : فإذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره ، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم ؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم ؟ فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم ، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم . فقال عليه السلام : بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة ، أما من حيث أنهم استووا ، فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذم عوامهم . وأما من حيث أنهم افترقوا فلا . قال : بين لي ذلك يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله !
قال عليه السلام : إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح ، وبأكل الحرام وبالرشاء ، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات . وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم ، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم . وعرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات ، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق ، لا يجوز أن يصدق على الله ، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، فلذلك ذمهم الله لما قلدوا من قد عرفوا ، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ، ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى ، وأشهر من أن لا تظهر لهم .
وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر ، والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصبون عليه إن كان لإصلاح أمره مستحقاً ، وبالترفق بالبر والاحسان على من تعصبوا له ، وإن كان للاذلال والإهانة مستحقاً . فمن قلد من عوامنا من مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم .
فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه . وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ، فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ، ولا كرامة لهم ، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك ، لأن الفسقة يتحملون عنا ، فَهُم يحرفونه بأسره لجهلهم ، ويضعون الأشياء على غير مواضعها ووجوهها لقلة معرفتهم وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم . ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا ، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ، وينتقصون بنا عند نصابنا ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها ، فيتقبله المسلمون المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوهم.
وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال ، وللمسلوبين عند الله أفضل الأحوال لما لحقهم من أعدائهم . وهؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون، ولأعدائنا معادون يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب ï´¾ ï´؟ ï´¾.
مناقشة سند الرواية :
إن الاستدلال بهذه الرواية لا يفيد علماً ولا عملاً عند الأصوليين قبل غيرهم لأنها رواية ضعيفة مرسلة غير قابلة للاعتماد . إذ ان الأصوليين لا يعتمدون الروايات الضعيفة في باب الفقه والافتاء فكيف يعتمدوها في المصيريات كالتقليد الذي يبطل أو يصحح أفعال المكلف كما يقولون، فقد تقدم الحديث عن اعتقاد الأصوليين ببطلان اعمال المكلف ان لم يقلد أحد الفقهاء .
إن الاستدلال بهذه الرواية أصبح من ضروريات الأدلة إذ لا تجد فيمن كتب في أدلة التقليد الا ويذكرها كدليل أول إلا ما ندر بل جعلوها في مقدمة الأدلة الروائية ولكن الذي يخفى على الكثير من المقلدين بأن هذه الرواية لم يستدل بها المحققون على شرعية التقليد فمن المتأخرين المحقق الخوئي حين قال بضعف هذه الرواية سنداً لأنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد حيث قال : ï´؟إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية اللهم إلا في النذر . وذلك لعدم وروده في شيء من الروايات . نعم ورد في رواية الاحتجاج فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه مخالفا على هواه . مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه إلا إنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد ï´¾ï´؟ ï´¾.
وممن ذكر هذه الرواية من قدماء الإمامية هو الحر العاملي في الوسائل قائلاً : ï´؟ أن هذا الحديث لا يجوز عند الأصوليين الاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع ، لأنه خبر واحد مرسل ، ظني السند والمتن ضعيفا عندهم ï´¾ï´؟ ï´¾.
إن الفقهاء لم يوثقوا التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع) بالجملة وقالوا بأن التفسير مروي عن جملة من المجاهيل كمحمد بن القاسم الاسترآبادي ، ويوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيار وقالوا أيضاً ان في التفسير مطالب لا يمكن صدورها من معصوم وهذا على حد قولهم وبما ان الرواية قد نقلها الطبرسي في الاحتجاج عن تفسير العسكري (ع) فيكون ضعفها سندا متعلق بضعف التفسير وبذلك صرح المحققون بأن هذه الرواية غير قابلة للاعتماد ومن هؤلاء المحققون هو المحقق الخوئي قائلاً : ï´؟أن الرواية ضعيفة السند لأن التفسير المنسوب إلى العسكري - عليه السلام - لم يثبت بطريق قابل للاعتماد عليه فإن في طريقه جملة من المجاهيل كمحمد بن القاسم الاسترآبادي ، ويوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيارï´¾ï´؟ ï´¾ .
وقال الشيخ المنتظري إن ناقلي التفسير كلهم مجاهيل وزاد في ذلك حين قال لمن يعولون على هذه الرواية بحجة نقل الصدوق لها ان الشيخ الصدوق قد نقل عن غير الموثوقين في الفقيه وفي غيره كثيراً وقد قطع مجموعة من الفقهاء بكون التفسير المنسوب موضوعاً من قبل هؤلاء المجاهيل خصوصاً حين قال جمع من الفقهاء بأن في التفسير مطالب لا يمكن صدورها عن معصوم وغيرها من الامور ذكرها الشيخ المنتظري قائلاً : ï´؟ الراوي لهذا التفسير هو الصدوق - عليه الرحمة - عن أبي الحسن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي الخطيب ، قال : حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار . والثلاثة كلهم مجاهيل وإن تكلف في تنقيح المقال لتوثيقهم ومجرد رواية الصدوق عنهم لا يدل على توثيقهم ، فإنه في غير الفقيه روى عن غير الموثقين كثيراً ، بل فيه أيضاً . وقد قطع جمع من الأعلام منهم أبن الغضائري بكون التفسير موضوعا ، وقالوا إن فيه مطالب لا يناسب صدورها عن الإمام (ع)ï´¾ï´؟ ï´¾.
وذكر السيد الخميني الرواية في كتابه الرسائلï´؟ ï´¾ فقال بضعف أسنادها ودلالتها نترك مناقشة ما قاله السيد الخميني إلى مبحث مناقشة المتن .
ومما تقدم يتبين لنا ضعف الرواية بل ضعف التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع) بالجملة عند الأصوليين وانه غير قابل للاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع، والعلة في ذلك عندهم ان التفسير قد جاء عن جملة من المجاهيل والمجهول لا يمكن الاعتماد على روايته عند الأصوليين، ومع هذه التصريحات الواضحة لا تكاد تجد مبحث في أدلة التقليد الا وهذه الرواية في صدر الأدلة يقدمها الباحثين معتنين بها معولين عليها في اثبات حجية التقليد، وكذلك في الاستدلال على أحقية الفقيه بالإتباع والطاعة، وهذه من تناقضات الأصوليين في استدلالاتهم.
مناقشة متن الرواية :
ذكر الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة هذه الرواية وقال ان التقليد الذي ذكر فيها إنما هو في محل الترخيص وليس الوجوب كما هو عليه اليوم عند الفقهاء وهذا الترخيص إنما هو في قبول الروايات وليس قبول الإجتهاد والظن فأين ذهب وجوب التقليد الذي يقول به الأصوليون، والتقليد كان مرخص على قبول الرواية لا قبول الإجتهاد وإتباع الظن، وعلى العموم قال العاملي في تعليقه على رواية الاحتجاج : ï´؟ أقول : التقليد المرخص فيه هنا إنما هو قبول الرواية لا قبول الرأي والإجتهاد والظن وهذا واضح ، وذلك لا خلاف فيه، ولا ينافي ما تقدم وقد وقع التصريح بذلك فيما أوردناه من الحديث وفيما تركناه منه في عدة مواضع ....... ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية ï´¾ï´؟ ï´¾.
إن المتمعن في متن الرواية يجد ان مواصفات الفقيه الواجبة توفرها فيه ناقصة عما عليه شروط المرجعية اليوم خصوصاً حين نرى متن الرواية يتحدث عن الجانب الاخلاقي كصيانة النفس والمحفاظ على الدين ومخالفة الهوى والطاعة لأمر المعصوم (ع) ولا يخفى بأن هذه المواصفات لا تتوفر في كل فقهاء الإمامية وذلك بنص كلام المعصوم (ع) حين قال معقباً على ما تقدم من المواصفات : ï´؟ وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ï´¾ وقبل أن نسأل عن السبب في هذه القلة لنسأل عن سبب ذكر الإمام (ع) لهذه المواصفات وتركه لمواصفات أخرى اوجب أغلب الفقهاء توفرها في مرجع التقليد كالإجتهاد المطلق والأعلمية والحياة وهذه المخالفة من الفقهاء بل الزيادة التي وضعوها في شرائط المرجع تعد تجاوز لقاعدة حجية الظهورï´؟ ï´¾ التي اعطى الفقهاء الأصوليين الحجية لها، وصنفوها في مقام الحجة فكيف يمكن ان نزيد على كلام المعصوم شيء لم يقله، فما هي فائدة حجية الظهور ان لم يعمل بها .
إن السؤال الذي يتبادر إلى الاذهان وهو العلة من عدم ذكر المعصوم (ع) لهذه الشرائط أي الإجتهاد المطلق والأعلمية والحياة وغيرها فإذا كانت واجبة التوفر في الفقيه المُقلد لذكرها الإمام (ع) في جملة الشرائط أما إذا كانت واجبة ولم يذكرها المعصوم (ع) فذلك يُعد تقصيراً منه (ع) في تبليغ الناس بشروط الفقاهة –حاشاه من ذلك- وهذا ما لا يقوله أحد وإذا كان العكس كانت هذه الشروط الموضوعة سالبة بأنتفاء الموضوع -كما يحب ان يعبر الأصوليين- فلا تعد الا زيادة وتقدم على أئمة الهدى (ع) وهذا أمرا أكيد لعدم ذكر الإجتهاد بخير في أي نص روائي، كما ان المجتهد لا يُعد اميناً في نقل الأحكام للناس وهذا واضح فلو سألت اليوم عن مسألة شرعية لوجدت الفقهاء في غاية الاختلاف في حكمها فلم تبقى مسألة الا وأختلف الفقهاء فيها وهذا الاختلاف كان وما زال نتاج الإجتهاد وأدواته لا محاله وكما ذكرنا في الباب الأول .
ومن هنا نفهم عدم ورود ذكر الإجتهاد ولا الأعلمية ضمن شروط الفقيه الجائز تقليده في الرواية بل تجد التاكيد على الجانب الاخلاقي المتمثل بالورع والعدالة والإنقياد للأئمة كما في قوله (ع): ï´؟صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ï´¾ وهذه المواصفات الواجب توفرها في الفقيه الذي يكون أهلاً للائتمان على حلال الله وحرامه فيكون بهذه المواصفات أهلاً لنقل الروايات للناس وتعليمهم أحكام دينهم والتوقف عند المسائل التي لا يعلم حكمها يقينا، فقد ذكرنا بأن الإسلام هو التسليم والمواصفات التي ذكرت في الرواية تعد من مظاهر التسليم والإنقياد لآل محمد (ع) والورع عن محارم الله المتمثلة بالقول دون السماع منهم (ع) وليس كما نشاهده عند المجتهدين فإن الواحد منهم يفتي في المسائل ثم يقول بعد أفتائه الله أعلم وكما مر ذكره في الباب الأول، علما بأن الفقهاء لم يقدموا هذه المواصفات التي ذكرت بالخبر بل قدموا الأعلمية عليها والأعلمية إنما يقصدون بها الأعلمية بطرق الإجتهاد التي ثبت بطلانها بالباب الأول فإن أختلف فقيهان إلى قولين يقدم الأعلم لا الاورع والاعدل كما قال المحقق الحلي: ï´؟وان اتفق اثنان أحدهما أعلم والآخر أكثر عدالة وورعا ، قدم الأعلم ، لأن الفتوى تستفاد من العلم لا من الورعï´¾ï´؟ ï´¾ . وقال أيضاً : ï´؟ولا يكتفي العامي بمشاهدة المفتي متصدرا ، ولا داعيا إلى نفسه ، ولا مدعيا ، ولا باقبال العامة عليه ، ولا اتصافه بالزهد والتورع ï´¾ï´؟ ï´¾.
إن الزهد والورع والعدالة غير كافية في عرف الفقهاء لكي يكون صاحب هذه الصفات فقيهاً أو مفتياً بل الأهم من هذه الصفات عندهم هو صفة الأعلمية بطرق الإجتهاد أو بمصطلح المتأخرين هو الأعلمية بالأصول الفقهية، ولو تنزلنا جدلا وقلنا كما قالوا فإننا سنقع بمطب آخر وهو إذا كان العامي كما يسمونه له القدرة على تحديد الأعلم فهو بذلك يعد أعلم من الفقهاء لأنه أختبرهم فأستطاع أن يحدد الأعلم! أما إذا قالوا لا بد للعامي ان يسأل أهل الخبرة نقول : لقد وجدنا أهل الخبرةï´؟ ï´¾ مختلفين في تحديد الأعلم فكلا يقول أن أستاذه هو الأعلم !!
والحق يقال إننا لم نجد هذه الصفة من ضمن الصفات التي ذكرها الإمام المعصوم (ع) بل أن الأئمة (ع) قد ركزوا على الصفات الاخلاقية كما تقدم، وكانوا لا يعدون الفقيه فقيهاً حتى يكون محدثاً فقد ذكر الإمام الصادق (ع) ذلك في قوله : ï´؟اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا ، فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا ..ï´¾ï´؟ ï´¾.
إن الفقهاء عند أهل البيت (ع) إنما هم أهل الحديث المتسمكين بأخبار الأئمة (ع) لا العاملين بطرق العامة الإجتهادية والبعيده كل البعد عن وصايا الأئمة (ع).
ومما تقدم يكون قد تكون لدينا فهماً مجزي لقول الإمام (ع) حين قال للسائل: ï´؟وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ï´¾ . لأن هذه المواصفات التي ذكرها الإمام نادرة التوفر ان لم نقل بأنها ملحقة بالمعدوم خصوصاً في زماننا هذا الذي وصل الخلاف فيه إلى مستويات لم يصلها من قبل علما .
إلى هنا نكتفي ببيان المواصفات التي اعطاها الإمام للسائل في جواز من يقلده من الفقهاء ونركز على ان المسألة جاءت بمعنى الجواز وليس الوجوب وهذا خلاف لما عليه الفقهاء الأصوليين في مبدأ التقليد حيث أن الإمام (ع) قال : ï´؟فللعوام أن يقلدوهï´¾ ولم يقل ï´؟فعلى العوام أن يقلدوهï´¾ وهذا فرق شاسع بين التعبيرين فإن التعبير الأول يرخص في التقليد ولم يوجب أبداً كما هو عليه اليوم عند الفقهاء فلاحظ الاختلاف .
إن ما تقدم من الكلام كان تنزلا منا لمن يعتقد بصحة هذه الرواية ويعتمد عليها في مسألة التقليد إلا أن الذي يتمعن في متن الرواية يجد وبدون أدنى صعوبة بأن الرواية تخص التقليد في أصول الدين وليس في فروعه وهذا واضح في وصف حال عوام اليهود في قوله (ع) بأنهم : ï´؟ لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه ï´؟ وإن هم إلا يظنون ï´¾ ، أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في نبوته ، وإمامة علي عليه السلام سيد عترته ، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم ï´¾.
يتبع
تعليق